حميد » (1) ألا وقد قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم (2) ، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم (3) ، ولكنها فيضة النفس (4) ، ونفثة الغيظ (5) ، وخور القنا (6) ، وبثّة الصدور (7) ، وتقدمة الحجّة (8) .
فدونكموها فاحتقبوها (9) دبرة الظّهر (10) ، نقبة الخفّ (11)، باقية العار (12) ، موسومة بغضب الله وشنار الأبد (13) ، موصولة بنار الله الموقدة (14) التي تطلع على
____________
بفتح الكاف ـ وقد يكسرت أي مال إليه وسكن . وقال الجوهري : « وعجت بالمكان اعوج أي أقمت به . وعجت غيري ، يتعدى ولا يتعدى . وعجت البعير : عطفت رأسه بالزمام . والعايج : الواقف . وذكر ابن الاعرابي : فلان ما يعوج عن شي أي ما يرجع عنه » .
(1) إبراهيم : 8 وفيها « إن تكفروا » .
(2) الخذالة : ترك النصر . و« خامرتكم » أي خالطتكم .
(3) الغدر : ضد الوفاء . واستشعره أي لبسه ، والشعار : الثوب الملاصق اللبدن .
(4) الفيض في الاصل كثرة الماء وسيلانه ، يقال : فاض الخبر أي شاع ، وفاض صدره بالسر أي باح به واظهره ، ويقال : فاضت نفسه أي خرجت روحه ، والمراد به هنا اظهار المضمر في النفس لاسيتلاء الهم وغلبة الحزن .
(5) النفث بالضم شبيه بالنفخ ، وقد يكون للمغتاط تنفس عال تسكينا لحر القب واطفاء لناثرة الغضب .
(6) الخور ، بالفتح والتحريك : الضعف . ولاقنا : جمع قناة وهي الرمح ، وقيل : كل عصا مستوية او معوجة قناة . ولعل المراد بخور القنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة وكتمان الضر او ضعف ما يعتمد عليه في النصر على العدو ، والأوّل انسب .
(7) البث : النشر والاظهار والهم الذي لا يقدر صاحبه على كتمانه فيبثه أي يفرقه .
(8) تقدمة الحجة : اعلام الرجل قبل وقت الحاجة قطعا لاعتذاره بالغفلة والحاصل ان استصاري منكم وتظلمي لديكم واقامة الحجة عليكم لم يكن رجاء للعون والمظاهرة ، بل تسلية للنفس وتسكينا للغضب واتماما للحجة ، لئلا تقولوا يوم القيامة « انا كنا عن هذا غافلين » .
(9) الحقب ، بالتحريك : حبل يشد به الرحل إلى بطن البعير ، يقال : احقبت البعير ، أي شددته به ، وكل ماشد في مؤخر رحل او قتب فقد احتقب ، ومنه قيل : احتقب فلان الاثم كأنه جمعه واحتقبه من خلفه ، فظهر ان الانسب في هذا المقام « أحقبوها » بصيغة الافعال ، أي شدوا عليها ذلك ، وهيأواها للركوب ، لكن فيما وصل الينا من الروايات على بناء الافتعال .
(10) الدبر ، بالتحريك : الجرح في ظهر البعير ، وقيل : جرح الدابة مطلقاً .
(11) النقب ، بالتحريك : رقة خف البعير .
(12) العار الباقي : عيب لا يكون في معرض الزوال .
(13) وسمته وسما وسمة : اذا اثرت فيه بسمة وكي : والشنار : العيب والعار .
(14) نار الله الموقدة : المؤججة على الدوام . والاطلاع على الفئدة : اشرافها على القلوب بحيث يبلغ المها ، كما يبلغ ظواهر البدن . وقيل : معناه ان هذه النار تخرج ، الباطن إلى الظاهر بخلاف نيران الدنيا ، وفي الكشف « انها عليهم مؤصدة » والمؤصدة : المطبقة .

( 493 )

