الآية السادسة عشر قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ ‏يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ على الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ على الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ ‏فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ‏ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ‏وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}‏سورة المائدة الآية 54‏

     

 قال السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره: ولكن هل الآيةُ تشير إلى جماعة معينة من هؤلاء ‏المؤمنين المخلصين؟ ربما كانت بعضُ الأحاديث أو التفاسير تتضمن الإشارةَ ‏إلى ذلك، ولكن هذا ‏داخل في عالم التطبيق على بعض الأفراد الطليعيين الذين عاشوا في عصور الإسلام الذهبية في ‏عهد الدعوة والجهاد، لأنَّ الآيةَ تسير مع الزمن لتوحي ‏لكل جيل من أجيال المسلمين، أنَّ الإسلام ‏هو الرسالة التي يجب عليه أن يحتضنها ويرعاها بكل قوة، وأن يستمر عليها بكل إخلاص، وأنَّ ‏عليه أن يعي جيداً دوره فلا ‏يغتر أبداً بحجم هذا الدور بالمستوي الذي يُخيَّل إليه أنَّ الإسلام سوف ‏يموت ويزول إذا ابتعد هو عن الساحة، فإنَّ هناك أكثر من جيل في علم الله ينتظر الفرصة التي ‏‏ينتصر فيها للإسلام بعيداً عن كل زهو وعظمة وخيلاء(1).‏
أقول: هذا كلامه، ولكنْ قبل الدخول في صلب الموضوع لا بُدَّ من أن ننظر في ما ذكره.‏
قوله: ربما كانت بعض الأحاديث أو التفاسير... ألخ ليس في محله، فإنَّ هذا النحو من الكلام يدلُّ ‏على عدم كون السيد محمد حسين ممَّن يتفاعل مع ما صدر وَوَرَد عن ‏أئمة العترة الطاهرة (عليهم ‏السلام)، لأنَّ بعض هذه الأحاديث قد وَرَد وثبت عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام).‏
وإذا ما كانت بعض الأحاديث واردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، فإنَّ المتعيِّن أن يظهر منه ‏على أقل التقادير شيءٌ من الاهتمام بالأحاديث والأخبار الواردة عن أئمة ‏العترة الطاهرة (عليهم ‏السلام)، وإلا فأيُّ فرقٍ بين مَن يزعم بأنه يتَّبِع الأئمة وبين مَن لا يتبعهم إذا ما كانا على حد سواء ‏في عدم الاستشهاد بما ورد عنهم (عليهم ‏السلام)؟!!‏
وثانياً: كان على السيد محمد حسين أن يتعرَّض لبعض ما ورد من أخبار فيما يتعلَّق بتفسير الآية، ‏حتى يقفَ عليها القارئُ لتفسيره، ليري هل أنها لا تشتمل إلا على مجرد ‏الإشارة كما ذكر هو.‏
ثم ماذا يقصد من قوله: «تتضمن الإشارة....»، فإنَّ النصوصَ والأخبارَ والتي سيوافيك التعرُّضُ ‏لبعضها فيها من الصراحة والتنصيص ما لا يخفى على كل ذي لسان ‏عربي.‏
وثالثاً: إن الدعوي بأنَّ النصوص وردت في مقام بيان المصداق، وأنها نصوص تطبيقيَّةٌ وليست ‏تفسيريَّةً، مما لا يمكن قبولُه.‏
ذلك أنَّ نصوص التطبيق تختصُّ بالموارد التي لا تكون الآيةُ مشتمِلةً على خصوصيَّة وميزة ‏وفضيلة، لا يمكن أن يقع المشاركة فيها بين أقوام أو جماعات.‏
فمثلاً آية {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ..} لا يمكن الالتزامُ بأنَّ ما ‏ورد في تفسيرها كان من بابِ التطبيق ومن بيان أحد المصاديق، والأمر ‏لا يكاد يحتاج إلى ‏تفصيل وبيان.‏
نعم لا ندعي أنَّ أحداً لا يُحبُّ اللهَ تعالى ولا يحبُّه اللهُ تعالى إلا سادتنا محمد وآله الأطهار (عليهم ‏السلام)، ولكنَّ مرتبة حبِّ الله تعالى لهم وحبهم له لم يصل إليها أحدٌ ‏أزلاً، ولن ينالها أحدٌ أبداً.‏
ورابعاً: ليست الآية في مقام بيان أنه سبحانه عند ارتداد قوم سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه ولو بنحو ‏من الأنحاء أو بمعنى من المعاني، بل صريح الآية أنَّ القوم الذين سينتصر ‏سبحانه بهم لدينه، هم ‏ممَن يحبهم الله تعالى ويحبونه بشكل مطلق، وهذا المعنى لا ينطبق إلا على مَن كان في تمام ‏تقلباته وسائر أحواله في الموقع الذي يُحبُّه الله تعالى فيه، ‏وهذا يعني أنهم أناسٌ لا يعايشون الظلمَ ‏والطغيانَ والباطلَ أبداً ودائماً، ظاهراً وباطناً، فهم إذن خصوص المعصومين المطهرين.‏
وإن شئتَ تفصيلاً بما يفسح له المجال فنقول: ‏
لنتعرَّف على أصحاب هذه الآية لا بُدَّ أولاً من النظر في ما ورد فيها من كلمات شريفة، ذات ‏مداليل لا نحتمل إلا كونها واقعيَّةً بعيدةً عن أيِّ نحو من أنحاء المبالغة، أو ‏التصوير المعتمِد على ‏إلغاء بعض الاعتبارات.‏
