البحث الثاني عشر
معرفة فاطمة عليها السلام


( 312 )


( 313 )

السيد محمد رضا حيدر شرف الدين العاملي
يـــاصاح لا عـــذل ولا ارغــــام * رفـــقا بـــنفسي فــالملام حــرام
لا غـــرو خــلي ان بكــيت بــعبرة * حـــرى فـــقلبي ألهب وضــــرام
مــا كــنت أذرف للــصبابة أدمــعي * ســفها ولا ادمــى الفــؤاد غـــرام
حـفت بشـخصي الحــادثات تـــرومني * فـدفعت جـيش الحـزن وهـو غـــرام
ولكــم جـــرعت مـن الحـياة حـميمها * لم يــــثني مـــنها أذى وســــقام
صــرعت فـــرسان اللــيالي والابــا * طـــبعي فأحــنت هــامها الايـــام
مــاهزني الخـــطب المــروع بـعظه * حـــتى ولو هــتنت عـــلي ســهام
لكـن يـوم الدار خـــلف فـي الحشــى * نـــدبا فــمابين الضـــلوع حــطام
يــوم بــه اربــد الفــضاء وغـاض * نــور الخــافقين فــحلها الاظـــلام
وتــداعت الافــلاك فـــي عــليائها * بــالنوح والســـبع الطــباع جــهام
والشمس وارت في الحـــجاب ضــياءها * حـــزنا وصـــدع البــدر لايــلتام
اذ اوزفـــت بــــضغائن مـــعهودة * والنــاس فـــي مــهد الخـنوع نـيام
زمــر النــفاق تــروم اكــرم مـنزل * فــيه البــتولة والفـــتى الضــرغام
هــجموا عـــلى دار الوصـي وحـرقوا * بـــابا اعـــز حــــريمه العــلام
وانــهال صــاحبهم يـــلوع فــاطما * بــالسوط ضــربا رق مــــنه لئـام
ثــم انــبرى عـصرا يــهشم ضـلعها * فــهوى الجــنين وقـد عــراه حـمام
ســقطت مـضرجـة تـــجود بـنفسها * لم يــرع فـــيها للـــــنبي ذمـام
فـــاهتز عــرش الله مــن أنــاتها * وبكـــى دمــا لمــصابها الإســلام

( 314 )


( 315 )

البحث الثاني عشر
معرفة فاطمة عليها السلام

« من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها ، ما تكاملت النبوة لنبي حتى أمر بفضلها ومحبّتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى » (1) .
تعتبر مسألة المعرفة والبحث عن الحقيقة من المسائل العقائدية المهمة التي تأخذ وتشغل حيزاً كبيراً في العقيدة الإسلامية والتي لا بد من دراستها وتوجيه العقل نحوها لكي يدركها إدراكاً منطقياً عقلائياً ، فلقد أقدمت المدرسة الشيعية الحقة على وضع الكثير من القضايا العقائدية على طاولة البحث والتحقيق للوصول إلى المعرفة الحقيقية التي تتمثل في كافة المستويات العقائدية ، وحسب ما أعتقده فإن أكثر المدارس وأفضلها في تقديم الشروط الصحيحة واللازمة للوصول للحقيقة هي مدرسة الشيعة الإمامية ، تلك المدرسة التي دعت الناس إلى التحقيق والتفكير والتفقه والتعقل في عقائدها ومبادئها لكي يصلوا إلى نور الحقيقة وفهمها والإستضاءة من نورها في كل جوانب الحياة الإنسانية ، فنحن نرى أن أبسط حركات الإنسان الإرادية يجب أن تكون مدروسه ومسموحاً بها من جانب العقل ، ففي وصية أمير المؤمنين علي عليه السلام لكميل قال :
« يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة » .
وهذا يعني أن الإسلام لا يسمح للإنسان بالقيام بعمل من دون التحقيق والعلم بصحته ، لكي تكون النتيجة النهائية هي المعرفة الحقيقية ، فأكثر المؤمنين أفضلية أكثرهم معرفة وإيماناً ، والمعرفة لا تكون إلا بإدراك القضايا المطروحة ودراستها
____________
(1) البحار : 42 | 105 .
( 316 )

