خطبة علي للزهراء

فلما استنارت في السماء الدنيا له شمس جمالها،و تم في افق الجلالة بدر كمالها امتدت اليها مطالع الأفكار،تمنت النظر إلى حسنها أبصار الأخيار،خطبها سادات المهاجرين و الأنصار،ردهم المخصوص من الله بالرضى،و قال:إني انتظر بها القضاء:

من مثل فاطمة الزهراء في نسب‏ 
و في فخار و في فضل و في حسب‏ 
و الله شرفها حقا و فضلها 
إذ كانت ابنة خير العجم و العرب

و لقد خطبها أي فاطمة أبو بكر و عمر،فقال لهما رسول الله :إن أمرها إلى الله تعالى،ثم إن أبا بكر و عمر و سعد بن معاذ كانوا جلوسا في مسجد رسول الله فتذاكروا أمر فاطمة ،فقال أبو بكر قد خطبها الأشراف فردهم رسول الله ،و قال:أمرها إلى الله تعالى،و إنه عليا لم يخطبها و لم يذكرها،و لا أرى يمنعه من ذلك إلا قلة ذات اليد،إنه ليقع في نفسي أن الله تعالى و رسوله إنما يحبسانها من أجله.

ثم أقبل أبو بكر على عمر،و على سعد،و قال:هل لكما في القيام إلى علي بن أبي طالب ،فنذكر له أمرها؟فإن منعه من ذلك قلة ذات اليد و اسيناه.

فقال سعد:وفقك اللهـيا أبا بكرـفخرجوا من المسجد و التمسوا عليا في‏المسجد،فلم يجدوا عليا،و كان ينضح الماء على نخلة لرجل من الأنصار باجرة،فانطلقوا معه نحوه،فلما رآهم،قال :ما وراءكم؟

قال أبو بكر:يا أبا الحسن،إنه لم يبق خصلة من خصال الخير إلا و لك فيها سابقة و فضل،و أنت من رسول الله بالمكان الذي عرفت من القرابة،و قد خطب الأشراف من قريش إلى رسول الله ابنته فاطمة فردهم،و قال:إن أمرها إلى الله تعالى،فما يمنعك أن تذكرها أو تخطبها،فإني أرجو أن يكون الله عز و جل و رسوله يحبسانها عليك.

قال:فتغرغرت عينا علي بالدموع،و قال:«يا أبا بكر،لقد هيجت علي ساكنا،و ايقظتني لأمر كنت عنه غافلا،و الله إن لي في السيدة فاطمة لرغبة،و ما مثلي من يقعد عن مثلها،و لكن أعز أن يمنعني من ذلك قلة ذات اليد».

فقال أبو بكر:لا تقل كذاـيا أبا الحسنـفإن الدنيا و ما فيها عند الله و رسوله لهباء منثور.

ثم إن عليا حل عن ناضحه و قاده إلى منزلة فشيده فيه و أخذه ليطله و أقبل إلى منزل رسول الله عند ام سلمة فطرق الباب،فقالت:من بالباب؟،فقال رسول الله :«قومي و افتحي الباب له،هذا رجل يحبه الله رسوله و يحبهما».

فقالت:فداك أبي و امي،من هذا؟

فقال:«هذا أخي،و أحب الخلق إلي».

قالت ام سلمة:ففتحت مبادرة،اكاد أعثر في مرطي،ففتحت الباب فإذا أنا بعلي بن ابي طالب :فو الله ما دخل علي حتى علم أني قد رجعت إلى خدري،فدخل فسلم فرد عليه النبي السلام،ثم قال له:اجلس،فجلس بين يدي النبي و جعل يطرق إلى الأرض كأنه قاصد حاجة يستحي منه،فقال له النبي :يا علي،كأنك قاصدحاجة فابدأ بما في نفسك فكل حاجتك عندي مقضية.

فقال علي :«فداك أبي و أمي يا رسول الله،إنك لتعلم أنك أخذتني من عمك أبي طالب و من فاطمة بنت أسد،و أنا صبي لا عقل لي،فهديتني و أدبتني،فكنت لي أفضل من أبي طالب و من فاطمة بنت أسد،في البر و الشفقة،و إن الله عز و جل هداني بك،و استنقذني عما كان عليه آبائي (1) ،و أعمامي من الشرك.

و إنك يا رسول اللهـذخري و وسيلتي في الدنيا و الآخرة،و قد أحببت مع ما شد الله عز و جل بك عضدي أن يكون لي بيت و زوجة اسكن إليها،و قد أتيت خاطبا ابنتك فاطمة،فهل تزوجني،يا رسول الله؟».

قالت ام سلمة:فرأيت وجه رسول الله قد تهلل فرحا و سرورا،ثم تبسم في وجه علي،و قال:«يا علي،هل معك شي‏ء تصدقها إياها؟

قال:و الله،ما يخفى عليك حالي،و لا من أمري شي‏ء ما أملك غير درعي و سيفي و ناضحي».

فقال رسول الله :«يا علي،أما سيفك فلا غنى لك عنه،تجاهد به في سبيل الله،و أما ناضحك فتنضح على أهلك،و تحمل عليه رحلك في سفرك،و لكن ازوجك على درعك،و رضيت به منك،و ابشرـيا أبا الحسنـفإن الله قد زوجك بها في السماء قبل أن ازوجك بها في الأرض،و لقد هبط علي ملك من السماء قبل أن تاتيني لم أر قبله في الملائكة مثله بوجوه شتى و اجنحة شتى،فقال لي:السلام عليكـيا رسول اللهـأبشر باجتماع الشمل و طهارة النسل .

