زواجها

زواجها سلام الله عليها وأنه بأمر الله تعالى

1ـ قال المحقق البارع الشيخ شعيب الحريفش: وكان المختار كلما اشتاق إلى الجنة ونعيمها قبّل فاطمة وشم طيب نسيمها، فيقول حين ينشق نسماتها القدسية: (إن فاطمة لحوراء إنسية).

فلما استنارت في سماء الرسالة شمس جمالها، وتم في أفق الجلالة بدر كمالها امتدت إليها مطالع الأفكار، وتمنت النظر إلى حسنها أبصار الأخيار، وخطبها سادات المهاجرين والأنصار، ردهم المخصوص من الله بالرضا، وقال: إني أنتظر بها القضاء.

وفي فخار وفي فـضل وفــي حسب

من مثل فاطمة الزهراء فـي نسب

إذ كـانت ابــنة خـير العجم والعرب

والله فـضـلها حــقاً وشــرفها

ولقد خطبها أبو بكر وعمر، فقال لهما رسول الله : إن أمرها إلى الله تعالى. ثم إن أبا بكر وعمر وسعد بن معاذ كانوا جلوساً في مسجد رسول الله فتذاكروا أمر فاطمة ، فقال أبو بكر: قد خطبها الأشراف فردهم رسول الله وقال: إن أمرها إلى الله عز وجل، وإن علياً لم يخطبها ولم يذكرها، ولا أرى ما يمنعه من ذلك إلا قلة ذات اليد، وإنه ليقع في نفسي أن الله تعالى ورسوله إنما يحبسانها لأجله (1) ...

2ـ الحافظ الهمداني يرفعه إلى الحسين بن علي قال: بينا رسول الله في بيت أم سلمة إذ هبط عليه ملك له عشرون رأساً، في كل رأس ألف لسان، يسبح الله ويقدسه بلغة لا تشبه الأخرى، وراحته أوسع من سبع سماوات وسبع أرضين، فحسب النبي أنه جبرائيل، فقال: يا جبرائيل لم تأتني في مثل هذه الصورة قط. قال: ما أنا جبرائيل، أنا صرصائيل، بعثني الله إليك لتزوج النور من النور، فقال النبي : من ممن؟ قال: ابنتك فاطمة من علي بن أبي طالب.

فزوج النبي فاطمة من علي بشهادة جبرائيل وميكائيل وصرصائيل. قال: فنظر النبي فإذا بين كتفي صرصائيل: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي بن أبي طالب مقيم الحجة).

فقال النبي : يا صرصائيل منذ كم هذا كتب بين كتفيك؟ قال: من قبل أن يخلق الله الدنيا باثني عشر ألف سنة(2).

3ـ وفي حديث خباب بن الأرت: إن الله تعالى أوحى إلى جبرائيل: زوج النور من النور، وكان الولي الله، والخطيب جبرائيل، والمنادي ميكائيل، والداعي إسرافيل، والناثر عزرائيل، والشهود ملائكة السماوات والأرضين. ثم أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك، فنثرت الدر الأبيض والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر واللؤلؤ الرطب، فبادرن الحور العين يلتقطن ويهدين بعضهن إلى بعض(3).

4 ـ عن أنس بن مالك قال: ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري وعثمان بن عفان إلى النبي ، فقال له عبد الرحمن: يا رسول الله تزوجني فاطمة ابنتك، وقد بذلت لها من الصداق مائة ناقة سوداء زرق الأعين محملة كلها قباطي مصر، وعشرة آلاف دينار ـ ولم يكن من أصحاب رسول الله أيسر من عبد الرحمن وعثمان ـ. وقال عثمان: وأنا أبذل ذلك، وأنا أقدم من عبد الرحمن إسلاماً.

