فهرس الكتاب

 

المجلس العاشر

ليلة الأحد ـ الثالث من شعبان المعظم 1345 هجرية

 

اجتمع القوم أول الليل ـ وكان صاحب البيت قد استعد للاحتفال بذكرى ميلاد الإمام أبي عبد الله الحسين (ع) سبط رسول الله (ص) الذي يصادف ذلك اليوم فهيأ الفواكه والحلويات ، وبعد تناولها، بدأ حضرة النواب عبد القيوم خان وقال :

أيها العلماء ! اسمحوا لي بطرح سؤال قبل أن تدخلوا في موضوع الليلة الماضية ، والسؤال موجه لسماحة السيد وأطلب منه الجواب .

قلت : أنا على أتم الاستعداد لذلك .

سؤال : حول علم عمر

النواب : اجتمع في بيتي صباح هذا اليوم كثير من الأصدقاء والأقرباء ، وكان بعضهم ممن لازم حضور مجالس البحث والحوار في كل الليالي الماضية ، وشرعوا بالحديث عن المناقشات والموضوعات التي طرحت فيها ، وأبدوا آراءهم في النتائج الحاصلة منها ، وكانت الصحف والمجلات التي نقلت تلك الأبحاث والمناظرات موجودة عندهم يراجعونها عند الضرورة ، وكان كلام الحاضرين يدور حول المواضيع المطروحة . وإذا بولدي (عبدالعزيز) ـ وهو طالب في إحدى المدارس الإسلامية ـ يقول : إن أستاذنا المعلم ـ قبل أيام ـ تكلم خلال الدرس عن الصحابة الذين برزوا وامتازوا في علم الفقه فذكر الخليفة عمر ، والإمام علي كرم الله وجهه ، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود ، وعكرمة ، وزيد بن ثابت (رضي الله عنهم) وقال بأن عمر بن الخطاب كان أبرزهم في علم الدين وأفقههم في أحكام الشرع المبين . حتى أن علي بن أبي طالب الذي اشتهر بعلمه وفقهه كان في بعض المسائل يتحير فيراجع الفاروق عمر بن الخطاب ويحصل على الجواب .

قال النواب : والجدير بالذكر أن أهل مجلسنا الحاضرين في داري كلهم أيدوا ما نقله ولدي عن معلمه ، وقالوا بأن علماءنا أيضا يقولون بذلك ، وهو ثابت عند كل المسلمين .

ولكني بقيت ساكتا متوقفا في الموضوع ، لأني جاهل وليس لي علم بالتاريخ والسيرة حتى أعرف صحة مقال المعلم أو خطئه . لذلك وعدت ولدي والحاضرين أن أطرح هذا الموضوع هذه الليلة في مجلسنا هذا ، لكي نستفيد من محضر العلماء الحاضرين لاسيما سماحة السيد المعظم .

أفيدونا ! جزاكم الله خير جزاء المحسنين .

قلت : كلام هذا المعلم يثير تعجبي ، ولكن العوام لا يؤاخذون في مثل هذه الأمور ، لأنهم غالبا يسلكون طريق الإفراط والتفريط ، وهذا المعلم الجاهل سلك سبيل الغلو والإفراط ، لأنه ادعى ما لم يقله أحد من علمائكم ، حتى أن ابن حزم لما ذكر في بعض مقالاته هذا الأمر المخالف للواقع ، خطأه كبار علمائكم وردوا عليه مقالته ، والجدير بالذكر أن عمر بن الخطاب هو أيضا ما ادعى هذا الأمر في حياته ، وربما لم يرض من أحد أن يقول ذلك .

نعم ذكر أكثر المؤرخين سياسة عمر ، وإرادته وفطنته ، ولكنهم لم يذكروا فقهه وعلمه بأحكام الدين، بل ذكروا أنه جهل كثيرا من المسائل التي طرحت عليه وعجز عن الجواب ، فراجع فيها ابن مسعود أو الإمام علي بن أبي طالب (ع) بالمدينة المنورة .

وقد قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : أن عبدالله بن مسعود كان من فقهاء المدينة ، وكان عمر بن الخطاب يصحبه معه ولا يفارقه ليرجع إلى رأيه في المسائل الفقهية .

الشيخ عبدالسلام : كأنك تريد أن تقول بأن عمر الفاروق (رض) ما كان يعلم المسائل الفقهية والأحكام الشرعية فيحتاج إلى ابن مسعود أو الإمام علي (رضي الله عنهما) ، وهذا ما لم نسمعه من قبل اليوم .

قلت : أيها الشيخ لا تهرج ولا تغالط ، فإني ما قلت بأن عمر ما كان يعلم المسائل الفقهية ، وإنما قلت إنه في كثير من المسائل كان يراجع الإمام علي (ع) أو ابن مسعود أو ابن عباس ، لأنه كان يجهلها.

نعم أقول ولا أنكر ما قلت : أن عمر بن الخطاب كان يجهل كثيرا من المسائل والأحكام الدينية ، وهذا ليس من عندي بل ذكره كبار أعلامكم ، والجدير بالذكر ما رواه علماؤكم في الكتب المعتبرة والمصادر المنتشرة ، عن اعتراف الخليفة بذلك في قضايا جديرة ومناسبات كثيرة .

الشيخ عبدالسلام : لو سمحت . . .اذكر لنا من تلك القضايا حتى نعرفها .

كل الناس افقه من عمر حتى ربات الحجال

لقد ذكر كثير من علمائكم وأعلام محدثيكم ومفسريكم بطرق شتى وألفاظ مختلفة والمعنى واحد ، أن الخليفة عمر صعد المنبر في المسجد وخطب فقال : لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي (ص) إلا ارتجعت ذلك منها ، فردت عليه امرأة قائلة : ما جعل الله لك ذلك ، إنه تعالى قال في سورة النساء : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا)(1) ؟

فقال عمر : كل الناس أفقه من عمر ، حتى ربات الحجال ! ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت ؟!

هذا نص ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج1 / 182 ، ط إحياء الكتب العربية ، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور : ج2 /133 وابن كثير في تفسيره : ج1 / 368 ، والزمخشري في تفسير الكشاف : ج1/ 357 ، والنيسابوري في غرائب القرآن : ج1 / في تفسير الآية الكريمة ، والقرطبي في تفسيره : ج5 / 99 ، وابن ماجه في السنن : ج1 ، والسندي في حاشية السنن : ج1/583 ، والبيهقي في السنن : ج7 / 233 ، والقسطلاني في إرشاد الساري : ج8 / 57 ، والمتقي في كنز العمال : ج8 298 ، والحاكم النيسابوري في المستدرك : ج2 /177 ، والباقلاني في التمهيد/199 ، والعجلوني في كشف الخفاء : ج1 / 270 ، والشوكاني في فتح القدير : ج1 / 407 ، والذهبي في تلخيص المستدرك ، والحميدي في الجمع بين الصحيحين ، وابن الأثير في النهاية ، وغيرهم رووا بأسانيدهم عن طرق متعددة هذا الخبر وإن كانت ألفاظ بعضهم مختلفة ، ولكنهم متفقون في المعنى .

فتحصّل من الخبر أنّ عمر كان جاهلا حتى بالأحكام المنصوصة في القرآن الحكيم .

الشيخ عبدالسلام : كلامكم مردود ، فإن الخليفة عمر(رض) كان عارفا بكتاب الله العزيز وكان

حافظا لكثير من القرآن . وإنما أراد من كلامه حمل الناس على العمل والالتزام بسنة رسول الله(ص).

قلت : يا شيخ . . . لقد اجتهد الخليفة فأخطأ ، وقد اعترف بخطئه ، وتراجع عن قوله ، وإن إصرارك لتصحيح خطأ الخليفة ذنب لا يغفر لأن الخليفة قد أخطأ . . جاهلا بالآية الكريمة ، ولما ردت عليه المرأة ، قبل منها ، وتريد أنت تصحيح الخطأ بعد ما علمت أنه مخالف لكتاب الله عز وجل .

ولا يخفى أن جهل الخليفة بكلام الله عز وجل لم ينحصر في هذا المورد ، بل هناك مورد آخر ،

نقله أيضا كبار أعلامكم ، ورواه كل المؤرخين من غير استثناء .

إنكار عمر موت رسول الله(ص)

اتفق أصحاب الحديث والتاريخ أن رسول الله(ص) لما توفي أنكر عمر موته ، وكان يحلف بأن النبي (ص) ما مات ولا يموت ، فلو كان عمر يحفظ القرآن أو يتفكر فيه ، ما أنكر موت رسول الله (ص) لقوله تعالى : ( إنك ميت وإنهم ميتون)(2).

وقوله سبحانه : ( أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم )(3).

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج2 / 40 ، ط دار إحياء الكتب العربية : وروى جميع أصحاب السيرة أن رسول الله (ص) لما توفي كان أبو بكر في منزله في السنح ، فقام عمر بن الخطاب فقال : ما مات رسول الله صلى الله عليه ولا يموت حتى يظهر دينه على الدين كله ، وليرجعن فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن أرجف بموته ، لا أسمع رجلا يقول : مات رسول الله إلا ضربته بسيفي .

فجاء أبو بكر وكشف عن وجه رسول الله (ص) وقال : بأبي وأمي ! طبت حيا وميتا ، ثم خرج

والناس حول عمر ، وهو يقول لهم : إنه لم يمت ويحلف ، فقال له : أيها الحالف ، على رسلك ! ثم قال : من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات . ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت . قال الله تعالى :
( أنك ميت وإنهم ميتون )(4) .

وقال عز وجل : ( أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم )(5).

قال عمر : فوالله ما ملكت نفسي حيث سمعتها أن سقطت إلى الأرض ، وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه قد مات .

فإذا كان عمر تاليا لكتاب الله العزيز آناء الليل وأطراف النهار ، عارفا لرموز القرآن وتعاليمه ، ما أنكر موت النبي (ص) جازما بحيث يحلف عليه ويهدد من خالفه في معتقده بالسيف !!

وأما جهله وعدم معرفته بأحكام الله سبحانه فمذكور أيضا في كتب أعلامكم . ولقد اشتهر عنه في ذلك قضايا كثيرة لم ينكرها أحد من علمائكم ، وأنا أذكر بعضها لينكشف الواقع للحاضرين .

لولا علي لهلك عمر

(1)

الزناة الخمسة

روى الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين قال : في خلافة عمر بن الخطاب ، جاؤا بخمسة رجال زنوا بامرأة وقد ثبت عليهم ذلك . فأمر الخليفة برجمهم جميعا . فأخذوهم لتنفيذ الحكم ، فلقيهم الإمام علي بن أبي طالب وأمر بردهم ، وحضر معهم عند الخليفة وسأله هل أمرت برجمهم جميعا؟ فقال عمر : نعم فقد ثبت عليهم الزنا ، فالذنب الواحد يقتضي حكما واحدا .

فقال علي : ولكن حكم كل واحد من هؤلاء الرجال يختلف عن حكم صاحبه .

قال عمر : فاحكم فيهم بحكم الله فإني سمعت رسول الله (ص) يقول : علي أعلمكم ، وعلي أقضاكم .

فحكم الإمام علي (ع) بضرب عنق أحدهم ، ورجم الآخر ، وحد الثالث وضرب الرابع نصف الحد، وعزر الخامس .

فتعجب عمر واستغرب فقال : كيف ذلك يا أبا الحسن ؟!

فقال الإمام علي : أما الأول : فكان ذميا ، زنى بمسلمة فخرج عن ذمته ، والثاني : محصن فرجمناه، وأما الثالث : فغير محصن فضربناه الحد ، والرابع : عبد مملوك فحده نصف ، وأما الخامس : فمغلوب على عقله فعزرناه .

فقال عمر : لولا علي لهلك عمر ، لا عشت في أمة لست فيها يا أبا الحسن !

(2)

الزانية الحامل

ذكر كثير من أعلامكم منهم : أحمد في المسند ، والبخاري في الصحيح ، والحميدي في الجمع بين الصحيحين ، والقندوزي في الينابيع / باب الرابع عشر / عن مناقب الخوارزمي ، والفخر الرازي في الأربعين/ 466 ، والمحب الطبري في الرياض ج2/ 196 وفي ذخائر العقبى/ 80 ، والخطيب الخوارزمي في المناقب / 48 ، ومحمد بن طلحة العدوي النصيبي في مطالب السئول / الفصل السادس ، والعلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / آخر باب 59 ـ والنص للأخير ـ قال : روى أن امرأة أقرت بالزنا ، وكانت حاملا فأمر عمر برجمها ، فقال علي (ع) إن كان لك سلطان عليها فلا سلطان لك على ما في بطنها . فترك عمر رجمها(6) .

(3)

المجنونة التي زنت

وكذلك روى أحمد في المسند ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى / 81 وفي الرياض / 196 ، والقندوزي في الينابيع / باب14 ، وابن حجر في فتح الباري : ج12 /101 ، وأبو داود في السنن : ج2 /227 ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة تحت عنوان [ فصل في قول عمر بن الخطاب : أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن] ، وابن ماجه في السنن : ج2 /227 ، والمناوي في فيض القدير: ج4/ 357 ، والحاكم في المستدرك : ج2 /59 ، والقسطلاني في إرشاد الساري : ج10/9 ، والبيهقي في السنن : ج6 / 264 ، والبخاري في صحيحه باب لا يرجم المجنون والمجنونة ، هؤلاء وغيرهم من كبار أعلامكم رووا بأسانيدهم من طرق شتى قالوا : أتى عمر (رض) بامرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا ليرجموها فرآهم الإمام علي (ع) في الطريق ، فقال : ما شأن هذه ؟ فأخبروه فأخلى سبيلها ، ثم جاء إلى عمر فقال له : لم رددتها ؟ فقال (ع) : لأنها معتوهة آل فلان ، وقد قال رسول الله (ص) : رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ والصبي حتى يحتلم والمجنون حتى يفيق .

فقال عمر : لولا علي لهلك عمر(7) .

ولقد ذكر ابن السمان في كتابه [الموافقة] روايات كثيرة من هذا القبيل فيها قد أخطأ عمر في الحكم، حتى وجدت في بعض الكتب قريبا من مائة قضية من هذا القبيل ، ولكن ما نقلناه من كتب الأعلام يكفي لإثبات المرام .

وإنما نقلت هذه الروايات ، تبيانا للحق وكشفا للحقيقة ، حتى يعرف حضرة النواب وابنه عبدالعزيز وذلك المعلم الذي زعم كذبا وادعى باطلا ، ويعرف الذين أيدوا مقال المعلم الجاهل وصدقوه عن جهلهم ، ويعرف الحاضرون أجمع ، بأن الخليفة عمر بن الخطاب ربما كان عارفا بالسياسة وإدارة البلاد وتسيير العباد ، ولكن ما كان عالما بالفقه والأحكام الدينية وما كان عارفا بدقائق كلام الله العزيز وحقائق كتابه المجيد(8) .

ولقد اتفق جل علماء الإسلام أو كلهم ، وثبت بالدلائل الواضحة والشواهد اللائحة أن أمير المؤمنين (ع)أعلم أصحاب رسول الله (ص) وأقضاهم وأعرفهم بالفقه وأحكام الدين . وصرح بهذا الرأي كثير من علماء السنة وأعلامهم ، منهم : العلامة نور الدين بن صباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة / الفصل الثالث في ذكر شيء من علومه قال : فمنها علم الفقه الذي وهو مرجع الأنام ومنبع الحلال والحرام ، فقد كان علي مطلعا على غوامض أحكام الإسلام ، منقادا له جامحه بزمامه ، مشهودا له فيه بعلو محله ومقامه . ولهذا خصه رسول الله (ص) بعلم القضاء ، كما نقله الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي رحمة الله عليه في كتابه المصابيح ، مرويا عن أنس بن مالك أن رسول الله (ص) لما خصص جماعة من الصحابة كل واحد بفضيلة خصص عليا بعلم القضاء ، فقال صلى الله عليه وسلم : وأقضاهم علي (ع) .

وروى هذا الحديث أيضا محمد بن طلحة العدوي في كتابه مطالب السئول / الفصل السادس / قال : ومن ذلك ـ أي الأحاديث الواردة في علم الإمام علي ـ ما نقله القاضي الإمام أبو محمد الحسين ابن مسعود البغوي : أن رسول الله (ص) خصص جماعة من الصحابة كل واحد بفضيلة وخصص عليا بعلم القضاء . فقال : وأقضاهم علي (ع) .

قال محمد بن طلحة : وقد صدع بالحديث بمنطوقه وصرح بمفهومه أن أنواع العلم وأقسامه قد

جمعها رسول الله (ص) لعلي (ع) دون غيره . وبعد تفصيل الحديث والخبر قال في أواخر الصفحة : فالنبي (ص) قد أخبر بثبوت هذه الصفة العالية لعلي (ع) مع زيادة فيها على غيره بصيغة (أفعل التفضيل) ولا يتصف بها إلا بعد أن يكون كامل العقل ، صحيح التمييز ، جيد الفطنة ، بعيدا عن السهو والغفلة ، يتوصل بفطنته إلى وضوح ما أشكل وفصل ما أعضل ، ذا عدالة تحجزه أن يحوم حول حمى المحارم ، ومروة تحمله على محاسن الشيم ومجانبة الدنايا ، صادق اللهجة ظاهر الأمانة ، عفيفا على المحظورات ، مأمونا في السخط والرضا ، عارفا بالكتاب والسنة ، والاختلاف ، والقياس ولغة العرب بحيث يقدم المحكم على المتشابه والخاص على العام والمبين على المجمل والناسخ على المنسوخ . . . وبعد تفصيل وشرح مبسط للعلوم اللازمة للقضاء ، قال : فظهر لك أيدك الله تعالى أن رسول الله (ص) حيث وصف عليا (ع) بهذه الصفة العالية بمنطوق لفظه المثبت له فضلا فقد وصفه بمفهومه بهذه العلوم المشروحة المتنوعة الأقسام فرعا وأصلا ، وكفى بذلك دلالة لمن خص بهدية الهداية قولا وفعلا على ارتقاء علي (ع) في مناهج معارج العلوم إلى المقام الأعلى . . . الخ .

والجدير بالذكر أن عمر بن الخطاب ـ الذي يحسبه الجاهلون المتعصبون أمثال ذاك المعلم ومؤيديه بأنه أفقه وأعلم من الإمام علي (ع) قد أعلن كرات ومرات وقال : لولا علي لهلك عمر ، أو بعبارات أخرى تتضمن نفس المعنى ، حتى أن كبار علمائكم قالوا : أن عمر في سبعين موضع حينما عجز عن الفصل والقضاء راجع علي بن أبي طالب ، ولما حكم في القضية وبين الدلائل الشرعية والعقلية في حكمه وقضائه ، قال عمر : لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن .

ولقد قال أحمد بن حنبل في المسند ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى كما نقل عنهما الحافظ القندوزي في ينابيع المودة / باب 56 ، وكذلك في كتاب الرياض النضرة للطبري أيضا : ج2/195، رووا أن معاوية قال : إن عمر بن الخطاب إذا أشكل عليه شيء أخذ من علي بن أبي طالب .

ونقل أبو الحجاج البلوي في كتابه "الف باء" ج1 / 222 قال : لما وصل معاوية خبر قتل علي (ع) ، قال : لقد ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي طالب .

وهكذا يروى عن سعيد بن المسيب أنه قال : كان عمر(رض) يتعوذ من معضلة ليس لها أبوالحسن(9).

وقال أبو عبدالله محمد بن علي الترمذي في شرح "الفتح المبين" : كانت الصحابة ( رضي الله عنهم) يرجعون إليه ـ أي إلى علي(ع) ـ في أحكام الكتاب ويأخذون عنه الفتاوي ، كما قال عمر بن الخطاب (رض) في عدة مواطن : لولا علي لهلك عمر .

وقال النبي (ص) : أعلم أمتي علي بن أبي طالب .

فتحصل من كتب التاريخ والسير أن عمر بن الخطاب كان ضعيفا في الفقه وعلم الأحكام ، لذلك كان في أغلب القضايا يراجع من حضره من الصحابة العارفين بالفقه وأحكام الشريعة . وربما اشتبه في المسائل الدينية والأحكام الشرعية التي كان يعرفها أكثر المسلمين ، فكان الحاضرون ينبهونه ويرشدونه إلى الصواب .

الشيخ عبد السلام : لا نسمح لك أن تتكلم هكذا على خليفة المسلمين وتنسب إليه الجهل والاشتباه،نحن لا نتحمل منكم هذا التجاسر، ولا شك أن كلامكم بعيد عن الصواب ، وقائله مفتر كذاب!!

قلت : على مهلك يا شيخ ! قف عند حدك ولا تهرج ، تريد بهذا الكلام أن تحرك أحاسيس الحاضرين من أهل السنة ، ولكنهم عرفوا في الليالي السالفة والمناقشات الماضية بأني لا أتكلم بغير دليل وبرهان ، وهذه المرة كالمرات الأخرى ، إنما قلت ما قلت من كتب كبار علمائكم ومسانيد أعلامكم، فإن كان في كلامي تجاسر على عمر فليس مني بل من علمائكم ، وإن كان الكلام بعيدا عن الصواب ، وقائله مفتر كذاب ـ كما زعمت ـ فقائله بعض أعلامكم وأئمتكم .

الشيخ عبدالسلام : هذا الكلام غير مقبول ، ولا أظن قائله إلا أحد المردودين غير المعتبرين لدى عامة أهل السنة ، والجدير أنك لما تنقل خبرا في إثبات كلامك ، تقول : نقله أعلامكم وأئمتكم ، ولم تذكر اسم القائل ، فنراه ليس من أعلامنا وأئمتنا ، بل هو كتاب سني غير معتبر ، ولا يعتمد أعلامنا على كتابه ، لذلك أنا لا أقبل منك نقل الرواية والخبر في هذا الموضوع إلا من الأئمة الأعلام الذين نرجع إليهم في أمور ديننا ، كأصحاب الصحاح والمسانيد أو السنن التي نعتمد عليها .

قلت : لقد أسهبت في البيان وذربت باللسان وقضيت خلاف الحق والوجدان ، وأنا أترك التحكيم للحاضرين لاسيما أهل العلم والإيمان ، ولكي تعرف زيف كلامك وتعلم صدق مقالي ، أذكر لكم من الكتب التي تقبلونها وتعتمدون عليها في أمور الدين والمذهب من الصحاح والمسانيد المعتبرة لديكم، أذكر اشتباها واحدا من عشرات الإشتباهات التي ارتكبها الخليفة عمر بن الخطاب مضافا إلى ما مر، واكتفى بذلك رعاية للوقت .

عمر : لا يعرف التيمم وأحكامه!!

جاء في صحيح مسلم / باب التيمم ، وذكره أيضا الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين ، وأحمد بن حنبل في مسنده ج4 / 265 و 319 ، والبيهقي في السنن : ج1 / 209 ، وأبو داود في السنن : ج1 / 53 ، وابن ماجه في السنن : ج1 / 200 ، والنسائي في السنن : ج1 / 59 إلى 61 ، هؤلاء كلهم عندكم من الأئمة والأعلام المعتمد عليهم في مسائل الحلال والحرام وجميع أحكام الإسلام ، وذكر أيضا جمع كثير من علمائكم الكرام غير هؤلاء ذكروا بأسانيدهم عن طرق كثيرة رووا بألفاظ مختلفة والمعنى واحد ، وأنقله من صحيح مسلم / كتاب الطهارة / في باب التيمم / روى بسنده عن عبدالرحمن بن أبزي : إن رجلا أتى عمر فقال : إني أجنبت فلم أجد ماء . فقال : لا تصل .

فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين ! إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء . أما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب ـ وفي صحيح النسائي / باب التيمم : فتمرغت في التراب ـ فصليت.

