ـ سورة المعارج مكية.

ـ جدال المشركين كان حول الآخرة (لا في إمامة علي).

ـ نفي ضمني لفضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام.

ـ الزكاة شرعت في المدينة.

يقول السيد محمد حسين فضل الله:

{سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما} سورة المعارج من1-10

هل السورة مكية أو مدنية ؟

 وهذه من السور المكية ـ في رأي الكثيرين ـ إلا في بعض آياتها فقد نقل عن الحسن ـ فيما ذكره صاحب مجمع البيان، أن آية {وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} مدنية . [من وحي القرآن ج1ص87]

ويقول:

ويضاف الآيات الواردة في المستثنى منه وهي قوله: {إن الإنسان خلق هلوعا ـ إلى وله منوعا} لنفس الحجة.

ويستطرد في استنتاجه ليستوحي من سياقها، أن مضامين هذا الفصل بأجمعها تناسب حال المنافقين في المدينة الذين كانوا يحيطون بالنبي (ص) عن اليمين وعن الشمال..

وقد نوقش قول الحسن ـ بأن الحق المعلوم لا يراد به الزكاة فقد روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أن المراد به حق يسميه صاحب المال في ماله غير الزكاة المفروضة.

كما ورد عن ابن عباس أن هذه السورة نزلت بعد سورة الحاقة التي هي من السور المكية. مع ملاحظة أن سياقها في بداياتها ونهاياتها التي تتحدث عن اليوم الآخر يناسب كونها مكية [من وحي القرآن ج1ص88]

ويقول:

 " سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ":

هل هناك سؤال عن العذاب في طبيعته، أو في توقيته ليكون السؤال في معنى الاستفهام؟! أوأن السؤال بمعنى الطلب، فتكون القضية هي في الطريقة التي كان يريد المشركون فيها مع النبي الحوار الجدلي عن الآخرة وعذابها الذي ينتظرهم فيبرزون الحديث بطريقة التحدي، كما كانت الطريقة التاريخية للأمم السابقة التي كانت تستعجل العذاب كإيحاء بعدم جديته في إظهار تكذيبهم للرسول بهذا الأسلوب. والظاهر أن هذا هو الأقرب من خلال السياق الذي أكد العذاب كحقيقة إيمانية ثابته لا مجال للشك فيها [من وحي القرآن ج1ص91-92]

ونقول:

إننا نشير هنا ـ باختصار ـ إلى أمور ثلاثة:

الأول: إننا نلاحظ أن السيد فضل الله لا يقبل بكون هذه السورة مدنية، مستندا إلى رواية ابن عباس الواردة في تصنيف سور القرآن إلى مكية ومدنية. مع أن ابن عباس كان له من العمر حين وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر سنوات أو ثلاث عشرة سنة على أبعد تقدير، ثم إنه أيد كلامه بدعوى أن سياقها، في بداياتها ونهاياتها، التي تتحدث عن اليوم الآخر يناسب كونها مكية..

ولم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى أن ثمة روايات كثيرة تذكر: أن صدر هذه السورة قد نزل في قضية غدير خم، حين قدم ذلك الرجل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، معترضا على تنصيبه عليا عليه السلام إماماً، فلما لم يجد عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يوافق هواه ولّى وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.

فرماه الله بحجر على رأسه فقتله، وأنزل قوله تعالى {سأل سائل بعذاب واقع..} وهذا المعنى مروي عند الشيعة بعدّة طرق. ومروي أيضا بطرق غيرهم تفسير البرهان ج 4 ص 381 ـ 383 ومجمع البيان ج 10 ص 352 وقد ذكر في الدر المنثور ج 6 ص 261 و 162 وقول النضر بن الحارث دون أن يشير إلى المناسبة

فلماذا يأخذ برواية ابن عباس الضعيفة، ويترك جميع هذه الروايات المروية من طرق الشيعة وغيرهم ؟!.

بل لماذا لم يشر أصلاً إلى هذه الروايات ؟ رغم أنه ينقل كلام العلامة الطباطبائي (قدس سره) الذي تضمن استدلالا على مدنية السورة بهذه الروايات نفسها. فنجده قد نقل كلامه باستثناء هذه الفقرات، التي تضمنت استدلاله هذا، فإنه أسقطها ولم يلتفت لها ولم يشر إليها. ولو أغمضنا عن كل هذا فكيف حصل له القطع الذي يشترطه دائما في أمثال هذه الأمور من الرواية الضعيفة، ولم يحصل له مما هو اصح سنداً،وأكثر عدداً، لا قطع ولا ظن، بل حتى ولا شك أيضا ؟.