فغضب النبي من مقالتهما، فتناول كفاً من الحصى فحصب به عبد الرحمن وقال له: إنك تهول علي بمالك؟ فتحول الحصى دراً. فقومت درة من تلك الدرر فإذا هي تفي بكل ما يملكه عبد الرحمن، وهبط جبرائيل في تلك الساعة فقال: يا أحمد إن الله يقرئك السلام ويقول: قم إلى علي بن أبي طالب فإن مثله مثل الكعبة يحج إليها ولا يحج إلى أحد، إن الله أمرني أن آمر رضوان خازن الجنان أن يزين الأربع جنان، وأمر شجرة طوبى وسدرة المنتهى أن تحملا الحلي والحلل، وأمر الحور العين أن يتزين وأن يقفن تحت شجرة طوبى وسدرة المنتهى، وأمر ملكاً من الملائكة يقال له: راحيل ـ وليس في الملائكة أفصح منه لساناً ولا أعذب منطقاً ولا أحسن وجهاً ـ أن يحضر إلى ساق العرش. فلما حضرت الملائكة والملك أجمعون، أمرني أن أنصب منبراً من النور، وأمر راحيل أن يرقى فخطب خطبة بليغة من خطب النكاح، وزوج علياً من فاطمة بخمس الدنيا لها ولولدها إلى يوم القيامة، وكنت أنا وميكائيل شاهدين، وكان وليها الله تعالى، وأمر شجرة طوبى وسدرة المنتهى أن تنثرا ما فيهما من الحلي والحلل والطيب، وأمر الحور أن يلقطن ذلك وأن يفتخرن به إلى يوم القيامة، وقد أمرك الله أن تزوجه بفاطمة في الأرض(4)...

5 ـ عن جابر بن عبد الله قال: لما زوج رسول الله فاطمة من علي كان الله تعالى مزوجه من فوق عرشه، وكان جبرائيل الخاطب، وكان ميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفاً من الملائكة شهوداً(5) ...

6 ـ عن أبي جعفر قال: قال رسول الله : إنما أنا بشر مثلكم، أتزوج فيكم وأزوجكم إلا فاطمة، فإن تزويجها نزل من السماء(6).

7 ـ عن علي قال: قال لي رسول الله : يا علي لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة وقالوا: خطبناها إليك فمنعتنا وزوجت علياً، فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم وزوجته، بل الله منعكم وزوجه، فهبط علي جبرائيل فقال: يا محمد إن الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه(7).

صداقها سلام الله عليها في السماء
8 ـ قيل للنبي
: قد علمنا مهر فاطمة في الأرض، فما مهرها في السماء؟ قال: سل عما يعنيك ودع ما لا يعنيك، قيل: هذا مما يعنينا يا رسول الله، قال: كان مهرها في السماء خمس الأرض، فمن مشى عليها مبغضاً لها ولولدها مشى عليها حراماً إلى أن تقوم الساعة(8).

9 ـ قال الصادق : إن الله تعالى مهر فاطمة ربع الدنيا، فربعها لها، ومهرها الجنة والنار فتدخل أولياءها الجنة وأعداءها النار(9).

10 ـ في حديث عن رسول الله : ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة، فهي في دار علي (10).

11 ـ وقد ورد في الخبر: إنها لما سمعت بأن أباها زوجها وجعل الدراهم مهراً لها، فقالت: يا رسول الله إن بنات الناس يتزوجن بالدراهم فما الفرق بيني وبينهن؟ أسألك تردها وتدعو الله تعالى أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك، فنزل جبرائيل ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: (جعل الله مهر فاطمة الزهراء شفاعة المذنبين من أمة أبيها).

فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن، فوضعت، وقالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي وشفعت في عصاة أمة أبي. قال النسفي: سألت فاطمة (رضي الله عنها) النبي أن يكون صداقها شفاعة لأمته يوم القيامة، فإذا صارت على الصراط طلبت صداقها(11).

12ـ في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله مخاطباً للحسنين : أنتما الإمامان، ولأمكما الشفاعة(12)

13 ـ عن عتبة ابن الأزهري، عن يحيى بن عقيل قال: سمعت عقيلاً يقول: قال رسول الله : إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة على خمس الدنيا أو على ربعها ـ شك فيه عتبة ـ فمن مشى على الأرض وهو يبغضك في الدنيا فالدنيا عليه حرام ومشيه فيها حرام(13).

14 ـ عن ابن عباس، عن النبي : يا علي إن الله عز وجل زوجك فاطمة وجعل صداقها الأرض، فمن مشى عليها مبغضاً لك مشى حراماً(14).