ومن البديهي أن نلتزم بكونِ الخطابِ القرآني الحاكي عن شيءٍ ما، خطاباً لا يحمل في طياته أيَّ ‏نحو من أنحاء إلغاء بعض الجهات أو الوجوه والاعتبارات، وهكذا الحال ‏في خطاب النبي الأكرم ‏‏(عليهما السلام) وكلام أهل بيته الأطهار (عليهم السلام).‏
فقولُ سيد الشهداء (عليه السلام) «ما رأيت أصحاباً أوفى وأبر من أصحابي» محمولٌ على إرادة ‏مدلوله فيما يشمل جميع أصحابه، ومحمول على تفضليهم على أصحاب ‏كلِّ نبي مرسل أو وصي ‏نبي، فإنَّ الدنيا من أول الدهر إلى قيام الساعة حاضرةٌ لدي الإمام المعصوم، ولو كان في مقام ‏التفضيل بالنسبة لقوم دون قوم لما كان لإطلاق ‏كلامه (عليه السلام) وجه، بل للزم أن يُخصِّصه ‏ويُقيِّده.‏
نعم يتأتَّى ممَن تخفى عليه الحقيقة، أو يجهل بوجود المخالِف، أو يغفل عن ثبوت وصفٍ منافٍ لما ‏يذكره، يتأتَّى منه أن يُطلِق كلامه ولا يستثني، إما مسامحةً في التعبير، أو ‏للوجوه المذكورة أي ‏بسبب الغفلة أو الجهل وما يشاكلهما.‏
وقول الرسول الأكرم (عليهما السلام) «عليٌّ مع الحق والحق مع عليٌّ»، لا يُراد به أنَّ علياً كذلك ‏في أكثر الأحوال وغالب الموارد، بل يريد (صلى الله عليه وآله) أنَّ ‏علياً كذلك حقيقة وواقعاً، فإنَّ ‏كلامه (عليهما السلام) خالٍ عن أيِّ نحو من إنحاء المسامحة، وإلا لبَطُل أن يكون قولُ النبيِّ ‏‏(عليه السلام) وتقريرُه وفعلُه حجةً، ولبَطُل أن ‏يكون (صلى الله عليه وآله) في كل شأن من ‏الشؤون أسوة وقدوة.‏
نعم إذا لم نلتزم بعصمتهم (عليهم السلام) وتنـزُّههم عن الغفلة والسهو، لتطرَّق إلى كلامهم ‏‏(عليهم السلام) الخدشةُ ولورد إشكالاتٌ يصعب بل لا مصير لحلها، وللزم ‏الالتزام بما لا يمكن ‏الالتزام به، وبهذا تعرف أنَّ القائل بعدم عصمة المعصوم في جميع الأمور بما يشمل ‏الموضوعات الخارجية واهمٌ غافلٌ جداً، بقطع النظر عما حققناه في ‏محله تبعاً لمحققي وأعلام ‏المذهب الحق من رجوع العصمة إلى مرتبة من العلم، يستحيل معه الوقوع في أيِّ نحو من أنحاء ‏الاشتباه، لأنَّ ملكةَ العصمة غيرُ قابلة للتجزئة ‏والتفكيك، بل أمرها دائرٌ بين الوجود أو العدم، ومن ‏البداهة أن يحصل الأثر مع وجود المقتضي، وأصحابُ النفوس الطاهرة المطهَّرة لا محلَّ فيهم ‏لأيِّ مقدار من الباطل ‏والخلو عن الحق، فلا وجودَ للمانع في ساحتهم المقدسة، ولا يسمح المجال ‏لتفصيل القول في هذا المطلب الشريف.‏
هذا حال الأولياء فيما يتكلمون به ويُخبِرون عنه، فكيف بكلام المولى سبحانه وقرآنه الذي لا يأتيه ‏الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الذي لا يأتيه باطل مهما كان ‏الباطل مغفوراً من جهة المخلوق ‏ونادراً.‏
فقوله سبحانه {وَأن مِنْ شَيْءٍ إِلاَ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} لا بُدَّ وأن يُحمل على معناه الحقيقي، وإن لم نُوفَّق ‏للوقوف على معرفة وحقيقة تسبيح ما لا يحصى من المخلوقات.‏
وقوله سبحانه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إن هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى} لا مجال لاحتمال إرادة أنه (عليهما ‏السلام) غالباً كذلك وفي جلِّ الأمور، بل هو (عليهما السلام) كذلك ‏حقيقةً وواقعاً وفي تمام ‏الحالات وجميع التقلبات وسائر الموارد.‏
وهكذا الشأن في جميع الخطابات القرآنية التي من هذا القبيل، فـ{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ‏آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} مفاده أنَّ ‏أمير المؤمنين مولى الخلق، ‏وبه المقتدي وإليه المرجع، وهو المتكفِّل برعايتِهم ونظْمِ شؤونهم، فهو الوليُّ المطلق بالمطلق ‏للمطلق، وإلا لما كان لإطلاق كلام المولى سبحانه من ‏وجه، والمفروض أنه تعالى لم يستثنِ.‏
وقد أشار العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان إلى بعض ما ألمحنا إليه فلاحظ كلامه الغني ‏التام(2).‏
وعليه ففي دراسة النص القرآني، لا بُدَّ وأن نُخضِعه لهذه الضابطة التي أشرنا إليها في ما يكون ‏النصُّ متحمِلاً لذلك، لأنه ليست جميعُ الآيات تخضع لتلك الضابطة.‏
