ـ لا خصوصيات غير عادية في شخصية الزهراء (ع).

ـ لا توجد عناصر غيبية تخرج الزهراء (ع) عن مستوى المرأة العادي.

ـ "الروح" لطف وجّه مريم(ع) عمليا وثبتها روحيّا.

ـ "الروح" لا يمثل حالة غيبية في الذات.

ـ نقاط الضعف الإنساني في شخصية مريم(ع).

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

"نلاحظ، في المقارنة بين الرجل والمرأة اللذين يعيشان في ظروف ثقافية واجتماعية وسياسية متشابهة، أنه من الصعب التمييز بينهما ؛ إذ ليس من الضروري أن يكون وعي الرجل للمسألة الثقافية والإجتماعية والسياسية أكثر من وعي المرأة لها، بل قد نجد نماذج متعدّدة لتفوّق المرأة على الرجل في سعة النظرة، ودقّة الفكر، وعمق الوعي، ووضوح الرؤية، وذلك من خلال ملاحظة بعض العناصر الداخلية أو الخارجية المميّزة لها بشكل خاص. وهذا ما نلاحظه في بعض التجارب التاريخية التي عاشت فيها بعض النساء في ظروف متوازنة من خلال الظروف الملائمة لنشأتها العقلية والثقافية والإجتماعية. فقد استطاعت أن تؤكد موقعها الفاعل ومواقفها الثابتة المرتكزة إلى قاعدة الفكر والإيمان، وهذا ما حدّثنا الله عنه في شخصية مريم، وامرأة فرعون، وما حدّثنا التاريخ عنه في شخصية خديجة الكبرى(رض) وفاطمة الزهراء(ع) والسيّدة زينب ابنة علي (ع).

إن المواقف التي تمثلت، في حياة هؤلاء النسوة العظيمات، تؤكد الوعي الكامل المنفتح على القضايا الكبرى التي ملأت حياتهن على مستوى حركة القوة في الوعي والمسؤولية والمواجهة للتحدّيات المحيطة بهن في الساحة العامة.. وقد لا يملك الإنسان أن يفرّق بـأيّة ميزة عقليّة، أو إيمانيّة، في القضايا المشتركة بينهن وبين الرجال الذين عاشوا في مرحلتهن.

وإذا كان بعض الناس يتحدّث عن بعض الخصوصيات غير العاديّة في شخصيات هؤلاء النساء، فإننا لا نجد هناك خصوصية إلاّ الظروف الطبيعية التي كفلت لهن إمكانات النمو الروحي والعقلي والإلتزام العملي بالمستوى الذي تتوازن فيه عناصر الشخصية بشكل طبيعي في مسألة النمو الذاتي. ولا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجهن عن مستوى المرأة العادي، لأن ذلك لا يخضع لأي إثبات قطعي، مع ملاحظة أن الله، سبحانه وتعالى، تحدّث عن اصطفاء إحدى النساء، وهي مريم، عليها السلام، من خلال الروحانية التي تميّزها والسلوك المستقيم في طاعتها لله. وهذا واضح في ما قصّه الله من ملامح شخصيتها، عندما كفلها زكريّا، وعندما واجهت الموقف الصعب في حملها لعيسى عليه السلام، وفي ولادتها له.

وإذا كان الله قد وجهها من خلال الروح الذي أرسله إليها فإن ذلك لا يمثل حالة غيبيّة في الذات بل يمثل لطفا إلهيا في التوجيه العملي والتثبيت الروحي، على أساس ممارستها الطبيعية للموقف في هذا الخط من خلال عناصرها الشخصية الإنسانية التي كانت تعاني من نقاط الضعف الإنساني في داخلها، تماما كما هي المسألة في الرجل في الحالات المماثلة.. وهذا يعني أننا لا نجد فرقا بين الرجل والمرأة عند تعرّض أيٍّ منهما للتجربة القاسية في الموقف الذي يرفضه المجتمع من دون أن يملك فيه أي عذر معقول ؛ الأمر الذي يخرج فيه الموقف عن القائمة المتمثلة فيه من حيث القيمة الإجتماعية السلبية في دائرة الإ نحراف الأخلاقي [تأملات إسلامية حول المرأة ص 8 ـ 9]

 

