احتجاج فاطمة الزهراء عليها السلام
على القوم لمّا منعوها فدك (1)

روى عبدالله بن الحسن عليه السلام بإسناده عن آبائه عليهم السلام أنّه لمّا أجمع (2) أبو بكر على منع فاطمة عليها السلام فدك ، وبلغها ذلك ، لاثت خمارها على رأسها (3) ، واشتملت بجلبابها (4) ، وأقبلت في لمةٍ (5) من حفدتها (6) ونساء قومها ، تطأ ذيولها (7) ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (8) ، حتّى دخلت على أبي بكرٍ ـ وهو في حشدٍ (9) من المهاجرين
____________
(1) قال العلامة المجلسي رضي الله عنه في البحارج 8 | ص 114 ، ط الكمباني : ولنوضح الخطبة الغّراء عن سيدّة النساء صلوات الله عليها ، الّتي تحيّر من العجب منها والاعجاب بها أحد الفصحاء والبلغاء ، ونبني الشرح على رواية ، « الاحتجاج » ونشير أحياناً إلى الروايات الأخر .
(2) أي أحكم النيّة والعزيمة عليه .
(3) أي عصبته وجمعته يقال : لاث العمامة على رأسه يلوثها لوثاً ، أي شدّها وربطها .
(4) الجلباب ، بالكسر : يطلق على الملحفة والرداء والازارة ، والثوب الواسع للمرأة دون الملحفة والثوب كالمقنعة تغطّي بها المرأة رأسها وصدرها وظهرها . والأول هنا أظهر .
(5) اللمة ، بضم اللام وتخفيف الميم : الجماعة . قال في النهاية : « في حديث فاطمة عليها السلام أنّها خرجت في لمة من نسائها ، تتوطّأ ذيلها إلى أبي بكر فعاتبته ، أي في جماعة من نسائها . قيل : هي ما بين الثالثة إلى العشرة ، وقيل : اللمة : المثل في السن والترب » . وقال الجوهري : « الهاء عوض من الهمزة الذاهبة من وسطه ، وهو مما اخذت عينه كسهٍ ومذ ، وأصلها فعلة من الملائمة وهي الموافقة » . انتهى . أقول : ويحتمل أن يكون بتشديد الميم ، قال الفيروز آبادي : « اللّمّة بالضم : الصاحب والاصحاب في السفر والمونس ، للواحد والجمع » .
(6) الحفدة ، بالتحريك : الأعون والخدم .
(7) أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها وتضع عليها قدمها عند المشي . وجمع الذيل باعتبار الأجزاء أو تعدد الثياب .
(8) في بعض النسخ « من مشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » . والخرم : الترك والنقص والعدول . المشية بالكسر : الاسم من مشى يمشي مشيا ، أي لم تنقص مشيتها من مشيته صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً كأنّه هو بعينه . قال في النهاية : « فيه : ما خرمت من صلاة رسول الله شيئاً ، أي ما تركت . ومنه الحديث : لم أخرم منه حرفاً ، أي لم أدع » .
(9) الحشد ، بالفتح وقد يحرّك : الجماعة . وفي الكشف : « إنّ فاطمة عليها السلام لمّا بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها ، وأقبلت في لميمه من حفدتها ونساء قومها ، تجرّ أدراعها ، وتطأ في ذيولها ، ما تخرم من مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى دخلت على أبي بكر وقد حشد المهاجرين

( 471 )

والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة (1) ، فجلست ، ثم أنّت أنّه أجهش القوم (2) لها بالبكاء . فارتج المجلس (3) ثم أمهلت هنيّة (4) حتى اذا سكن نشيج القوم (5) ، وهدأت فورتهم (6) ، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله ، فعاد القوم في بكائهم ، فلّما أمسكوا عادت في كلامها ، فقالت عليها السلام :
الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، والثناء بما قدّم ، من عموم نعم ابتدأها (7) ، وسبوغ آلاء أسداها (8) ،وتمام مننٍ والاها (9) ، جمّ عن الاحصاء عددها (10) ، ونأى عن الجزاء أمدها (11) ، وتفاوت عن الإدراك أبدها (12) ، وندبهم
____________
والأنصار ، فضرب بينهم بريطة بيضاء ـ وقيل : قبطيّة ـ فأنّت أنّه أجهش لها القوم بالبكاء ، ثمّ أمهلت طويلاً حتى سكنوا من فورتهم ، ثمّ قالت : ابتدىء بحمد من هو أولى بالحمد والطول والمجد ، الحمد لله على ما أنعم » .
(1) الملاءة ، بالضم والمدّ : الريطة والازار ، ونيطت بمعنى علّقت ، أي ضربوا بينها عليها السلام وبين القوم ستراً وحجاباً . والريطة ، بالفتح : الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين ، أوهي كلّ ثوب ليّن رقيق ، والقبطّية ، بالكسر : ثياب بيض رقاق من كتّان تتّخذ بمصر ، وقد يضمّ لأنّهم يغيّرون في النسبة .
(2) الجهش أن يفزع الإنسان إلى غيره وهو مع ذلك يريد البكاء كالصبيّ يفزع إلى امه وقد يتهيّا للبكاء يقال : جهش إليه ـ كمنع ـ وأجهش .
(3) الارتجاع : الاضطراب .
(4) أي صبرت زماناً قليلاً .
(5) النشيج : صوت معه توجع وبكاء كما يردد الصبيّ بكاءه في صدره .
(6) هدأت ـ كمنعت ـ أي سكنت . وفورة الشيء : شدته ، وفارالقدر أي جاشت .
(7) أي بنعم أعطاها العباد قبل أن يستحقوها . ويحتمل أن يكون المراد بالقديم الإيجاد والفعل من غير ملاحظة معنى الابتداء فيكون تأسيساً .
(8) السبوغ : الكمال . والآلاء : النعماء ، جمع ألى ، بالفتح والقصر وقد يكسر الهمزة . وأسدى وأولى وأعطى بمعنى واحد .
(9) والاها ، أي تابعها بإعطاء نعمة بعد اخرى بلافصل .
(10) جمّ الشيء أي كثر . والجم : الكثير ، والتعدية بعن لتضمين معنى التعدي والتجاوز .
(11) الأمد بالتحريك : الغاية « و » المنتهي ، أي بعد عن الجزاء بالشكر غايتها . فالمراد بالأمد إمّا الأمد المفروض إذلا أمد لها على الحقيقة ، أو الأمد الحقيقى لكل حد من حدودها المفروضة ، يحتمل أن يكون المراد بأمدها ابتداؤها ، وقد مر في كثير من الخطب بهذا المعنى . وقال في النهاية : « في حديث الحجّاج قال للحسن : ما أمدك ؟ قال : سنتان من خلافة عمر . أراد أنه ولد لسنتين من خلافته . وللإنسان أمدان : مولده وموته » انتهى . وإذا حمل عليه يكون أبلغ . ويحتمل على بعد أن يقرأ بكسر الميم ، قال الفيروز آبادي : « الآمد : المملوّ من خير وشرّ ، والسفينة المشحونة » .
(12) التفاوت : البعد . والأبد : الدهر ، والدايم ، والقديم الازليّ . وبعده عن الإدراك لعدم الانتهاء .

( 472 )

لاستزادتها بالشكر لا تصالها (1) ، واستحمد إلى الخلايق بإجزالها (2) ، وثنّى بالندب إلى أمثالها (3) . وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها (4) ، وضمن القلوب موصولها (5) ، وأنار في الفكر معقولها (6) . الممتنع من
____________
(1) يقال : ندبه لإمر وإليه فانتدب ، أي دعاه فأجاب . واللام في قولها « لا تصالها » لتعليل الندب ، أي رغّبهم في استزاده النعمة بسبب الشكر لتكون نعمة متصلة لهم غير منقطعة عنهم . وجعل اللام الاولى للتعليل والثانية للصلة بعيد . وفي بعض النسخ : « لإفضالها » فيحتمل تعلقه بالشكر .
(2) أي طلب منهم الحمد بسبب إجزال النعم وإكمالها عليهم ، يقال : أجزلت له من العطاء ، أي أكثرت ، وأجزاك النعم ، كأنه طلب الحمد ، أو طلب منهم الحمد حقيقة لإجزال النعم . وعلى التقديرين التعدية بإلى لتضمين معنى الانتهاء أو التوجه ؛ وهذه التعدية في الحمد شايع بوجه آخر ، يقال : أحمد إليك الله ، قيل ، أي أحمده معك ، وقيل : أي أحمد إليك نعمة الله بتحديثك إياها . ويحتمل أن يكون « استحمد » بمعنى تحمّد ، يقال : فلان يتحمّد عليّ ، أي يمتن ، فيكون إلى بمعنى على ، وفيه بعد .
(3) أي بعد أن أكمل لهم النعم الدينوية ندبهم إلى تحصيل أمثالها من النعم الاخروية أو الأعم منها ومن مزيد النعم الدنيوية . ويحتمل أن يكون المراد بالندب إلى أمثالها أمر العباد بالإحسان والمعروف وهو إنعام على المحسن إليه ، وعلى المحسن أيضاً ، لأنه به يصير مستوجباً للأعواض والمثوبات الدنيوية والاخروية .
(4) المراد بالاخلاص جعل الأعمال كلها خالصة لله تعالى ، وعدم شوب الرياء والأغراض الفاسدة ، وعدم التوسل بغيره تعالى في شيء من الامور ؛ فهذا تأويل كلمة التوحيد ، لأن من أيقن بأنه الخالق والمدبر وبأنه لا شريك له في الالهية فحق له أن لا يشرك في العبادة غيره ، ولا يتوجه في شيء من الامور إلى غيره .
(5) هذه الفقرة تحتمل وجوهاً .
الأول : أن الله تعالى الزم وأوجب على القلوب ما تستلزمه هذه الكلمة من عدم تركيبه تعالى وعدم زيادة صفاته الكمالية الموجودة وأشباه ذلك مما يؤول إلى التوحيد .
الثاني : أن يكون المعنى : جعل ما يصل إليه العقل من تلك الكملة مدرجاً في القلوب بما أراهم من الآيات في الآفاق وفي أنفسه ، أو بما فطرهم عليه من التوحيد .
الثالث : أن يكون المعنى لم يكلف العقول الوصول إلى منتهى دقايق كلمة التوحيد وتأويلها ، بل إنما كلف عامة القلوب بالإذعان بظاهر معناها وصريح مغزاها ، وهو المراد بالوصول .
الرابع : أن يكو الضمير في « موصولها » راجعاً إلى القلوب ، أي لم يلزم القلوب إلاّ ما يمكنها الوصول إليها من تأويل تلك الكلمة الطيبة والدقايق المستنبطة منها ، أو مطلقاً ؛ ولولا التفكيك لكان أحسن الوجوه بعد الوجه الأوّل ، بل مطلقاً .
(6) أي أوضح في الاذهان ما يتعقل من تلك الكلمة بالتفكر في الدلايل والبراهين . ويحتمل إرجاع الضمير إلى القلوب . والفكر بصيغة الجمع ، أي أوضح بالتفكر ما يعقلها العقول . هذا يؤيّد الوجه الرابع من وجوه الفقرة السابقة .

