البحث الخامس
فاطمة عليها السلام وعلاقتها
بأصول الدين


( 134 )


( 135 )

محمد حسن سميسم (1)
مـن مـبلغ عـني الزمــان عـتابا * ومــــقرعّ مـــني له أعـــتابا
دهـر تـعامى عـــن هـداه كأنـما * أصـحاب أحـمد أشـركوا مـذ غـابا
نكـصوا على الأعـقاب بـعد مـماتهٍ * سـيرون فـي هـذا النكـوص عـقابا
سـل عـنهم القـرآن يشـهد فــيهم * إن كــنت لم تــفقه لذاك جـوابــا
فكأنــهم لـم يشـــهدوا خـمّاً ولا * بــدراً ولا أحــداً ولا الأحـزابــا
وبــخيبرٍ مـن راح يــرقل بـاللوا * مـن قـدّ مـرحب مـن أزال البــابا
ومـن اشـترى إلاه نـــفس مـحمدٍ * فــي نـفسه لمـا دعــي فأجــابا
من في الصلاة يرى الصـلاة فـريضةً * مــن نـال خـاتمه الشـريف جـوابا
مـن بـاب حطة غـير حيدرةٍ ومـن * لمــدينة المــختار كـــان البـابا
أعــجبت مـمن أخـرّوا مـقدامـهم * بــعد النــبي وقــدموا الأذنــابا
قـد أضـمروها للــوصي ضـغائناً * مـذ دحـرجــوها للــنبّي دبــابا
لينفرّوا العـضباء عـن قطب الهـدى * حـتى بـعود الديــن بــعد يــبابا
نستــبوا له هـجراً لحـذف كـتابه * فكأنـــهم لا يســـمهون كـــتابا
ما كـان يـنطق عـن هـواه وإنـما * وحــي تــلقاه النــبّي خـــطابا
يــاباب فــاطم لاطـرقت بـخيفةٍ * ويـد الهـدى سـدلت عـليك حــجابا
أو هـي عـليك أمـا عـلمت بـفاطم * وقـــفت وراك تــناشد الأصــحابا
لهفي عـليك أمـا اسـعطعت تـصدّهم * لمـا أتـاك بــنو الضـلال غــضابا
أو مـارققت لضــلعها لمـا انـحنى * كسـراً ومــنه تــزجر الخـــطابا
أفـهل درى المسـمار حـين اصـابها * مـن قــبلها قـلب النــبيّ أصــابا
عتبي على الأعـقاب أسـقط مــحسن * فـيها ومـا انــهالت لـذاك تــرابـا

____________
(1) زعيم أسرة آل سميسم من أصحاب الفضل والأدب والسخاء وله ديوان شعر مخطوط أكثره في أهل البيت . ولد شاعرنا سنة 1279 هـ و توفي 1343 هـ .
( 136 )


( 137 )

البحث الخامس
فاطمة الزهراء عليها السلام وعلاقتها بأصول الدين

تمر الكثير من الأفكار والنظريات على ذهن الإنسان ومنها ما يجد طريقاً واضحاً الى فكر الإنسان وعقله فتكون عندئذ عقائد ثابتة وراسخة وعلى ضوء ما تمليه عليه الاستدلالات العقلية والبراهين المنطقية ، ومن هنا كانت العقيدة لها معنى في حياة الإنسان فهي مشتقة من المصدر عقد الذي يعني الاحكام والشد والربط لفكرة معينة في ذهن الإنسان وفكره بعد عرضها عليه والاستدلال عليها الاستدلال الصحيح المطابق للبراهين السليمة ، فالعقيدة اذن عبارة عن ذلك الشي الذي يتصل بذهن الإنسان وروحه وفكره ، فهو يعني التقبل أي تقبل ، أي نظرية للأنسان وربطها بذهنه واحكام صلتها بروحه وفكره وعليه يكون عندئذ معنى العقيدة .
وعليه لابد لكل انسان مؤمن من عقائد على المستوى النظري ومن ثم يأتي المستوى التطبيقي لهذه العقائد وهو ما يتم بالتصديقات على المستوى الخارجي لهذه العقائد ، فالعقائد تحدد شكل الإنسان وساكلته « قل كل يعمل على شاكلته » وتشكل هيئته الباطنية وحقيقته الواقعية وهذه العقائد هي التي تحفزه على العمل الصالح وتحدد إتجاهه في الحياة وعلى ضوء ذلك يأتي العمل الصالح الذي يبرهن على الإيمان الذي يعتقده الفرد المؤمن . وعلى هذا الاساس إذا كانت العقيدة صائبة ومطابقة للواقع كانت عنذئذ طريقة الإنسان المؤمن في الحياة طريقة صحيحة وصائبة وعلى ضوء تلك العقيدة التي يؤمن بها والتي كانت صائبة ومطابقة للواقع ، اما اذا كانت عقيدته فاسدة باطلة فان ذلك سوف ينعكس على طبيعة سيرته وطريقة حياته في الواقع الخارجي سوف يؤدي ذلك الى الضياع والابتعاد عن الطريق الصحيح الذي خطه الشرع المبين ، ومن هذا المنطلق كان اهتمام الاسلام بتصحيح العقيدة قبل أي شيء آخر ، أي تصحيح عقيدة كل انسان مسلم ، مؤمن بالله تعالى . والسؤال الذي ينقدح في المقام اذا


( 138 )

كان الاسلام يهتم اهتماماً كبيراً تصحيح العقيدة فهذا يعني ان هناك موانع تمنع تصحيح العقيدة وتقف حاجز في طريق استقرارها في النفس الانسانية فعلية فلابد لنا قبل ذكر الامور التي تصحح العقيدة من ذكر موانع تصحيح هذه العقيدة فما هي هذه الموانع ؟

