ـ قد يكون آباء النبي (ص) كفاراً.

ـ المهم أن لا يكونوا أبناء زنا.

ـ العقل لا يقبح كفر آباء النبي (ص) بشرط أن يكون النكاح شرعياً لا زنا.

سئل السيد محمد حسين فضل الله:

السؤال: يدور كلام كثير حول ضرورة أن يتولد النبي عموماً، أو نبينا محمد (ص) خصوصاً من آباء مؤمنين موحدين، فما رأيكم بهذه المسألة؟

فأجاب:

"هناك كلام للشيخ المفيد بإجماع الشيعة، على أن آباء النبي إلى آدم (ع) كانوا موحدين على الإيمان بالله.. ويستند الشيخ المفيد في كتابه تصحيح الإعتقاد في الإحتجاج لذلك إلى قوله تعالى {..الذي يراك حين تقوم، وتقلبك في الساجدين} ( الشعراء: 218 ـ 219) قال: يريد به تنقله في أصلاب الموحدين.

ولكننا نلاحظ: أن الآية لا تدل على نفي تقلبه في غير الساجدين من آبائه لأنه يكفي في صدق ذلك أن يكون بعضهم من الساجدين.

مع ملاحظة أخرى، وهي أن ظاهر الآية هو الحديث عن قيام النبي (ص) لعبادة الله، وتقلبه في الساجدين من عباد الله، باعتبار استغراقه في السجود لله سبحانه.

وإذا كانت بعض الأحاديث تدل على إرادة خلاف الظاهر، مما ذكره الشيخ المفيد، فإنها تتحدث عن تقلبه في أصلاب النبيين، كما جاء في رواية محمد بن الفرات عن الإمام الباقر (ع)، وفي رواية أبي الجارود، عن الباقر (ع) قال: (سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله ـ عز وجل ـ: {وتقلبك في الساجدين} قال: يرى تقلبه في أصلاب النبيين، من نبي إلى نبي، حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم).

ومن المعلوم أنه ليس المقصود بذلك ـ على تقدير صحة الحديث ـ أن أجداد النبي بأجمعهم أنبياء، فيكون المقصود به أنه تقلب في أصلاب الأنبياء، من دون أن يكون نافياً لتقلبه في غيرهم.."

إلى أن قال:

"أما الإجماع فقد يكون مدركه كلام المفيد، فلا يكون تعبدياً. ولا قبح من ناحية العقل في كونهم كفاراً، إذا كان النكاح شرعياً، لا زنا" [ المسائل الفقهية ج2ص449-450]

 

ونقول:

1 ـ إننا لا نريد أن نتصدّى في هذه العجالة لبحث هذا الموضوع فنأتي بالروايات التي رويت في كتب الفريقين، مما دل على إيمان آباء رسول الله (صلى الله عليه وآله).. فإن هذا الكتاب ليس كتاب بحث واستدلال، وإنما هو مخصص لبيان أقاويل جاء بها السيد فضل الله.. لا مجال لقبولها في نفسها، أو في سياقها الذي وضعت فيه.

ويكفي أن نشير هنا إلى أنه حتى أهل السنة، فإنهم قد ألفوا كتباً في هذا الموضوع، وذكروا فيها الروايات التي تفيد في بيان هذا الأمر..

ومنهـا:

ألف: مسالك الحنفا في والدي المصطفى.

ب: الدرج المنيفة في الآباء الشريفة.

ج: المقامة السندسية في النسبة المصطفوية.

د: التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله (ص) في الجنة

هـ: السبل الجلية في الآباء العلية.

وكلها مطبوعة بعنوان الرسائل التسع ـ للسيوطي في الهند ـ حيدر آباد الدكن سنة 1380هـ.

2 ـ إنه إذا كان السيد فضل الله يلتزم بأن النفي يحتاج إلى دليل، كما الإثبات يحتاج إلى دليل.. فأين هو دليله على النفي، فإن غاية ما جاء به هو أن علق على بعض أدلة المثبتين.. ولم يأت بدليل يثبت مقولته هذه..

3 ـ إن الدليل المطلوب من السيد فضل الله ـ على الخصوص ـ لابد أن يكون مفيداً لليقين، ولا يكفيه الإستدلال بالظواهر الظنية، وبالأدلة المعتبرة في خصوص الأحكام.. لأنه هو نفسه يقرر لزوم هذا النوع من الأدلة فيما يرتبط بالتاريخ، وبالأشخاص، وبالتفسير، وفي مختلف شؤون الحياة، وسائر المعارف.. ويرفض الاستدلال عليها بالأدلة المعتبرة في الأحكام الشرعية الفقهية ويقول: هي حجة فيها دون سواها.

4 ـ إن السيد فضل الله قد ناقش الاستدلال بالآية، على أساس أنه يكفي في صدق تقلبه أن يكون بعض آبائه من الساجدين.

ولكن من الواضح: إنها مناقشة لا تصح.

فأولاً: ان الظاهر هو أن هذه الآية واردة مورد الإمتنان على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فحملها على العموم والشمول يكون هو الأظهر، والأنسب بمقام الإمتنان الإلهي.. وبيان الرعاية الإلهية له (صلى الله عليه وآله)..

ثانياً: إن الجمع المحلى بالألف واللام يفيد العموم بإجماع العلماء كما هو مقرر في علم الأصول [ راجع مفاتيح الأصول] وكلمة الساجدين جمع محلى بالألف واللام، فهي تدل على العموم.