15 ـ في خبر طويل عن الباقر : وجعلت نحلتها من علي خمس الأرض وثلث الجنة، وجعلت لها في الأرض أربعة أنهار: الفرات ونيل مصر ونهروان ونهر بلخ، فزوجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنة لأمتك(15).

الخطباء والخطب في زواجها (سلام الله عليها)
والعاقد بينهما هو الله تعالى، والقابل جبرائيل، والخاطب راحيل، والشهود حملة العرش، وصاحب النثار رضوان، وطبق النثار شجرة طوبى، والنثار الدر والياقوت والمرجان، والرسول هو المشاطة، وأسماء صاحب الحجلة، ووليد هذا النكاح الأئمة
(16).

الخطبة الأولى

في خبر: إنه كان الخطيب راحيل، وقد جاء في بعض الكتب أنه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع، فقال: الحمد لله الأول قبل أولية الأولين، الباقي بعد فناء العالمين، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب، وسترنا من العيوب، أسكننا في السماوات، وقربنا إلى السرادقات، وحجب عنا النهم للشهوات (17)، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه، الباسط رحمته، الواهب نعمته، جل عن إلحاد أهل الأرض من المشركين، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين.

ثم قال بعد كلام: اختار الملك الجبار صفوة كرمه، وعبد عظمته لأمته سيدة النساء بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين، فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه، المصدق دعوته، المبادر إلى كلمته على الوصول، بفاطمة البتول ابنة الرسول.

وروي أن جبرائيل روى عن الله تعالى عقيبها قوله عز وجل: الحمد ردائي، والعظمة كبريائي، والخلق كلهم عبيدي وإمائي، زوجت فاطمة أمتي، من علي صفوتي، اشهدوا ملائكتي(18).

الخطبة الثانية

في حديث طويل: أوحى الله إلى الأمين جبرائيل أن ارق منبر الكرامة، فرقى حتى استوى على المنبر واقفاً، فقام خطيباً: الحمد لله الذي خلق الأرواح، وفلق الإصباح، وصور على عرشه خمسة الأشباح، محيي الأموات، وجامع الشتات، ومخرج النبات، ومنزل البركات… بارئ الأنام، ومنشئ الغمام، لا تشتبه عليه الأصوات، ولا تخفى عليه اللغات، لا يأخذه نوم ولا نسيان... ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، ونشهد أن علي بن أبي طالب خليفة نبيه، واشهدوا يا ملائكة المقربين والملائكة الراكعين والملائكة المسبحين، وجميع أهل السماوات والأرضين بأني زوجت سيدة نساء العالمين بنت محمد الأمين فاطمة الزهراء بعلي بن أبي طالب سيد الوصيين. ألا أن لها بأمر رب العالمين خمس الدنيا أرضها وسماؤها، وبرها وبحرها، وجبالها وسهلها. وأوحى الله تعالى إليهم أني قد زوجت وليي ووصي رسول الله علياً ابن أبي طالب بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (19).

نكاحها في الأرض

قال ابن أبي الحديد: وإن نكاحه علياً إياها ما كان إلا بعد أن أنكحه الله تعالى إياها في السماء بشهادة الملائكة(20).

وكان بين تزويج أمير المؤمنين بفاطمة في السماء وبين تزويجها في الأرض أربعون يوماً(21). عن رسول الله قال: أتاني ملك فقال: يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: إني قد زوجت فاطمة ابنتك من علي بن أبي طالب في الملأ الأعلى، فزوجها منه في الأرض(22).

قال المحقق البارع علي محمد علي دخيل: للزهراء عليها السلام فضائل ومميزات على جميع النساء باعتبارها سيدة نساء العالمين، ومن هذه الفضائل ـ وما أكثرها ـ زواجها من أمير المؤمنين وأنه كان بأمر من الله تعالى، وأن مراسيمه تمت في السماء قبل الأرض، وفي العالم العلوي قبل السفلي، روى ذلك الخاص والعام وتواتر به الحديث(23).

