الآية الثانية الخمسون قوله تعالى ‏{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ}‏ سورة الزخرف الآية 57‏

     

 قال المفسِّر المعاصر: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ} وذلك لِمَا أنزله الله في ‏سورة مريم وفي غيرها من السور التي تحدثت عن عيسى (عليه السلام)، فقد كان ذلك مثارَ جدلٍ ‏متشنِّج من قِبَل قريش بسبب المضمون الغيبي الذي يختزنه لجهة خلقه من دون أب، ولجهة ‏النظرة إليه في عقيدة النصارى، ولجهة ما أولاه القرآن من تعظيم لشخصيته الرساليَّة التي تلتقي ‏بشخصية الرسول، بما يُؤكد الصفة الرسالية للنبي (صلى الله عليه وآله) باعتباره الحلقة الأخيرة ‏من سلسلة النبوة(1).‏
أقول: إنَّ هذا المعاصر لا يدَّعي العلمَ بالغيب لنفسه، بل إنه ينفيه حتى ـ إلا بحدود ـ عن جميع ‏الأنبياء، ونحن بدورنا نجزم بأنه جاهلٌ بالغيب، لا لادِّعاءه الجهلَ، بل لأسباب كثيرة جداً.‏
وإذا ما كان الأمرُ كذلك، فمَن أَطَلعَ السيد محمد حسين على أنَّ الآية نزلت للمناسبة التي ذكرها، ‏أطَّلعَ الغيب، أم اتخذ عند الرحمن عهداً؟!!‏
أَوَ تظن أيها القارئ بأنَّ السيد محمد حسين لم يطَّلِع على الأخبار التي سنورد بعضاً منها؟!‏
بلى قد اطَّلع ولكن، «وللهِ في خَلْقِهِ غِيَرُ»‏
ونحن نكتفي بذكر بعض ما رد من الآثار والأخبار، ومدَّعي العلم من غير طريق أهل البيت ‏‏(عليهم السلام) مكذَّبٌ، فكيف بمَن يلتزم بخلاف ما ثبت عنهم؟!!‏
فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده، والبخاري في تاريخه، والنسائي في السنن الكبرى وفي ‏خصائص أمير المؤمنين، وأبو يعلى في مسنده، والبزار في كشف الأستار، والبلاذري في أنساب ‏الأشراف، وأبو نعيم في فضائل الصحابة، والحاكم النيسابوري في المستدرك، وابن المغازلي في ‏مناقبه، وابن أبي عاصم وابن شاهين في السنة، وابن الأعرابي في معجم الشيوخ والحاكم ‏الحسكاني في شواهده وابن عساكر في تاريخه، وجميعهم من أبناء السُّنة، وفرات الكوفي في ‏تفسيره والشيخ الطوسي في أماليه بإسنادهم عن ربيعة بن ناجد عن عليٍّ (عليه السلام) ـ والكلام ‏للحاكم النيسابوري ـ قال دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا عليُّ، إنَّ فيك من ‏عيسى (عليه السلام) مثلاً، أبغضته اليهودُ حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة ‏التي ليس بها.... قال الحاكم النيسابوري: صحيح الإسناد.‏
أقول: وفي كتاب الحسكاني وفرات زيادة: فقال المنافقون عند ذلك: أما يرضى أن يرفع ابن عمه، ‏حتى جعله مِثْلَ عيسى بن مريم، فأنزل الله تعالى {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنهُ ‏يَصِدُّونَ}.‏
أقول: ومن اليقين والمعلوم به، أنَّ حزب الشيطان عَمَدوا إلى حذف الزيادة التي ذكرها الحسكاني ‏وفرات الكوفي.‏
وأخرج محمد بن سليمان في مناقبه بإسناده عن الشعبي قال: قال علقمة تدري ما مثل عليٍّ (عليه ‏السلام) في هذه الأمة؟ قلت لا، قال: مثله مثل عيسى بن مريم، أحبَّه قومٌ حتى هلكوا في حبِّهِ، ‏وأبغضه قومٌ حتى هلكوا في بُغضِهِ.‏
أقول:وما في هذين الخبرين يُمثِّل قرينةً واضحةً عند كلِّ غيرِ مُذبذَبِ العقيدة، على صحة ما ‏سننقله لك من أخبار، وهي صحيحة قطعاً، بل دعوى تواترها إجمالاً قريبةً، بل دعوى القطع ‏واليقين بصدورها دعوى حق، لا سيما مع ملاحظتك ما واجَهَتْهُ مثلُ هذه الفضائل من تحريفٍ ‏وتزييفٍ وتضييعٍ وحرقٍ، فضلاً عما عاناه الحُفَّاظُ لها من ظلمٍ وقتلٍ واضطهادٍ، فلا تغفل.‏
هذا وقد أخرج أبو نعيم، والحاكم الحسكاني، وفرات الكوفي بإسنادهم عن ربيعة بن ناجذ قال: ‏سمعت أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام)يقول: فيَّ نزلت هذه الآية {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ ‏مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ}.‏
وأخرج الحاكم الحسكاني بإسناده عن عبد الرحمان بن أبي نعم قال: قال لي عليٌّ (عليه السلام): ‏فيَّ نزلت {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ}.‏
وأخرج أبو السعادات في فضائل العشرة: أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: يا عليُّ مثلك في ‏هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم، أحبه قوم فأفرطوا فيه، وأبغضه قوم فأفرطوا فيه قال: فنزل ‏الوحي {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ}.‏
وأخرج علي بن إبراهيم القمي في تفسيره بإسناده عن أبي الأعز عن سلمان الفارسي قال: بينما ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في أصحابه، إذ قال: إنه يدخل عليكم الساعة شبيهُ عيسى ‏بن مريم، فخرج بعضُ مَن كان جالساً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليكون هو الداخل، ‏فدخل عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال الرجل لبعض أصحابه، أما يرضى محمدٌ (صلى الله ‏عليه وآله) أن فَضَّلَ عليَّاً (عليه السلام) علينا، حتى يُشبِّهُهُ بعيسى بن مريم، والله لآلهتُنا التي كنا ‏نعبدها في الجاهلية أفضل منه، فأنزل الله في ذلك المجلس {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ ‏مِنهُ يَصِدُّونَ}.‏
أقول: ومثله أخرج الحاكم الحسكاني بإسناده عن عمر بن علي بن أبي طالب عن عليٍّ ‏‏(عليه السلام)، وأيضاً بإسناده عن عباية بن ربعي عن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وبإسناده ‏عن الحارث عن عليٍّ (عليه السلام)، وبإسناده عن الأصبغ عن عليٍّ (عليه السلام)، وبإسناده عن ‏أبي رافع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبإسناده هو والخوارزمي في المناقب عن ‏الأصبغ بن نباتة عن عليٍّ (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأيضاً مثله أخرج ‏فرات الكوفي بإسناده عن ابن عمير عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأيضاً عن القاسم بن ‏جندب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأيضاً مثله أخرج محمد بن العباس بإسناده عن أبي ‏صالح عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله).‏
وأخرج الصَّدوق في الخصال بإسناده عن عامر بن وائلة عن عليٍّ (عليه السلام) عن رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله): يا عليُّ.... إنَّ فيك سنةً من أخي عيسى، فخرج عمر وهو يقول: ضَرَبَه ‏لابن مريم مثلاً، فأنزل الله عزَّ وجل {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنهُ يَصِدُّونَ}(2).‏