5 ـ إن دعواه أن ظاهر الآية هو تقلب النبي (صلى الله عليه وآله) بين عباد الله الساجدين باعتبار استغراقه في السجود لله سبحانه.. لا مجال لقبولها.. فإن غاية ما هناك أن يكون ذلك محتملاً في معنى الآية بصورة بدوية.. فإذا جاء التفسير عن المعصوم ليعيّـن أحد الإحتمالين.. فإنه يتعين، وينتفي الإحتمال الآخر.. لأن الأئمة أعرف بمقاصد القرآن من كل أحد.. فلا تكون الرواية المروية عنهم مخالفة لظاهر القرآن لمجرد أنها عينت هذا الإحتمال وأكدت أنه هو المقصود دون ذاك.

فلا يصح قوله:

"إذا كانت بعض الأحاديث تدل على إرادة خلاف الظاهر.. الخ"

6 ـ بقي أن نشير إلى قوله:

"ليس المقصود أن أجداد النبي (ص) بأجمعهم أنبياء.. بل يكفي في صدق الآية أن يتقلب في أصلاب بعضهم، دون أن تنفي تقلبه في أصلاب غيرهم.."

فقد ظهر: أن إرادة هذا المعنى لا تنسجم مع مقام الإمتنان، كما أن نفس الرواية ظاهرة في العموم والشمول لجميع أجداده (صلى الله عليه وآله)، حيث تقول: يرى تقلبه في أصلاب النبيين، من نبي إلى نبي حتى أخرجه من صلب أبيه.

فإن التعبير بحتى التي جاءت لبيان الغاية، قد أظهر.. أن تقلبه في الأنبياء قد استمر من نبي إلى نبي حتى أخرجه من صلب أبيه.. ولا يتناسب هذا التعبير مع إرادة الموجبة الجزئية..

7 ـ إن من الواضح: أن النبوة لها حالاتها، فهناك نبي مرسل إلى الأمة وهناك من أرسل إلى قوم، وإلى عشيرة، وإلى حيّ، وقد يكون نبياً يكلمه الملك، ويخبره عن الله، وليس مرسلاً لأحد.. بل يعيش هو حالة الصلاح في نفسه، ويكون الكمال المتجسد الذي يرى فيه الناس ـ دون أن يكون مأموراً بشيء تجاههم ـ الإنسان الإلهي المتوازن، والمرضي في كل حالاته.. فيهيؤهم ذلك لأجواء الإيمان، ويثير في فطرتهم كوامن الخير والصلاح، والإيمان والتقوى..

وعلى هذا الأساس، فلا ضير في أن يكون جميع آباء النبي الذين خرج من أصلابهم أنبياء إلى آدم، وإن لم تكن لهم دعوة، ولا رسالة تختص بهم، فيكون عبد الله والد النبي (صلى الله عليه وآله)، وعبد المطلب وكذلك آباؤه جميعاً لهم هذه الصفة، وإن اختلفت مقاماتهم، ومهماتهم.. حسبما ذكرنا.

8 ـ ويؤيد ذلك أيضاً: ما ورد من أن الأرض لا تخلو من حجة، إما ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ومَن أولى من آباء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا المقام؟!

9 ـ ويبقى إجماع شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، الذي لم يقبل هذا البعض بأن يكون تعبدياً، لأن من المحتمل أن يكون مستندهم فيه هو أدلة الشيخ المفيد..

ونقول:

إن حديثه عن تعبدية الإجماع هنا غريب وعجيب، فإن هذا الإجماع ليس على حكم شرعي، ليوصف بالتعبدية تارة وتنفى عنه أخرى.. بل هو إجماع يكشف لنا عن أن هذا الأمر الذي لا يُعرف إلا من أهله ولا طريق إلى معرفته بالعقل، قد قرره أهله وهم الأئمة الطاهرون المعصومون، وتحدثوا عنه وذكروه للناس وصرحوا به، وقالوا: إن آباء النبي كلهم مؤمنون من آدم (عليه السلام) إلى عبد الله أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأن العلماء لا يقولون ذلك من عند أنفسهم، فهو علم من ذي علم.

وواضح أن من يريد التعرف على أي مذهب، فإنه يرجع إلى الأتباع الذين هم أعرف بقول إمامهم.

أضف إلى ما تقدم: أنه لو كان الإجماع تعبّدياً للزم أن يكون الإجماع على الإمامة تعبّدياً أيضاً، فهل يحكم السيد فضل الله برده لكونه مستنداً إلى الأدلة؟!.. فهل هذا المنهج الإستدلالي صحيح أيضاً؟!..

10 ـ وقال هذا البعض في آخر كلامه:

"لا قبح من ناحية العقل في كونهم كفاراً، إذا كان النكاح شرعياً لا زنا".

وظاهر كلامه هذا: أن القبح موجود فيما إذا لم يكن النكاح شرعياً..

فهل يريد أن يقول: إن شرك الآباء لا قبح فيه من ناحية العقل، أما الزنا ففيه قبح من هذه الناحية العقلية؟!

والسؤال هو: ما هو الفرق بين الأمرين؟ من الناحية العقلية البحتة؟! ولماذا قبح هذا ولم يقبح ذاك؟!

العودة