الأفئدة . فبعين الله ما تفعلون (1) « وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب (2) ينقلبون (3) » . وأنا ابنة نذير لكم (4) بين يدي عذاب شديد ، ، « فاعملوا (5) إنّا عاملون وانتظروا إنّا منتظرون (6) .
فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان ، فقال : يا ابنة رسول الله ، لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً ، رؤوفاً رحيماً ، وعلى الكافرين عذاباً أليماً وعقاباً عظيماً : فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء ، وأخاً لبعلك دون الأخلاء ، آثره على كل حميم ، وساعده في كل أمر جسيم ، لا يحبّكم إلاكل سعيد ، ولا يبغضكم إلا كل شقي : فأنتم عترة رسول الله صلى الله عليه وآله الطيبون ، والخيرة المنتجبون ، على الخير أدلّتنا ، وإلى الجنّة مسالكنا ، وأنت ـ يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء ـ صادقة في قولك ، سابقة في وفور عقلك ، غير مردودةٍ عن حقك ، ولا مصدودةٍ عن صدقك ، ووالله ، ما عدوت رأي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « نحن معاشر الأنبياء لا نوّرث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً ، وإنما نورّث والحكمة ، والعلم والنبوة ، وما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه » .
وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسّلاح يقابل به المسلمون ، ويجاهدون الكفار ، ويجالدون المردة (7) ثم الفجّار . وذلك بإجماع من المسلمين لم أتفرّد به وحدي ، ولم
____________
(1) أي متلبس بعلم الله اعمالكم ويطلع عليها كما يعلم احدكم ما يراه ويبصره . وقيل في قوله تعالى : « تجري باعيننا » ان المعنى تجري بأعين اولياؤنا من الملائكة والحفظة .
(2) المنقلب : المرجع والمنصرف . « أيّ » منصوب على انه صفة مصدر محذوف والعامل فيه « ينقلبون » لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه وانما يعمل فيه ما بعده والتقدير : « سيعلم الذين ظلموا ينقلبون انقلابا أي انقلاب » .
(3) الشعراء : آية 227 .
(4) أي انا ابنة من انذركم بعذاب الله على ظلمكم ، فقد تمت الحجة عليكم .
(5) الأمر في « اعلموا » و « انتظروا » للتهديد . واما قول الملعون : « الرائد لا يكذب اهله » * فهو مثل استشهد به في صدق الخبر الذي افراه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم . الرايد : من يتقدم القوم يبصر لهم الكلاء ومساقط الغيث . جعل نفسه لاحتماله الخلافة التي هي الرياسة العامة بمنزلة الرائد للامنة الذي يجب عليه ان ينصحهم ويخبرهم بالصدق .
* هذه الفقرة غير موجودة في الخطبة .
(6) اقتباس من سورة هود : اية 121 ، و 122 .
(7) المجالدة : المضاربة بالسيوف .

( 494 )

أستبد (1) بما كان الرأي فيه عندي ، وهذه حالي ، ومالي هي لك وبين يديك ، لا نزوي عنك (2) ولا ندّخر دونك . ونت سيدة أمّة أبيك ، والشجرة الطيبة لبنيك ، لا يدفع ما لك من فضلك ، ولا يوضع من فرعك وأصلك ؛ (3) حكمك نافذ فيما ملكت يدأي ، فهل ترين (4) أن اخالف في ذلك أباك صلى الله عليه وآله ؟
فقالت عليها السلام : سبحان الله ! ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كتاب الله صادفاً (5) ، ولا لأحكامه مخالفاً ، بل كان يتّبع أثره (6) ، ويقفو سوره (7) ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور (8) ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته (9) . هذا كتاب الله حكماً عدلاً ، وناطقاً فصلاً ، يقول : « يرثني ويرث من آل يعقوب » ، « وورث سليمان داود » فبيّن عزّ وجلّ فيما وزّع عليه من الأقساط ، وشرّع من الفرايض والميراث ، وأباح من حظّ الذّكران والإناث ما أزاح علّة المبطلين (10) ، وأزال التّظنّي والشبهات في الغابرين (11) ، كلا « بل سؤّلت لكم أنفسكم (12) أمراً فصبر جميل (13) والله المستعان على
____________
(1) استبد فلان بالرأي ، أي انفرد به واستقل .
(2) أي لانقبض ولانصرف .
(3) أي لانحط درجتك ولا ننكر فضل اصولك واجدادك وفروعك واولادك .
(4) ترين : من الرأي بمعنى الاعتقاد .
(5) الصادف عن الشيء : المعرض عنه .
(6) الاثر ، بالتحريك وبالكسر ، اثر القدم .
(7) القفو : الاتباع والسور بالضم : كل مرتفع عال ، ومنه سور المدينة ، ويكون جمع سورة وهي كل منزلة من البناء ، ومنه سورة القرآن ، لأنها منزلة بعد منزلة ، وتجمع على سور بفتح الواو ، وفي العبارة يحتملها ، والضماير المجرورة تعود إلى الله تعالى أو إلى كتابه والثاني اظهر .
(8) الاعتدال : ابداء العلة والاعتذار ، والزور : الكذب .
(9) البغي : الطلب ، والغوايل : المهالك والدواهي اشارات عليها السلام بذلك إلى مادبروا ـ لعنهم الله ـ في اهلاك النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستيصال أهل بيته عليهم السلام في العقبتين وغيرهما مما أوردناه متفرقا .
أقول : سيأتي الكلام في مواريث الأنبياء في باب المطاعن ان شاء الله تعالى . والتوزيع : التقسيم ، والقسط بالكسر : والحصة ولنصيب .
(10) الازاحة : الاذهاب والابعاد .
(11) التظني : اعمال الظن واصله التظنن ، والغابر ، الباقي : وقد يطلق على الماضي .
(12) التسويل : تحسين ماليس بحسن وتزيينه وتحبيبه إلى الإنسان ليفعله او يقوله : وقيل : هو تقدير معنى في النفس على الطمع في تماهه .
(13) أي فصبري جميل أو الصبر الجميل اولى من الجزع الذي لا يغني شيئا . وقيل : انما يكون الصبر جميلا اذا قصد به وجه الله تعالى وفعل للوجه الذي وجب ، ذكره السيد المرتضى رضى الله عنه .