موانع تصحيح العقيدة

ان في عقيدة كل انسان مؤمن يريد الاجابة على سؤال ما يخطر بذهنه ان يرجع الى القرآن الكريم أولاً بأعتبارة المصدر الأول للمسلمين ، ومن بعد ذلك يرجع الى السنة الشريفة للرسول وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، ولذا لنستنطق القرآن ونستخبره عن الآيات التي أثبتت موانع تصحيح العقيدة الاسلامية فنجد منه أولا هذه الآية المباركة التي أخبرت عن الموانع التي تقف في طريق تثبيت هذه العقيدة حيث قالت الآية المباركة ( ان يتبعون إلا الظن وما تهوي الانفس ) (1) . أي هناك عاملين ينشأ عنهما خطأ الإنسان في آرائه وعقائده :
أحدهما : اتباع الظن .
والآخر : اتباع الهوى .
كما ان هناك أموراً أخرى وردت في الروايات الشريفة بأعتبار مواضع زلل الفكر ، كالتعصب والتقليد والاستبداد واللجاجة إلا ان هذه الامرو تعود كلها الى الاهواء النفسية أي : أنّ كل ماجاء في الروايات الشريفة بهذا الشأن هو في الحقيقة تفسير وبيان للآية الكريمة الانفة الذكر . فنظراً الى هذه المقدمة ، نستعرض موانع تصحيح العقيدة على ضوء القرآن الكريم والروايات الشريفة ، وهذه الموانع كما سبقت الاشارة اليها هي :
1 ـ الظن . 2 ـ الاهواء النفسية . 3 ـ التعصب .
4 ـ التقليد . 5 ـ الاستبداد . 6 ـ اللجاجة .
____________
(1) سورة النجم : 23 .
( 139 )

اما الظن فهو من أخطر العوامل التي تؤدي بأفكار الغالبية في العالم الى مهاوي العقائد الباطلة الفاسدة ، وأول ما يوصي به القرآن الكريم لتصحيح العقيدة هو تجنب الاعتماد على هذا المنزلق ، ويؤكد على اتباعه بعدم بناء عقائدهم وآرائهم على دعائم الظن والشك والتسليم بشي دونما التأكد من صحته وثبوته فيقول سبحانه عزوجل في صريح كلامه : ( ولا تقف ماليس لك به علم ) (1) . ففي نظر القرآن الكريم أنه لا يحق لمسلم أن يقضي شيئاً أو يجعله مداراً لعلمه مالم يثبت له انه قطعي وثابت . فلو أمعنا النظر في العقائد والآراء المتناقضة بين الناس في المجتمعات المختلفة وطرحناها على سياق البحث والتحليل الجذري لانتهينا بلا عناء الى أن أغلب هذه العقائد فاقدة للاسس العلمية جذرياً وإنها لا تستند إلاّ الى الظن أو الى الشك وأن أهل الدنيا كانوا ومازالوا يقتفون أثر الظن في المسائل العقائدية وخاصة في أصولها ولهذا نرى القرآن يعلن بصراحة بان من اتبع الاكثرية فقد ضل ومن ذلك قوله تعالى : ( وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون إلا الظن وانهم إلا يخرصون ) (2) .
وهكذا في بقية الموانع الاخرى لتصحيح العقيدة الاسلامية وفي قبال ذلك ينقدح لنا كيفية الوصول الى شرائط تصحيح العقيدة الاسلامية كالتأني والتجربة والتمركز وتبادل النظر وكل الامور التي لها دخل في الحصول على الاستدلالات الصحيحة للحصول على العقيدة الاسلامية الصحيحة وعلى ضوء القرآن الكريم والنسة الشريفة ، فمن هنا كان لابد لنا ان ندخل في معرفة عقيدتنا في فاطمة الزهراء ومدى ارتباط حياتها بكل ما تملكه الكلمة من معنى في أصول ديننا وعقائدنا والسؤال الذي يطرح في المقام وعلى ضوء الاستدلالات هل ان فاطمة عليها السلام وظلاماتها وحياتها الشخصية والغيبية له ارتباط بأصول الدين ، وبحيث هذا الارتباط يكون ناشيء من وعي وفهم للعقائد التي أمرنا الله تعالى بالاعيان بها ام لا ؟
وعلى هذا الاساس كان لابد لنا من الوقوف مع الزهراء عليها السلام ونرى مدى ارتباطها بأصول الدين ، وهل هناك ارتباط لها بالتوحيد والنبوة والإمامة والعدل والمعاد ، أم
____________
(1) الاسراء : 36 .
(2) الانعام : 16 .

( 140 )

يتجاوز الأمر الى أبعد من ذلك ؟ أم لا يوجد ارتباط ؟ وما الثمرة في ذلك والفائدة من هذا البحث ؟ كل هذه الامثلة سوف نحاول الاجابة عليها خلال هذا البحث الذي له من الاهمية العظمى في حياة الفرد المؤمن الموالي لأهل بيت العصمة عليهم السلام .