فقال النبي (ص) : إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك .

فقال عمر : اتق الله يا عمار ! قال : إن شئت لم أحدث به .

فمن هذا الخبر يظهر زيف كلام ذلك المعلم الجاهل وبطلان زعمه ومدعاه بأن عمر أحد الفقهاء الكبار ، إذ كيف يمكن لفقيه لازم صحبة النبي (ص) طيلة أعوام ، وسمع منه (ص) أحكام الإسلام ، وتلا كلام الله العزيز في القرآن حيث يقول : ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا )(10).

فيفتي بترك الصلاة الواجبة ، عند فقدان الماء !!

هل يصح أن يقال لهكذا مفتي أنه فقيه أو عالم بأحكام الدين ؟! والجدير بالذكر ، أن مسألة التيمم من المسائل المبتلى بها في المسلمين ، فلذا يعرفها حتى عوام المسلمين والسوقيين منهم الملتزمين بالصلاة والعبادة ، فكيف بأصحاب رسول الله (ص) ؟ وكيف بحاكم المسلمين ؟!

ليس لأحد أن يقول بأن عمر كان متعمدا في فتواه بترك الصلاة ، أو كان يقصد تبديل حكم الله والإخلال أو التغيير في دين الله سبحانه ، ولكن لنا أن نقول : بأنه ما كانت له الإحاطة الكافية بجميع أحكام الدين ومسائل الشرع المبين ، وكم فرق بينه وبين من كان محيطا بجميع مسائل الإسلام وأحكام العبادات والحلال والحرام ، وكان سريع الجواب حتى في جزئيات الأحكام ، ولا يخفى عليه شيء من أمور الدين صغيرا كان أو كبيرا ؟!

الشيخ عبد السلام : ما كان أحد غير رسول الله (ص) يتصف بصفة أنه لا يخفى عليه شيء من أمور الدين صغيرا كان أو كبيرا .

قلت : نعم بعد رسول الله (ص) ما كان أحد من الصحابة يتصف بهذه الصفة العظمى ، إلا باب علمه ووارث مقامه علي بن أبي طالب (ع) ولذلك خاطب النبي (ص) أصحابه قائلا : أعلمكم علي .

إحاطة الإمام علي (ع) بالعلوم

روى العلامة موفق بن أحمد الخوارزمي في كتابه المناقب بأن يوما سأل الخليفة عمر بن الخطاب ، الإمام علي بن أبي طالب (ع) رآه يجيب سريعا على كل ما يسأل بغير تأن وتفكر . فقال : يا علي كيف تجيب على المسائل سريعا بالبداهة من غير تفكر ؟!

فبسط علي (ع) كفه وسأله : كم عدد أصابع الكف ؟ فأجاب عمر سريعا من غير تأخير : خمسة .

فقال له علي : كيف أسرعت في الجواب من غير تفكير ؟

فأجاب عمر : إنه واضح ، لا يحتاج إلى تفكير .

فقال علي (ع) : اعلم أن كل شيء عندي واضح بهذا الوضوح فلا أحتاج إلى تفكير في جواب أي سؤال(11).

اعتراف معاوية وإقراره بعلم الإمام علي عليه السلام

لقد تذكرت الآن خبرا أنقله للحاضرين الكرام من باب :

وفضائل شهد العدو بذكرها والفضل ما شهدت به الأعداء

نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، وابن حجر في الصواعق المحرقة / 107 طبع المطبعة الميمنية بمصر / قال : وأخرج أحمد [بن حنبل] : أن رجلا سأل معاوية عن مسئلة ، فقال : إسأل عنها عليا فهو أعلم .

فقال : يا أمير المؤمنين ! جوابك فيها أحب إلي من جواب علي .

قال : بئسما قلت ، لقد كرهت رجلا كان رسول الله (ص) يعزه بالعلم عزا ، ولقد قال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه ، قال ابن

حجر : وأخرجه آخرون بنحوه(12).

عجز عمر في حل المعضلات وخضوعه لعلي عليه السلام

نقل جمع من أعلامكم وكبار علمائكم منهم العلامة نور الدين المالكي في كتابه الفصول المهمة / 18 في القسم الثالث من الفصل الأول / ونسب الكلام المرموز إلى رجل مجهول . ولكن العلامة الكنجي الشافعي روى بإسناده في كتاب كفاية الطالب / الباب السابع والخمسون عن حذيفة بن اليمان أنه لقي عمر بن الخطاب فقال له عمر : كيف أصبحت يا ابن اليمان ؟ فقال : كيف تريدني أصبح ؟! أصبحت والله أكره الحق ، وأحب الفتنة ، وأشهد بما لم أره ، وأحفظ غير المخلوق ، وأصلي على غير وضوء ، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء . فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد أعجله أمر وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك .

فبينا هو في الطريق إذ مر بعلي بن أبي طالب ، فرأى الغضب في وجهه ، فقال : ما أغضبك ياعمر ؟!

فقال : لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت ؟ فقال : أصبحت أكره الحق ، فقال (ع) : صدق يكره الموت وهو حق .

فقال : يقول : وأحب الفتنة ، قال (ع) : صدق ، يحب المال والولد ، وقد قال الله تعالى :( أنما أموالكم وأولادكم فتنة)(13) . فقال : يا علي يقول : وأشهد بما لم أره . فقال (ع) صدق ، يشهد الله بالوحدانية والموت والبعث والقيامة والجنة والنار والصراط ولم ير ذلك كله . فقال : يا علي وقد قال : إنني أحفظ غير المخلوق قال (ع) : صدق ، يحفظ كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق ، قال : ويقول : أصلي على غير وضوء . فقال(ع): صدق ، يصلي على ابن عمي رسول الله (ص)على غير وضوء ، وهي جائزة.

فقال : يا أبا الحسن قد قال : أكبر من ذلك ، فقال (ع) : وما هو ؟

قال : قال إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء . قال (ع) : صدق ، له زوجة ، وتعالى الله عن الزوجة والولد .

فقال عمر : كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب .

ثم قال العلامة الكنجي : هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحد من أهل السير .

وقد روى العلماء أخبارا كثيرة وقضايا عسيرة من هذا القبيل كانت تحدث في خلافة الشيخين أبي بكر وعمر ، فكانا يعجزان عن حلها وفهمها فكانا يرجعان بها إلى الإمام علي (ع) فيعطيهم الجواب، لا سيما المسائل التي كان يطرحها علماء اليهود والنصارى والماديون ، فكانت معضلات علمية ومشكلات كلامية لم يتمكن أحد من الصحابة ردها والإجابة عليها بالصواب إلا سيد الوصيين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، ولقد روى أكثر أعلامكم وكبار علمائكم في كتبهم بعض تلك القضايا منهم : البخاري ومسلم في الصحيحين ، والنيسابوري في التفسير ، وابن المغازلي في المناقب ، ومحمد بن طلحة العدوي في الباب الرابع من كتابه مطالب السئول ،والحميدي في الجمع بين الصحيحين ، وأحمد بن حنبل في المسند ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : ص 18 وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب / 337 ، طبع حيدر آباد ، وفي الإصابة ج2 / 509 ، طبع مصر، والقاضي روزبهان في إبطال الباطل ، والمحب الطبري في الرياض النضرة : ج2 / 194 ، وابن الأثير الجزري المتوفي سنة 360 هجرية في أسد الغابة : ج4 / 22 ، وابن قتيبة المتوفي سنة 276 هجرية في كتابه تأويل مختلف الحديث : 201 ـ 202 طبع مصر ، وابن عبدالبر القرطبي في الإستيعاب ج2/ 474 و ج3 / 39 ، وابن كثير في تاريخه ج7 / 359 ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : 66 ، والسيد مؤمن الشبلنجي في نور الأبصار : ص 73 ، والعلامة السمهودي في جواهر العقدين ، والحاج أحمد أفندي في هداية المرتاب / 146 و 152 ، والشيخ محمد الصبان في إسعاف الراغبين : ص 152 ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الحواس في الباب السادس ، وابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة ، والمولى علي القوشجي في شرح التجريد : ص 407 ، والخوارزمي في المناقب / 48 و 60 ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : ص 107 طبع المطبعة الميمنية بمصر ، والعلامة ابن قيم الجوزية في كتاب الطرق الحكمية / 47 و 53 ، تجد في هذه المصادر قضايا عسيرة ومشاكل كثيرة راجع فيها الشيخان أيام خلافتهما ،عليا (ع) وهو حكم فيها ، وخاصة عمر بن الخطاب ، فقد كان يقول عبارته المشهورة بعد كل معضلة حلها الإمام علي (ع) : أعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو الحسن ، ويقول في بعضها الآخر : لولا علي لهلك عمر . وقوله : كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب .

ولقد تحصل من هذه الأخبار أنهم كانوا يحتاجون إلى الإمام علي (ع) لحل القضايا والحكم فيها ، وكانوا يحتاجون إلى رأيه وقضائه في فصل النزاع والتخاصم ، وبحكم العقل ونظر العقلاء فإن الأعلم مقدم على غيره وهو أحق أن يتبع ، وقال الله سبحانه : ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون)(14) ؟

وقال عز وجل : (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)(15).

فهل كان من الحق والإنصاف أن يتقدموا على الأعلم والأفضل والأحق وأن يؤخروا من قدمه الله تعالى وفضله على غيره ؟!

الإمام علي (ع) وخلافة من سبقوه

الشيخ عبدالسلام : لا ينكر أحد فضائل ومناقب سيدنا علي كرم الله وجهه إلا معاند متعصب أو جاهل متعنت ، ولكن ثبت عند أهل العلم والتحقيق أيضا بأن علي رضي بخلافة الراشدين وسلم الأمر إليهم وبايعهم بالطوع والرغبة ، فليس لنا بعد ذلك ولا يضح منا أن نجدد ذكر الحوادث التي تبعث الإختلاف بين المسلمين وتشب نار الفرقة والنزاع بين المؤمنين .

أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونترك هذه الأبحاث ونتحد مع بعض ونتبع الواقع ونخضع للتاريخ ؟

فلا ينكر أحد من لأهل العلم والإطلاع أن الخلافة ثبتت لأبي بكر ، وبعده استقرت لعمر بن الخطاب وبعده تعين عثمان بن عفان لها . فمع تسليمنا وخضوعنا لمقام سيدنا علي كرم الله وجهه وتفوقه العلمي والعملي وقرابته من رسول الله (ص) وجهاده ، ندعوكم أن تخضعوا أيضا لخلافة الراشدين قبل الإمام علي حتى نحسبكم مثل أحد المذاهب الأربعة المؤيدة من قبل عامة المسلمين .

وقلت : بأننا لا ننكر تفوق سيدنا علي كرم الله وجهه في العلم والعمل ولكن أضنكم تصدقوني بأن أبا بكر(رض) كان أولى بالخلافة لكبر سنه، وكثرة تجاربه، وعلمه بالسياسة، وإدارة الأمور، ولوجود هذه الإمتيازات فيه أجمعوا على خلافته، فإن سيدنا علي كرم الله وجهه كان حينذاك شابا غير محنك في أمور السياسة والإدارة، وحتى من بعد وفاة رسول الله(ص) بخمسة وعشرين عام لما بايعوه بالخلافة لم يستقر له الأمر لعدم سياسته وحدثت في أيامه حروب طاحنة بين المسلمين فسفكت الدماء وزهقت النفوس ، كل ذلك بسبب خطئه في الإدارة والسياسة .

قلت : لقد خلطت الحابل بالنابل ، وضربت السليم بالسقيم ، فلابد لي أن أميز بين كلامك، وأضع كل جملة في موضعها وأجيبك عليها .

مثل مناسب ولا مناقشة في الأمثال

أولا :

لقد جاء في الأمثال : أن عجوزا طلبت من ولدها ـ وكان سارقا ـ أن يأتي لها بكفن من كسب حلال .

فجاء الولد وهو شاب قوي إلى بياع الأكفان ـ وكان شيخا ضعيفا ـ قريبا من بيت العجوز ، فأخذ منه كفنا ولم يعطه الثمن ، ولما أراد أن يذهب، طالبه صاحب الكفن بالثمن، فقال السارق : ليس عندي ثمنه وأريد منك أن تحله لي .

فقال الشيخ : لا أحله . إما أن تعطي الثمن أو ترد الكفن !

فغضب السارق وأخذ بتلابيب الشيخ وضربه حتى سقط على الأرض وبدأ يركله برجله ، ويسحقه بأقدامه ، ويقول هبني الثمن وحلل الكفن وإلا قتلتك !!

فقال الشيخ بصوت منخفض ـ وهو تحت أقدام السارق ـ : وهبتك الثمن وحللت الكفن .

فقال السارق : لا أقبل . إلا أن تصيح بصوت رفيع ، تسمعك أمي في بيتها .

فصاح الشيخ بكل صوته : وهبتك الثمن وحللت الكفن .

فتركه وجاء إلى أمه العجوز وأعطاها الكفن .

وقال لها : يا أماه سمعت صوت الشيخ يقول : حللت الكفن !

قالت : نعم يا ولدي . . جزاك الله خيرا !!

أقول : فلو درت العجوز بصنيع ولدها الظالم بالشيخ المظلوم ، هل كانت تؤيده وتقول له : جزاك الله خيرا ؟!

إن كلامك بأن عليا (ع) كان راضيا بخلافة الراشدين قبله ، وأنه بايعهم بالطوع والرغبة ، فقد تكرر ونحن أجبنا عليه من قبل بالإجابات القانعة المستندة إلى كتبكم وتواريخكم ، بأنهم أجبروه على البيعة بحرق بابه ، وإسقاط ولده المحسن ، وإيذاء زوجته وهي سيدة نساء العالمين ، وإخراجه من البيت حاسرا قد جردوا السيف على رأسه ، وهددوه بالقتل إن لم يبايع ؛ وما إلى ذلك من حوادث أليمة وفجائع عظيمة .

فلو تظاهر الإمام علي (ع) بالرضا فإنما كان رضاه مثل رضا الشيخ بياع الأكفان ، عن كره وإجبار لا كما تزعمون عن طوع ورغبة . فكيف رضي وهو (ع) إلى آخر عمره كان يشتكي من أعمالهم ويتذمر ؟

وكما نرى في خطبه وكلماته وكتبه في نهج البلاغة ، كان كلما وجد فرصة مناسبة يبدي ظلامته ويقول : صبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى . فأين هذا الكلام من الرضا ؟

ثانيا : قلتم : أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونترك هذه الأبحاث ونتحد مع بعض . . ؟ كما قلتم قبله ، ولا يصح منا أن نجدد ذكر الحوادث التي تبعث الإختلاف والفرقة بين المسلمين .

فأقول : نحن في طول التاريخ كنا نراعي جانب الإتحاد ، وكنا نحذر من الفرقة والإختلاف ، ونبتعد عن التخاصم والنزاع ، ولو راجعتم التاريخ ومررتم بالإحداث لأذعنتم لقولي ، ولقد مضى في أبحاثنا أن الإمام علي (ع) إنما سكت وسكن مدة خمس وعشرين سنة ـ مدة حكومة الثلاثة قبله ـ حذرا من الاختلاف والفرقة بين الأمة ولقد ما لو نزل على صم الصخور لتصدعت وصارت هباء منثورا .

وكذلك الإمام المجتبى الحسن السبط سلام الله عليه ، إنما هادن معاوية ليوحد بين المسلمين ويحسم النزاع والتخاصم ، ولكن معاوية سحق شروط الإمام الحسن (ع) التي كان قد وقع عليها . وبعده أيضا كانت الشيعة في كل عصر وزمان دعاة الإتحاد والائتلاف ، وأنتم كنتم تعملون بالعكس والخلاف ، وذلك بتصدير الفتاوي ضد الشيعة ، والإفتراء عليهم ، واتهامهم بالكفر، وتسميتهم بالرافضة، وإباحة أموالهم ودمائهم وأعراضهم و .... ، ومن باب الدفاع عن النفس كنا نرد عليكم ونثبت بالمنطق والدليل بأننا مؤمنون ومسلمون ولسنا بكافرين ومشركين .

لا يصح اختيار دين بغير دليل

ثالثا : أما قولك : أليس من الأفضل أن ننسى الماضي ونتحد مع بعض ونتبع الواقع ؟

فأقول : بل الأفضل أن نعتبر من الماضي ولا نكرر أخطاء اسلافنا الماضين ولا سيما في أمر الدين .

والأفضل أيضا أن نتحد مع بعض ، ولكن يجب أن يكون اتحادنا على قبول الحق ، فيلزم قبل الاتحاد أن نبحث ونناقش لنعرف الحق فنتقبله ونتمسك به كلنا ، وهذا هو الإتحاد الممدوح والذي يريده الله تعالى .

وأما قولك فنتبع الواقع ونخضع للتاريخ . فهو كلام أوهن من بيت العنكبوت . وفيه ضرب من المغالطة ، لأنك بهذا الكلام تريد منا أن نتبع من غلب ، ونخضع لمن حكم ، وما أكثر الظالمين الذين غلبوا المظلومين وما أكثر الطغاة الذين حكموا في العالم . فليس كل من غلب وحكم حقيق بأن نتبعه ونخضع له .

وأما فيما هو بحثنا وهو الخلافة ، فإن التاريخ يحدث ويحكي بأنه بعد وفاة رسول الله (ص) انقسم المسلمون واختلفوا ، فقسم منهم تبعوا أبا بكر وبايعوه وخضعوا لحكمه وخلافته ، والقسم الآخر

خالفوه ورفضوا حكمه وخلافته ، وتبعوا عليا وأطاعوه مستندين في عملهم بالقرآن الحكيم وأحاديث النبي الكريم (ص) .

فالواجب علينا اليوم أن ننظر إلى أقوال الطرفين ودلائلهم ونختار مذهب أحدهما بالدليل والبرهان ، فإنه لا يصح التقليد في أصول الدين والمذهب . فهل يعذر أبناء اليهود والنصارى إذ اتبعوا ملة آبائهم وقلدوا أسلافهم بحجة القول : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)(16) ؟

بل يجب على كل مكلف أن يتدين بدين الله تعالى عن دراسة وتحقيق ، ولابد له من دليل عقلي في إختيار الدين والمذهب .

فلا يصح أن يتبع الهوى فيميل إلى من أحب ويختار مذهبه ، فإن اختيار الدين والمذهب يجب أن يكون على أساس المنطق القويم والعقل السليم .

ماهو دليلي على اختياري التشيع ؟

أتظنون أني اخترت مذهب التشيع ، لأني وجدت آبائي على هذا المذهب فقلدتهم تقليدا أعمى؟ لا والله !

فإني من حين عرفت نفسي وأحسست بحاجتي إلى دين أتدين به وأعمل بأحكامه وتعاليمه ، بدأت أطالع في الأديان السماوية وغيرها ، حتى أني طالعت أقوال الماديين والوجوديين أيضا ، لكي أعرف الحق والحقيقة . فاخترت الإسلام عن معرفة ودراية ، ثم درست أصوله وفروعه بدقة وتحقيق ، فوحدت الباري جل وعلا وعبدته وفوضت إليه أموري كلها ، وطالعت تاريخ سيد المرسلين وفهمت رسالته الشريفة ، وقد ثبت عندي بالأدلة العقلية وبمقايسة دينه بسائر الأديان أن الإسلام هو الدين الأكمل والمعتقد الأفضل .

ثم نظرت إلى اختلاف المذاهب وتاريخ تأسيسها في الإسلام ،وطالعت الأحداث التي حدثت بعد النبي (ص) وقضية الخلافة وتشكيل السقيفة وما بعدها ، وطالعت تاريخ الخلفاء وأعمالهم ، وكنت معتمدا في دراستي ومطالعاتي على مصادر الفريقين وكتب علماء الطرفين ومحدثيهم ومتكلميهم ومؤرخيهم .

وأشهد الله أني وصلت إلى حقانية مذهب الشيعة ، وحقيقة أقوالهم وعقائدهم ، وعرفت حق الإمام علي (ع) بالولاية والخلافة وأن الآخرين قد غصبوا حقه .

وأقسم بالله أني ما حصلت على هذه النتائج والحقائق إلا من الروايات والأخبار المذكورة في كتب علماء العامة وأعلامهم ، وفي صحاحهم ومسانيدهم المعتبرة والموثوقة التي لا يجوز عندهم ردها ، ولقد اعتمدت في بحث الخلافة والإمامة خاصة ، على تآليف وتصانيف علماء السنة وطالعتها ، أكثر من مطالعتي لكتب الشيعة . لأن الدلائل التي ذكرها علماء الشيعة في كتبهم ، كانت أكثرها من كتب علماء السنة وأعلامهم . فرجعت إلى المصادر فوجدت فيها الدلائل أكمل وأتم . ولكن علماء السنة عندما يذكرون الآية القرآنية وشأن نزولها في الإمام علي (ع)، أو يذكرون حديث رسول الله (ص) في فضل الإمام علي (ع) فإنهم ينظرون إليها نظرا سطحيا ، ويمرون عليها من غير تحقيق وتدقيق ، فلا يتعمقون في معانيها والمقصود منها ، ولو نظروا فيها بنظر التحقيق لوجدوا فيها نصوصا صريحة في خلافة الإمام علي (ع) وإمامته ، وشهدوا كما نشهد بأن الإمام علي (ع) ولي الله وحجة الله وخليفة رسول الله (ص) ، الأول بلا فصل .

الشيخ عبدالسلام : لا توجد في كتبنا المعتبرة نصوص في ولاية سيدنا علي كرم الله وجهه وإمامته ولزوم طاعته على الأمة ..

قلت : أظنك يا شيخ كثير النسيان ، وكأنك لم تذكر من أحاديثنا ومحاوراتنا إلا قليلا ، فلذا أدعوك للرجوع إلى الصحف والمجلات التي نشرت مناقشاتنا الماضية ، فإننا ذكرنا فيما سبق في كلامنا نصوصا كثيرة من القرآن الحكيم وحديث النبي الكريم (ص) في إمامة علي بن أبي طالب ولزوم

طاعته ومتابعته ، وسأذكر بعضها من باب ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )(17) .

الآيات والروايات في لزوم طاعة علي (ع)

أما النصوص في ولاية الإمام علي (ع) فكثيرة منها ما رواه الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة / باب 37 . عن الفردوس للديلمي ، وعن أبي نعيم الحافظ ، وعن محمد ابن إسحاق المطلبي صاحب كتاب المغازي ، وعن الحاكم ، والحمويني ، والخوارزمي ، وابن المغازلي

وبعضهم أسند إلى ابن عباس ، وبعضهم إلى ابن مسعود ، وبعضهم إلى أبي سعيد الخدري أنهم قالوا : لما نزلت الآية الكريمة : ( وقفوهم إنهم مسئولون )(18).

قال النبي (ص) : إنهم مسئولون عن ولاية علي بن أبي طالب(19) .

ثم إننا نجد في كثير من الأخبار المروية في كتبكم المعتبرة ، أن رسول الله (ص) يختار الإمام علي من دون كل الصحابة ، فيجعله باب علمه ويأمر المسلمين بلزوم طاعته بل يجعل طاعته طاعة الله سبحانه .

فقد روى أحمد بن حنبل في المسند ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، والحافظ القندوزي في الينابيع ، والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، عن النبي (ص) قال يا معشر الأنصار ! ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ؟ قالوا : بلى .

قال : هذا علي فأحبوه وأكرموه واتبعوه ، إنه مع القرآن والقرأن معه ، إنه يهديكم إلى الهدى ولا يدلكم على الردى ، فإن جبرائيل أخبرني بالذي قلته .

وكذلك روى كثير من علمائكم ونقلته لكم في الليالي السالفة ، أن رسول الله (ص) قال لعمار بن ياسر : يا عمار إن سلك الناس كلهم واديا وسلك علي واديا فاسلك وادي علي وخل عن الناس .