( 495 )

ما تصفون » (1) .
فقال أبو بكر صدق الله ورسوله ، وصدقت ابنته ؛ انت معدن الحكمة ، وموطن الهدى والرحمة ، وركن الدين وعين الحجّة ، لا أبعد صوابك ، ولا أنكر خطابك (2) هؤلاء المسلمون بيني وبينك ، قلّدوني ما تقلّدت ، وباتّفاق منهم أخذت ما أخذت(3) غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر (4) ، وهم بذلك شهود .
فالتفتت فاطمة عليها السلام وقالت : معاشر الناس المسرعة إلى قيل الباطل (5) ، المغضية (6) على الفعل القبيح الخاسر « أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (7) » (8) كلا بل ران على قلوبكم (9) ما أسأتم من أعمالكم ، فأخذ بسمعكم وأبصاركم ، ولبئس ما تأوّلتم (10) ، وساء ما به أشرتم (11) ، وشرّ ما عنه اعتضتم (12) ، لتجدنّ ـ والله ـ محمله ثقيلاً (13) ، وغبّه وبيلاً (14) إذا كشف لكم الغطاء ، وبان ما وراءه
____________
(1) يوسف : آية 18 .
(2) من المصدر المضاف إلى الفاعل .
(3) مراده بما تقلدوا ما اخذ فدك او الخلافة ، أي اخذت الخلافة بقول المسلمين واتفاقهم فلزمني القيام بحدودها التي من جملتها اخذ فدك ، للحديث المذكور .
(4) المكابرة : المغالبة والاستبداد والاستيثار : الانفراد بالشيء .
(5) القيل بمعنى القول :، وكذا القال ، وقيل : القول في الخير ، والقيل والقال في الشر ، وقيل : القول مصدر ، والقيل والقال اسمان له .
(6) الاغضاء : ادناء الجفون ، واغضى على الشيء ، أي سكت ورضى به .
(7) روي عن الصادق والكاظم عليهما السلام في الآية : ان المعنى : أفلا يتدبرون القرآن فيقضوا بما عليهم من الحق ؟ وتنكير القلوب لا رادة قلوب هؤلاء ومن كان مثلهم من غيرهم .
(8) محمد : آية 24 .
(9) الرين : الطبع والتغطية ، واصله الغلبة .
(10) التأول والتاويل : التصيير والارجاع ونقل الشيء عن موضعة ، ومنه تأويل الالفاظ أي نقل اللفظ عن الظاهر .
(11) الاشارة : الأمر بأحسن الوجوده في أمر .
(12) شرّ ـ كفرّ ـ بمعنى ساء ـ ولاعتياض : أخذ العوض والرضاء به ، والمغنى : ساء ما اخذتم منه عوضا عما تركتم .
(13) المحمل ـ كمجلس ـ مصدر .
(14) الغب ، بالكسر :العاقبة ، والوبال ، في الاصل : الثقل والمكروه ، ويراد به في عرف الشرع عذاب الاخرة ، والعذاب الوبيل : الشديد .

( 496 )

الضراء (1) . « بدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون (2) » (3) و « خسر هنالك المبطلون (4) » (5) .
ثم عطفت على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت : (6)
قـد كــان بــعدك أنــباء وهــنبثة * لو كـنت شـاهـدها لم تكــبر الخـطب
إنّــا فــقدناك فــقد الأرض وابــلها * واختلّ قـومك فاشهدهم وقــد نكـبوا(7)
وكـــل أهــل له قــربى ومــنزلة * عـند الإله عـلى الأدنـين مــقترب (8)