فاطمة عليها السلام
وعلاقتها بالتوحيد

توجد عدة أدلة وشواهد تدل بالدلالة المطابقية أو الالتزامية على أن فاطمة الزهراء عليها السلام لها ارتباط وثيق بتوحيد الله ، وعلى ضوء هذه الادلة والشواهد التي سنقدمها بين يدي القاريء العزيز يتبين لنا أن لمعرفة فاطمة عليها السلام دور كبير في عقيدة الفرد المؤمن ، وأما أثبات هذا الارتباط وكيفية ثبوته تصميم التوحيد فهذا ما يتوقف معرفته وثبوته على مقدمات نرى من الضرورة فيما نحن فيه التذكير بها والتمعن في مدلولاتها لكي نصل وعلى ضوءها ـ أي المقدمات ـ الى اثبات هذا الأمر . أما نوعية هذا الادلة والشواهد فتارة تكون عبارة عن نص ورد في حديث أو ورد في زيارة لأئمة أهل البيت أو من خلال فقرة معينة من الاحاديث التي تروي لنا ، ادعيتهم عليهم السلام ، وعلى هذا الحال تكون هذه الادلة مبثوثة وموزعة على كتب الادعية والزيارات والأحاديث الشريفة لأهل البيت العصمة عليهم السلام .
وعلى هذا الأساس نجد أول الادلة التي نستطيع اثبات ارتباط فاطمة عليها السلام بصميم التوحيد ما ورد في زيارة ائمة أهل البيت عليهم السلام بالزيارة المعروفة بالجامعة الكبيرة والمروي سند معتبر عن الإمام علي الهادي عليه السلام حيث تطالعنا هذه الزيارة بالفقرة التالية « من أراد الله بدأ بكم ، ومن وحدّه قبل عنكم حيث ورد في تفسير هذه الفقرة أنه من لم يوحد الله لم يقبل عنكم أو بالعكس من لم يقبل عنكم لم يوحد الله تعالى فهو على ذلك يكون من المشركني لأن معرفة الله تعالى حق المعرفة مشروط و على ما ورد


( 141 )

في الروايات الشريفة على معرفة شروط هذه المعرفة ومن شروط هذه المعرفة هو القبول عن أهل البيت عليهم السلام في كل ما يقولونه من المعارف الربانية الحقة وفي كل ما يقولونه من الحق فهم حجج الله على الخلق ، فالراد عليهم كالراد على الرسول وعلى الله تعالى ، هذا البيان يظهر لنا ان معرفة مراتب التوحيد متوقف على المعارف الرانية التي جاء بها أهل البيت في بيان معنى التوحيد والقبول عنهم في كل شيء يقولون به ، فانه من عرفهم فقد عرف الله تعالى لانهم هم الادلاء عليه وعلى مرضاته وكل ما ثبت للائمة عليهم السلام فهو ثابت للزهراء عليها السلام فهي مشتركة معهم في كونها نورانية وكونها الصراط المستقيم وكذلك كونها الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام لتوبته واشتراكها في المباهلة معهم عليها السلام وأيضاً اشتراكها في كونهم الشجرة الطيبة ونزول الملاكة عليهم في ليلة القدر واشتراكها معهم في بدء خلقها معهم قبل خلق آدم وعرض ولايتهم على الاشياء ... الخ . والاهم من هذا كله هو كونها عليها السلام الحجة على الأئمة وعلى معرفتها دارت القرون الاولى وما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وعلى هذا الاساس تكون كل من يقبل عنها الحق فهو من الموحدين وكل ما صدر منها لابد من الإيمان به وإلاّ الراد عليها كالراد على الله ورسوله . وعليه تكون فاطمة عليها السلام مر تبطة بتوحيد الله تعالى ونعني بذلك أنه لابد من الإيمان بها والتصديق بكل ما صدر منها انه الحق وان توحيد أي مسلم أو مؤمن لا يكتمل حتى يقر بفضلها ومحبتها وولايتها ، فيكون على هذا الأساس كل من رد عليها ولم يقبل منها الحق فهو مشرك أو منافق فهي اذن لها ارتباط بالاصل الأول من اصول الدين وهو التوحيد وهذا ثابت لها وللائمة من ولدها عليهم السلام وهذا ما وجدناه في قول الإمام الحسين عليه السلام عندما خرج في واقعة كربلاء حاملاً الطفل الرضيع وهو ينادي : هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا ؟
ومحل الشاهد هو هل من موحد يخاف الله فينا ، فالذي يكون موحداً لابد ان يخاف الله في كل شيء ويقف عند حدوده التي أمرنا بالوقوف عندها ، فانه من ملازمات التوحيد مخافة الله تعالى في عدم أذية الناس وخلق الله تعالى والذي


( 142 )

لا يخاف الله تعالى فهو ليس موحد فالذين ظلموا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يكونوا موحدين لانهم لم يخافوا الله تعالى في خلقه الذين خلقهم قبل كل شيء فما بالك ، فيهم عليه السلام حيث كانوا من الذي استخلصهم واصطفاهم الله تبارك وتعالى على الخلق فيكون من باب الاولوية انه كل من ظلمهم كان من المشركين وكل من رد عليهم فقد أشرك بالله تعالى من حيث لا يعلم لأنّ الله تعالى أمر الخلق بالاخذ عنهم والتسليم لهم وان الراد علهيم راد على الله والراد على الله مشرك وقد أخبر الله تعالى عن حكم من أشرك فيهم حيث يقول الله تعالى في كتابه ( ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلاّ ان قالوا والله ربنا ماكنّا مشركين ) . يعني ما وضعوا أصناماً ظاهرة يعبدونهم م دون الله ويصلون لهم ولكنهم أتخذوا رجالا م دون ولي الله و حجة الله فأمرهم بخلاف ما أمر الله فأطاعوهم في خلاف أمر الله فعبدوهم من حديث لا يعلمون فرد عليه سبحانه فقال أنظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ، وقال الإمام الصادق عليه السلام حكاية عنهم هيهات فات قوم وماتوا قبل ان يهتدوا وظنوا انهم آمنوا واشركوا من حيث لا يعلمون .
إذن لا يعرف الله احد من الخلق حق معرفته حتى يأتي بالشروط التي تتوقف عليها المعرفة وهذه الشروط كلها معرفتهم عليهم السلام بما فيهم فاطمة الزهراء التي هي قطب الرحى التي تدور عليها معرفة أهل البيت وكما وصفت لك وفسرت فاذا كان كذلك فكيف لا يقبل عنهم أي فرد ، وقد قبل عنهم لانه قبل العلم والمعرفة والتوحيد عنهم ولو لم يقبل لم يعلم ولم يعرف اذ لا يكون ذلك منه غيرهم علهم السلام ، وعلى هذا كانت فاطمة عليها السلام من هذه الجهة ومن خلال فقرة الزيارة الجامعة الكبيرة مرتبط بصميم التوحيد وهذا لا يظهر إلاّ لمن تمعن وتفحص ودقق في مأثورات أهل البيت عليهم السلام فأفهم تغنم أنشاء الله .
اما ثاني الادلة التي نستطيع من خلالها الورود في مسألة ارتباط فاطمة بصميم التوحيد فهو ماجاءت وتظافرت به الروايات الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه الروايات تنقسم فيما نحن فيه الى أربعة طوائف :


