ـ البركة لا تتجمد في المسجد ليتبرك الناس بأرضه وجدرانه.

ـ المبارك ليس هو من يضع يده على الرؤوس ليمنحهم بركته.

ـ المبارك ليس هو الحامل للأسرار الخفية التي تدفع الناس للمس ثوبه أو جسده.

بداية توضيحية تغني عن الوقفة القصيرة:

ونقول: لقد كان النبي (ص) يتبرك بعرق علي. وكان يبّرك على الأطفال، ويحنكهم بريقه، ويستجيب لطلب البركة منه، فيضع يده في أواني الماء التي كانوا يأتون بها إليه بعد الصلاة.

وكانت أم سُليم تجمع عرقه (ص) في قارورة لأجل التبرك به.

وكان الصحابة يقتسمون شعره حين يحلق رأسه، بل هو كان يوزعه عليهم.

وكان المسلمون وما زالوا يقبِّلون الكعبة، والحجر الأسود، ويتبركون بمقامات الأئمة، وبمقام إبراهيم، وبماء زمزم، ولا يرون ذلك عملاً عبثياً أو غير عقلائي أو غير مشروع، هم يجلونها ويتبركون بها، بهذا التقبيل.

ولكن البعض يرى أن البركة لا تتجمد في المسجد، مستندا إلى قوله تعالى: {باركنا حوله} مع أن التبرك بالكعبة، وبالحجر الأسود، وبرسول الله على النحو الذي ذكرناه قد كان موجودا وشائعا، وقد قَبّلَ النبي (ص) نفسه الحجر الأسود، كما هو معلوم وغير ذلك راجع التبرك ، تبرك الصحابة والتابعين ، للعلامة الشيخ علي الأحمدي الميجاني

فلنقرأ ما يقوله السيد محمد حسين فضل الله بهذا الصدد لنجد إن كان يتوافق مع هذه الحقيقة الإسلامية والإيمانية، إنه يقول:

".. {الذي باركنا حوله} في ما كانت البركة تمثله من امتداد وحركة على كل الساحات المحيطة به.. لأن البركة ليست مجرد حالة غيبية روحية تثير المشاعر القدسية في أجواء ضبابية حالمة، بل هي ـ إلى جانب ذلك ـ قوة حركية روحية تندفع بالكلمة الطيبة التي تملكها، و بالطاقة الحية التي تحركها، وبالأفق الرحب، الذي تفتحه وبالشعور الحميم الذي تثيره وبالخطوات الثابتة التي تقودها.. لتكون ـ في جميع ذلك ـ مشروع حياة نافعة مليئة بكل ما يحقق للإنسان سعادته وللكون نظامه.."

ومن خلال ذلك فإننا نفهم معنى الشخص المبارك، فهو ليس الإنسان الحامل للأسرار الخفية التي تدفع الناس أن يلمسوا ثيابه وجسده، ليأخذوا منه البركة أو يطلبوا منه أن يضع يده على رؤوسهم ليمنحهم بذلك بركته، بل هو الإنسان الذي يعيش الطاقة الروحية التي تحرك فيه كل طاقاته ليوجهها إلى الناس والحياة من حوله لتنطلق خيرا ورحمة ومحبة وسلاما في نفع شامل غير محدود كما ورد تفسير قوله تعالى في حديث عيسى عـن نفسه {وجعلني مباركا} فقد جاء في التفسير أن معناه: وجعلني نفاعاً للناس فيما توحي به البركة من امتداد للطاقة في حياة الناس.