فمثلاً قوله سبحانه{إن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ} لا يعني أنه عند تحقُّق ‏الاستغفار مئة مرة مثلاً، فإنَّ الله سيغفر لهم، إذ ليس للعدد شأنٌ في ذلك، ‏فليس للعدد مزيةٌ ‏واعتبارٌ، لأنه لم يكن المقصود إلا بيان أنَّ الله تعالى لن يغفر لأولئك، فالآية من هذه الحيثيَّة ‏خاضعةٌ للضابطة التي أشرنا إليها، وإن كانت من جهة العدد ‏ليست خاضعة لذلك.‏
هذا وقد اشتملت الآية التي نبحث فيها على ذكر أوصاف في القوم الذين يأتي الله تعالى بهم، وأنهم ‏يحبهم الله تعالى ويحبونه، وأنهم متواضعون للمؤمنين، مجاهدون في ‏سبيل الله تعالى ولا يخافون ‏لومة لائم.‏
ولأيِّ شخص أن يدَّعي أنه يحبُّ اللهَ تعالى، ولكن قد يصدِّقُه في دعواه تلك عملُه وقد يكذِّبُه، ‏وهكذا الحال في أمر ادَّعاء التواضع والقيام بواجب الجهاد وعدم الخوف ‏من غير الله تعالى.‏
لكنما ليس لأحدٍ أن يدعي بأنَّ اللهَ تعالى يُحبُّه، إلا إذا اطلَّع على الغيب، والاطلاعُ على الغيب في ‏زمن الرسول الأكرم (عليهما السلام) هو من مختصاته، فأن أخبر عن ‏الغيب فهو، وإلا فإنَّ مدَّعي ‏الاطلاع على الغيب من غير جهته (عليهما السلام) مكذَّبٌ.‏
والآيةُ أيضاً تتحدث عن قوم لا يخافون في أيِّ حال من أحوالهم لومة لائم، وليس ذلك إلا لما ‏عندهم من اليقين بالله تعالى.‏
تتحدث عن قوم يجاهدون في سبيل الله تعالى، طالبين رضاه لا يبتغون إلا ذلك.‏
تتحدث عن قوم لا يعرف الآخرون منهم إلا التواضعَ للمؤمنين، والترفُّعَ على الكافرين، والغلظةَ ‏عليهم.‏
تتحدث عن قوم يحبون الله تعالى، ومن الطبيعي أن يكون عملُهم مجسِّداً بحقٍّ لذلك الحب، والذي ‏يعني أنهم لا يرتكبون ما يُبغضه المولى سبحانه، وإلا فإنَّ ادِّعاءهم حبهم ‏له تعالى، سيكون محضَ ‏لقلقة لسان.‏
تتحدث الآية عن قوم يحبهم الله تعالى، وإذا ما كان يمارس أولئك القوم أيَّ نحو من أنحاء الباطل، ‏فمن البديهي أن لا يكونوا ممَن يُحبهم الله تعالى، فإنَّ حبَّه تعالى لشخص ‏يتمثَّل في حبه له من ‏ناحية التزامه بالحق ليس إلا، لأنَّ الله تعالى لا يُحبُّ جُزافاً، بل كلُّ عاقل إنما يُحبُّ مَن يحب من ‏موقع تجسُّد الحقِّ والحقيقة في مَن يُحب، كلٌّ ‏وبحسب ما يرى ما هو الحق وما هي الحقيقة.‏
وإذا ما التفتنا إلى عدم تخصيصِ وعدم تقييدِ هذه الصفات التي أُشير في الآية المباركة إليها بحال ‏من الأحوال وفي موطن من المواطن، فإنَّ مفاد الآية أنَّ القوم الممدوحين بما ‏مُدِحوا به، صفتهم ‏كذلك في تمام الأحوال وفي جميع شؤونهم وتقلباتهم.‏
فهم ممَن يحبهم الله تعالى ويحبونه دائماً، وهكذا في بقية الصفات، وهذا يعني بل يدل بوضوح، ‏على أنَّ أولئك القوم يُمثِّلون الخيرةَ والصفوةَ من الخلق في كل زمن.‏
ثم إنَّ الآية تدل أيضاً، على أنَّ عمليةَ استبداله سبحانه القوم المرتدين بقوم يحبهم ويحبونه، لا ‏يختص بوقت أو في ظرف معين، بل تكاد الآية تكون صريحةً على أنه ‏سبحانه كلما تحقَّقَ ‏الارتداد، فسوف يأتي بقوم صفتهم ما أُشيِر إليه في الآية، ومن هنا فلا تكون مفسَّرة ومنطبِقَة على ‏قوم في زمن خاص.‏
نعم لا تنطبق إلا على قوم صفتهم ما عرفت.‏
ثم إننا لا نريد أن نغفل عن أنَّ القوم متفاوتون في درجة الخشية لله تعالى وفي بقية الصفات، ‏فكونُ قوم يحبهم الله تعالى لا يعني بحال أنهم غيرُ متفاضلين من هذه الناحية، ‏فالأنبياء جميعاً ممَن ‏يحبهم الله تعالى، ووقوعُ التفاضل بينهم وأنهم درجات عند ربهم، أمرٌ مفروغ عنه، وليس موضع ‏شك أو تشكيك، قال سبحانه {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا ‏بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ}.‏
لذا ليس بالضرورة أن نرى انطباق العنوان على القوم بنحو واحد بل، قد يكون من جملة القوم مّنْ ‏لا يدانيه جميعُهم مجتمعين، وهذا لا ينافي كونهم جميعاً ممن يحبهم الله ‏تعالى.‏
نعم لا بد وأن يكون جميعُهم من الأبرار والأخيار.‏
ثم من ناحية ثانية، ليس بالضرورة أن لا يصح إلحاقُ مَن ليس مثلهم من تلك الجهات بهم، نعم لا ‏يُلحَقون بهم من تلك الجهات الفاقدين لمميزاتها فافهم جيداً.‏
فإذا قيل بأنَّ الآيةَ منطبِقةٌ على أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) ومَن معه، فهذا ليس يعني أنَّ كلَّ ‏مَن كان مع علي (عليه السلام) هو ممَن يحبه الله بنحو مطلق، بل هي ‏صفة البعض منهم، وهم ‏المقصود من كونهم مصداقاً للآية فحسب.‏