وكذلك ذكرت لكم في الليالي الماضية من كتب أعلامكم : أن رسول الله (ص) قال كرارا وأعلن

مرارا بين أصحابه : من أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن أطاعني فقد أطاع الله عز وجل .

فلا يخفى على العالم المتتبع أن مثل هذه الأحاديث كثيرة جدا في كتبكم ، وقد صححها كبار أعلامكم وأئمتكم ، حتى كاد يحصل منها التواتر المعنوي في لزوم متابعة الإمام علي (ع) ووجوب طاعته .

مع العلم بأننا ما وجدنا ولا وجد غيرنا حتى حديثا واحدا عن النبي (ص) يقول للمسلمين بأن

يطيعوا بعده أبا بكر أو عمر أو عثمان ، ولا يوجد في الكتب حديث واحد عن رسول الله (ص) قال فيه بأن أحد هؤلاء الثلاثة وصية أو باب علمه ، أو خليفته .

ومع ذلك ، تريدون منا أن نوافقكم في قولكم بأن الإمام علي (ع) هو رابع الخلفاء الراشدين ، ونقدم عليه أولئك الذين لن نجد حتى في كتبكم ما يتبىء بأن النبي (ص) عينهم أوصياء وخلفاء له ، وأئمة على المسلمين !!

فهل هذا يوافق حكم العقل ؟ وهل هو صحيح عند العقلاء وأصحاب الضمير والوجدان ؟!

ثم فكروا ، وأنصفوا! ألا يكون هذا الطلب والأمر الذي تريدون منا ، مخالفا لما أراده الله ورسوله؟!

إتحاد المسلمين

أما قولك : أليس من الأفضل أن نتحد؟

فنقول : إننا نتمنى ذلك ، ولا نزال نسعى لتحقيق هذا الأمر ، ونسأل الله تعالى أن يوحد المسلمين على الهداية وعدم الضلالة ، وهذا لا يكون إلا بالتمسك بالثقلين كما قال رسول الله (ص) : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا .

ولقد ذكرت لكم في الليالي الماضية مصادر هذا الحديث الشريف من كتبكم المعتبرة ، وقد صرح بعض علمائكم أنه من الأحاديث المتواترة .

ويبين لنا القرآن الكريم كذلك أساس الإتحاد وعدم التفرق فيقول : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )(20).

قال ابن حجرفي الصواعق المحرقة(21) في تفسير الآية : أخرج الثعلبي في تفسير هذه الآية عن جعفر الصادق ( رضي الله عنه) أنه قال : نحن حبل الله الذي قال الله تبارك وتعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) فالاتحاد يصبح ممكنا إذا كان على أساس التمسك بالقرآن وأهل البيت (ع) ، وإلا فلا يمكن ذلك ولا يتحقق أبدا . كما نرى بعض علمائكم وأعلامكم يكتبون على الشيعة في كتبهم ويفترون عليهم ويتهمونهم بالكفر والشرك ، وهو ادعاء بلا دليل . فامنعوا أولا هؤلاء المتعصبين المعاندين التابعين للخوارج والنواصب من هذه التهجمات والتعسفات ، وردوا أقاويلهم وأباطيلهم ، حتى يتحقق إن شاء الله التقارب والإتحاد بين الشيعة وأهل السنة ، مع غض النظر عن الإختلافات الموجودة بينهم في العقائد والقواعد الدينية ، كالتقارب والإتحاد بين المذاهب الأربعة ، مع غض النظر عن كل الإختلافات الموجودة بينهم ، مع أننا نجد في كتبهم أنهم كانوا يكفرون بعضهم بعضا ، لشدة اختلافاتهم ، ـ وقد نقلت لكم بعض تكفيراتهم في الليالي الماضية ـ ومع ذلك نرى أتباع أي واحد من المذاهب الأربعة يتمتع بالحرية الكاملة في كل البلدان والمدن الإسلامية ، فيعمل برأي إمامه ويقوم بعباداته كلها على أساس مذهبه من غير مانع ورادع ، حتى لو كان أهل تلك المدن من أتباع مذهب آخر .

ولكن نحن الشيعة على حسب مذهب أئمة أهل البيت ـ وهم العترة الهادية ـ يجب أن نسجد على

التراب ، فنأخذ معنا قطعة من الطين اليابس فنسجد عليه ، وإذا بكم تهرجون ضدنا وتفترون علينا فتقولون لجهالكم بأن الشيعة عباد الصنم ، وتستدلون لهم بسجودنا على الطينة اليابسة ، فتلبسون عليهم الأمر وتدلسون عليهم ، بأن الطينة صنم ، والشيعة يعبدونه!!

الشيخ عبدالسلام : إذن فلماذا تختلفون أنتم في صلاتكم وسجودكم مع المسلمين؟! ولو كنتم توافقونهم ما حدث هذا الإشتباه أو سوء التعبير والفهم . وأنا أنصحكم إن كنتم تريدون رفع الإتهام عن أنفسكم، فصلوا كما يصلي المسلمون عامة .

قلت : هذا الإختلاف إنما هو مثل اختلافكم أنتم اتباع الشافعي مع سائر المذاهب .

الشيخ عبدالسلام : نحن نختلف في الفروع وأنتم تختلفون في الأصول .

قلت : أولا : السجود جزء من الصلاة ، والصلاة من فروع الدين .

ثانيا : اختلافكم مع أتباع مالك وأحمد وأبي حنيفة لم يكن في الفروع فحسب بل تعدى إلى الأصول أيضا بحيث نجد في الكتب كما قلت آنفا يفسق ويكفر بعضكم بعضا .

الشيخ عبدالسلام : التكفير والتفسيق من عمل المتعصبين والجاهلين ، وإلا فإجماع علماء العامة وأعلام أهل السنة على أن العمل بفتوى أي واحد من الأئمة الأربعة صحيح ، والعامل مأجور ومثاب .

قلت : بالله عليكم فكروا وأنصفوا !! لماذا العمل برأي الأئمة الأربعة صحيح والعامل به مأجور ومثاب ـ مع العلم أن تعيين هؤلاء الأربعة إنما كان بأمر أحد الملوك واسمه " بيبرس" كما في خطط المقريزي كما مر قوله في الليالي الماضية ـ مع شدة اختلافهم في الفروع وحتى في أصول الدين؟ ولكن تجعلون العمل برأي أئمة أهل البيت(ع)، والأخذ بنظر العترة الهادية يوجب الكفر! مع العلم بأن النبي (ص) أرجع أمته إليهم إذا اختلفوا في الرأي . فأمر أن يؤخذ برأيهم لأنهم على الهدى والصواب ، ومخالفهم يكون في العمى والضلال(22).

فسوء التعبير وسوء الفهم منكم بالنسبة لنا ، لم يكن لأجل اختلافنا معكم في الأعمال ، وإنما منشأه حبنا وولانا لأهل البيت والعترة الطاهرة (ع) وبغضنا لأعدائهم وظالميهم . وإلا فإن الاختلاف في

الأعمال والأحكام موجود بين نفس المذاهب الأربعة في الأصول والفروع من الطهارة إلى الديات، والجدير أن بعض فتاوي أئمتكم مخالفة لصريح القرآن واجتهادا خلاف النص ، ومع ذلك تغضون النظر وتوجهون الفتوى بشيء من التوجيه وتعذرون المفتي بأنه عمل بالقياس والإستحسان .

ولكن الشيعة لا عذر لهم في سجودهم على التراب وهو مع كونه على أساس النصوص وعمل

النبي (ص) وقوله : "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" ، يوجب عندكم كفر الشيعة وشركهم والعياذ بالله سبحانه وتعالى .

الشيخ عبدالسلام : أرجو أن تذكر بعض تلك الفتاوي التي أصدرها أئمة أهل السنة على خلاف القرآن الكريم !!

قلت : فتاواهم المخالفة للنصوص كثيرة ولو أردتم الاطلاع على جملتها أو جلها فراجعوا كتاب  "الخلاف في الفقه" تأليف العلامة الكبير والبحر الغزير والفقيه البصير شيخ الطائفة الإمامية أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (رحمه الله تعالى)(23).

ولكي يعرف الحاضرون الكرام بأني ما كذبت على أئمتهم وما افتريت على فقهائهم ، أذكر بعض النماذج من تلك الفتاوي المخالفة لصريح القرآن الكريم.

فتوى أبي حنيفة : بجواز الوضوء بالنبيذ

كل مسلم له أدنى اطلاع وأقل معرفة بأحكام الدين والمسائل الشرعية ، أو يتلو كتاب الله العزيز بتفكر وتدبر ، يعلم بأنه إذا حضر وقت الصلاة وأراد أن يؤديها يجب عليه الوضوء أولا لقوله تعالى : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق )(24) ويجب أن يتم الغسل بالماء القراح ، وإذا لم يوجد الماء القراح المطلق ، فيجب التيمم حينئذ ، لقوله سبحانه : (.. فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم)(25) .

وعلى هذا يكون إجماع الشيعة وأتباع مالك والشافعي وأحمد ابن حنبل ، وخالف أبو حنيفة الإجماع برأيه وأفتى بأنه لو فقد الماء وهو في السفر وأراد إقامة الصلاة فليتوضأ بنبيذ التمر ، ولو كان مجنبا يغتسل به . وكلنا نعلم بأن النبيذ يكون ماء مضافا ، وهو ليس بالماء المطلق الذي ذكره الله سبحانه في القرآن الحكيم ، ولذا نجد في صحيح البخاري بابا عنوانه : ( لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر) .

الحافظ محمد رشيد : لأني على مذهب الإمام الشافعي ، وأوافقكم على أن الوضوء لا يجوز إلا بالماء المطلق ، وكذلك الغسل ، وعند فقدانه يجب التيمم فلا يجوز عندنا الوضوء والغسل بالنبيذ. ولكن أظن أن هذه الفتوى منسوبة للإمام أبي حنيفة ولم تكن فتواه وإن اشتهر عنه ونسبت إليه ، ولكن رب مشهور لا أصل له .

قلت : دفاعك مبني على الظن ، وقال الله سبحانه : ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا )(26). ولقد نقل جمع كثير هذه الفتوى عن أبي حنيفة الفخر الرازي في تفسيره المسمى بمفاتيح الغيب: ج3 /552 في تفسير آية التيمم أو آية الوضوء ، قال في المسلة الخامسة : قال الشافعي رحمه الله : لا يجوز الوضوء بنبيذ التمر ، وقال أبو حنيفة رحمه الله : يجوز ذلك في السفر .

وكذلك نقلها ابن رشيد في كتابه بداية المجتهد .

الشيخ عبدالسلام : لم تكن فتوى الإمام الأعظم مخالفة للنص ، بل هي موافقة لعمل رسول الله (ص) كما في بعض النصوص المروية .

قلت : تفضل بذكر تلك النصوص .

الشيخ عبدالسلام : منها الخبر المروي عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث عن ابن مسعود قال : إن رسول الله (ص) قال لي في ليلة الجن : عندك طهور؟ قلت : لا ، إلا شيء من نبيذ في إداوة . قال (ص) : تمرة طيبة وماء طهور ، فتوضأ .

وجاء عن طريق آخر ، روى عباس بن وليد بن صبيح الحلال عن مروان بن محمد الدمشقي عن عبدالله بن لهيعة عن قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن عبدالله بن عباس عن ابن مسعود أنه قال : إن رسول الله (ص) قال له ليلة الجن : معك ماء؟ قال : لا ، إلا نبيذا في سطيحة ، قال رسول الله (ص) : تمرة طيبة وماء طهور . صب علي ، قال : فصببت عليه فتوضأ به .

ومن الواضح أن عمل النبي (ص) حجة لنا ، فأي نص أظهر من العمل؟

قلت : لو كنت تعرف قول علمائكم الأعلام في رواة هذا الخبر ما احتججت به . ومن الواضح أن العلماء قبل أن يبنوا على الخبر ويعملوا به فإنهم يحققون حول رواته . فإذا حصل الوثوق بهم والإعتماد عليهم قبلوا روايتهم وعملوا بها ، وإلا أعرضوا عنها ولم يعملوا بها .

لذلك قبل أن نبحث في أصل الموضوع ، نبحث عن إسناد الخبر ورواته ، فنقول : أولا : أبو زيد مولى عمرو بن حريث ، مجهول عند علماء الرواية والدراية ، ولم يعبأوا بروايته ورد عليه الترمذي وغيره ، وقال الذهبي في ميزان الإعتدال : إنه مجهول ، وإن الحديث والخبر الذي نقله عن ابن مسعود غير صحيح . وقال الحاكم لن نجد غير هذا الخبر من هذا الرجل وهو مجهول ، وعده البخاري من الضعاف لذا نرى القسطلاني والشيخ زكريا الأنصاري وهما اللذان شرحا صحيح البخاري ، قالا في شرحهما في باب : لا يجوز الوضوء بالنبيذ ، والخبر المروي عن أبي زيد مولى عمرو بن حريث ، ضعيف .

وأما الخبر الثاني : فهو أيضا مردود لجهات عديدة : أولا : هذا الحديث والخبر غير مشهور ولم ينقله بهذا الطريق أحد من علمائكم وأعلامكم غير العلامة ابن ماجة القزويني . وثانيا : عدم نقل علمائكم الخبر بهذا الطريق معلوم بأنهم ما اعتمدوا على بعض رواته وسلسلة سنده كما قال الذهبي في ميزان الاعتدال وذكر أقوال العلماء في الأمر ، فقال : عباس بن وليد لم يوثق ولم يسلم من جرح أرباب الجرح والتعديل فتركوه . وكذلك مروان بن محمد الدمشقي فإنه من المرجئة الضلال ، وحكم الذهبي وابن حزم بضعفه ، وهكذا عبدالله بن لهيعة فإن علمائكم عدوه من الضعفاء ، فإذا كان في رواة هذا الحديث عدد من الضعفاء أو كان أحدهم ضعيفا فإن الرواية تسقط عن الإعتبار .

ثالثا : بناء على الأخبار التي رواها علماؤكم بطرقهم عن عبدالله ابن مسعود فإنه في ليلة الجن لم يكن أحد مع النبي (ص) كما نقل أبو داود في السنن في باب الوضوء ، والترمذي في صحيحه عن علقمة قال : سألوا ابن مسعود : من كان منكم مع رسول الله (ص) ليلة الجن؟ فقال : ما كان معه أحد منا .

رابعا : ليلة الجن كانت في مكة قبل الهجرة ، ونزول آية التيمم كان في المدينة المنورة بإجماع المفسرين . فعلى فرض صحة الخبر فإن آية التيمم نزلت ناسخة له .

ولهذه العلل فأنا أتعجب من الشيخ عبدالسلام ، سلمه الله ! كيف يتمسك بخبر مجهول ضعيف مردود من جهات عديدة عند العلماء الأعلام ، فيتمسك به لينصر رأي أبي حنيفة الذي يعارض نص كلام الله العزيز ، كما ذكرنا؟

النواب : هل المقصود من النبيذ ، هذا الشراب المسكر الذي يحرمه أكثر العلماء ؟

قلت : النبيذ قسمان : قسم غير مسكر وهو طاهر وحلال ، وذلك عبارة عن الماء المضاف إليه التمر وقبل أن يحدث فيه انقلاب وفوران يصفى ويشرب ، وهو شراب حلو طيب الطعم والرائحة . وقسم آخر يبقى التمر في الماء حتى يحدث فيه الإنقلاب والفوران ، فيتغير طعمه ورائحته ، ويكون مسكرا حراما . والنبيذ الذي محل بحثنا هو النبيذ غير المسكر ، وإلا فإجماع المسلمين لا يجوز الوضوء بالنبيذ المسكر ، كما مر بأن البخاري فتح بابا في صحيحه بعنوان [ باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر ] .

غسل الرجلين في الوضوء مخالف للنص القرآني

ومن فتاوي أئمتكم المناقضة لكلام الله والمخالفة للنص الصريح فتواهم في الوضوء بوجوب غسل الرجلين ، مع العلم بأن الله عز وجل يقول : ( وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) .

وكلنا نعرف الفرق بين الغسل والمسح .

الشيخ عبدالسلام : توجد أخبار مروية في كتبنا توجب غسل الرجلين .

قلت : الأخبار والروايات تكون معتبرة إذا لم تكن مناقضة للقرآن الحكيم ، ونحن نرى كلام الله العزيز يصرح بمسح الرجلين ، فأي اعتبار لتلك الأخبار والروايات المغايرة للقرآن ؟!

فآية الوضوء صريحة بالغسل ثم المسح بقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين )(27) .

فقد عطفت أرجلكم على ما قبلها أي : ( وامسحوا برؤسكم) .

الشيخ عبدالسلام : إذا كان العطف على ما قبلها فيلزم أن تكون أرجلكم ـ مجرورة ـ مثل برؤسكم ، وحيث نراها منصوبة فيكون العطف على جملة : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم .

قلت : أولا : الأقرب يمنع الأبعد ، فإن جملة : (وامسحوا) أقرب إلى كلمة : (أرجلكم) فلا مجال لعمل جملة : ( فاغسلوا) ثم المقدر في العطف كلمة : ( وامسحوا) ، فيكون ( وامسحوا برؤسكم) و(أمسحوا . . . أرجلكم) . فتكون أرجلكم منصوبة لمحل امسحوا وكذلك لقاعدة النصب بنزع الخافض وهي القاعدة المقبولة عند النحاة والمعمول بها كما في القرآن الحكيم قوله تعالى :

( وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار)(28) .

أي : تجري من تحتها الأنهار ، فنصبت كلمة تحتها لحذف حرف الجر وكذلك قوله سبحانه :
( واختار موسى قومه سبعين رجلا)(29) تقديره : واختار موسى من قومه ولكن كلمة قومه نصبت لحذف " من" وذلك للقاعدة التي ذكرناها .

وكذلك في آية الوضوء نصبت كلمة : (أرجلكم) لحذف الباء عنها فتكون منصوبة بنزع الخافض .

وإذا أردتم تفصيلا أكثر فراجعوا تفسير الفخر الرازي فله بحث مفصل في تفسير الآية الكريمة

ويخرج من البحث بنتيجة وجوب المسح لا الغسل .

فتواهم بجواز المسح على الخف

وأعجب من فتواهم بوجوب غسل الرجلين في الوضوء ، فتواهم بجواز وكفاية المسح على الخفين في الوضوء، وهذا خلافه لنص القرآن أظهر من الأول . ومن بواعث العجب والاستغراب في نفس كل عاقل فتواهم بعدم كفاية المسح على الرجلين بل وجوب غسلهما في الوضوء، ولكن كفاية مسح الخفين في الوضوء دون غسل الرجلين، فكيف المسح على الخفين يحل محل غسل الرجلين؟ فاعتبروا يا أولي الألباب!!

الشيخ عبد السلام: لقد أفتى الأئمة الكرام (رضي الله عنهم) بجواز مسح الخفين في الوضوء وكفايته عن غسل الرجلين عند ضرورة سفر أو وجود خطر، بدليل الروايات الموجودة في كتبنا التي تحكي عمل رسول الله (ص) بذلك .

قلت: لقد ذكرنا لكم مرارا حديث رسول الله (ص) في الإعراض عن الروايات والأحاديث التي تروى عنه (ص) وتكون معارضة لكلام الله ومغايرة للقرآن الحكيم، فأمر(ص) بإسقاطها وعدم اعتبارها. وعلى هذا نجد روايات كثيرة جدا ردها وأسقطها علماؤكم وأعرضوا عنها وأعلنوا بأنها من الموضوعات.

وأما الأخبار والروايات التي وردت في كتبكم عن جواز المسح على الخفين في الوضوء، فهي متعارضة ومختلفة، وعليها نشأ الاختلاف في آراء الأئمة الأربعة، فبعضهم أجاز ذلك في السفر دون الحضر، وبعضهم أجاز ذلك في السفر والحضر وغير ذلك.

قال ابن رشيد الأندلسي في كتابه بداية المجتهد ج1 ص15 و16 / قال في الموضوع : سبب اختلافهم تعارض الأخبار في ذلك. وقال في موضع آخر: والسبب في اختلافهم اختلاف الآثار في ذلك .

فكيف يجوز لكم عقلا وشرعا العمل بالأخبار المتعارضة والمتضاربة، والمخالفة لنص القرآن؟! وكلنا نعلم أن الأصل والقاعدة المعمول بها عند تعارض الأخبار أن يؤخذ بالخبر الموافق للقرآن ويترك غيره .

فتواهم بجواز مسح العمامة

والنص الصريح في القرآن الحكيم على مسح الرأس بقوله تعالى: ( وامسحوا برؤوسكم) . وعلى أساسه أفتى أئمة أهل البيت والعترة الهادية (ع) بوجوب مسح بعض الرأس لوجود الباء و هو باء التبعيض . و أفتى الشافعي ، و مالك ، و أبو حنيفه بوجوب مسح الرأس أيضا ، و لكن خالفهم أحمد بن حنبل و إسحاق و الثوري و الأوزاعي فأفتوا بجواز وكفاية مسح العمامة التي على الرأس في الوضوء ، فلا حاجه لكشف الرأس . هذا ما نقله عنهم الفخر الرازي في نفسيره الكبير في تفسير الآية الكريمة . و أنتم تعلمون ـ كما أن كل عاقل يعلم ـ بأن العمامة غير الرأس حتى إذا كانت على الرأس ، فإن الرأس عرفا و لغة يطلق على جزء من بدن الإنسان ، و هو أعلى الأجزاء و قمة البدن ، و يتشكل من عظم الجمجمة و اللحم و الجلد و الشعر الذي يكون على ذلك العظم ، و أما العمامة شيء آخر و هي قطعة من قماش تلف على الرأس .

لماذا تفرقون بين المسلمين ؟

نحن و أنتم كلنا مسلمون ،و اختلاف الشيعة و أهل السنة كاختلاف أتباع المذاهب الأربعة فيما بينهم علما أن اختلافهم لم يكن في الفروع فقط ، بل اختلفوا في الأصول أيضا ،و مع ذلك يغضون النظر عن اختلافاتهم ، و يتحمل أتباع كل مذهب أتباع المذاهب الأخرى من غير صدام و صراع ، و من غير نزاع و عراك ،فيعمل كل منهم و يلتزم برأي رئيس مذهبه ، دون أن يعارضه أحد من أتباع المذاهب الثلاثة الأخرى .

و لكن أكثر هؤلاء إذا رأوا الشيعة يعملون بما يخالفهم ، هاجموهم و رموهم بالكفر و الشرك ، مع علمهم بأن الشيعة يلتزمون بقول أئمة أهل البيت (ع) ويتمسكون بالعترة الهادية ويأخذون عنهم .

وحتى في هذا المجلس الذي انعقد للتفاهم والنقاش السليم ، كم ذكرتم أعمالكم الشيعة واستدللتم بها على كفرهم وشركهم لجهلهم بواقع الأمر ، ولما كشفنا لكم الحقيقة وسمعتم إلى دلائلنا ، اعتذرتم ورجعتم عن قولكم . وقد تكرر منكم الهجوم ومنا الدفاع ، ومع تكرار اعتذاركم إلينا لم يتوقف تهاجمكم علينا ، وآخر ذلك صدر بصيغة العتاب والنصح وهو قول الشيخ عبدالسلام ـ سلمه الله ـ في أوائل البحث إذ قال : وأنا أنصحكم ، إن كنتم تريدون رفع الإتهام عن أنفسكم ، فصلوا كما يصلي المسلمون عامة .

