ـ إحتمال ارتكاب النبي موسى (ع) جريمة دينية.

ـ الآلام النفسية لموسى (ع) بسبب عملية القتل.

ـ جريمة موسى (ع) في مستوى الخطيئة.

ـ الخطأ غير المقصود لموسى (ع).

ـ موسى(ع) يستجيب للوسوسة الخفية بالقتل.

ثم إن السيد محمد حسين فضل الله يقرر أن النبي قد يكون مجرما، ويحتمل أن يكون قد ارتكب جريمة قتل نفس بريئة، فهو يقول عن موسى:

"ولكن هل كان يشعر بالذّنب لقتله القبطي، باعتبار أن ذلك يمثل جريمة دينية في مستوى الخطيئة التي يطلب فيها المغفرة من الله؟!.. أو أن المسألة هي أنه يشعر بالخطأ غير المقصود الذي كان لا يجب أن يؤدي إلى ما انتهى إليه مما يجعله يعيش الألم الذّاتي تجاه عملية القتل..".

إلى أن قال:

"إننا نرجح الإحتمال الثاني" [ من وحي القرآن ج17ص277ط2] 

وهذا يعني أن الإحتمال الأول لا يزال واردا، ولكنه مرجوح!!!

ويقول عن وسوسة الشيطان لموسى(ع) بقتل القبطي:

"أما حديث التأثير الشيطاني في الأشياء من خلال آية المائدة فلا يدل على المقصود، فإن الظاهر إرادة الإرتباط بهذه الأشياء في الجانب العملي من خلال وسوسته للإنسان في الأخذ بها بالطريقة المضادة لمصلحته، وهذا هو الذي نفهمه من آية موسى(ع) لأن قتله للقبطي قد يكون ناشئا من الوسوسة الخفية فيما تصنعه من حالة الإثارة التي تقود إلى ذلك" [ من وحي القرآن ج19ص301-302ط1]

{ولما بلغ أشده واستوى آتيناهُ حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين، ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين، قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم، قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين، فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين، فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال ياموسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تـكون جبارا في الأرض ومـا تريـد أن تكون من المصلحين}  سورة القصص 13-19

وإذا قرأنا هذه الآيات الشريفة، فإننا نذكر القارئ بما يلي:

1ًـ إن الاحتمال الأول باطل جزما، إذ لا يحتمل في حق نبي أو وصي أن يكون قاتلا أو مرتكبا لجريمة دينية..لأن احتمال المعصية الكبيرة في حق المعصوم كالقول ـ بوقوعها ـ مناف للقول بالعصمة.

فلو أن السيد فضل الله قد ذكر هذا الإحتمال وبادر إلى ردّه وإبطاله بصورة حاسمة، لم يكن ثمّة إشكال.. ولكنه لم يفعل ذلك، بل أبقاه احتمالا واردا، وله درجة من المقبولية، إلى درجة أنه بعد التأمل يكتفي بترجيح الإحتمال الآخر عليه، ولا يمكن قبول هذا الأمر في حق الأنبياء ولو على مستوى الإحتمال.

2ًـ إن من البديهي: أن الآيات الكريمة لا تؤيد ما ذكره، بل فيها ما يدل على خلافه، وأن الشيطان لم يوسوس لموسى (ع)، ولا ارتكب موسى (ع) جريمة دينية، ولا أخطأ، ولا غير ذلك مما احتمله هذا البعض. وذلك لأن هذه الآيات بدأت بذكر إعطاء موسى عليه السلام حكما وعلما جزاءً على إحسانه، ثم ذكرت ما جرى له مع ذلك الرجل الذي هو من عدوه، فهي تقول: {ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما، وكذلك نجزي المحسنين}  سورة القصص 14

3ًـ ثم ذكرت الآية التي بعدها هذه القصة، وصرحت بأن المقتول كان رجلا من الأعداء، فهي تقول: {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوّه، فوكزه موسى فقضى عليه}.

والمراد بالعداوة عداوة الدين والإيمان.

4ًـ وقوله: {هذا من عمل الشيطان} يقصد به أن الاقتتال بين الرجلين قد نشأ من وسوسة الشيطان، الذي حرّض على الفتنة، حتى انتهى الأمر إلى القتال بين الرجلين، اللذين أغاث موسى (ع) أحدهما، الذي كان من شيعته على الذي من عدوّه، ولا يقصد به أن موسى (ع) نفسه قد تأثر بالشيطان، فإن كلمة هذا ليست إشارة إلى القتل، وإنما هي إشارة إلى القتال الذي بدأه العدو، وانتهى بمبادرة موسى (ع) لنصرة ذلك المظلوم.