ولا نريد أن نعطي الشواهد والتي لا تكاد تُحصى على أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، كان ‏أشجعَ القوم وأعظمهم خشيةً لله تعالى، وعلى أنه لم يعرف المشركون ‏والكافرون أشدَّ منه بأساً ‏عليهم باستثناء الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وأنه لم يعرف المؤمنون رجلاً أكثرَ منه ‏تواضعاً، وأنه كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، حاله في ‏ذلك حال الرسول الأكرم محمد (عليهما ‏السلام)، فإنَّ اشتهارَ هذا الأمر وعدمَ وجود مَن ينكر هذا المعنى ـ بغض النظر عن بعض ‏المعاندين والمنافقين ـ يكفينا مؤونة ‏البيان.‏
ولكننا نريد أن ننقل بعض ما سطَّره أبناء العامة في كتبهم المعتمَدة، مما شهد به الرسول الأكرم ‏‏(عليهما السلام) لعليٍّ (عليه السلام) أنه يحبه اللهُ ورسولُه ويحب اللهَ ‏ورسولَه (عليهما السلام)، ‏وبعد شهادة سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله)، فإننا لا نُقيِم أيَّ وزن وأيَّ اعتبار لشهادة غيره، ‏ومع ثبوت الشهادة وهي ثابتة، فإنَّ انطباقَ ‏الآية على أمير المؤمنين (عليه السلام) يكون أمراً ‏قطعياً.‏
فقد أخرج البخاري في صحيحه بإسناده عن سهل بن سعد، أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ‏قال يوم خيبر: لأعطينَّ هذه الرايةَ غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب ‏اللهَ ورسولَه ويحبه اللهُ ‏ورسولُه، قال: فلما أصبح الناسُ غَدَوا على رسول الله (عليهما السلام) كلهم يرجو أن يُعطاها، ‏فقال (صلى الله عليه وآله): أين عليُّ بن أبي ‏طالب، فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال ‏‏(صلى الله عليه وآله): فأرسِلوا إليه، فأُتيَ به فبصق رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عينيه، ‏ودعا له فبرأ حتى كأن لم ‏يكن به وجعٌ، فأعطاه الرايةَ... (الحديث)، وأخرجه أيضاً بإسناده عن ‏سلمة الأكوع.‏
وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده عن بريدة، وأيضاً بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ‏وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وسهل بن سعد.‏
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجال أحمد رجال الصحيح.‏
وأخرج الحديث ابن عساكر في تاريخ دمشق بإسناده عن ابن عباس، وبإسناده عن ابن عمر، ‏وسلمة، وأبي هريرة، وبريدة وغيرهم من الصحابة، وأورده وأخرجه الكثير ‏من حُفَّاظِهم ‏ومحدثيهم كمسلم، والنسائي، والطبراني، وابن أبي شيبة، وابن حبان، ومحب الدين الطبري، ‏والطبري صاحب التأريخ، وابن كثير، وابن الدمشقي، ‏والصالحي الشامي، والمحاملي، والأحوذي، ‏والحاكم النيسابوري، والبيهقي، وابن سعد، والخطيب البغدادي، والدارقطني، وابن سيد الناس، ‏والترمذي، والمتقي الهندي، ‏وابن الأثير، وابن حجر ـ وجميع هؤلاء من أبناء السُّنة ـ وغيرهم ‏كثير جداً(3).‏
وبالجملة فحديثُ الراية مقطوعٌ صدورُه متواتَرٌ نقله مجمعٌ على صحته.‏
وقد ثبت أيضاً من طرق أبناء السُّنة، أنَّ أمير المؤمنين ممَن يحبه الله تعالى ورسوله (صلى الله ‏عليه وآله)، بل أنه أحب الخلق إلى الله سبحانه وإلى رسوله الأكرم (صلى الله ‏عليه وآله).‏
قال الطبراني ـ من أبناء السُّنة: حدثنا أحمد قال: حدثنا سلمة بن شبيب قال: حدثنا عبد ‏الرزاق قال: أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أنس بن ‏مالك، قال أهدت أم أيمن إلى ‏النبي (صلى الله عليه وآله) طائراً بين رغيفين، فجاء النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: هل عندكم ‏شيء؟ فجاءته بالطائر، فرفع يديه فقال: ‏اللهم ائتني بأحبِّ خلقك إليك، فجاء علي (عليه ‏السلام).الحديث(4).‏
أقول: والسند صحيح عند أبناء السُّنة(5).‏
وأخرجه البخاري في تاريخه بإسناده عن عثمان الطويل عن أنس بن مالك، وكذا أخرجه ‏الترمذي والنسائي بإسنادهما عن السدي عن أنس بن مالك مثله، ‏وأخرجه الطبراني أيضاً بإسناده ‏عن سفينة مولى النبي (عليهما السلام).‏
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار وأبو يعلى ‏باختصار كثير، ورجال أبي يعلى ثقات. وعن سفينة وكان خادماً ‏لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ‏قال أهدى لرسول الله (عليهما السلام)....الحديث، رواه البزار والطبراني باختصار، ورجال ‏الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة ‏وهو ثقة.‏
وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين بإسناده عن يحيى بن سعيد عن أنس بن ‏مالك، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وقد رواه ‏عن أنس جماعة من أصحابه ‏زيادة على ثلاثين نفساً، ثم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة.‏
وقال القندوزي في ينابيع المودة: وقد روي أربعة وعشرون رجلاً حديث الطير عن أنس، ‏منهم سعيد بن المسيب والسدي إسماعيل، ولابن المغازلي حديث ‏الطير من عشرين طريقاً، فراجع ‏على سبيل المثال(6).‏
هذا وقلما تجد مصدراً عند أبناء السُّنة في الحديث والرجال والسيرة، إلا وقد ذُكر فيه ‏حديث الطير أو أشير إليه، ولا يسع المجال لأكثر مما ذكرنا، فإنَّ فيه ‏الكفاية بل ويزيد.‏
وإذ قد تمهد لك هذا، فإنك تهتدي إلى ما يتحقَّقُ به لديك القطعُ واليقينُ بأنَّ المقصودَ من ‏القوم في زمن نزول آية {مَن يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ‏اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} هو ‏أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، فإنه (عليه السلام) مَن قتل المارقين ‏والناكثين والقاسطين بإجماع المسلمين، وما ‏عُلِم من شجاعته وزهده وتواضعه للمؤمنين، لا يكاد ‏ينكره حتى أشد المعاندين وأبغض النواصب.‏
فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده والبخاري ومسلم في صحيحهما والبيهقي في سننه ـ ‏واللفظ للبخاري ـ بإسنادهم عن أبي سعيد الخدري قال: بينما ‏نحن عند رسول الله (عليهما السلام) ‏وهو يقسم قسماً إذ أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله إعدل، فقال: ‏ويلك ومَن يعدل إذا لم أعدل، قد ‏خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله إئذن ‏لي فيه فاضرب عنقه، فقال: دعه فإنَّ له أصحاباً يُحقِّر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع ‏صيامهم، ‏يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر ‏إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى ‏نضيه وهو ‏قدحه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتُهم رجل ‏أسود إحدي عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة ‏تدردر، ويخرجون على حين فرقة من ‏الناس. قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعتُ هذا الحديث من رسول الله (عليهما السلام)، وأشهد أنَّ ‏عليَّ بن أبي طالب قاتلهم وأنا ‏معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس، فأُتيَ به حتى نظرتُ إليه على نعت ‏النبي (عليهما السلام) الذي نعته.‏
وقد تواتر عند أبناء السُّنة إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) عن مروق طائفة من الناس، ‏وأنه يتولى قتلهم أولى الطائفتين بالحق وأقربهما إليه، وثبت عندهم ‏من نَقْلِ ثقاتهم وأثباتهم، ما قاله ‏الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في الخوارج المارقين.‏
فقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل والبخاري ومسلم والطبراني وابن كثير بإسنادهم ‏عن يسير بن عمرو قال: قلت لسهل بن حنيف ـ واللفظ ‏للبخاري ـ هل سمعت النبي (صلى الله ‏عليه وآله) يقول في الخوارج شيئاً؟ قال: سمعته يقول وأهوي بيده قِبَلَ العراق: يخرج منه قومٌ ‏يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ‏يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية.‏
وأخرجه أيضاً أبو داود الطيالسي بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس، وأيضاً أخرجه ابن ‏أبي شيبة بإسناده عن شريك عن أبي برزة، وبإسناده عن أبي الزبير ‏عن جابر بن عبد الله ‏الأنصاري.‏
واختصاراً للمطلب نذكر كلامَ ابن كثير، فقد قال في البداية والنهاية ـ على الرغم مما ‏عُرف عنه من النصب والعداوة لأمير المؤمنين(عليه السلام)ـ: ‏الأخبارُ بقتال الخوارج متواترةٌ ‏عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنَّ ذلك من طرق تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن، ووقوعُ ‏ذلك في زمان علي (عليه السلام) ‏معلومٌ ضرورةً لأهل العلم قاطبة.‏
