ـ إمكانية أن تثير التحديات ضـعفاً في النبي.

ـ قد يكون النبي يبحث دائماً عن الهروب.

ـ قد يحطم هذا الضعف شخصية النبي.

ـ قد يسيء هذا الضعف إلى موقع النبي.

ـ إمكانية أن يتعقد النبي بسبب ضعف تثيره التحديات.

ـ إمكانية أن يتحول النبي إلى مخلوق مختنق بأزمته.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

"في تفسير قوله تعالى:{فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك و ضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك، إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل}"  سورة هود الآية 12

"وهنا يكمن سؤال: ماذا تعني هذه الآية في تقييم شخصية النبي محمد (ص) فهل كان يضعف أمام التحديات، لتجيء هذه الآية وأمثالها من أجل أن تقوّي ضعفه، أو تُسند له موقفه، أو تخفف عنه أحزانه، وتطيب به نفسه، وتزيل عنه آلامه؟ وهل جاءت في أجواء التأنيب الإلهي له، أو ماذا؟.

والجواب عنه: إن الآية ليست في مورد الحديث عن الحالة الواقعية الفعلية التي كانت تحيط بموقف النبي (صلى الله عليه وآله) أو تمثل شخصيته، بل كانت في مورد تقييم الطبيعة الموضوعية لما يمكن أن تثيره التحديات التعجيزية في الحالة الإنسانية من ضعف يبحث دائماً عن الهروب، مما يمكن أن يحطم شخصيته أو يسيء إلى موقعه، أو يتعقد من ذلك، فيتحول إلى مخلوق مختنق بأزمته، وربما كان هذا السبب هو السر في الإتيان بكلمة (لعل) التي توحي بإمكانية الموضوع، لما تختزنه مثل هذه الأمور من نتائج على مستوى الإنفعالات الإنسانية، في مواجهة عوامل الإثارة.

وبذلك يمكن أن تكون الآية عاملاً وقائياً يريد الله به حماية النبي (ص) من الوقوع في مثل هذه التجربة، أو الخضوع لهذا الإنفعال، أو تكون عملية إيحائية للعاملين ـ من خلال النبي ـ ألا يستسلموا لهذه الحالة، لو واجهوا مثلها، انطلاقا من فهمهم لطبيعة الدور الذي أوكله الله إليهم من الدعوة إلى سبيله بالوسائل الواقعية المألوفة و مما يجعلهم لا يعيشون الضعف في مواجهة هذه التحديات، لأنهم لا يعتبرونها تحدياً لدورهم أو لقدرتهم الطبيعية، بل كل ما هنالك، أنها التحدي لما يتوهمه أولئك من دور، دون ارتكاز إلى علم أو إيمان" [ من وحي القرآن ج12ص31]

 

ونقول:

1 ـ إن دلالات كلمات السيد فضل الله ترسم للقارئ طرفاً من الصورة التي تعيش في ذهنه لأنبياء الله ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ، وليس هذا المورد الذي نحن بصدد الحديث عنه إلا أحد المفردات الكثيرة التي تجسد هذا المعنى، وتؤكده.

فقد استهل كلامه بالإشارة إلى أن الآية الشريفة: لا تتحدث عن حالة واقعية فعلية.. لكنه أكد على أن الآية تتحدث عن إمكانية حدوث ذلك لنبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله)، أي أنه يمكن أن يتعقد أو أن يختنق بأزمته، واعتبر أن هذا هو السبب في الإتيان بكلمة لعل، في قوله تعالى: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك}.

ولكن من الواضح: أنه حتى احتمال حصول ذلك للأنبياء مرفوض جملة وتفصيلاً.. فالنبي لا يتعقد، ولا يختنق بأزمته، ولا يضعف إلى درجة أن يبحث دائماً عن الهروب إلى آخر ما هنالك مما ذكره..

2 ـ إنه قد ذكر أخيراً احتمال أن يكون ذلك عملاً إيحائياً للعاملين من خلال النبي (صلى الله عليه وآله)، إلا يستسلموا لهذه الحالة فيما لو واجهوا مثلها.

ونقول له:

إنه إذا كان هذا الإحتمال كافياً في إعطاء الخطاب في الآية قيمته، وحيويته، فلماذا تثار احتمالات فيها انتقاص لمقام النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين؟!

3 ـ بل إنه حتى لو لم يهتد هذا البعض إلى هذا المعنى الذي تشير إليه الآية فإنه لا يحق له إبداء احتمالات لا يشك عاقل في أنها تتنافى مع حقيقة النبوة، ومع مقام النبي المعصوم.. بل عليه أن يعترف بالعجز عن فهم المراد من الآية، ويرجع علمها إلى أهله، وهم الراسخون في العلم من أهل بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

4 ـ ولماذا لم يلتفت السيد فضل الله إلى ما ذكره العلامة الطباطبائي، من أن هذه الآية تريد أن توبخ الكفار على استمرارهم في العناد، والتحدي.. وضرب مثلاً لذلك، بملك تمرد عليه بعض ضعفاء رعيته، فبعث إليهم عاملاً له برسالة يقرؤها عليهم تدعوهم إلى السمع والطاعة، وتلومهم على تمردهم، واستكبارهم، فيردون على رسوله ما بلغهم إياه، فيكتب إليهم رسالة ثانية، ويأمره بقراءتها عليهم، وإذا فيها:

(لعلك لم تقرأ كتابي عليهم خوفاً من أن يقترحوا عليك أموراً تعجيزية، أو أنهم زعموا أن الكتاب ليس من قبلي، وإنما هو مفترى منك؟!. فإن كان الأول، فإنما أنت رسول ليس عليك إلا البلاغ. وإن كان الثاني، فإن الكتاب بخطّي، كتبته بيدي، وختمته بخاتمي)..

والآيات القرآنية التي هي موضع البحث هي تماما في هذا السياق.. والآيات هي التالية:

{فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك، وضائق به صدرك أن يقولوا: لولا أنزل عليه كنز، أو جاء معه ملك، إنما أنت نذيرٌ، والله على كل شيءٍ وكيل. أم يقولون افتراه؟ قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات، وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم يستجيبوا لكم، فاعلموا إنما أنزل بعلم الله، وأن لا إله إلا هو، فهل أنتم مسلمون}  سورة هود الآيات 12-14

العودة