ـ إستسلم آدم ولم يشعر أن استسلامه يمثل تمرداً على الله وعصياناً لإرادته.

ـ آدم يسقط إلى درك الخطيئة.

ـ آدم أصبح منبوذاً من الله.

ـ أراد الله تدريب آدم في مواجهة حالات السقوط ليتنبه لأمثالها.

ـ أراد الله تدريب آدم ليعي كيف تتحرك الخطيئة في نفسه في المستقبل.

ـ آدم لا يحمل أية فكرة فطرية عن التوبة فتلقاها من الله.

ـ الأقرب أن الكلمات التي تلقاها آدم ليست هي أسماء الأئمة.

ـ الله يتحدث عن آدم في كل مورد للإيحاء بالضعف الإنساني.

ـ آدم يسقط أمام تجربة الإغراء فيتعرض للحرمان الأبدي.

ـ آدم و تجربة الإنحراف بتسويل إبليس.

ـ آدم لم يأخذ الموضوع مأخذ الجدية والإهتمام ولم يتعمق في وعيه.

ـ آدم انحرف من موقع الغفلة وأجواء الحلم لا من موقع الوعي.

ـ آدم لم يفكر جيداً.

ـ آدم استسلم للجو الخيالي المشبع بالأحاسيس الذاتية المتحركة مع الأحلام.

ـ آدم ابتعد عن خط الرشد.

ـ معصية آدم معصية تكليف (لا إرشاد).

ـ كان أمراً إرشادياً (لا تشريعيا).

ـ شعور آدم وحواء بالخزي والعار.

ـ آدم غير متوازن.

ـ يخصفان من ورق الجنة للتخلص من العار.

ـ إبليس أسقط آدم لئلا يبقى هو الساقط الوحيد في عملية التمرد على الله.

ـ جريمة آدم تمثّلت له في مستوى الكارثة.

ـ إبليس نجح في إثارة الضعف في شخصية آدم.

ـ آدم عاد إلى الله في عملية توبة وتصحيح.

ـ آدم أساء إلى نفسه بانحرافه عن خط المسؤولية في طاعة الله.

ـ إبليس أوصل آدم وحواء إلى مرحلة السقوط، بسبب الغرور الذي أوقعهما فيه.

ـ سقط آدم في الامتحان، وأخفق في التجربة.

ـ إبليس قاد آدم إلى الموقف المهين.

ـ خطيئة آدم أبعدته عن الله.

ـ آدم والشجرة المحرمة، والرغبة المحرمة.

ـ إبليس هبط بقيمة هذا المخلوق الذي كرمه الله.

ـ إنحراف آدم طارئ بسيط.

ـ آدم ثاب إلى رشده ودخل عالم الإستقامة من جديد.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

".. وتبدأ الآيات من جديد في هذه السورة، لتضع الإنسان أمام بداية الخلق، ليعيش التصور الإسلامي عن تكريم الله للإنسان، وعن شخصية إبليس في خصائصه الذاتية، وفي طريقته في التفكير، وفي مخططاته من أجل إغواء الإنسان وإضلاله من خلال عقدة الكبرياء المتأصلة فيه.. ثم في محاولاته الناجحة، في البداية ـ فيما قام به من إثارة نقاط الضعف في شخصية آدم ـ حتى أخرجه وزوجه من الجنة.. ثم.. في عودة آدم إلى الله في عملية إنابة وتوبة وانطلاقة تصحيح، وموقف قوة في حركة الصراع مع إبليس وذلك من أجل أن يعيش الانسان الوعي لدوره المتحرك في آفاق الصراع مع الشيطان في كل مجالات حياته.. فكيف عالجت هذه الآيات القصة..؟"[ من وحي القرآن ج1ص35ط2]

ويقول أيضاً:

"وأراد الله أن يوحي إلى آدم بكرامته عليه، فيما يـمهد لـه من سبل رضوانه ونعمه.. فقال لـه.. {اسكن أنت وزوجك الجنة} وخذا حريتكما في التمتع بأثمارهـا فيما تختاران منها ممّا تستلذانه أو تشتهيانـه.. {فكلا من حيث شئتما} لا يمنعكما منه مانع {ولا تقربا هذه الشجرة} فهي محرمة عليكما.. هذه هي إرادة الله التي انطلقت من موقع حكمته في توجيهكما إلى أن تواجها المسؤولية من موقع الالتزام والإرادة، في الامتناع عن بعض ما تشتهيانه من أجل إطاعة الله فيما يأمر به أو ينهى عنه فلا بد من تجربة أولى لحركة الإنسان في عملية الإرادة.. فلتبدأ تجربتكما الأولى.. في هذه الأجواء الفسيحة التي منحكما الله فيها كل شيء.. مما يجعل من النهي الصادر منه إليكما، تكليفا ميسرا لا صعوبة فيه ولا حرج.. فبإمكانكما السير في نقطة البداية من أيسر طريق.. فلا تقربا هذه الشجرة {فتكونا من الظالمين} الذين يظلمون أنفسهم، ويسيئون إليها بالانحراف عن خط المسؤولية في طاعة الله.. ولم يكن لديهما أي حافزذاتي يدفعهما إلى المعصية، لأنهما لا يشعران بالحاجة إلى هذه الشجرة بالذات.. ما دامت الشجرة لا تمثل شيئا مميزا في شكلها وثمرها.. " [ من وحي القرآن ج10ص53-54ط2]