( 143 )

1 ـ الطائفة الاولى : اذاها عليها السلام هو أذى الله تبارك وتعالى .
2 ـ الطائفة الثانية : رضاها عليها السلام هو رضى الله تبارك وتعالى .
3 ـ الطائفة الثالثة : حبها عليها السلام هو حب الله تبارك وتعالى .
4 ـ الطائفة الرابعة : غضبها عليها السلام هو غضب الله تبارك وتعالى .

ونستفيد من خلال التأمل والتمعن في مدلولات هذه الروايات أنه لا معنى لارتباط أذية ورضى فاطمة وغضبها بالله تعالى اذا لم تكن معصومة بالعصمة المطلقة ، فالله تبارك وتعالى جعلها معبرة عن غضبه ورضاه لكونها معصومة بالعصمة المطلقة الذاتية وإلاّ فان هكذا قول يكون في غاية الوهن والعبث وعدم الحكمة . فالله تبارك وتعالى جعل فاطمة عليها السلام المعبره عن غضبه ورضاه وعلى لسان نبيه الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يدل على انها عليها السلام معصمومة ولا تفعل إلاّ برضا الله تبارك وتعالى . وعلى كل حال فان جميع الروايات المروية عن لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءت لتؤكد هذه الحقيقة وهي كون فاطمة لها ارتباط بالله تعالى وتوحيده سواء كان هذا الارتباط تارة يأتي على هيئة غضب الله أو رضاه أو على هيئة حب الله تبارك وتعالى أو أذاه . وإليك بعض النصوص التي بينت هذه الطوائف الأربعة من الروايات :
* جاء في تفسير قوله تعالى ( ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً ) أنها نزلت في غصب حق أمير المؤمنين عليه السلام ، وأخذ حق فاطمة « أذاها » ، قد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي ، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي ، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله وهو قول الله عزوجل : ( ان الذين يؤذون الله ورسوله )(1) .
أقول : يظهر من هذا الآية ان الله تبارك وتعالى يتأذى من فعل بعض القوم ومن المعلوم ان الله لا تصل إليه اذية أي بشر بالمعنى وانما جعل بعض المؤمنين
____________
(1) تفسير علي بن إبراهيم 533 . عنه البحار 43 | 25 ح 23 في تفسير الآية 57 من الأحزاب ، وجاء في المناقب 3 | 210 في رواية مقاتل : « الذين يؤذون المؤمنين » يعني علياً . « والمؤمنات » يعني فاطمة « فقد احتملوا بهتاناً واثماً مبيناً » .
( 144 )

والذين هم أهل بيت النبوة مظهر من مظاهر أذيته اذا تؤذوا هم عليهم السلام ، وهذا نص صريح في كونهم مر تبطين بالله ، فالغضب الإلهي يتجلّى في غضبهم كما أنّ غضبهم مرآة غضب الله ، وكذلك الحال في الرضا .
* وجاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : « ان فاطمة بضعة مني ... وان الله تبارك وتعالى ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها » (1) .
* وورد عن تفسير الثعلبي باسناده عن مجاهد قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى الله عليه وآل وسلم وقد أخذ بيد فاطمة عليها السلام وقال :
« من عرف فاطمة فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله » (2) .
* وروي عن الإمام الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال :
« يا فاطمة ، ان الله ليغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك »(3) . وهذا الحديث يعتبر من أهم الاحاديث التي رواها العامة الخاصة ولقد وجدنا لهذا الحديث عدة أسانيد مختلفة سواء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة أو عن ائمة الهدى عليهم السلام فتارة يكون الحديث عن الإمام الحسين عليه السلام واخرى عن الصادق والباقر أو عن الإمام زين العابدين وهكذا نجده بأسانيد مختلفه ولكن المحتوى واحد والمضمون لا يختلف وهو ان الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها (4) .
* وروي عن الإمام الصادق عليه السلام هذا الحديث حيث قال جده النبي صلى الله عليه وآله وسلم « يا فاطمة ، ان الله تبارك وتعالى ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك » ، وقد أثار هذا
____________
(1) معاني الأخبار : 303 ، ؛ ح 2 .
(2) كشف الغمة : 1 | 467 ، الفصول المهمة 1281 ، نور الابصار : 52 ، نزهة المجالس 2 | 228 ، ائمة الهدى : 82 ، الاحقاق : 10 | 212 ، 213 .
(3) المناقب : 3 | 106 ومثله عن الحسين « ع » كشف الغمة 1 | 458 .
(4) ولقد روى هذا الحديث في كتب مختلفة واسانيد معتبرة ومن هذا الكتب مقتل الخوارزمي 1 | 51 ، ومجالس المفيد 94 وروضة الواعظين 180 ، تاريخ دمشق 1 | 159 ، وسيلة النجاة 212 ، وكنز العمال 12 | 111 ، ميزان الاعتدال 1 | 535 ح 2002 ، غاية المرام : 294 ، صحيفة الرضا 90 | ح 23 .