ومع احترامي لجناب الشيخ وتقديري لنصحه ، أقول : نحن وأنتم متفقون على وجوب الصلاة في اليوم خمس مرات ، ومتفقون على عدد ركعاتها وهي : في الصبح ركعتان والظهر أربع ومثلها العصر وفي المغرب ثلاث ركعات وفي العشاء أربع ، لكن في فروع الصلاة ومسائلها توجد اختلافات كثيرة بين كل المذاهب والفرق الإسلامية لا بين الشيعة والسنة فحسب ، فكما يختلف واصل بن عطاء مع أبي الحسن الأشعري في الأصول والفروع ، ويختلف الأئمة الأربعة في أكثر المسائل الفقهية ، ويختلف سائر علمائكم وأصحاب الرأي والاجتهاد من أعلامكم مثل داود وكثير وسفيان الثوري وحسن البصري والأوزاعي وقاسم بن سلام وغيرهم ، فآراؤهم تختلف في المسائل والأحكام ورأي أئمة أهل البيت (ع) وفتاواهم في المسائل والأحكام أيضا تختلف مع المذاهب الأربعة وغيرهم . فإذا كان اختلاف الرأي يوجب التهاجم والاتهام ، فلماذا لا يكون التهاجم والإتهام على غير الشيعة ، يعني : أتباع المذاهب الأربعة ؟ مع العلم أن أئمتهم يفتون في بعض المسائل على خلاف ما أنزل الله تعالى ، كما ذكرنا نماذج منها !!

ولكنا إذا خالفنا العامة في صلاتنا ، بأن سجدنا على طينة يابسة فبدل أن يسألونا عن الدليل والسبب يتهمونا بعبادة الأصنام ويسمون تلك الطينة التي بسجد عليها بالصنم ، فلماذا هذا الجهل والجفاء؟! ولماذا هذا التفريق بين المسلمين ؟!

الشيخ عبدالسلام : كما قلتم بأن مجلسنا هذا إنما انعقد للتعارف والتفاهم ، وأنا أشهد الله سبحانه بأني لم أقصد الإساءة إليكم والتجاسر عليكم ، فإذا صدر مني ما يسوء فسببه عدم اطلاعنا على مذهبكم وعدم مطالعتنا لكتبكم ، فما كنا نعرفكم حق المعرفة ، لأنا ما عاشرناكم ولا جالسناكم وإنما سمعنا وصفكم من لسان غيركم وتلقيناها بالقبول من دون تحقيق ، فالتبست علينا كثير من الحقائق، ومع تكرار الاعتذار ، أرجوكم أن تبينوا لنا سبب سجودكم على الطينة اليابسة؟

لماذا نسجد على التربة ؟

قلت : أشكر شعوركم الطيب وبيانكم الحلو العذب . وأشكركم على هذا الاستفهام ، لأن السؤال والاستفهام أجمل طريقة وأعقل وسيلة لإزاحة أي شبهة وإبهام . وأما جواب السؤال : راجعوا كتب التفاسير واللغة فإنهم قالوا في معنى السجود : وضع الجبهة على الأرض للعبادة ، وهو منتهى الخضوع ، ولقد أفتى أئمتكم بأن كل ما يفرش به الأرض يجوز السجود عليه سواء كان من صوف أو قطن أو إبريسم أو شيء آخر ، فأجازوا السجود على كل شيء حتى أفتى بعضهم بجواز السجود على العذرة اليابسة !

لكن فقهاءنا تبعا لأئمة أهل البيت من العترة الهادية (ع) قالوا بعدم جواز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته مما لا يؤكل ولا يلبس ، فالبساط والفرش لا يصدق عليه اسم الأرض ، بل يكون حاجزا بينها وبين الجبهة . لذلك فنحن نأخذ طينة يابسة ـ تسهيلا للأمر ـ ونسجد عليها في الصلاة .

لماذا السجود على التربة الحسينية ؟

الشيخ عبدالسلام : نحن نعلم بأنكم تخصصون تراب كربلاء للسجود فتصنعون منه أشكالا مثل الأصنام فتقدسونها وتحملونها في مخابئكم وتقبلونها وتوجبون السجود عليها . وهذا العمل يخالف سيرة المسلمين ، ولذلك يهاجمونكم ويشنون عليكم تلك التهم والكلمات غير اللائقة بكم .

قلت : هذه المعلومات التي أبديتها هي من تلك المسموعات التي سمعتها من مخالفينا وأعدائنا ، وتلقيتها بالقبول بدون تحقيق وتفحص ، وإن من دواعي الأسف وجود هذه الحالة ، إذ تذعنون بشيء من غير تحقيق فترسلونها إرسال المسلمات ، وتنتقدون الشيعة في أشياء وهمية ليس لها وجود ، وقد قيل : " ثبّت العرش ثم انقش " ، وإن كلامكم بأننا نصنع من تراب كربلاء أشكالا مثل الأصنام فنقدسها كلام فارغ وتقول باطل وليس إلا اتهاما وافتراء علينا ، وغرض المفترين إلقاء العداوة والبغضاء بيننا وبينكم . وتمزيق المسلمين وتفريقهم ، كل ذلك لأجل الوصول إلى مصالحهم الشخصية ومنافعهم المادية الفردية كما قيل : " فرق تسد" .

ولو كنتم ـ قبل الحين وقبل أن تصدقوا كلام المغرضين ـ تفتشون عن الواقع وتحققون عن الموضوع ، بأن تسألوا من الشيعة الذين تعرفونهم وتجاورونهم : ما هذه الطينة التي تسجدون عليها؟ لسمعتم الجواب : أننا نسجد لله سبحانه على التراب ، خضوعا وتعظيما له عز وجل ، ولقالوا : لا يجوز عندنا السجود بقصد العبادة لسوى الله سبحانه وتعالى .

السجود على تراب كربلاء غير واجب عندنا

واعلم أيها الشيخ بأن علماءنا وفقهاءنا لم يوجبوا السجود على تراب كربلاء كما زعمت ! ويكفيك مراجعة كتبهم الفقهية ورسائلهم العملية التي تتضمن الفروع والمسائل الأولية في العبادات والمعاملات وغيرها ، فإنهم أجمعوا على جواز السجود على الأرض سواء التراب أو الحجر والمدر والرمال وغيرها من ملحقات الأرض وعلى كل ما يطلق عليه الأرض عدا المعادن ، وكذلك أجازوا السجود على كلما تنبتها من غير المأكول والملبوس . هذا بحكم السنة الشريفة ، والأول بحكم الكتاب العزيز . ولذا قالوا بأن السجود على الأرض أفضل ، وبعض فقهائنا أجاز السجود على النبات من غير المأكول والملبوس عند فقدان مشتقات الأرض . لذلك وعملا بالأفضل نحمل معنا طينة يابسة لكي نضعها على الفرش والبساط ونسجد عليها في الصلوات ، لأن أكثر الأماكن مفروشة بما لا يجوز السجود عليه كالبسط المحاكة من الصوف أو القطن وما شابه ذلك ، وتسهيلا للأمر فإننا نحمل معنا الطينة اليابسة ، لنسجد عليها في الصلاة ، وأما إذا صادف أن وقفنا على التراب للصلاة ، فلا نضع الطينة اليابسة بل نسجد على نفس التراب مباشرة ، إذ يتحقق السجود الذي أراده الله تعالى من عباده المؤمنين .

الشيخ عبدالسلام : لكنا نرى أكثركم تحملون تربة كربلاء وتقدسونها ، وكثيرا ما نرى الشيعة يقبلونها ويتبركون بها ، فما معنى هذا ؟ وهي ليست إلا تربة كسائر التراب .

فضيلة السجود على تربة كربلاء

قلت : نعم نحن نسجد على تراب كربلاء ، ولكن هذا لا يعني الوجوب فلا يوجد فقيه واحد من فقهاء الشيعة في طول التاريخ أفتى بوجوب السجود على تراب كربلاء . وإنما أجمعوا على جواز السجود على تراب أي بلد كان ، إلا أن تراب كربلاء أفضل وذلك للروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) بأن السجود على تراب كربلاء يخرق الحجب السبع ، يعني : يصل إلى عرش الرحمن والصلاة تقع مقبولة عند الله سبحانه وتعالى .

وهذا تقدير معنوي لجهاد الإمام الحسين (ع) ، إذ أنه أقدم على الشهادة في سبيل الله لأجل إحياء الصلاة وسائر العبادات . فتقديس التربة التي أريق عليها دماء الصفوة من آل محمد (ص) وتقديس التربة التي تحتضن الأجساد المخضبة بدماء الشهادة والجهاد المقدس ، والتربة التي تضم أنصار دين الله وأنصار رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار ، تقديسها تقديس للدين وللنبي (ص) ولكل المكارم والقيم ولكل المثل العليا التي جاء بها سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (ص) .

ولكن مع كل الأسف نرى بعض من ينتسبون إلى أهل السنة ـ وهم أشبه بالخوارج والنواصب ـ يفترون على الشيعة بأنهم يعبدون الإمام الحسين ، ويستدلون لإثبات فريتهم وباطلهم ، بسجود الشيعة على تراب قبر الحسين (ع) مع العلم بأنه لا يجوز عندنا عبادة الإمام الحسين (ع) ولا عبادة جده المصطفى وأبيه المرتضى اللذين هما أعظم رتبة وأكبر جهادا من الحسين (ع) .

وأقول بكل وضوح : بأن عبادة غير الله سبحانه وتعالى كائنا من كان ، كفر وشرك . ونحن الشيعة لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له ولا نسجد لغيره أبدا. وكل من ينسب إلينا غير هذا فهو مفتر كذاب .

الشيخ عبدالسلام : الدلائل التي نقلتموها في سبب تقديسكم لتراب كربلاء إنما هي دلائل عقلية مستندة إلى واقعة تاريخية أو بالأحرى هي دلائل عاطفية ، ونحن بصدد الاستماع إلى أدلة نقلية ، فهل توجد روايات معتبرة تحكي تقديس النبي (ص) واعتنائه بتراب كربلاء ؟

اهتمام النبي (ص) بتربة كربلاء

قلت : أما في كتب علمائنا المحدثين ونقلة الأخبار والروايات فقد ورد الكثير عن إئمة أهل البيت عليهم السلام وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تقديس تربة كربلاء واهتمامهم واعتنائهم بها وهم قد رغبوا شيعتهم بالسجود عليها وفضلوها على سائر التراب ، وكلامهم سند محكم لنا ودليل أتم للعمل بدين الله عز وجل .

وأما الروايات المنقولة في كتبكم فكثيرة أيضا ، منها : كتاب الخصائص الكبرى للعلامة جلال الدين السيوطي ، فقد ذكر روايات كثيرة عن طريق أبي نعيم الحافظ والبيهقي والحاكم وغيرهم ، وهم بالإسناد إلى أم المؤمنين أم سلمة وعائشة ، وأم الفضل زوجة العباس عم رسول الله (ص) وابن عباس وأنس بن مالك وغيرهم ، ومن جملة تلك الروايات قول الراوي : رأيت الحسين في حجر جده رسول الله (ص) وفي يده تربة حمراء وهو يشمها ويبكي ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟ ومم بكاؤك؟ فقال (ص) : كان عندي جبرئيل فأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بأرض العراق ، وجاءني بهذه التربة من مصرعه . ثم ناولها لأم سلمة (رض) وقال لها : أنظري إذا انقلبت دما عبيطا فاعلمي بأن ولدي الحسين قد قتل .

فوضعتها أم سلمة في قارورة وهي تراقبها كل يوم ، حتى إذا كان يوم عاشوراء من سنة 61هجرية فإذا بالتربة قد انقلبت دما عبيطا ، فصرخت : واولداه واحسيناه . وأخبرت اهل المدينة بقتل الحسين (ع)(30).

ولقد أجمع علماؤنا أن أول من اتخذ من تراب كربلاء ـ بعد استشهاد أبي عبدالله الحسين سيد الشهداء وأنصاره وصحبه السعداء الشهداء الأوفياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ هو الإمام السجاد زين العابدين ، إذ حمل معه كيسا من تلك التربة الزاكية الطيبة ، فكان يسجد على بعضها ، وصنع ببعضها مسباحا يسبح به . وهكذا فعل أئمة أهل البيت(ع) من بعده ، وهم أحد الثقلين ، فيلزم الإقتداء بهم والأخذ بقولهم لقول النبي الكريم (ص) : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .

فالتمسك بهم وبقولهم وفعلهم أمان من الضلال وموجب لدخول الجنة معهم إن شاء الله تعالى.

ولقد روى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي رضوان الله تعالى عليه ، في كتابه مصباح المتهجد ، بأن الإمام الصادق جعفر بن محمد (ع) كان يحمل معه شيئا من تربة كربلاء في منديل أصفر، وكان وقت الصلاة يفتح ذلك المنديل ويسجد على تلك التربة ، وكان يقول : إن السجود على تراب قبر جدي الحسين (ع) غير واجب ولكن أفضل من السجود على غيره من بقاع الأرض . وهذا رأي جميع فقهاء الشيعة بلا استثناء .

فكانت الشيعة أيضا تحمل من تراب كربلاء في مناديل معهم ، فإذا صار وقت الصلاة فتحوا المنديل وسجدوا على التراب الذي فيه ؛ وبعد ذلك فكروا بصنع قطعات يسهل حملها ، فمزجوا تراب كربلاء بالماء وجعلوا منه قطعات من الطين اليابس تسهيلا لحمله ونقله فكل من أحب يأخذ معه طينة يابسة يحملها معه فإذا صار وقت الصلاة ، وضعها حيث يشاء فيسجد عليها ، وهو من باب الفضيلة والإستحباب ، وإلا فنحن نسجد على كل ما يطلق عليه اسم الأرض ، من الحجر والمدر والتراب والحصي والرمل من كل بقاع الأرض .

والآن فكروا هل يصح منكم ـ وأنتم علماء القوم ـ أن تهاجموا الشيعة المؤمنين ، لأجل سجودهم على تراب كربلاء ؟ فتلبسوا الواقع على أتباعكم ، فيظنون بأن الشيعة كفار ومشركون ، يعبدون الأصنام ، ومن المؤسف أن بعض علماء أهل السنة أيضا يماشي عامة الناس ويؤيدهم من غير أن يتحقق في الموضوع ، ليعرف ما هو دليل الشيعة على عملهم وما هو معنى ومغزى سجودهم على الطينة اليابسة ؟!

ولو كان علماء العامة يحققون في ذلك لعرفوا أن الشيعة أكثر خضوعا وأكثر تذللا لله عز وجل ، إذ يضعون جباههم ـ وهو أفضل مواضع الجسم ـ على التراب الذي يسحق بالأقدام ، يضعون جباههم عليه خضوعا لله وعبودية له سبحانه ، وهكذا يتصاغرون أمام عظمة الله تعالى ويتذللون له عز وجل .

فالعتب على علماء العامة إذ يتبعون بعض أسلافهم في إثارة التهم والافتراءات والأكاذيب على الشيعة بغير تحقيق وتدبر ، فنحن ندعوهم إلى التفكر والتعمق في معتقداتهم ومعتقداتنا ، ونطلب منهم بإلحاح أن يحققوا المسائل الخلافية بيننا وبينهم ، فيعرفوا دلائلنا ، لعلهم يجدوا الحق فيتبعوه .

كما نؤكد عليهم أن يمروا بفتاوي أئمة المذاهب الأربعة ، ليجدوا سخافة الرأي وغريب النظر فيها من قبيل جواز نكاح الأم ، ونكاح الولد الأمرد في السفر ، أو المسح على العمامة والخفين في الوضوء والوضوء بالنبيذ ، أو السجود على العذرة اليابسة وغيرها من الفتاوي العجيبة والآراء الغريبة(31). والأغرب تسليم سائر علمائكم لتلك الآراء وعدم نقضها ، ولكنهم يطعنون في رأي أئمة أهل البيت (ع) ، ويتجرءون على ردهم ، والتجاسر على رمي شيعتهم الذين يتبعونهم بالكفر والشرك ، وربما أفتوا بجواز قتل الشيعة وإباحة أموالهم ، فبهذه الفتاوي والأعمال يضعفون جانب الإسلام ، ويعبدون الطريق لسلطة اليهود والنصارى على رقاب المسلمين وبلادهم .

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوحد بين المسلمين ويؤلف قلوبهم ويلقي بيننا وبينكم المودة والمحبة إنه سميع مجيب .

الرجوع إلى موضوع نقاشنا في الليلة الماضية

نكتفي بهذا المقدار من العتاب والتظلم ، ونرجع إلى موضوع الحوار والنقاش الذي تركناه ناقصا في الليلة الماضية . وهو ردنا لكلام فضيلة الشيخ عبدالسلام ، إذ قال : حيث كان أبو بكر أكبر سنا من سيدنا علي كرم الله وجهه ، أجمع الأصحاب على تقديمه في الخلافة فبايعوه وأخروا عليا .

فأقول : أولا : ادعاء الإجماع باطل . . لمخالفة بني هاشم قاطبة ، وكذلك مخالفة الذين اجتمعوا في بيت السيدة فاطمة (ع) ، وهكذا سعد ابن عباده فإنه خالف خلافة أبي بكر وما بايعه إلى آخر عمره ، وتبعه أكثر قومه لأنه كان صاحب الحل والعقد فيهم وكانوا له خاضعين تابعين(32).

ثانيا: أما قولك بأن أبا بكر كان أحق بالخلافة من الإمام علي(ع) لأنه كان أكبر سنا ، فمردود أيضا، ولا يخفى على من درس التاريخ وسيرة النبي (ص) ، بأن رسول الله كان يولي عليا مهام الأمور ، مع وجود المسنين ، لكنه كان يرى عليا لائقا وأهلا لتولي الأمور المهام ولا يرى للمسنين لياقة وكفاءة مثل الإمام علي (ع) .

وإن عزل أبي بكر من تبليغ الآيات الأولى من سورة براءة ، ونصب علي (ع) مكانه من أجلى مصاديق ذلك وأظهرها وأشهرها .

النواب : أرجو أن تبينوا لنا هذا الموضوع ، لأنكم في إحدى الليالي السالفة أيضا أشرتم إليه وما شرحتموه ، ويبدو أن هذه القضية من الأمور المهمة والمسلمة ، لأني ما أحسست مخالفة وإنكار من علمائنا ، حينما تشيرون إليها .

الله جل جلاله عزل أبا بكر ونصب عليا عليه السلام

قلت : لقد أجمع علماء المسلمين وأهل التاريخ والسير والمفسرون بأن آيات أول سورة براءة حين نزلت على النبي (ص) ، وفيها ذم المشركين والبراءة منهم وإعلان الحرب عليهم ، بعث رسول الله (ص) أبا بكر بالآيات ليؤذن بها في موسم الحج ويسمعها المشركين ، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة ، فلما انطلق أبو بكر نحو مكة ومعه جماعة من المسلمين ، دعا رسول الله (ص) عليا فقال له : أخرج بهذه الآيات ، فإذا اجتمع الناس إلى الموسم فأذن بها حتى يسمع كل من حضر من المشركين فيبلغوا أهل ملتهم ، أن لا يدخلوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ، ودفع النبي (ص) ناقته العضباء إلى الإمام علي (ع) فركبها وسار حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة ، فأخذ منه الآيات وأبلغه أمر النبي (ص) فرجع أبو بكر إلى المدينة فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله هل نزل في قرآن ؟ فقال (ص) : لا ولكن لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني .

وأما علي(ع) فقد ذهب بالآيات وأذن بها في الحج ويوم النحر وأسمعها كل من حضر من المشركين كما أمره رسول الله (ص) .

النواب : هل ذكر أعلام العامة وكبار علماء السنة هذا العزل والنصب في كتبهم ، أم أن الشيعة انفردوا بنقل هذا الخبر ؟

قلت : لقد بينت لكم آنفا ، أن علماء الإسلام من محدثين ومؤرخين ومفسرين ذكروا الخبر ونشروه في كتبهم ، وسأذكر لكم بعضها لكي تطمئن قلوبكم بحقيقة الخبر وصدقه :

صحيح البخاري : ج4 و5 ، والجمع بين الصحاح الستة ج2 ، وسنن البيهقي صفحة 9 و 224 ، وجامع الترمذي : ج2/135 ، وسنن أبي داود ، ومناقب الخوارزمي ، وتفسير الشوكاني : ج2/319 ومطالب السئول ، وينابيع المودة / باب 18 ، والرياض النضرة وذخائر العقبى / 69 ، وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزي تحت عنوان : تفسير معنى قوله(ص) : ولا يؤدي عني إلا علي (ع) ، وكتاب خصائص مولانا علي بن أبي طالب للنسائي / 20 ، طبع التقدم بالقاهرة نقل الحديث والخبر عن ستة طرق ، والبداية والنهاية لابن كثير الدمشقي : ج5 / 38 و ج7 / 357 ، والإصابة لابن حجر العسقلاني : ج2 / 509 ، تفسير الدر المنثور للسيوطي : ج3 / 208 في أول تفسير سورة براءة ، والطبري في جامع البيان : ج10/41 ، والثعلبي في تفسير كشف البيان ، وابن كثير أيضا في تفسيره : ج2 / 333 ، وروح المعاني للآلوسي : ج3 / 268 والصواعق المحرقة لابن حجر المكي / 19 ، طبع الميمنة بمصر ، ومجمع الزوائد للحافظ الهيثمي : ج7 / 29 ، وكفاية الطالب للعلامة الكنجي الشافعي / باب 62 رواه مسندا عن أبي بكر ، ثم قال : هكذا رواه الإمام أحمد في مسنده ، ورواه أبو نعيم الحافظ ، وأخرجه الحافظ الدمشقي في مسنده بطرق شتى ، وأخرجه الإمام أحمد في المسند : ج1 / 3 و 151 ، و ج3 / 283 ، و ج4 / 164 و 165 ، والمستدرك الحاكم : ج2/51 و 331 ، وكنز العمال : ج1 / 246 ـ 249 و ج6 / 154 في فضائل علي (ع) . ورواه غير هؤلاء وهو من الأخبار المتواترة .

السيد عبدالحي : حينما أسمع أو أقرأ هذا الخبر ، يتبادر سؤال في نفسي وهو : أن رسول الله (ص) في مثل هذه الأمور لا يقدم إلا بإشارة من الله سبحانه ، فكيف بعث أولا أبا بكر(رض) ثم عزله وبعث سيدنا عليا كرم الله وجهه ؟ يا ترى ما الحكمة في هذا العمل ؟! وهو لا يخلو من شيء لا من الاستخفاف وشبهه!!

لماذا عزل النبي (ص) أبا بكر ؟

قلت : لم يذكر أحد العلماء والمحدثين في الكتب سببا منصوصا لعمل النبي (ص) ، وإنما ذكروا بعض الأسباب الاحتمالية ، أشهرها ما نقله ابن حجر في صواعقه / 19 ، وسبط ابن الجوزي في تذكرته تحت عنوان : تفسير قوله (ص) : ولا يؤدي عني إلا علي جاء فيه ، وقال الزهري : إنما أمر النبي (ص) عليا (ع) أن يقرأ براءة دون غيره لأن عادة العرب أن لا يتولى العهود إلا سيد القبيلة وزعيمها أو رجل من أهل بيته يقوم مقامه كأخ أو عم أو ابن عم فأجراهم على عادتهم ، قال : وقد ذكر أحمد في الفضائل بمعناه . (انتهى ما نقلناه من التذكرة ) .

وأما هذا في نظري غير تام ، لأنه لو كان كذلك لما بعث رسول الله (ص) أبا بكر أولا . بل كان من بادئ الأمر يبعث عمه العباس وهو ذو شيبة وكان يعد الشيخ ذا السن من بني هاشم ، وإنما الذي يظهر من هذا الأمر ، أن الله ورسوله (ص) أرادا أن يظهرا مقام الإمام علي(ع) ومنزلته ، وأنه سفير النبي (ص) ، والذي هو كفوٌ وأهل لينوب عنه (ص) .