وهكذا نفهم معنى الأرض المباركة فيما تعطيه من خيرات على مستوى الثمرات المادية، مما تنتجه أو على مستوى الثمرات الروحية، مما توحيه وتتحرك به على خط الرسالات و الرسل فيما تحتويه منها ومنهم في كل زمان وبذلك نفهم سر التعبير في قوله {باركنا حوله} بدلا من (باركناه) فقد يكون السر في ذلك هو الإيحاء بأن البركة لا تتجمد في المسجد لتبقى فيه ليأتي الناس إليه ليحصلوا على البركة من أرضه وجدرانه. بل تنطلق منه في ما تمثله رسالته من روحية للذات ومن منهج للحياة في انفتاح الإنسان على الله من خلال وحي رسالاته التي تثير فيه المسئولية النابضة بالروح و المتحركة مع الواقع: لتمتد إلى كل مكان فتتحول البركة من نبع يتحرك في داخل الأرض إلى نهر جار ينساب في كل عقل وفي كل روح، ويصل إلى كل ارض للإنسان فيها وجود ليملأها بالخير والمحبة والحياة.. ومن الطبيعي لهذه البركة المحيطة بالمسجد فيما حوله أن تكون منطلقة منه مما يعني ذلك أن التعبير يختزن في داخله معنى البركة في المسجد فيما يوحيه من معنى البركة فيما حوله والله العالم [من وحي القرآن ج14ص22-23ط2]

ـ تقاليد العوام في زيارة القبور قد تتّخذ منحى خطيراً في خط الإنحراف.

ـ لا يكفي في استقامة العقيدة عدم الدليل على المنع من بعض الأعمال.

ـ الخلط بين مظاهر احترام الخالق والخلق ممنوع.. ولو لم يكن كفراً أو شركاً.

ـ ما يدعى به الله لا يدعى به غيره.

ـ يعقوب سجد ليوسف تحيّة وتعظيماً.

ـ سجود يعقوب ليوسف لأن ذلك كان هو التقليد الشائع في احترام السلطان.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

"إن التقاليد المتّبعة لدى العوام من المسلمين في تعظيم الأنبياء والأولياء وفي زيارة قبورهم قد تتّخذ إتجاهاً خطيراً في خط الإنحراف في التصور والممارسات، وذلك من خلال الجانب الشعوري الذي يترك تأثيره على الإنفعالات الذاتية في الحالات المتنوعة التي قد تدفع إلى المزيد من الممارسات المنحرفة في غياب الضوابط الفكرية التربوية، في ما ينطلق به التوجيه الإسلامي للحدود التي يجب الوقوف عندها من خلال طبيعة الحقائق الواقعية للعقيدة، لأنه لا يكفي، في استقامة العقيدة، أن لا يكون هناك دليل مانع من عمل معيّن، أو من كلماتٍ خاصةٍ، أو من طقوس متنوعة، بل لا بد من الإنفتاح على العناصر القرآنية للفكرة العقيدية، والأجواء المحيطة بها، والروحية المميزة المتحركة في طبيعتها، حتى لا تختلط مظاهر الاحترام بين ما يقدّم للخالق وما يقدّم للمخلوق، بقطع النظر عما إذا كان ذلك شركاً أو كفراً، أو لم يكن. ولا سيما إذا عرفنا أن الشعوب قد يقلّد بعضها بعضاً في الكثير من الطقوس والعادات في مظاهر الاحترام والتعظيم، مما قد يؤدي إلى التأثر الشعبي ببعض التقاليد الموجودة لدى بعض الشعوب غير الإسلامية التي قد تشتمل على العناصر الفكرية أو الروحية البعيدة عن فكر الإسلام وروحه.

إن هناك نوعاً من التوازن في الحدود النفسية للإرتباط الروحي بالأشخاص، من حيث الشكل أو المضمون، لا بد للمسلم من مراعاته من أجل الإحتفاظ بالأصالة الفكرية التوحيدية في خط الإنفتاح على الله بما لا يدعو به إلى غيره، لإبقاء الصفاء العقيدي في العمق الشعوري الروحي للإنسان المسلم، لأن ذلك هو السبيل الأمثل للاستقامة على الخط المستقيم، لأننا لا نريد أن نصل في استغراقنا العاطفي إلى لون من ألوان عبادة الشخصية في ما تتحرك به مشاعر العاطفة بعيداً عن رقابة العقل، الأمر الذي يدفعنا إلى أن نتحمل مسؤولياتنا في الساحة الفكرية، لنراقب طبيعة الأساليب الشعبية في ذلك كله؛ لنبقى من خلال المراقبة الدقيقة في مواقع التوازن الفكري والروحي في خط العقيدة" [من وحي القرآن ج1ص64-65]