( 145 )

الحديث بعض الشباب الذين كانوا في زمن الإمام عليه السلام ومنهم صندل الذي جاء إليه وقال له : يا ابا عبدالله ان هؤلاء الشباب يجيئونا بأحاديث منكره .
فقال : له جعفر عليه السلام : وما ذاك يا صندل ؟
قال : جاء عنك ، انك حدثتهم ان الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها !
قال : فقال جعفر عليه السلام : يا صندل ، ألستم رويتم فيما تروون : أن الله تبارك وتعالى يغضب لغضب عبده المؤمن ويرضى لرضاه ؟! قال : بلى
قال : فما تنكرون ان تكون فاطمة عليها السلام مؤمنة يغضب لغضبها ، ويرضى لرضها ؟!. قال : فقال : « الله أعلم حيث يجعل رسالته » (1) .
ويظهر من هذا الحديث ان مسألة انكار أحاديث أهل البيت في قضية فاطمة الزهراء وان رضاها رضا الله ورسوله كانت موجودة من زمن الأئمة عليهم السلام ، وكذلك توجد نقطة مهمة ونكتة خافية وهي ان الرسول انما تحدث بهذه الاحاديث في فاطمة عليها السلام ليؤكد على مسألة مهمة وهو ان فاطمة عليها السلام سوف تظلم وتؤذى من بعده ، لذا سوف ترضى عن بعض المسلمين وتغضب على البعض الاخر فلذلك أعطى الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ضابطة كلية في مسألة تقييم بعض الشخصيات في زمن فاطمة عليها السلام ألا وهي ضابطة الرضا والغضب بالنسبة لفاطمة ، فكأنما يشير غلى ما سيجري عليها من الظلم من بعده .
اذن تبين لنا من خلال تفسير الآية المباركة ( ان الذين يؤذون الله ... ) وبيان بعض الاحاديث الشريفة حول رضا فاطمة وغضبها وانها مقرون برضا الله وغضبه ، انها عليها السلام مرتبطة بصميم التوحيد وهنا يرد هذا السؤال المهم في ما نحن فيه ألا وهو ما الثمرة من هذا الارتباط ؟ أن بعبارة أخرى ما الفائدة فى ارتباط غضب فاطمة ورضاها بالله تعالى ؟ والجواب يظهر من خلال متابعة القرآن الكريم والاحاديث التي
____________
(1) كنز العمال : 13 | 674 ح 37725 ، الحاكم في مستدركه : 3 | 153 ميزان الاعتدال : 1 | 535 ح 2002 ، التذكرة لابن الجوزي : 320 ، كفاية الطالب 363 أسد الغابة : 5 | 522 ، ذخائر العقبى : 39 | ينابيع المودة : 173 ، 198 الاصابة : 4 | 378 ، خصائص السيوطي : 2 | 265 ، الكامل في الرجال : 2 | 762 ، اسعاف الراغبين : 187 عنهم ، العوالم : 1 | 154 .
( 146 )

رويناها لك من خلال الكتب المعتبرة والذي نراه وحسب فهمنا القاصر ان بعض الثمرات هي :
1 ـ أن كل من آذى فاطمة فقد آذى الله ورسوله لذا سوف يستحق اللغنة بنص القرآن الكريم ( ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ... ) هذا في الدنيا .
2 ـ اعداد العذاب الالهي للذين يؤذون الله تعالى في ذرية رسوله ( واعد لهم عذاباً مهينا ) .
3 ـ ونستفيد من بعض الروايات ان الله تعالى ليغضب لغضب المؤمن فكيف بإبنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
4 ـ اعطاء ضابطة مهمة من الناحية التأريخية وهي كل من ثبتت أذيته لفاطمة في حياتها لابد من لعنه والبراءة منه وكل من سار على منوال الظالمين للزهراء في حقها ورضايتهم على فعل الظالمين فهم مع الظالمين يجب لعنهم في الدنيا والبراءة منهم وكثيرة هي الثمرات في هذا الارتباط وفي الذي سردناه لك كفاية لمن يرجوا الوصول الى حقيقة الامور .

فاطمة عليها السلام وعلاقتها بالنبوة

من القضايا المهمة التي يهمنا البحث عنها هو ارتباط فاطمة الزهراء عليها السلام بمقام النبوة الخاتمية ومن يمثل هذه الخاتمية أعني بذلك شخص رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا بد لنا ونحن نر توي من الماء العذب لفاطمة عليها السلام واللآلىء المتناثرة في حياتها ان نقف مع مقامها والارتباط الوثيق لهذا المقام بالنسبة للنبوة ، والذي ينقدح في الذهن القاصر لصحاب هذا القلم ان هناك عدة أدلة وشواهد تثبت ان لفاطمة ارتباط وثيق بالنبوة ، وهذا الارتباط تارة يتمثل على نحو الابوة لهذه الصديقة الطاهرة وتارة آخرى على شكل حب لهذه النسمة الطيبة ومرة اخرى على الارتباط العقائدي لها عليها السلام ، وسوف نعطي عدة شواهد وادلة على ذلك ، ومن خلال استقراء واستنطاق بعض الكتب الروائية والتاريخية التي تروي لنا قضية الزهراء وارتباطها بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم من