الدراسة الصحيحة والتي يكون بناءها على ضوء الإستدلالات العقلية والمنطقية ، من هنا كان لا بد لنا من الوقوف مع بعض الأحاديث المأثورة عن أهل بيت العصمة لكي نفهمها وندركها إدراكاً عقلياً ونورانياً وحسب ما يمليه علينا المنطق السليموالذوق الرفيع . ومرة أخرى نقف مع حديث آخر في معرفة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام لكي ندركه الإدراك الصحيح الذي جاء المدح عليه ، وخاصة معرفة دراية الرواية وفهمها ، وهذا ما أوصى به الإمام الباقر عليه السلام لولده الإمام الصادق عليه السلام بقوله :
« يا بني اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم فإن المعرفة هي الدراية للرواية » .
و« الرواية » هي عبارة عن كلام منقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام أما « الدراية » فهي عبارة عن التحقيق والدراسة والإجتهاد للمعرفة وإدراك المفهوم الحقيقي للرواية وعين م يقصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام ، وبعبارة أخرى ، الرواية هي حفظ الحديث ونقله ، والدراية هي نفته الحديث وفهمه ، والراوي هو ناقل الحديث والفقيه هو المحقق وعالم الحديث « درى درياً ودراية الشيء توصل إلى علمه .. المنجد » .
فالإمام الباقر عليه السلام يوصي ابنه الصادق عليه السلام أولاً بمعرفة منازل الشيعة على قدر رواياتهم ومعرفتهم ، ثم يوضح بعد ذلك أن ما يعنيه من بالمعرفة . هو دراية الروايات ، حيث يقول : « وبالدّرايات للرّوايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان » .
أي أن المهم ، هو التحقيق والمعرفة وفهم الحديث لأن الرواية إذا لم تصحبها الدراية لا تجدي فتيلاً .
وقال الإمام الصادق عليه السلام في كلام آخر له بشأن قيمة دراية الرواية ومعرفة الحديث : « حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه » (1) .
فرواية الحديث ونقله ، يمكن أن تكون لها فائدتها الكبيرة وقيمتها العظيمة ، وتقع موقعها الأفضل لدى من ينقل الحديث اليهم ـ فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه غير فقيه ـ ولكنها بالنسبة للراوي تكون مفيدة إذا ما اقترنت
____________
(1) البحار : 2 | 182 .
( 317 )

بالدراية ، ورواية الحديث دون درايته لا تجدي نفعاً للراوي ـ « وكما قال أمير المؤمنين » « قيمة كل امرءٍ وقدره معرفته » (1) ـ بل ربما كانت في بعض الأحيان مضرّة له ولغيره أيضاً إذ لو لم يكن الراوي على علم بالحديث فقد يتسبب حتى في تحريفه ولهذا قال أمير المؤمنين : « عليكم بالدرايات لا بالروايات » (2) .
وجاء في كلام آخر له عليه السلام : « همة السفهاء الرواية ، وهمة العلماء الدّراية » (3) .
من هذا المنطلق وعلى هذا الأساس كانت لنا هذه الوقفة الجديدة مع حديث آخر يوضح لنا معرفة الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وارتباطها الوثيق بليلة القدر ، وسيأتي إن شاء الله ارتباطها الوثيق بليلة في البحث الثالث عشر .
معرفة فاطمة عليها السلام

إن من القضايا المهمة في عقيدة الفرد المؤمن هي معرفة الحقيقة التي دعا اليها القرآن الكريم إضافة إلى دعوة أهل البيت عليهم السلام إلى الوقوف عليها ولو على قدر القابليات والإستعدادات التي يمتلكها الفرد المؤمن ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) ، فلذا جاء في الحديث المأثور عن الإمام الصادق عليه السلام الذي يقول فيه « من كانت له حقيقة ثابتة لم يقم على شبهة هامدة حتى يعلم منتهى الغاية ، ويطلب الحاديث من الناطق عن الوارث وبأي شيء جهلتم ما أنكرتم ، وبأي شيء عرفتم ما أبصرتم إن كنتم مؤمنين » ، أي لا بد من أن يكون للمؤمن حقيقة في معرفة ، والتي من شأنها ( هذه الحقيقة ) أن لا تخرج الإنسان عن الاستقامة عن الجادة التي أمرنا الله تعالى باتباعها والإلتزام بها ، ومعرفة هذه الحقيقة يحتاج فيها الإنسان المؤمن إلى وجود عدة أمور لا يستغني عنها في سبيل تحصيل هذه الحقيقة ، ومن هذه الأمور هو التعقل عن الله تعالى والذي من شأن هذا التعقل أن يؤدي إلى المعرفة الصحيحة التي لا تزيل قدم الإنسان المؤمن عن
____________
(1) معاني الأخبار : 2 .
(2) البحار : 2 | 160 .
(3) البحار : 2 | 160 .

( 318 )