عن جابر قال: لما أراد رسول الله أن يزوج فاطمة علياً قال له: اخرج يا أبا الحسن إلى المسجد فإني خارج في إثرك، ومزوجك بحضرة الناس، وذاكر من فضلك ما تقر به عينك.

قال علي : فخرجت من عند رسول الله وأنا ممتلئ فرحاً وسروراً، فاستقبلني أبو بكر وعمر فقالا: ما وراءك: يا أبا الحسن؟ فقلت: يزوجني رسول الله فاطمة، وأخبرني أن الله زوجنيها، وهذا رسول الله خارج في إثري ليذكر بحضرة الناس، ففرحا وسرا ودخلا معي المسجد، فو الله ما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله وإن وجهه ليتهلل فرحاً وسروراً.

فقال : أين بلال؟ فقال: لبيك وسعديك، فقال: وأين المقداد؟ فلباه، فقال: وأين سلمان؟ فلباه، فلما مثلوا بين يديه قال: انطلقوا بأجمعكم إلى جنبات المدينة واجمعوا المهاجرين والأنصار والمسلمين.

فانطلقوا لأمره، فأقبل حتى جلس على أعلى درجة من منبره، فلما حشد المسجد بأهله قام فحمد الله وأثنى عليه وقال:

الخطبة الثالثة في المسجد

الحمد لله الذي رفع السماء فبناها، وبسط الأرض ودحاها، وأثبتها بالجبال فأرساها، وتجلل عن تحبير لغات الناطقين، وجعل الجنة ثواب المتقين، والنار عقاب الظالمين، وجعلني رحمة للمؤمنين، ونقمة على الكافرين. عباد الله! إنكم في دار أمل، بين حياة وأجل، وصحة وعلل، دار زوال متقلبة الحال، جعلت سبباً للارتحال، فرحم الله امرئ قصر من أمله، وجد في عمله، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوته، فقدمه ليوم فاقته، يوم تحشر فيه الأموات، وتخشع فيه الأصوات، وتنكر الأولاد والأمهات، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، يوم يوفيهم الله دينهم الحق، ويعلمون أن الله هو الحق المبين، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً، ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، يوم تبطل فيه الأنساب وتقطع الأسباب، ويشتد فيه على المجرمين الحساب، ويدفعون إلى العذاب، فمن زحزح عن النار وأدخل في الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.

أيها الناس إنما الأنبياء حجج الله في أرضه، الناطقون بكتابه، العاملون بوحيه، وإن الله تعالى أمرني أن أزوج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمي وأولى الناس بي علي بن أبي طالب، والله عز شأنه قد زوجه بها في السماء، وأشهد الملائكة، وأمرني أن أزوجه في الأرض، وأشهدكم على ذلك.

ثم جلس وقال: قم يا علي واخطب لنفسك، فقال علي: أ أخطب يا رسول الله وأنت حاضر؟ فقال: اخطب، فهكذا أمرني جبرئيل أن آمرك تخطب لنفسك، ولولا أن الخطيب في الجنان داود لكنت أنت يا علي. ثم قال: أيها الناس اسمعوا قول نبيكم: إن الله بعث أربعة آلاف نبي، ولكل نبي وصي، فأنا خير الأنبياء، ووصيي خير الأوصياء. ثم أمسك وابتدأ علي فقال:

الخطبة الرابعة من علي

الحمد لله الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين، وأنار بثواقب عظمته قلوب المتقين، وأوضح بدلائل أحكامه طرق السالكين، وأبهج بابن عمي المصطفى العالمين، حتى علت دعوته دعوة الملحدين، واستظهرت كلمته على بواطن المبطلين، وجعله خاتم النبيين وسيد المرسلين، فبلغ رسالة ربه، وصدع بأمره، وأنار من الله آياته، فالحمد لله الذي خلق العباد بقدرته، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد، ورحم وكرم وشرف وعظم، والحمد لله على نعمائه وأياديه.

وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة إخلاص ترضيه، وأصلي على نبيه محمد صلاة تزلفه وتحظيه. وبعد، فإن النكاح مما أمر الله تعالى به، وأذن فيه، ومجلسنا هذا مما قضاه الله تعالى ورضيه، وهذا محمد بن عبد الله رسول الله، زوجني ابنته فاطمة على صداق أربعمائة درهم ودينار، وقد رضيت بذلك، فاسألوه واشهدوا.