____________
(1) الضراء ، بالفتح والتخفيف : الشجر الملتف كما مر ، يقال : توارى الصيد مني في ضراء ، والوراء يكون بمعنى خلف ، وبالاول فسر قوله تعالى : « وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا » . ويحتمل ان تكون الهاء زيدت من النساخ ، او الهمزة ، فيكون على الاخير بتشديد الراء من قولهم « وري الشي تورية » أي اخفاه ، وعلى التقادير فالمعنى : وظهر لكم ما ستره عنكم الضراء .
(2) اقتباس من سورة الزمر ، 47 .
(3) أي ظهر لكم من صنوف العذاب ما لم تكونوا تنتظرونه ولا تظنونه واصلا اليكم ولم يكن في حسبانكم .
(4) الغافر : آي 78 .
(5) المبطل : صاحب الباطل ، من ابطل الرجل : اذا اتى بالباطل .
(6) في الكشف : « ثم التفتت إلى قبر ابيها متمثلة بقول هند ابنة اثاثة » ثم ذكر الابيات .
(7) قال في النهاية : « الهنبثة : واحدة الهنابث ، وهي الامور الشداد المختلفة ، والهنبثة : الاختلاط في القول ، والنون زائدة » وذكر « فيه : ان فاطمة عليها السلام قالت بعد موت النبي صلى الله عليه وآله : « قد كان بعدك انباء » إلى اخر البيتين ، إلاّ انه قال : « اشهدهم ولا تغب » . والشهود : الحضور ، والخطب ، بالفتح : الأمر الذي تقع فيه المخاطبة ، والشأن والحال ، والوابل : المطر الشديد ونكب فلان عن الطريق ـ كنصر وفرح ـ أي عدل ومال .
(8) القربى ، في الاصل : القرابة في الرحم ، والمنزلة : المرتبة والدرجة ، ولا تجمع ، والادنين : هم الاقربون . واقترب أي تقارب . وقال في مجمع البيان : « في اقترب زيادة مبالغة على قرب . كما ان في اقتدر زيادة مبالغة على قدر » ويمكن تصحيح تركيب البيت وتأويل معناه على وجوه :
الأوّل ، وهو الاظهر : ان جملة « له قربى » صفة لاهل ، والتنوين في « منزلة » للتعظيم ، والظرفان متعلقان بالمنزلة لما فيها من معنى الزيادة والرجحان ، و« متقرب » خبر لكل ، أي ذو القرب الحقيقي ، اوعند ذي الاهل كل أهل كانت له مزية وزيادة على غيره من الاقربين عنه الله تعالى .
والثاني : تعلق الظرفين بقولها « متقرب » أي كل له قرب ومنزلة من ذي الاهل فهو بين عند الله تعالى مقترب مفضل علي ساير الادنين .
والثالث : تعلق الظرف الأوّل بالمنزلة ، والثاني بالمقترب ، أي كل أهل اتصف بالقربى بالرجل وبالمنزلة عند الله ، فهو مفضل على من هو أبعد منه .
الاحتمالات : ان يكون جملة « له قربى » خبرا للكل ، و « مقترب » خبرا ثانيا ، وفي الظرفين يجري الاحتمالات السابقة ، والمعنى ، ان كل أهل نبي من الأنبياء له قرب ومنزلة عند الله ومفضل على ساير الاقارب عند الامة .

( 497 )

أبـدت رجـال لنـا نـــجوى صـدورهم * لمّا مضيت وحـــالت دونك التّـرب (1)
تـــجهّمتنا رجــال واســتخفّ بــنا * لمّا فقدت وكـــل الأرض مـغتصب (2)
وكــنت بــدراً وقــوراً يسـتضاء بـه * عـليك تـنزل مــن ذي العـزة الكـتب
وكــان جــبريل بـــالآيات يــونسنا * فقد فقدت فكـــل الخـير مـحتجب (3)
فــليت قـبلك كـــان المـوت صـادفنا * لمّا مضيت وحـــالت دونك الكتب (4)
إنّــا رزئــنا بــما لم يـرز ذو شـجن * مــن البــريّة لا عـجم ولا عـرب (5)
ثم انكفأت عليها السلام وأمير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه ، ويتطلع طلوعها عليه (6) . فلما استقرت بها الدار (7) قالت لأمير المؤمنين عليه السلام : يابن أبي طالب ! اشتملت شملة الجنين (8) .
____________
(1) بدا الأمر بدواً : ظهر ، وابداه : أظهر .والنجوى : الاسم من نجوته . اذا ساررته ؛ ونجوى صدورهم : ما أضمروه في نفوسهم من العداوة ولم يتمكنوا من اظهاره في حياته صلى الله عليه وآله وسلم . وفي بعض النسخ : « فحوى صدورهم » ، وفحوى القول : معناه ؛ ولم يسمع لسايرها بجمع » انتهى . فيمكن ان يكون بصيغة المفرد ، والتأنيث بتأويل الأرض ، كما قيل ، والاظهر انه بضم التاء وفتح الراء : جمع تربة ، قال في مصباح اللغة : « التربة : المقبرة ، والجمع : ترب ، مثل غرفة وغرف » . وحال الشيء بيني وبينك أي منعني من الوصول اليك ، ودون الشيء : قريب منه ، يقال : دون النهر جماعة ، أي قبل ان تصل إليه .
(2) التهجم : الاستقبال بالوجه الكريه ، والمغتصب على بناء المفعول : المغصوب .
(3) المحتجب على بناء الفاعل .
(4) صادفه : وجده ولقيه . والكثب ، بضمتين : جمع كثيب وهو التل من الرمل .
(5) الرزء ، بالضم مهموزا : المصيبة بفقد الاعزة ، ورزيتا على بناء المجهول ، والشجن بالتحريك : الحزن . وفي القاموس : « العجم ، بالضم وبالتحريك ، خلاف العرب » .
أقول : وجدت في نسخة قديمة لكشف الغمة منقولة من خط المصنف مكتوبا على هامشها بعد ايراد خطبتها ـ صلوات الله عليها ـ ما هذا لفظة : وجد بخط السيد المرتضى علم الهدى الموسوي ـ قدس الله روحه ـ انه لما خرجت فاطمة عليها السلام من عند أبي بكر ردها عن فدك استقبلها امير المؤمنين عليه السلام فجعلت تعنفه ثم قالت : اشتملت إلى اخر كلامها عليها السلام .
(6) الانكفاء : الرجوع . وتوقعت الشيء واستوقته ، أي انتظرت وقوعه . وطلعت على القوم : اتيتهم . وتطلع الطلوع . انتظاره .
(7) أي سكنت كانها اضطربت وتحركت لخروجها ، أو على سبيل القلب ، وهذا شايع ، يقال : استقرت نوى القوم واستقرت بهم النوى ، أي اقاموا .
(8) اشتمل بالثوب أي اداره على جسده كله . والشملة ، بالفتح : كساء يشتمل به . والشملة ، بالكسر ، هيئة الاشتمال ، فالشملة اما مفعول مطلق من غير الباب كقوله تعالى : « نباتا » او في الكلام حذف وايصال . وفي رواية السيد : « مشية الجنين » وهي محل الولد في الرحم ؛ ولعلة اظهر . والجنين : الولد مادام في البطن .