الصراط المستقيم فيكون نور هذه الحقيقة يظهر في قلب المؤمن على سبيل الذوق والوجدان فتأخذه هذه الحقيقة كل كيانه بل تكون هذه الشغل الشاغل في حياته ويسعى إلى الوصول اليها وعلى قدر القابليات والإستعدادات التي منحها الله تبارك وتعالى إليه هذا ما نجده من خلال أصحاب الأئمة عليهم السلام الذين كانوا دائماً يسعون إلى الوصول والحصول على هذه الحقيقة فلذا ترى كميل بن زياد يسأل أمير المؤمنين علي بن طالب عليه السلام عن هذه الحقيقة في الحديث المروي وهو أنه سأله عن الحقيقة بقوله ما الحقيقة فقال له عليه السلام مالك والحقيقة ؟ فقال كميل : « أولست صاحب سرك » قال : « بلى ! ولكن يرشح عليك ما يطفح مني » فقال كيمل : « أو مثلك يخيب سائلاً ؟ » .
فقال عليه السلام : « الحقيقة كشف سجات الجلال من غير إشارة » فقال كميل : « زدني فيه بياناً » . قال الإمام عليها السلام : « صحو الموهوم مع محو المعلوم » . قال كميل : « زدني فيه بياناً » قال الإمام عليه السلام : « هتك السر لغلبة الستر » قال كميل : « زدني فيه بياناً » . قال الإمام عليه السلام : « نور يشرق من صبح الأزل ، فيلوح على هياكل التوحيد آثاره » قال كميل : « زدني فيه بياناً » . قال الإمام عليه السلام : « إطف السراج ، فقد طلع الصبح » .
إذن بسؤال المؤمن عن الحقيقة يصل إلى العلم بها وببعض جوانبها فلربما لا يستطيع معرفة كنهها كما في قضية كميل بن زياد التي مرت عليك الآن ، فالعلم أول دليل يؤدي إلى المعرفة التي تنور القلب بحقيقة الإيمان ، والتي تكون هذه المعرفة برهان صدقٍ عليى نور الاسلام وحقيقة الإيمان ، وعليه نجد في كثير من الروايات الشريفة أن الأفضلية فيما بين المؤمنين بغض النظر عن التقوى الي هي من ملازمات المعرفة ، أقول نجد أن الأفضلية هي بالمعرفة فيعضنا أكثر حجاً من بعض وبعضنا أكثر صياماً وصلاة وصدقة من البعض ، ولكن الأفضلية بالمعرفة ، وعليه نجد في الروايات المأثور أن « أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة » (1) .
إذن يظهر من خلال استقراء الأحاديث المأثور عن أهل بيت العصمة أن قضية المعرفة الحقيقة في حياة الفرد المؤمن مما لا يكن الإستهانة بها بل لا بد من السعي إلى
____________
(1) البحار : 3 | 14 .
( 319 )

الوقوف عليها في كل جوانبها التي تدعو إلى التعقل بها وهضمها بالصورة الصحيحة ، فلقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال : « لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل ، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له ... » (1) .
حيث دل هذا الحديث على أن العمل والمعرفة أحدهما ملازم للآخر وأن من الضروري على أن الذي يعمل لا بد له من المعرفة بحقيقة عمله وإلا فان الله تعالى لا يقبل عملاً إلا بمعرفة ، وعلى هذا الأساس تأخذ قضية المعرفة حيزاً كبيراً في جميع جوانب الشريعة الإسلامية سواء كان على مستوى الأصول أو على مستوى الفروع ، فعلى المستوى الأول الذي يتمثل في التوحيد والنبوة والإمامة والعدل والمعاد لا بد من المعرفة التي من شأنها أن تجعل الحقيقة التي سعى المؤمنون الأوائل في الوقوف عليها ثابتة والراسخة في قلوبهم تجعل الحقيقة التي سعي المؤمنين الأوائل في الوقوف عليها ثابتة والراسخة في قلوبهم لكي لا تميل بهم الأهواء شرقاً ولا غرباً ، والمعرفة التي نسعى الوقوف عليها في الجانب العقائدي المتمثل في قضيتنا التي نطرحها الآن هي المعرفة الخاصة بالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام لكي ندرك بعض الحقيقة الخاصة بها وإلا فالمعرفة الحقيقية لها لا يستطيع الوصول إلى طبيعتها ومعرفة كنهها إلا من كان في مستواها وهذا لا يكون إلا في الذي كان كفواً لها وهي كفو له ذلك هو أمير المؤمين علي بن أبي طالب عليه السلام أما نحن فمعرفتنا لها تكون أما بالحواس الخمس أو تكون معرفتنا من خلال معرفة الشيء بأشباهه ، أما الحواس الخمسة فان لا بد لها من من دليل يرشدها ويعرفها بالوجدان الأمر الذي يعرض عليها ، وهذا ما جاء في مناظرة الإمام الصادق عليه السلام للطبيب الهندي حيث قال له : « أما إذ أبيت إلا الجهالة وزعمت أن الأشياء لا تدرك إلا بالحواس فإني أخبرك أنّه ليس للحواس دلالة على الأشياء ولا فيما معرفة إلا بالقلب ، فانه دليلها ومعرّفها الأشياء التي تدعى أن القلب لا يعرف إلاّ بها » (2) .
حيث يظهر من هذا الحديث أن المعرفة الذوقية الوجدانية تكون نابعة من القلب ،
____________
(1) الكافي : 1 | 44 .
(2) البحار : 3 | 159 .

