الآية الرابعة والخمسون قوله تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}‏ سورة التكاثر الآية 8‏

     

 قال المفسِّرالمعاصر: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} في ما تُوحي به الكلمةُ من كلِّ الخيرات التي ‏أفاضها اللهُ على الناس في الدنيا، من كلِّ ما يعيشون فيه مما يُمثِّل ضرورات وجودهم، ومن كلِّ ‏ما يُقبِلُون عليه أو يستمتعون فيه، مما يُمثِّلُ حاجاتهم الحسيَّة في ما يشتهون ويتلذذون، ومن كل ما ‏ينفتحون عليه من الأمور المعنوية التي تجلب لهم السعادة، وتُوحي لهم بالإرتياح والطمأنينة(1).‏
أقول: وما ذكره هذا المفسِّر المعاصر هو صريحُ ما نفى الأئمةُ (عليهم السلام) كونه مراداً ‏ومقصوداً من الآية، بل صرَّحوا بعدم كونه مقصوداً وفي كثير من الأحاديث الصحيحة الموثوقة.‏
فهل أنَّ السيد محمد حسين حقاً ممَن يرجع إلى أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله)؟!‏
وكيف تريد مني أن أُصدقه عندما يقول بأنه ممَّن يُوالي آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وأنا أراه ‏يلتزم في كتابه بما ثبت عن آل محمد (صلى الله عليه وآله) خلافه؟!!‏
فقد أخرج البرقي في المحاسن بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى {ثُمَّ ‏لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال: إنَّ الله أكرم مِن أن يسألَ مؤمناً عن أكلِهِ وشربِهِ.‏
أقول: والأكلُ والشربُ من ضرورات الوجود، كما عبَّر المعاصر بذلك، وعليه فهذا الخبر ‏الصحيح السند يقيناً، يدلُّ على أنَّ الله تعالى لن يسأل عن ضرورات الوجود من الأكل والشرب، ‏والمفسِّر المعاصر قد صرَّح بالعكس، فيا تُرى أَيكون الصحيح ما يستوحيه المعاصر، أو أنّ ‏الصحيح هو ما ثبت عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام)؟َ
وأخرج البرقي في المحاسن، والكليني في الكافي، ومحمد بن العباس في تفسيره، بإسنادهم عن ‏أبي خالد الكابلي قال: دخلتُ على أبي جعفر (عليه السلام) فدعا بالغداء، فأكلتُ معه طعاماً ما ‏أكلتُ قط طعاماً أنظفَ منه ولا أطيبَ منه، فلما فرغنا من الطعام، قال: يا أبا خالد كيف رأيتَ ‏طعامنا؟ قلتُ: جُعلت فداك ما رأيتُ أنظفَ منه قط ولا أطيبَ، ولكني ذكرتُ الآية التى في كتاب ‏الله {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}، فقال أبو جعفر (عليه السلام): لا إنما تُسألون عما أنتم عليه من ‏الحقِّ.‏
وأخرج البرقي في المحاسن مثله أيضاً بإسناده عن أبي حمزة، ولكن فيه: ولكنه أنعم عليكم بمحمد ‏وآل محمد (صلى الله عليه وآله).‏
وأخرج فرات في تفسيره مثله أيضاً بإسناده عن سدير عن جعفر بن محمد (صلى الله عليه وآله) ‏ولكن فيه: قلت له: بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما النعيم؟ قال: حبُّ ‏عليٍّ (عليه السلام) وعترته (عليهم السلام).‏
وأخرج الحافظ أبو نعيم والحاكم الحسكاني ـ من أبناء السُّنة ـ وفرات الكوفي ومحمد بن العباس ‏في تفسيريهما، بإسنادهم عن أبي حفص الصائغ عن الإمام جعفر بن محمد (صلى الله عليه وآله) ‏أنه قال: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} واللهِ ما هو الطعام والشراب، ولكن ولايتنا أهل البيت ‏‏(عليهم السلام).‏
أقول: وفي كتاب الحاكم: نحن النعيم.‏
وأخرج الحاكم بن أحمد البيهقي، والصَّدوق في العيون، بإسنادهما عن إبراهيم بن عباس الصولي ‏قال: كنا يوماً بين يدي علي بن موسى (عليه السلام) فقال لي: ليس في الدنيا نعيمٌ حقيقيٌّ، فقال له ‏بعضُ الفقهاء ممَن يحضرُهُ: فيقول الله عزَّ وجل {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}؟!! أما هذا النعيمُ ‏في الدنيا وهو الماء البارد. فقال له الرضا (عليه السلام): لقد حدثني أبي عن أبيه أبي عبد الله ‏الصادق (عليه السلام)، أنَّ أقوالكم هذه ذُكرت عنده في قول الله تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ‏النَّعِيمِ} فغضب (عليه السلام) وقال:.... ولكنَّ النعيمَ حبُّنا أهلَ البيت وموالاتنا.‏
وأخرج القمي في تفسيره، بإسناده عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت: قول الله {ثُمَّ ‏لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال: قال تُسئلُ هذه الأمةُ عما أنعم اللهُ عليهم برسول الله (صلى الله عليه ‏وآله) ثم بأهل بيته المعصومين (عليهم السلام)‏
أقول: ومثله أخرج محمد بن العباس، بإسناده عن عبد الله بن نجيح اليماني عن أبي عبد الله (عليه ‏السلام)، وأيضاً بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام).‏
وأخرج أيضاً محمد بن العباس بإسناده عن محمد بن أبي عمير عن أبي الحسن موسى (عليه ‏السلام) في قوله عزَّ وجل {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال: نحن نعيمُ المؤمن، وعلقمُ الكافر(2).‏
-----------------------

‏(1) من وحي القرآن ج24 ص 395. ‏
‏(2) المحاسن ج 2 ص 399 ـ 400 ؛ الكافي ج 6 ص 7 وص 280 ؛ عيون أخبار الرضا ×ج 1 ص 136 ـ 137 ؛ مختصر ‏بصائر الدرجات ص 204 ؛ الفضائل ص84 و174 ؛بحار الأنوار ج7 ص 258 و266 و272 وج10 ص209 و221 وج24 ص50 ‏ـ 53 ؛ مناقب آل ابي طالب ج2ص4ـ5 وج3ص 404 ؛ تفسير القمي ج2ص440 ـ 441 ؛ تفسير فرات ص 603 ـ 606 ؛ ‏التبيان ج 10 ص 403 ؛ تفسير مجمع البيان ج10 ص433 ؛ خصائص الوحي المبين ص 165 ؛ التفسير الصافي ج5 ص369 ـ ‏‏371 ؛ التفسير الأصفى ج2 ص1473 ؛ تفسير نور الثقلين ج4 ص403 وج5 ص662ـ 666 ؛ تفسير الميزان ج20ص352 ـ ‏‏354 ؛ شواهد التنزيل ج2 ص475 إلى477 ؛ تأويل الآيات ج2ص850 ـ 852. ‏

     

فهــرس الكتــاب

     

ضلال نت