( 498 )

وقعدت حجرة الظنين (1) نقضت قادمة الأجدل (2) ، فخانك ريش الاعزل (3) ؛ هذا ابن أبي قحافة (4) يبتزني نحيلة أبي وبلغة ابني (5) ، لقد أجهر في خصامي (6) ، وألفيته ألدّ في كلامي (7) ، حتى حبستني قيلة نصرها ، والمهاجرة وصلها (8) ، وغضّت الجماعة
____________
(1) الحجرة ، بالضم : حظيرة الابل ، ومنه حجرة الدار ، والظنين ، المتهم ؛ والمعنى : اختفيت عن الناس الجنين ، وقعدت عن طلب الحق ونزلت منزلة الخائف المتهم . وفي رواية السيد : « الحجزة » بالزاء المعجمة . وفي بعض النسخ : « قعدت حجزة الظنين » . وقال في النهاية : « الحجزة : موضع شد الازار ، ثم قيل للازار حجزة ، للمجاورة » . وفي القاموس : « الحجزة ، بالضم : معقد الازار ، ومن الفرس : مركب مؤخر الصفات بالحقو . » وقال : « شدة الحجزة كناية عن الصبر » .
(2) قوادم الطير : مقاديم ريشه ، وهي عشر في كل جناح ، واحدتها : قادمة . والاجدل : الصقر .
(3) الاعزل الذي لاسلاح معه . قيل : لعلها ـ صلوات الله عليها ـ شبهت الصقر الذي نقضت قوادمه . بمن لا سلاح له . والمعنى : تركت طلب الخلافة في أول الأمر قبل ان يتمكنوا منها ويشيدوا أركانها ، وظننت ان الناس لا يرون غيرك اهلا للخلافة ، ولا يقدمون عليك احدا ، فكنت كمن يتوقع الطيران من صقر منقوضة القوادم .
اقول : يحتمل ان يكون المارد انك نازلت الابطال ، وخض الاهوال ، ولم تبال بكثرة الرجال حتى نقضت شوكتهم ، واليوم غلبت من هؤلاء الضعفاء والارذال ، وسلمت لهم الأمر ولاتنازعهم . وعلى هذا ، الاظهر انه كان في الاصل « خاتك » بالتاء المثناة الفوقانية فصحف . قال الجوهري : « خات البازي واختات ، أي انقض لياخذه » وقال الشاعر : « يخوتون اخرى القوم خوت الاجادل » . والخائتة : العقاب اذا انقضت فسمعت صوت انقضاضها . والخوات : دوي جناح العقاب . والخوات ، بالتشديد : « الرجل الجريء » . وفي رواية السيد : « نفضت » بالفاء ، وهو يؤيد المعنى الأوّل .
(4) قحافة بضم القاف وتخفيف المهملة .
(5) الابتزار : الاستلاب واخذ الشيء بقهر وغلبة ، من البز بمعنى السلب . والنحلة : فعلية مفعول ، من النحلة ـ بالكسر ـ بمعنى الهبة والعطية عن طيبة نفس من غير مطالبة او من غير عوض . والبلغة بالضم : ما يتبلغ به من العيش يكتفي به . وفي اكثر النسخ : « بليغة » بالتصغير ، فالتصغير في النحيلة ايضا انسب . وابني اما تبخفيف الياء ، فالمراد به الجنس ، او تشديدها على التثنية .
(6) اجهاز الشيء : اعلانه . والخصام : مصدر كالمخاصمة ، ويحتمل ان يكون جمع خصم ، أي اجهر العداوة او الكلام لي بين الخصام ، والأوّل اظهر .
(7) « الفيته » أي وجدته . والالد : شديد الخصومة ، وليس فعلا ماضيا ، فان فعله على بناء المجرد . * والاضافة في « كلامي » اما من قبيل الاضافة إلى المخاطب او إلى المتكلم . و« في » للظرفية او السببية . وفي رواية السيد « هذا بني ابي قحافة ـ إلى قوله ـ لقد اجهد في ظلامتي ، والد في خصامتي » . قال الجزري : « يقال جهد الرجل في الأمر ، اذا جد وبالغ فيه . واجهد دابته ، اذا حمل عليها في السير فوق طاقتها » .
* قد اتى فعله على بناء الافعال ايضا كما في القاموس وغيره .
(8) قلية ، بالفتح : اسم ام قديمة لقبيلتي الانصار ، والمراد بنو قيلة . وفي رواية السيد : « حين منعتني الانصار نصرها » وموصوف المهاجرة الطائفة او نحوها . والمراد بوصلها عونها .