( 320 )

لذا فإن معرفة فاطمة عليها السلام تحتاج إلى ذوق سليم ووجدان حكيم لكي تظهر لنا بعض أنوار هذه المعرفة ، هذا من تجهة ومن ناحية أخرى يمكن معرفة فاطمة من خلال دراسة حياتها دراسة تحليلية مقارنة للقديسات والمؤمنات على مر العصور وان كان القياس مع الفارق وكما هو مثبوت في محله فإن فاطمة لا تصل إلى مقامها أي إمرأة مهما كانت في المستوى الإيماني الذي تعلق بحياتها .
وعلى كل حال فإن ما نطرحه في هذا البحث حول معرفة فاطمة إنما هو معرفة ظاهرية وعلى ما نمتلكه من وسائل المعرفة الظاهرية وإلا فنحن كما قال أمير المؤمنين في غرر الحكم : « كيف يعرف غيره من جهل نفسه » فأكثر الناس يجهلون حال انفسهم فكيف بغيرهم ولكن الميسور لا يسقط بالمعسور فمن هذا الباب لابد لنا ان نلج في هذا الأمر ونقف مع معفرفة فاطمة عليها السلام الحقيقية .
مستويات معرفة فاطمة عليها السلام

هناك عدة مستويات نستطيع من خلالها معرفة أي شخصية تاريخية او اسلامية ولابد لنا من الالتفات اليها ونحن نسعى في طريق معرفة فاطمة ام ابيها فاطمة سلام الله عليها بل كل الأئمة عليهم السلام يتجلى هذا الأمر في معرفتهم المعرفة الحقيقية اما المستويات فهي :
1 ـ المستوى الأوّل : المعرفة التأريخية لها عليها السلام .
2 ـ المستوى الثاني : المعرفة المناقبية لها عليها السلام .
3 ـ المستوى الثالث : المعرفة العلمية والفكرية لها عليها السلام .
4 ـ المستوى الرابع : المعرفة النورانية لها عليها السلام .


( 321 )

محمد جمال الهاشمي
شعت فـلا الشمس تـحكيها ولا القــمر * زهــراء مـن نـورها الأكـوان تـزدهر
بـنت الخـلود لهـا الأجــيال خـاشعة * أم الزمــان اليــها تـــنتمي العـصر
روح الحـياة فـلولا لطــف عـنصرها * لم تأتــلف بـــيننا الارواح والصــور
ســمت عـن الأفـق لاروح ولامــلك * وفـــاقت الارض لاجــن ولا بشــر
مــجبولة مــن جــلال الله طــينتها * يـرف لطـفاً عــليها الصـون والخـفر
مــاعاب مــفخرها التأنـيث ان بــها * عــلى الرجــال نسـاء الأرض تـفتخر
خــصالها الغـرّ جـلت ان تـلوك بـها * مــنا المــقاول أو تـدنو لهـــا الفكر
معنى النـبوة سـر الوحـي قــد نـزلت * في بـيت عـصمتها الايـات والســـور
حــوت خــلال رسـول الله أجــمعها * لولا الرســالة ســاوى أصــله الثـمر
تدرجت في مـراقـي الحـقّ عـارجــة * لمشـرق النـور حـيث الســر مســتتر
ثـم انــثنت تـملأ الدنـيا مـعارفــها * تـطوى القـرون عيـاءا وهــي تـنتشر
قل للـذي راح يـخفي فـضلـها حســداً * وجــه الحــقيقة عــنا كـيف يـنستر
أتـقرن النــور بـالظلماء مــن سـفهٍ * مــا أنت فـي القـول إلاّ كـاذب أشــر
بــنت النــبي الـذي لولا هــدايــته * مــا كــان للحــق لاعــين ولا أثـر
هـــي التــي ورثت حــقاً مـفاخرة * والعــطر فـيه الذي فــي الورد مـدخر
فــي عـيد مـيلادها الامـلاك حــافلة * والحور فـي الجـنة العـليا لهــا ســمر
تزوجت في الســـما بـالمرتضى شـرفا * والشـمس يـقرنـها فــي الرتـبة القـمر
عــلى النـبوة أضـفت في مـراتــبها * فــضل الولايــة لا تــبقي ولا تــذر
ام الأئــمة مــن طــوعها لرغـبتهم * يـعلو القــضاء بـنا او يـنزل القـــدر
قف يا يراعـيّ عن مـدح البـتول فـفي * مـــديحها تــــهتف الالواح والزبــر
وارجــع لنسـتخبر التـاريخ عـن نـبأٍ * قــد فــاجئتنا بـه الانــــباء والسـير
هل اسقط القـوم حـقا حـملها فــهوت * تــئن مــما بــها والضـلع مـــنكسر
وهـل كـما قـيل قـادوا بـعلها فـعدت * وراه نــــادبة والدمـــع مــــنهمر
ان كـان حـقا فـان القـوم قـد مـرقوا * عن دينهم وبشــرع المــصطفى كـفروا

( 322 )

المستوى الأوّل
المعرفة التاريخية لها عليها السلام

وذلك من جهة ولادتها وشهادتها زمانا ومكانا ومارافق ذلك من ملابسات واحداث مهمة وما عاصرته تغيرات في حياة الأمة سياسيا وفكريا واجتماعيا وما يرتبط بذلك من سلاطين الجور واتباع الظالمين وفقهاء الفسق والفجور وغدر لمنافقين والمتملقين واتباع اللقمة والراقصين على رنين الدراهم والدنانير وانصار الوفاء والاخلاص وما سارق ذلك من تفصيلات لها الاهمية في حياتهم عليهم السلام او في حياة اتباعهم واولياؤهم .

