ـ النبي (ص) لا يعرف المهم من الأهم.

ـ النبي (ص) يقوم بتجربة غير ذات موضوع.

ـ الله يربي رسوله تدريجيا بعد الوقوع في الخطأ.

ـ النبي (ص) يحتاج إلى تكامل الوحي، وسعة الأفق، وعمق النظر للأمور.

ـ النبي (ص) يستغرق فيما فيه مضيعة للوقت.

ـ النبي يفوّت الفرص المهمة.

ـ النبي (ص) يخطيء في التشخيص.

ـ النبي (ص) لا يعرف مسؤوليته المباشرة.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

"..{أما من استغنى، فأنت له تصدّى، وما عليك ألاّ يزّكى}، للإيحاء له بأن عدم حصوله على التزكية، بعد إقامة الحجة عليه من قبلك مدة طويلة، لا يمثل مشكلة بالنسبة إليك، لأنك لم تقصر في تقديم الفرص الفكرية بما قدّمته من أساليب الإقناع، مما جعل من التجربة الجديدة تجربة غير ذات موضوع لأنه ـ يعني ذلك الغني ـ يرفض الهداية من خلال ما يظهر من سلوكه، الأمر الذي يجعل من الإستغراق في ذلك مضيعة للوقت، وتفويتا لفرصة مهمة أخرى، وهي تنمية معرفة هذا المؤمن الداعية الذي يمكن أن يتحول إلى عنصر مؤثر في الدعوة الإسلامية" [ من وحي القرآن ج24ص62ط2]

وذكر في موضع آخر كيف أن النبي قد أخطأ في تشخيص ما ينبغي عليه، فهو يقول:

"{فأنت عنه تلهّى} لأنك تحسب أن إيمان هؤلاء الصناديد قد ينفع الإسلام أكثر من نمو إيمان هذا الأعـمى الذي يمكن أن يؤجل السؤال لوقت آخر، ولكن المسألة ليست كذلك.. لأن هذا الأعمى وأمثاله، يمثلون مسؤوليتك المباشرة كرسول يعمل على تنمية خـط الدعوة بتنمية الدعاة حوله، من أجل أن يؤثروا عليك في بعض الجهد، أو يوسعوا ساحة الدعوة في مواقع جديدة.

وهذا هو ما يريد الله أن يفتح قلبك عليه فيما يريد لك من تكامل الوعي، وسعة الأفق، وعمق النظرة للأمور. ولا مانع من أن يربي الله رسوله تدريجيا، ويثبت قلبه بطريقة متحركة الخ.." [ من وحي القرآن ج24ص68ط2]

ويقول عن ابن أم مكتوم:

"فأراد أن ينتهز فرصة وجود النبي مع المسلمين أن يأخذ من علمه فيما أنزله الله عليه من كتاب، وما ألهمه من علم الشريعة والمنهج والحياة.. ولكن النبي لم يستجب له لأن هناك حالة مهمة يعالجها في دوره الرسالي المسؤول في محاولة لتزكية هؤلاء الكفار من وجهاء المشركين، طمعا في أن يسلموا ليتسع الإسلام في إتباع جماعتهم لهم، لأنهم يقفون كحاجز بين الناس وبين الدعوة، ولذلك أجّ‍ل النبي (ص) الحديث مع هذا الأعمى إلى وقت آخر، فيما كانت الفرص الكثيرة تتسع للقاء به أكثر من مرة فتكون له الحرية في إغناء معلوماته بما يجب في جوّ هادئ ملائم، بينما لا تحصل فرصة اللقاء بهؤلاء دائما، فكانت المسألة دائرة، ـ في وعيه الرسالي ـ بين المهم، في دور هذا الأعمى، وبين الأهم، في دور هؤلاء الصناديد.

ولكن الله يوجه المسألة إلى ما هو الأعمق في قضية الأهمية في مصلحة الرسالة، باعتبار أن هذا الأعمى قد يتحول إلى داعية إسلامي كبير، {وما يدريك لعله يزكى} فيما يمكن أن يستلهمه من آيات القرآن التي يسمعها، مما يُغني له روحه، فتصفو أفكاره، وترقّ مشاعره، وتتسع آفاقه" [ من وحي القرآن ج24ص65-66ط2]

ونقول:

إن آيات سورة عبس هي التالية: {عبس وتولّى. أن جاءه الأعمى. وما يدريك لعله يزّكى. أو يذّكّر فتنفعه الذّكرى. أمّا من استغنى. فأنت لـه تصـدّى. وما عليك ألاّ يزّكّى. وأمّا من جاءك يسعى. وهو يخشى. فأنت عنه تـلهّى} سورة عبس الآيات 1-10

ونحن نشير هنا إلى ما يلي:

1 ـ إن الذي يلاحظ الآيات الشريفة لا يجد فيها أي شيء يدل على أن المقصود بها هو شخص رسول الله (ص) بل فيها ما يدل على أنها لا تليق به (ص)، فلماذا الإصرار على ذلك؟‍ من قبل البعض، وبشكل لا يقول به حتى من يدّعي نزولها في النبي(ص) من العامة.

2 ـ إنّ قوله تعالى: {وما يدريك} ليس خطابا لرسول الله، وإنما هو التفات من الغيبة إلى الخطاب، مع العابس نفسه.

