الآية السابعة والخمسون قوله تعالى ‏{وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}‏ سورة الأعراف الآية 181‏

     

 قال المفسِّر المعاصر: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ} في عملية انتماء ودعوة {وَبِهِ يَعْدِلُونَ} في ‏حركةِ ممارسةٍ ومعاملةٍ، لأنهم ينطلقون من قاعدة الإيمان العميق، والوعي المنفتح، والإرادة ‏القوية، والعقلية الجادة(1).‏
أقول: إنَّ القارئ الكريم بمقدوره جداً ـ مهما كان مستواه الثقافي ووعيه الفكرى ـ أن يتعرف ‏بنفسه على مواقع الخلل في كلام هذا المعاصر، وإنَّ ما مر في طيَّات المباحث المتقدمة كافٍ وافٍ ‏إن شاء الله تعالى.‏
قال السيوطي في الدر المنثور والشوكاني في فتح القدير: أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ـ من ‏أبناء السُّنة ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إفترقت بنو إسرائيل بعد موسى أحد وسبعين ‏فرقة، كلُّها في النار إلا فرقة، وافترقت النصارى بعد عيسى على اثنتين وسبعين فرقة، كلُّها في ‏النار إلا فرقة، وتفترق هذه الأمةُ على ثلاث وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلا فرقة، فأما اليهود ‏فإنَّ الله يقول {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(2)، وأما النصارى فإن الله يقول ‏‏{مِنهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ}(3)، فهذه التي تنجو، وأما نحن فيقول {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ ‏يَعْدِلُونَ} فهذه التي تنجو من هذه الأمة.‏
وأخرج أبو يعلى الموصلي في مسنده ـ وأخرجه العياشي في تفسيره عن زيد بن أسلم عن أنس ‏بن مالك ـ بإسناده عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك قال: ذكر ‏رجلٌ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) له نكاية في العدو واجتهاد، فقال رسول الله (صلى الله ‏عليه وآله):... فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وتعلوا أمتي على الفرقتين جميعاً بملة، ‏اثنتين وسبعين في النار وواحدة في الجنة، قالوا: مَن هم يا رسول الله؟ قال الجماعات. قال يعقوب ‏بن زيد: وكان عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)، إذا حدَّث بهذا الحديث عن رسول الله (صلى الله ‏عليه وآله) تلا فيه قرآناً، {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} ثم ذكر أمة عيسى ‏فقال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} إلى قوله {سَاء مَا يَعْمَلُونَ}(4)، ثم ‏ذكر أمتنا {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}(5).‏
أقول: بل ورد عن أبناء السُّنَّة ما فيه إدانتهم بشكل صريح جداً‏
قال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج البخاري ومسلم وابن ماجة عن معاوية بن أبي سفيان: ‏سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا تزال طائفةٌ من أمتي قائمةً بأمر الله لا يضرُّهم ‏مَن خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله...‏
وقال أيضاً: وأخرج الحاكم وصحَّحه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله): لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ حتى تقوم الساعة.‏
وقال القرطبي في تفسير الآية: في الخبر أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: هم هذه الأمة، إلى ‏أن قال: فدلَّت الآية على أنَّ الله عزَّ وجل لا يُخلي الدنيا في وقتٍ من الأوقات من داعٍ يدعو إلى ‏الحق(6).‏
أقول: والعجيب أنَّ القرطبي قال قوله، وهو لا يجهل بأنَّ الداعي إلى الحقِّ لا يكون داعياً إلى ‏الحق حقاً ما لم يكن على الحقِّ، وهل إلا المعصوم مَن يكون داعياً إلى الحق؟!‏
وهل يخلو شخصٌ عن باطل وعن الدعوة إلى الباطل؟!‏
وهل هناك مَن يعلم بكل مواقع الحق إلا المعصوم؟!‏
وإذا ما كان غير المعصوم يجهل ببعض مواقع الحق، فكيف يمكن أن يدعو إلى الحق؟!‏
وإذا ما كان الأمر كذلك، أفلا ينبغي أن نتعرَّف على مَن هم أصحابُ الفرقة الناجية، وحديثُ ‏افتراق الأمة على بضع وسبعين فرقة، مما اتفق على روايته الشيعة والسنة؟
