حفل الزواج‏

فمكثت بعد ذلك شهرا،لا اعاود رسول الله شيئا منه،غير أني كنت إذا خلوت برسول الله يقول لي:يا أبا الحسن،زوجتك سيدة نساء العالمين» .

قال علي :«فلما كان بعد شهر،دخل علي أخي عقيل،فقال:يا أخي،و الله ما فرحت قط بشي‏ء كفرحي بتزويجك فاطمة بنت رسول الله فإن تدخل قرت أعيننا باجتماع شملكما.

فقلت:و الله،و إني لاحب ذلك و ما يمنعني منه إلا الحياء من رسول الله .

فقال:أقسمت عليك إلا ما قمت معي،فقمت معه نريد رسول الله ،فلقينا في طريقنا ام أيمن مولاة رسول الله فذكرنا لها ذلك،فقالت:أمهلا و دعنا حتى نكلمه في أمرها،فإن كلام النساء أوقع في النفس من كلام الرجال،ثم أتيت إلى ام سلمة،فأعلمتها بذلك،و أعلمت نساء رسول الله فاجتمعن امهات المؤمنين إلى رسول الله فكان في بيت عائشة فأحدقن،و قلن:يا رسول الله فديناك بآبائنا و أجدادنا،إنا قد اجتمعنا لأمر لو أن خديجة في الحياة لقرت بذلك عيناها».

قالت ام سلمة،فلما ذكرنا خديجة بكى رسول الله و قال:«أين مثل خديجة؟صدقتني حين كذبني الناس،و أعانتني على ديني و دنياي بمالها».

فقالت أم سلمة:يا رسول الله،إن خديجة كانت كذلك،غير أنها مضت إلى ربها عز و جل،فالله تعالى (1) أن يجمع بيننا و بينها في درجات الجنة،و هذا أخوك‏في الدين،و إبن عمك في النسب علي بن أبي طالب،يريد أن يدخل على زوجته فاطمة.

فقال رسول الله :«يا ام سلمة،أرسلي إلى ام أيمن،و آمريها أن تنطلق إلى علي فتأتيني به».

فخرجت ام أيمن فإذا علي ينتظرها،فقالت له:أجب رسول الله .

قال علي :«فأنطلقت معها إلى رسول الله ،و هو في حجرة عائشة،فقمن أزواجه،فدخلن البيت،فجلست بين يدي (2) مطرقا،فقال:«أ تحب أن تدخل على زوجتك؟

فقلت:نعم،فداك أبي و أمي،يا رسول الله

فقال:حبا و كرامة،و تدخل عليك في ليتنا هذه إن شاء الله».

قال علي:«ثم قمت من عنده فرحا مسرورا،فأمر رسول الله أن تزين فاطمة و تطيب و يفرش لها»و دفع النبي لعلي عشرة من الدراهم التي كانت عند ام سلمة،و قال له:اشتر بهذه تمرا و سمنا و أقطا.

قال علي :«فاشتريت ذلك و أتيت إلى النبي ،فحسر عن ذراعه و دعا بسفرة من أدم،فجعل يسدح التمر بالسمن،و يخلطهما بالأقط حتى جعله حيسا،ثم قال:يا علي،ادع من أحببت،فخرجت (3) من المسجد فوجدت أصحاب رسول الله ،فقلت:أجيبوا رسول الله ،فقام القوم بأجمعهم،فأقبلوا نحوه،فأخبرته أن القوم كثير،فجلل السفرة بمنديل،ثم قال:ليدخل عشرة عشرة،ففعلت ذلك،فجعلوا يأكلون و يخرجون،و السفرة لا تنقص حتى أكل من ذلك الحيس سبعمائة رجل ببركة النبي .

ثم دعا رسول الله بفاطمة و علي فأخذ عليا بيمينه،و أخذ فاطمة بشماله،و جعلهما إلى صدره،و قبل بين عينيهما،ثم رفعهما إليه،و قال:يا أبا الحسن،نعم الزوجة زوجتك ثم قام يمشي معهما إلى البيت الذي لهما،ثم خرج و أخذ بعضادتي الباب،و قال:جمع الله شملكما،استودعكما الله،و استخلفه عليكما».