3 ـ إنّ قوله تعالى: {فأنت له تصدّى} لا يدل على أنّه كان يتصدى له لأجل الدين، فلعله كان يتصدّى للأغنياء لأهداف دنيوية، ولعل ذلك العابس يتظاهر بأنّه مهتمّ بنشر هذا الدين، وقد جاء مع أولئك الأغنياء مظهرا حرصه على إيمانهم، فكان يتلهّى بالحديث معهم، مظهرا الضّيق والإشمئزاز من ذلك الفقير.

4 ـ وقوله تعالى: وما يدريك لعله يزّكى ليس فيه أن الغني سوف يزّكى على يد ذلك العابس، فلعله يتزكى على يد شخص آخر غيره، ممن هم في ذلك المجلس، كالنبي(ص)..

5 ـ إن الآيات تشعر ـ إن لم نقل تدل ـ أنّه قد كان من عادة العابس أن يتصدّى للأغنياء ويتلهّى عن الفقراء، ولم يكن ذلك من عادة النبي(ص).

6 ـ قد روي عن أهل البيت (ع) أن الآيات قد نزلت في رجل من بني أمية، وبعض الروايات قد صرحت باسمه راجع تفسير القمي ج2ص405 وتفسير البرهان ج4ص427و428 وتفسير نور الثقلين ج5 ص508 و509 ومجمع البيان ج10ص437 وروى الطبرسي أيضا عن الإمام الصادق عليه السلام: أن رسول الله كان إذا رأى ابن أم مكتوم قال: مرحبا مرحبا، لا والله، لا يعاتبني الله فيك أبدا، وكان يصنع به من اللطف، حتى كان يكفّ عن النبي (ص) مما يفعل به. والظاهر أنه (ص) كان يريد بهذا الفعل التعريض بمن صدر منه ذلك في حق ابن أم مكتوم.. كأنه يقول له: والله أنا لا أعاملك كما عاملك فلان..

هذا بالإضافة إلى أن دعوى نزول الآيات في النبي (ص) إنما وردت في روايات غير الشيعة.

واغترار البعض بها، وقبوله لها وترك ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام)، لا يعلم له وجه صحيح، علما أن بعض مفسري العامة، ومنهم الفخر الرازي في رسالته في عصمة الأنبياء قد طرح هذه الروايات، وعلل ذلك بأنها أخبار آحاد ومخالفتها للقواعد العقلية.

7 ـ إن الإعتذار عن نزول الآية في النبي(ص): بأن ابن أم مكتوم كان أعمى، وليس في العبوس إساءة له، لأنه لا يرى، إعتذار غير سديد، لأن الله سبحانه قد طالب العابس بهذا الأمر، واعتبره أمرا يستحق اللوم والعتاب..

وإذا كان ابن أم مكتوم لا يرى العبوس، فان الحاضرين قد رأوه وأدركوه، واستقر في أنفسهم أن العابس غير مرتاح من ذلك الأعمى.

8 ـ إن الإعتذار عن ذلك بوجود وحدة حال بين الأعمى وبين النبي(ص) هو الآخر اعتذار غير سديد، إذ لا يوجد ما يثبت وجود وحدة الحال هذه، وقصة دخوله على بعض زوجات النبي(ص) لا تدل على وجود وحدة حال.. وذلك لعدة أمور:

أولاً: عدم وجود ما يشهد لتكرر ذلك، فالرواية لا تذكر أزيد من أنه جاء واستأذن، فقال النبي (ص) لزوجتيه قوما وادخلا البيت، فاحتجتا بأنه أعمى، فقال لهما أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟‍ مجمع البيان ج10ص437 وتفسير البرهان ج4ص428 وتفسير نور الثقلين ج5ص509

ثانياً: إن وقوع مثل هذه الأمور لا يدل على وحدة الحال، فقد كان الكثيرون من الصحابة يدخلون على النبي (ص)، في حين تكون زوجاته عنده، لا سيّما مع عدم تعدد الحجرات التي كانت تسكنها النساء مما قد بني حول المسجد.

ثالثاً: إذا كانت هذه الحادثة قد حدثت في مكة وفي أوائل البعثة، فمن أين يثبت لنا وجود وحدة الحال هذه، في تلك الفترة بالذات، فيما بين ابن أم مكتوم وبين النبي(ص)..

رابعاً: إن وجود وحدة الحال المزعومة، لا يبرر تضييع حق ذلك الأعمى، ففي الخبر: لا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه الوسائل كتاب الحج أبواب العشرة باب 122 حديث12

خامساً: إن نفس صدور ذلك من النبي (ص) أمام المشركين يعطي انطباعا سيئا عن أخلاق الإسلام، ومنطلقاته في التعامل مع الآخرين.

سادساً: إنه لا معنى للنهي عن أن يفعل الناس مثل فعل النبي(ص)، وقد قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.

سابعاً: كيف يمكن أن يقول أحد عن أفضل الرسل: إنه لا يعرف الأهم من المهم، وإنه يستغرق فيما هو مضيعة للوقت، ويفوت الفرص، ويفرط في تنمية المعرفة الإيمانية لدى المؤمنين، وإنه يجهل بحقيقة مسؤولياته، ويخطيء في تشخيص تكليفه، وأي نبي هذا الذي أرسله الله وفيه كل هذه العلل؟!..

العودة