ولادة فاطمة عليها السلام

أما ولادة الصديقة فكان في العشرين من جمادي الاخرة كما صرح به المفيد في مساره (1) ونقل عن حدائقه (2) ، وصرح به الشيخ في مصباحه (3) ، ورواه الطبري الامامي (4) عن الصادق عليه السلام ولم نقف على مخالف صريح ، وان سكت تكثير .
واختلف في سنته فالكليني (5) قال : بعد النبوة بخمس سنين وكذلك المسعودي في الاثبات (6) وذهب المفيد والكتابين (7) إلى انه بعده باثنتين .
____________
(1) مسار الشيعة : 21 .
(2) حدائق الرياض : نقلا عن الاقبال : 621 ، عن البحار : 43 | 8 ح 12 .
(3) مصباح المتهجد : 733 ، عن البحار : 43 | 9 ح 15 .
(4) دلائل الإمامة : 10 عن البحار : 43 | 9 ح 16 .
(5) الكافي : 1 | 457 ح 10 ، عن البحار : 43 | 9 ح 13 .
(6) اثبات الوصية : 154 ، وذهب المسعودي في ذكر تاريخ ولادة الإمام الحسن عليه السلام ونسبه له إلاّ ان هذا التاريخ لفاطمة عليها السلام علما بان ولادة الإمام الحسن المشهورة سنة 2 للهجرة .
(7) مسار الشيعة : 31 .

( 323 )

وفي مصباح الشيخ (1) كان مولدها عليها السلام سنة اثنين من المبعث في بعض الروايات ، وفي رواية اول سنة والعامة تروي قبل المبعث بخمس . والصحيح الأوّل كما رواه ابن خشاب على نقل الكشف (2) عن شيوخه ، مرفوعاً عن الباقر عليه السلام ، والطبري إلامامي (3) مسندا عن الصادق ، والكليني (4) صحيحا عن الباقر عليه السلام وذهب العامة كمحمد بن اسحاق (5) ، وأبي نعيم (6) وأبي الفرج (7) . إلى انها كانت قبل النبوة حين تبني قريش الكعبة ، ورواه الاخير باسناده عن الصادق والتعويل عليه على رواية الخاصة ، ولايبعد انهم قالوا بكون مولدها قبل النبوة انكارا لما ورد ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول اشم من فاطمة رائحة الجنة لأنّ انعقادها كان من فاكهة الجنة ليلة المعراج (8) .
عن أبي عبدالله جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : معاشر الناس ، أتدرون لما خلقت فاطمة ؟ قالوا : الله ورسوله اعلم . قال : خلقت فاطمة حوراء انسية لا انسية ، وقال : خلقت من عرق جبرئيل ومن زغبه . قالوا : يا رسول الله ، استشكل ذلك علينا ، تقول : حوراء انسية لا انسية ، ثم تقول : من عرق جبرئيل عليه السلام ، فضمها إلى صدره فعرق جبرئيل ، وعرقت التفاحة ، فصار عرقهما شيئا واحدا ، ثم قال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قلت : وعليك السلام يا جبرئيل فقال : ان الله اهدي اليك تفاحة من الجنة ، فأخذتها وقبلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري . ثم قال يا محمد ، كلها ، قلت : يا حبيبي يا جبرئيل ، هدية ربي تؤكل ؟ قال : نعم ، قد امرت بأكلها ، فأفلقتها فرأيت منها نورا ساطعا ففزعت من ذلك النور ، قال : كل فان ذلك نور المنصورة قلت : يا جبرئيل ، ومن
____________
(1) مصباح المتهجد : 733 ، عن البحار ، 43 | 9 ح 8 .
(2) كشف الغمة : 1 | 449 ،عن البحار : 43 | 7 ح 8 .
(3) دلائل الإمامة : 79 ح 18 .
(4) الكافي : 1 | 457 ح 10 .
(5) لم نعثر عليه في السيرة .
(6) حلية الأولياء .
(7) مقاتل الطالبين : 48 .
(8) تواريخ النبي والال : 25 .

( 324 )

المنصور ؟ قال : جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة ، وفي الأرض فاطمة ، فقلت : يا جبرئيل ولم سميت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة ؟ قال : سميت « فاطمة » في الأرض لانه فطمت شيعتها من النار ، وفطموا أعداؤها عن حبها ، وذلك قول الله في كتابه : ( ويؤمئذًٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ) (1) بنصر فاطمة عليها السلام .
بيان : الزغب : الشعيرات الصغرى على ريش الفرخ ؛ وكونها من زغب جبرئيل إما لكون التفاحة فيها وعرقت من بينها ، أو لانه التصق بها بعض ذلك الزغب فأكله النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
وعن المفضل بن عمر قال : قلت لابي عبدالله جعفر بن محمد عليها السلام : كيف كانت ولادة فاطمة عليها السلام ؟ قال : نعم ، إن خديجة عليها رضوان الله لما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هجرتها نسوة مكة ، فكن لايدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها ، فاستوحشت خديجة من ذلك ، فلما حملت بفاطمة عليها السلام صارت تحدثها في بطنها وتصبرها ، وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فدخل يوماً وسمع خديجة تحدث فاطمة ، فقال لها : يا خديجة ، من يحدثك ؟ قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني . فقال : لها : هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى وأنها النسمة الطاهرة الميمونة ، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه فلم تزل خديجة رضي الله عنها على ذلك إلى ان حضرت ولادتها ، فوجهت إلى نساء قريش ونساء بني هاشم يجئن ويلين منها ماتلي النساء من النساء ، فأرسلن اليها : عصيتينا ولم تقبلي قولنا ، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له ، فلسنا نجيء ولانلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة لذلك ، فبينا هي كذلك اذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من من نساء بني هاشم . ففزعت منهن ، فقالت لها احداهن : لا تحزني يا خديجة ، فإنا رسل ربك اليك ، ونحن أخواتك ، أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة ، وهذه مريم بنت
____________
(1) الروم : 4 .
(2) « البحار » 43 | 18 .

