بداية:

إننا نقدّر: أن ما قدمناه فيما يتعلق بالمنهج الإستنباطي للسيد محمد حسين فضل الله، قد جعل الصورة واضحة فيما يرتبط بالطريقة التي يتبعها في استنباط الفتاوى الشرعية واستنتاج الأفكار الدينية، كما أن ذلك قد أظهر إلى حد بعيد ما ستكون عليه الأمور في نهاية المطاف، والنتائج التي سوف تؤدي إليها هذه الطريقة في الإستنتاج والإجتهاد!! إن صح التعبير ولسوف لن يكون مستغرباً ـ بعد كل ذلك ـ ما ستطّلع عليه في هذه الفصول من الفتاوى البديعة التي أطلقها.

وأي غرابة فيما ستسمع وتقرأ في هذه الفصول بعد أن اطلع الباحث الكريم على ما تقدم من تجويز العمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة، وفتح باب التأويل ودعوى إمكان الاستيحاء بطريقة يزعم أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يستوحون القرآن بها، وبعد تسويغ العمل بروايات العامة بدعوى عدم وجود الداعي للكذب فيها، بل ترك العمل بالكثير الكثير من روايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بزعم كثرة الكذب والوضع فيها، وكون تنقيح إسنادها ـ بسبب ذلك ـ من المسائل المعقدة!! وبعد.. وبعد..

فإلى جملة من تلك الفتاوي والآراء التي سيجد القارئ الكريم من خلالها صحة ما نقول، ومن الله التوفيق والسداد..

 

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

"ما من فتوى أفتيها في أي شيء، وفي أي شأن من الشؤون العامّة أو الخاصّة، إلاّ ولدي دليل اجتهادي على طريقة المجتهدين، مما يسمّيه الإمام الخميني: (الإجتهاد الجواهري)، أي على طريقة صاحب جواهر الكلام.

وما من فتوى أفتيها إلاّ وهناك فتوى مماثلة لأكثر من عالم من علمائنا الكبار، وقد تكون الخصوصية هي أن الفتاوى هذه اجتمعت عندي بما لم تجتمع عند بعض العلماء، ولذلك استغربها الناس" فكر وثقافة عدد4ص2بتاريخ6/7/1996

ويقول السيد محمد حسين فضل الله أيضا عن فتاويه، التي ربما استظرفها بعض إخوانه:

"إن هذه الفتاوى بأجمعها مستنبطة من أدلتها، وما من فتوى إلاّ وهـناك من العلماء من يوافقني فيها الرأي" [الندوة ج1ص510]

 ـ تعمد قول آمين ولو لم يقصد بها الدعاء لا يبطل الصلاة.

ـ الميل إلى جواز التكتف في الصلاة.

ـ الشهادة بالولاية فيها مفاسد كثيرة.

وكنموذج للمفارقات في منهجه الفقهي نذكر المثال التالي:

إنه يعتبر أن في قول: (أشهد أن عليا ولي الله) في الإقامة مفاسد كثيرة، حيث يقول وهو يتحدث عنها:

"لا أجد مصلحة شرعية في إدخال أي عنصر جديد في الصلاة، في مقدماتها وأفعالها، لأن ذلك قد يؤدي إلى مفاسد كثيرة" [المسائل الفقهية ج2ص123] ومثله في[ فقه الشريعة ج1ص292]

ولا ندري لماذا لا يزيلها من الأذان أيضا، فإنه أيضا من مقدمات الصلاة كما هو مقتضى عبارته؟!.

ثم يقول وهو يعدد مبطلات الصلاة:

"تعمّد قول آمين على الأحوط، وإن كان للصحة وجه، لا سيّما إذا قصد بها الدعاء"[المسائل الفقهية ج1ص92] ومثله في [ فقه الشريعة ج1ص329]

ثم يعد من المبطلات أيضا:

التكفير ـ وهو التكتف بوضع اليد اليمنى على الشمال، أو العكس ـ على الأحوط، ولاسيّما إذا قصد الجزئية، وان كان الأقوى عدم البطلان بذلك، في فرض عدم الجزئية، وانتفاء التشريع، خصوصا إذا قصد به الخضوع والخشوع لله".. الخ "[المسائل الفقهية ج1ص91-92] ومثله في [فقه الشريعة ج1ص329]

 

إذن فليس لديه دليل على بطلان الصلاة بالتكتف، ولا بقول آمين تعمدا، لكون المسألة احتياطية عنده، الإحتياط عنده يستبطن الميل للجواز [راجع فقه الحياة ص33-34 متنا وهامشاً] بل لا مانع عنده من قول آمين في الصلاة  حتى لو لم يقصد بها الدعاء، لوجود وجه للصحة عنده. وكذلك الحال بالنسبة للتكتف في الصلاة، مع عدم قصد الجزئية.

