الآية السابعة والستون قوله تعالى ‏{وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}‏ سورة الشورى الآية 23‏

     

 قال المعاصر: {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} أي مَن يكتسب حسنة ‏بإتيان ما أمر الله به من الأعمال الصالحة التي أوجبها أو استحبها في شريعته، فإنَّ الله يضاعف ‏له إيجابياتها بمضاعفة أجرها وزيادة إيجابياتها.‏
وربما خصَّ البعضُ الحسنةَ بالمودة للقربى بالإستناد إلى بعض الروايات، ولكن الظاهر أنَّ ذلك ‏لو تمَّ من قبيل المصاديق لا من قبيل المفهوم، وقد تعارف في الروايات التفسير على نحو الجري ‏والتطبيق، والله العالم(1).‏
أقول: أولاً: ينبغي أن نشكر السيد محمد حسين فضل الله على ما أشار إليه، مِن أنَّ هناك مَن ‏خصَّ الحسنة بالمودة لآل محمد (صلى الله عليه وآله).‏
وثانياً: ينبغي أن نشكره على تصريحه بتشكيكه في ثبوت كون مودة آل محمد (صلى الله عليه ‏وآله) من الحسنات، فإنَّ قوله «لو تم» صريح في أنه لا يرى بأنَّ ذلك تامٌّ، وإنما نشكره لأنَّ ‏تشكيكه بمثابة التصريح بما هو مذهبه فيما يخصُّ آل محمد (صلى الله عليه وآله).‏
وثالثاً: لست أدري كيف سوَّلت له نفسُهُ التشكيك في أنَّ مودة آل محمد (صلى الله عليه وآله) يُعدُّ ‏حسنةً، فإنَّ الشكَّ في ذلك بمنزلة الجزم بأنها ليست حسنة.‏
لا تقل: إنه غيرُ شاكٍّ.‏
فإنه: قال: «لو تمَّ التفسير الذي ذكره البعض، فإنَّ الروايات تُحمل على أنَّ المودة من قبيل أحد ‏المصاديق»، وهل هناك مَن يجهل بأنَّ مودة آل محمد (صلى الله عليه وآله) من أفضل وأعظم ‏الحسنات؟!!‏
وهل نحتاج في مقام إثبات أنَّ مودة آل محمد من جملة الحسنات ومن مصاديق الحسنات، على ‏تماميَّة الروايات التي استند إليها ذلك البعض الذي أشار إليه المفسِّر المعاصر بقوله «وربما خصَّ ‏البعض...»؟!!‏
أَوَ لم يثبت عند المعاصر أنَّ مودتهم (عليهم السلام) حسنةٌ، حتى رأيناه يقول «لو تمَّ»؟!!‏
وهل معنى قوله «لو تمَّ» أنه تامٌّ ثابت عنده؟!‏
ورابعاً: لا مجال لنا ـ لضيق المجال ـ للتعليق بنحو مفصَّل على ما ذكره من حَمْلِ ما ورد من ‏التفسير على أنه من التطبيق، ويكفي لك أن تتأمل في مفاد الآية، حيث أفادت أنه سبحانه سيزيد ‏مَن اقترف حسنة، وأنت تعلم بأنَّ أيَّةَ حسنة مِن أيِّ شخصٍ مِن دون تولِّي آل محمد (صلى الله ‏عليه وآله) لا تُسمَّى في الآخرة حسنةً، أو لا تكون عند الله حسنةً ما لم ينضم إليها الولاء لآل ‏محمد (صلى الله عليه وآله)، بينما ولايتهم (عليهم السلام) هي عند الله حسنة وأية حسنة، ولا ‏يُشترط أن ينضمَّ إليها أيُّ شيء آخر قطعاً.‏
نعم، لا مجال لأن يقال: إنَّ ولاية آل محمد (صلى الله عليه وآله) من دون التوحيد ومن دون ‏الاعتقاد بالنبوة لا تنفع.‏
لأنك تعلم بأنَّ الولاية لهم (عليهم السلام)، هي فرع الاعتقاد بالله تعالى والنبوة لسيدنا محمد (صلى ‏الله عليه وآله).‏
ثم إننا رجعنا إلى الأخبار التي ادَّعى المعاصر أنها لو تمَّت فهي محمولة على بيان أحد ‏المصاديق، فوجدنا أنها آبيةٌ عن الحمل على ما ادَّعاه، بل تكاد تكون صريحة جداً في التخصيص، ‏وفي قصر الحسنة وحسرها بالمودة وبالتولي لآل محمد (صلى الله عليه وآله)، ولا نظن بأنَّ مَن ‏كان من أبناء العرب يَخْفى عليه ذلك.‏
وأما قوله: «أنَّ ذلك لو تم».‏
فنجيب عليه: بأنَّ ذلك تامٌّ وصحيح وثابت ومشهور جداً، ولن نظنَّ بالمعاصر أنه غيرُ مطَّلِعٍ، أو ‏أنه قاصرٌ عن الاطِّلاعِ والتعلُّمِ والتبيُّن.‏
قال الطبرسي في مجمع البيان وابن شهرآشوب في المناقب: وصحَّ عن الحسن بن علي (عليهما ‏السلام) أنه خطب الناس، فقال في خطبته: أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل ‏مسلم، فقال: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا ‏حُسْناً}(2) فاقتراف الحسنة: مودتُنا أهل البيت.‏
وأخرج علي بن جعفر الصادق (عليهما السلام) في مسائله بإسناده عن الإمام زين العابدين (عليه ‏السلام) قال: خطب الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين قُتل عليٌّ (عليه السلام) ثم ‏قال: وأنا من أهل بيت افترض الله مودتهم على كل مسلم، حيث يقول {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ ‏الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً}، فاقتراف الحسنة: مودتنا أهل البيت.‏
أقول: وأخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين وأبو الفرج الأصفهاني ـ وهما ‏من أبناء السُّنة ـ في مقاتل الطالبيين، ومحمد بن العباس في تفسيره، بإسنادهم عن علي بن ‏الحسين (عليهما السلام)، وأيضاً أخرجه أبو الفرج بإسناده عن أبي إسحق السبيعي، وأخرجه ‏الشيخ الطوسي في الأمالي، وفرات الكوفي في تفسيره، وأبي جعفر الطبري في بشارة المصطفى، ‏عن أبي الطفيل.‏
وأخرج ابن المغازلي في مناقبه، والحاكم الحسكاني في شواهده ـ وهما من أبناء السُّنة ـ ومحمد ‏بن سليمان في المناقب، بإسنادهم عن السدي في قوله تعالى {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنةً} قال: المودة لآل ‏محمد (صلى الله عليه وآله).‏
وأخرج الحاكم الحسكاني والثعلبي في تفسيره ـ كما عن القندوزي في ينابيع المودة ـ وجميعهم ‏من أبناء السُّنة، بإسنادهم عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنةً} قال: المودة ‏لآل محمد (صلى الله عليه وآله).‏
أقول: وأخرجه أحمد بن حنبل، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس كما عن ابن حجر في الصواعق ‏المحرقة، وكما عن السيوطي ـ وجميعهم من أبناء السنُّة ـ في الدر المنثور(3).‏
وأخرج الصفار في البصائر، والكليني في الكافي، وفرات في تفسيره، بسند صحيح عن محمد بن ‏مسلم ـ والكلام للكليني ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله تعالى {وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً ‏نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} قال: الاقتراف: التسليمُ لنا، والصدقُ علينا، وألا يكذِبَ علينا.‏
ومثله أيضاً أخرج الصفار بسند صحيح عن حريز عن أبي جعفر (عليه السلام).‏
أقول: وذلك هو المودة الحقيقية.‏
وأخرج الكليني بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عزَّ وجل {وَمَن يَقْتَرِفْ ‏حَسَنةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} قال: مَن تولَّى الأوصياء من آل محمد (صلى الله عليه وآله) واتبع ‏آثارهم، فذلك يزيده ولايةُ مَن مضى من النبيين والمؤمنين الأولين حتى تصل ولايتهم إلى آدم ‏‏(عليه السلام).‏
وأخرج فرات بإسناده عن زياد بن المنذر عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: ‏إقتراف الحسنة: حبنا (مودتنا) أهل البيت(4).‏

