الآية الثامنة والثلاثون قوله تعالى ‏{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ}‏ سورة الزمر الآية 9‏

     

 قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} في ‏القيمة الإنسانيَّة التي يُمثِّل العلمُ في حساباتها المستوى الكبير، الذي يفتح شخصيةَ الإنسان على ‏الآفاق الرحبة في الحياة بأسرارها العميقة، وامتداداتها البعيدة، ورحابها الواسعة، وقضاياها ‏المعقَّدة، وشؤونها المتنوِّعة، وحساباتها الدقيقة، بحيث يملك من خلاله وضوحَ الرؤية للأشياء، ‏فيفكِّر في نور ويتحرَّك في نور(1).‏
أقول: ألا ينبغي لنا أن نعرف مَن الذي يعلم ومَن الذي لا يعلم؟!‏
أَوَ ليس المولى سبحانه قد عقَّب بـ{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ}؟!‏
وكيف لأولي الألباب أن يتذكروا ما لم يتعرَّفوا على مَن يعلم لِيُقدِّموُهُ، ويقتدوا به، ويرجعوا إليه؟!‏
وما لم يحصل من المولى سبحانه تقديمُ الذي يعلم، وما لم يحصل من المولى نَصْبُه مرجعاً للناس، ‏فإنه طبيعيٌّ أن يكون منهم تولِّي واتباع مَن لا يعلم، وهذا يعني أنه سبحانه قد سوَّى بين مَن يعلم ‏وبين مَن لا يعلم عمليَّاً، وهو أمر قبيح جداً، وتنزَّه سبحانه وتعالى.‏
وإذا لم يكونا متساوِيَين عنده تعالى، فلا محالةَ يقتضي الأمرُ من باب اللطفِ، أن يدلَّ سبحانه على ‏أعيانِ وأشخاصِ مَن يعلم، ليقعَ من ذَوي العقول اتِّباعُهم.‏
ومن الغباء بمكان، أن يقال بأنَّ الآيةَ تقصد الحديثَ عن تفضيل العالِم على غير العالِم، فإنَّ العالِم ‏يفضلُ غيرَ العالِم عند جميع العقلاء، ولا يحتاج هذا الأمرُ إلى تنبيهٍ أو تأكيدٍ من المولى سبحانه لا ‏سيما وفي كتابه الكريم، إذ لم يُعِدَّ المولى سبحانه كتابَه لبيان الأمور البديهيَّة، اللهم إلا تمهيداً ‏وتوطئةً لتأكيد أمر ما، أو الدلالة عليه من خلال الإثارة لمثل تلك الأمور.‏
وفي هذه الآية بالذات، لا بُدَّ وأن يكون هناك غرضٌ للمولى تعالى يبغي تحقيقَه من وراء الإشارة ‏إلى أمر قطعيٍّ بديهي.‏
والذي لا نهتدي إلا إليه، أنه تعالى في هذه الآية يحثُّ الناسَ ـ وتخصيص أولي الألباب في ‏خطاب الآية لمحضِ أنهم وحدهم مَن يمتثِلون ـ على اتِّباع مَن يعلم، وعلى تقديمِهِ، والرجوعِ ‏إليه.‏
وبما أنَّ مَن يعلم بالحقِّ، لا مجالَ لتعيُّنِه وتشخيصه من قِبَلِ الناس أنفسهم، فإنه يتعين أن يكون ‏متعيِّناً من قِبَلِه تعالى.‏
وإذا ما كان متعيِّناً من جهته تعالى، وكان نجاةُ الخلق من خلال اتباعه، فيجبُ منه تعالى الدلالةُ ‏عليه، والهدايةُ إليه.‏
ولا مجال لنا لأن نبحث في المسألة ونعطي البحث شيئاً من حقه، فإنَّ المقام ضيِّق جداً.‏
ولكن نُذكِّر، بأنَّ الآيةَ حُجَّةٌ لنا على مَن قدَّمَ المفضول ـ ولا نرى في مَن تقدَّم على أئمتنا فضلاً ‏ـ على الفاضل، فإنه تعالى يقول لا يستوى مَن يعلم ومَن لا يعلم، وأبناءُ السُّنة قدَّموا مَن لا يعلم ‏وفضَّلوه، لا أنهم سَوَّوا فحسب.‏
هذا وقد أخرج الحاكم الحسكاني ـ من أبناء السُّنة ـ بإسناده عن ابن عباس في قوله {هَلْ يَسْتَوِي ‏الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} قال: يعني بالذين يعلمون عليَّاً وأهلَ بيته من بني هاشم (عليهم السلام).‏
وأخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، والحاكم الحسكاني في الشواهد، ومحمد بن ‏العباس وفرات الكوفي في تفسيريهما، بإسنادهم عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول ‏الله تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ} قال:{الَّذِينَ ‏يَعْلَمُونَ} نحن {وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} عدونا {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ} قال: شيعتنا.‏
وأخرج الكليني في الكافي، والشيخ المفيد في الاختصاص، وفرات الكوفي في تفسيره، بإسنادهم ‏عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) ـ في حديث ـ فقال: يا أبا محمد لقد ذَكَرَنا الله عزَّ ‏وجل وشيعتَنا وعدوَّنا في آية من كتابه فقال عزَّ وجل {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ ‏يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ} فنحن الذين يعلمون، وعدونا الذين لا يعلمون، و شيعتنا هم أولو ‏الألباب، يا أبا محمد فهل سررتك؟
وأخرج الصفار بإسناده عن أبي الحجاز قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام).. إنَّ ثلثي القرآن ‏فينا وفي شيعتنا، فما كان من خير فلنا ولشيعتنا، والثلث الباقي أشركنا فيه الناس، فما كان فيه من ‏شرٍّ فلعدوِّنا، ثم قال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ} ‏فنحن أهل البيت، وشيعتنا أولو الألباب، والذين لا يعلمون عدوُّنا، وشيعتنا هم المهتدون.‏
وما ورد في هذا المعنى وما يفيد فائدته كثير جداً، فلاحظ على سبيل المثال(2).‏

----------------------
‏(1) من وحي القرآن ج19 ص 310.‏
‏(2) المحاسن ج 1 ص 169 ؛ بصائر الدرجات ص 74 ـ 76 و141 ؛ الكافي ج 1 ص 212 وج 8 ص33 ـ 35 ؛ الاختصاص ‏ص 104 ـ 106 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 3 ص 176 و343 ؛ الطرائف ص 518 ؛ مشكاة الأنوار ص 172 ؛ بحار الأنوار ج 24 ‏ص 119 ـ 121 وج 27 ص 123 ـ 125 وج39 ص 342 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 363 ـ 365 ؛ تفسيسر التبيان ج 9 ص ‏‏13 ؛ تفسير مجمع البيان ج 8 ص 389 ؛ التفسير الأصفى ج 2 ص 1080 ؛ تفسير نور الثقلين ج 4 ص 478 ؛ شواهد التنزيل ج 2 ‏ص 175 ؛ تأويل الآيات ج 2 ص 511.‏


     

فهــرس الكتــاب

     

ضلال نت