والملفت هنا: أنه لم يسجل أي تحفظ على ذلك ـ فلم يعتبره يؤدي إلى مفاسد كثيرة ـ كما تحفظ على الشهادة الثالثة معتبرا لها كذلك، رغم أن التكتف وقول آمين كلاهما مثلها عنصران جديدان دخلا في أمر واجب ـ وهو الصلاة ـ لا في مستحب.

فهذا العنصر قد دخل في الصلاة نفسها، لا فيما يحتمل كونه جزءا منها، رغم أن هذا الإحتمال ـ أعني احتمال الجزئية ـ موهون جدا..

ولماذا هذا الإحتياط في الشهادة الثالثة؟! أمن أجل مجرد احتمال؟ أليس هو نفسه يشن هجوما قويا على كل العلماء الذين يوجبون الإحتياط حتى في موارد الأحكام الإلزامية؟!.

أم أنه نسي قوله السابق: إن الإنسان إذا أراد أن يعيش اجتهاده لنفسه من خلال تحفظاته الذاتية، فعليه أن لا يبرز للمجتمع كمرجع في الفتوى، بل عليه أن يحتفظ بفتاويه واحتياطاته لنفسه؟

ومن الغريب أيضا أن ينبذ الإحتياط في معظم مسائـل الفقه، ـ ومسائله الفقهية تشهد بذلك ـ ثم ينبري للإحتياط في الشهادة الثالثة لاحتمالات بعيدة لا يصح له الإعتداد بها بعد النظر إلى حكمه في مثيلاتها.

ولعل ما ذكرناه من التلميح يغني القارئ عن التصريح، فيما يرتبط بموقفه من أمرين: أحدهما يرتبط بعلي(ع)، والآخر ـ أعني التكتف وتعمد قول آمين في الصلاة ـ يرتبط بجهة تريد أن تكرس ما سوى خط ونهج علي (ع)!!. بعد أن حكم باستلزام ذكر الشهادة لأمير المؤمنين (ع) ـ في كل من الأذان والإقامة ـ لمفاسد كثيرة، والذي نتمناه هو أن لا يتوسل إلى المنع من قولها فيهما بالجبر والقهر.. وذلك إمّا عملا بالقاعدة التي استدل بها على حرمة التدخين، وكل مضرّ، واستنبطها من قوله تعالى: {وإثمهما أكبر من نفعهما} سورة البقرة الآية219 حيث فسّر الإثم بالضرر، من دون أن يكون لذلك شاهد من اللغة.. ولم يفسّر النفع بالمثوبة مع عدم وجود مرجح لأحدهما على الآخر في نفسه، ومن حيث الإستعمال في اللغة العربية، وإما عملا بلزوم دفع المنكر والفساد على نحو التدرج في مراتب النهي عن المنكر، إلى أن تصل إلى حدّ القهر والغلبة مع إمكان ذلك.

وبعد، فإننا لا نريد أن نذكر السيد فضل الله بتعهداته بأن تكون جميع فتاويه تحظى بموافق لها من علماء الطائفة، فإن حكمه الإحتياطي باستحباب ترك الشهادة لعلي(ع) في الإقامة والأذان من دون قصد الجزئية كحكمه بطهارة كل إنسان، وأحكام له أخرى لم نجد له موافقا، لا من الأولين ولا من الآخرين، بعد تتبعنا الواسع فيما يرتبط بالشهادة الثالثة لما يزيد على رأي مائة عالم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين..

فليته يذكر لنا عالما واحدا يعتدّ برأيه في هذه الطائفة، يقول: الأحوط استحبابا ترك الشهادة بالولاية في الإقامة وفي الأذان مع عدم قصد الجزئية!!

العودة