فقال المسلمون: زوجته يا رسول الله؟ قال: نعم، قال المسلمون: بارك الله لهما وعليهما وجمع شملهما(24).

الخطبة الخامسة

عن أنس قال: بينا أنا قاعد عند النبي إذ غشيه الوحي، فلما سري عنه قال: يا أنس تدري ما جاءني به جبرائيل من صاحب العرش؟ قلت: الله ورسوله أعلم، بأبي وأمي ما جاء به جبرائيل؟ قال: إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة علياً، انطلق فادع لي المهاجرين والأنصار، قال: فدعوتهم، فلما أخذوا مقاعدهم قال النبي صلى الله عليه وآله: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرغوب إليه فيما عنده، المرهوب عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميزهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد، ثم إن الله تعالى جعل المصاهرة نسباً وصهراً، فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، فلكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)(25).

ثم إن الله أمرني أن أزوج فاطمة بعلي، فأشهدكم أني قد زوجته على أربعمائة مثقال من فضة إن رضي بذلك علي. وكان علي غائباً قد بعثه رسول الله في حاجته، ثم إن رسول الله أمر بطبق فيه بسر فوضع بين أيدينا، ثم قال: انتبهوا، فبينا نحن ننتبه إذ أقبل علي ، فتبسم إليه النبي ثم قال: يا علي إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة، فقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة، إن رضيت، فقال علي : قد رضيت يا رسول الله. ثم إن علياً مال فخر ساجداً شكراً لله تعالى، وقال: الحمد لله الذي حببني إلى خير البرية محمد رسول الله، فقال رسول الله : بارك الله عليكما، وبارك فيكما، وأسعدكما، وأخرج منكما الكثير الطيب. قال أنس: فو الله لقد أخرج منهما الكثير الطيب. قلت: هذا حديث حسن عال(26).

نثار شجرة طوبى 


عن رسول الله
: أيها الناس هذا علي بن أبي طالب، أنتم تزعمون أنني أنا زوجته ابنتي فاطمة، ولقد خطبها إلي أشراف قريش فلم أجب كل ذلك، أتوقع الخبر من السماء، حتى جاءني جبرائيل ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، وقد جمع الروحانيين والكروبيين في واد يقال له الأفيح تحت شجرة طوبى، وزوّج فاطمة علياً، وأمرني فكنت الخاطب، والله تعالى الولي، وأمر شجرة طوبى فحملت الحلي والحلل والدر والياقوت ثم نثرته، وأمر الحور العين اجتمعن فلقطن، فهن يتهادينه إلى يوم القيامة ويقلن: هذا نثار فاطمة(27).

نقل الشيخ البهائي (ره) عن والده (ره) في كشكوله: وجد در مكتوب فيه

يـوم تزويج والد السبطين

 أنا در من السماء نثروني

صبغتني دماء نهر الحسين

 كنت أصفى من اللجين بياضا

ولبعضهم في تخميس هذا:

كل ذي جوهر عزيز ثمين

أيها السائــل المسائل دوني

أنا در من السماء نثروني

ما أنا ذا من الثرى أخرجوني

يوم تزويج والد السبطين

موضعي في السماء وليس انخفاضا

كنت من جوهر ولا أعراضا

كنت أصفى من اللجين بياضا

إنما حمرتـي أتتني اعتراضا

صبغتني دماء نهر الحسين(28)

ما نثرت بعد العقد في السماوات
عن بلال بن حمامة قال: خرج علينا رسول الله
ذات يوم ضاحكاً مستبشراً، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: بشارة أتتني من عند ربي، إن الله لما أراد أن يزوج علياً فاطمة أمر ملكاً أن يهز شجرة طوبى فهزها، فنثرت رقاقاً ـ يعني صكاكاً ـ وأنشأ الله ملائكة التقطوها، فإذا كانت القيامة ثارت الملائكة في الخلق، فلا يرون محباً لنا أهل البيت محضاً إلا دفعوا إليه منها كتاباً براءة له من النار من أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي من النار(29).