فكيف نرى المفسِّر المعاصر لم يعطِ لِمَا تُوحيه الآية ـ بحسب ما يزعمه لنفسه من مذهب ‏الاستيحاء ـ أيَّ اهتمام، أَوَ لا تُوحي الآية عنده بشيء؟! حتى مع ملاحظته لما نقلناه من ‏أخبار؟!!!‏
ولقد كفاه أبناء السُّنة وما ورد من طرقهم مؤونةَ بيانِ أصحاب هذه الآية المباركة، مع أنَّ كل ‏الأسباب تدعوهم إلى عدم ذكر مثل هذه الحُجَجِ، والتي فيها إدانةٌ واضحةٌ لهم.‏
فقد أخرج أبو معاوية الضرير، والحاكم الحسكاني ـ من أبناء السُّنة ـ بإسنادهما عن ابن عباس ‏في قوله عزَّ وجل {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ} قال: يعني من أمة محمدٍ أمةٌ يعني علي بن أبي طالب (عليه ‏السلام) {يهدون بالحق} يعني يدعون بعدك يا محمد إلى الحق للخير.‏
وأخرج الحسكاني من كتاب فهم القرآن عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في معنى قوله ‏‏{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال: هذه الآية لآل محمد (صلى الله عليه وآله).‏
وأخرج أبو نعيم، وابن مردويه في مناقب أمير المؤمنين، والخوارزمي في المناقب ـ وهؤلاء من ‏أبناء السُّنة ـ بإسنادهما عن زاذان عن عليٍّ (عليه السلام) قال: تفترق هذه الأمة على ثلاث ‏وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، وهم الذين قال الله تعالى {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا ‏أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} وهم أنا وشيعتي.‏
وروى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج عن جندب بن عبد الله الأزدي قال: كنتُ جالساً ‏بالمدينة حيث بُويِع عثمان، فجئت فجلست إلى المقداد بن عمرو.... قال المقداد: أما واللهِ لقد ‏تركتُ رجلاً ـ يعني علياً (عليه السلام)ـ من الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون.‏
واخرج الصفار في البصائر بإسناده عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تبارك ‏وتعالى {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال: هم الأئمة.‏
وأخرج الكليني بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة ‏‏(عليهم السلام) و صفاتهم: إنَّ الله عزَّ وجل أوضحَ بأئمة الهدى من أهل بيت نبينا (صلى الله عليه ‏وآله) عن دينه...... يهدون بالحق وبه يعدلون.‏
وأخرج أيضاً بسند صحيح عن عبد الله بن سنان قال: سالت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله ‏عزَّ وجل {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال: هم الأئمة.‏
وأخرج الكشي في رجاله بإسناده عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) ناقلاً عن أبي ذر ‏قوله.... ولقد أصبحتُ غنياً بولاية عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) وعترته الهادين المهديين ‏الراضين المرضيين (عليهم السلام)، الذين يهدون بالحق وبه يعدلون فكذلك سمعت رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله) يقول.‏
وفي دعاء عرفة عن الصادق (عليه السلام) تقول: اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلهم ‏أئمةً يهدون بالحق وبه يعدلون.‏
وأخرج الطبرسي في الاحتجاج ـ كما عن المجلسي في البحار ـ بإسناده عن علقمة بن محمد ‏الحضرمي عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام): أنه مما قال رسول الله (صلى الله عليه ‏وآله) في حجة الوداع: معاشر الناس، أنا صراطُ الله المستقيم الذي أمركم الله باتباعه، ثم عليٌّ ‏‏(عليه السلام) من بعدي، ثم ولدي (عليهم السلام) من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون.‏
وفي تفسير العياشي عن ابن الصهبان البكري قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ‏والذي نفسي بيده لتفترقنَّ هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا ‏أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} فهذه التي تنجو من هذه الأمة.‏
وفي تفسير العياشي أيضاً عن محمد بن عجلان عن أبي جعفر (عليه السلام): نحن هم(7).‏
هذا، وَلْيُعلَم بأنَّ محققي أبناء الفرقة الناجية، قد أقاموا مئات الأدلة على أنَّ مذهبنا نحن أَتباعَ آل ‏محمد (صلى الله عليه وآله) هو المذهب الحق، وهو الفرقة الناجية في الدنيا والبرزخ ويوم ‏القيامة.‏