ويقول أيضا:

"ولم يكن عندهما أية تجربة سابقة في مخلوق يحلف بالله ويكذب، أو يؤكد النصيحة ويخون.. أو يغش، فصدقاه، وأقبلا على تلك الشجرة المحرمة يذوقان من ثمرتها ما شاءت لهما الرغبة أن يذوقـا.. {فَدَلاّهُما بغرور} أي أنزلهما عن درجتهما الرفيعة فأوصلهما إلى مرحلة السقوط بسبب الغرور الذي أوقعهما فيه، فيما استعمله من أساليب الخداع {فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوأتهما} وشعرا بالعري.. الذي بدأ يبعث في نفسيهما الشعور بالخزي والعار، في إحساس جديد لم يكن لهما به عهد من قبل.. وقيل.. إنهما كانا يلبسان لباس أهل الجنة فسقط عنهما بسبب المعصية.. {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة..} ليستراها في إحساس بالحاجة إلى ذلك، بطريقة غريزية من خلال شعورهما بالدور الخجول للعورة.. أو لأمر آخر يعلمه الله.. وسقطا في الامتحان وأخفقا في التجربة.. وبدأ هناك شعور خفي بالخيبة والمرارة.. فيما بدا لهما أنهما ارتكبا ما لا يجب أن يرتكباه.. وربما تذكرا نهي الله لهما عن الأكل من الشجرة.. وربما يكونان قد عاشا بعض الحيرة فيما يفعلانه في موقفهما هذا.. فهـذا أمر جديد لا يعرفان كيف يتصرفان فيه.. وهنا جاءهما النداء من الله مذكرا ومؤنباً {وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة..} فكيف خالفتما هذا النهي وعصيتماني.. ما هي حجتكما في ذلك؟.. هل هي وسوسة الشيطان..؟ وكيف لم تنتبها إلى وسوسته..؟ ألم أحذركما منه {وأقل لكما إن الشيطان لكما عدوّ مبين} يضمر لكما الحقد والعداوة والحسد.. منذ رفض السجود مع الملائكة وخالف أمر الله بذلك.. ووقف وقفة التحدي للإنسان ليغويه ويضره ويقوده إلى عذاب السعير.. وها أنتما تريان كيف قادكما إلى هذا الموقف المهين.. وتمثلت لهما الجريمة في مستوى الكارثة.. كيف نسيا تحذير الله لهما.. كيف أقبلا على ممارسة الرغبة المحرمة وغفلا عن عداوة الشيطان لهما.. وكيف خالفا أمر الله الذي خلقهما وانعم عليهما.. وبدءا يعيشان الندم كأعمق ما يكون.. في إحساس بالحسرة والمرارة والذعر.. ولكنهما لم يستسلما لهذه المشاعر السلبية طويلاً ولم يسقطا في وهدة اليأس.. فلهما من الله أكثر من أمل" [ من وحي القرآن ج10ص56-57ط2]

ويقول مشيراً إلى إحساس آدم بالخزي والعار:

"{ينزع عنهما لباسهما} الذي يستر عورتيهما.. فيما ألقى الله عليهما من ألوان الستر {ليريهما سوآتهما} ليعيشا الإحساس بالخزي والعار"  [ من وحي القرآن ج10ص73ط2]

ويقول أيضاً مشيراً إلى نفس الموضوع:

".. وجاءت هذه الآيات التي تبدأ النداءات بكلمة {يا بني آدم} للإيحاء إليهم بالتجربة الحيّة التي عاشها آدم مع إبليس.. لئلا يكون التفكير في المسألة في المطلق.. بل يكون من موقع التاريخ الحي.. وقد استوحت الآيات قصة العري الذي شعر به آدم بسبب معصيته، في حالة من الإحساس بالخزي والعار.. لتوجه بنيه إلى النعمة التي أنعم الله بها عليهم، فيما خلق لهم من اللباس الذي يصنعونه من أصواف الأنعام وأوبارها وشعورها" [ من وحي القرآن ج10ص71-72ط2]

ويقول أيضاً:

".. كانت أول تجربة لهما في الوجود.. وانسجما مع التجربة في بساطة وعفوية.. وكان الشيطان لهما بالمرصاد. فقد عرف أن الفكر الذي يملكه الإنسان لا يقوى على مواجهة التحديات إلا من خلال التجارب المريرة التي يتعرف من خلالها أن الحياة لا تتمثل في وجه واحد، فهناك عدة وجوه وألوان.. ولم تكن لهذين المخلوقين الجديدين أية تجربة سابقة مع الغش والكذب والخداع واللف والدوران.. كان الصدق.. وكانت البساطة في مواجهة الأشياء، وكانت العفوية في تقبل الكلمات.. هي الطابع للشخصية البريئة الساذجة التي تتمثل في كيانهما..

