الآية الثالثة قوله تعالى { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } سورة البقرة الآية 274

     

 الآية الثالثة قوله تعالى

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}

سورة البقرة الآية 274

أقول: قد ورد عن الكثير من المفسِّرين والمحدِّثين في شأن نزولها أنها نزلت في أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) حينما تصدق بأربعة دراهم.

ولكن السيد محمد حسين فضل الله لم يتعرَّض في تفسيره لمناسبة نزولها، بل قال ما لفظه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} بحيث يتحوَّل الإنفاق في حياتهم إلى نهج في حركة الشخصية، من خلال ما يتمثلونه في نظرتهم إلى الواقع في مشاكله ومآسيه وفي مسؤولياتهم تجاه ذلك.....{سِرّاً وَعَلاَنِيَةً} تبعاً للطبيعة الاجتماعية للمسألة بالنظر إلى مواقع الناس أو مواقع الخير في مناسبات الإسرار والإعلان، {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} لأنَّ الله يحب عباده الذين يتحركون في حل مشاكل خلقه من أجل إيجاد التوازن الاجتماعي في الحاجات، الذي يتحول إلى توازن عملي في المواقف (1).

أقول: والعجيب أنه لم يتعرَّض ولو بإشارة إلى شأن نزولها، مع أنَّ الآية لا سيما بالنظر إلى آخرها، تفيد في مقام الاحتجاج على أبناء السنة، فإنَّ ثبوتَ الوصف المذكور في ذيل الآية من روايات السنة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وكذا في غير هذا المورد، مما ينفع جداً من حيث إنه يُكوِّن لنا صورةً واضحةَ الملامح عن شخصية أمير المؤمنين (عليه السلام)، فتقع لنا الحُجَّةُ عليهم في مقام تعيين الخليفة بعد الرسول الأكرم (عليهما السلام)، وفي مقام إثبات أنه أفضل الناس بعده (عليهما السلام)، وسيأتي إن شاء الله تعالى الإشارةُ إلى مثل هذا المعنى كلما سنحت الفرصة.

هذا وقد أخرج عبد الرزاق الصنعاني ـ وهو من أبناء السُّنة ـ في تفسيره بإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً} قال: نزلت في علي (عليه السلام) كانت معه أربعة دراهم فأنفق بالليل درهماً، وبالنهار درهماً، وسراً درهماً، وعلانيةً درهماً.

ومثله أخرج الواحدي ـ من أبناء السُّنة ـ في أسباب النزول، وقال أيضاً: قال الكلبي: نزلت هذه الآية في عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).

وقال السيوطي ـ وهو من أبناء السُّنة ـ في الدر المنثور: وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق مسعر عن عون.

وقال ابن الجوزي ـ من أبناء السُّنة ـ في زاد المسير: وبه قال مجاهد وابن السائب ومقاتل.

وقال ابن كثير ـ من أبناء السُّنة ـ في تفسيره: ورواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس، أنها نزلت في عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).

وأخرجه الحاكم الحسكاني ـ من أبناء السُّنة ـ بإسناده عن مجاهد عن عبد الله بن عباس، وبإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس.

وعن ابن شهرآشوب في المناقب: ابن عباس، والسدي، ومجاهد، والكلبي، وأبو صالح، والواحدي، والطوسي، والثعلبي، والطبرسي، والماوردي، والقشيري، والثمالي، والنقاش، والفتَّال، وعبيد الله بن الحسين، وعلي بن حرب الطائي في تفاسيرهم، أنه كان عند عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) أربعة دراهم من الفضة فتصدق بواحد ليلاً وبواحد نهاراً وبواحد سراً وبواحد علانيةً فنزل {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}.

وذكره القرطبي في تفسيره، والهيثمي في مجمع الزوائد،وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، وغيرهم كثير جداً من أبناء السُّنة فراجع(2).

ومن كتبنا مصادر كثيرة جداً، فمنها تفسير فرات، وتفسير العياشي، وتفسير التبيان، وتفسير مجمع البيان، وخصائص الوحي المبين، والعمدة (3).

هذا وليعلم أنَّ جمعاً من أبناء السُّنة، وإن رووا خبر نزول الآية في تصدُّق أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ابن عباس من طريق عبد الوهاب بن مجاهد وهو ضعيف عندهم، إلا أنه قد رُوي عن ابن عباس وغيره من غير طريق ابن مجاهد.

فقد رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، ورواه ابن مردويه عن ابن عباس من غير طريق ابن مجاهد، ورواه عفان بن مسلم عن وهيب عن أيوب عن مجاهد عن ابن عباس، ورواه الحاكم الحسكاني بإسناده عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس، وأيضاً بإسناده عن سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس.



-----------------------------------------------------------------

(1) من وحي القرآن ج 5 ص 119 – 120.

(2) من مصادر أبناء السُّنة: تفسير القرآن للصنعاني ج1 ص 108، المناقب للخوارزمي ص 281، اسباب النزول ص 57 ـ 58، الدر المنثور ج1 ص 363، زاد المسير ج1 ص 285، تفسير ابن كثير ج1 ص 333، جواهر المطالب باب 35 ج1 ص 219، شواهد التنزيل ج1 ص 140إلى 149، أسد الغابة ج 4 ص 25، تفسير القرطبي ج 3 ص 347، مجمع الزوائد ج 3 ص 112، تاريخ مدينة دمشق ج 42 ص 358، البرهان للزركشي ج 1ص 159، نظم درر السمطين ص90، ذخائر العقبى ص 88، المعجم الكبير ج 11ص80، شرح نهج البلاغة ج 1 ص 21، فتح البارى ج 3 ص 229، معاني القرآن ج1ص 305، فتح القدير ج1ص 294، ينابيع المودةج 1ص 275وج2ص 176

(3) تفسير فرات ص 70، تفسير العياشي ج 1 ص 151، تفسير التبيان ج 2ص 357، تفسير مجمع البيان ج 2 ص 204، خصائص الوحي المبين ص 203، العمدة ص 349، من لايحضره الفقيه ج 2 ص 288، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)ج 1ص 67، الاختصاص ص 150، مناقب أهل البيت للشيرواني ص 73، مناقب آل ابي طالب لابن شهر آشوب ج 1ص 345، بحار الأنوار ج 32 ص 366 وج 35 ص421 ج 36 ص61، مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي الزيدى المذهب ج 1 ص 166ـ 186ـ 187، بشارة المصطفى ص 416، التفسير الصافي ج 1ص301، تفسير نور الثقلين ج 1ص290، تفسير كنز الدقائق ج1ص662، تفسير الميزان ج2 ص405

     

فهــرس الكتــاب

     

ضلال نت