‏{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ ‏الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}‏ سورة البقرة الآية 143‏

 قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: في هذه الآية حديث عن الأمة المسلمة بأنها «وسط» في ما جعله الله للمسلمين من ‏موقع قيادي في الحياة وأنها شاهدة على الناس.‏
ثم إنه بعد بضع صفحات قال تحت عنوان اعتراض وجواب:‏
وقد أثار المفسرون اعتراضاً في هذا المجال، وخلاصته أن الشهادة تفرض الموقع المتميز للشاهد ‏على المشهود عليه، ونحن نعلم أنَّ الأمة تضمُّ في جماعتها المطيع والعاصي والجاهل والعالم، ‏فكيف يمكن أن يكون الجميع شهوداً في موقع الشهادة؟
والجواب: أنَّ الأسلوب القرآني قد جرى على الحديث عن البعض بصفة الكل، باعتبار اشتمال ‏الكل عليه، تماماً كما قد حدثنا عن بني إسرائيل، مع أن الصفات التي ذكرها كانت صفات ‏البعض. وعلى هذا، فإنَّ كون الأمة شاهدةً يتحرك في نطاق وجود العناصر الكثيرة في داخلها ‏ممَن يصلحون لمثل هذا الموقع الكبير، وهم الطليعة الواعية المؤمنة التقية المنضبطة التي تفهم ‏الإسلام حق الفهم، وتعيه حق الوعي، وتمارسه حق الممارسة، وتحمله بروح رسولية رائدة. إنها ‏النخبة الواعية الموجودة في كل زمان ومكان، التي يقف في طليعتها الأئمة الطاهرون والعلماء ‏الواعون والأولياء الطيبون والمجاهدون العاملون الذين يحملون هذه الشهادة إلى الله لأنهم يعيشون ‏روح الرسالة، ويعيشون من خلالها الوعي لكل حياة الناس، كما هو الرسول في رسالته وفي ‏وعيه لأمته
[من وحي القرآن ج 3 ص 73 – 80]
أقول: لا مجال لدينا لمناقشته في فهمه لمعنى الشهادة، وأنها لا يمكن أن تنطبق إلا على المعصوم ‏‏(عليه السلام)، وتكون هذه الآية من الشواهد القطعيَّة على صحة عقيدة المذهب الحق، فإنهم ‏وحدهم مَن يدينون الله تعالى بالتولِّي لأئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ووحدهم ‏مَن يعتقدون بوجود الحُجَّةِ الإلهيَّةِ المعصومِ المطهَّرِ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، ووحدهم مَن يعتقدون ‏بعدم خلوِّ الأرض مِن حُجَّةٍ لله تعالى.‏
ولكن أئمة الضلال من جهة جحودهم لِمَا استيقنته أنفسُهُم مِن وضوحِ الأدلة، وثبوتِ الحُجَّةِ، وقيامِ ‏البرهان القاطع على الأئمة الأطهار من آل محمد (صلى الله عليه وآله)، فقد أشكل عليهم الأمر ‏في الآية التي نبحث فيها، فعمدوا إلى إعمال عقولهم القاصرة، وأفكارهم الفاترة في مقام التفصِّي ‏عن ما يَرَوْنَه إشكالاً عويصاً.‏
ونحن أبناءَ الفرقة الناجية، لا يُعهد منَّا، ولا يُبتلى أحدنا بما يُسمِّيه الجُهَّال إشكالاً، فإنَّ التزامَنَا بما ‏ورد عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)، وحِرْصَنَا على التمسكِ بهم والرجوعِ إليهم، قد سدَّ ‏على الشيطانِ وأوليائِه سُبُلَ إغوائنا.‏
على أنه يكفي لنا في مقام الردِّ على شبهة وضلال أبناء السُّنة وتابعيهم، أن نتمسك بما رواه ‏أئمتُهُم في صحاحهم من أنَّ معنى «وسطاً» أي عدلاً.

 من مصادر أبناء السُّنة: مسند احمد بن حنبل ج 3 ص 9 ؛ صحيح البخارى ج 5 ص 151 وج 8 ص 156 ؛ سنن الترمذى ج ‏‏4 ص 275 ؛ المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 268 ؛ مجمع الزوائد ج 6 ص 316.‏