الثاني: إن الآية قد أخبرت عن أن ثمة من طلب من النبي (ص) أن ينزل العذاب عليه، وأن الذي فعل ذلك هو فرد من الناس عبّر عنه بصيغة المفرد مع تنوين التنكير (سائل) وليس هو (المشركون)، ولا طائفة منهم. لتكون القضية عبارة عن إدارة الحوار الجدلي بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين المشركين، كما يقول هذا الرجل.

فمن أين استنتج أن المراد هو عذاب الآخرة ؟! وهل يصح أن يطلب المشركون أن ينزل عليهم عذاب يوم القيامة..

الثالث: قوله: إن الزكاة قد شرعت في المدينة، غير صحيح. وذلك لما يلي:

إن عدة آيات قرآنية نزلت في مكة تأمر بإيتاء الزكاة، ونذكر من ذلك:

قوله تعالى: {فسأكتبها للذين يتقون، ويؤتون الزكاة} الأعراف آية 156 وهي في سورة مكية .

وقوله تعالى: {والذين هم للزكاة فاعلون} المؤمنون آية 4 وهي مكية.

وقوله تعالى: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة} الأنبياء الآية 73 وهي مكية.

وقوله تعالى: {الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون} النحل آية 3 وسورة لقمان آية 4 وهي مكية أيضاً.

ولنراجع سورة الروم المكية الآية 39. ثم إن الله تعالى قال: عن إسحاق، ويعقوب، ولوط، وإبراهيم (ع):

{وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} فصلت الآية 7

2 ـ وروي عن أبي طالب: أنه حدث عن النبي (ص) أن ربه أرسله بصلة الأرحام، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة الإصابة ج 4 ص 119، والبحار 35 ص 151، والطرائف ص 304، والغدير ج 7 ص 368عن نهاية الطلب للشيخ إبراهيم الحنبلي

3 ـ عن جرير بن عبدالله البجلي، قال لما بعث النبي (ص) أتيته لأبايعه فقال: لأي شيئ جئت يا جرير ؟ قلت، جئت لأسلم على يديك، فدعاني إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة تدريب الراوي ج 2 ص 212 عن الطبراني في الأوسط، وذكر الشطر الأول من الحديث في الإصابة ج 1 ص 232

4 ـ وقد روى الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن حماد عن حريز، عن محمد بن مسلم، وأبي بصير، وبريد، وفضيل، كلهم عن ابي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام، قال: فرض الله الزكاة مع الصلاة. الوسائل ج 4 ص 5 و الكافي ج 3 ص 498 وسند هذه الرواية معتبر.

 5 ـ ويرد ذلك ايضاً: أن جعفر بن أبي طالب قد ذكر الزكاة لملك الحبشة، على أنها مما أمرهم الله به الثقات لابن حبان ج 1 ص 65، وحلية الأولياء ج 1 ص 114 ـ 116 عن ابن اسحاق، البداية والنهاية ج 3 ص 70 و74 و69، وتاريخ الخميس ج 1 ص 290 وسنن البيهقي ج9 ص 144، وسيرة ابن هشام ج 1 ص 360، ومجمع الزوائد ج 6 ص 27 و 24 عن الطبراني واحمد، ورجاله رجال الصحيح، وحياة الصحابة ج 1 ص 354 و 357، عن بعض ما تقدم، وعن فتح الباري ج 7 ص 30 وحسّن اسناده

ولكن قد جاء في رواية صحيحة السند:

أنه لما نزلت آية الزكاة، التي في سورة التوبة، وهي مدنية ومن أواخر ما نزل، أمر (ص) مناديه في الناس: إن الله فرض عليكم الزكاة. وبعد أن حال الحول أمر مناديه فنادى في المسلمين: أيها المسلمون، زكوا أموالكم تقبل صلواتكم، قال: ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق راجع الكافي ج 3 ص 497. وتفسير البرهان ج 2 ص 156

ولكن هناك عشرات الآيات التي نزلت قبل سورة التوبة التي ربما تصل إلى ثلاثين آية، كلها تدل على فرض الزكاة. وحملها كلها على الاستحباب، أو على خصوص زكاة الفطرة بعيدٌ جداً.

فلا بد من حمل هذه الرواية على أنه (ص) إنما الزم الناس بدفعها ووضع الجباة لها، بعد نزول هذه الآية، مع كون إيجابها قد حصل في مكة، قبل ذلك.

العودة