( 499 )

دوني طرفها (1) ؛ فلا دافع ولا مانع ، خرجت كاظمةً ، وعدت راعمةً (2) ، أضرعت خدّك (3) يوم أضعف حدّك (4) ، افترست الذئاب ، افترشت التراب (5) ، ما كففت قائلاً ، ولا أغنيت باطلاً (6) ، ولا خيار لي . ليتني مت قبل هنيتي (7) ودون زلّتي (8) . عذيري الله منك عادياً ومنك حامياً (9) .
____________
(1) الطرف ، بالفتح : العين . وغضه : حفظه .
(2) في رواية السيد بعد قولها « ولا مانع ولا ناصر ولا شافع » خرجت كاظمة ، وعدت راغمة » كظم الغيظ : تجرعه والصبر عليه ، ورغم فلان ، بالفتح : إذا ذل وعجز عن الإنتصاف ممن ظلمه . والظاهر من الخروج ، الخروج من البيت وهو لا يناسب « كاظمة » إلاّ ان يراد بها الامتلاء من الغيظ فانه من لوازم الكظم ، ويحتمل أن يكون المراد الخروج من المسجد المعبر عنه ثانيا بالعود ، كما قيل في رواية السيد مكان « عدت » « رجعت » .
(3) ضرع الرجل ، مثلثة : خضع وذل . وأضرعه غيره . واسناد الضراعة إلى الخد ، لأنّه أظهر أفرادها وضع الخد على التراب ، أو لأنّ الذل يظهر في الوجه .
(4) اضاعة الشيء وتضييعه : اهماله واهلاكه . وحد الرجل ، بالحاء المهملة : بأسه وبطشه . وفي بعض النسخ بالجيم ، أي تركت اهتمامك وسعيك . وفي رواية السيد : « فقد أضعت جدك يوم اصرعت خدك » .
(5) فرس الأسد فريسته ـ كضرب ـ وافترستها : دق عنقها ، ويستعمل في كل قتل . ويمكن أن يقرأ بصيغة الغايب ، فالذئاب مرفوع ، والمعنى : قعدت عن طلب الخلافة ولزمت الأرض مع انك اسد الله والخلافة كانت فريستك ، حتى افترسها واخذها الذئب الغاصب لها . ويحتمل ان يكون بصيغة الخطاب ، أي كنت تفترس الذئاب واليوم افترشت التراب . وفي بعض النسخ : « الذباب » بالبائين الموحدتين ، جمع ذبابة ، فيتعين الأوّل . وفي بعضها : « افترست الذئاب ، وافترسك الذئاب » . وفي رواية السيد مكانهما : « وتوسدت الوراء كالوزع ، ومستك الهناة والنزع » ، والوراء بمعنى خلف والهناة : الشدة والفتنة . والنزع : الطعن والفساد .
(6) الكف : المنع . والاغناء : الصرف والكف ، يقال : اغن غني شرك ، أي اصرفه وكفه و « و » به فسر قوله سبحانه : « انهم لن يغنوا عنك من الله شيئا » وفي رواية السيد : « ولا أغنيت طائلا » وهو أظهر . قال الجوهري : « يقال : هذا امر لا طائل فيه ، اذا لم يكن فيه غناء ومزية » انتهى . فالمراد بالغناء : النفع ، ويقال : ما يغني عنك هذا ، أي ما يجديك وما يفعك .
(7) الهنية بالفتح : العادة في الرفق والسكون ، ويقال : امش على هنيتك ، أي على رسلك ، أي ليتني مت قبل هذا اليوم الذي لابد لي من الصبر على ظلمهم ولامحصيص لي عن الرفق .
(8) الزلة ، بفتح الزاي كما في النسخ : الإسم من قولك : زللت في طين أو منطق ، إذا زلقت ، ويكون بمعنى السقطة ، والمراد بها عدم القدرة على دفع الظلم ، ولو كانت الكلمة بالذال المعجمة كان أظهر واوضح كما في رواية السيد ، فان فيها : « والهفتاه ! ليتني مت قبل ذلتي ودون هنيتي » .
(9) العذير بمعنى العاذر كالسميع ، أو بمعنى العذر كالأليم . وقولها « منك » أي من أجل الإساءة إليك وايذائك . و« عذيري الله » مرفوعان بالإبتدائية والخبرية . و« عادياً » أما من قولهم : عدوت فلانا عن الأمر أي صرفته عنه ، أو من العدوان بمعنى تجاوز الحد ، وهو حال عن ضمير المخاطب ،

( 500 )