وحين أثير النقد القوي ضد هذا التصريح الذي يشمل فاطمة ومريم عليهما السلام وغيرهما، وكتب المرجع الديني الشيخ التبريزي حكمه القاطع ببطلان هذا القول، وقال: (ما يكتب وينشر في إنكار خصوصية خلقها وظلامتها، فهو داخل في كتب الضلال) [الجواب الخامس من الإستفتاءات المقدمة للتبريزي حول مقولات السيد فضل الله، كما كتب ما يشبه ذلك كل من أية الله الشيخ بهجت وآية الله الشيخ فاضل اللنكراني]

أجابه السيد فضل الله بقوله:

"إن المقصود من الظروف الطبيعية التي كفلت النمو الروحي والعقلي للسيدة الزهراء (ع) وغيرها من النساء الجليلات هو مثل تربية النبي (ص) للزهراء(ع) وتربية زكريا لمريم (ع).

 أما المقصود من عدم وجود عناصر غيبية، فهو أن أخلاقياتها، وعناصر العظمة فيها كانت باختيارها، ولم تكن حاصلة من أمر غيبي غير اختياري.

ولا ينافي ذلك حصول بعض الكرامات لها، وهي ما زالت جنينا في بطن أمّها، أو بنزول الملك عليها.ثم إننا ذكرنا في ختام الحديث الذي ذكره السائل: أن الله أعطى هؤلاء النساء ـ وكان الحديث عن مريم ـ لطفا منه، بحيث يرتفع بهن إلى الدرجات العليا. وهذا هو معنى "العصمة"، ولكن السائل حذف ذلك، واقتطع من النص ما يناسب سؤاله" [أجوبة السيد فضل الله على المرجع الديني الشيخ التبريزي،الجواب الخامس]

ونقول:                                             

1 ـ إن هذا الإعتذار من السيد فضل الله لا يتلاءم مع قوله: لا نستطيع إطلاق الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجهن عن مستوى المرأة العادي.

إذ إن حصول بعض الكرامات لها وهي ما زالت جنينا في بطن أمّها، وكذلك كونها نورا، وكونها حوراء إنسية، وكونها لا تبتلى بالطمث، وكونها قد ولدت من ثمرة الجنة، ونزول الملك ليحدثها، وكذلك مريم، التي كانت {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا، قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}  [سورة آل عمران الآية 37] وغير ذلك أمور غيبية وميزات وكرامات لا تتلاءم مع القول بأنها: لـم تخـرج عن مستوى المرأة العادي.

2 ـ وأما ما ذكره من انه قد ذكر في الفقرة الأولى أن الله أعطى مريم لطفا منه بحيث يرتفع بها إلى الدرجات العليا.. وهذا هو معنى العصمة.. وان السائل قد حذف ذلك، واقتطع من النص ما يناسب سؤاله..

أما هذا الذي ذكره.. فلا يصلح الإعتماد عليه، لأن الفقرة التي تحدثت عن مريم ليس فيها: أن الله أعطاها لطفا منه يرتفع بها إلى الدرجات العليا.. بل فيها ما يظهر منه النفي لهذا الأمر ؛ لأنها قد ذكرت: أن الله وجّهها بواسطة الملك (الروح) الذي أرسله إليها، ـ وجّهها ـ كيف تتصرف وثبّتها حين واجهت المشكلة فيما يرتبط بولادتها عيسى عليه السلام، أي أن الملك قد ثبّتها وعلمها كيف تمارس الموقف بصورة طبيعية لتخرج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه..

فأراد لها أن تتصرف بصورة طبيعية من خلال عناصرها الشخصية الإنسانية التي كانت تعاني من نقاط الضعف الإنساني في داخلها.

3 ـ إذن قد أصبح واضحا أن وجود ملك يرشد مريم(ع)، ويثبتها في أزمتها لا ربط له بعصمتها وإن كانت العصمة لطفا ـ على بعض الأقوال ـ ، كما لا يعني أن غيرها من النساء اللواتي ذكرهن قد كان لهن ملك يرشدهن ويثبتهن.

4 ـ إن هذا الإعتذار لو صح، فإن على السيد فضل الله أن يلتزم بوجود ملك يرشد ويثبّت زينب ابنة علي(ع) وكذلك سائر النساء اللواتي ذكرهن في حديثه في الكلام المذكور آنفا.