( 473 )

الأبصار رؤيته (1) ، ومن الألسن صفته (2) ، ومن الأوهام كيفيته ، ابتدع الأشياء لامن شيء كان قبلها (3) ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلةٍ امتثلها (4) ، كونها بقدرته ، وذرأها بمشيته ، من غير حاجةٍ منه إلى تكوينها ، ولافائدة له في تصويرها إلاّ تثبيتاً لحكمته ، وتنبيهاً على طاعته (5) ، وإظهاراً لقدرته ، وتعبداً لبريته (6) ، وإعزازاً لدعوته (7) . ثمّ جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادةً لعباده عن نقمته (8) ، وحياشةً منه إلى جنته (9) . أشهد أن أبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله ، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله ، وسماه قبل أن اجتبله (10) ، واصطفاه قبل ان ابتعثه ، اذ الخلائق بالغيب مكنونة وبستر الأهاويل مصونة (11) ، وبنهاية العدم مقرونة ، علما من الله تعالى بمآيل
____________
(1) يمكن أن يقرأ « الأبصار » بصيغة الجمع ، والمصدر ، والمراد بالرؤية العلم الكامل والظهور التامّ .
(2) الظاهر أنّ الصفة هنا مصدر ، ويحتمل المعنى المشهور بتقدير ، أي بيان صفته .
(3) « لا من شيء » أي مادة .
(4) احتذى مثاله : اقتدى به . « وامتثلها » أي تبعها ولم يتعدّ عنها ، أي لم يخلقها على وفق صنع غيره .
(5) لأن ذوي العقل ينتبهون بمشاهدة مصنوعاته بأن شكر خالقها والمنعم بها واجب وأنّ خالقها مستحق للعبادة ، أو بأنّ من قدر عليها بقدر على الإعادة والانتقام .
(6) أي خلق البرّية ليتعبدهّهم ، أو خلق الأشياء ليتعبد البرايا بمعرفته والاستدلال بها عليه .
(7) أي خلق الأشياء ليغلب ويظهر دعوة الأنبياء إليه بالاستدلال بها .
(8) الذود والذياد ، بالذال المعجمة : السوق والطرد والدفع والإبعاد .
(9) حشت الصيد أحوشه : إذا جئته من حوإليه لتصرفه على الحبالة ، ولعل التعبير بذلك لنفور الناس بطباعهم عما يوجب دخول الجنة .
(10) الجبل : الخلق ، يقال : جبلهم الله أي خلقهم ، وجبله على الشيء أي طبعه عليه ، وعلى المعنى أنّه تعالى سماه لأنبيائه قبل أن يخلقه * ؛ ولعل زيادة البناء للمبالغة تنبيها على أنه خلق عظيم . وفي بعض النسخ بالحاء المهملة ، يقال : احتبل الصيد ، أي أخذه بالحبالة ، فيكون المراد به الخلق أو البعث مجازاً ، وفي بعضها « قبل أن اجتباه » أي اصطفاه بالبعثة ، وكلّ منها لا تخلو من تكلف .
* قال السيوطي في « الاتقان » ج 2 | ص 141 اخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن مرة قال : خمسة سموا قبل أن يكونوا : محمد : ومبشراً برسول يأتي من بعدي آسمه أحمد ...
(11) لعل المراد بالستر ستر العدم ، أو حجب الأصلاب والأرحام . ونسبته إلى الأهاويل لما يلحق الأشياء في تلك الاحوال من موانع الوجود وعوائقه ويحتمل ان يكون المراد انها كانت مصونة عن الأهاويل بستر العدم إذ هي إنّما تلحقها بعد الوجود . وقيل : التعبير بالأهاويل من قبيل التعبير عن درجات العدم بالظلمات .