وبدأت العملية من موقع حقده وحسده وعداوته.. فمشى إليهما في صورة الملاك الناصح ليقول لهما: إن هذا النهي عن الأكل من الشجرة لا يلزمهما، بل سيحصلان ـ من خلال تجاوزه ـ على لذة الخلود والانطلاق في أجواء الملائكة.. وبدأت الكلمات الجديدة المغلفة بغلاف من البراءة والنصح تأخذ مفعولها في نفسيهما، فهما لم يتصورا أن هناك غشا في النوايا، وخداعاً في الأساليب.. بل كل ما عندهما الصفاء والنقاء والنظر إلى الحياة من وجه واحد، هو الحقيقة بعينها.. فاستسلما للكلمات من دون أن يشعرا بأن ذلك يمثل تمردا على الله وعصيانا لإرادته فقد كان لأساليبه فعل الساحر في نفسيهما تماما كما هي الأحلام عندما تغرق الإنسان في أجواء روحية لذيذة فتبعده عن واقعه وعن حياته.

وسقطا أمام أول تجربة.. ونجح إبليس في التحدي الأول للإنسان، فأهبطه من عليائه وأسقطه من مكانته.. لئلا يبقى الساقط الوحيد في عملية التمرد على الله.. فها هو يشعر بالزهو والرضا، لأنه استطاع أن يهبط بقيمة هذا المخلوق الذي كرمه الله عليه، إلى درك الخطيئة ليصبح منبوذا من الله.. وجاء الأمر من الله إليهم جميعا.. آدم وحواء وإبليس أن يهبطوا جميعا.. وان يعيشوا في الأرض إلى المدى الذي يريد لهم أن يعيشوا فيه، ويتمتعوا فيما هيأه الله لهم من صنوف المتع واللذات.. وان يواجهوا الموقف بين الفريقين، فريق الانسان.. الخ.." [ من وحي القرآن ج1ص260-262ط2]

ويقول أيضا في مورد آخر:

".. ويعود القرآن إلى حديث الإنسان الأول آدم في كل مورد للإيحاء بالضعف الإنساني الذي قد يسقط أمام تجربة الإغراء حتى يخيّل إليه أنه يمثل الفرصة السانحة السريعة التي إذا لم يستفد منها وينتهزها فإنه يتعرض للحرمان الأبدي.. ولذلك فإنه يبادر إلى انتهازها مدفوعا بهذا التصور الوهمي.. ثم يكتشف ـ بعد الوقوع في المشكلة ـ بأن المسألة ليست بهذه السرعة، وأن النتائج الإيجابية الموعودة ليست بهذا الحجم، فقد كان بإمكانه أن يصبر ويحصل على نتائج جيّدة أفضل وأكثر دواماً وثباتاً".

إلى أن قال:

"{ولقد عهدنا إلى آدم من قبل} وأوصيناه وحذرناه مما قد يواجهه من تجربة الانحراف بتسويل إبليس الذي يحمل له أكثر من عقدة منذ إبعاده عن رحمة الله بابتعاده عن الاستجابة لأمره بالسجود لآدم.. في الوقت الذي لم يحمل له آدم أي شعور مضاد.. ولكن آدم لم يتعمق في وعي الموضوع، ولم يأخذ مأخذ الجدّية والاهتمام، وبقي مستمراً على خط العفوية والبساطة الصافية في مواجهته للأشياء {فنسي} ما ذكرناه به فترك الامتثال للنصيحة الإلهية التي لم تكن أمرا تشريعيا يستتبع عقابا جزائيا، بل كان أمرا إرشاديا يتحرك من المنطق الطبيعي للأمور فيما ترتبط به النتائج بمقدماتها".

إلى أن قال:

"{فوسوس إليهما الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد} التي إذا أكلت منها أعطتك خلود الحياة التي لا فناء فيها {وملك لا يبلى} فيما يشتمل عليه من سلطنة دائمة مطلقة لا تسقط أمام عوامل الاهتزاز والسقوط.

وهكذا حاول الالتفاف على أحلامهما الإنسانية في الخلود والملك الباقي من دون أن يثير فيهما عقدة الخوف من المعصية لله، ولهذا كان أسلوبه هو أسلوب التحذير الذاتي، والغفلة الروحية عن النتائج السلبية التي تنتظرهما، إذا استسلما إليه.