نعم أرادا كشف هذه الحقيقة حتى يستنبط شيعة علي (ع) منها الرد القانع والجواب القاطع على كلامكم الزائف وقولكم بأن أبا بكر أحق بالخلافة من علي (ع) لأنه كان أسن منه .

وإذا كان النبي (ص) يبعث عليا (ع) بادئ الأمر ، ما كان يلفت النظر ولم يكن له هذا الصدى والانعكاس الذي حصل من عزل أبي بكر ونصب الإمام علي (ع) وذلك بأمر من جبرئيل عن الله عز وجل إذ قال : لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك .

فيحصل من هذا الخبر المتواتر أن نيابة رسول الله (ص) والقيام مقامه لا يرتبط بكبر السن أو حداثته ، وإنما يلزم فيه الكفاءات ، واللياقات التي كانت في الإمام علي (ع) ولم تكن في أبي بكر ، ولذا عزل النبي (ص) ـ بأمر الله سبحانه ـ أبا بكر ونصب الإمام علي لأداء تلك المهمة ، فهو المقدم عند الله ورسوله (ص) على أبي بكر وغيره .

السيد عبدالحي : لقد ورد في بعض الأخبار عن أبي هريرة بأن عليا كرم الله وجهه التحق بأبي بكر بأمر النبي (ص) ، وذهبا معا إلى مكة فعلي بلغ الآيات النازلة في أول سورة البراءة ، وأبو بكر علم الناس مناسك الحج ، فكلاهما متساويان في التبليغ .

قلت : هذا الخبر من وضع البكريين وأكاذيبهم وهو غير مشهور ويعارضه الخبر المتواتر المسلم عليه وهو عزل أبي بكر بأمر الله سبحانه ونصب الإمام علي (ع) مكانه وتبليغه الآيات بوحده . ومن الواضح لزوم التمسك بالخبر المروي في الصحاح والمسانيد والمجمع عليه بين الرواة والمحدثين ، وطرح الخبر الضعيف المعارض .

والنتيجة الحاصلة من هذا الخبر أن السن غير دخيل في نيابة رسول الله (ص) وخلافته ، بل اتفاق العقلاء والنبلاء بلزوم العلم والتقوى في الإمام الذي يتعين لقيادة الأمة .

ولهذا قدم الله ورسوله (ص) عليا (ع) إذ كان أعلم الصحابة حتى قال رسول الله (ص) في حقه : علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي(33) . فخصه دون غيره بهذه الفضيلة العالية والمنقبة السامية .

النبي( ص) بعث عليا سفيرا إلى اليمن

ولقد نقل كبار علمائكم وأعلامكم خبر إرسال النبي (ص) عليا (ع) إلى اليمن ليقضي بين أهلها ويرشدهم ، وان النسائي وهو أحد أصحاب الصحاح عندكم ، روى في الخصائص العلوية ست روايات بإسناده إلى الإمام علي (ع) بطرق مختلفة مضمونها أنه (ع) قال : بعثني النبي (ص) إلى اليمن فقلت : إنك تبعثني وأنا شاب ، إلى قوم هم أسن مني ، فكيف أقضي بينهم ؟ فقال (ص) : إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك ـ أي على الحق ـ(34).

ورواه العلامة الراغب الاصبهاني في محاضرات الأدباء ، فيظهر من الخبر أن السن لا يكون ملحوظا عند الله ورسوله (ص) في مثل هذه الأمور يعني الحكم والقضاء بين الناس ، وإنما الملحوظ العلم والعدالة والكفاءات الأخرى مثل الورع والنص من رسول الله (ص) الذي ينطق عن الله سبحانه .

علي عليه السلام هادي الأمة بعد النبي ( ص )

وقد نص القرآن الحكيم في ذلك لعلي (ع) وصرح به النبي (ص) لما نزلت الآية الكريمة :

( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد )(35).

فقال (ص) : أنا المنذر وعلي الهاد ، وفي رواية خاطب عليا (ع) وقال (ص) : أنا المنذر وأنت الهادي وبك يهتدي المهتدون ، هكذا رواه جمع من أعلامكم ومفسريكم منهم الثعلبي في تفسيره كشف البيان ، ومحمد بن جرير الطبري في تفسيره ، والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / باب 62 مسندا عن تاريخ ابن عساكر ، والشيخ سلمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة / آخر الباب السادس والعشرين / رواه عن الثعلبي والحمويني والحاكم الحسكاني وابن صباغ المالكي ، والعلامة الهمداني في مودة القربى ، والخوارزمي في المناقب عن ابن عباس وعن الإمام علي (ع) وعن أبي بريدة السلمي روايات عديدة وبطرق شتى رووا باختلاف في الألفاظ وبمعنى واحد ، وهو أن رسول الله (ص) قال : أنا المنذر ، وخاطبا عليا فقال : وأنت الهادي وبك يهتدي المهتدون بعدي .

ولو كان هذا النص يرد في شان أي واحد من الأصحاب ،لكنا نتبعه ونتمسك به ، كما تبعنا عليا(ع) وتمسكنا به لوجود هذا النص الجلي وأمثاله في حق علي (ع) نطق بها النبي الكريم (ص)(36).

الفرق بين السياسة الدينية والدنيوية

ثم إن الشيخ عبد السلام قال : بأن عليا (ع) ما كان عارفا بإدارة البلاد ومن عدم سياسته حدثت الاضطرابات والحروب الدامية أيام خلافته بين المسلمين .

فأقول في جوابه : إن هذا الكلام تحريف للحقائق وتلبيس للوقائع ، والشيخ إنما نقل كلام الأسلاف المعاندين والمعادين للإمام علي (ع) ولا أدري ما هو مرادهم ومقصودهم من كلمة السياسة ولا إدارة ؟ فإن كانت السياسة والإدارة عندهم بمعنى الكذب والدجل والظلم والنفاق ومزج الحق بالباطل والتلبيس والتدليس ـ كما نرى أبناء الدنيا يرتكبونها لأجل الحصول على الحكم والسلطان ـ فإني أصدقكم بأن علي بن أبي طالب (ع) كان يفقد هذه السياسة والإدارة ، لأنها بعيدة عن الدين والإسلام، أما إذا فسرنا السياسة بالإدارة الحكيمة المقرونة بالعدل والإنصاف بأن يساوي بين الرعية ويأخذ الحق من الظالم ويرده للمظلوم ، ولا تأخذه في الله لومة لائم في إقامة الحدود وسد الثغور وتنفيذ الأحكام ، فالإمام علي (ع) أعظم سياسي وأحكم إداري في الإسلام . ولقد يحدثنا التاريخ أنه لما بويع له بالخلافة عزل الولاة والحكام الذين كانوا من قبل عثمان بن عفان ، وهم الذين ـ بسوء تصرفاتهم ـ سببوا ثورة المسلمين على خليفتهم عثمان فقتلوه .

وذكر المؤرخون أن ابن عباس أشار على ابن عمة أمير المؤمنين في معاوية فقال : ولّه شهرا وأعزله دهرا . وكذا المغيرة أشار عليه بذلك ، ولكنه (ع) قال : لا والله لا أبقيه ساعة واحدة على ولايته ، وما كنت أطلب النصر بالجور ! فلو أبقيت معاوية وأمثاله على ولايتهم وأقررتهم على مظالمهم وجرائمهم ، بم أجيب الله سبحانه؟ وكيف ألقاه في يوم الحساب ؟!

وكان يقول (ع) : لولا التقوى لكنت أدهى العرب ، والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويمكر . وقد تكرر منه (ع) هذا الكلام وشبهه كما في تاريخ الطبري ، وفي العقد الفريد لابن عبد ربه ، وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد .

فكلام الشيخ بأن الاضطرابات والحروب التي وقعت أيام خلافة الإمام علي (ع) كانت من عدم سياسته وسوء إدارته وتدبيره ، فغير صحيح وباطل ، إذ من الواضح أن لتلك الحروب والاضطرابات أسباب وعلل أخرى .

أسباب الاضطرابات والحروب في خلافة الإمام علي (ع)

أولا : الوقايع والأحداث التي وقعت وحدثت بعد رسول الله (ص) كاستبداد القوم بالأمر من غير مشاورة الإمام علي والعباس وسائر رجال بني هاشم ، وهجومهم على بيت الرسالة وإحراقهم الباب وضرب فاطمة (ع) حتى قتلوا جنينها المسمى محسنا ، وسحبهم الإمام علي (ع) إلى المسجد ليبايع أبا بكر ، ومنعهم حق أهل بيت النبوة من الخمس الذي عينه الله تعالى لهم في كتابه ، هذه الأحداث الأليمة وأمثالها جرأت المنافقين والذين في قلوبهم مرض ، الحاقدين على النبي (ص) وعترته الطاهرة ، فأظهروا مكنونات صدورهم ، والضغائن الكامنة في نفوسهم ولاسيما في عهد الإمام علي (ع) وخلافته التي كانت بعد أحداث قتل عثمان بن عفان ، فجعلوا ذلك وسيلة وحجة لإيجاد الاضطرابات والخلافات بين المسلمين ، فعملوا لك ما في وسعهم لشب نيران الإحن وإثارة الحروب والفتن ، حتى صارما صار وحدث ما حدث .

ثانيا: كما قال هو (ع) : ما ترك لي الحق من صديق . فإن طبيعة البشر كما قال الله سبحانه :

( أكثرهم للحق كارهون )(37) والإمام علي (ع) كان يعمل بالعدل ويحق الحق ويبطل الباطل ، فما تحمله أكثر الناس وخاصة أبناء الدنيا والطامعين في بيت المال وحقوق الفقراء ، ولاسيما الذين تعودوا في خلافة عثمان على نهب بيت المال واستملاك الأموال العامة والتصرف فيها واللعب بها ، وهؤلاء كانوا يجدون بغيتهم عند معاوية فمالوا إليه ونصروه ، والناس إلى أشباههم أميل .

ثالثا : فتشوا في التاريخ عن أسباب واقعة الجمل ، وكيف حدثت؟ ولماذا؟ تجدونها أسباب دنيوية لا دينية ، فإن طلحة والزبير أرادا ولاية البصرة والكوفة ، حبا للرآسة والدنيا وقد قال رسول الله(ص) حب الدنيا رأس كل خطيئة .

وكان الإمام علي (ع) يعرف طلحة والزبير حق المعرفة ولم يجد فيهما الورع اللازم في الوالي

وكذلك ليست فيهم الكفاءات الأخرى ، لذلك لم يتنازل الإمام عند رغبتهما ولم يلبي طلبهما(38) فذهبا إلى أم المؤمنين عائشة وكانت مستعدة لإعلان الخلاف على أمير المؤمنين فأثاراها وثارت وألبت الناس على أمير المؤمنين سلام الله عليه وسببت قتل المسلمين وسفك دماء الأبرياء المؤمنين ! فهل بعد هذا يصح أن نقول : أن وجوب الجمل كانت لسوء تدبير الإمام علي (ع) وعدم سياسته! أم أنها كانت بسبب أطماع طلحة والزبير وأحقاد عائشة على الإمام علي(ع) وبغضها لآل محمد(ص) ؟ ولا يخفى أنها بقتالها وإعلان مخالفتها لخلافة الإمام علي مهدت لمعاوية وعمرو بن العاص وأعطتهما الشرعية الكاذبة في مخالفتهما للإمام علي (ع) وقتالهما له .

نعم ، والله هي التي أسست وشرعت مخالفة أمير المؤمنين (ع) وقتاله والحرب عليه . مع أنها كانت قد سمعت من النبي (ص) يقول : يا علي حربك حربي وسلمك سلمي ، ويقول : إن الله قد عهد إلي أن من خرج على علي فهو كافر في النار(39).

إخبار النبي (ص) عن حروب علي (ع) بعده

ولقد روى أعلام العامة في كتبهم بأن رسول الله (ص) أخبر عن قتال علي (ع) للناكثين والقاسطين والمارقين ، والمراد من الناكثين طلحة والزبير وجيشهما ، ومن القاسطين معاوية وابن العاص وأتباعهما ، ومن المارقين الخوارج . وهذه الفئات الثلاثة كلهم كانوا بغاتا مستوجبين القتل .

وأما الذين ذكروا حديث رسول الله (ص) وإخباره عن الناكثين والقاسطين والمارقين ، وأمره صلوات الله عليه الإمام علي (ع) بحربهم وقتالهم ، فأكثر محدثي السنة وعلماء العامة منهم أحمد بن حنبل في المسند وسبط ابن الجوزي في التذكرة والعلامة القندوزي في ينابيع المودة ، وأبو عبدالرحمن النسائي في الخصائص ، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول ، والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب السابع والثلاثون : في أن عليا (ع) قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، ولقد روى العلامة الكنجي في هذا الباب ، بسنده المتصل بسعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله (ص) لأم سلمة : هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ؛ يا أم سلمة هذا علي أمير المؤمنين وسيد المسلمين ووعاء علمي ووصيي وبابي الذي أوتى منه ، أخي في الدنيا والآخرة ومعي في المقام الأعلى ، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين . ثم قال العلامة الكنجي : وفي هذا الحديث دلالة على أن النبي (ص) وعد عليا (ع) بقتل هؤلاء الطوائف الثلاث ، وقول الرسول (ص) حق ووعده صدق ، وقد أمر(ص) عليا بقتالهم ، روى ذلك أبو أيوب عنه وأخبر أنه قاتل المشركين والناكثين والقاسطين وأنه (ع) سيقاتل المارقين(40) . " انتهى كلام الكنجي " .

ونحن نعتقد أن قتال الإمام علي (ع) مع هذه الفرق الثلاث كقتال رسول الله (ص) مع الكفار والمشركين .

الشيخ عبدالسلام : بأي دليل تعتقدون بهذا المعتقد علما بأن الذين قاتلوا عليا كرم الله وجهه كانوا مسلمين يشهدون بالتوحيد ويقرون بالرسالة ويعملون بالقرآن ، ويصلون ويصومون؟!

قلت : دليلنا حديث رسول الله المشهور والمنشور في كتب أعلامكم ومحدثيكم مثل النسائي في

الخصائص صفحة 40 / طبع التقدم بالقاهرة / بسنده إلى أبي سعيد الخدري ، والعلامة القندوزي في ينابيع المودة / الباب الحادي عشر نقل عن كتاب جمع الفوائد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (ص) : إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله . فقال أبو بكر(رض): أنا؟ فقال (ص) : لا . فقال عمر (رض) : أنا ؟ فقال (ص) : لا ولكن خاصف النعل . قال : وكان أعطى عليا نعله يخصفها(41) . للموصلي . " انتهى كلام القندوزي "

فالظاهر من هذه الروايات ما نعتقده نحن كما قلت ، فإن حرب الإمام علي (ع) مع الناكثين والقاسطين والمارقين إنما كانت مثل حرب النبي (ص) مع الكفار والمشركين . إذ لو كانت هذه الطوائف الثالث من المسلمين لما كان رسول الله (ص) يأمر عليا وخيار أصحابه مثل أبي أيوب وعمار بن ياسر بقتالهم ومحاربتهم .

والحاصل من بحثنا أن الاضطرابات والحروب التي حدثت في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لم تكن بسبب سوء سياسة أبي الحسن (ع) وسوء تدبيره وإدارته كما زعم الشيخ عبدالسلام ، وإنما كانت بسبب كفر المخالفين وأحقاد المنافقين وحسد الحاسدين . ولو يراجع نهج البلاغة وتطالع عهود الإمام علي (ع) إلى عماله ولا سيما عهده الذي كتبه إلى مالك الأشتر حين ولاه مصر ، وكتبه إلى محمد بن أبي بكر وعثمان بن حنيف وابن عباس وغيرهم لأذعنتم أن الإمام علي (ع) بعد رسول الله (ص) أسوس الناس وأكيسهم وأحسنهم إدارة وأصحهم تدبيرا كما كان أورعهم وأتقاهم وأعلمهم بكتاب الله وتفسيره وتأويله وناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومجمله ومفصله وعامه وخاصه وظاهره وباطنه ، وعنده علم الغيب والشهود .

الشيخ عبدالسلام : نرجو توضيح لنا معنى الجملة الأخيرة ، فكيف يكون سيدنا علي كرم الله وجهه عالم الغيب والشهود؟ فهذا كلام مبهم وغريب ومخالف لعقائد عامة المسلمين .

قلت : المقصود من علم الغيب هو العلم ببواطن الأمور وأسرار الكون التي تكون خفية إلا على الأنبياء والأوصياء والأولياء الذين اصطفاهم ربهم و أعطاهم من علمه ، كل على مقدار ظرفه ووعاء قلبه ولا شك أن خاتم النبيين (ص) وسيد المرسلين كان أعلمهم ومن بعده علي بن أبي طالب (ع) إذ كان تلميذه فعلمه كل ما كان النبي (ص) علمه من الله تعالى .

الشيخ عبدالسلام : ما كنت أتوقع من جانبكم أن تتكلموا بكلام الغلات وعوام الشيعة ، لأنك كنت في المجالس السالفة تتبرء من الغلات ومما يقوله عوام الشيعة وجهالهم .

قلت : إن كلامي لم يكن غلوا ولا مخالفا للقرآن الكريم ولكنك سقطت في الشبهة التي سقط فيها أسلافكم وإذا كنت تمعن النظر وتدقق الفكر في كلامي ، ما رميتني بالغلو والجهل .

لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه

الشيخ عبدالسلام : إن كلامكم واعتقادكم يخالف نص الكتاب الحكيم وصريح القرآن الكريم إذ قال سبحانه وتعالى : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين )(42).

هذه الآية تدل على أن علم الغيب يختص بالله عز وجل ، وكل من يعتقد بأن غير الله تعالى يعلم

الغيب فقد غلى وأشرك المخلوق في علم الخالق ووصف العبد بصفة الله الواحد الأحد .

وإن كلامكم بأن عليا كرم الله وجهه كان عنده علم الغيب هو غلو في حقه إذ فضلتموه على رسول الله (ص) وقدمتموه عليه لأنه (ص) كما قال له الله العزيز : ( قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير

لقوم يؤمنون)(43).

وقال تعالى في سورة هود / 31 : ( ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ) .

وفي سورة النمل / 65 : ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ) .

فإذا كان رسول الله وخاتم النبيين (ص) بصريح القرآن الحكيم لا يعلم الغيب ، فكيف تقولون بأن عليا كرم الله وجهه كان عنده علم الغيب؟ والله تعالى يقول : ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب)(44).

قلت : نحن لا ننكر هذه الآيات الكريمة بل نعتقد ونتمسك بها ، ولكنك حفظت شيئا وغابت عنك أشياء .

فلقد ذكرت الآيات ولم تتدبر فيها ولم تنظر إلى الآيات الأخرى التي تصرح بأن الله تعالى يتفضل على بعض عباده من علم الغيب الذي عنده .

الله سبحانه يفيض من علمه على من يشاء

إن العلم على قسمين : ـ علم ذاتي وهو علم الله تعالى ، وعلم عرضي واكتسابي وهو علم البشر ـ وهذا على قسمين أيضا : علم تعليمي وهو علم التلميذ يأخذه من معلمه وإن كان بإرادة الله ومشيته فهو المعلم الحقيقي لقوله تعالى : ( خلق الإنسان * علمه البيان )(45) .

وقوله تعالى : ( فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون )(46) .

القسم الآخر : هو العلم اللدني ، وهو علم يلقيه الله سبحانه في قلب من يشاء وهو قوله تعالى : ( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما )(47) .

وكذلك العلم الذي أفاضه على آدم (ع) وألقاه في قلبه مرة واحدة ، بقوله تعالى : ( وعلم آدم الأسماء كلها )(48).

وهذا العلم يحصل من غير الطرق العادية أي بغير معلم ومدرس ولا يحتاج إلى كتاب وقلم وقرطاس .

الشيخ عبد السلام : هذه الآيات تشير إلى مطلق العلم ولكن علم الغيب مستثنى من هذا العلم ، بدليل الآيات التي تلوتها آنفا ، وقد قالوا : إن القرآن يفسر بعضه بعضا .

قلت : بدليل أن القرآن يفسر بعضه بعضا ، فإن الآيات التي تلوتها في انحصار علم الغيب بالله تعالى تكون من القسم العام ، وقد خص لأنه مناسب مع الله تعالى بعض عباده الذين اصطفى ، بقوله عز وجل : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا * ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا )(49).

وأما الآية الأخيرة التي تلاها الشيخ عبدالسلام فإنه بترها ولم يتممها ليحصل غرضه ، وإن مثله كمن يبتر كلمة التوحيد ـ لا إله إلا الله ، فيتلفظ بأولها ويترك آخرها ، وكذلك هذه الآية الكريمة فإن أولها يدل على معتقد الشيخ ، وإذا تلوناها إلى آخرها فنجدها تفند معتقد الشيخ وتؤيد معتقدنا وهي

كما في سورة آل عمران / 179 : ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم ) ولا يخفى على أهل العلم معنى الاستدراك في الآية الكريمة ، والقاعدة العربية : الإستدراك بعد النفي إثبات كما أن الاستثناء بعد النفي في كلمة لا إله إلا الله إثبات للتوحيد . وكذلك الاستثناء في الآية التي تلوتها آنفا من سورة الجن :

( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) جاء الاستثناء بعد الجملة النافية ، فهو إثبات أي : يظهر على غيبه من ارتضى من رسول .

وفي آية أخرى يصرح تعالى بأنه يوحي إلى النبي (ص) ويعطيه من أنباء الغيب ، قوله تعالى : ( تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا )(50) وقوله تعالى :

( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا )(51).

ثم إذا لم تعتقد بمعتقد الشيعة بأن الله تعالى يفيض من علم الغيب الذي عنده على بعض عباده الصالحين من الأنبياء والأولياء ، فكيف تفسر قول عيسى بن مريم (ع) في سورة آل عمران/ الآية 49 : ( وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) فإخبار الأنبياء والأولياء بالمغيبات فهو من آيات الله تعالى ولا يخفى أن الله سبحانه لا يعطيهم العلم المطلق بجميع المغيبات وإنما يطلعهم على الغيب حسب المصلحة والحكمة وعند اقتضاء الضرورة ، ولهذا المعنى تشير الآية الكريمة : ( ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء )(52).

الخلفاء الإثنا عشر عندهم علم الغيب

الشيخ عبدالسلام : لو فرضنا صحة هذا الكلام ، فإنه يختص بالأنبياء ، فما هو الدليل على تعدي علم الغيب من رسول الله (ص) إلى سيدنا علي كرم الله وجهه ؟ وإذا كان علي مثل رسول الله (ص) يطلع على الغيب ، فيلزم أن نعتقد ذلك في الخلفاء الراشدين أيضا لأنهم قاموا مقام النبي (ص) وتسلموا مسؤوليته في أمته من بعده .

قلت : نعم يلزم أن يطلع خلفاء رسول الله (ص) على الغيب أيضا ، لأنهم قاموا مقامه وألقيت مسؤولية توجيه الأمة وإرشادهم بعد النبي (ص) على عواتقهم .

ولكن من هم خلفاؤه؟ أهم الذين لقبوا بالراشدين ، أم الذين عرفهم رسول الله (ص) للأمة بقوله : خلفائي بعدي إثنا عشر؟ وفي بعض الروايات نص عليهم بأسمائهم وألقابهم وهم الذين نعتقد نحن الشيعة بإمامتهم ونتمسك بقولهم ونلتزم بطريقتهم ومذهبهم(53).