 

ونقول:

1 ـ إن التقاليد المتبعة لدى العوام من المسلمين في تعظيم الأنبياء والأولياء تتمثل في تقبيل ضريح النبي أو الإمام، ووضع الخد عليه، ومسحه باليد أو بالثوب، والدعاء عنده وطلب شفاء مريض، أو قضاء حاجة، والصلاة إلى الله قرب ذلك الضريح، وقراءة القرآن والأدعية المأثورة، والبكاء إلى الله والطلب والإبتهال إليه بأن يغفر ذنوبهم ويرحمهم، وقد يقام مجلس عزاء يذكر فيه ما جرى على أهل بيت النبوة (ع) في سبيل هذا الدين..

وقد يحدث أن يؤتى بالمريض ليكون إلى جانب ضريح الإمام(ع) ويتعلّق بالضريح أو يعلّقه أهله به، في عملية إلحاح شديد على الإمام ليكون واسطتهم إلى الله سبحانه ليشفي هذا المريض.

وهو يقصد ذلك كله ـ فيما يظهر ـ وذلك لقوله:

"لا يكفي في استقامة العقيدة أن لا يكون هناك دليل مانع من عمل معين أو كلمات خاصة أو من طقوس متنوعة ".

وقد اعترف السيد محمد حسين فضل الله نفسه بأن المسلمين يمارسون التوسل بالأنبياء والأولياء:

"من موقع التوجه إلى الله بأن يجعلهم الشفعاء لهم وأن يقضي حاجاتهم بحق هؤلاء فيما جعله لهم من حق، مع الوعي الدقيق للمسألة الفكرية في ذلك كله" [من وحي القرآن ج1ص62ط2]

واعترف أيضاً بأنه:

"إذا كان الله قادراً على أن يحقّق ذلك من خلالهم في حياتهم فهو القادر على أن يحقّق ذلك بعد مماتهم باسمهم، لأن القدرة في الحالين واحدة" [من وحي القرآن ج1ص63ط2]

إن الذهنية العقيدية لدى المسلمين لا تحمل أي لون من ألوان الشرك بالمعنى العبادي" [من وحي القرآن ج1ص63ط2]

ويقول:

فما يعني أن يدّعي السيد محمد حسين فضل الله هنا:

"أن التقاليد المتّبعة لدى العوام من المسلمين في تعظيم الأنبياء والأولياء، وفي زيارة قبورهم، قد تتّخذ اتجاهاً خطيراً في خط الانحراف في التصور والممارسات".

2 ـ وقد يتذرع السيد محمد حسين فضل الله بأن هناك قلة جداً قد لا يصلون إلى الواحد بالألوف الكثيرة حينما يصلون إلى مقام النبي أو الإمام فإنهم يسجدون على الأعتاب.. وهذا سجود لغير الله سبحانه، وهو اتجاه خطير في التصور والممارسات.

ونقول له:

أولاً: إن كلامه لم يشر إلى هذه الحالة النادرة بل جاء ليتحدث عن تلك الأمور المتعارفة والشائعة التي أصبحت تقاليد متّبعة لدى العوام من المسلمين، على حدّ تعبيره. والشيء الذي لا يحصل إلا نادراً، ومن قبل قلة من الناس، لا يقال له: تقاليد متّبعة.

ثانياً: إن هؤلاء الذين يسجدون على الأعتاب إنما يسجدون لله شكراً له على ما وفقهم إليه من زيارة قبر وليه، ولا يسجدون لا للنبي ولا للولي، فما هو المحذور في ذلك؟

ثالثاً: إن السيد محمد حسين نفسه يقرّ بأن الملائكة قد سجدوا لآدم وهم العباد المكرمون. واللافت أن هذا الأمر جاء امتثالاً لأمر مباشر صادر من الله سبحانه ولم يكن بمبادرة منهم. واعتبر ذلك تحية وإكراماً له.. فلماذا لا يجد في هذا السجود أيضاً معنى التحية والإكرام. بل إن السيد محمد حسين فضل الله قد أقرّ بأن يعقوب وهو نبي مرسل ـ وزوجته وأولاده قد سجدوا ليوسف، وقد رضي يوسف وهو نبي، بسجود إخوته وحتى بسجود أبويه له، رغم أنه مأمور بإكرامهما وبإعزازهما والبرّ بهما.