( 325 )

عمران ، وهذه صفراء (1) بنت شعيب ، بعثنا الله تعالى اليك لنلي من أمرك ماتلي النساء من النساء .
فجلست واحدة عن يمينها ، والاخرى عن يسارها ، والثالثة من بين يديها ، والرابعة من خلفها ، فوضعت خديجة فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرة . فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها نور حتى بيوتات مكة ، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها ، موضع إلا أشرق فيه حتى دخل بيوتات مكة ، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها ، فغسلتها بماء الكوثر ، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن واطيب رائحة من المسك والعنبر ، فلفتها بواحدة ، وقنعتها بالاخر ، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بشهادة « أن لا إله إلا الله ، وأن أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأنبياء وأن بعلي سيد الأوصياء ، وأن ولدي سيد الاسباط » ، ثم سلمت عيلهن ، وسمت كل واحدة منهن باسمها ، وضحكن اليها ، وتباشرت الحور العين ، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام ، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم ، فلذلك سميت « الزهراء » عليها السلام ، وقالت : خذيها عليها السلام فرحة مستبشرة فألقمتها ثديها فشربت ، فدر عليها . وكانت عليها السلام تنمي في كل يوم كما ينمي الصبي في الشهر ، وفي شهر كما ينمي الصبي في سنةٍ صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها (2) .
وقيل : بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالس بالأبطح ومعه عمار ابن ياسر والمنذر بن الضحضاح وأبوبكر وعمر وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب ، إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام في صورته العظمى ، قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب ، فناداه : يا محمد الاعلى يقريء عليك السلام وهو يأمرك ان تعتزل عن خديخة أربعين صباحاً . فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لها محباً وبها وامقاً (3) . قال : فأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل ، حتى إذا كان
____________
(1) قيل انها صفوراء .
(2) « البحار » 16 | 80 .
(3) الوامق : المحب .

( 326 )

في آخر أيامه تلك ، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال : قل لها : يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك ( هجرة ) ولاقلى ، ولكن ربي عزوجل أمرني بذلك لتنفذ امره ، فلا تظني يا خديجة الاّ خيراً ، فان الله عزوجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً . فإذا جنك الليل فأجيفي الباب (1) وخذي مضجعك من فراشك فإني في منزل فاطمة بنت أسد . فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فلما كان في كمال الاربعين هبط جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد ، العلي الاعلى يقرئك السلام وهو يأمرك ، ان تتأهب لتحيته وتحفته ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرئيل ، وما تحفه ربّ العالمين ؟ وما تحيته ؟ قال : لاعلم لي . قال : فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك اذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس ـ او قال استبرق ـ فوضعه بين يدي البني صلى الله عليه وآله وسلم
حسست بثقل فاطمة في بطني (2) . ولقد علق العلامة الهمداني على هذا الحديث بقوله : يستفاد من هذا الحديث الشريف امور مهمة وفوائد عظيمة هي دالة على سمو جلالة بضعة خير المرسلين ، وعلو منزلة زوجة افضل الوصيين وام الائمة الطاهرين ـ صلوات الله عليهم اجمعين . منها نزول جبرئيل عليه السلام على صورته الاصلية كنزوله في اول البعثة . ففي « البحار » ج 18 | ص 247 : « ان محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان بحراء ، فطلع له جبرئيل عليه السلام من المشرق ، فسد الافق إلى المغرب » . ومعلوم ان مجيئه عليه السلام على هذه الهيئة لأمر عظيم . ومنها اعتكافه صلى الله عليه وآله وسلم اربعين يوما في بيت فاطمة بنت اسد ـ رضي الله عنها ـ قائما ليلة ، صائما نهاره ، واعتزاله عن الناس وعن زوجته الكريمة خديجة الكبرى سلام الله عليها ، كما كان معتكفا ومعتزلا في اول البعثة بحراء ، نعم كان اعتكافه صلى الله عليه وآله وسلم يؤمئذ لاجل ان يكون مهيئا للنبوة والرسالة ، وفي هذا الموقف لكونه متأهبا للتحفة الالهية التي ستكون منشاً الإمامة والولاية ، بل هي عنصر شجرة النبوة كما جاء عن الباقر عليه السلام (3) . ومنه نزول ترك سنته في افطاره ، من ادخال كل من يرد للافطار ، واختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الطعام . ومنها ترك سنته في التطهر عند وروده
____________
(1) أجفت الباب : رددته .
(2) البحار : 16 | 78 ـ 80 .
(3) انظر « مجمع البحرين » .