أما الذين سميتموهم أنتم وأباؤكم بخلفاء رسول الله (ص) فإنهم كانوا يجهلون كثيرا من الظواهر فكيف بعلم الغيب ؟! ولقد رويتم في كتبكم أن الخلفاء الثلاث كثيرا ما كانوا يراجعون الإمام علي (ع) أو غيره من الصحابة في الأحكام والمسائل الدينية التي كانت ترد عليهم ، ولا سيما عمر بن الخطاب الذي قال في أكثر من مورد : لولا علي لهلك عمر ، ولا أبقاني لمعضلة ليس لها أبو الحسن ، كما نقلنا بعضها من كتب أعلامكم ومحدثيكم .

وأما سؤالكم عن دليلنا على أن عليا (ع) كان يحظى بعلم الغيب ، فالأحاديث المروية في كتبكم عن رسول الله (ص) في علم علي (ع) ، أدل دليل على كلامنا ، منها :

حديث النبي (ص) : أنا مدينة العلم و علي بابها ومن أراد العلم فليأت الباب .

الشيخ عبد السلام : لم تثبت صحة هذا الحديث في مصادرنا وعند أعلامنا ، فهو موضوع ، ولقد عده أكثر علمائنا من الآحاد الضعاف .

الإمام علي (ع) باب مدينة علم رسول (ص) بنص أحاديثكم

قلت : إني لأتعجب من كلام الشيخ إذ يضعف هذا الحديث الذي عده كثير من علماء العامة من المتواترات ، ونقله كثير من أعلام أهل السنة في كتبهم وأقروا بصحته منهم :

السيوطي في جمع الجوامع ، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار والسيد محمد البخاري في تذكرة الأبرار ، والحاكم النيسابوري في مستدرك الصحيحين ، والفيروز آبادي في نقد الصحيح ، والمتقي في كنز العمال ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، وجمال الدين الهندي في تذكرة الموضوعات ، وقد قال : فمن حكم بكذبه فقد أخطأ .

والأمير محمد اليماني في الروضة الندية ، والحافظ أبو محمد السمرقندي في بحر الأسانيد وابن طلحة العدوي في مطالب السئول ، وغيرهم من أعلامكم الذين حكموا بصحة حديث : أنا مدينة العلم ... الخ .

ولقد وصل هذا الحديث إلى علماء الدين من طرق شتى وأسناد كثيرة متصلة بالصحابة والتابعين منهم : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وأبي محمد الحسن السبط (ع) ، وحبر الأمة عبد الله بن عباس ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعبد الله بن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن عمر ، وأنس بن مالك ، وعمرو بن العاص من الصحابة .

والامام السجاد علي بن الحسين (ع) ومحمد بن علي الباقر (ع) وأصبغ بن نباتة ، وجرير الضبي ، وحارث بن عبد الله الهمداني الكوفي ، وسعد بن طريف الحنظلي ، وسعيد بن جبير الأسدي ، وسلمة بن كهيل الحضرمي ، وسليمان بن مهران الأعمش ، وعاصم بن حمزة السلولي ، وعبد الله بن عثمان القاري المكي ، وعبدالرحمن بن عثمان ، وعبدالله بن عسيلة المرادي ، ومجاهد بن جبير أبي الحجاج المخزومي ، من التابعين .

وأما العلماء الأعلام والمحدثين العظام الذين أخرجوا هذا الحديث في كتبهم ومسانيدهم ، فكثير جدا ولا يسعني أن أذكرهم كلهم ، ولذا أكتفي بمن يحضرني أسماؤهم ، حتى يعرف جناب الشيخ زيف كلامه ، وأرجو أن لا يتبع قول أسلافه بعد سماع مصادر الحديث ، ومعرفة صحته وتواتره عند أهل الحديث . وأطلب منه بعد هذا أن لا يتكلم من غير تحقيق .

جملة من مصادر العامة للحديث

1ـ محمد بن جرير الطبري ، المفسر والمؤرخ في القرن الثالث المتوفى عام 310 هـ في تهذيب الآثار .

2ـ الحاكم النيسابوري المتوفى عام 405 هـ في المستدرك : ج3 /126 و128 و226 .

3ـ أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفى عام 289 هـ في صحيحه .

4ـ جلال الدين السيوطي المتوفى عام 911 هـ في جمع الجوامع ، والجامع الصغير ج1/37.

5ـ سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى عام 360 هـ في الكبير والأوسط .

6ـ الحافظ أبو محمد السمرقندي المتوفى عام 491 هـ في بحر الأسانيد .

7ـ أبو نعيم الحافظ المتوفى عام 430 هـ في معرفة الصحابة .

8ـ الحافظ ابن عبد البر القرطبي المتوفى عام 463 هـ في الاستيعاب : ج2/461 .

9ـ الحافظ الفقيه ابن المغازلي المتوفى عام 483 هـ في كتابه المناقب .

10ـ الحافظ الديلمي المتوفى عام 509 هـ في فردوس الأخبار .

11ـ الموفق بن أحمد الخطيب الخوارزمي المتوفى عام 568 هـ في المناقب ص 49 وفي مقتل الحسين (ع) : ج1/43 .

12ـ العلامة ابن عساكر الدمشقي المتوفى عام 571 هـ في تاريخه الكبير .

13ـ العلامة أبو الحجاج الأندلسي المتوفى عام 605 في " ألف باء " ج1/222 .

14ـ العلامة ابن الأثير الجزري المتوفى عام 630 هـ في أسد الغابة : ج4/22 .

15ـ العلامة محب الدين الطبري المتوفى عام 694 هـ في الرياض النضرة ج1/129 ، وفي ذخائر العقبى /77 .

16ـ العلامة شمس الدين الذهبي المتوفى عام 748 هـ في تذكرة الحفاظ : ج4/ 28 .

17ـ بدر الدين الزركشي المتوفى عام 749 هـ في فيض القدير : ج3/47 .

18ـ الحافظ الهيثمي المتوفى 807 هـ في مجمع الزوائد : ج9/114 .

19ـ العلامة الدميري المتوفى عام 808 هـ في حياة الحيوان : ج1/55 .

20ـ شمس الدين محمد بن محمد الجزري المتوفى 833 هـ في أسنى المطالب / ص14 .

21ـ ابن حجر العسقلاني المتوفى عام 852 هـ في تهذيب التهذيب : ج7/337 .

22ـ بدر الدين العيني الحنفي المتوفى عام 855 هـ في عمدة القاري : ج7/631.

23ـ المتقي الهندي المتوفى عام 975 هـ في كنز العمال : ج6/156 .

24ـ عبد الرؤوف المناوي المتوفى عام 1031 هـ في فيض القدير : ج3/46.

25ـ الحافظ العزيزي المتوفى عام 1070 هـ في السراج المنير : ج2/63 .

26ـ محمد بن يوسف الشامي المتوفى 942هـ في سبل الهدى والرشاد في أسماء خير العباد .

27ـ العلامة الفيروزآبادي المتوفى عام 817 هـ في نقد الصحيح .

28ـ أحمد بن حنبل المتوفى عام 241 هـ في المسند وفي المناقب .

29ـ محمد بن طلحة الشافعي المتوفى عام 652 هـ في مطالب السؤول .

30ـ شيخ الإسلام ابراهين بن محمد الحمويني المتوفى عام 722هـ في فرائد السمطين .

31ـ شهاب الدين الولت آبادي المتوفى عام 849 هـفي هداية السعداء .

32ـ العلامة السمهودي المتوفى عام 911 هـ في جواهر العقدين .

33ـ القاضي فضل بن روزبهان في إبطال الباطل .

34ـ نور الدين بن الصباغ المالكي المتوفى عام 855هـ في الفصول المهمة .

35ـ ابن حجر المكي المتوفى عام 974 هـ في الصواعق المحرقة .

36ـ جمال الدين الشيرازي المتوفى عام 1000 هـ في الأربعين .

37ـ علي القاري الهروي المتوفى في 1014 هـ في المرقاة في شرح المشكاة .

38ـ محمد بن علي الصبان المتوفى عام 1205 هـ في إسعاف الراغبين / 165 .

39ـ القاضي الشوكاني المتوفى عام 1250 هـ في الفوائد المجموعة .

40ـ شهاب الدين الآلوسي المتوفى عام 1270 هـ في تفسير روح المعاني .

41ـ محمد الغزالي في إحياء العلوم .

42ـ العلامة الهمداني الشافعي في مودة القربى .

43ـ أحمد بن محمد العاصمي في زين الفتى في شرح سورة هل أتى .

44ـ شمس الدين محمد السخاوي المتوفى عام 902 هـ في المقاصد الحسنة .

45ـ العلامة القندوزي المتوفى عام 1293 هـ في الينابيع / باب 14 .

46 ـ سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص الأمة .

47ـ صدر الدين الفوزي الهروي في نزهة الأرواح .

48ـ كمال الدين المبيدي في شرح الديوان .

49ـ الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفى عام 463 هـ في تاريخ بغداد : ج2/377 و ج7/173 .

50ـ محمد بن يوسف الكنجي المتوفى عام 658 هـ في كفاية الطالب / الباب الثامن والخمسون ، بعد نقله للروايات قال : فقد قال العلماء من الصحابة والتابعين وأهل بيته علي (ع) وزيادة علمه وغزارته وحدة فهمه وفور حكمته وحسن قضاياه وصحة فتواه ، وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصحابة يشاورونه في الأحكام ويأخذون بقوله في النقض والإبرام اعترافا منهم بعلمه ووفور فضله ورجاحة عقله وصحة حكمه ، وليس هذا الحديث : " أنا مدينة العلم و عليّ بابها " في حقه بكثير ، لأن رتبته عند الله وعند رسوله (ص) وعند المؤمنين من عباده أجل وأعلى من ذلك .

ولا يخفى أن العلامة أحمد بن محمد بن صديق المغربي القاطن في مصر ، ألف كتابا في تصحيح وتأييد هذا الحديث الشريف وأسماه بفتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي وقد طبع سنة 1354 هـ في مطبعة الإعلامية بمصر .

وهناك المزيد ، ونكتفي بذلك ، حتى نسمع منكم بقية الشبهات والأسئلة .

السيد عديل أختر(54) : ما أحسن الأحاديث النبوية وخاصة إذا كانت في فضل سيدنا علي كرم الله وجهه ، فإني رأيت كثيرا في كتبنا أن رسول الله (ص) قال : ذكر علي عبادة ، ولقد رأيت في كتاب مودة القربى للعالم الفاضل والزاهد الكامل العلامة مير سيد علي الهمداني الشافعي قال في المودة الثانية / روى بسنده إلى أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول : ما من قوم اجتمعوا يذكرون فضائل محمد وآل محمد إلا هبطت ملائكة من السماء حتى يذكرون فضائل محمد وآل محمد إلا هبطت ملائكة من السماء حتى لحقت بهم تحدثهم فإذا تفرقوا عرجت الملائكة وقالت الملائكة الآخرون لهم إنا نشم رائحة منكم ما شممنا رائحة أطيب منها : فتقول لهم : كنا مع قوم كانوا يذكرون فضائل آل محمد (ص) . فيقولون اهبطوا بنا إليهم ! فيقولون إنهم قد تفرقوا ، فيقولون : إهبطوا بنا إلى المكان الذي كانوا فيه !

فالرجاء أن تزيدونا من الأحاديث الشريفة التي نطق بها النبي (ص) في فضائل ومناقب سيدنا علي ، ولا سيما في علمه .

حديث : أنا دار الحكمة وعلي بابها

قلت : من الأحاديث التي نطق بها رسول الله (ص) في بيان علم الإمام علي وحكمته هو الحديث المشهور في كتب الفريقين أن النبي (ص) قال : أنا دار الحكمة و علي بابها ، فمن أراد الحكمة فليأت الباب . رواه جمع كثير من علمائكم وأعلام محدثيكم منهم : أحمد في المناقب والمسند ، والحاكم في المستدرك ، والمتقي في كنز العمال : ج 6 / 401 ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء : ج1 / 64 ، ومحمد بن صبان في إسعاف الراغبين ، وابن المغازلي في المناقب ، والعلامة السيوطي في الجامع الصغير وجمع الجوامع واللئالي المصنوعة ، والترمذي في صحيحه : ج2 / 214 ، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول ، والشيخ العلامة القندوزي في ينابيع المودة ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة ، وابن حجر المكي في الصواعق المحرقة ، ضمن الفصل الثاني من الباب التاسع ، والمحب الطبري في الرياض النضرة وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، وآخرون من علمائكم الكبار ، بالإضافة إلى جمهور علماء الشيعة .

ولقد رواه محمد بن يوسف العلامة الكنجي في كتابه كفاية الطالب وخصص له الباب الواحد والعشرون وبعد نقله الحديث قال : هذا حديث حسن عال ، وقد فسرت الحكمة بالسنة لقوله عز وجل : ( وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ )(55) ، الآية ، يدل على صحة هذا التأويل ، وقد قال رسول الله (ص) إن الله تعالى أنزل علي الكتاب ومثله معه ، أراد بالكتاب القرآن ، ومثله معه ما علمه الله تعالى من الحكمة وبين له من الأمر والنهي والحلال والحرام ، فالحكمة هي السنة فلهذا قال : أنا دار الحكمة وعلي بابها .

ولقد روى ابن عساكر في تاريخه مع ذكر السند ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين ، والديلمي في فردوس الأخبار والكنجي الشافعي في كفاية الطالب الباب الثامن والخمسون ، والعلامة القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع عشر ، وابن المغازلي الشافعي في المناقب حديث رقم 120 وغيرهم من كبار علمائكم رووا عن ابن عباس وجابر بن عبدالله الأنصاري أن النبي (ص) أخذ بيد علي (ع) فقال : هذا أمير البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره ، مخذول من خذله ، ثم مد بها صوته . فقال : أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب .

وروى صاحب المناقب الفاخرة عن ابن عباس أن النبي (ص) قال : أنا مدينة العلم و عليّ بابها، و من أراد علم الدين فليأت الباب . ثم قال لعلي (ع) : أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذب من يزعم أنه يصل المدينة ، إلا من الباب .

وأخرج الحديث ابن أبي الحديد في مواضع عديدة من شرح نهج البلاغة ، وشيخ الإسلام الحمويني عن ابن عباس ، وأخرجه الموفق الخوارزمي في المناقب عن عمرو بن العاص ، وأخرجه محب الدين الطبري في ذخائر العقبي ، وأحمد في المسند والعلامة علي بن شهاب الهمداني في مودة القربى ، وحتى ابن حجر ـ مع كثرة تعصبه ـ في الصواعق المحرقة ضمن الفصل الثاني من الباب التاسع / الحديث التاسع من الأربعين حديث في فضائل الإمام علي أخرجه عن البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله ، وأخرجه عن ابن عدي عن عبد الله ابن عمر وعن الحاكم والترمذي عن علي (ع) كلهم رووا عن رسول الله (ص) قال : أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب . فالحديث مشهور ومنشور في كتب كبار علمائكم ، وهو بحكم العقل والعقلاء دليل على إمامة الإمام علي وخلافته وأنه مقدم على غيره ، لأن العلماء في كل أمة وملة مقدمون على الجاهلين وخاصة تأكيد النبي (ص) في الحديث ، بأن من أراد العلم فليأت الباب ، أو كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلا من الباب ، وإضافة على كل هذا قول الله سبحانه : ( وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(56).

ومن الواضح أن الألف واللام في كلمة العلم تفيد الجنس أي كل علم كان عند رسول الله (ص) من علم الدين والدنيا وعلم الظاهر والباطن وأسرار الكون والخلقة لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الإمام علي (ع) .

بالله عليكم أنصفوا ! هل كان للناس بعد النبي أن يغلقوا هذا الباب الذي فتحه رسول الله (ص) لأمته كي يتوصلوا منه إلى الحقائق الدينية والدقائق العلمية التي أودعها الله سبحانه نبيه المصطفى ورسوله المرتضى الذي هو أجلى مصاديق الآية الشريفة : ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ )(57).

فلقد ارتضاه الله سبحانه وأعطاه من غيبه أكثر مما أعطى لسائر الأنبياء والمرسلين ؟

الشيخ عبدالسلام : نحن لا ننكر حديث رسول الله (ص) : " أنا مدينة العلم وعلي بابها " وإن ناقش بعض العلماء سند الرواية وضعفه ، وبعض ادعى فيه التواتر وصححه ، وبعض ناقش في مدلول الحديث ، ولكن مع غض النظر عن كل المناقشات المطروحة حول الحديث ، فلا يدل على أن سيدنا عليا كرم الله وجهه كان عنده علم الغيب والباطن .

علي (ع) عالم بظاهر القرآن وباطنه

قلت لا شك ولا ريب أن أساس علم النبي (ص) هو كتاب الله العزيز ، وكما ورد في الأحاديث المروية عن طرقكم والمذكورة في مصادركم ، أن الإمام أمير المؤمنين علي (ع) كان أعلم الناس ـ بعد النبي (ص) ـ بعلوم القرآن ظاهره وباطنه ، ولقد روى أبو نعيم الحافظ في الحلية : ج1 / 65 ، والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب الرابع والسبعون ، والعلامة القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع عشر نقلا من كتاب فصل الخطاب عن عبدالله بن مسعود قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر و بطن ، و إن علي بن أبي طالب عنده علم الظاهر و الباطن .

كما ويحصل من جملة من الروايات المشهورة عندكم والمنشورة في كتبكم ، أن عليا (ع) كان علمه لدنيا لأنه كان المرتضى من بين الخلق بعد رسول الله (ص ) ولقد ارتضاه الله واصفاه وجعله وليا .

ولقد روى أبو حامد الغزالي في كتابه في بيان العلم اللدني عن علي (ع) أنه قال : ولقد وضع رسول الله (ص) لسانه في فمي وزقني من لعابه ، ففتح لي ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب .

وروى العلامة القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع عشر في غزارة علمه ، عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول : إن رسول الله (ص) علمني ألف باب و كل باب منها يفتح ألف باب ، حتى علمت ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة ، وعلمت علم المنايا و البلايا و فصل الخطاب .

وروى في الباب عن ابن المغازلي بسنده عن علي (ع) قال : قال رسول الله (ص) : يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها، كذب من زعم أنه يدخل المدينة بغير الباب قال الله عز وجل :
( وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) وقال علي : علمني رسول الله (ص) ألف باب من العلم فانفتح من كل واحد منها ألف باب .

وروى القندوزي أيضا في الباب الرابع عشر ، عن ابن المغازلي بسنده عن أبي الصباح عن ابن عباس (رض) قال : قال رسول الله (ص) : لما صرت بين يدي ربي كلمني وناجاني فما علمت شيئا إلا علمته عليا فهو باب علمي .

وكذلك نقل في الباب من الموفق بن أحمد الخوارزمي أيضا عن أبي الصباح عن ابن عباس عن النبي (ص) قال : أتاني جبرئيل بدرنوك من الجنة فجلست عليه ، فلما صرت بين يدي ربي كلمني و ناجاني فما علمت شيئا إلا علمته عليا فهو باب علمي ، ثم دعاه إليه فقال : يا علي ! سلمك سلمي و حربك حربي و أنت العلم فيما بيني و بين أمتي .

وأما الخبر المروي عن علي (ع) : علمني رسول الله ألف باب من العلم ... فمروي في كثير من مصادركم وأخرجه كبار أعلامكم مثل : أحمد في المسند وفي المناقب ، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول ، والموفق الخوارزمي في المناقب وأبي حامد الغزالي ، وجلال الدين السيوطي والثعلبي والمير سيد علي بن شهاب الهمداني بألفاظ مختلفة ومن طرق شتى نقلوه في كتبهم . ولقد روى الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء والمولى علي المتقي في كنز العمال : ج6 / 392 وأبو يعلى وغيرهم ، بإسنادهم إلى عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ص قال في مرض موته : ادعوا إلي أخي ، فجاء أبو بكر فأعرض عنه . ثم قال ادعوا إلي أخي . فجاء عثمان ، فأعرض عنه ، ثم دعي له علي فستره بثوبه و أكب عليه فلما خرج من عنده قيل له : ما قال لك ؟ قال : علمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب .

وأخرج الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء : ج1 / 65 ، ومحمد الجزري في أسنى المطالب / ص 14 ، والعلامة الكنجي في كفاية الطالب / الباب الثامن والأربعون ، رواه بإسنادهم عن أحمد بن عمران ابن سلمة عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : كنت عند النبي (ص) فسئل عن علي (ع) فقال (ص) : قسمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأعطي علي تسعة أجزاء و أعطي الناس جزءا واحدا . ثم قال العلامة الكنجي : هذا حديث حسن عال تفرد به أحمد بن عمران بن سلمة وكان ثقة عدلا مرضيا .

وكذلك رواه جماعة من أعلامكم بالإسناد إلى علقمة عن عبد الله وفيه زيادة ونصه : قسمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأعطي علي تسعة أجزاء و أعطي الناس جزءا واحدا وهو أعلم بالعشر الباقي ، أخرجه الموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب والمتقي في الكنز : ج5 / 156 و 401 وابن المغازلي في الفضائل والقندوزي في الينابيع / الباب الرابع عشر بنفس الطريق عن ابن مسعود ، وأخرجه محمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول عن حلية الأولياء .

ونقل العلامة القندوزي في الينابيع / الباب الرابع عشر بنفس الطريق عن ابن مسعود ، وأخرجه محمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول عن حلية الأولياء .

ونقل العلامة القندوزي في الينابيع في الباب الرابع عشر عن محمد بن علي حكيم الترمذي في شرح الرسالة الموسومة بالفتح المبين عن ابن عباس قال : العلم عشرة أجزاء ، لعلي تسعة أجزاء و للناس عشر الباقي وهو أعلمهم به .

وأخرج القندوزي في الباب ، والمتقي في كنز العمال : ج6 / 153 والموفق الخوارزمي في المناقب / 49 ، وفي مقتل الحسين ج 1 / 43 ، والديلمي في فردوس الأخبار ، أن النبي (ص) قال : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب .

علي تلميذ رسول الله (ص)

نستنتج من الروايات السابقة أن علم النبي (ص) وما تلقاه من الوحي قد علم به الإمام علي (ع) .

ونحن الشيعة لا نقول بأن الإمام علي والأئمة الأحد عشر من ولده سلام الله عليهم أجمعين ، كانوا مثل رسول الله (ص) في تلقي العلوم من الله عز وجل عن طريق مستقيم أبو بواسطة الوحي . بل نعتقد بأن رسول الله (ص) الذي ارتضاه الله جل وعلا وأعطاه من العلوم ما لم يعطه لأحد من العالمين وأطلعه على الغيب أكثر مما اطلع عليه جميع الأنبياء والمرسلين ، اتخذ عليا أخا له ووارثا لعلومه وموضعا لأسراره إذ وجده أهلا لذلك ، فما بقي عند رسول الله (ص) شيء من ودائع النبوة وعلوم الوحي والرسالة من الظاهر والباطن والغيب والشهود إلا وأودعه في علي بن أبي طالب . وعلمه إياه(58).

وعلي (ع) أودع تلك العلوم في بنيه الأئمة الأحد عشر ، توارثوها بإرادة الله تعالى واحدا تلو الآخر ، واليوم ودائع النبوة وأعلام الرسالة وعلوم الوحي كلها مودعة عند الإمام المهدي المنتظر ، الحجة الثاني عشر وآخر أئمة أهل البيت (ع) .

ولقد روى القندوزي في الينابيع في الباب الرابع عشر ، أن عليا (ع) كان يقول : سلوني عن أسرار الغيوب فإني وارث علوم الأنبياء والمرسلين . ونقل عنه قبل هذا في نفس الباب ، قال : سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض … الخ .

ونقل القندوزي في الباب أيضا قال : وفي مسند أحمد بسنده عن ابن عباس : ... وقال علي على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ، وما من آية إلا و أنا أعلم حيث أنزلت ، بحضيض جبل أو سهل أرض ، سلوني عن الفتن ، فما من فتنة إلا و قد علمت من كسبها و من يقتل فيها . قال أحمد روى عنه نحو هذا كثيرا .