ويزيد الأمر حساسية أن هذا الأب الذي سجد لولده لم يزل يعيش ويعاني من الآلام والأحزان حتى ابيضت عيناه من الحزن على نفس هذا الولد، الذي وجده بعد أن فقده.. وإذا به يجد أن هذا الولد النبي ليس فقط لا يعترض على سجود إخوته له، بل هو لا يعترض حتى على سجوده هو له أيضاً.

ومن الواضح أن الأنبياء لا يقومون بأي عمل خصوصاً إذا كان من هذا القبيل إلا إذا عرفوا رضا الله سبحانه وتعالى به.

علماً بأن بعض العلماء يقولون: إن السجود عبادة بذاته.

نعم وقد أقر السيد محمد حسين فضل الله واعترف بأن السجود في قصة يعقوب ويوسف كان ليوسف مباشرة. وقد برّر ذلك بأنه من:

"التقليد المتّبع في احترام صاحب العرش الذي يملك السلطة..".

فليكن إذن هذا السجود لله على عتبة المقام سجوداً له، وقد أصبح تقليداً متبعاً.

فهو يقول:

"ربما نلاحظ أن الصورة الشكلية، في ما تعارف عليه الناس مـن طـقـوس فـي مظاهر العـبـادة، لا تـمـثل ـ بمجرّدهـا ـ معنى العبادة، بل لا بد من أن ينضم إليها الإستغراق في الذات التي يوجّه إليها الفعل المعيّـن، في ما يشبه حالة الذوبان الذي يفقد الإنسان معه الإحساس بإرادته أمامها، أو في الالتفات إلى وجوده معها. ولذلك لا بد من وجود حالةٍ نفسية في مستوى الانسحاق في انطباق مفهوم العبادة عليه. وهذا ما نستوحيه في مسألة أمر الله للملائكة ولإبليس بالسجود لآدم (ع)، باعتبار ما يمثله ذلك من معنى الاحترام الناشيء من الإيحاء بعظمة خلقه ـ كما هو أحد الاحتمالات في ذلك ـ فإن من الطبيعي أن الله لم يأمر بذلك بمعنى العبادة لآدم (ع) حتى على مستوى المظهر؛ لأن الله لا يرضى بعبادة غيره وإن كان من أقرب خلقه إليه. ولذلك، لم يكن ردّ فعل إبليس على المسألة اعتراضاً على منافاة ذلك للإخلاص لله وللإيمان بوحدانيته، بل اعتراضاً على أن يكون عنصر التراب أفضل من عنصر النار، بحيث لا يتناسب ذلك مع سجود المخلوق من النار، التي هي أقوى من التراب، للمخلوق من التراب، لأن السجود يمثل التعبير عن التعظيم، باعتبار أنه صاحب القيمة الفضلى والمستوى الأرفع.

وهكذا، فإننا لم نجد من الملائكة استغراباً للأمر، في ما يمكن أن يحمله، حسب هذا الفرض، من المنافاة للتوحيد في العبادة.

وهذا ما نستوحيه من سجود يعقوب (عليه السلام) وزوجته وأولاده ليوسف (عليه السلام)، وذلك قوله تعالى: {ورفع أبويه على العرش وخرُّوا له سُجداً} (يوسف:100) فإن الظاهر أن المراد منها هو سجود أبويه وإخوته له، لأنه قال ـ بعد ذلك ـ : {يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً} (يوسف: 100 ) وكان، في ما قصّه على أبيه من رؤياه في بداية القصة، ما ذكره الله سبحانه: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبتِ إني رأيتُ أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} (يوسف: 4)، فهل يمكن أن يكون في سجود يعقوب (ع) وزوجته وأولاده لون من ألوان العبادة ليوسف عليه السلام الذي يعيش العبودية لله في أعلى مواقعها، كما عاشها أبوه عليه السلام في هذا المستوى؟

إن المسألة هي ـ في ما يبدو ـ مسألة التقليد المتّبع في احترام صاحب العرش، الذي يملك السلطة، في السجود له، تعبيراً عن الشعور بعظمته وعن التقدير لمقامه الرفيع.