ويلاي في كل شارقٍ (1) ، مات العمد (2) ، ووهت العضد . شكواي إلى أبي ، وعدو أي إلى ربّي (3) .
اللهم أنت أشدّ قوة وحولاً (4) ، وأحدّ بأساً وتنكيلاً (5) .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لا ويل عليك ، الويل لشانئك (6) ، نهنهي عن وجدك يا ابنة الصّفوة (7) وبقيّة النبوة ، فما ونيت عن ديني ، ولا أخطأت مقدوري (8) ، فإن كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون ، كفيلك مأمون ، وما أعد لك أفضل مما قطع عنك (9) .
____________
أي الله يقيم العذر من قبلي في إساءتي اليك حال صرفك المكارة ودفعك الظلم عني ، أو حال تجاوزك الحد في القعود عن نصري ، أي عذري في سوء الأدب إنك قصرت في إعانتي والذب عني . والحماية عن الرجل : الدفع عنه . ويحتمل ان يكون « عذيري » منصوبا كما هو الشايع في هذه الكلمة ، و« الله » مجروراً بالقسم ، يقال : عذيرك من فلان أي هات من يعذرك فيه . ومنه قول امير المؤمنين عليه السلام حين نظر إلى ابن ملجم ـ لعنه الله ـ : « عذيرك من حليلك من مراد » . والأوّل أظهر .
(1) قال الجوهري : « ويل » كلمة مثل ويح إلاّ انها كلمة عذاب ، يقال : ويله وويلك وويلي ، وفي الندبة ويلاه » . ولعله جمع بين الف الندبة وياء المتكلم . ويحمتل ان يكون بصيغة التثنية ، فيكون مبتدأ والظرف خبره ، والمراد به تكرر الويل .
وفي رواية السيد : « ويلاه في كل شارق ، ويلاه في كل غارب ، ويلاه مات العمد ، وذل العضد ـ إلى قولها عليها السلام ـ اللّهمّ أنت أشد قوة وبطشا » . والشارق : الشمس ، أي عند كل شروق شارق وطلوع صباح كل يوم . قال الجوهري : « والشرق : المشرق ، والشرق : الشمس ، يقال : طلع الشرق ، ولا آتيك ما ذر شارق ، وشرقت الشمس تشرق شروقا ، وشرقا ، أيضا ، أي طلعت اشرقت أي أضاءت » .
(2) العمد ، بالتحريك وبضمتين : جمع العمود . ولعل المراد هنا ما يعتمد عليه في الامور .
(3) الشكو : الإسم من قولك : شكوت فلانا شكاية . والعدوى : طلبك إلى وآل لينتقم لك ممن ظلمك .
(4) الحول : القوة والحيلة والدفع والمنع ، والكل هنا محتمل .
(5) البأس : العذاب . والتنكيل : العقوبة ، وجعل الرجل نكالا وعبرة لغيره .
(6) العذاب والشر لمبغضك ، والشناءة : البغض . وفي رواية السيد : « لمن احزنك » .
(7) نهنهت الرجل عن الشيء فتنهنه ، أي كففته وزجرته فكف . والوجد : الغضب أي امنعي نفسك عن غضبك ، وفي بعض النسخ : « تنهنهي » وهو أظهر . والصفوة ، مثلثة : خلاصة الشيء وخياره .
(8) الوني ، كفتى : الضعف والفتور والكلال ، والفعل كوقى يقي ، أي ماعجزت عن القيام بما أمرني به ربيء وما تركت ما دخل تحت قدرتي .
(9) البلغة : بالضم : ما يتبلغ به من العيش ، والضامن والكفيل للرزق هو الله تعالى . ومااعد لها هو ثواب الاخرة .

( 501 )

فاحتسبي الله (1) ؛ فقالت : حسبي الله ؛ وأمسكت (2) .

كلامها عليها السلام مع نساء المهاجرين والأنصار عند ما يعدنها

روى العلامة المجلسي رحمه الله عن الشيخ الثقة الصدوق رحمه الله : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان ، قال : حدثنا عبد الرحمان بن محمد الحسيني ، قال : حدثنا أبو الطيب محمد بن الحسين بن حميد اللخمي ، قال : حدثنا أبو عبدالله محمد بن زكرياً ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمان المهلّبي ، قال : حدثنا عبدالله بن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن عبدالله بن الحسن ، عن امه فاطمة بنت الحسين عليه السلام قالت : لما اشتدت علة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغلبها ، اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار ، فقلت لها ، يا بنت رسول الله : كيف أصبحت عن علّتك ؟ فقالت عليها السلام : أصبحت والله عائفة لدنياكم (3) ، قالية رجالكم (4) ، لفظتهم قبل أن عجمتهم (5) ، وشنئتهم بعد أن سبرتهم (6) ، فقبحاً
____________
(1) الاحتساب : الاعتداد . ويقال لمن ينوي بعمله وجه الله تعالى : احتسبه . أي اصبري وادخري ثوابه عند الله تعالى . وفي رواية السيد : « فقال لها امير المؤمنين عليه السلام : لاويل لك ، بل الويل لمن احزنك ؛ نهنهي عن وجدك يابنية الصفوة وبقية النبوة ، فما ونيت عن حظك ، ولا اخطات ( مقدرتي ) ، فقد ترين . فان ترزئي حقك ، فرزقك مضمون ، وكفيلك مأمون ، وما عند الله خير لك مما قطع عنك . فرفعت يدها الكريمة وقالت : رضيت وسلمت » . قال في القاموس : « رزأه ماله ـ كجعله وعلمه ـ رزءاً بالضم : اصاب منه شيئاً » .
(2) « بحار الانوار » ج 8 ، ص 109 ـ 112 ، ط الكمباني . وانما اوردنا الخطبة من نفس المصدر لامن « الاحتجاج » لأن الالفاظ المفسرة كانت على نسخة المؤلف ( ره ) ، ولها اختلاف معتد به مع النسخة المطبوعة من « الاحتجاج » وقد اشير إلى موارده في ضمن الشرح .
(3) عائفة : أي كارهة ، يقال : عاف الرجل الطعام يعافه عيافاً أذا كرهه .
(4) القالية : المبغظة ، قال تعالى : « ما ودعك ربك وما قلى » .
(5) لفظت الشيء من فمي : أي رميته وطرحته ، العجم : العض ، تقول : عجمت العود اعجمه ـ بالضم ـ اذا عضضته .
(6) شنأة ، كمنعه وسمعه : أبغضه ، وسبرتهم : أي اختبرتهم . فعلى ما في اكثر الروايات المعنى : طرحتهم وأبغضتهم بعد امتحانهم ومشاهدة سيرتهم واطوارهم . وعلى رواية الصدوق المعنى : اني كنت عالمة بقيح سيرته وسوء سريرتهم فطرحتهم ثم لما اختبرتهم شنأتهم وأبغضتهم ، أي تأكد انكاري بعد الاختبار . ويحتمل ان يكون الأوّل اشارة إلى شناعة اطوارهم الظاهرة ، والثاني إلى خبث سرائرهم الباطنة .