وكذلك نقل القندوزي في الباب من الموفق بن أحمد الخوارزمي وعن الحمويني بسنديهما عن أبي سعيد البحتري قال : رأيت عليا جلس على المنبر فكشف عن بطنه وقال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنما بين الجوانح مني علم جم ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله (ص) ، هذا ما زقني رسول الله (ص) زقا زقا .

ونقل القندوزي في الباب عن مسند الإمام أحمد ومناقب موفق بن أحمد الخوارزمي بسنديهما عن سعيد بن المسيب قال : لم يكن أحد من الصحابة يقول : سلوني إلا علي بن أبي طالب . ورواه عنه ابن حجر في الصواعق أيضا .

ولا يخفى أن معتقدنا نحن الشيعة أن كل ما كان عند الإمام علي سلام الله عليه من أنواع العلوم فإنه اكتسبها وتعلمها من سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (ص) . ولقد أملى عليه النبي (ص) من علومه الباطنية وأسراره الغيبية بكل ما يحدث في العالم ويقع في المستقبل ، وكتب علي (ع) كل ذلك بالرموز والحروف المقطعة وقد اشتهر بين العلماء بعلم الجفر الجامع ، هذا العلم مما خُص به علي (ع) وأبنائه الأئمة المعصومون سلام الله عليهم أجمعين .

كما ذكر ذلك الغزالي في بعض تصانيفه وقال : إن عند علي بن أبي طالب كتاب يسمى بالجفر الجامع لشئون الدنيا والآخرة وهو يشتمل على كل العلوم والحقائق ويحوي على دقائق الأسرار وخواص الأشياء وآثار الحروف والأسماء وتأثيرات العوالم العلوية والسفلية وكل ما في الأرض والسماء و لا يطلع على ذلك الكتاب أحد غير علي بن أبي طالب وأولاده الأحد عشر وهم الذين حازوا درجة الولاية وتوصلوا إلى مقام الإمامة ، وقد وصلهم الكتاب وعلومه بالوراثة .

ولقد أشار وصرح باختصاص هذا العلم وذلك الكتاب بالإمام علي وأبنائه المعصومين ، العلامة القندوزي في كتابه ينابيع المودة / الباب الثامن والستون / وفيه قد نقل في الموضوع شرحا مبسوطا من كتاب الدر المنظم للشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الحلبي الشافعي .

وكذلك ذكر صاحب شرح المواقف وهو من علماء العامة قال : إن الجفر والجامعة كتابان لعلي بن أبي طالب قد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف ، الحوادث إلى انقراض العالم ، وأولاده يحكمون فيهما على طريقة علم الحروف ، الحوادث إلى انقراض العالم ، وأولاده يحكمون بهما .

النواب : ما هو منشأ هذا الكتاب المسمى بالجفر الجامع ؟ وكيف وصل ليد سيدنا علي كرم الله وجهه ؟

قلت : في العام العاشر الهجري ، بعدما رجع النبي (ص) من حجة الوداع هبط جبرائيل وأخبره (ص) باقتراب أجله ودنو منيته ، فدعا النبي (ص) ربه ورفع يديه ، وقال : اللهم وعدك الذي وعدتني ، إنك لا تخلف الميعاد .

فطلب من الله عز وجل وفاء الوعد المعهود بينهما .

فأوحى الله تعالى إليه (ص) : أن خذ عليا معك واذهبا إلى جبل أحد فإذا صعدتما الجبل فاجلس مستدبرا القبلة وناد الوحوش وحيوانات الصحراء ، فتجتمع الحيوانات أمامك وتجد بينها معزا وحشيا أحمر اللون قصير القرن ، فأمر عليا فليأخذه ويذبحه ويسلخ جلده من طرف رقبته ، ثم يدبغه ، ولما فعل رسول الله (ص) ما أمره ربه ، نزل جبرئيل ومعه دواة وقلم أعطاهما للنبي (ص) ليعطيهما للإمام علي (ع) حتى يكتب ما يقوله جبرئيل وكان النبي (ص) يملي ما يسمعه على الإمام علي (ع) فيكتبه على ذلك الجلد المدبوغ ، وهذا الجلد لا يندرس ولا يبيد وهو الآن موجود عند الإمام المنتظر المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، ويوجد في ذلك الجلد كل ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وهذا الجلد هو الكتاب الذي عبر عنه الغزالي بالجفر الجامع وقال فيه علوم المنايا والبلايا والقضايا وفصل الخطاب .

النواب : كيف يسع جلد ماعز ليحتوي على كل ما يحدث إلى يوم القيامة ، ويحتوي على العلوم التي أشرتم إليها وذكرها الغزالي ؟

قلت : لقد ذكرنا أنها مذكورة بطريقة الرمز والحروف وأن مفتاح تلك الرموز ومعاني تلك الحروف هو علم خاص بالنبي (ص) وعلمه عليا (ع) ثم ورثه أولاده الأئمة الأحد عشر ، ولا يقدر على حل رموزه وفهم علومه غيرهم ، وقد جاء في الخبر أن عليا (ع) فتح ذلك الجلد مرة أمام ولده محمد بن الحنفية فما فهم شيئا منه .

وأما الأئمة المعصومون (ع) فكانوا في أكثر الأحيان يستخرجون من ذلك الكتاب القضايا والحوادث التي كانوا يخبرون بها قبل وقوعها .

الإمام الرضا عليه السلام يخبر عن موته من الجفر والجامعة

ولقد روى كثير من علمائكم أن المأمون لما عرض ولاية العهد على الإمام الرضا وأخذ له البيعة وكتب كتابا له بذلك بخطه وأعطاه الإمام (ع) ليوقع أدناه ويختمه بإمضائه وختمه الشريف ، فكتب هذه العبارات خلف الكتاب كما في شرح المواقف : أقول و أنا علي بن موسى بن جعفر: إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد ، و وفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره ، فوصل أرحاما قطعت، و آمن أنفسا فزعت ، بل أحياها و قد تلفت ، و أغناها إذ افتقرت ، مبتغيا رضا رب العالمين ، وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ، و لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ، و أنه جعل إلي عهده و الإمرة الكبرى إن بقيت بعده ... إلى أن كتب في آخره : ولكن الجفر والجامعة يدلان على ضد ذلك ( وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ )(59) (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ)(60) وهكذا رواه العلامة سعد بن مسعود بن عمر التفتازاني في كتاب شرح مقاصد الطالبيين في علم أصول الدين(61).

الصحيفة السماوية

ولقد ورد في روايات أهل البيت (ع) خبر صحيفة نزلت على النبي (ص) قبيل وفاته فأعطاها لعلي بن أبي طالب (ع) وفيها علوم كثيرة مما يجري في العالم ولا سيما ما يجري عليهم وما يجب عليهم من مقابلة الأحداث والوقايع ، ولقد أوصاهم الله سبحانه فيها بوصايا مهمة ، ولذلك نقل هذا الخبر تحت عنوان ( الوصية ) المؤرخ الجليل والحبر النبيل الشهير بالمسعودي المتوفى عام 346 من الهجرة النبوية ، قال في كتابه إثبات الوصية : فلما قرب أمره (ص) ، أنزل الله جل وعلا إليه من السماء كتابا مسجلا نزل به جبرئيل (ع) مع أمناء الملائكة فقال جبرئيل : يا رسول الله ! مر من عندك بالخروج من مجلسك إلا وصيك ليقبض منا كتاب الوصية و يشهدنا عليه.

فأمر النبي (ص) من كان عنده في البيت بالخروج ما خلا أمير المؤمنين (ع) و فاطمة والحسن والحسين (ع) .

فقال جبرئيل : يا رسول الله إن الله يقرئك السلام و يقول لك : هذا كتاب بما كنت عهدت و شرطت عليك و أشهدت عليك ملائكتي و كفى بي شهيدا .

فارتعدت مفاصل النبي (ص) فقال : هو السلام و منه السلام و إليه يعود السلام ، صدق الله ، هات الكتاب . فدفعه إليه، فدفعه من يده إلى علي (ع) وأمره بقراءته وقال : هذا عهد ربي إلي و أمانته ، و قد بلغت و أديت .

فقال أمير المؤمنين (ع) : و أنا أشهد لك بأبي أنت و أمي بالتبليغ و النصيحة و الصدق على ما قلت ، و يشهد لك به سمعي و بصري و لحمي و دمي . فقال له رسول الله (ص) : أخذت وصيتي و قبلتها مني و ضمنت لله تبارك وتعالى و لي الوفاء بها ؟ قال : نعم علي ضمانها و على الله عز وجل عوني .

و كان فيما شرطه على أمير المؤمنين(ع) : الموالاة لأولياء الله والمعاداة لأعداء الله والبراءة منهم ، و الصبر على الظلم و كظم الغيظ وأخذ حقك منك وذهاب خمسك و انتهاك حرمتك، و على أن تخضب لحيتك من رأسك بدم عبيط .

فقال أمير المؤمنين (ع) : قبلت و رضيت و إن انتهكت الحرمة و عطلت السنن و مزق الكتاب و هدمت الكعبة و خضبت لحيتي من [دم] رأسي صابرا محتسبا . فأشهد رسول الله (ص) جبرئيل وميكائيل والملائكة المقربين على أمير المؤمنين (ع) . ثم دعا رسول الله (ص) فاطمة و الحسن و الحسين فأعلمهم من الأمر مثل ما أعلمه أمير المؤمنين (ع) وشرح لهم ما شرح له . فقالوا مثل قوله . وختمت الوصية بخواتيم من ذهب لم تصبه النار و دفعت إلى أمير المؤمنين (ع).

وفي الوصية سنن الله جل وعلا وسنن رسول الله (ص) وخلاف من يخالف ويغير ويبدل ، وشيء من شيء من جميع الأمور والحوادث بعده (ص) ، وهو قول الله عز وجل في سورة يس ، الآية 12 : ( وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) انتهى .

فأوصياء النبي (ص) وخلفائه يمثلونه في أخلاقه وصفاته وهم ورثوا علومه وفضائله ، ولقد أعلن (ص) وعرف عليا (ع) باب علمه لأمته وأمر من أراد العلم بإتيانه (ع) . ومما يؤكد بأن عليا (ع) وارث علوم النبوة وأنه عيبة علوم رسول الله (ص) ، قوله (ع) سلوني قبل أن تفقدوني . ولا يمكن لأحد أن يعلن بهذا الكلام إلا إذا كان محيطا بجميع العلوم ، وهذا الأمر لا يتسنى إلا لمن كان متصلا بمنبع العلوم وبالعالم الأعلى ، ويحظى بالعلم اللدني الذي يتلقاه من الله تعالى . ولقد اتفق العلماء والمحدثون على أنه ، انفرد علي (ع) من بين الخلق بهذا الإعلان ، وما قاله أحد سواه(62).

قال الحافظ ابن عبد البر الأندلسي في كتابه الاستيعاب في معرفة الأصحاب : أن كلمة سلوني قبل أن تفقدوني ما قالها أحد غير علي بن أبي طالب إلا كان كاذبا .

ولقد روى العلامة أبو العباس أحمد بن خلكان في كتابه وفيات الأعيان والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : ج13/163 ، بأن مقاتل بن سليمان ـ وكان من أعلام العلماء عندكم وكان سريعا جدا في جواب المسائل ـ أعلن يوما على المنبر وبين حشد من الناس فقال : سلوني عما دون العرش !

فقام شخص وسأله : من حلق رأس آدم (ع) في الحج ؟ فحاد عن الجواب ، فسأله آخر : كيف تهضم النملة أكلها ؟ ألها معدة ومصران ؟ فنكس مقاتل بن سليمان رأسه خجلا ، ولم يجبه ! ثم قال : إن الله فضحني بهذه الأسئلة التي ألقاها على ألسنتكم ، لأني أعجبت بكثرة علمي فجاوزت حدي .

مصادر قوله : سلوني قبل أن تفقدوني

نعم ذكر العلماء قضايا من هذا القبيل عن الذين ادعوا هذا الأمر ولكن أخزاهم الله على رؤوس الأشهاد .

وكما بين كثير من كبار علمائكم : أنه ما ادعى أحد من الصحابة غير علي بن أبي طالب هذا المدعى .

روى أحمد في المسند ، وموفق بن احمد الخوارزمي في المناقب ، والخواجة كلان الحنفي كما في الينابيع ، والعلامة البغوي في المعجم ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة : ج2 /198 ، وابن حجر في الصواعق تحت عنوان : 76 الفصل الثالث في ثناء الصحابة والسلف عليه . كلهم رووا عن سعيد بن المسيب قال : لم يكن من الصحابة يقول : سلوني ، إلا علي بن أبي طالب .

والجدير أنه (ع) أعلن ذلك مرارا وتكرار لا مرة واحدة ، فلقد روى العلامة ابن كثير في تفسيره : ج4 وابن عبد البر في الاستيعاب والقندوزي في ينابيع المودة ، مؤيد الدين الخوارزمي في النماقب ، واحمد في المسند ، والحمويني في الفرائد ، وابن طلحة الحلبي في الدر المنظوم والعلامة الهمداني في مودة القربى ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السؤول ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، وغيرهم من محققيكم ومحدثيكم ، رووا عن طرق شتى وبألفاظ عديدة عن عامر بن وائلة وعبد الله بن عباس وأبي سعيد البحتري وأنس بن مالك وعبد الله بن مسعود وغيرهم : بأنهم سمعوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على المنبر يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فإن بين جوانحي لعلما جما ، سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين .

وفي سنن أبي داود ص356 ، ومسند أحمد ج1 /278 ، وصحيح البخاري : ج1/46 وج 10 /241 ، رووا بأسانيدهم : أن عليا (ع) قال : سلوني عما شئتم ، ولا تسألوني عن شيء إلا أنبأكم به .

ونقل العلامة القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة في الباب الرابع عشر ، عن موفق بن أحمد الخوارزمي وشيخ الإسلام الحمويني بإسنادهما عن أبي سعيد البحتري قال : رأيت عليا رضي الله عنه على منبر الكوفة وعليه مدرعة رسول الله (ص) وهو متقلد بسيفه ومتعمم بعمامته (ص) فجلس على المنبر فكشف عن بطنه وقال: سلوني قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله (ص) هذا ما زقني رسول الله زقا زقا ، فوالله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم و أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الله التوراة والإنجيل فيقولان صدق علي قد أفتاكم بما أنزل الله في و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون.

وكذلك أخرج شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين ، ومؤيد الدين الخوارزمي في المناقب ، بأن عليا (ع) قال فوق المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا تسئلوني عن آية من كتاب الله إلا حدثتكم عنها مات نزلت بليل أو نهار ، في مقام أو مسير في سهل أم في جبل ، وفي من نزلت في مؤمن أو منافق وما عنى الله بها ، أم عام أم خاص .

فقام ابن الكوا ـ وهو من الخوارج ـ فقال :

أخبرني عن قول الله عز و جل: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)(63) فقال أمير المؤمنين (ع) : أولئك نحن و أتباعنا في يوم القيامة ، غرا محجلين رواء مرويين يعرفون بسيماهم .

و روى أحمد في المسند ، والعلامة القندوزي في الينابيع في الباب الرابع عشر ، عن ابن عباس ، أن عليا (ع) قال على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عن كتاب الله وما من آية إلا و أنا أعلم حيث أنزلت بحضيض جبل أو سهل أرض ، و سلوني عن الفتن فما من فتنة إلا و قد علمت من كسبها و من يقتل فيها .

وأخرج ابن سعد في الطبقات والعلامة الكنجي في كفاية الطالب الباب الثاني والخمسون ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء : ج1/ 68 بإسنادهم عن علي بن أبي طالب (ع) أنه قال : و الله ما نزلت آية إلا و قد علمت فيمن نزلت و أين نزلت وعلى من نزلت ، إن ربي وهب لي قلبا عقولا و لسانا طلقا . وفي نفس الكتب أيضا : سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل .

وكذلك روى الموفق الخوارزمي في المناقب عن الأعمش عن عباية بن ربعي أنه قال : كان علي (رض) كثيرا ما يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ! فو الله ما من أرض مخصبة و لا مجدبة و لا فئة تضل مائة أو تهدي مائة إلا و أنا أعلم قائدها و سائقها و ناعقها إلى يوم القيامة .

وروى جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء : ص124 وبدر الدين الحنفي في عمدة القارئ ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة : ج2/198 ، والسيوطي أيضا في تفسير الإتقان : ج2/319 ، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري : ج8 /485 ، وفي تهذيب التهذيب : ج7/ 338 رووا أن عليا (ع) قال : سلوني ! والله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا و أنا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار أفي سهل أم في جبل .

أما تدل هذه الكلمات والعبارات على اطلاع قائلها على المغيبات وعلمه بالمستقبل وما سوف يحدث في العالم . ولقد أثبت ذلك فيما أخبر عن حال بعض الأشخاص ، وإليك نماذج من ذلك:

الإمام علي عليه السلام يخبر عن قاتل ولده الحسين عليه السلام

روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة روايات كثيرة تحكي عن إخبار علي (ع) عن الأمور الغيبية فقال في الجزء الثاني : 286 ، ط دار إحياء الكتب العربية : روى ابن هلال الثقفي في كتاب "الغارات" عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد بن علي قال : لما قال علي (ع) : سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لا تسألوني عن فئة تضل مائة و تهدي مائة إلا أنبأتكم بناعقها و سائقها ، فقام إليه رجل فقال : أخبرني بما في رأسي و لحيتي من طاقة شعر، فقال له (ع) : و الله لقد حدثني خليلي رسول الله (ص) أن على كل طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك وأن على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يغويك و إن في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله (ص) و كان ابنه ـ قاتل الحسين (ع) ـ يومئذ طفلا يحبو وهو سنان بن أنس النخعي .

إخباره عليه السلام عن عاقبة خالد بن عرفطة

ونقل ابن أبي الحديد في نفس الصفحة التي ذكرتها آنفا قال : و روى الحسن بن محبوب عن ثابت الثمالي عن أبي إسحاق السبيعي عن سويد بن غفلة أنّ عليا عليه السلام خطب ذات يوم، فقام رجل من تحت منبره فقال : يا أمير المؤمنين إنّي مررت بوادي القرى ، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له. فقال عليه السلام : و اللّه ما مات و لا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن عمار[ حمار ] .

فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال : يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن عمّار [ حمار ]، و إنّي لك شيعة و محبّ. فقال عليّ عليه السلام: أنت حبيب بن حمّار؟ قال : نعم. قال له ثانية: و اللّه إنّك لحبيب بن حمّار[ عمار] ؟ فقال : إي و اللّه. قال : أما و اللّه إنّك لحاملها و لتحملّنها، و لتدخلنّ بها من هذا الباب. و أشار إلى باب الفيل بمسجد الكوفة، قال ثابت : فوالله ما مت حتى رأيت ابن زياد ، وقد بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي (ع) ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب ابن حمار ـ عمار ـ صاحب رايته ، فدخل بها من باب الفيل .

إخباره عليه السلام عن حكومة معاوية وظلمه للشيعة

وأن من يطالع نهج البلاغة يجد فيه عبارات كثيرة في إخبار علي (ع) على الملاحم والفتن وظهور بعض السلاطين وخروج صاحب الزنج واستيلائه على البصرة وهجوم المغول وجنكيز على بلاد الإسلام وحكومتهم بها وإخباره (ع) عن سيرة بعض من يدّعون الخلافة وظلمهم الفظيع وعملهم الفجيع للناس عامة وللشيعة خاصة ، ولا سيما إذا راجعتم شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 / 286 ـ 296 و ج 10 / 13 ـ 15 ط. دار إحياء الكتب العربية ، وقد نقل في ج4 / 54 من نفس الطبعة قال : من كلام له ع لأصحابه : أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم ، مندحق البطن ، يأكل ما يجد ، و يطلب ما لا يجد ، فاقتلوه و لن تقتلوه . ألا و إنه سيأمركم بسبي و البراءة مني ، فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة و لكم نجاة ، و أما البراءة فلا تبرءوا مني فإني ولدت على الفطرة و سبقت إلى الإيمان و الهجرة .

فصرح ابن أبي الحديد وغيره من كبار علمائكم ممن شرح نهج البلاغة ، أنه (ع) عنى بهذه الأوصاف معاوية عليه اللعنة ، فهو الذي لما غلب على الشيعة وأصحاب الإمام علي (ع) أمرهم بسبه ولعنه والتبري منه صلوات الله عليه وقتل من أبى منهم وامتنع مثل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .

ولقد دامت هذه السنة السيئة والبدعة الميشومة ثمانين سنة على المنابر والصلوات وفي خطب الجمعات .

إخباره عليه السلام عن مقتل ذي الثدية

ومن إخبار الإمام علي (ع) بالمغيبات ، خبر ذي الثدية في معركة النهروان وكان رأس الخوارج(64) . ولقد أخبر (ع) أيضا في حرب النهروان وقال قبل أن تقع : لا يفلت منهم عشرة ، ولا يهلك منكم عشرة . وكان كما أخبر ولقد روى هذا الخبر أكثر علمائكم وكبار أعلامكم وهو من عبارات نهج البلاغة . وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج5/ ص 3 ، د. دار إحياء التراث العربي / قال في ذيل العبارة وفي شرحها : هذا الخبر من الأخبار التي تكاد تكون متواترة ، لاشتهاره و نقل الناس كافة له . و هو من معجزاته و أخباره المفصلة عن الغيوب(65) .

أليس هذا إخبار بالغيب والعلم بالمستقبل والأمور التي لم تقع بعد ؟ ولو أنصفتم لعرفتم أن مقام الولاية الإلهية والخلافة الربانية التي تجلت في هذا العبد الصالح والولي الفالح يميزه عن سائر الخلفاء ، أين الثرى من الثريا ؟ وأين مدعي الخلافة ممن رفعه الله مقاما عليا ؟!

فإذا لم يكن الإمام علي (ع) متصلا بالعالم الأعلى ومنبع العلم الرباني والعلم اللّدني ، كيف أخبر عن المغيبات وأخبر عن الحوادث التي تقع في المستقبل البعيد أو القريب مثل إخباره عن مقتل ميثم التمار ـ رحمه الله تعالى ـ وأخبر أن قاتله عبيد الله بن زياد وهو يصلبه على جذوع النخل ، وأخبر عن مقتل جويرية ورشيد الهجري وعمرو ابن الحمق الخزاعي على يد عمال معاوية وأعوانه ، وأخبر عن كيفية قتلهم واستشهادهم ، ولقد أخبر عن مقتل ولده الحسين (ع) واستشهاده مع أهل بيته وأنصاره في أرض كربلاء . وهذه الأخبار مذكورة في تاريخ الطبري ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ، ومقتل الحسين أو مناقب الخوارزمي وغيرهم فإنهم ذكروا هذه القضايا بالتفصيل .

إخباره (ع) بأن ابن ملجم قاتله

لقد ذكر أكثر أعلامكم وكبار علمائكم منهم العلامة ابن الأثير في كتابه أسد الغابة : ج4 / 25 ، قال : لما حضر عبدالرحمن بن ملجم المرادي عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنشد قائلا :

أنت المهيمن و المهذب ذو الندى و ابن الضراغم في الطراز الأول

‏الله خصـــك يـــا وصـــي محمـــد و حباك فضلا في الكتاب المنــزل

إلى آخر أبياته . فعجب الحاضرون من طلاقة لسانه وفرط علاقته بالإمام علي (ع) .

وذكر ابن حجر في الصواعق المحرقة 80 ، ط. الميمنية بمصر قال : وروي أن عليا جاءه ابن ملجم يستحمله فحمله ثم قال رضي الله عنه :

أريد حياته و يريد قتلي غديري من خليلي من مرادي

ثم قال : هذا والله قاتلي .