( 474 )

الأمور (1) ، وإحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع المقدور (2) ، ابتعثه الله تعالى إماماً لأمره (3) وعزيمةً على إمضاء حكمه ، وإنفاذاً لمقادير حتمه (4) . فرأى الامم فرقاً في أديانها ، عكّفاً على نيرانها (5) عابدة لأوثانها منكرةً لله مع عرفانها (6) . فأنارالله بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ظلمها (7) وكشف عن القلوب بهمها (8) ، وجلى عن الابصار غممها (9) وقام في الناس بالهداية ، وأنقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية (10) ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم ، ثمّ قبضه الله إليه قبض رأفةٍ واختيار (11) ورغبةٍ وايثار بمحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم (12) عن تعب هذه الدار في راحةٍ ، قد حفّ بالملائكة
____________
(1) على صيغة الجمع أي عواقبها ، وفي بعض النسخ بصيغة المفرد .
(2) أي لمعرفته تعالى بم يصلح وينبغى من أزمنة الامور الممكنة ، المقدورة وأمكنتها ويحتمل أن يكون المراد بالمقدور المقدر ، بل هو أظهر .
(3) أي للحكمة التي خلق الأشياء لأجلها .
(4) الإضافة في « مقادير حتمه » من قبيل اضافة الموصوف إلى الصفة ، أي مقاديره المحتومة .
(5) تفصيل وبيان للفرق بذكر بعضها ، يقال : عكف على الشيء ـ كضرب ونصر ـ أي أقبل عليه مواظباً ولازمه فهو عاكف ، ويجمع على عكّف بضم العين وفتح الكاف المشددة كما هو الغالب في فاعل الصفة نحو شهّد وغيّب . والنيران جمع نار وهو قياس مطرد في جمع الأجوف نحو تيجان وجيران .
(6) لكون معرفته تعالى فطرية ، أو لقيام الدلائل الواضحة الدالة على وجوده سبحانه .
(7) الضمير في « ظلمها » راجع إلى الامم ، والضميران التاليان له يمكن ارجاعهما اليها وإلى القلوب والابصار . والظلم بضم الظاء وفتح اللام : جمع ظلمة ، استعيرت هنا للجهالة .
(8) البهم : جمع بهمة بالضم ، وهي مشكلات الامور .
(9) جلوت الأمر : أوضحته وكشفته ، والغمم : جمع غمة . يقال : أمر غمّة ، أي مبهم ملتبس ، قال الله تعالى : « ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة » قال أبو عبيدة : مجازها ظلمة وضيق ، وتقول غممت الشيء إذا غطيته وسترته .
(10) العماية : الغواية واللجاج ، ذكره الفيروز آبادي .
(11) واختيار ، أي من الله له ماهو خير له ، أو باختيار منه صلى الله عليه وآله ورضاً ، وكذا الايثار ، والأول أظهر فيهما .
(12) لعلّ الظرف متعلق بالايثار بتضمين معنى الضنة أو نحوها ، وفي بعض النسخ : « محمد » بدون الباء بتكون الجملة استينافيه ، أو مؤكدة للفقرة السابقة أو حالية بتقدير الواو . وفي بعض كتب المناقب القديمة « فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم » وهو أظهر . وفي رواية كشف الغمّة : « رغبة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم عن تعب هذه الدار » وفي رواية أحمد بن أبي طاهر : « بأبي عزّت هذ الدار » ولعّل المراد دار القرار ، ولو كان المراد الدنيا تكون الجملة معترضة . وعلى التقادير لايخلو من تكلف .

( 475 )

الأبرار ورضوان الرّب الغفار ، ومجاورة الملك . صلى الله على أبي نبيّه وأمينه على الوحي ، وصفيه وخيرته من الخلق ورضيه ، والسلام عليه رحمة الله وبركاته .
ثمّ التفت إلى أهل المجلس وقالت : أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه (1) وحملة دينه ووحيه ، وأمناء الله على أنفسكم ، وبلغاؤه إلى الامم (2) ، وزعمتم حق لكم (3) لله فيكم ، عهد قدمه اليكم ، وبقية استخلفها عليكم (4) : كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بينة بصائره (5) ، منكشفة سرائره (6) ، متجلية ظواهره ، مغتبطة به أشياعه (7) ، قائد إلى الرضوان اتباعه ، مؤدٍ إلى النجاة إسماعه (8) . به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة ، ومحارمه المحذرة ، وبيناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة (9) ، وشرايعه المكتوبة .
____________
(1) قال الفيروز آبادي : « النصب بالفتح : العلم المنصوب ، ويحرك . وهذا نصب عيني ، بالضم والفتح » انتهى . أي نصبكم الله لأوامره ونواهيه وهو خير الضمير . و « عباد الله » منصوب على النداء .
(2) أي تؤدون الأحكام إلى ساير الناس لأنكم أدركتم صحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
(3) أي زعمتم أن ما ذكر ثابت لكم ، وتلك الأسماء صادقة عليكم بالاستحقاق . ويمكن أن يقرأ على الماضي المجهول . وفي إيراد لفظ الزعم إشعار بأنهم ليسوا متصفين بها حقيقة وإنما يدّعو ذلك كذبا . ويمكن أن يكون « حق لكم » جملة اخرى مستانفة ، أي زعمتم أنكم كذلك وكان يحق لكم وينبغي أن تكونوا كذلك لكن قصرتم . وفي بعض النسخ : « وزعمتم حق له فيكم وعهد » وفي كتاب المناقب القديم : « زعمتم أن لا حق لي فيكم ، عهداً قدمه إليكم » فيكون « عهداً » منصوباً باذكروا ونحوه * وفي الكشف : « إلى الامم حولكم ، لله فيكم عهد » .
* وفي الإحتجاج المطبوع : « زعيم حقّ له فيكم وعهد ... » فلا يحتاج إلى التكلف .
(4) العهد : الوصية . وبقية الرجل : ما يخلفه في أهله . والمراد بهما القران ، أو بالاوّل ما أوصاهم به في أهل بيته وعترته ، وبالثاني القرآن ، وفي رواية أحمد بن أبي طاهر : « وبقيّة استخلفنا عليكم ومعنا كتاب الله » فالمراد بالبقية أهل البيت عليهم السلام ، وبالعهد ما أوصاهم به فيهم .
(5) البصائر : جمع بصيرة وهي الحجّة .
(6) المراد بانكشاف السرائر وضوحها عند حملة القرآن وأهله .
(7) الغبطة أن يتمنى المرء مثل حال المغبوط من غير أن يريد زولها منه ، تقول : غبطته فاغتبط . والباء للسبيية أي أشياعه مغبوطون بسبب اتباعه . وتلك الفقرة غير موجودة في ساير الروايات .
(8) على بناء الافعال ، أي تلاوته . وفي بعض نسخ الاحتجاج وساير الروايات : « استماعه » .
(9) المراد بالعزائم : الفرائض ، وبالفضائل : السنن ، وبالرخص : المباحات بل ما يشمل المكروهات ، وبالشرايع ما سوى ذلك من الاحكام كالحدود والديات والأعم ، وأما الحجج والبينات والبراهين فالظاهر أن بعضها مؤكدة لبعض ، ويمكن تخصيص كل منها ببعض ما يتعلق باصول الدين لبعض المناسبات . وفي رواية أبي طاهر : « وبيناته الجالية وجمله الكافية »

