ـ خطأ الأنبياء في تقدير الأمور.

ـ العصمة إنما هي فيما يعتقد أنه معصية.

ـ الجهل المركب عند الأنبياء.

ـ نقاط ضعف الأنبياء في حياتهم العملية.

ـ الضعف البشري عند الأنبياء.

ـ جهل النبي بتكليفه الشرعي.

ثم يتحدث السيد محمد حسين فضل الله عن خطأ الأنبياء في تقدير الأمور، فيقول:

"وتبقى لفكرة العصمة بعض التساؤلات: كيف يخطئ هارون (ع) في تقدير الموقف وهو نبي؟ أو كيف يخطئ موسى (ع) في تقدير موقف هارون(ع)، و هو النبي العظيم؟‍!. وكيف يتصرف معه هذا التصرف؟!

ولكننا قد لا نجد مثل هذه الأمور ضارة بمستوى العصمة، لأننا لا نفهم المبدأ بالطريقة الغيبية التي تمنع الإنسان من مثل هذه الأخطاء في تقدير الأمور، بل كل ما هناك أن لا يعصي الله فيما يعتقد أنه معصية، أما أنه لا يتصرف تصرفا يعتقد أنه صحيح ومشروع، فهذا ما لا نجد دليلا عليه.

     بل ربما نلاحظ في هذا المجال أن أسلوب القرآن في الحديث عن حياة الأنبياء(ع)، في نقاط ضعفهم في حياتهم العملية قد يؤكد الحاجة إلى الإيحاء بأن الرسالة لا تتنافى مع بعض نقاط الضعف البشري في الخطأ في تقدير الأمور" [ من وحي القرآن ج10ص251ط2]

            

ونقول:

إذا جوّزنا على النبي أن يقع في التصرف الخاطئ، وإن اعتقد أنه صحيح ومشروع، فلازم ذلك أن لا يكون فعل النبي حجة، مع أن من المسلّم به: أن سيرة المعصومين بأجمعهم حجة وطريق إلى أحكام الله تعالى.. هذا كله عدا عما تقدم في مختلف العناوين التي استخلصناها من كلمات السيد فضل الله فلتراجع.

وسنتحدّث بإيجاز بعد الفقرة التالية عن حقيقة موقفي هـارون (ع) وموسى (ع) حيث سيظهر: أن الآيات تدل على خلاف ما ينسبه السيد فضل الله إلى أنبياء الله سبحانه، فانتظر.

ـ إختلاف نبيَّين في الرأي في مسألة واحدة.

ـ موسى (ع) يغضب لله سبحانه على هارون (ع).

ـ موسى (ع) يحمّل هارون مسؤولية ضلال قومه.

ـ هارون (ع) يتساهل مع قومه وموسى يعنف.

ـ موسى (ع) يشعر بالحرج مما صدر منه.

ـ لو احتاط موسى وهارون لكانت النتائج أفضل.

ـ خطأ موسى أو هارون (ع) في تقدير الموقف.

ـ مرة أخرى العصمة لا تمنع من الخطأ في تقدير الأمور.

ـ الجهل المركّب لدى الأنبياء (ع).. ثانية.

ـ لا يفهم العصمة بالطريقة الغيبية.

ـ هارون (ع) مقصر لكنّه ليس بعاصٍ.

ويقول السيد محمد حسين فضل الله:

"وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، في تعبير صارخ عن الحالة النفسية التي كان يعيشها موسى إزاء ما حدث،.. وربما تحدّث الكثيرون عن مبدأ العصمة في شخصيته كنبيّ.. وعن التساؤل الإيماني، في مدى انسجام هذا التصرف الغاضب مع هذا المبدأ.. ولكننا لا نجد هناك تنافيا بينهما إذا أردنا أن نأخذ القضية ببساطة تحليلية بعيدا عن التعقيد والتكلف.. فموسى بشر يغضب كما يغضب البشر، ولكن الفرق بينه وبينهم، أن لغضبه ضوابط في التصرفات، فلا يتصرف بما لا يرضي الله وفي الدوافع فلا يغضب إلا لما يرضاه الله.. وقد غضب على قومه لله.. وعلى أخيه هارون لنفس الغرض.. لأنه اعتبره مسؤولا عما حدث، من خلل التساهل معهم، وعدم ممارسة الضغط الشديد عليهم، ومنعهم من ذلك، فقد كان تقديره، أن رفع درجة الضغط يمكن أن تساهم في منع ما حدث.. ما لم يقم به هارون.. فكان موسى منسجما مع نفسه، ومع دوره، وصفته.. فيما اتخذه من إجراء مع هارون.. ولكن هارون كان له رأي آخر.. فقد وقف ضدّهم، وواجههم بكل الوسائل التي يملكها في الضغط عليهم.. ولكنهم كانوا لا يهابونه كما يهابون موسى من خلال شخصيته القوية، فيما عاشه من عنف المواجهة مع فرعون، حتى قهره".

إلى أن قال:

"{قال ابن أم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء..} فلم أفعل ما أحاسب عليه، لأن الظروف كانت أقوى من قدرتي.. فقاومت حتى لم يعد هناك مجال للمقاومة.. وجابهت.. حتى كدت أن أقتل.. فإذا تصرّفت معي بهذه الطريقة.. فإن ذلك سوف يكون دافعا لشماتة الأعداء بي.. لأنني قاومتهم وجابهتهم.. وها هم يرونني أمامك واقفا وقفة المذنب من دون ذنب.. فلا تفعل بي ذلك {ولا تجعلني مع القوم الظالمين}، لأني قمت بما اعتقدت انه مسؤوليتي من دون تقصير..