فأقبل علي على فاطمة يلاطفها بالكلام حتى جن الظلام،فأخذت فاطمة في البكاء،فقال لها:«ما يبكيكـيا سيدة نساء العالمينـألم ترضي أن أكون لك بعلا،و تكونين لي أهلا؟

فقال:يا ابن العم،كيف لا أرضى و أنت الرضي و فوق الرضي،و إنما فكرت في حالي و أمري عند ذهاب عمري و نزولي في قبري،فشبهت دخولي إلى فراش عزي و فخري،كدخولي لحدي و قبري،و أنا أسألكـيا ابن العمـبحق محمد إلا ما بلغتني قصدي و إربي،و قمت بنا إلى محرابنا نتعبد في هذه الليلة،فهو أحق و أحرى بنا».

فنهضا إلى المحراب،و قاما إلى التهجد في خدمة رب الأرباب (4) .

و في بعض التواريخ:بعدما رجعت ام أيمن إلى رسول الله ،قالت ام أيمن:فقال لي رسول الله :«انطلقي إلى علي فآتيني به»فخرجت من عند رسول الله فاذا علي ينتظرني،ليسألني عن جواب رسول الله ،و حضر علي عند رسول الله،فقال له رسول الله :هيأ منزلا حتى تحول فاطمة إليه».

فقال علي (عليه السلام) :«يا رسول الله ما هاهنا منزل إلا منزل حارثة بن النعمان».

و كان لفاطمة يوم بنى بها أمير المؤمنين تسع سنين،فقال رسول الله :«و الله،لقد استحينا من حارثة بن النعمان،قد أخذنا عامة منازله»فبلغ ذلك حارثة فجاء إلى رسول الله فقال:يا رسول الله،أنا و مالي لله و لرسوله،و الله ما شي‏ء أحب إلي مما تأخذه،و الذي تاخذه أحب إلي مما تتركه،فجزاه رسول الله خيرا،فحولت فاطمة إلى علي في منزل حارثة و بسطوا في بيت علي كثيباـو هو الرملـو نصبوا عودا يوضع عليه السقاء (القربة) ،و ستروه بكساء،و نصبوا خشبة من حائط إلى حائط،و بسط جلد كبش و مخدة ليف.

فقال النبي :«يا علي،اصنع لأهلك طعاما فاضلا»فجاء أصحابه بالهدايا :فأمر النبي،فطحن البر (5) و خبز و ذبح الكبش،و اشترى علي تمرا و سمنا،و أقبل رسول الله حسر عن ذراعيه،و جعل يشدخ التمر في السمن،فقال النبي :«يا علي،ادع من أحببت».

قال علي:«فأتيت المسجد،و هو غاص بالناس،فناديت:أجيبوا إلى وليمة فاطمة بنت محمد فأجابوا من النخلات و الزروع،و أقبل الناس إرسالا،و هم أكثر من أربعة آلاف رجل،و سائر نساء المدينة،و رفعوا منها ما أرادوا و لم ينقص من الطعام شي‏ء،ثم دعا رسول الله بالصحاف (الأواني) فملئت،و وجه بها إلى منازل أزواجه،ثم أخذ صحفة،و قال:هذا لفاطمة و بعلها» (6) .

و روى الصدوق ابن بابويه:أمر النبي بنات عبد المطلب و نساء المهاجرين و الأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة ،و أن يفرحن و يرجزن و يكبرن و يحمدن و لا يقولن ما لا يرضي الله.