( 476 )

فجل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك ، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر ، والزكاة تزكية للنفس (1) ونماء في الرزق (2) ، والصيام تثبيتاً للإخلاص (3) ، والحجّ تشييداً للدين (4) ، والعدل تنسيقاً للقلوب (5) ، واطاعتنا نظاماً للملة ، وإمامتنا أمانا من الفرقة ، والجهاد عزاً للإسلام ، والصبر معونةً على استيجاب الأجر (6) ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامّة ، وبر الوالدين وقايةً من السخط (7) ، وصلة الارحام منماةً للعدد (8) ، والقصاص حصناً للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين
____________
فالمراد بالبينات : المحكمات وبالجمل : المتشابهات ، ووصفها بالكافية لدفع توهم نقص فيها لاجمالها فإنها كافية فيما اريد منها ، ويكفي معرفة الراسخين في العلم بالمقصود منها فإنهم المفسرون لغيرهم . ويحتمل أن يكون المراد بالجمل العمومات التي يستنبط منها الأحكام الكثيرة .
(1) أي من دنس الذنوب ، أو من رذيلة البخل ، إشارة إلى قوله تعالى : ( تطهرهم وتزكيهم بها ) .
(2) إيماء إلى قوله تعالى ( وما آتيتم من زكوة تريدون وجه الله فاولئك هم المضعفون ) ، على بعض التفاسير .
(3) أي لتشيد الإخلاص وإيقائه أو لا ثباته وبيانه . ويؤيد الأخير أن في بعض الروايات : « تبيينا » . وتخصيص الصوم بذلك لكونه أمراً عدمياً لا يظهر لغيره تعالى ، فهو أبعد من الرياء وأقرب الى الاخلاص . وهذا أحد الوجوه في تفسير الحديث المشهور : « الصوم لي وأنا أجزي به » وقد شرحناه في حواشي الكافي وسياتي في كتاب الصوم إن شاء الله تعالى .
(4) إنما خص التشيد به لظهوره ووضوحه وتحمل المشاق فيه وبذل النفس والمال له ؛ فالاتيان به أدل دليل على ثبوت الدين ؛ أو يوجب استقرار الدين في النفس لتلك العلل وغيرها مما لا نعرفه . ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما ورد في الأخبار الكثيرة من أن علة الحج التشرف بخدمة الإمام وعرض النصرة عليه وتعلم شريع الدين منه ، فالتشييد لا يحتاج إلى تكلف . وفي العلل ورواية ابن أبي طاهر : « تسليةً للدين » فلعل المعنى تسلية للنفس بتحمل المشاق وبذل الأموال بسبب التقيد بالدين ؛ أو المراد بالتسلية الكشف والأيضاح فإنها كشف الهم ؛ أو المراد بالدين أهل الدين . أو اسند إليه مجازاً . والظاهر أنه تصحيف « تسنية » وكذا في بعض نسخ العلل ، أي يصبير سبباً لرفعة الدين وعلوّه .
(5) التنسيق : التنظيم . وفي العلل : « مسكاً للقلوب » أي ما يمسكها . وفي القاموس : « المسكة بالضم : ما يتمسك به وما يمسك الأبدان من الغذاء والشراب ، والجمع كصرد . والمسك محركة : الموضع يمسك الماء » . وفي رواية ابن أبي طاهر والكشف : « تنّسكا للقلوب » أي عبادةً لها ، لأن العدل أمر نفساني تظهر آثاره على الجوارح .
(6) إذ به يتم فعل الطاعات وترك السيئات .
(7) أي سخطهما أو سخط الله تعالى ، والأول أظهر .
(8) المنماة : اسم مكان أو مصدر ميمي أي بصير سبباً لكثرة عدد الأولاد والعشاير ، كما أن قطعها يذر الديار بلاقع من أهلها .