( 327 )

المنزل للصلاة عند النوم . ولا يخفى ان الترك انما يكون للأهم ، فتفطن .

تحقيق وتبيين

الذي يستفاد من الأخبار والاحاديث التي وصلت الينا من طريق أهل البيت عليهم السلام إن فاطمة عليها السلام ولدت على فطرة الإسلام وبعد نزول الوحي على أبيها صلى الله عليه وآله وسلم خلافا لما في بعض كتب العامة ، فاليك بعض نصوصها :
1 ـ قال علي بن الحسين عليهم السلام في حديث طويل : ولم يولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة عليها السلام على فطرة الاسلام إلاّ فاطمة عليها السلام ، وقد كانت خديجة قبل الهجرة بسنة ، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة (1) ...
2 ـ عن حبيب السجستاني قال : سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول : ولدت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد مبعوث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين ، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما (2) .
3 ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ولدت فاطمة في جمادي الآخرة اليوم العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأقامت بمكة ثمان سنين ، وبالمدينة عشر سنين وبعد وفاة ابيها خمساً وسبعين يوماً (3) .
4 ـ قال ابن الخشاب في تاريخ مواليد ووفاة أهل البيت عليهم السلام نقله عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمد بن علي عليها السلام قال : ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وانزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبني البيت ، وتوفيت ولها ثمانية عشر سنة وخمسة وسبعون يوماً (4) .
أقول : قوله « وقريش تبني البيت » لا تنطبق على نزول الوحي ، لأنّ بناء البيت منهم
____________
(1) روضة الكافي : 340 ، الرقم 536 .
(2) البحار : 43 | 9 .
(3) « البحار » ج 43 ، ص 9 .
(4) « كشف الغمة » ج 1 ، ص 339 .

( 328 )

كان قبل المبعث . ثم هذا الموقف أخبار تؤكد وتؤيد مضامين تلك الأخبار ، وهي روايات تدل على انه صلى الله عليه وآله وسلم اسري به إلى السماء وادخل الجنة فتناول من ثمار الجنة ، فلما رجع واقع خديجة عليها السلام فتكوت نطفة فاطمة الزهراء عليها السلام من تلك الثمار ، ومعلوم ان قضية الاسراء وقعت بعد البعثة بلا خلاف .

شهادة الصديقة فاطمة عليها السلام
إلام التـوانـي صـاحب الطـلعة الغـرا * اما آن مــن أعــداك ان تـطلب الوتـرا
فديناك لم أغضيت عــمّا جـرى عـلى * بني المصطفى منها وقـد صدع الصــخرا
أتـغضي وتـنسى امك الطـهر فــاطما * غداة عليها القـوم قـد هــجموا جــهرا
أتغـضي وشبوا النـار فـي بـاب دارها * وقـد اوسعوا في عصـرهم ضلعها كسـرا
أتغضي ومنها أسقطوا الطــهر مـحسنا * وقادوا عـلي المــرتضى بـعلها قسـرا
أتـغضي وسـوط العـبد وشـح مـتنها * ومن لطمة الطاغي غــدت عينها حـمرا
أتغضي وقـد مــاتت ومـلؤ فـوادهـا * شــجىً وعـلي بـعد شـيعّها سـرا (1)

اما كيفية شهادتها بنعل عليها السلام فلقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام سبب وفاتها عليها السلام : أن قنفذ مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً ، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً (2) ، وكان علي عليه السلام يمرضها بنفسه ، وتعينه على ذلك السماء بنت عميس ، وفي يوم دخلت نسوة من المهاجرين والانصار على فاطمة بنت رسول الله يعدنها فقلن : السلام عليك يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف أصبحت ؟ فقالت : أصبحت والله عائفة لديناكن قالية لرجالكم ، لفظتهم بعد اذ مججتهم وسئمتهم بعد ان سبرتهم ، فقبحاً لافون الرأي وخطل القول وخور القناة ، ولبئس ما قدمت لهم انفسهم ان سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون لا جرم الله لقد قلدتهم ربقتها وشننت عليهم عارها فجدعا ورغما للقوم الظالمين .
____________
(1) القصيدة للمرحوم الخطيب السيد خضر القزويني ، ديوان شعراء الحسين عليه السلام : ص 230 .
(2) دلائل الإمامة 45 ، البحار 43 ص 170 .

