ـ "إستعراض الخيل" شغل سليمان (ع) ففاتته الصـلاة.

ـ نقاط الضعف في الأنبياء لا تنافي العصـمة.

ـ سليمان ابتعد عن الخط الرسالي قليلا.

ـ الضغط الإلهي أعاد سليمان (ع) إلى الخط.

ـ سليمان (ع) يضرب أعناق الخيل وسوقها ليؤلم نفسه فيما تحبه.

يقول السيد محمد حسين فضل الله عن سليمان (ع) في تفسير قوله تعالى: {إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد}:

وتطلق كلمة الخير على الخيل، ، وبذلك يكون المعنى، أنه استبدل حب الخيل عن ذكر الله حتى شغل عن صلاته {حتى توارت بالحجاب} أي حتى غابت الشمس، وفاتته صلاة العصر بسبب ذلك.. وهذا هو المشهور بين المفسرين، من أن استعراض الخيل أمامه امتدّ بحيث شغله عن صلاته.

وقد أثار بعض المفسرين احتمال تعلق (وحبه لها عن ذكر ربي)، بـ (حب الخير) بلحاظ انطلاقه عن أمر الله، ليكون استعراضه لها وحبه لها عملا عباديّا ليتهيّأ بها للجهاد في سبيل الله، وبذلك يكون الشاغل له عن عبادة الله، عملا يختزن في داخله عبادة الله.

ولعل الأساس في هذا التوجيه التفسيري، هو الخروج بعمل سليمان عن كونه مخالفا لموقعه الرسالي، في انشغاله باستعراض الخير عن عبادة الله الواجبة في وقت معين..

ولكن ذلك لا يفيد شيئا في هذا الجانب، لأن صلاة العصر إذا كانت موقتةً بوقت معين، بحيث يذهب وقتها بغروب الشمس وتواريها بالحجاب، كما يظهر من بعض الروايات، فإن الإنشغال عنها المؤدي إلى تركها، بعمل آخر مرضي لله، موسّع في وقته، غير مبرر شرعاً.

ولهذا فقد يكون من الأقرب إبقاء الآية على ظاهرها الذي يوحي بان سليمان كان في مقام توبيخ نفسه أو الاعتذار إلى الله عما حدث له، مما لا يتناسب مع التوجيه المذكور الذي قد لا يكون له معنى، إلا أن يقال، إن ذلك بلحاظ أهمية الصلاة وبذلك يكون قد قدم المهم على الأهم في الوقت الذي يتسع لها جميعا، مع كون تقديم الصلاة أفضل، بلحاظ الوقت..

كيف نفهم حدود العصمة؟

وقد نلاحظ في هذا المجال، أن مسألة حدود العصمة، فيما يراد من خلاله تأكيد القيمة الأخلاقية المنفتحة على الله في القيام بما يحقق رضاه في أفق محبته.. لا يكفي فيها التركيز على ترك المعصية، بل لا بد فيها من الإنفتاح على العمق الروحي الذي يتناسب مع قيمة النبوّة في جانب القدوة الرسالية منها..

..وقد ينبغي دراسة الأسس التي يحاول الكلاميون الذين يتبنّون مسألة عصمة الأنبياء بالشكل المطلق، لنتعرف ماذا يمكن لنا أن نواجه به الظواهر القرآنية التي تمنح الجانب الإنساني قيمةً واقعية في تقييم شخصية النبي، بالمستوى الذي لا يبتعد عن الإخلاص في الصدق الواعي في خط الرسالة، مع إفساح المجال لبعض نقاط الضعف الإنساني أن تنفذ إلى حياته، بشكل جزئيٍّ طبيعيّ..

 

{ردّوها عليّ} أي الخيل ـ على ما هو الظاهر ـ في عملية استعادة للإستعراض ولكن بروحية أخرى {فطفق مسحا بالسوق والأعناق} قيل في معناه: إنه شرع يمسح بيده مسحا بسوقها وأعناقها ويجعلها مسبلة في سبيل الله جزاء ما اشتغل بها عن الصلاة.

وقيل: المراد بمسح أعناق الخيل وسوقها ضربها بالسيف وقطعها، والمسح القطع، فهو، غضب عليها في الله لما شغلته عن ذكر الله فأمر بردّها ثم ضرب بالسيف أعناقها وسوقها فقتلها جميعا ".

ويتابع السيد فضل الله كلامه فيقول:

"ويعلق صاحب الميزان على هذا الوجه بأن هذا الفعل مما تتنزه عنه ساحة الأنبياء عليهم السلام فما ذنب الخيل لو شغله النظر إليها عن الصلاة حتى تؤاخذ بأشد المؤاخذة فتقتل تلك القتلة الفظيعة عن آخرها مع ما فيه من إتلاف المال المحترم"  تفسير الميزان ج17ص204

"ويذكر في موضع آخر تفسير الميزان ج17ص207-208 أن الروايات التي تؤكد على هذه القصة بهذا الشكل تنتهي إلى كعب الأحبار، بالإضافة إلى الإغراق في التفاصيل التي تدخل في دائرة الأعاجيب.