( 502 )

لفلول الحد (1) ، وخور القناة (2) ، وخطل الرأي (3) ، « بئس قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون » (4) لا جرم لقد قلدتهم ربقتها ، وشننت عليهم غارها (5) ، فجدعاً وعقراً وسحقاً للقوم الظالمين (6) .
ويحهم أنّى زحزحوها عن رواسي الرسالة (7) ، وقواعد النبوة ، ومهبط الوحي الأمين ، والطبين بأمر الدنيا والدين (8) ، ألا ذلك هو الخسران المبين ، وما نقموا من أبي الحسن (9) ، نقموا والله منه نكير سيفه (10) ، وشدّة وطئه (11) ، ونكال وقعته (12) ، وتنمّره في ذات الله عزّ وجلّ (13) .
____________
(1) قبحا ، بالضم ، مصدر حذف فعله ، اما من قولهم : قبحه الله قبحا ، او من قبح بالضم قباحة ، فحرف الجر على الأوّل داخل على المفعول ، وعلى الثاني على الفاعل . والفلول بالضم : جمع فل بالفتح ، وهو الثملة والكسر في حد السيف ، وحكي الخليل في « العين » انه يكون مصدراً ، ولعله انسب بالمقام ، وحد الشيء : شباته ، وحد الرجل باسه .
(2) الخور بالفتح وبالتحريك : الضعف . والقناة : الرمح .
(3) الخطل بالتحريك : المنطق الفاسد المضطرب ، وخطل الرأي : فساده واضطرابه .
(4) المائدة : 80 .
(5) الشن : رش الماء رشا متفرقا والسن بالمهملة : الصب المتصل ، ومنه قولهم : شنت عليهم الغارة اذا فرقت عليهم الغارة اذا فرقت عليهم من كل وجه .
(6) الجدع قطع الانف او الاذن او الشفة ، وهو بالانف اخص ، ويكون بمعنى الحبس ، والعقر بالفتح : الجرح ، ويقال في الدعاء على الإنسان : عقراً له وحلقا، أي عقر الله جسده وأصابه بوجع في حلقه ، واصابه بوجع في حقله ، واصل العقر : ضرب قوائم البعير او الشاة بالسيف ثم اتسع فيه فاستعمل في القتل والهلاك ، وهذه المصادر يجب حذف الفعل منها . والسحق بالضم : البعد .
(7) ويح كلمة تستعمل في الترحم والتوجع والتعجب ، والزحزحه ، التنحية والتعبيد . والزعزعة : بالتحريك . والرواسي من الجبال : الثوابت الرواسخ . وقواعد البيت : اساسه .
(8) الطبين : هو بالطاء المهملة والباء الموحدة : الفطن الحاذق .
(9) في كشف الغمة : « وما الذي نقموا من ابي الحسن » . يقال : نقمت على الرجل كضربت ، وقال الكسائي : كعلمت لغة ، أي عتبت عليه وكرهت شيئا منه .
(10) التنكير : الانكار ، والتنكير : التغير عن حال يسرك إلى حال تكرهما ، والاسم : النكير ، وما هنا يحتمل المعنين ، والأوّل اظهر أي انكار سيفه فانه عليه السلام كان لا يسل سيفه إلاّ لتغيير المنكرات .
(11) الوطأة : الأخذة الشديدة والضغطة ، وأصل الوطيء : الدوس بالقدم ويطلق على الغزو والقتل لأنّ من يطأ الشيء فقد استقصى في هلاكه واهانته .
(12) النكال : العقوبة التي تنكل الناس . والوقعة : صدمة الحرب .
(13) تنمر فلان : أي تغير وتنكر واوعد ، لأنّ النمر لا تلقاه ابداً إلاّ متنكراً غضبان . « في ذات الله » ، قال الطيبي : ذات الشيء : نفسه وحقيقته ، والمراد ما اضيف إليه ، وقال الطبرسي في قوله