( 329 )

ويحهم أنى زحزحوها عن ابي الحسن ، مانقموا والله منه إلاّ نكير سيفه ونكال وقعه ، وتنمره في ذات الله ، وتالله لو تكافوا عليه عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأتميله ، ثم لسار بهم سيرة سجحا فانه قواعد الرسالة ورواسي النبوة ، ومهبط الروح الامين ، والطبيب بأمر الدين والدنيا والاخرة إلاّ ذلك هو الخسران المبين ، والله لا يلتكم خشاشة ، ولا يتعتع راكبه ، ولا وردهم منهلا رويا فضفاضا تطفح ضفته ، ولا صدرهم بطانا قد خثر بهم الري ، غير متحل بطائل إلاّ تغمر الناهل وردع سورة سغب ، ولو فتحت عليهم بركات من السماء والأرض وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ، فهلم فاسمع ، فما عشت اراك الدهر عجبا ، وان تعجب بعد الحادث ، فما بالهم باي سند استندوا ، ام بأي عروة تمسكوا ، لبئس العشير ، وبئس للظالمين بدلا ، استبدلوا الذنابى بالقوادم ، والحرون بالقاحم ، والعجز بالكاهل ، فتعسا لقوم يحسبون انهم يحسنون صنعا ، ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، أفمن يهدي إلى الحق احق ان يتبع ام من لا يهدي إلاّ ان يهدي لكم كيف تحكمون . لقحت قنطرة فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتبلوا طلاع القعب دما عبيطا ، وذعافا ممضا ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غب ما أسس الاولون ، ثم طيبوا بعد ذلك بانفسكم لفتنها ، ثم اطمأنوا للفتنة جأشا وابشروا بسيف صارم ، وهرج دائم شامل ، واستبداد من الظالمين . يدع فيئكم زهيداً ، وجمعكم حصيدا ، فيا حسرة لهم ، ولقد عميت عليهم الانباء أنلزمكموها وانتم كارهون (1) .

الهموم المتراكمة

ليس المرض لوحده سبب الام الزهراء ، عليها السلام ووجدها وحزنها ، وانما كانت الهموم تجتاحها من كل حدب وصوب ، فحينما كانت تمد جسدها النحيل المكدور على جلد الكبش وتتكىء على وسادة الليف ، تنساب الخواطر إلى رأسها الشريف ، وتهجم عليها الهواجس ، وكأنّ لسان حالها الشريف : آه ... تركوا وصية ابي ... وغصبوا الخلافة
____________
(1) الاحتجاج للطبرسي : 1 | 147 ، البحار : 43 | 161 ، شرح ابن ابي الحديد : 16 | 233 ، بلاغات النساء : 19 .
( 330 )

من زوجي ؟! ولن تنتهي آثارها إلى يوم القيامة ... فبئس عاقبة الخلافة التي توسلت بالحيلة والجور .. بماذا سار المسلمون وانتشرت كلمة الاسلام ؟! بوحدة الكلمة ! والاتحاد بين فصائل المجتمع وصلوا إلى العظمة والرقي ...
آه .. اذهبوا ريحهم .. واوقعوا الخلاف بينهم ، وبدلوا قوة الاسلام الواحدة وطاقة المسلمين المهيبة إلى قوى وطاقات متناثرة ، وجروا العالم الاسلامي إلى العجز والضعف والفرقة والذالة... آه ... انا فاطمة ـ عزيزة رسول الله ـ ارقد الآن على فراش المرض ؟! لم يخف انيني من ضربات هذه الأمة المبرحة .. وأقف على اعتاب الموت ؟ ... أين وصايا أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
.. رباه .. أعلي الشجاع القوي أراه ـ اليوم ـ مضطراً إلى السكوت عن حقه المشروع لحفظ مصلحة الاسلام العليا ؟ ...
اقتربت ساعتي .. وحان أجلي .. وها أنذا أودع الحياة في ربيع عمري وأيام شبابي ... وسأنجو من الهموم والغصص ...
ولكن .. ماذا عن أيتامي الذين سيبقون بعدي ؟ .. أولادي .. الحسن .. الحسين .. زينب .. أم كلثوم ..
آه .. ياللمصائب التي تصب عليهم ـ أيتامي الأعزاء على قلبي ـ . فاني سمعت ابي يقول ـ مراراً ـ : يموت ولدك الحسن مسموماً ، والحسين مقتولاً بالسيف شهيداً عطشاناً .. وهذه علامات ذلك وامارته تلوح لي وأراها بعيني ... كان صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ صغيري الحسين ـ مرة ـ ويقبل نحره ويبكي لمصيبة ، ويأخذ الحسن ـ اخرى ـ ويلصق صدره بصدره ويقبله في فمه ، ويذكر مصائب زينب ، وأم كلثوم فيبكي ...
نعم .. كانت تمر هذه الخواطر في ذهن فاطمة عليها السلام وتؤلمها ، فتشحب يوما بعد يوم ، وتنحل ساعة بعد ساعة ، وقد ورد في الاثر ان فاطمة لما حضرتها الوفاة بكت ، فقال لها أمير المؤمنين : يا سيدتي ما يبكيك ؟ قالت : أبكي لما تلقى بعدي ، فقال لها : لا تبكي ، فوالله ان ذلك لصغير عندي في ذات الله (1) .
____________
(1) البحار : 43 | 218 .