( 477 )

تغييراً للبخس (1) ، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس (2) ، واجتناب القذف حجاباً عن اللّغة (3) ، وترك السرقة إيجاباً للعفة (4) ، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية ، ( فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون ) وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنه ( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ) .
ثمّ قالت : أيّها الناس ! اعلموا أنّي فاطمة ، وأبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، أقول عوداً وبدءاً (5) ، ولا أقول ما أقول غلطاً ، ولا أفعل ما أفعل شططاً (6) : ( ولقد جاءكم رسول من أنفسكم (7) عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم (8) بالمؤمنين روؤف رحيم (9) ) (10) فإنّ تعزوه (11) وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزّي إليه صلى الله عليه وآله سلم . فبلغّ الرسالة صادعاً بالنذارة (12) مائلاً عن مدرجة
____________
(1) في ساير الروايات : « للبخسة » ، أي لئلا ينقص مال من ينقص المكيال والميزان إذ التوفية موجبة للبركة وكثرة المال ؛ أو لئلا ينقصوا أموال الناس ، فيكون المقصود أن هذا أمر يحكم العقل بقبحه .
(2) إي النجس أو ما يجب التنزه عنه عقلاً ، والأوّل أوضح في التعليل ، فيمكن الاستدلال على نجاستها .
(3) أي لعنة الله ، أو لعنة المقذوف ، أو القاذف ، فيرجع إلى الوجه الأخير في السابقة ، والأول أظهر ، إشارة إلى قوله تعالى : ( لعنوا في الدنيا والآخرة ) .
(4) أي لاولة عن التصرف في أموال الناس مطلقاً ، أو يرجع الى ما مر ، وكذا الفقرة التالية . وفي الكشف بعد قوله « للعفة » : « والتنزه عن أموال الأيتام ، والإستيثار بفيئهم إجارة من الظلم ، والعدل في الاحكام إيناساً للرعية ، والتبري من الشرك إخلاصاً للربوبية » .
(5) أي أوّلاً وآخراً ، وفي رواية أبن أبي الحديد وغيره « أقول عوداً على بدء » . والمعنى واحد .
(6) الشطط بالتحريك : البعد عن الحقّ ومجاوزة الحدّ في كل شيء . وفي الكشف : « ما أقول ذلك سرفاً ولا شططاً » .
(7) أي لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية ، بل عن نكاح طيب ، كما روى عن الصادق عليه السلام . وقيل : أي من جنسكم من البشر ، ثمّ من العرب ، ثمّ من بني إسماعيل .
(8) أي على إيمانكم وصلاح شانكم .
(9) التوبة : آية 128 .
(10) أي رحيم بالمؤمنين منكم ومن غيركم ، والرأفة : شدة الرحمة ، والتقديم لرعاية الفواصل . وقيل : رؤوف بمن رآه ، رحيم بمن لم يره . فالتقديم للاهتمام بالمتعلق .
(11) يقال : « عزوته إلى أبيه » أي نسبته إليه ، أي لن ذكرتم نسبه وعرفتموه تجدوه أبي وأخا بن عمّي ، فالاخوة ذكرت استطرداً ، ويمكن ان يكون الانتساب أعمّ من النسب ومما طرأ أخيراً ، ويمكن ان يقرأ « وآخا » بصيغة الماضي ، وفي بعض الروايات : « فإن تعزّروه وتوقروه » .
(12) الصدع : الإظهار تقول : صدعت الشيء ، أي أظهرته ، وصدعت بالحقّ إذا تكلمت به جهاراً ، قال الله تعالى : « فاصدع بما مؤثر » . والنذارة بالكسر : الإنذار وهو الإعلام على وجه التخويف .

( 478 )