--------------------------
‏(1) من وحي القرآن ج 20 ص 254.‏
‏(2) من مصادر أبناء السُّنة: مسند احمد بن حنبل ج1 ص160 ؛ التاريخ الكبير للبخاري ج3 ص281 ـ 282 ؛ المستدرك على ‏الصحيحين ج 3 ص123 ؛ مناقب ابن المغازلى ص71 ؛ خصائص أمير المؤمنين ص 105ـ 106 ؛ السنن الكبري للنسائي ج5 ‏ص137 ؛ مسند أبي يعلى ج1 ص 407 ؛ شرح نهج البلاغة ج 4 ص 105 وج 8 ص 119 ؛ نظم درر السمطين ص92 و104 ؛ ‏كنز العمال ج2 ص500 ـ 501 وج 11 ص 623 وج13 ص 125ـ 126 ؛ الدر المنثور ج2 ص 238 تاريخ مدينة دمشق ج 42 ‏ص 294 ـ 295 ؛ انساب الاشراف ص 120 ـ 121 ؛ سبل الهدى والرشاد ج 11 ص 298 ؛ شواهد التنزيل ج 2 ص 226 إلى ‏‏236 ؛ معجم الشيوخ لابن الاعرابي ج 2 ص 19؛ مناقب أمير المؤمنين للخوارزمي ص 324 - 325 ؛ كتاب المجروحين ج 2 ص ‏‏122 ؛ ينابيع المودة ج 1 ص 392 ـ 394 ؛ مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي الزيدى المذهب ج 2 ص 478.‏
‏ من كتب أبناء الفرقة الناجية: الكافي ج 8 ص 57 ؛ الخصال ص 553 ـ 557 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي ص 256 ؛ العمدة ص ‏‏213 ؛ الطرائف ص 68 ؛ الخرائج والجرائح ج 2 ص 907 ؛ مناقب آل ابي طالب ج1 ص 227 وج 2 ص 74 وج 3 ص 53 ؛ ‏بحار الأنوار ج9 ص 151 ـ 152 و236 وج 71 ص 252 وج 52 ص 284 وج30 217 ـ 218 وج 31 ص 320 وج 35 ‏ص 315 ـ 317 تفسير العياشي ج 1ص 279 ـ 280 ؛ تفسير القمي ج 2 ص 285 ـ 286 ؛ تفسير فرات ص 402 ـ 407 ؛ ‏تفسير التبيان ج9 ص 209 ؛ مجمع البيان ج 9 ص 89 ؛ خصائص الوحى المبين ص 183ـ 184 ؛ التفسير الصافي ج 2 ص 298 ‏‏- 300 وج 4 ص 397 ـ 398 ؛ تفسير نور الثقلين ج1 ص 561 ـ 563 وج 2 ص 530 ـ 531 وج 4 ص 609 ـ 611 ؛ ‏تفسير كنز الدقائق ج 2 ص 654؛ تفسير الميزان ج 18 ص 116‏‎ ‎ـ 117 ؛ كشف اليقين ص 387؛ تأويل الآيات ج 2 ص 567 - ‏‏569.‏

     

فهــرس الكتــاب

     

ضلال نت