وشعر موسى بالحرج.. وسكن غضبه.. فرجع إلى الله يستغفره، لنفسه ولأخيه، لا لذنب ارتكباه.. ولكن للجوّ الذي ابتعد فيه القوم عن الله، من خلال الفكرة التي كانت تلح عليهما.. فيما لو كان الإحتياط للموقف أكثر، فقد تكون النتائج أفضل..".

إلى أن يذكر هنا ما تقدم قوله آنفاً من قوله:

"وتبقى لفكرة العصمة.. بعض التساؤلات"

إلى قوله:

"في الخطأ في تقدير الأمور" [ من وحي القرآن ج10ص249-251ط2]

ويقول البعض أيضا:

"ربما كانت القضية على أساس أنه اعتبر أن هارون قصّر، وليس من الضروري أن يكون تقصيره معصية..".

إلى أن قال:

"هارون عنده تقييم معين للمسألة، وانطلق فيها من حالة أنه قال: {إني خشيت أن تقول: فرقت بين بني إسرائيل}، ولهذا واجه القضية بطريقة لينة.

وكان موسى (ع) يعتقد على أنه لازم تواجه القضية بقوة، لأن بني إسرائيل لا يفهمون إلاّ بلغة القوة.. الخ.." مجلة الموسم عدد21-22ص321

ونقول:

إن من الواضح: أن مخالفة هارون لموسى، الذي هو إمام لهارون، إنما تعني التأسيس لتجويز مخالفة كل مأموم لإمامه، وتبرير خروجه عليه. أضف إلى ذلك أن الإختلاف في الرأي هنا يستبطن وجود مخطئ ومصيب، فبأيهما تكون الأسوة والقدوة للناس والحالة هذه، والمفروض أن كلاً منهما نبي ومعصوم!!؟

وأضف إلى ذلك أيضا: أنه إذا كان اختلاف الرأي يرتبط بالدعوة وأسلوبها، فذلك يعني أن هذا النبي يجهل تكليفه الشرعي، فكيف يمكنه تبليغه للناس، وإعلامهم به؟! ألا يلزم من ذلك تبليغ حكم خاطئ لا واقع له؟!

والذي نقوله نحن هنا هو: أنه لم يكن ثمة اختلاف في الرأي، فيما بين موسى وهارون عليهما السلام، ولا كان ثمّة جهل بالتكليف الشرعي، ولا غير ذلك مما تقدم، فان الإختلاف في الموقف تجاه الواقعة الواحدة، ينبئ عن جهل بالحكم الشرعي، في كيفية التعاطي مع بني إسرائيل.

كما أن اتهام نبي بالتساهل في القيام بمهماته، وتسببه في ما حصل للناس، من انحراف وضلال تعتبر تهمة خطيرة على مستوى الإعتقاد في الأنبياء وفي النبوات بصورة عامة، بل في هذا اتهام صريح لحكمة الله تعالى، حيث أرسل مع موسى من ينقض غرضه في تبليغ الرسالة، ويكذب توقعاته فيه، كما جاء في الآية الكريمة: {واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، أشدد به أزري}  سورة طه 29-31

ومهما يكن من أمر فإن الآيات الشريفة قد فسرت على غير وجهها الصحيح، إذ إنّ ما أظهره موسى (ع) تجاه أخيه هارون (ع) لم يكن سببه الإختلاف في الرأي بينهما في كيفية المعاملة، بل كان من أجل إظهار خطر ما صدر منهم، ومدى بشاعة الجريمة التي ارتكبوها.. ثمّ من أجل إظهار براءة هارون(ع)، وتحصينه من نسبة القصور أو التقصير إليه.

وقد بين موسى (ع): أنه لم يتهمه بمعصية أمره ليستحق ـ بزعم السيد فضل الله ـ هذه المواجهة القاسية، وهذا العتاب والتوبيخ بهذه القوة، بل وجّه إليه سؤالا عن ذلك ليسمع الناس جوابه الذي يتضمن برهانا إقناعيّا يدل على دقّته، وحسن تقديره للأمور، وقد قبل موسى منه ذلك بمجرد تفوهه به، ودعا لنفسه وله، كما جاء في قوله تعالى: {ربي اغفر لي ولأخي، وأدخلنا في رحمتك، وأنت أرحم الراحمين}.

وأما ما زعمه السيد فضل الله من أن هارون عليه السلام كان يرى لزوم معاملتهم باللين، وكان موسى عليه السلام يرى لزوم الشدة في ذلك، فهو لا يصح، وذلك لما ذكرناه آنفا، ولأن هارون قد وصل معهم إلى درجة المواجهة، حتى لقد قال لأخيه موسى: {إنّ القوم استضعفوني، وكادوا يقتلونني}

وأما القول بأن موسى عليه السلام قد غضب على أخيه هارون عليه السلام، وكان غضبه لله سبحانه وتعالى، فذلك يعني أنه عليه السلام كان يتهم أخاه النبي هارون صلوات الله وسلامه عليه بارتكاب المعصية، ويحمّله مسؤولية ما جرى، ويتهمه بالتساهل والتخلف عن أن يكون عضدا له، يشد أزره، ويشركه في أمره، وذلك مما لا يمكن قبوله في حق الأنبياء.

وهكذا يتضح أن كل ما ذكره السيد فضل الله أجنبي عن دلالة الآيات.

العودة