وفي رواية: أنه يكون في الصكوك براءة من العلي الجبار لشيعة علي وفاطمة من النار(30).

للعبدي الكوفي

يق شريف في المناسب

صديقة خلقت لصد

طهرين من دنس المعايب

اختاره واختارها

بظل العرش راتب

اسماهما قرنا على سطر

أمينه جبريل خاطب

كان الإله وليها و

هبة تعالت في المواهب

والمهر خمس الأرض مو

طيبت تلك المناهـب

وتهابها من حمل طوبى

قوله: (صديقة) يعني به فاطمة بنت النبي ، سماها به أبوها فيما أخرجه أبو سعيد في (شرف النبوة) عن رسول الله أنه قال لعلي : أوتيت ثلاثاً لم يؤتيهن أحد ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلي، وأوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني وأنا منكم.

(الرياض النضرة، ج2، ص202).

قوله: (لصديق) يعني به أمير المؤمنين … عن النبي قال: قال لي ربي عز وجل ليلة أسري بي: من خلفت على أمتك يا محمد؟ قال: قلت: يا رب أنت أعلم، قال: يا محمد انتجبتك برسالتي، واصطفيتك لنفسي، وأنت نبيي وخيرتي من خلقي، ثم الصديق الأكبر الطاهر المطهر الذي خلقته من طينتك، وجعلته وزيرك وأبي سبطيك السيدين الشهيدين الطاهرين المطهرين سيدي شباب أهل الجنة، وزوجته خير نساء العالمين، أنت شجرة، وعلي غصنها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها، خلقتهما من طينة عليين، وخلقت شيعتكم منكم، إنهم لو ضربوا على أعناقهم، بالسيوف ما ازدادوا لكم إلا حباً. قلت: يا رب ومن الصديق الأكبر؟ قال: أخوك علي بن أبي طالب. أخرجه القرشي في (شمس الأخبار ص33)(31).

قوله: (وتهابها من حمل طوبى…) إشارة إلى ما في حديث بلال بن حمامة كما مر من (تاريخ بغداد).

مهرها وصداقها (سلام الله عليها) في الأرض 


عن أبي جعفر قال: كان صداق فاطمة برد حبرة، وإهاب شاة على عرار.

أقول: في اللسان: برود حبرة ضرب من البرود يمانية، يقال: برد حبر وبرد حبرة مثل عِنَبَة على الوصف والإضافة. والإهاب: الجلد ما لم يدبغ. والعرار: نبت رائحة الطيب.

وفي (الكافي) للكليني (رحمه الله): زوج النبي فاطمة من علي على جرد برد(32). وفي (مجمع البحرين): وانجرد الثوب: انسحق ولان، ومنه: كان صداق فاطمة جرد برد حبرة، ودرع حطمية، وجرد قطيفة لنجرد خملها وخلقت.

عن الحسين بن علي في خبر: زوج النبي فاطمة علياً على أربعمائة وثمانين درهماً. وروي أن مهرها أربعمائة مثقال فضة. وروي أنه كان خمسمائة درهم، وهو أصح(33).

وعن الصادق عليه السلام قال: كان صداق فاطمة درع حطمية وإهاب كبش أو جدي(34). عن جعفر بن محمد، عن أبيه: إن علي بن أبي طالب أصدق فاطمة درعاً من حديد، وجرة دوار(35)، وإن صداق نساء النبي كان خمسمائة درهم(36).

عن أنس في حديث تزويج فاطمة: قال رسول الله لعلي : وما عندك؟ قلت: فرسي وبدني ـ يعني درعي ـ قال: أما فرسك فلا بد لك منه، وأما بدنك فبعها. قال: فبعتها بأربعمائة وثمانين درهماً، فأتيت بها النبي فوضعتها في حجره، فقبض منها قبضة فقال: يا بلال ابتعنا بها طيباً(37).

وفي حديث: إن علياً تزوج فاطمة فباع بعيراً له بثمانين وأربعمائة درهم، فقال النبي : اجعلوا ثلثين في الطيب، وثلثاً في الثياب(38).