وهذا هو الذي يجب أن ينتبه إليه الإنسان في مواقفه العملية، فيما قد يوسوس إليه الشيطان من التأكيد على حركة الحلم الوردي في مشاعره بطريقة غير واقعية، مستغلا حالة الاسترخاء الروحي، والغفلة الفكرية التي يخضع لها في وجدانه، مما يجعله مشدودا إلى الجانب الخيالي من أفكاره من دون مناقشة لها في قليل أو كثير فينحرف من موقع الغفلة لا من موقع الوعي، ومن أجواء الحلم لا من أجواء الواقع، كما حدث تماما لآدم وحواء عندما كانا ينعمان بسعادة الجنة ونعيمها في ظلال عفو الله ورحمته ورضوانه، يتبوءان من الجنة حيث يشاءان، فليس لديهما مشكلة هناك.. فلم يكن من إبليس إلا أن وسوس إليهما مستغلاً جانب الغفلة، فعزلهما عن الواقع، ودفعهما إلى التفكير بالخلود والملك الباقي من خلال الأكل من الشجرة التي نهاهما الله عنها.. ولو فكرا جيدا لعرفا أن الخلود والملك ليسا من الأشياء التي تحصل بفعل الأكل من شجرة، بل هما نتيجة الإرادة الإلهية التي تملك أمر الموت والحياة، والملك الباقي أو الفاني، ولكنهما استسلما للجو الخيالي المشبع بالأحاسيس الذاتية المتحركة مع الأحلام.

إن الموقف المتوازن هو الموقف الذي ينطلق من القرار المبني على الدراسة الموضوعية للأشياء، وعلى النظرة الواقعية لموقعها من المستقبل مما يفرض على الإنسان أن يتخفف كثيرا من أحلامه، لمصلحة الكثير من أفكاره ومواقفه الثابتة في الحياة.

{فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما} فيما يعنيه ذلك من الإحساس بالعري الذي لا يغطيه شيء، فيما يعيشان الشعور معه بالعار والخزي في الوقت الذي كانا يتحركان ببساطة من دون مراعاة لوجود شيء في جسديهما يوحي بالستر، لأن مسألة الخطيئة في أفكارها وأحلامها لم تكن واردة في منطقة الشعور لديهما.. ولهذا كانا لا يشعران بوجود عورة.. لأن ذلك هو وليد الشعور بالمنطقة الخفية من شخصية الإنسان فيما يختزنه في داخله من أفكار وأحاسيس كامنة في الذات. {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} في عملية تغطية وإخفاء وتخلص من العار {وعصى آدم ربه فغوى} وابتعد عن خط الرشد الذي يقود الإنسان إلى ما فيه صلاحه في حياته المادية والمعنوية ولكن هذا الانحراف الطارئ البسيط لم يكن حالة معقدة في عمق الذات تفرض عليه الاستسلام للخطيئة كعنصر ذاتي لا يملك الإنفكاك منه بل هو حالة إنسانية تستغرق في الغفلة لحظة ثم تثوب إلى رشدها لتدخل في عالم الاستقامة من جديد..

إلى أن قال:        

"{ثم اجتباه ربه} واصطفاه إليه واختاره لنفسه فلم يتركه ضائعا حائرا في قبضة فرعون.. {فتاب عليه} ورضي عنه {وهدى} وفتح له أبواب رحمته، ودله على الطريق المستقيم وأراده أن يواجه الحياة من مواقع قوة الإرادة في ساحة الصراع مع الشيطان، ولعل الله سبحانه أراد أن يجعل له من تجربة العصيان في الجنة، فترة تدريبية يمارس فيها حركة الوعي للجو الشيطاني الذي يتحرك فيه الكذب والغش والدجل والخيانة والرياء.. ليختزن الفكرة قبل أن ينزل إلى الأرض التي أعده الله ليكون خليفة له فيها، فيستفيد من تجربة سقوطه وخروجه من الجنة على أساس ذلك، كيف يعمل على أن يتفادى السقوط في الأرض أمام الشيطان الذي غره من موقع العقدة الشيطانية المستعصية، وكيف يجعل من دوره الرسالي، موقع قوة للحياة وللإنسان لا موقع ضعف. وهكذا أراد الله له أن يعيش الشعور برضا الله عنه وهدايته له فيما يريد له أن يتحرك فيه.."

ويقول أيضاً: [ من وحي القرآن ج15ص167-168ط2]

".. قد يثور أمامنا سؤال: إننا نعرف في قصة خلق آدم، في حوار الله مع الملائكة، ان الله قد خلقه للأرض ولم يخلقه ابتداء ليعيش في الجنة، فكيف نفسر هذا الأمر الذي يوحي بأن الجنة كانت المكان الطبيعي له لولا العصيان؟ والجواب عن ذلك.. هو أن الأمر الإلهي كان جزءاً من عملية التدريب الإلهي المرتكزة على فكرة الربط بين الجنة والطاعة في وعي الإنسان مع علم الله بأنه لن ينجح في الامتحان، فكان تقديره في خلقه للأرض من اشتراط البقاء في الجنة بشرط غير متحقق، فلا منافاة بين الأمرين.