( 147 )

جهة وبمقام النبوة من جهة أخرى ، أما كيف يكون هذا الارتباط بالنبوة ومقامها ، فنقول : وردت عدة شواهد على هذه المسألة من القرآن الكريم ولكن نكتفي على شاهد قرآني واحد وهو الآية 57 من سورة الاحزاب ( ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا ... ) فهذه الآية الشريفة وكما تبيّن لنا لها ارتباط بمسألة أذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نعلم انه ورد في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله وسلم انه ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت ، وكذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم من آذى مؤمنا فقد أذاني ، فهذه الأحاديث تثبت مسألة أذى رسول الله ولقد حدثنا التاريخ كيف ان القوم عندما بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمكة كيف آذوه وطردوه من دياره والأكثر من ذلك نجد ان الكثير من النصوص عند العامة والخاصة قد بينت ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد آذوه القوم بعد مماته في إبنته فاطمة عليها السلام تبين وتؤكد على حقيقة ثابتة ولا ينكرها إلا معاند أو منافق وهي أنهم قد أذوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذريته ، فكانت الاحاديث المروية عنه تمثل الدعامة العظمى لارتباط أقرب الناس إليه وهي فاطمة الزهراء عليها السلام ، ولا نقصد من ارتباط الصديقة الطاهرة عليها السلام به مجرد لانه والدها كلا بل هناك أمور غيبية قد ذكرت بعض الروايات اسرارها وكما بينا في بعض أحاديثنا كحديث الاقرار بفضل فاطمة جميع الأنبياء وانه ما تكاملت نبوة نبي حتّى أقرّ بفضلها ومحبتها ... ممّا يدل على ارتباطها بالنبوّة العامّة كارتباطها بالنبّوة الخاصّة ... وغير ذلك من الأحاديث في هذا المضمار ، وان كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنونه وأكثر من أكرام الرجال لبناتهم حتى خرج بها عن حد الآباء للأولاد ، فقال بعض الخاص والعام مراراً لا مرة واحدة وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد : إنها سيدة نساء العالمين ... وإنها إذا مرت في الموقف نادى منادٍ من جهة العرش : يا أهل الموقف : غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وهذا من الاحاديث الصحيحة (1) . وعليه لابد من ذكر بعض
____________
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد والقول كله له : 9 | 193 ، عنه اعلموا اني فاطمة : 4 | 55 .
( 148 )

النصوص التي تبين لنا مقام فاطمة من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .
* لفقد جاء في حديث طويل عن سعد بن أبي وقاص انه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : فاطمة بضعة مني ، من سرها فقد سرني ومن ساءها فقد ساءني ، فاطمة أعز الناس علّي (1) .
* وروي النسائي باسناده عن السور بن محزمة ، قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على المنبر يقول « فاطمة هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها ، ومن آذى رسول الله فقد حبط عمله » (2) .
* وروى أحمد بأسناده عن المسور ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم « فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما قبضها وأنه تنقطع يوم القيامة الانساب والاسباب إلا نسبي وسببي » (3) .
* وروي عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ان فاطمة شعرة مني ، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله لعنه الله ملء السماوات والأرض (4) .
* عن عبدالله بن زبير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث : انها ـ فاطمة ـ بضعة منيء يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها (5) . وكثيرة هي الاحاديث التي تروي لنا ارتباط الزهراء وظلمها وأذيتها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولئلا يطول المقام بنا ولا نخرج عن هذا الكتاب نكتفي بهذه الاحاديث ونقول :
إنّ كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى هذا يدل على انه ليس غضبه بأعتبار انه والدها ، لا وانما غضب النبوة ومقامها السامي الذي تمثل السماء ونحن نعلم أيضاً انه أذى فاطمة ايضاً الله تبارك وتعالى ، وإلا
____________
(1) مجالس المفيد : 259 ، أمالي الطوسي : ح 1 ، 24 ، بشارة المصطفى : 85 .
(2) الخصائص : 35 .
(3) مسند أحمد 4 | 332 .
(4) كشف الغمة 1 | 467 .
(5) مسند أحمد 4 | 5 ، صحيح الترمذي 5 | 698 ح 3869 ، الصواعق المحرقة : 114 ، لسان العرب : 1 | 758 ، النهاية : 5 | 62 .

( 149 )

لامعنى ان يغضب الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لانه أباها الشخصي فقط لانه في مثل هذه الحالة سوف تكون العصبية لها بأعتبار القرابة وانما يؤكد الرسول من خلال هذه الاحاديث على حقيقة مهمة جداً وهي مسألة عصمة فاطمة عليها السلام لانها لو كانت ممن تقارف الذنوب لم يكن مؤذيها مؤذياً له صلى الله عليه وآل وسلم على كل حال لذا ثبتت لها العصمة من خلال أقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حقها عليه السلام . ويظهر ايضاً من خلال الحديث المروي في حق فاطمة عليها السلام عن أبي جعفر عليه السلام يقول : « ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والانس ، والطير والوحوش والأنبياء حتى أقرّ بفضل فاطمة عليها السلام وحجيتها » حيث نستفيد من هذين الحديثين ان فاطمة عليها السلام كانت مرتبطة بنبوة الأنبياء السابقين قبل نبينا محمد صل الله عليه وآله وسلم ، فهي ـ أي النبوة ـ لم تكتمل في أي نبي من الأنبياء حتى أقر بفضل فاطمة وحجيتها ، وهذا يدل انها كانت مفروضة الطاعة على جميع الأنبياء وكما تبين لنا من خلال البحوث المتقدمة في هذا الأمر .