أقول: وعليه فسواء كان منا إثبات نزول الآية في أمير المؤمنين وأصحابه أم لم يكنْ، فإنَّ ما ‏نقلناه لك من ثبوت كونه أحب الخلق إليه تعالى، وأنه ممَن يحبه الله سبحانه ‏ورسوله (صلى الله ‏عليه وآله)، مع ما اشتهر من أمر شجاعته وتواضعه للمؤمنين يكفي.‏
فكيف إذا ما انضم إلى ذلك ما نقلناه آنفاً من خبر الخوارج، ويزيدك بصيرةً ما رواه ‏أعلام أبناء السُّنة، من أنه سيتولَّى قَتْل الخوارج أولى الناس بالحق ‏وأقربهم إليه، وبديهي جداً أنهم ‏أولى بأن يكونوا ممَن يحبهم الله تعالى بل وأنهم من أحب الخلق إليه تعالى، بغض النظر عما ثبت ‏من طرق أبناء العامة من أنَّ أمير المؤمنين ‏هو أحبُّ الخلق إلى الله تعالى ورسوله (صلى الله ‏عليه وآله).‏
فقد أخرج أبو داود الطيالسي، والصنعاني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم، وأبو داود ‏السجستاني، والنسائي، والبيهقي، والحاكم النيسابوري ـ ‏والكلام للبخاري ـ بإسنادهم عن أبي ‏سعيد أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) ذكر قوماً يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس ‏سيماهم التحالق، قال: هم شرُّ الخلق ‏أو من أشر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق، وفي لفظ ‏آخر: يلي قتلهم أولاهم بالحق، وفي لفظ ثالث: يلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق، وفي لفظ رابع: ‏أقرب ‏الطائفتين من الحق.‏
وأخرج أبناء السُّنة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنَّ أمير المؤمنين علياً (عليه ‏السلام) هو من سيقاتل على تأويل القرآن.‏
فقد أخرج أحمد بن حنبل، والنسائي، والحاكم النيسابوري، وابن حبان، وابن عساكر، ‏والخوارزمي بإسنادهم عن رجاء الزبيدي قال: سمعت ‏أبا سعيد الخدري يقول: كنا جلوساً ننتظر ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه فانقطعت ‏نعله، فتخلَّف عليها عليٌّ (عليه ‏السلام) يخصفها، فمضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومضينا ‏معه ثم قام ينتظره وقمنا معه، فقال: إنَّ منكم مَن يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلتُ على ‏تنزيله، ‏فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال: لا ولكنه خاصفُ النعل، قال: فجئنا نبشِّره، قال: ‏وكأنه قد سمعه.‏
قال الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين بعد أن أورد الحديث: هذا حديث صحيح ‏على شرط الشيخين.‏
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وإسناده حسن.‏
أقول: وأخرجه ابن عساكر أيضاً بإسناده عن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ‏وبإسناده عن عبد الرحمن بن بشير، وكذا أخرجه ابن الأثير وابن ‏حجر بالإسناد عن الأخير، ‏وأخرجه الخوارزمي بإسناده عن أبي ذر.‏
وقال الصالحي الشامي في سبل الهدي والرشاد: وأخرج الحاكم وصحَّحه والبيهقي، عن أبي ‏سعيد.... الحديث، وقال: وروي أبو يعلى برجال الصحيح عن أبي ‏سعيد..... الحديث(7).‏
وهكذا يثبت بنحو اليقين الذي لا يخالطه شكٌّ ومن طريق أهل السُّنة، أنَّ المرادَ من القوم ‏في زمن نزول الآية عليٌّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه، ‏ويبقى أن نناقشهم في صحة ما ‏زعمه أبناء العامة من إنطباق الآية على غيره، وفعلاً فقد كنا قد قطعنا شوطاً مهماً في هذا ‏المضمار، ولكنْ بدا لنا بعد ذلك أن نعمد إلى ‏البحث في ذلك بنحو مستقل نسأله تعالى أن يوفق ‏لإتمامه.‏
هذا وقال ابن البطريق: ذكر الثعلبي في تفسير قوله تعالى {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ‏وَيُحِبُّونَهُ} قال: هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأنها نزلت ‏فيه.‏
وأخرج فرات في تفسيره عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ ‏بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قال: عليٌّ (عليه السلام) وشيعته.‏
وعن الشيخ الطوسي والطبرسي في تفسيريهما، وقال أبو جعفر وأبو عبد الله ’، ورُوي ‏ذلك عن عمار وحذيفة وابن عباس: أنها نزلت في أهل البصرة ومن ‏قاتل علياً (عليه السلام)، ‏فرُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال يوم البصرة: «والله ما قُوتِل أهلُ هذه الآية حتى ‏اليوم» وتلا هذه الآية، ومثل ذلك روي حذيفة ‏وعمار وغيرهما(8).‏