وقد نستوضح الصورة في إطار الفكرة الأصولية التي يبحثها علماء الأصول في موضوع صيغة الأمر.. وهي أن دوافع الأمر قد تختلف، فقد يكون الدافع له هو إرادة حصول الفعل من المأمور وقد يكون الدافع هو امتحان اخلاص المأمور وطاعته، أو إظهار قوة إيمانه وإخلاصه، من دون أن يكون هناك أي غرض يتعلق بالفعل، كما نلاحظه في أمر الله لإبراهيم بذبح ولده، لا لأن الله يريد ذلك (ولذلك رفعه قبل حصوله) بل ليظهر عظمة التسليم المطلق لله في سلوك الأب والابن ليكونا مثلا وقدوة للناس، وقد يكون الداعي أمرا آخر، وهو تدريب الإنسان على مواجهة حالات السقوط بتعريضه لتلك التجربة ليتنبه إلى أمثالها في المستقبل كما في حالة آدم (ع). ونحن لا نجد أي مانع عقلي في ذلك بل هو واقع كثيرا في أفعال العقلاء وأساليبهم في الأوامر والنواهي..

ولا مجال للاعتراض هنا بأن الله كلف آدم بما يعلم أنه لا يمتثل من خلال الظروف الموضوعية المحيطة به، أولا، لان العلم بعدم الامتثال لا يمنع من التكليف أساسا باعتبار أن العلم معلول للمعلوم وليس الأمر بالعكس.. وثانياً: أن التكليف لم يستهدف حصول الفعل، بل استهدف وعي التجربة المستقبلية من خلال التجربة الحاضرة وعلى ضوء هذا نجد أن الأمر هنا يشبه الأمر في قصة إبراهيم ولكن بطريقة متعاكسة في الموضعين.

التوبة ومدلولها في حياة الإنسان

{فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم..} إنه هو لعل في هذه الآية بعض الدلالة على أن الموقف كله في قضية آدم كان تدريبا من أجل أن يعي الإنسان في مستقبل حياته كيف تتحرك الخطيئة في نفسه وكيف تدفعه بعيدا عن الله.. فقد عالجت هذه الآية قضية التوبة، ووضعها في نطاق الأشياء المتلقاة من الله مما يوحي بأن آدم لا يحمل أية فكرة فطرية عنها، فكان الإيحاء والإلهام من الله من اجل أن يتعلم كيف يتراجع عن الخطأ فلا يستمر عليه.. أما طبيعة الكلمات فقد اختلف المفسرون فيها، ولكن الأقرب إلى الذهن هو ما حدثنا عنه القرآن في سورة الأعراف في قوله تعالى: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}(الاعراف/23).

انه الشعور العميق بطبيعة الخطأ وعلاقته بنفس الخاطئ وحياته وانعكاساته على قضية مصيره فليست القضية متصلة بالله باعتبارها شيئا يسيء إليه أو يمس سلطانه، ولكنها متصلة بالموقف الإنساني من الله بقدر علاقته بموقفه من مصلحة نفسه، مما يجعل من بقاء الذنب في موقعه خسارة كبيرة للإنسان في الدنيا والآخرة، ويكون طلب المغفرة والرحمة منطلقا من الرفض الكبير للمصير الخاسر. فلا خسارة اعظم من خسارة الإنسان علاقة القرب إلى الله لأنه يخسر بذلك امتداده الإنساني في الطريق المستقيم   [ من وحي القرآن ج1ص266-268ط2]

ونقول:

1 ـ إننا لا نريد أن نعلق على كل ما ورد في الصفحات المتقدمة حول آدم عليه السلام، ولا سيما قوله: إن شخصية آدم بريئة وساذجة. وهو الأمر الذي أكده من جديد في محاضرته في قاعة الجنان بتاريخ 20 جمادى الثانية 1418 هـ. وطبعت بعنوان: الزهراء المعصومة النموذج للمراة العالمية، ط سنة 1997 ص 50. وليعلم القارئ الكريم أن ما تركناه من أقاويل هذا الرجل المشتملة على أمثال ما ذكر هنا، هو أكثر مما أوردناه في هذا الموضع من الكتاب.

2 ـ إن السيد فضل الله قد ذكر في ما نقلناه عنه: أن الله سبحانه أراد أن يضع الإنسان أمام بداية الخلق، ليعيش التصور الإسلامي عن تكريم الله للإنسان.

ولكن ليت شعري أي تكريم هذا الذي يتحدث عنه السيد محمد حسين فضل الله، وهو نفسه يقدم لنا في كتابه (من وحي القرآن) بل وسائر كتبه ـ التي جدد التزامه بكل ما أورده فيها في محاضرته المشار إليها في قاعة الجنان ـ أوصافاً وأفعالا ينسبها إلى الأنبياء ما يقزز النفس، ويثير الغثيان، ويبعث على القرف، حتى ليتمنى أي إنسان عادي لو أن الله خلق شيئا آخر بدلا عن هذا الإنسان الأضحوكة والمسخرة والساقط والمهان. وإن ما ذكرناه هنا وفي مواضع أخرى من هذا الكتاب يكفي للدلالة على نوع الأفكار التي يقدمها هذا البعض عن أنبياء الله وأصفيائه، فهي إلى التوراة أقرب منها إلى القرآن.