فاطمة عليها السلام والعدل الإلهي

يعتبر العدل من الأصول الإعتقادية التي يمتاز بها الشيعة الامامية عن غيرهم من المذاهب الاخرى ، فمسألة العدل عندهم قد دخلت كل الأصعدة الحياتية المهمة وهذا يعود الى وجود العدل في كل أفعال الله تعالى فهو ـ أي الله تعالى ـ قد جعله من أسماءه الحسنى فعندما يأخذ الشيعة الامامية العدل ويعتبرونه من اصول الدين لم يكن هذا جزافاً وانما كان على اساس وأصل متين استمدوه من القرآن الكريم هذا الكتاب العظيم الذي بذر فكرة العدل في قلوب وأرواح الناس ثم سقاها ونماها فكرياً وفلسفياً وعملياً واجتماعياً انه القرآن الكريم الذي طرح مسألة العدل من حيث مظاهرها المختلفة العدل التكويني ، والعدل التشريعي ، والعدل الاخلاقي ، والعدل الاجتماعي ... الخ .
____________
(1) دلائل الإمامة : 28 .
( 150 )

والقرآن الكريم يصرح بان نظام الوجود مبني على أساس العدل والتوازن على أساس الاستحقاق والقابلية ، وعلى هذا الاساس توجد عدة آيات قرآنية تؤكد على مسالة العدل سواء كان ذلك عن طريق ذكر المقابل للعدل أي الظلم وتأتي الآية القرآنية تنفي الظلم أي تقر العدل بالنتيجة أو عن طريق ذكر القرآن ان هناك يوم حساب يحاسبون فيه الناس ليكون العدل هو الاساس الذي سوف تكون عليه المحاسبة ، وهكذا يذكر القرآن الكريم آيات العدل في كل مظاهرها الوجودية ، وسنورد هنا بعض الآيات القرآنية التي تعتبر الفاعلية الالهية والتدبير الالهي قائماً على أساس العدل حيث يقول الباري عزوجل في هذا المضمار ( شهد الله أنه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ) (1) . أو أن العدل هو المعيار لله سبحانه في موضوع الخلقة ( والسماء رفعها ووضع الميزان ) (2) . وعلق على هذه الآية الرسول الكريم صلى الله عليه وآل وسلم بقوله : « بالعدل قامت السماوات والأرض » واهتم القرآن الكريم اهتماماً استثنائياً بالعدل التشريعي أي مراعاة أصل العدل دائماً في النظام الاعتباري والتشريع القانوني ، وقد صرح ذلك في الكتاب المعجز بان الهدف من ارسال الأنبياء وبعثة الرسل انما هو قيام النظام البشري وارساء الحياة الانسانية على أساس العدل والقسط : ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) (3) .
واضافة إلى ذلك فان الاصل الكلي الذي نسبه القرآن الى كل الأنبياء بخصوص النظام التشريعي ولا سيما في الشريعة الاسلامية هو « قل أمر ربي بالقسط » وفي مكان آخر يقول « ذلكم أقسط عند الله » . ويعتبر القرآن الكريم الإمامة والقيادة عهداً الهياً ينبعث عنه النضال عنه النضال ضد الظلم والتلاؤم مع العدل ، ويقول القرآن الكريم في موضوع لياقة إبراهيم عليه السلام للامامة والقيادة : ( وإذا ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني
____________
(1) آل عمران : آية 18 .
(2) الرحمن : آية 7 .
(3) الحديد : آية 25 .

( 151 )

جاعلك للناس اماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) (1) .فعندما أختار الله ابراهيم إماماً ، إستفهم ابراهيم هل تشمل هذه الموهبة الالهية نسله ؟
فأجيب بأن الإمامة عهد إلهي والظالمون لا نصيب لهم فيه ، يعني مقتضى العدالة الربانية هكذا تكون مع الظالمين . وإذا دققنا النظر في القرآن الكريم وجدناه يدور حول محور واحد هو العدل في كل الافكار القرآنية من التوحيد الى المعاد ومن النبوة الى الإمامة والزعامة ومن الآمال الفردية الى الاهداف الاجتماعية ، فالعدل في القرآن قرين التوحيد وركن المعاد وهدف لتشريع النبوة وفلسفة الزعامة والإمامة ومعيار كمال الفرد ومقياس سلامة المجتمع (2) . اذن بعد هذه المقدمة في العدل يأتي السؤال في هذا المقام الذي نحن فيه وهو هل ان الله جل جلاله أعطى الى اولياؤه الكثير من المناصب والمقامات الروحانية وعلى كل المستويات بالعدل أو جزافاً اعطاهم اياها ؟
فمثلاً مقام فاطمة الزهراء عليها السلام وحجيتها على الأئمة وعلى جميع الأنبياء والجن والانس ، ومقام شفاعتها يوم القيامة وانها تشفع بالجنة هل أعطى تعالى هذه المقامات بالعدل لها فتكون عندئذ مرتبط بالعدل الالهي أم لا ؟
وهذا السؤال يحتاج الى ذكر مسألة مهمة وهي تعهريف العدجل سواء لغوياً أم اصطلاحياً وبعد ذلك نرى مدى انطباق هذا الموضوع وعلى ضوء التعريف في حياة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام ومدى ارتباطها بالعدل الالهي .
العدل في اللغة : العدل من أسماء الله سبحانه ، العدل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم ، وهو في الاصل مصدر سمي به فوضع موضع العادل وهوأبلغ منه لانه جعل المسمى نفسه عدلاً وفلان من أهل المعدلة أي من أهل العدل .
والعدل : الحكم بالحق ، فيقال هو يقضي بالحق ويعدل وهو حكم عادل : ذو معدلة في حكمه (3) . اما تعريف العدل في الاصطلاح فلقد وردت فيه عدة تعاريف ولكن الذي يهمنا فيما نحن فيه التحريف الذي يقول : « هو رعاية الاستحقاق في افاضة الوجود
____________
(1) البقرة : آية 124 .
(2) العدل الالهي : 46 .
(3) لسان العرب مادة عدل .