-----------------------
‏(1) من وحي القرآن ج 10 ص 296.‏
‏(2) سورة الأعراف الآية 159.‏
‏(3) سورة المائدة الآية 66.‏
‏(4) سورة المائدة الاية 65 ـ 66. ‏
‏(5) من مصادر أبناء السُّنة: المنثور ج 3 ص 136 و149 ؛ فتح القدير ج 2 ص 258 ؛ مسند أبي يعلى ج 6 ص 342 ؛ تفسير ابن ‏كثير ج 2 ص 79. ‏
‏(6) من مصادر أبناء السُّنة: مسند احمد بن حنبل ج 4 ص 99 و252 ؛ سنن الدارمي ج 2 ص 213 ؛ صحيح البخارى ج 8 ص ‏‏149 ؛ أمالي المحاملي ص 424 ؛ المعجم الكبير ج 19 ص 358 تفسير القرطبي ج 7 ص 329 ؛ تفسير ابن كثير ج 2 ص 280 ‏ـ 281 ؛ الدر المنثور ج 1 ص 321.‏
‏(7) بصائر الدرجات ص 56 ؛ الكافي ج 1 ص 203 إلى414 ؛ روضة الواعظين ص 96 و284ـ 285 كتاب الغيبة للنعماني ص ‏‏224 ـ 225 ؛ المزار للمفيد ص 163 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 1ص 264 وج 2 ص270 و281 وج 3 ص 505 ؛ المزار لابن ‏المشهدى ص 456 ؛ الصراط المستقيم ج1ص 295 ‏‎–‎‏ 296؛ بحار الأنوار ج 22 ص 398 وج 23 ص 5 وج 24 ص 144 و146 ‏و151 وج 25 ص 150-151 وج 28 ص5 ـ 6 وج 35 ص 399 -400 وج 36 ص 186 -187وج 37 ص 212؛ الغدير ج ‏‏9 ص 115ـ 116 ؛ شرح نهج البلاغة ج 9 ص 56 - 57 ؛ تفسير العياشي ج 1 ص 331 وج 2 ص 42 ـ 43 ؛ تفسير القمي ج ‏‏1 ص 249 ؛ التبيان ج 5 ص 6 و40 ـ 41 ؛ تفسير مجمع البيان ج 4 ص 400 ؛ تفسير جوامع الجامع ج 1 ص 724 - 725 ؛ ‏التفسير الصافي ج 2 ص 63 و ج 2 ص 171 وص 255 ـ 256 ؛ التفسير الأصفى ج 1 ص 415 ؛ تفسير نور الثقلين ج 1 ص ‏‏779 وج 2 ص 86 وج 2 ص 104ـ 105 ؛ تفسير الميزان ج 8 ص 367 ‏‎–‎‏ 368 ؛ كشف اليقين ص 389 تأويل الآيات ج 1 ‏ص 189 ـ 190؛ شواهد التنزيل ج 1 ص 269 إلى270 وص280 ـ 281 ؛ المناقب للخوارزمي ص 331 ؛ ينابيع المودة ج 1 ‏ص 327 ‏‎–‎‏ 328 وج 3 ص 361. ‏

     

فهــرس الكتــاب

     

ضلال نت