عن علي قال: قالت لي مولاة لي: هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله ؟ قلت: لا، قالت: فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله يزوجك، فقلت: وعندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئت رسول الله يزوجك، فو الله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله ، وكانت لرسول الله جلالة وهيبة، فلما قعدت بين يديه أفحمت، فو الله ما أتكلم، فقال: ما جاء بك؟ ألك حاجة؟ فسكت، فقال: لعلك جئت تخطب فاطمة؟ قلت: نعم، قال: وهل عندك من شيء تستحلها به؟ قلت: لا والله يا رسول الله، فقال: ما فعلت الدرع التي سلحتكها؟ فقلت: عندي، والذي نفس علي بيده إنها لحطمية، ما ثمنها أربعمائة درهم، قال: قد زوجتكها، فابعث بها فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله .

قال في ذيل الحديث: والحطمية: قال شمر في تفسيرها: هي العريضة الثقيلة، وقال بعضهم: هي التي تكسر السيوف، ويقال: هي منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم: حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع، قال ابن عيينة: هي شر الدروع، وهذا أمس بالحديث لأن علياً ذكرها في معرض الذم وتقليل ثمنها(39).

وإن النبي قال لفاطمة: إن علي بن أبي طالب ممن قد عرفت قرابته وفضله من الإسلام، وإني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً، فما ترين؟ فسكتت، فخرج رسول الله وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها(40).

-----------------------------------------------------------

الهوامش

1 ـ (الروض الفائق) ص256.

2 ـ (البحار) ج43، ص123.

3 ـ (البحار) ج43، ص109 ـ110.

4 ـ (دلائل الإمامة) ص12 ـ13.

5 ـ (البحار) ج43، ص142

6 ـ البحار، ج43، ص145، 92، 113

7 ـ البحار، ج43، ص145، 92، 113.

8 ـ البحار، ج43، ص145، 92، 113.

9 ـ البحار، ج43، ص145، 92، 113.

10 ـ (معالم الزلفى) للسيد هاشم البحراني (ره) ص397.

11 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص367.

12 ـ (كشف الغمة) ج1، ص507.

13 ـ (مودة القربى) للسيد علي الهمداني، على ما في ذيل (إحقاق الحق) ج10، ص368.

14 ـ (كشف الغمة) ج1، ص472. وأن (مبغضاً لها) أشبه، كما في بعض النسخ.

15 ـ (البحار) ج43، ص113.

16 ـ (البحار) ج43، ص107.

17 ـ النهمة: بلوغ الهمة والشهوة في الشيء.

18 ـ (المناقب) لابن شهر آشوب، ج3، ص348.

19 ـ (الجنة العاصمة) ص100.

20 ـ (شرح النهج) ج9، ص193.

21 ـ (الجنة العاصمة) ص104.

22 ـ (ذخائر العقبى) ص31 ـ32.

23 ـ (فاطمة الزهراء عليها السلام) ص44.

24 ـ (دلائل الإمامة) للطبري، ص16 ـ17

25 ـ الرعد، 39.

26 ـ (كفاية الطالب) الباب 78، ص298 ـ299.

27 ـ (كفاية الطالب) الباب 79، ص300.

28 ـ (كشكول البهائي) كما في (رياض المدح والرثاء) للشيخ سليمان البلادي البحراني، ص221 ـ222. أقول: نقل السيد ابن طاووس (ره) في (الإقبال) ص468 في فضل يوم الغدير عن الصادق في حديث طويل: (وفي ذلك اليوم ليتهادون (الملائكة) نثار فاطمة ).

29 ـ (تاريخ بغداد) ج4، ص210.

30 ـ (المناقب) لابن شهر آشوب، ج3، ص346.

31 ـ (الغدير) ج2، ص 305 ـ316.

32 ـ (البحار) ج43، ص112 ـ113

33 ـ (البحار) ج43، ص112 ـ113  

34 ـ (البحار) ج43، ص112 ـ113

35 ـ الجرة: إناء من خزف كالفخار، وجمعها: جر وجرار

36 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص357

37 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص357 ـ360

38 ـ (إحقاق الحق) ج10، ص357 ـ360

39 ـ (ذخائر العقبى) ص27.

40 ـ (البحار) ج43، ص111 ـ112

العودة إلى الصفحة الرئيسية