ـ معركة أو (إشكال) بين الله تعالى والنبي زكريا.

ـ زكريا يعتقد باستحالة أن يولد له.

ـ فوجئ زكريا لأنه لم يحسب أن يتم الأمر بهذه السهولة.

ـ ربما يتصور أن دعاءه مجرد تمنيات.

ـ زكريا ينطلق في سؤاله ربه بما يشبه الصراخ العنيف.

ـ زكريا يعتقد أن الله لا يتدخل في الأمور بشكل غير عادي.

ـ زكريا لا يطمئن إلى أن ما يلقى اليه هو الوحي الا بآية ومعجزة.

ـ زكريا يتفاجأ بالقدرة الإلهية في مخالفة السنن.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

"{يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا} فقد أراد الله أن لا يخيّب أملك فيه ورجاءك في رحمته فرزقك ولدا ذكرا سويا، ومنحه اسما لم يحمّله أحدا من قبله.. فماذا تريد بعد ذلك.. وقد أكرمك الله بكرامته التي يكرم بها عباده الصالحين، وأنبياءه المرسلين..

زكريا يتساءل متعجبا

{قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا} فقد غيرني الزمان إلى الحالة التي لم يبق لي معها شيء من الحيوية تماما كالعود اليابس الذي لا خضرة فيه ولا حياة، فكيف أن أهب الحياة لغيري في مثل هذه الظروف المستحيلة. وكأن زكريا قد فوجئ بأمر لم يكن منتظرا لأنه لم يحسب أن المسألة تتم بمثل هذه السهولة، وأن الدعاء يستجاب بهذه السرعة، وأن ما كان مستحيلاً في نظره أصبح واقعاً في حياته.. وربما كان يتصور أن دعاءه بالولد يدخل في نطاق التمنيات التي يتحدث بها الإنسان إلى ربه، من دون أن يكون له طمع كبير في حصولها، لا لأنه يشك في قدرة الله على ذلك بل لأنه لا يعتقد أن الله يتدخل في الأمور بشكل غير عادى لمصلحة شخص معين، بعد أن جعل الحياة كلها خاضعة للسنن الكونية في وجود الأشياء وفي حركتها العامة والخاصة.. وهذا هو ما جعل السؤال ينطلق منه فيما يشبه الصـراخ العنيف، فيما توحي به الآية {قال كذلك قال ربك} وهذا هو ما سمعه من الصوت الخفي الذي كان يتحدث إليه من دون أن يرى أحدا أمامه.. فليس هو الله الذي كان يكلمه بل هو شخص آخر غير الله، قد يكون ملكاً، أو يكون أي شيء آخر {هو عليً هيّن} فلن يصعب على الله أن يبدع الحيوية فيك وفي زوجتك لتستطيعا إنجاب ولد، بعد هذا العمر الطويل } وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا{ فكيف تواجه المسألة بما يشبه المفاجأة..

وربما أراد زكريا أن يعيش الطمأنينة القلبية التي توحي إليه بأن هذا الوحي الذي يلقى إليه، بالواسطة، فيما يسمع من صوت، لا يرى صاحبه، هو وحي الله فأراد أن يستوثق لقناعته، فطلب آية لا يستطيع غير الله أن يحققها، لأنها تتصل بوحدانية القدرة لديه.

{قال رب أجعل لي آية} ترتاح إليها نفسي ويطمئن لها قلبي، فأعرف أن هذه البشارة، المعجزة، هي منك، وحدك، لا من غيرك لتكون المعجزة في حياتي هي الدليل على المعجزة القادمة و {قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا} وذلك بأن يحتبس لسانك فلا تقدر على النطق في هذه المدة، من دون علة أو صدمة، ولكن بقدرة الله، فتلك هي الآية المطلوبة في الدلالة على أن كل ما بك وما ينتظرك هو من الله [ من وحي القرآن ج15ص19-20ط2]

ونقول:

إن السيد فضل الله يطرح أمورا لم نعرف ما هي المبررات لطرحه لها بهذه الطريقة، فنلاحظ ما يلي:

1 ـ إنه يذكر: أن زكريا عليه السلام لم يطمئن إلى أن ذلك الذي يكلمه هو ملك يوحى إليه من عند الله، حتى طلب معجزة تركّز عنده القناعة، وترتاح إليها نفسه، فكان له ما أراد..

وهذا الأمر يطرح أموراً:

أولها: إن ذلك يجعل كثيراً من موارد الوحي المشابه تتطلب إظهار معجزة تبعث الطمأنينة في نفس الموحى إليه في أن يكون الذي يكلمه هو جبرئيل.

الثاني: إننا لم نعرف من أين عرف السيد فضل الله أن طلب الآية قد كان لأجل الحصول على الطمأنينة لزكريا عليه السلام بحقيقة الوحي.