وقال الشيخ المفيد في الإفصاح: وتظاهر الخبر عنه (عليه السلام) أنه قال يوم البصرة: ‏والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ ‏مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ‏اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..} مثل ذلك عن عمار وحذيفة وغيرهما من أصحاب النبي (صلى الله ‏عليه وآله).‏
وقال في موضع ثانٍ من الإفصاح: وقد صح أنه ـ عليٌّ (عليه السلام) ـ المراد بقوله ‏تعالى {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.‏
وقال في موضع ثالث: وذكرنا عن خيار الصحابة أنها نزلت في أهل البصرة، بما رويناه ‏عن حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، وقد جاءت الأخبار بمثل ‏ذلك عن أمير المؤمنين (عليه ‏السلام)، ووردت بمعناه عن عبد الله بن مسعود.‏
وقال زين الدين العاملي في الصراط المستقيم: روت الفرقة المحقة أنها في عليٍّ (عليه ‏السلام)، ورواه الثعلبي في تفسيره.‏
وقال في موضع آخر: وقد روي كثير من الناس أنها نزلت في المرتدين يوم الجمل ‏بحربهم لعليٍّ (عليه السلام).‏
هذا وليعلم بأنَّ كونَ المراد من القوم في الآية في زمن النزول هو أميرُ المؤمنين وشيعته ‏الخلص، لا ينافي أن يكون هو الإمام الحجة المهدي المنتظر روحي فداه ‏وأصحابه الأخيار.‏
بل لا بُدَّ وأن يكون للآية في الزمن الآخر مصداقٌ، وإلا لماتت الآية، والقرآن حي لا ‏يموت أبداً.‏
وقد ورد في بعض أخبار العترة الطاهرة (عليهم السلام)، بأنَّ المراد من القوم الإمام قائم ‏آل محمد (عجل الله فرجه)، وهذا المعنى محمولٌ على ما ألمحنا إليه ‏من ضرورة أن يكون للآية ‏مصداقٌ تنطبِق عليه.‏
وهل يكون في زمن ظهور ولي الله الأعظم روحي فداه إلا هو وأصحابه الخلص؟! والذي ‏ببركة ظهور مولانا صاحب الزمان (عجل الله فرجه) تُملأُ ‏الأرض قسطاً وعدلاً، ولا يكون ذلك ‏إلا من خلال بركة حضور وبسط يد مَن يحبه الله تعالى ورسوله ويحب الله ورسوله (عليهما ‏السلام).‏
فقد أخرج النعماني في الغيبة بإسناده عن سليمان بن هارون العجلي قال: قال: سمعت أبا ‏عبد الله (عليه السلام) يقول: إنَّ صاحبَ هذا الأمر محفوظةٌ له ‏أصحابه لو ذهب الناس جميعاً أتى ‏الله له بأصحابه، وهم الذين قال الله عزَّ وجل{وَالنُّبُوَّةَ فَأن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً ‏لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} وهم الذين قال الله ‏فيهم {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ على ‏الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ على الْكَافِرِينَ}(9).‏



‏-----------------------‏‏-----------------------‏‏------------------
‏(1) من وحي القرآن ج8 ص 224‏
‏(2) تفسير الميزان ج5 ص 381‏
‏(3)من مصادر أبناء السُّنة: مسند احمد بن حنبل ج 5 ص 353 وج1 ص 133، فضائل الصحابة ص 15 ‏‎–‎‏ 16، صحيح البخارى ج ‏‏5 ص 76 ‏‎–‎‏ 77 وج 4 ص ‏‏11، مجمع الزوائد ج 6 ص150، مصنف الصنعاني ج5 ص 287، تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 88 ‏إلى‎ ‎‏96، صحيح مسلم ج5 ص 195 وج7 ص122، السنن ‏الكبري للنسائي ج 5 ص 46 وج 5 ص 111 إلى 114، خصائص أمير ‏المؤمنين ص 50 و82، المعجم الكبير ج 7 ص 31 و36، المصنف ج 8 ص 525، الثقات ‏لابن حبان ج 2ص 266، صحيح ابن ‏حبان ج15 ص 382، ذخائر العقبى ص 72، تاريخ الطبرى ج 2 ص 300، البداية والنهاية ج 4 ص 212 السيرة النبوية ج 3 ‏ص ‏‏351، جواهر المطالب ج 1 ص 178، سبل الهدي والرشاد ج 10 ص 61 أمالي المحاملي ص 324، تحفة الأحوذى ج10 ص 158 ‏المستدرك على الصحيحين ‏ج3 ص 132و437، السنن الكبري للبيهقي ج9 ص131، الطبقات الكبري لابن سعد ج2ص 110، تاريخ ‏بغداد ج 8 ص5 علل الدارقطني ج3 ص277، عيون ‏الأثر ج2 ص135، سنن الترمذي ج5 302، كنز العمال ج10 ص 462 وج 13 ‏ص134، أسد الغابة ج4 ص 26، الإصابة ج1 ص38 وج 4 ص466‏
‏(4) المعجم الأوسط ج 2 ص 206‏
‏(5) أما أحمد: فهو ـ كما ذكر الطبراني في الحديث الذي قبل هذا ـ ابن الجعد الوشاء، شيخ ابن عدى وقد أكثر من الاعتماد عليه في ‏الكامل، وقال الدراقطني: ليس ‏به بأس، وقال الذهبي الشيخ الثقة العالم ووثقه البيهقي بمقتضى ما ذكره في السنن الكبري ج10 ص ‏‏199، وراجع سؤالات حمزة ص 137 وتاريخ بغداد ج5 ص ‏‏260 وسير أعلام النبلاء ج 14 ص 148 ‏