5 ـ وأخيرا فان تربية النبي(ص) للزهراء (ع)، وزكريا لمريم عليهما السلام، لا يصح الإعتماد عليه في إعطاء الضابطة التي نشأ عنها استبعاد الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجهن عن مستوى المرأة العادي، على حدّ تعبير السيد فضل الله.

إذ إن ذلك لا يشمل خديجة بنت خويلد، ولا آسية بنت مزاحم، إلاّ إذا قيل أن أبويهما كانا من الأنبياء، أو الأوصياء أيضا.. ولو سلمنا ذلك بالنسبة لآسية، ولم نناقش في الرواية التي تحدثت عن ذلك، فلا شك في أن خويلدا لم يكـن نبيـا ولا وصيّا.. كما هـو معلـوم..

كلمة أخـيرة:

وأخيراً..

فقد انتهى تعداد مقولات السيد فضل الله في شأن سيدة النساء (ع) إلى هذا العدد الكبير وقد حاولوا عن طريق التلفيق والتزوير، والإفتراء على العلماء ان يجيبوا على عدد يسير جداً جداً منها، مع الإبتعاد قدر إمكانهم عن الموارد الأكثر شناعة، وصراحة، وحساسية. ومع الانتقال بالقارىء الكريم من البحث حول النقاط التي اثرناها إلى نقاط لم نشر إليها، أو لم نهتم بالحديث عنها.

ومع ذلك فقد حمدنا الله وشكرناه على أن السيد فضل الله الذي ما فتئ يتهمنا بالافتراء عليه، وبتقطيع كلامه، وبأننا لا نفهم كلامه، وبأننا.. وبأننا.. وبأننا.. قد أعلن على الملأ تأييده لكتاب يدافع عنه، بهذه الطريقة المشار إليها.. حيث إنه في هذا الكتاب أصبح يعترف: بأن هذه هي مقولاته..

وبأننا قد فهمناها بصورة سليمة.

وبأنها غير مقطعة..

ولكن هروبهم من الإشكال أصبح يتمثل في محاولات التخييل للقارىء الكريم بأن العلماء كلهم أو جلهم، أو طائفة منهم يذهبون إلى نفس هذه المقولات. فكان أن ألجأهم ذلك إلى أن زوروا، وكذبوا، وحرفوا كلام العلماء ليتوافق مع مقولات السيد فضل الله.

فنحن إذ نشكرهم على اعترافهم الصريح هذا، فإننا نأسف لأمرين:

أحدهما: أن همهم قد انصرف لاثبات مقولات تطعن في الأنبياء والأوصياء، وفي مقاماتهم، وفي عصمتهم. وتصغر من شأنهم، وتحط من قدرهم. وتشكك في فضائلهم. إلى جانبها مقولات تستهدف حقائق الدين، وعقائده، وتاريخه، ومناهجه، وشعائره، ورموزه.. و و و.. بالانتقاص، وبالتشكيك، وبالطعن، وبغير ذلك مما تضمنته كل تلكم المقولات..

الثاني: إننا نأسف لتطاولهم على علماء الأمة، وخيانتهم لهم، وذلك بتحريف كلامهم، وبنسبة أمور مكذوبة عليهم، وبغير ذلك من أمور..

ولا يفوتنا أخيراً.. أن نسجل إدانة للحالة التي تساعدهم على ممارسة هذا الأسلوب من التجني على الحق، وعلى الحقيقة، وعلى أهل الحق.. وهي حالة الإنسان المسلم، الذي يتعامل مع هذه القضية بسلامة نية، وحسن طوية تصل إلى درجة التغافل؛ فلا يراجع، ولا يقارن، ولا يتعامل مع هذا الأمر بإنصاف، بل يتعامل معه ببساطة وبانفعال. وتغره شعارات براقة ولا يفكر باختبار تلك الشعارات، وبأحجام تبهره، ولا يتلمس تلك الأحجام، ليتعرف على مواقع الانتفاخ، الكاذب، ليميزها عن مواقع الصلابة المستندة إلى واقع ثابت وقائم وقوي وحصيف..

نسأل الله سبحانه أن يوفق الباحث الكريم لكل خير وسداد، وصلاح ورشاد، إنه ولي قدير، وبالإجابة حري وجدير.

والحمد الله والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

العودة