فلعل الآية كانت لأجل أمر أو أمور أخرى غير ذلك، مثل أن يقنع قومه بالحقيقة التي سيفاجئهم بها.

الثالث: من أين عرف السيد فضل الله : أن زكريا عليه السلام لم يكن يعرف طبيعة الذي كان يكلمه، هل كان ملكا أو غيره‍ا؟ ومن أين عرف ذلك البعض أيضا أنه كان على شكل صوت لا يرى صاحبه؟ فليس في الآية ما يدل على ذلك.

ومن الممكن أن يكون ذلك الوحي قد جاء به الملك الذي يعرفه، ولم يزل يأتيه طيلة عشرات السنين التي مضت من نبوته، حيث كان قد بلغ من الكبر عتيا، حسب نص الآيات القرآنية التي هي مورد البحث.

على أن قوله في الآية {كذلك قال ربك} ليس بالضرورة أن يقوله غير الله، فلعل ربه هو الذي كلمه بهذه الطريقة.

2 ـ من أين عرف السيد فضل الله أن السؤال قد انطلق من زكريا بما يشبه الصراخ العنيف.. فيما توحي الآية!! حتى إن المرء ليخال أن ثمة مشادة أو معركة كلامية يفتعلها زكريا (ع) مع أنه في مقام يتكلم فيه مع ربه والمقام مقام بشارة؟

ولا ندري كيف انتهى هذا الإشكال دون عزل زكريا عن منصبه!.

وكيف توحي الآية بذلك؟ وأي كلماتها يوحي بالصراخ العنيف؟!

3 ـ من أين عرف أن زكريا (ع) كان لا يعتقد أن الله يتدخل في الأمور بشكل غير عادي لمصلحة شخص معين؟ فلعله كان يعتقد أنه تعالى يفعل ذلك، لكنه أراد بسؤاله أن يعرف إن كانت حالته ستكون هي الأخرى من بين مفردات ذلك أم لا..

ومن الواضح: أن زكريا (ع) كان يعرف أن ولادة إسماعيل (ع) كانت بعد شيخوخة أبيه إبراهيم.

وكان يعرف أيضا أن النار كانت بردا وسلاما على إبراهيم، حينما ألقي إبراهيم فيها.

ويعرف أيضا ما جرى لمريم (ع)، وهي ترى المعجزات حين حملها بعيسى (ع) وولادتها له، كتساقط الرطب الجنيّ عليها في غير أوانه.. وأوضح من هذا كله أنه عليه السلام كان كلما دخل على مريم المحراب {وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا، قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة}.

..وهو نفسه يعرف قصة يونس والحوت، ويعرف ما جرى لأهل الكهف، وغير ذلك مما لا يكاد يحصى..

4 ـ وأما قوله: إنه كان يعتقد باستحالة أن يولد له، ثم قوله: إنه ربما كان يتصور أن دعاءه بالولد كان يدخل في نطاق التمنيات.. من دون أن يكون له طمع كبير في حصولها. ثم قوله: إن زكريا كان يعتقد: أن الله قد جعل الحياة كلها خاضعة للسنن الكونية في وجود الأشياء وفي حركتها العامة والخاصة.

إن ذلك كله يرد عليه: أن من يعتقد ذلك لا يمكن أن يكون له أدنى طمع في استجابة دعائه. فما معنى ذلك الدعاء إذن؟ وما هو المبرر لتلك التمنيات التي تصبح مجرد خيالات لا مورد لها من نبي يفترض فيه أن يفكر فيما ينفع ويجدي؟.

5 ـ لا نعرف المبرر لأن يكون زكريا(ع) "لا يعتقد أن الله يتدخل في الأمور بشكل غير عادي لمصلحة شخص معين، بعد أن جعل الحياة كلها خاضعة للسنن الكونية في وجود الأشياء وفي حركتها العامة والخاصة".

ومن قال إن ما حصل له كان منافيا للسنن الكونية؟!.

فهل كان زكريا يجهل كل تلك التدخلات الغيبية في الشؤون العامة والخاصة التي لا تكاد تحصى، بدءا من قضية الطوفان ومروراً بما جرى على إبراهيم (ع)، وموسى (ع)، وعيسى (ع)، ونوح (ع)، ويونس (ع)، ولوط (ع)، وصالح (ع)، وسليمان (ع)، وداود (ع).. وغير ذلك مما ذكره الكتاب العزيز.

أم أنه عليه السلام كان ـ والعياذ بالله ـ يذهب مذهب اليهود والضالين الذين قال الله عنهم: {وقالت اليهود، يد الله مغلولة، غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان، ينفق كيف يشاء} سورة المائدة الآية64

العودة