وفي ضوء ذلك، لا بدّ من التدقيق في طبيعة الأشكال المتعارفة لدى الناس، التي تلتقي ـ بشكل أو بآخر ـ بالشكليات الطقوسية للعبادة، ودراسة خلفياتها الفكرية والروحية في شخصية مـن يمارسها، ومعرفة التقاليد الاجتماعية في مسألة الاحترام والتقدير، في ما تعتاده المجتمعات من طرق تعبير مختلفة، لنميّز بين ما يسيء إلى التوحيد في العبادة، عندما تكون الخلفيات مرتبطة بالإستغراق بالشخص أو الجهة، بحيث يفقد الإنسان الإحساس بوجوده معه، أو بحضور الله في علوّ موقعه في المعنى الإلهي التوحيدي فيه، وبين ما يسيء إلى التوحيد، لأنه ينطلق من حالة عُرفية تقليدية في ما هو الإحترام والحب والتعظيم، لكنها لا تغفل عن الإحساس بعظمة الله في مقام وحدانيته، في ما تمارسه من أعمالٍ وأقوال" [من وحي القرآن ج1ص58-59ط2]

إنتهى كلام السيد محمد حسين فضل الله.

ونقول:

واللافت للنظر هنا:

أن عدداً من الروايات عن أهل بيت العصمة عليهم السلام تصرّح بأن سجود يعقوب(ع) إنما كان إعظاماً وشكراً لله سبحانه تفسير البرهان ج2ص272 وراجع ص271

وفي نص آخر: عبادة لله تفسير البرهان ج2ص272

وفي نص رابع: "إنما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله وتحية ليوسف، كما كان السجود من الملائكة لآدم، ولم يكن لآدم، وإنما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لآدم، فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكراً لله لاجتماع شملهم" تفسير البرهان ج2ص271

وبعدما تقدم نقول:

إن السيد محمد حسين فضل الله لم يلتفت إلى هذه الروايات، بل تجاهلها وحكم بأنهم إنما سجدوا ليوسف (ع) استجابة إلى تقاليد كانت شائعة عند الناس آنئذٍ.. رغم أن الروايات تؤكد أن السجود إنما هو لله سبحانه عبادة أو شكراً له، أو إعظاماً، أو طاعة لله، وتحية لآدم..

بل إن الرواية الأخيرة قد صرّحت بأن يوسف (عليه السلام) قد سجد معهم أيضاً..

فهل السجود على أعتاب مقامات الأنبياء والأئمة والأولياء إعظاماً أو شكراً، أو عبادة أو طاعة لله، أو حتى تحية للنبي أو الولي، بعد أن فعلته الملائكة والأنبياء قد يتّخذ اتجاهاً خطيراً في التصور والممارسات؟!

3 ـ ما معنى قوله:

"لا يكفي في استقامة العقيدة أن لا يكون هناك دليل مانع من عمل معين، أو من كلمات خاصة أو من طقوس متنوعةٍ، بل لا بد من الإنفتاح على العناصر القرآنية الفكرية العقيدية ".

ألف: فمن الذي قال للسيد محمد حسين فضل الله:

"إنه لا يكفي عدم وجود دليل مانع من عمل معين".

وما هو دليله على هذه المقولة، فإنها محض ادعاء يحتاج إلى دليل يوجب اليقين، ولا يكفي مطلق الحجة، كما قرره السيد محمد حسين فضل الله.

ب: إن الدليل على تلك الطقوس التي تزعج هذا البعض موجود، وهو مفيد لليقين.. فإن الدعاء والصلاة والإستشفاع، وقراءة القرآن، والبكاء إلى الله وطلب غفران الذنوب، وإقامة مجالس العزاء، والتبرّك بآثار الأنبياء والأولياء وزيارة قبورهم وتعظيمهم، كل ذلك قد دلّت الأدلة القطعية والمفيدة لليقين عليه.. بل وفوق اليقين.