وليس ثمة مجال للاعتذار عن ذلك بكونه ظاهر القرآن لأننا قد شرحنا فيما تقدم من الآيات الكريمة المرتبطة بقضية النبي آدم (عليه السلام) كيفية عدم انطباق ما يقوله هذا البعض على تلك الآيات.

وسيأتي عند الحديث عن الآيات المتعلقة بسائر الأنبياء (عليهم السلام) ما يقطع العذر عن مثل هذا الوهم.

3 ـ على أن من الطريف أن نشير هنا إلى أن الحديث عن شعور آدم وحواء بالخزي والعار، لا موقع له، إذ إنهما كانا وحدهما في الجنة، ولم يكن ثمة ناظر لهما غيرهما، وهما زوجان لا محذور من نظر أحدهما إلى الآخر..

إلا أن يقال: إن الجن والملائكة، وحتى الشيطان كان أيضا موجوداً، ولا يريدان أن ينظر أحد ـ خصوصاً هذا المخلوق الشرير ـ إليهما، أو يقال: إن إحساسهما بظهور عورتيهما كان هو المرفوض من قبلهما. وعلى أي حال، فإننا لا نتفاعل!! مع تعبيره عن آدم النبي عليه السلام، أنه شعر "بالخزي والعار [ من وحي القرآن ج10ص71-72ط2] فإن ذلك غير لائق في حقه عليه السلام.

كما أن ذلك مجرد دعوى بلا دليل، ولم يكن هذا البعض حاضرا ولا ناظرا، ولا مطلعا على آثار هذا الخجل الناشئ عن الشعور بالخزي والعار، ولا رأى عليهما آثار الاضطراب ولا شاهد حمرة الخجل في وجهيهما، ولا غير ذلك من علامات.

وبعد، فإن من الواضح أن آدم عليه السلام، قد أكل من الشجرة، فواجه آثارا سلبية في جسده لم تكن قد مرت به من قبل. وقد كانت هذه الآثار متعددة عبّر عنها القرآن الكريم بكلمة "سوءات" التي هي صيغة جمع، وقد نسب هذا الجمع إلى آدم وحواء كل على حدة، ومعنى ذلك أنه قد ظهرت سوآت عديدة لكل واحد منهما، لا سوءة واحدة لينحصر الأمر بموضوع ظهور العورة منهما، إذ لو كان المراد هو خصوص ذلك لكان الأنسب أن يقول: بدت لهما سوأتاهما. وتبديل المثنى بالجمع إنما يصار اليه في الموارد التي يقطع فيها بإرادة المثنى، بحيث يكون العدول غير موهم.

4 ـ إن العناوين التي ذكرناها في بداية كلام السيد فضل الله ، والمأخوذة من كلماته وتعابيره، تعطينا فكرة عن طبيعة اللغة واللهجة التي يتحدث بها عن أنبياء الله سبحانه وتعالى؛ فإنها ليست لغة سليمة ولا مقبولة، مهما حاولنا التبرير والتوجيه، والالتفاف على الكلمات بالتأويل أو بغيره.

فهل يصح أن يقال: إن آدم عليه السلام وهو النبي المعصوم قد سقط أمام التجربة، أو أنه أساء إلى نفسه بانحرافه عن خط الرشد والمسؤولية في طاعة الله؟

أو إن آدم قد تعرض للحرمان الأبدي حين سقط في تجربة الإغراء؟‍‍!

أو إن الله حذر هذا النبي من تجربة الانحراف بتسويل إبليس؟!.

وهل يصح وصف آدم بالمنحرف؟، وما جرى له بالإنحراف؟!

أم يصح أن يقال عن نبي: إنه لم يفكر جيداً؟!

أو يقال إنه لم يشعر أن ذلك يمثل تمردا على الله وعصيانا لإرادته؟!

أو إنه لم يأخذ الموضوع ـ فيما يرتبط بالأمر الإلهي ـ مأخذ الجدية والاهتمام؟!

أو إن جريمة آدم تمثلت له في مستوى الكارثة؟!

وماذا يعني أن ينسب إلى آدم استسلامه للجو الخيالي المشبع بالأحاسيس المتحركة مع الأحلام؟!

أو أن يقال: إن الله تعالى أراد تدريبه ليعي كيف تتحرك الخطيئة في نفسه في المستقبل؟! وكيف تبعده عن الله؟!

وهل يصح أن يقال عن نبي من الأنبياء: إنه سقط إلى درك الخطيئة؟!

أو أن يقال: إن إبليس قاد آدم إلى الموقف المهين؟!  

أو إن هذا النبي قد أصبح منبوذا من الله سبحانه؟!

ألا ترى معي أنها عبارات تستعمل عادة لأقل الناس و أحطهم؟!