( 152 )

وعدم الامتناع عن الافاضة والرحمة حيث يتوفر امكان الوجود أو امكان الكمال » . وعلى أساس هذا التعريف يتبين لنا ان الموجودات تتفاوت مع بعضها في النظام الكوني من حيث قابليتها لاكتساب الفيض الالهي من مبدأ الوجود ، فكل موجود وفي أي رتبة من الوجود يملك استحقاقاً خاصاً من حيث قابليته لاكتساب الفيض ، ولما كانت الذات الالهية المقدسة كمالاً مطلقاً وخيراً مطلقاً وفياضة على الاطلاق فهي تعطي ولاتمسك ولكنها تعطي لكل موجود ما هو ممكن له من وجودأو كمال وجود ، فالعدل الالهي ـ حسب هذه النظرية ـ يعني ان أي موجود يأخذ من الوجود ومن كماله المقدار الذي يستحقه وبأمكانه ان يستوفيه (1) . وعلى هذا الاساس تكون الزهراء عليها السلام مستحقة للعدل الالهي في افاضة الكمال لها وفي كل المقامات المعنوية والروحية ، فكونها عليها السلام حجة على الأنبياء وعلى جميع البشر وانه ما تكاملت نبوة نبي حتى أقر بفضلها وكذلك كونها صاحبة الشفاعة الكبرى يوم القيامة وغيرها من المقامات التي أعطاها الله تعالى اياها كل ذلك لانها كانت مستحقة لكل هذا الكمال ، أما كيف كانت مستحقة لذلك فهذا مانفهمه من خلال الزيارة الواردة في حقها « السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك صارة لما امتحنك » فعلى أساس هذا الامتحان وكونها صابرة نجد ان الله تعالى وجدها مستحقة للعدل الالهي وللكمال الذي يليق بحالها ، وعليه تكون الحكمة الالهية للعدل الالهي وللكمال الذي يليق بحالها ، حيث تكون الحكمة الالهية في وضع الزهراء في مقامها السامي انما هو بالامكان اللأئق لها وبالعدل الالهي استحقت ذلك فتكون عليها السلام حينئذ مرتبطة بالعدل الالهي من حيث كونها مستحقة للافاضات الربانية وكما تبين لك من خلال الاحاديث الواردة في شأنها عليها السلام . هذا من جهة ومن جهة أخرى ان مولاتنا لفاطمة عليها السلام هل هي من العدل الالهي أم لا ؟
لاشك ولا ريب عندما يطلب الله تعالى منا ان نكو مع الزهراء عليها السلام في التولية والتبرئة من اعدائها هو عين العدل الالهي لأنّ الله تعالى وعلى لسانه في القرآن
____________
(1) العدل الالهي : 71 .
( 153 )

الكريم اعتبر أذى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الأسباب المؤدية الى اللعنة والعذاب الأليم وبأعتبار كونها عليها السلام من لحم رسول الله بل هي نساء رسول الله المعبر عنهم « بنسائنا » في آية المباهلة وأيضاً رضاها رضى رسول الله وغضبها غضب الله ورسوله وإضافة الى ذلك انها مستحقة حسب وجودها واللفيوضات الربانية كل ذلك يعتبر من العدل الإلهي فتكون عندئذ عليها السلام مرتبطة بصميم العدل الإلهي وإن مولاتنا لها عين العدل الذي أمرنا الله تعالى ونكون له ملازمين له في كل الحالات .

فاطمة عليها السلام وعلاقتها بالإمامة

تشكل الإمامة أصلاً مهماً من الأصول الخمسة الدينية عند الشيعة الإمامية بعد التوحيد والنبوة والعدل ، ولقد تظافرت الروايات الشريفة على التأكيد على هذه المسألة المهمة في الدين الاسلامي فضلاً عن القرآن الكريم الذي أكد أيضاً على مسألة إثبات الإمامة من خلال القرآن الكريم والأحاديث الشريفة بل نقول ان من أراد الإطلاع على هذه القضية فعليه مراجعة الكتب الكلامية التي أثبت هذه المسألة المهمة ، ولقد تطرقنا الى هذه المسألة ـ أي الإمامة ـ في هذه الكتاب بأعتبارها لها إرتباط عميق بالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وربما سائل يسأل كيف يمكننا أن نعرف أن الزهراء لها ارتباط بصميم الإمامة ؟ وهذا سؤال مهم على ما أتصوره ولابد من خلال استقراء الكتب الروائية وحياة الصديقة الطاهرة وقراءة بعض النصوص واستنطاقها نجد انه هناك عدة أمور يمكن من خلالها إثبات هذا الارتباط الوثيق للزهراء بالإمامة التي جعلها الله تبارك وتعالى أما ماهية هذه القضية من خلال إثباتها عن طريق الروايات أو الزيارات الواردة فهذا ما يتوقف بيانه على إبراز بعض الأدلة والشواهد التي تؤيد هذه القضية تارة وتدعمها تارة أخرى .
أولاً : أما الأدلة التي نستطيع من خلال اثبات ارتباط فاطمة بصميم الدين فهذا ما يتبين لنا من كونها عليها السلام الحجة على الأنبياء فضلاً عن الأئمة عليهم السلام . إما كونها الحجة على