وكذا السجود لله تعظيماً وشكراً، وعبادة له سبحانه في مقاماتهم..

بل وحتى لو كان السجود لهم تحيةً وتعظيماً وإكراماً فإن هذا البعض نفسه قد اعترف بأنه قد صدر مثله أيضاً عن الأنبياء والملائكة في السجود لآدم وليوسف (عليهما السلام).

فما بالك بما عدا السجود من طقوس ذكرناها أو ذكرنا القسم الأعظم والأهم منها مما يزعج هذا البعض ويثير حفيظته ويجهد للتشكيك بمشروعيته وتزيين عدم فعله للناس بمثل هذه الأساليب.

4 ـ ولا ندري ما المانع من أن "تختلط مظاهر الاحترام بين ما يقدّم للخالق، وما يقدّم للمخلوق". فإنه هو نفسه قد قرّر: أن نبي الله يعقوب(ع) قد سجد لنبي الله يوسف(ع). وكان يسجد أيضاً لله سبحانه.. فإذا جاز هذا الاختلاط في السجود الذي هو أجلى مظاهر التعبد، فإن الأمر يصبح بالنسبة لغيره من مظاهر الاحترام أيسر وأسهل. ما دام أنها لا ترقى في عباديتها لمستوى السجود.

ولا ندري أيضاً، ما المانع من أن يخاطب الله ويدعوه به بما يخاطب و يدعو به غيره.

فهل إذا قال: (يا رب أعطني ويا رب اغفر لي ذنبي واقبل توبتي والخ..)

وإذا قال لإنسان ما: أيها الإنسان الغني أعطني وحين يرتكب جرماً في حق أحد من الناس، فإنه يقول لذلك المجني عليه أو للقاضي اغفر ذنبي واقبل توبتي.

فهل يضرّ تشابه القولين بالصفاء العقيدي وفي العمق الشعوري للمسلم.

ويتأكد هذا الأمر حين يتضح: أن المسلمين يلتزمون خط التوحيد وأن ذهنيتهم لا تحمل أي لون من ألوان الشرك.

5 ـ وأما بالنسبة لتقليد الشعوب بعضها بعضاً، فإن الله سبحانه حين رضي من نبيه يعقوب(ع) أن يمارس السجود ليوسف(ع) كان يعرف أن الشعوب قد يقلّد بعضها بعضاً في الكثير من الطقوس والعادات.

6 ـ إن تقليد الشعوب لبعضها البعض.. واحتمال أن يؤدي ذلك إلى التأثر ببعض التقاليد غير الإسلامية لا يوجب تحريم الحلال، وإلا لزم أن يحكم هذا البعض حتى بتحريم ممارسة الصلاة إذا كان البعض قد يسيء فهمها، ويفسرها تفسيراً خاطئاً يجعله بعيداً عن خط الإيمان، ويثير فيه حالة العناد والعداء للدين وأهله.

7 ـ وأما التوازن الذي يدعي السيد محمد حسين فضل الله:

"أنه لا بد للمسلم من مراعاته من أجل الإحتفاظ بالأصالة الفكرية التوحيدية.."

فإن الله سبحانه حين أمر الملائكة بالسجود لآدم ورضي بسجود يعقوب ليوسف عليهما السلام، كان يعرف هذا التوازن، ورأى أن السجود ليوسف(ع)، وأن التبرك بآثار الأنبياء والأولياء، والإستشفاع بهم وزيارة قبورهم ووضع الخد على القبر، وإقامة مجالس العزاء وطلب الحاجات من الله سبحانه بحق صاحب القبر، بل وطلبها من النبي والولي نفسه ليكونوا وسيلته إلى الله ـ مع علمه بأنهم أحياء يرزقون يرون مقامه، ويسمعون كلامه ويردّون سلامه وغير ذلك ـ إن ذلك كله يسير في خط التوازن، وهو الذي يرسّخ الأصالة التوحيدية ويحفظها ويرعاها.

العودة