المشركين (1) ، ضارباً ثبجهم (2) ، آخذاً بأكظامهم ، داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة (3) ، يكسر الأصنام وينكت الهام (4) حتى انهزم الجمع وولوا الدبر ، حتى نفرّى اللّيل عن صبحه (5) وأسفر الحق عن محضه (6) ، ونطق زعيم الدين (7) ، وخرست شقاشق الشياطين (8) ، طاح وشيظ النفاق (9) ، انحلّت عقد الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الإخلاص (10) في نفر من البيض الخماص (11) ، وكنتم على شفا
____________
(1) المدرجة : المذهب والمسلك . وفي الكشف : « ناكباً عن سنن مدرجة المشركين » وفي رواية ابن أبي طاهر « مائلاً على مدرجة » أي قائماً للرد عليهم ، وهو تصحيف .
(2) الثبج بالتحريك : وسط الشيء ومعظمه ، والكظم بالتحريك : مخرج النفس من الحلق ، أي كان صلى الله عليه وآله لا يبالي بكثرة المشركين واجتماعهم ولا يداريهم في الدعوة .
(3) كما أمره سبحانه : « ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن » . وقيل : المراد بالحكمة : البراهين القاطعة ، وهي للخواص وبالموعظة الحسنة ، : الخطابات المقنعة والعبر النافعة ، وهي للعوام ، وبالمجادلة التي هي أحسن : إلزام المعاندين والجاحدين بالمقدمات المشهورة والمسلمة ، وأمّا المغالطات والشعريات فلا يناسب درجة أصحاب النبوات .
(4) النكت : إلقاء الرجل على رأسه ، ويقال : طعنه فنكته . والهام جمع الهامة ، بالتخفيف فيهما ، وهي الرأس والمراد قتل رؤساء المشركين ، وقمعم وإذلا لهم ، أو المشركين مطلقاً وقيل : أريد به إلقاء الأصنام على رؤوسها ، ولا يخفي بعده لا سيما بالنظر إلى ما بعده . وفي بعض النسخ : « ينكس الهام » وفي الكشف وغيره : « يجذّ الاصنام » ومن قولهم : جذذت الشيء : كسرته . ومنه قوله تعالى : « فجعلهم جذاذا » .
(5) الواو مكان حتى كما في رواية ابن أبي طاهر أظهر : و « تفرّى الليل » أي انشق حتى ظهر ضوء الصباح .
(6) يقال : « أسفر الصبح » أي أضاء .
(7) زعيم القوم : سيّدهم والمتكلم عنهم . والزعيم أيضاً الكفيل . والإَضافة لاميّة ، ويحتمل البيانية .
(8) خرس بكسر الراء . والشقاشق جمع شقشقة بالكسر ، وهي شيء كالرية يخرجها البعير من فيه إذا هاج . وإذا قالوا للخطيب : ذو شقشقة فإنما يشبّه بالفحل . وإسناد الخرس إلى الشقاشق مجازيً .
(9) يقال : طاح فلان يطوح ، إذا هلك أو أشرف على الهلاك وتاه في الارض وسقط . والوشيظ المعجمتين : الرذل والسفلة من الناس ، ومنه قولهم : إياكم والوشايظ . وقال الجوهري : « الوشيظ : لفيف من الناس « ليس » أصلهم واحد « أ » أو بنو فلان وشيظة في قومهم أي هم حشو فيهم . والوسيط بالمهملتين : أشرف القوم نسباً وأرفعهم محلاً : وكذا في بعض النسخ وهو أيضاً مناسب .
(10) يقال : فاه فلان بالكلام ـ كقال ـ أي لفظ به ، كتفوّه . وكلمة الإخلاص كلمة التوحيد . وفيه تعريض بأنه لم يكن إمانهم عن قلوبهم .
(11) البيض : جمع أبيض وهو من الناس خلاف الاسود . والخماص بالكسر : جمع خميص ؛ والخماصة تطلق على دقة البطن خلقة وعلى خلوّه من الطعام ، يقال : فلان خميص البطن من

( 479 )

حفرةٍ من النار (1) ، مذفة الشارب ، ونهزة الطامع (2) ، وقبسة العجلان (3) ، وموطىء الاقدام (4) ، تشربون الطرق (5) ، وتقتاتون الورق (6) ، أذلةً خاسئين (7) ، « تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم » (8) . فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم بعد اللتيا والتي (9) ، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب (10) ، « كلما
____________
أموال الناس ، أي عفيف عنها . وفي الحديث : « كالطير تغدو خماصاً ، وتروح بطاناً » . والمراد البيض الخماص إما أهل البيت عليهم السلام ويؤيده ما في كشف الغمة : « في نفر من البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً » ، ووصفهم بالبيض لبياض وجودهم ، أو هو من قبيل وصف الرجل بالاغر ؛ وبالخماص لكونهم ضامري البطون بالصوم وقلّة الاكل ولعفتهم عن أكل أموال الناس بالباطل . أو المراد بهم من آمن من العجم لسلمان ـ رضي الله عنه ـ وغيره ، وياقل لأهل فارس : بيض ، لغلبة البياض على الوانهم وأموالهم ، إذا الغالب في أموالهم الفضة ، كما يقال لأهل الشام : حمر ، لحمرة ألوانهم وغلبة الذهب في أموالهم ؛ والأول أظهر . ويمكن اعتبار نوع تخصيص في المخاطبين فيكون المراد بهم غير الراسخين الكاملين في الإيمان ، وبالبيض الخماص الكمل منهم .
(1) شفا كل شيء : طرفه وشفيره ، أي كنتم على شفير جهنم مشرفين على دخولها لشرككم وكفركم .
(2) مذقة الشارب : شربته . والنهزة بالضم : الفرصة ، أي محل نهزته . أي كنتم قليلين أذلاء يتخطفكم الناس بسهولة .
(3) القبسة بالضم ، شعلة من نار يقتبس من معظمها . والإضافة إلى العجلان لبيان القلة والحقارة .
(4) وطي الاقدام مثل مشهور في المغلوبية والمذلة .
(5) الطرق بالفتح : ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتعبر .
(6) الورق بالتحريك : ورق الشجر . وفي بعض النسخ : « تقتاتون القد » وهو بكسر القاف وتشديد الدال : سير يقد من جلد غير مدبوغ . والمقصود وصفهم بخباثة المشرب وجشوبة المأكل لعدم اهتدائهم إلى ما يصلحهم في ديناهم ، ولفقرهم وقلة ذات يدهم ، وخوفهم من الاعادي .
(7) الخاسىء : المبعد المطرود .
(8) التخطف : استلاب الشيء وأخذه بسرعة ؛ اقتبس من قوله تعالى : « واذكروا اذ انتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون ان يتخطفكم الناس فآويكم وايدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون » . وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام إن الخطاب في تلك الآية لقريش خاصة ، والمراد بالناس ساير العرب أو الاعم .
(9) اللتيا بفتح اللام وتشديد الياء : تصغير التي ، وجوز بعضه فيه ضم اللام ، وهما كنايتان عن الداهية الصغيرة والكبيرة .
(10) يقال : مني بكذا ـ على صيغة المجهول ـ أي ابتلي . وبهم الرجال ـ كصرد ـ : الشجعان منهم ، لأنهم لشدة بأسهم لا يدري من أين يؤتون . وذؤبان العرب : لصوصهم وصعاليكهم الذين لامال لهم ولا اعتماد عليهم . والمردة : العتاة المتكبرون المجاوزون للحد .