قال جابر:فأركبها على ناقتهـو في رواية على بغلته الشهباءـو أخذ سلمان زمامها،و النبي و حمزة و عقيل و جعفر و أهل البيت يمشون خلفها،مشهرين سيوفهم،و نساء النبي قدامها يرجزن،فأنشأت ام سلمة:

سرن بعون الله جاراتي‏ 
و اشكرنه في كل حالات‏ 
و اذكرن ما أنعم رب العلى‏ 
من كشف مكروه و آفات،

إلى آخره.

و كانت النسوة يرجعن أول بيت من كل رجز،ثم يكبرن،و دخلن الدار،ثم أنفذ رسول الله إلى علي ثم دعا فاطمة فأخذ يدها و وضعها في يده،و قال:«بارك الله في ابنة رسول الله،يا علي نعم الزوجة فاطمة،يا فاطمة نعم الزوج علي».

ثم قال:«يا علي هذه فاطمة،و ديعتي عندك».

ثم قال النبي :«أللهم اجمع شملهما،و ألف بين قلوبهما،و اجعلهما و ذريتهما من ورثة جنة النعيم،و ارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة،و اجعل في ذريتهما البركة،و اجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك و يأمرون بما يرضيك،اللهم إنهما أحب خلقك إلي فأحبهما و اجعل عليهما منك حافظا،و إني اعيذهما بك و ذريتهما من الشيطان الرجيم».

ثم خرج إلى الباب،و هو يقول:«طهركما و طهر نسلكما،أنا سلم لمن سالمكما،و حرب لمن حاربكما و أستودعكما الله و استخلفه عليكما»و باتت أسماء عندهما في البيت،و أصبح الصباح و جاء رسول الله إلى زيارةالعروسين،قال:«السلام عليكما،أأدخل؟ففتحت أسماء الباب فدخل النبي فسأل عليا :«كيف وجدت أهلك؟» .

قال:«نعم العون على طاعة الله».

و سأل فاطمة،فقالت:«خير بعل»،و جاء النبي بعس (قدح) فيه لبن فقال لفاطمة:«إشربي،فداك أبوك»و قال لعلي:«إشرب،فداك ابن عمك».

ثم قال :«يا علي،آتني بكوز من ماء»فجاء علي بكوز من ماء،فتفل فيه ثلاثا،و قرأ عليه آيات من كتاب الله تعالى،ثم قال:يا علي،اشربه و اترك فيه قليلا،ففعل علي ذلك،فرش النبي باقي الماء على رأسه و صدره،ثم قال:«أذهب الله عنك الرجس يا علي و طهرك تطهيرا»و أمره بالخروج من البيت،و خلى بابنته فاطمة،و قال:«كيف أنت يا بنية،و كيف رأيت زوجك؟».

قالت:«يا أبه خير زوج،إلا دخل علي نساء من قريش،و قلن لي:زوجك رسول اللهـمن فقير لا مال له».

فقال رسول الله :«يا بنية،ما أبوك بفقير،و لا بعلك بفقير،و لقد عرضت علي خزائن الأرض من الذهب و الفضة فاخترت ما عند ربي عز و جل.

يا بنية،لو تعلمين ما علم أبوك لسمحت الدنيا في عينيك،و الله يا بنية ما ألوتك نصحا،إني زوجتك أقدمهم سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما.

يا بنية،إن الله عز و جل أطلع إلى الأرض إطلاعة،فاختار من أهلها رجلين،فجعل أحدهما أباك و الأخر بعلك،يا بنية،نعم الزوج زوجك،لا تعصي له امرا» (7) .

تعليقات:

(1) السياق:فاسال الله تعالى.

(2) الظاهر:يديه.

(3) السياق:إلى المسجد.

(4) كتاب الرقائق المعروف بالاخوانيات للشيخ عبد الله الحنفي ص 250 نقلا عن الإحقاق ج 4 ص .474

(5) البر:الحنطة.

(6) علي من المهد إلى اللحد ص .77

(7) علي من المهد إلى اللحد ص .73

الفصول المائة ج 1 ص 294

تأليف: السيد اصغر ناظم‏زاده قمى‏

العودة إلى الصفحة الرئيسية