----------------------------------
‏(1) من وحي القرآن ج 20 ص 176.‏
‏(2) سورة الشوري الآية 23. ‏
‏(3) من مصادر أبناء السُّنة: مقاتل الطالبيين ص 32 ـ 33 ؛ المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 172 ؛ شواهد التنزيل ج 2 ص ‏‏206 ـ 207 و212 إلى215 و447 ؛ تفسير القرطبي ج 16 ص 24 ؛ الدر المنثور ج 6 ص 7 ؛ سبل الهدي والرشاد ج 11 ص ‏‏67 ؛ نظم درر السمطين ص 86 و147 ـ 148 و240 ؛ ينابيع المودة ج 1 ص 41 و ج 2 ص 213 و454 ـ 455 وج 3 ص ‏‏139 ؛ ذخائر العقبى ص 138 ؛ شرح نهج البلاغة ج 16 ص 30 ؛ مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي الزيدى المذهب ج ‏‏1 ص 153.‏
‏(4) مسائل علي بن جعفر ص 328 ؛ بصائر الدرجات ص 541 ؛ الكافي ج 1 ص 391 وج 8 ص 379 ؛ مختصر بصائر الدرجات ‏ص 72 ؛ الارشاد ج 2 ص 7 ـ 8 ؛ الأمالي للشيخ الطوسي ص 269 ـ270 ؛ مناقب آل ابي طالب ج 2 ص 296 وج 3 ص 2 ‏و170 ـ 171 ؛ العمدة ص 55 و355؛ اليقين ص 320 ؛ الصراط المستقيم ج 1 ص 189 و241 ؛ كتاب الأربعين ص 473 و475 ‏؛ بحار الأنوار ج 2 ص 160 و200 وج 32 ص 231 - 232 و246 - 248 و251-252 وج 24 ص 44 ‏‎–‎‏ 45 و47 و367 ‏وج 26 ص 252 وج 36 ص 102 وج 39 ص 256 وج 43 ص 361 ؛ الغدير ج 2 ص 308 -309 ؛ تفسير القمي ج 2 ص ‏‏276 ؛ تفسير فرات الكوفي ص 197ـ 198 و395 ـ 398 ؛ تفسير مجمع البيان ج 9 ص 49 ـ 50 ؛ التفسير الصافي ج 4 ص ‏‏78 و374 ؛ تفسير نور الثقلين ج 4 ص 104 و342 و572 - 573 و576 ؛ تفسير الميزان ج 18 ص 48 و52 ؛ بشارة المصطفى ‏ص 369 - 370 ؛ إعلام الوري ج1 ص406 ـ 407 ؛ نهج الايمان ص 626 ؛ تأويل الآيات ج2ص545 ـ 547‏

     

فهــرس الكتــاب

     

ضلال نت