( 480 )

أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله » ، أو نجم قرن للشيطان (1) ، وفغرت فاغرة من المشركين (2) قذف أخاه في لهواتها (3) ، فلا ينكفىء (4) حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه (5) ، مكدوداً في ذات الله (6) ، مجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله سيد أولياء الله (7) ، مشمّراً ناصحاً (8) ، مجداً كادحاً (9) ، وأنتم في رفاهية من العيش ، وادعون فاكهون آمنون (10) ، تتربصون بنا الدوائر (11) ، وتتوكّفون
____________
(1) نجم الشيء ـ كنصر ـ نجوماً : ظهر وطلع . والمراد بالقرن : القوّة . وفسر قرن الشيطان بامته ومتابعيه .
(2) فغر فاه ، أي فتحه ، يتعدى ولا يتعدى . والفاغرة من المشركين : الطائفة العادية منهم تشبيهاً بالحية أو السبع . ويمكن تقدير الموصوف مذكراً على أن يكون التاء للمبالغة .
(3) القذف : الرمي ، ويستعمل في الحجارة ، كما أن الحذف يستعمل في الحصا ؛ يقال : هم بين حاذف وقاذف . واللهوات بالتحريك : جمع لهاة وهي اللحمة في أقصى سقف الفم .وفي بعض الروايات : « في مهواتها » بالميم وهي بالتسكين : الحفرة وما بين الجبلين ونحو ذلك . وعلى أي حالٍ المراد أنه صلى الله عليه وآله كلما أراده طائفة من المشركين أو عرضت له داهية عظيمة بعث علياً عليه السلام لدفعها وعرضه للمهالك . وفي رواية الكشف وابن أبي طاهر : « كلما حشوا ناراً للحرب ونجم قرن للضلال » . قال الجوهري : « حششت النار : أوقدتها » .
(4) انكفأ ، بالهمزة : أي رجع ؛ من قولهم : كفأت القوم كفأ : إذا أرادوا وجهاً فصرفتهم عنه إلى غيره فانكفؤا ، أي رجعوا .
(5) الصماخ ، بالكسر ، ثقب الاذن ، والاذن نفسها ، وبالسين كما في بعض الروايات لغة فيه . والاخمص : مالا يصيب الأرض من باطن القدم عند المشي . ووطي الصماخ بالاخمص عبارة عن القهر والغلبة على أبلغ وجه ، وكذا اخماد اللهب بماء السيف استعارة بليغة شايعة .
(6) المكدود : من بلغه التعب والأذى . وذات الله : أمره ودينه وكلّ ما يتعلق به سبحانه . وفي الكشف : « مكدوداً دؤوباً في ذات الله » .
(7) بالجر صفة الرسول ، أو بالنصب عطفاً على الأحوال السابقة ، ويؤيد الأخير ما في رواية ابن أبي طاهر « سيداً في أولياء » .
(8) التشمير في الأمر : الجدّ والإهتمام فيه .
(9) الكدح : العمل والسعي .
(10) قال الجوهري : « الدعة : الخفض ، تقول منه : ودع الرجل فهو وديع أي ساكن ، ووادع أيضاً ، يقال : نال فلان المكارم وادعاً من غير كلفة » . وقال : « الفكاهة بالضمّ : المزاح ، وبالفتح مصدر فكه الرجل ـ بالكسر ـ فهو فكه : إذا كان طيب النفس مزاجاً والفكه أيضاً : الاشر والبطر » وقريء « ونعمة كانوا فيه فاكهين » أي أشرين ، وفاكهين أي ناعمين . والمفاكهة : الممازحة . وفي رواية ابن أبي طاهر : « وأنتم في بلهنية وادعون آمنون » قال الجوهري : « هو في بلهنيةٍ من العيش أي سعة ورفاهية ، وهو ملحق بالخماسي بألف في آخره ، وإنّما صارت ياء لكسرة ماقبلها » وفي الكشف : « وأنتم في رفهنية » وهي مثلها لفظاً ومعنى .
(11) صروف الزمان وحوادث الأيام والعواقب المذمومة ، وأكثر ما تستعمل الدائرة في تحول النعمة إلى الشدة . أي كنتم تنتظرون نزول البلايا علينا ، وزوال النعمة عنا .