5 ـ وهل يمكن أن يقبل أحد مقولة أن هذا النبي لا يحمل فكرة فطرية عن التوبة فاحتاج إلى أن يتلقاها من الله سبحانه وتعالى؟!. وأية آية دلّته على هذا النفي؟! فإن تلقي الكلمات من الله وتعليم الله سبحانه لآدم كلمات (هي أسماء أصحاب الكساء) أو دعاءً مخصوصاً، لا يعني أنه كان لا يدرك حسن التوبة، ومطلوبيتها، فإن وجوب التوبة أمر عقلي، ثابت في الشرع، والعقل يدرك حسنها كما هو معلوم لدى العلماء إذن فالذي علمه الله إياه من الكلمات ـ كما ورد في روايات أهل البيت (ع) ـ هو الدعاء، والإستشفاع بأهل البيت من أجل أن يتوسل بذلك إلى الله في توبته التي يدرك بعقله حسنها ومطلوبيتها لله سبحانه وليس في الآية أنه تعالى علّمه ان يتوب.

6 ـ كما أننا نلاحظ: أنه يستقرب أن تكون الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، هي خصوص قوله تعالى {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}  سورة الأعراف الآية 23

فإن هذه الكلمات تفيد أن آدم (ع) قد دعا بها ربه، طالبا أن يغفر له ويرحمه حتى لا يكون من الخاسرين. وليس هناك ما يدل على أنها هي الكلمات التي علمها الله لآدم.

7 ـ إن الأنسب والأوفق بسياق الآيات هو أن تكون الكلمات التي علمها الله لآدم هي تلك التي وردت في الروايات الكثيرة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، وهي أسماء الأئمة والحجج على الخلق عليهم أفضل السلام، لأنها هي الكلمات التي تحتاج إلى تعليم في مقام كهذا لكي يستشفع آدم (ع) بمسمياتها لما لهم (ع) من كرامة على الله.

وتكون هذه مناسبة جليلة يتعرف فيها آدم وذريته أكثر فأكثر على مقام هؤلاء الصفوة ليكون تعلقهم بهم أقوى، ومحبتهم لهم أشد، وتقربهم منهم ومن خطهم ونهجهم أولى وأتم..

ولا ندري لماذا لم يشر السيد فضل الله إلى هذه الأحاديث الكثيرة جدا التي صرحت بأن الكلمات التي علمها الله لآدم هي أسماء هؤلاء، وكيف ولماذا استقرب أنها – أي الكلمات ـ آية 23 من سورة الأعراف: {قالا ربنا ظلمنا انفسنا..} مع أنه لا إشارة إلى ذلك أصلا لا في الآية ولا في الرواية. بل إن ما ورد في هذه الآية هو الموقف الطبيعي والعفوي الذي ينتظر صدوره من آدم عليه السلام من دون حاجة إلى أي تعليم  تفسير البرهان ج1ص81-89 عن مصادر كثيرة

8 ـ على أن لنا أن نتوقف قليلا عند قصة سجود إبليس لآدم، التي سبقت قضية الأكل من الشجرة، لأنها كانت في بدء خلقة آدم، فهل بقي آدم غافلا عن حقيقة موقف إبليس منه؟ ألم يطلعه الله سبحانه على سوء سريرة إبليس، وعلى أنه عدو لهما {و أقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين}.

أليس في قول الله سبحانه هذا لهما إشارة إلى أن هذا المخلوق ليس مأمونا، وغير مرضي الطريقة، ولا يسير في الصراط المستقيم؟.

وألا يكفي آدم التوجيه الإلهي الصريح والواضح، حتى يحتاج إلى التدريب والتجربة؟!.. ولماذا اقتصرت تجربة آدم على الكذب والغش، ولم تتعد ذلك إلى سائر أنواع الفواحش؟!

أم أن السيد فضل الله يلتزم بأن آدم في نطاق دورته التدريبية قد واجه إبليس وعاينه حين ارتكابه لسائر الفواحش وممارسته لها عمليا؟!

وما هو السر في أن التجربة قد اقتصرت على الكذب والغش ولم تتجاوزه إلى الفتنة والغيبة والنميمة وغير ذلك، بل اكتفى في الباقي بالتوجيه والتعليم؟! ولماذا لم يستغن عن هذه الدورة التدريبية أيضا بتعليم مناسب بالنسبة إلى الغش والكذب، يتفادى معه حصول ما حصل؟! أم أن الأساليب الإلهية قد استنفدت مع آدم (ع) ولم يفد معه إلا هذا الأسلوب الصعب والقاسي؟!

ولعل قوله: "الظاهر أنه استمر في الخط المستقيم" [ من وحي القرآن ج10ص71ط2] يشير إلى صحة هذا الاحتمال الأخير لأنه ألمح إلى أنه حتى هذا الأسلوب لم يكن مجدياً إلى درجة يقطع معها باستقامة آدم على الطريق المستقيم.