فقلت:و ما ذاك،أيها الملك؟

فقال:يا محمد،أنا الملك الموكل بإحدى قوائم العرش سألت الله أن يأذن‏لي ببشارتك،و هذا جبرئيل على أثري يخبرك عن ربك بكرامة الله عز و جل لك.

قال النبي :فما استتم الملك كلامه حتى هبط جبرئيل ،فقال:السلام عليكـيا رسول اللهـو رحمة الله و بركاته،ثم وضع في يدي حريرة بيضاء،فيها سطران مكتوبان بالنور.

فقلت:حبيبي جبرئيل،ما هذه الخطوط؟

قال:إن الله عز و جل قد اطلع على الأرض إطلاعة فاختارك من خلقه و بعثك برسالته،ثم أختار اليها ثانية و أختار منها لك أخا و وزيرا و صاحبا و حبيبا،فزوجه إبنتك فاطمة.

فقلت:حبيبي جبرئيل،و من هذا الرجل؟

فقال:أخوك في الدين،و ابن عمك في النسب علي بن أبي طالب،و ان الله تعالى أوحى إلى الجنان أن تزخر في،و إلى الحور العين ان تزيني،و إلى شجرة طوبى أن احملي الحلي و الحلل،و أمر الملائكة أن تجتمع في السماء الرابعة عند البيت المعمور،فهبطت ملائكة الصفح الأعلى.

و أمر الله تعالى رضوان أن ينصب منبر الكرامة على باب البيت المعمور،و هو المنبر الذي خطب عليه آدم حين علمه الأسماء،و أمر الله عز و جل ملكا من الملائكة الحجب يقال له:راحيل فعلا على ذلك المنبر،فحمد الله تعالى بجميع محامده،و اثنى عليه بما هو أهله،فارتجت السماوات فرحا و سرورا.

قال جبرئيل (عليه السلام) :و أوحى الله تعالى إلي أن أعقد عقدة النكاح،فإني زوجت عليا وليي بفاطمة أمتي بنت رسولي،و صفوتي من خلقي محمد ،فعقدت عقدة النكاح،و أشهد ذلك الملائكة و كتب شهادتهم في هذه الحريرة،و قد أمرني ربي أن أعرضها و اختمها بخاتم مسك أبيض و أدفعها إلى‏رضوان خازن الجنان،إن الله تعالى لما أشهد على تزويج فاطمة ملائكة،أمر شجرة طوبى أن تنثر ما فيها من الحلل فنثرت ذلك،و التقطته الحور العين و الملائكة،و إن الحور العين ليتهادونه إلى يوم القيامة،و قد أمرني أن آمرك بتزويجها عليا في الأرض،و أن ابشرها بغلامين زكيين نجيبين فاضلين جيدين في الدنيا و الآخرة».

قال رسول الله :«فو الله ما عرج الملكـيا أبا الحسنـحتى طرقت الباب،ألا و إني مستنفذ فيك أمر ربي،فامضـيا أبا الحسنـأمامي فإني ذاهب إلى المسجد،و مزوجك على رؤوس الناس،و ذاكر من فضلك ما تقر به عينك».

قال علي :«فخرجت من عنده مسرعا و أنا لا أعقل من شدة الفرح،فاستقبلني أبو بكر و عمر،فقالا لي:ما وراءك يا أبا الحسن،قلت:زوجني رسول الله فاطمة،و أخبرني أن الله تعالى زوجني بها في السماء،و هذا رسول الله آت على أثري إلى المسجد،فيقول ذلك في محضر من الناس،ففرحا بذلك و دخلا المسجد،فو الله ما توسطاه حتى لحق بنا رسول الله و وجهه يتهلل سرورا».

فقال رسول الله :«يا بلال،اجمع المهاجرين و الأنصار»فانطلق بلال لامر رسول الله و جلس النبي قريبا من منبره حتى اجتمع الناس ثم قام فوق المنبر،و حمد الله و أثنى عليه،ثم قال:«معاشر المسلمين،إن جبرئيل أتاني آنفا فأخبرني أن الله تعالى استشهد الملائكة عند البيت المعمور،أنه زوج أمته فاطمة ابنتي من علي».

ثم قام علي ،و حمد الله و أثنى عليه،فقال:«الحمد لله شكرا لأنعمه و أياديه،و أشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له و لا شبيه،و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و نبيه النبيه،و حبيبه الوجيه، .

و بعد:فإن النكاح سنة أمر الله به و أذن فيه،و قد زوجني رسول الله ابنته فاطمة،و جعل صداقها درعي هذا،و قد رضي و رضيت،فسألوه و اشهدوا».

فقال المسلمون لرسول الله ؟زوجته،يا رسول الله؟قال:«نعم».

فقال المسلمون:بارك الله لهما و عليهما و جمع شملهما.

تعليقة:

1) ليس أبوه مشركا بل كان موحدا كما ذكرنا في فصل أبيه،أبي أبوه طالب.

الفصول المائة ج 1 ص 288

تأليف: السيد اصغر ناظم‏زاده قمى

العودة إلى الصفحة الرئيسية