وأما سلمة: فهو شيخ أبي حاتم وقد وصفه بأنه صدوق، ووثقه أبو حاتم وصالح بن محمد والنسائي وأبو نعيم وابن حبان، وقال الحاكم: ‏هو محدث أهل مكة والمتفق على ‏اتقانه وصدقه، وقال الذهبي: الإمام الحافظ الثقة فراجع الجرح والتعديل ج1 ص 362 وج4 ص 164 ‏والثقات ج 8 ص 287 وطبقات المحدثين بأصبهان ج 2ص ‏‏248 وتذكرة الحفاظ وج 2 ص 543 وج 12 ص 256 وتهذيب التهذيب ‏ج 4 ص 129.‏
وأما عبد الرزاق: فقد وثقه أحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم ويحيى بن معين والعجلي وابن حبان وابن عساكر والذهبي بل قال ‏يحيى: لو ارتد عبد الرزاق عن الإسلام ‏ما تركنا حديثه، فراجع الجرح والتعديل ج 6 ص 38 والتعديل والتجريح ج 3 ص ‏‏1039والثقات ج 8 ص 412 والكامل ج 5 ص 311 ومعرفة الثقات ج 2 ص ‏‏93 وتاريخ مدينة دمشق ج 36 ص 160 وتهذيب ‏الكمال ج 18صفحة 51 إلى 61 وتذكرة الحفاظ ج 1 ص 364 ومن له رواية في كتب الستة ج 1 ص 651 ‏وميزان الاعتدال ج2 ص ‏‏609 وتهذيب التهذيب ج 6 ص 278 إلى 280‏
وأما الأوزاعي وابن أبي كثير: فهما عند نقاد الحديث عند العامة من الأئمة الأعلام، فقيل في الأول أنه أحد أئمة الدنيا وإمام زمانه وأبلغ ‏من هذا وما يقرب منه ويفوق ‏التوثيق، وقيل في الثاني أنه ما بقي على وجه الارض مثل يحيى بن أبي كثير وأنه من العباد العلماء ‏الاثبات، وبالجملة فهما من أئمة الحديث عندهم ومن الأثبات وممن يتبع ‏قولهم، فراجع تاريخ ابن معين للدوري ج 1 ص 167 ص 325 ‏وج 2 ص 142 وص 269 والعلل لأحمد بن حنبل ج 2 ص 494 والتاريخ الكبير للبخاري ج 8 ‏ص 302 والجرح والتعديل ج 5 ص ‏‏266 وتاريخ أسماء الثقات ص 260 ومشاهير علماء الأمصارص 285 والتعديل والتجريح ج 1ص 494 وج 3 ص1083 وص ‏‏‏1398 ومعرفة الثقات ج 2 ص 83 وص 357 وتهذيب الكمال ج 13 ص 504 وج 17 ص 307 وج31 ص504 إلى510 وتاريخ ‏بغداد ج 41 ص 183 ‏وتذكرة الحفاظ ج 1ص 128و178 ومن له رواية في كتب الستة ج 1 ص 638 وج 2 ص 373 وتهذيب ‏التهذيب ج 11 ص 41 وص 235، ولم نتعرض لتوثيق ‏الصحابة فان السنة يعتقدون بعدالتهم جميعاً
‏(6) من مصادر أبناء السُّنة: التاريخ الكبير ج 2ص 2، المصنف لابن أبي شيبة ج 7 ص 503، سنن الترمذي ج 3 ص 123 وج ‏‏5ص 300، السنن الكبري للنسائي ‏ج 5ص 107، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 52، مسند أبي يعلى ج 7 ص 105، المستدرك ‏على الصحيحين ج 3 ص130، الكامل ج 6 ص 457، المعجم ‏الكبير ج 7 ص 82 و131، مجمع الزوائد ج 9 ص 125 - 126، ‏المناقب للموفق الخوارزمي ص 313 ينابيع المودة ج 1ص 175 ‏‎–‎‏ 176‏
‏(7)من مصادر أبناء السُّنة: مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 5 و25 و32 و33 و48 و82 و486، صحيح البخارى ج 4 ص 178- ‏‏179وج 8 ص53 و219، ‏صحيح مسلم ج3 ص112 - 113 و116، المصنف لابن أبي شيبة ج7 ص192 و 193 وج 8 ص 738، ‏مسند أبي داود الطيالسي ص288و350، المعجم الكبير ‏للطبراني ج6 ص91، المصنف لعبد الرزاق الصنعاني ج 10 ص151، سنن ‏أبي داود ج2 ص406، السنن الكبري للنسائي ج 5 ص 158- 159، السنن الكبري ‏للبيهقي ج8 170و187، المستدرك على ‏الصحيحين ج 2 ص 154وج3 ص123، البداية والنهاية ج6ص241 - 243، خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص131، ‏صحيح ابن ‏حبان ج 15ص 385، تاريخ مدينة دمشق ج42 ص451 - 455، أسد الغابة ج3 ص282، ذخائر العقبى ص 110، الإصابة ج ‏‏4ص245، مجمع ‏الزوائد ج 6ص 244، نظم درر السمطين ص 115و118، المناقب للخوارزمي ص 88 و260، سبل الهدي والرشاد ‏ج10ص150 وج 11ص 290‏
‏(8)بحار الأنوار ج 17 ص 175 وج 36 ص32 و39 ص 18 و52 ص 370 وج66 ص 352 وج 97 ص 363، الإفصاح ص ‏‏125 ـ 126 و131 ـ 132 ‏و136، الإيضاح ص 199، العمدة ص158 و 288، خصائص الوحي المبين ص 197، تفسير فرات ‏ص 123، تفسير التبيان ج 3 ص 555، تفسير مجمع البيان ج ‏‏3 ص 358، تفسير جوامع الجامع ج 1 ص 509، تفسير الصافي ج 2 ‏ص 42، تفسير نور الثقلين ج 1 ص 642، نهج الايمان ص 329، مناقب أهل البيت للشيرواني ‏ص 94 تأويل الآيات ج 1 ص 149، ‏الصراط المستقيم ج1 ص 287 وج2 ص3 ‏
‏(9) كتاب الغيبة للنعماني ص 316، تفسير العياشي ج 1 ص 326، تفسير القمي ج 1 ص 170، بحار الأنوار ج 13ص 577 وج ‏‏72 ص 49، ينابيع المودة ج 3 ‏ص 337 ‏

     

فهــرس الكتــاب

     

ضلال نت