 

وفي رواية عن الإمام الرضا عليه السلام:

لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات فلم يقم أحد إلا وقد ألزم حجته كان قد ألقم حجراً ، فقام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال يابن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء ؟ قال : بلى ، قال فما تعمل في قول الله عز وجل :  { وعصى آدم ربه فعوى } وقوله عز وجل { وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه } وقوله في يوسف { ولقد همت به وهم بها } وقوله عز وجل في داوود { وظن داوود أنما فتناه} وقوله في نبيه محمد صلى الله عليه وآله { وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} ؟ فقال مولانا الرضا عليه السلام : ويحك يا علي اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ولا تتأول كتاب الله برأيك ، فإن الله عز وجل يقول : { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} أما قوله عز وجل في آدم عليه السلام : { وعصى آدم ربه فغوى} فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في الأرض ، وخليفته في بلاده ، لم يخلقه للجنة ، وكانت معصية آدم عليه السلام في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير أمر الله عز وجل ، فلما اهبط إلى الأرض وجعل حجة وخليفة عصم بقوله عز وجل  { إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} وأما قوله عز وجل : { وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه} إنما ظن أن الله عز وجل ر يضيق على أحد رزقه ألا تسمع قوله عز وجل { وأما إذا ابتلاه فقدر عليه رزقه}؟ أ يضيق عليه ، ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان كفر. وأما قوله عز وجل في يوسف: { ولقد همت به وهم بها } فإنها همت بالمعصية ، وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما داخله، فصرف الله عنه قتلها والفاحشة ، وهو قوله : { كذلك لنصرف عنه السوء } يعني القتل ، والفحشاء يعني الزنا. وأما داود فما يقول من قبلكم فيه ؟ فقال علي بن الجهم : يقولون أن داود كان في محرابه يصلي إذا تصور له إبليس على صورة  طير أحسن ما يكون من الطيور ، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج إلى الدار ، فخرج في أثره فطار الطير إلى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حنان ، فاطلع داود في أثر الطير فإذا بإمرأة أوريا تغتسل ، فلما نظر إليها هواها ،وكان أوريا قد أخرجه في بعض غزواته ، فكتب إلى صاحبه أن أقدم أوريا أمام الحرب ، فقدم فظفر أوريا بالمشركين ، فصعب ذلك على داود ، فكتب ثانية أن قدمه أمام التابوت ، فقتل أوريا رحمه الله ، وتزوج داود بامرأته ، فضرب الرضا عليه السلام بيده على جبهته وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد نسبتم نبياً من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حتى خرج في أثر الطير ، ثم بالفاحشة ، ثم بالقتل ، فقال يابن رسول الله فما كانت خطيئة ؟ فقال: ويحك إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عز وجل خلقاً هو أعلم منه ، فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا الحراب فقالا: خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط * إن هذا أخي له تسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب * فجعل داود عليه السلام في المدعى عليه فقال : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ، فلم يسأل المدعي البينة على ذلك ، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول : ما تقول ؟ فكان هذا خطيئة حكمه ، لا ما ذهبتم إليه ، ألا تسمع قول الله عز وجل يقول : { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق} إلى آخر الآية ، فقلت يابن رسول الله فما قصة أوريا ؟ فقال الرضا عليه السلام إن المرأة في أيام داود إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبداً ، وأول من أباح الله عز وجل أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود فذلك الذي شق على أوريا ، وأما محمد نبيه صلى الله عليه واله وقوله عز وجل له: { وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } فإن الله عز وجل عرف نبيه أسماء أزواجه في دار الدنيا وأسماء أزواجه في الآخرة ، وأنهن أمهات المؤمنين ، وأحد من سمي له زينب بنت جحش وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة ، فأخفى صلى الله عليه واله اسمها في نفسه ولم يبد له لكيلا يقول أحد من المنافقين ، إنه قال في امرأة رجل : إنها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين ، وخشى قول المنافقين ، قال الله عز وجل { والله أحق أن تخشاه في نفسك} وأن الله عز وجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج آدم وحواء ، وزينب من رسول الله صلى الله عليه واله ، وفاطمة من علي عليه السلام ، قال فبكى علي بن الجهم وقال : يابن رسول الله أنا تائب إلى الله عز وجل أن أنطق في أنبياء الله عز وجل بعد يومي هذا إلا بما ذكرته.

 

عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ج-2 ص170 /الأمالي للشيخ الصدوق ص150/الفصول المهمة في الأصول ج-1 ص 442/بحار الأنوار ج- 11 ص 72 وج 49 ص179/مستند الإمام الرضا (ع) ج-2 ص 93 /تفسير نور الثقلين ج-3 ص 404 /تفسير الميزان ج-1 ص 145 و11 ص 166/قصص الأنبياء للجزائري ص 13 .

 

فلماذا لم يمتثل إلى أمر الإمام الرضا عليه السلام وينسب الفواحش إلى الأنبياء عليهم السلام  وعدم الامتثال لهم عليهم السلام  كالراد عليهم والراد عليهم كالراد على رسول الله صلى الله عليه وآله والراد على رسول الله صلى الله عليه وآله فقد رد على الله جل وعلا .

العودة