إذ إذا ما كان المقصود من «وسطاً» هو ما ذكره أبناء السُّنة في صحاحهم، فأين هو العدل الثابت ‏لغير المعصوم (عليه السلام) في جميع شؤونه وتقلباته، والعجب أنهم لا يلتزمون بعصمة الشهداء ‏على الأمة!!‏
هذا وقد أخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، بسند صحيح عن بريد العجلي قال سألتُ ‏أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاء ‏عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} قال: نحن أمةُ الوسط، ونحن شهداءُ الله على خلقه، ‏وحُجَّتُهُ في أرضه.‏
وأيضاً وأخرج الصفار والكليني، بسند صحيح ـ وأخرجه العياشي في تفسيره ـ عن بريد بن ‏معاوية قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) قول الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا ‏شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} قال: نحن الأمةُ الوسط، ونحن شهداءُ الله على خلقه، وحُجَّتُهُ في أرضه.‏
وأخرج الصفار والكليني، بسند صحيح ـ وأخرجه أيضاً الحاكم الحسكاني في شواهد التنـزيل ـ ‏عن سُليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إنَّ الله طهَّرنا وعصمنا وجعلنا ‏شهداءَ على خلقه، وحُجَّتَه في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعلَ القرآنَ معنا، لا نفارقُهُ ولا ‏يفارقُنا.‏
وأخرج الصفار بسند صحيح ـ وأخرجه العياشي في تفسيره ـ عن أبي بصير عن أبي عبد الله ‏‏(عليه السلام) {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ ‏شَهِيداً} قال: نحن الأمةُ الوسط، ونحن شهداؤُهُ على خلقه، وحُجَّتُهُ في أرضه.‏
وأخرج أيضاً بسند آخر عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تبارك وتعالى ‏‏{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} قال: نحن الشهداءُ على الناس بما عندهم ‏من الحلال والحرام وما ضيَّعوا منه.‏
وأخرج الصفار بإسناده عن عمر بن حنظلة ـ وأخرجه العياشي في تفسيره ـ قال: قلت لأبي ‏عبد الله (عليه السلام) {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} قال: هم الأئمةُ ‏‏(عليهم السلام).‏
وأخرج الصفار بإسناده عن ميمون البان عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تبارك وتعالى ‏‏{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ}قال: عدلاً ليكونوا شهداء على الناس، قال: ‏الأئمة (عليهم السلام)، ويكون الرسولُ (صلى الله عليه وآله) شهيداً عليكم، قال: على الأئمة ‏‏(عليهم السلام).‏
وأخرج فرات في تفسيره بإسناده عن محمد بن علي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى ‏‏{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} قال: نحن أمةُ الوسط، ونحن شهداءُ الله على خلقه.‏
وأخرج فرات أيضاً بإسناده عن ميمون البان مولى بني هشام عن أبي جعفر (عليه السلام) في ‏قول الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} قال أبو جعفر: منا شهيدٌ ‏على كلِّ زمانٍ، عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) في زمانه، والحسنُ (عليه السلام) في زمانه، ‏والحسينُ (عليه السلام) في زمانه، وكلُّ مَن يدعو منا إلى أمر الله تعالى
بصائر الدرجات ص 83 و102 ـ 103 ؛ الكافي ج 1 ص 190 ـ 191 ؛ دعائم الاسلام ج 1 ص 21 ؛ كتاب سليم بن قيس ‏ص 407 و464 ؛ مختصر بصائر الدرجات ص 65 ؛ شرح الأخبار ج 2 ص 345 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 283 وج 3 ص ‏‏313 -314 و522 ؛ بحار الأنوار ج 16 ص 357 وج22 ص441 وج 23 ص 334 و336 ـ 337 و342 ـ 343 و349 ـ ‏‏351 وج 24 ص 157 وج 35 ص 389 ؛ تفسير العياشي ج1 ص 62 ـ 63 ؛ تفسير القمي ج 1 ص 63 ؛ تفسير فرات الكوفي ‏ص 61 - 62 ؛ تفسير التبيان ج2 ص 8 ؛ تفسير مجمع البيان ج 1ص 417 ؛ التفسير الصافي ج1 ص 196- 197 ؛ التفسير ‏الأصفى ج1 ص 70 ؛ تفسير نور الثقلين ج1 ص 133 ـ 135 ؛ تفسير كنز الدقائق ج1 ص 361 ـ 362 ؛ تفسير الميزان ج 1 ‏ص 332 ؛ شواهد التنزيل ج 1 ص 119؛ بشارة المصطفى ص 298 ؛ تأويل الآيات ج 1 ص 81. ‏


أقول: ولست أدري مِن أين جاء السيد محمد حسين ببدعة شمول لفظ الشهداء الوارد في الآية للعلماء ‏الواعين وللمجاهدين الطيبين، وهذه الأخبار الصحيحة السند الواضحة الدلالة نصٌّ في أنَّ أهل ‏البيت (عليهم السلام) هم وحدهم الشهداء، وأنهم خصوص المعنيين والمقصودين، فضلاً عن أنَّ ‏الآية لا يمكن بحال أن تنطبق بمدلولها على غير المعصوم.‏
وأيضاً فهل السيد محمد حسين فَهِمَ من قولهم (عليهم السلام) في تفسيرهم الآية التي نبحث فيها «نحن ‏الشهداءُ على الناس» و «نحن الأمةُ الوسط» و «هم الأئمة (عليهم السلام)» فَهِمَ أنَّ الأئمة ‏‏(عليهم السلام) من جملة المصاديق، وأُوحيَ إليه بأن العلماء الواعين والمجاهدين الطيبين هم ‏أيضاً من جملة الشهداء؟!!‏

العودة