5ًـ إن موسى (ع) بنصـرته لـذلك المظلوم، لم يـكن مجرما ولا مخطئا، وإنما كان يطيع أمر الله، ويعمل بتكليفه وواجبه الشرعي في دفع الكافر الظالم عن المؤمن المظلوم ولو أدى ذلك إلى قتل هذا الكافر.

وقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام قوله: "فقضى على العدوّ بحكم الله تعالى ذكره، فوكزه موسى فقضى عليه"، وحينما قال له فرعون: {وفعلت فعلتك وأنت من الكافرين} أجابه هازئا ومستنكرا مرددا قول فرعون بصيغة السؤال: {فعلتها إذا وأنا من الضالين}؟!.

ولو لم يكن ذلك، فلا معنى لإقحام كلمة (إذا) التي يراد بها ردّ الكلام على قائله، على سبيل الإنكار عليه.

6ًـ ومما يشير إلى ذلك أيضا: أن موسى (ع) حين قتل الذي من عدوه لم يكن من الضالين.. بل كان الله قد آتاه حكما وعلما.. كما ذكرت الآيات.

كما أنه عليه السلام قد كان من عباد الله المحسنين، فاستحق المكافأة على إحسانه، فلم يكن ليظلم غيره، فيقتل نفسا بريئة ويرتكب جريمة دينية!!!

7ًـ فما حكاه الله سبحانه عن موسى(ع) بعد تلك الحادثة بقوله: {قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فغفر له}، يراد به: أنه قد انتهى به الأمر بدخوله المدينة، ثم بقتله للذي من عدوّه، إلى أن يحتاج إلى تدخل إلهي ليستره عن عيون الفراعنة، الذين يطلبونه.. فقد صدر منه فعل له عواقب تعود على النفس بالمشقة والمتاعب، ويحتاج إلى ستر الله سبحانه، وإلى معونته، وقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام في تفسير هذا الموضع قوله: {فاغفر لي}، أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي، فيقتلوني، {فغفر له، إنه هو الغفور الرحيم}، ومعنى الغفران الستر، وسمي المِغفَر الذي يستعمل في الحرب ـ مغفرا لأنه يستر الرأس، ويقيه ضرب السيوف.

ولو صح منه (ع) طلب المغفرة من الذنوب، فقد عرفت أنها إنما تكون من المعصومين بمعنى دفع المعصية عنهم، لا رفع آثارها بعد وقوعها منهم.

8ًـ ثم إن موسى (ع) يصر على مواصلة الطريق في نصرة المظلومين، ويقطع على نفسه عهدا بذلك فيقول: {رب بما أنعمت علي} أي بهذه الحماية والستر، {فلن أكون ظهيرا للمجرمين} وسوف أستمر.. يقول الإمام الرضا عليه السلام: رب بما أنعمت علي من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة، فلن أكون ظهيرا للمجرمين بل أجاهدهم بهذه القوة حتى ترضى.

9ًـ ثم وجد موسى(ع) ذلك الرجل الذي استنصره بالأمس يستصرخه اليوم على آخر، فعاتبه على دخوله في هذا النزاع الجديد بقوله: {إنك لغوي مبين}، لا تسلك سبيل الرشد ولماذا لا تتفادى المشكلات مع أعداء الله بحكمة وروية؟ ثم بادر موسى عليه السلام ليبطش بعدوّ الله، فظن المؤمن أنه يريد البطش به هو، لأنه كان قد أنّبه قبل ذلك، لا البطش بعدوّه، فقال له {أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس}، فسمعها الذي من عدوّه وذهب إلى فرعون وأخبره بالأمر.

وهكذا يتضح: أن الآيات المذكورة بعيدة عن إفادة تلك القضايا التي حاول السيد محمد حسين فضل الله استفادتها منها، حتى احتمل بحق نبي من أولي العزم ما لا يصح نسبته إلى من رتبته دون ذلك بكثير، والإستيحاء من الآيات إذا كان على هذا النحو، فهو غير مقبول، لا عقلا ولا شرعا.

العودة