أمّا تعليقنا على ذلك، فان الظاهر من الآية قد يؤكد فكرة ضرب أعناقها وسوقها، لأن مسألة تسبيلها في سبيل الله لا يتوقف على ردها عليه وكما أنه لا يفسر مسح أعناقها وسوقها، فان من المتعارف مسح الخيل على نواصيها كما أن هذه الروايات تلتقي مع ظهور الآية في ردّ الفعل الذي قام به سليمان إزاء انشغاله بها عن الصلاة، مما جعله يفكر بالخلاص منها بقتلها، من غير ضرورة لأن يكون ذلك على سبيل الإنتقام منها، أو إتلافها كمالٍ محترم لا يجوز إتلافه بل قد يكون ذلك بمثابة ضغط على نفسه التي أحبت الخيل بهذا المستوى الأمر الذي يريد إيلامها فيما تحبه بهذه الطريقة، مع ملاحظة أن ذلك حلال في شريعته لأن الخيل كانت تذبح كالأنعام، للطعام، والله العالم.

{ولقد فتنّا سليمان وألقينا على كرسيّه جسدا} إن هذه الآية توحي بوجود فتنة واختبار في حياة سليمان، لتوجيه بعض أوضاعه التي يريد الله له أن يركزها على أساس من الإستقامة في الفكر والعمل، فيما يبتلي الله به عباده ورسله من أجل أن يربيهم على الثبات في مواقع الإهتزاز من خلال حركة التجربة في الواقع العملي في حياتهم التي يراد لها أن تطل على حياة الآخرين من موقع القيادة الرسالية.. وربما توحي الآية من خلال قوله {ثم أناب}، بأنه ابتعد عن الخط قليلا، فيما هو القرب السلوكي من الله، ثم عاد إليه بعد ، ثم عاد إليه بعد أن ابتلاه الله فعلياً" [من وحي القرآن ج19ص260-263ط2]

عرض الآيات:

قال الله تعالى: {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد انه أوّاب. إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد. فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب. ردّوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق. ولقد فتنّا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثمّ أناب. قال ربّ اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنّك أنت الوهّاب. فسخّرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب. والشياطين كل بنّاء وغوّاص. وآخرين مقرنين في الأصفاد. هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب. وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}  سورة ص الآيات 30-40

ونقول:

إننا بالنسبة إلى الآيات الشريفة، نذكر القارئ بما يلي:

1 ـ قال السيد المرتضى: ظاهر الآية لا يدل على إضافة قبيح إلى النبي، والرواية إذا كانت مخالفة لما تقتضيه الأدلة لا يلتفت إليها لو كانت قوية ظاهرة فكيف إذا كانت ضعيفة واهية  تنزيه الأنبياء ص132 والبحار ج14ص102

2 ـ وإذا رجعنا إلى الآيات الكريمة نفسها نجدها تصرح بان عرض الخيل على سليمان (ع) قد كان بالعشي، ولا دلالة فيها على أن العرض قد حصل في حين كانت الشمس ظاهرة..

3 ـ إن ضمير ردّوها يرجع إلى الصافنات (وهي الخيل) وكذلك ضمير توارت بالحجاب، فما معنى إرجاع الضمير إلى الشمس، وهي لم تذكر في الكلام..

4 ـ إن عبارة (أحببت حب الخير) قد أريد به بيان نوع الحب الذي أحبّه، فهو لم يحب حب الشهوات، أو حب الدنيا الذي هو باطل وغير مشروع، بل كان حبه من نوع حب الخير، إذن، فليست كلمة (حب الخير) مفعولا به (لأحببت).

وقوله {عن ذكر ربي} بيان لمنشأ ذلك الحب، وأنه حب ناشئ عن ذكر الله سبحانه..

5 ـ إن قول سليمان(ع): {إني أحببت} الآية.. قد جاء تفريعاً بالفاء على قوله {عرضت}.. أي أن الخيل عرضت عليه فقال هذا القول، ولعله ليدفع أي تصور خاطئ عنه يريد أن يتهمه بان استعراضه للخيل قد كان من منطلق حب الهوى وحب الدنيا ولذّاتها، فأوضح لهم سليمان (ع) أن الأمر ليس كذلك، بل هو من منطلق حب آخر، هو حب الخير، وتقوية الدين، لأن الخيل من أهم وسائل الجهاد، ومن أسباب القوة للمؤمنين على أعدائهم.

6 ـ وحين انتهى العرض، أمر الموكلين بالخيل بأن يردّوها عليه، فطفق يمسح سوقها وأعناقها إيناسا لها، وتحببا وإعجابا بها.

7 ـ وقد ظهر مما تقدّم: أنه ليس في الآيات ما يشير إلى قتل الخيل.

8 ـ إن تعلق نفس سليمان بالخيل، لا يخوله أن يقطع قوائمها ورؤوسها، فهل يصح أن يكون هو المذنب، والخيل هي التي تعاقب؟!!

9 ـ قال السيد المرتضى: إن الله تعالى ابتدأ الآية بمدحه والثناء عليه، فقال: {نِعْمَ العبد إنّه أوّاب}، وليس يجوز أن يثني عليه بهذا الثناء، ثم يتبعه من غير فصل بإضافة القبيح إليه، وأنه تلهّى بعرض الخيل عن فعل المفروض عليه من الصلاة  تنزيه الأنبياء ص132 والبحار ج14ص102

10 ـ هل يمكن لنبي معصوم أن ينسى واجبا مكلفا به إذا كان أهم من العمل الذي يتصدى له؟ وإذا لم يكن أهم فلماذا يقطع أرجل الخيل ورؤوسها؟.

11 ـ لو كان المقصود أنه آثر حب الخيل وقدّمه على ذكر ربه، فالمناسب أن يأتي بكلمة (على) لا بكلمة (عن).

العودة