فقيل له : ألا تقتله ؟ فقال : فمن يقتلني ؟ " انتهى " .

فلا يقال : إذا كان يعلم أن ابن ملجم قاتله فلماذا تركه ولم يحبسه ؟!

لأنه سلام الله عليه كان مأمورا بالظاهر ومقيدا بالشرع ، فليس لحاكم أن يعاقب أحدا إلا إذا ارتكب جرما ، فلذا لما قال الأصحاب لعلي (ع) : إذا كنت تعلم أنه قاتلك فاقتله . فقال (ع) : لا يجوز القصاص قبل الجناية .

يقول الكاتب الانجليزي ـ كارليل ـ في كتابه الأبطال : إن علي بن أبي طالب قُتل لعدله .

أي إذا كان ظالما مثل كثير من الملوك والحكام ، وما كان مقيدا بالدين والقانون لقتل ابن ملجم ، كما يقتل الملوك كل من أساءوا الظن فيه حتى إذا كان المظنون أخوهم وإبنهم أو أعز وأقرب الناس إليهم .

ولكن الإمام علي عليه السلام هو الوحيد في التاريخ الذي كان يعرف قاتله ويعرفه الناس ، ولا يقضي عليه وتركه حرا وما حبسه ولا نفاه ، ولما ضربه ابن ملجم بسيفه أوصى وقال صلوات الله وسلامه عليه : انظروا إذا أنا قُتِلتُ من ضربته ، فاضربوه ضربة بضربة ، ولا تمثلوا به ...!

ونستنتج من هذه الأخبار أن من ارتضاه الله تعالى ومنحه علم الغيب يلزم أن يكون معصوما عادلا ، وألا يقوم بالتعدي والظلم استنادا على علمه ، قبل حدوث الجناية وقبل أن يقع شيء مما علمه ، وبذلك يبطل التقدير الإلهي ، وهذا محال . لذا جاء في رواية الصواعق المحرقة آنفا : أن عليا (ع) لما قال : هذا والله قاتلي ـ وأشار إلى ابن ملجم ـ فقيل له (ع) : ألا تقتله ؟ فقال (ع) فمن يقتلني ؟

فأسألكم أيها الحاضرون والمستمعون ! أما تدل هذه الأخبار والروايات في كتب كبار علمائكم ، على علم الإمام علي (ع) بالمغيبات وأنه كان يمتاز عن سائر الناس وسائر الصحابة ، بهذه الميزة العظمى والفضيلة الكبرى ؟

يجب تقديم الأعلم والأفضل

فإن العقلاء في كل زمان ومكان لا يسمحون بتقديم الجاهل على العالم ولا يجوز عندهم متابعة الأفضل للمفضول بل يجب انقياد الجاهل للعالم والمفضول للفاضل .

وإن أفضلية الإمام علي (ع) وأعلميته أمر ثابت لجميع الأمة من الصحابة والتابعين والمتقدمين والمتأخرين حتى أن ابن أبي الحديد في مقدمته على شرح نهج البلاغة قال : الحمد لله الذي ... قدم المفضول على الأفضل .

وهذا التعبير والبيان يثير التعجب في كل إنسان ولا سيما من عالم مثل ابن أبي الحديد ، لأن فيه نسبة عمل خلاف العقل والحكمة إلى الله العليم الحكيم سبحانه وتعالى عما يصفون ! فإن تقديم المفضول على الأفضل مخالف للحكمة والعقل ويأباه كل إنسان ذي فهم وإدراك فكيف بالله عز وجل ؟ وهو يقول في كتابه الكريم : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )(66) ؟

ويقول :( أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )(67)؟

والجدير بالذكر أن ابن أبي الحديد صاحب التعبير الآنف يقول أيضا في شرح نهج البلاغة : ج1/ ص4، طبع مصر : أنه (ع) أفضل البشر بعد رسول الله ص و أحق بالخلافة من جميع المسلمين .

ولقد أمر النبي (ص)المسلمين أن يأخذوا العلم من علي (ع) ويرجعوا إليه من بعده بقوله (ص) : ومن أراد العلم فعليه بالباب ، أو فليأت الباب .

فالذي أمر النبي (ص) الأمة أن يرجعوا إليه ويتعلموا منه أحق بالخلافة والإمامة ، أم غيره ؟!

الشيخ عبد السلام : إذا كان علي كرم الله وجهه هو المقدم كما تزعمون ، لأنه أعلم وأفضل الناس بعد رسول الله (ص) ، فلماذا لم نجد نصا من النبي (ص) يلزم فيه المسلمين على متابعة سيدنا علي كرم الله وجهه ؟

قلت : لا أدري هل الشيخ عبد السلام ـ سلمه الله ـ مبتلى بالنسيان أم يتناسى أحاديثنا السالفة في الليالي الماضية ، فإن أكثر الحاضرين يذكرون ، وكذلك الصحف والمجلات الناشرة للمحاورات السابقة موجودة والكل شاهد على أني ذكرت عشرات الأحاديث النبوية الشريفة من كتبكم ومصادركم الموثوقة ، تتضمن النصوص الخفية والجلية في وجوب متابعة الإمام علي (ع) وإطاعته وعدم مخالفته ، وبعد كل ذلك كأن الشيخ يفتح الموضوع من جديد ويرجع إلى بداية المناقشات فيطالب بالنص الصادر من رسول الله (ص) على وجوب ولزوم متابعة الإمام علي (ع)!

ومع غض النظر عن المناقشات السالفة ، لو أردنا أن نعرف ما الذي ألزم الناس أن يتبعوا رسول الله (ص) ؟ لكان الجواب : لأنه كان (ص) يعلم من الله ما لا يعلمون . فأسأل فضيلة الشيخ : هل علوم النبي (ص) كانت خاصة لهداية البشر في زمان حياته المباركة ، أم كانت كذلك لجميع البشر إلى يوم القيامة ؟

الشيخ عبد السلام : من الواضح أنه كان هديا لجميع البشر إلى يوم القيامة .

قلت : بارك الله فيك .. فإذا لم يكن من رسول الله (ص) أي نص في تعيين الخليفة والإمام إلا حديثه الشريف المتواتر : أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، لكفى في إثبات خلافة الإمام علي (ع) وأنه المعين بالنص الجلي .

ولقد أجمع علماء الإسلام على أن علي بن أبي طالب كان أعلم الأمة وأعلم الصحابة لحديث رسول الله (ص) الذي رواه جمع من كبار علمائكم وأعلام محدثيكم مثل أحمد في مسنده ، والخوارزمي في المناقب ، وأبي نعيم الحافظ في كتابه نزول القرآن في علي ، والعلامة القندوزي في ينابيع المودة ، والعلامة الهمداني في مودة القربى ، وحتى ابن حجر المتعصب في صواعقه وغيرهم بأن النبي (ص) قال : اعلم أمتي علي بن أبي طالب فلا يقاس به أحد من الصحابة في العلم والفضيلة ، كما روى ابن المغازلي في المناقب ، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول ، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين ، والعلامة القندوزي الحنفي في ينابيع المودة / الباب الرابع عشر ، في غزارة علمه (ع) ، روى الكلبي عن عبد الله بن عباس قال : علم النبي (ص) من علم الله ، و علم علي من علم النبي (ص) ، و علمي من علم علي ، و ما علمي و علم الصحابة في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر(68) .

وقال (ع) في آخر الخطبة المرقمة 108 من نهج البلاغة : نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَ مَحَطُّ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلائِكَةِ وَ مَعَادِنُ الْعِلْمِ وَ يَنَابِيعُ الْحُكْمِ .

قال ابن أبي الحديد في شرحه ج 7/ 219 ، ط. دار إحياء الكتب العربية : فأما قوله :

و معادن العلم و ينابيع الحكم يعني الحكمة أو الحكم الشرعي ، فإنه و إن عنى بها نفسه و ذريته ، فإن الأمر فيها ظاهر جدا ، قال رسول الله (ص) : أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب ،و قال (ص) : أقضاكم علي . و القضاء أمر يستلزم علوما كثيرة. ـ وبعد نقله روايات أخرى ـ يقول :

و بالجملة فحاله في العلم حال رفيعة جدا لم يلحقه أحد فيها و لا قاربه ، و حق له أن يصف نفسه بأنه معادن العلم و ينابيع الحكم ، فلا أحد أحق بها منه بعد رسول الله (ص) . انتهى .

وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب : ج3 / 38 ، ومحمد بن طلحة العدوي في مطالب السئول ، والقاضي الأيجي في المواقف ص 276 عن النبي (ص) أنه قال : أقضاكم علي .

وأخرج السيوطي في تاريخ الخلفاء : ص 115 ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء : ج1 / 65 ، ومحمد الجزري في أسنى المطالب : ص 14 ، وابن سعد في الطبقات ، وابن كثير في تاريخه ج7 / 359 ، وابن عبد البر في الاستيعاب : ج4 / 38 ، وابن حجر في صواعقه في الفصل الذي يذكر فيه ثناء الصحابة لعلي (ع) ، وغيرهم أخرجوا عن عمر بن الخطاب أنه قال : علي أقضانا ، ولقد نقل العلامة القندوزي الحنفي في كتاب ينابيع المودة / الباب الرابع عشر / عن كتاب الدر المنظم لابن طلحة الحلبي الشافعي قال : اعلم أن جميع أسرار الكتب السماوية في القرآن وجميع ما في القرآن في الفاتحة وجميع ما في الفاتحة في البسملة وجميع ما في البسملة في باء البسملة وجميع ما في باء البسملة في النقطة التي هي تحت الباء ، وقال الإمام علي كرم الله وجهه : أنا النقطة التي تحت الباء . انتهى وأخرج العلامة القندوزي أيضا في الباب ، عن ابن عباس أنه قال : أخذ بيدي الإمام علي ليلة مقمرة فخرج بي إلى البقيع بعد العشاء وقال : اقرأ يا عبد الله . فقرأت : بسم الله الرحمن الرحيم ، فتكلم في أسرار الباء إلى بزوغ الفجر .

وروى القندوزي في الباب عن الدر المنظم ، وروى الخوارزمي في المناقب ، وابن طلحة العدوي في المطالب : أن أمير المؤمنين (ع) قال : سلوني عن أسرار الغيوب فإني وارث علوم الأنبياء والمرسلين .

وروى القندوزي أيضا في الباب أيضا ، وأحمد في المسند ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : أن عليا (ع) قال على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن طرق السماوات فإني أعرف بها من طرق الأرض .

لا يخفى أن هذا الكلام منه (ع) ـ ولا سيما في ذلك الزمان الذي ما كان البشر بعد يتصور ويفكر في طرق السماوات ، ولا كان يعقل ويصدق بأن للسماوات طرقا كطرق الأرض ـ أكبر دليل على أن علمه كان لدُنيّا ونازلا إليه من رب السماء بواسطة النبي (ص) .

والجدير بالذكر ، أنهم لما سألوه عن الكرات السماوية والأسرار الفلكية ، أجابهم بموجب الاكتشافات العلمية الحديثة وعلى خلاف ما كان يعتقدون آنذاك من نظرية بطلميوس وغيرها .

 

جوابه (ع) عن الكرات السماوية

روى العالم الفاضل والمحدث الجليل الثقة العدل الشيخ علي بن إبراهيم القمي ـ من أعلام القرن الثالث الهجري ـ في كتابه المعروف بتفسير القمي . ضمن تفسيره سورة الصافات ، وكذلك العلامة اللغوي والعالم الديني الورع الزاهد التقي فخر الدين الطريحي في كتابه مجمع البحرين ، وكان يعيش قبل ثلاثمائة سنة تقريبا ، روى في مادة كوكب . وروى العلامة الجليل والمحدث النبيل المولى محمد باقر المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار مجلد السماء والعالم ، قالوا بأنه (ع) سئل عن الكواكب في السماء فقال في جوابهم : هذه الكواكب مدائن مثل المدائن التي في الأرض . تربطها أعمدة من نور.

هذا الكلام ـ في ذلك الزمان الذي ما كانت فيه هذه الوسائل والآلات الكاشفة للكرات والسيارات الفلكية ـ يعد من المعاجز العلمية التي تدل على أن قائلها إنما كان يستوحي علمه من السماء ومن الخالق العظيم ، لأن هذا الكلام على خلاف ما كان يعتقد العلماء و الفلكيون في ذلك العصر . وبعد مضي أكثر من ألف سنة انكشف صحة كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) . ولقد كان لأولاده الأئمة المعصومين سلام الله عليهم كلام من هذا القبيل أيضا وهو كثير وقد جمعه أحد علمائنا الكبار في كتاب سماه ـ الهيئة والإسلام ـ .

حديث مع المستشرق الفرنسي مسيو جوئن

من المناسب أن أحدثكم بحديث حدث في سفري هذا من العراق إلى بلادكم وهو : أني لما ركبت السفينة والباخرة من ميناء البصرة وتوجهت إلى الهند ، صادف أن رافقني في الغرفة التي كنت فيها المستشرق الفرنسي مسيو جوئن وكان يجيد العربية والفارسية إلى جانب لغته الفرنسية فتصادقنا مدة سفرنا الذي طال أياما كثيرة وكنت وإياه في طول الطريق نتحادث عن الأمور العلمية والدينية وكنت مهتما بإرشاد الرجل إلى الإسلام من خلال حديثي عن اعتقاداتنا الحقة وتعاليم ديننا السامية الواصلة إلينا من النبي (ص) وأهل بيته وعترته والتي تشكل مذهب الشيعة الإمامية .

وفي يوم من الأيام أقر الرجل وقال : إني أعترف بأن دين الإسلام يشتمل على تعاليم سامية ، وعقائد عالية ومعنويات عظيمة ، بحيث لا توجد مثلها في سائر الأديان وحتى المسيحية ولكن أتباع الديانة المسيحية توصلوا في الاكتشافات العلمية والاختراعات الصناعية .

وتقدموا في الأمور المادية إلى بعد الغايات وسبقوا المسلمين وأتباع الديانات الأخرى في توفير وسائل الراحة والسعادة في الحياة .

قلت له : كلامك صحيح ولا ننكر ذلك ، ولكن أساس هذه العلوم التي أدت إلى تلك الاكتشافات العلمية والاختراعات الصناعية بيد الغربيين كان منبعها وأساسها من الإسلام والمسلمين ، والتاريخ يشهد بأن الغربيين إلى القرن الثامن الميلادي كانوا يعيشون في بربرية وهمجية ، في حين كان المسلمون يحملون راية العلم وكانوا آنذاك دعاة التمدن والتقدم والصلاح ، كما يعترف بذلك كبار أعلامكم مثل ارنست رنان الفرنسي ، وكارليل الانجليزي ، وندرمال الألماني وغيرهم .

وقبل أيام وجدت كتابا عند أحد زملائي الكرام وهو النواب محمد حسين خان قزلباش ، من شخصيات الهند ، يقيم في كربلاء والكاظمية ، ناولني ذلك الكتاب وقال أنه كتاب قيم كتبه أحد المستشرقين الفرنسيين وترجمه من الفرنسية إلى الهندية السيد الفاضل والعالم الكامل السيد علي بلجرامي الهندي ، واسمه : تاريخ تمدن العرب لمؤلفه جوستان لوبون الحائز على شهادات الدكتوراه في الطب والحقوق والاقتصاد .

قال النواب محمد حسين خان : ولقد أثبت فيه المؤلف بالدلائل والبراهين بأن كل ما عند الغربيين من العلم والتمدن والصناعات وحتى التعاليم الأخلاقية وآداب المعاشرة والإدارة وسياسة البلاد وتدبير الجيوش والعساكر والمهام الاجتماعية والفردية وغيرها ، إنما اكتسبوها وتعلموها من العرب ، فإن العرب سبقوا كل الشعوب والملل إلى هذه الأمور الحسنة .

ومن الواضح أن المقصود من العرب ، هم المسلمون لأن العرب قبل ظهور الإسلام ، كانوا يعيشون في جاهلية وبربرية بحيث سماهم المؤرخون بعرب الجاهلية ولكنهم بفضل الإسلام أصبحوا رواد العلم والتمدن والصلاح والنظام في العالم .

فقال المسيو جوئن : نعم إني طالعت وقرأت هذا الكتاب في باريس .

فإن المؤلف الدكتور جوستاف لوبون زميلي ولقد أهدى لي كتابه بيده ، وهو كتاب علمي تحقيقي تاريخي استدلالي .

مقال جوستاف لوبون في تأثر الغرب بالتمدن الإسلامي

ولقد ترجم لي الأستاذ صادق خان قزلباش وهو يسكن مدينة الكاظمية أيضا . بعض أوراق ذلك الكتاب ، منها الفصل الثاني من الباب العاشر تحت عنوان : تأثير الغرب بالتمدن الإسلامي ، وأنا أشكره كثيرا . وأقدم إليكم هذا المقال بالمناسبة يقول جوستاف لوبون : إن أثر التمدن الإسلامي في الغرب لايقل عن الأثر الذي أوجده في الشرق ، وبالإسلام تمدنت أوروبا . وإذا أردنا أن نعرف مدى هذا التأثير ، يلزم أن نطالع تاريخ أوربا قبل ظهور الإسلام .

ففي القرن التاسع والعاشر الميلادي أي في الزمن الذي وصل التمدن الإسلامي إلى القمة في بلاد أسبانيا ـ الأندلس سابقا ـ وحصل التقدم العلمي والحضاري والاجتماعي والتجاري في تأسيس مراكز ، لم يكن في كل بلاد الغرب مركز واحد للعلم والحضارة ، أو تعليم الآداب الاجتماعية والتجارية . وكان كل شيء منحصرا في الكنائس وفي يد القساوسة والرهبان الجاهلين الذين كانوا يدعون العلم والمعرفة ويجبرون الناس على الالتزام والتمسك بالانحرافات والخزعبلات التي كانوا ينسبونها إلى الدين !

ومن القرن الثاني عشر الميلادي توجه بعض الغربيين إلى الأندلس ودخلوا المراكز العلمية التي أسسها هناك وتلمّذوا عند العلماء المسلمين ، وأصبحوا علماء فاهمين وعادوا إلى بلاد أوربا ، وعملوا لإنقاذ شعوبهم من جهل القساوسة والخرافات المنتسبة إلى الدين .

فكل علماء العالم يجب أن يعرفوا حق المسلمين وتأثير التعاليم الإسلامية في انتشار العلم وترغيب الناس في تحصيل العلوم ، ولا سيما علماؤنا في الغرب يجب أن يعرفوا أن للمسلمين حق الحياة عليهم ، ولو سمينا تمدن الغرب بتمدن الإسلام والعرب كان صحيحا .

هذا رأي أحد المستشرقين وأحد علمائكم المحققين ، وأنت مثل كثير من الأوربيين تفتخر وتتباهى بالاكتشافات والاختراعات الحديثة في الغرب وتنسون ذلك الماضي المظلم ولا تتفكرون في النور الذي أزاح عنكم ذلك الجهل والظلام المطبق والنور هو نور الإسلام والعلم الذي أوصلكم بفضل الإسلام ولو طالعتم وقرأتم تاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام أيضا ، لرأيتهم أسوأ حالا من الغربي آنذاك ، فلا علم ولا نظام ولا جولة ولا قانون و...

ولما جاءهم الإسلام فبفضل خاتم الأنبياء والتعاليم السامية التي جاء بها من عند الله عز وجل صارت الجزيرة من أرقى بلاد العالم ، وانطلق منها المسلمون ينشرون تلك التعاليم الراقية والأحكام العالية ، في حين كانت باريس التي هي اليوم مهد التمدن والحضارة الحديثة ، كانت يومذاك تعاني من البربرية والوحشية الحاكمة بين أهلها بكل ضرواة وقسوة .

قلت لمسيو جوئن : إنكم تعلمون أن أوربا في القرن السابع والثامن الميلادي في عهد الإمبراطور شارلمان ملك فرنسا ، حصلت على شيء من النظام والتقدم الحضاري والاجتماعي ولكن لا تقاس مع البلاد الإسلامية حينذاك ، ولقد كانت الروابط والعلاقات الدبلوماسية حسنة بين شارلمان وبين هارون الرشيد ولتوثيق العلاقات بودلت بينهما هدايا وتحف ، بدأ بها الإمبراطور شارلمان وأجابه هارون بإرسال جملة من الهدايا مثل المجوهرات الثمينة والملابس الفاخرة التي كانت من صنع وحياكة المسلمين ، وكان منها فيل كبير لم يرى الأوربيون مثله في بلادهم ، وبعث ساعة كبيرة صنعها المسلمون العرب وكانت تبين ساعات الليل والنهار بدقات منظمة رنانة بصوت يحدث على أثر سقوط أثقال حديدية في طاسة كبيرة برونزية وقد نصبها الفرنسيون على المدخل الرئيسي لعمارة الحكومة والتي كان الإمبراطور يسكنها ، هذا ما أثبته ونقله الدكتور جوستاف لوبون في كتابه ونقله أيضا غيره من المستشرقين والعلماء الغربيين . وإن أحببتم أن تعرفوا التمدنين الإسلامي والغربي في ذلك الزمان فراجعوا تواريخكم وطالعوا قضية إرسال هدايا الرشيد إلى الإمبراطور شارلمان وتلك الساعة التي تعد أول ساعة من نوعها في أوربا ، والجدير بالذكر أن المؤرخين الغربيين يكتبون أنه لما نصبت هذه الساعة على المدخل الرئيسي لبيت الإمبراطور ، اجتمع الناس ينظرون إليها متعجبين فلما رأوا حركات المؤشرات وسمعوا تلك الدقات الرنانة التي كانت تحدث على أثر سقوط كريات حديدية في الطاسة البرونزية ، قالوا فيما بينهم إن الشيطان الذي كان الرهبان والقساوسة يحذروننا منها وأنها أكبر عدو للإنسان قد اختفى في هذا الشيء ، وهو الذي يحرك المؤشرات ويلقى الكريات في الطاسة ، فأخذوا المعاول والفؤوس وهجموا نحو دار الحكومة وبيت الإمبراطور ، فلما عرف الملك كلامهم وعرف أن مقصدهم هدم الساعة وتحطيمها دخل معهم من باب المفاوضة والتفاهم ، فاختاروا من بينهم كبارهم فصعدوا عند الساعة ونظروا إلى كيفية عملها ومحركاتها ، وفتشوها فلم يجدوا فيها غير قطعات خشبية وحديدية وبرونزية ، فتنازلوا عن رأيهم واعتذروا إلى الإمبراطور !!

فالمسلمون كانوا متقدمين وسابقين على الغربيين في هذه العلوم والفنون والصناعات والاكتشافات بل هم المؤسسون لأكثر هذه الأشياء والعلوم والفنون إلا أنهم تكاسلوا بعد حين واغتروا فسبقهم الغربيون وتقدموا عليهم بما تعلموه منهم .

ثم إن تقدم الغربيين لا يرتبط بالسيد المسيح (ع) وبدينه حتى تقولوا بأن أتباع المسيح تقدموا على المسلمين ، فإذا كان هذا الكلام صحيحا ، فلماذا عاش أتباع المسيح (ع) في وحشية وبربرية وجاهلية جهلاء قريب الألف عام بعد صلب السيد المسيح على حد زعمكم ولم يتحولوا ولم يتأدبوا بالآداب ولم يتقيدوا بالقانون والأحكام إلا بعد انتشار الإسلام في العالم .

وقد طال الحديث حول الموضوع في ذلك .

الإمام علي عليه السلام والاكتشافات الحديثة

ثم قلت له : أن الفرق بين أئمة الإسلام وبين علماء العالم غير الأنبياء ، أن العلماء توصلوا إلى ما توصلوا من الاكتشافات بالأسباب والوسائل ، ولكن أئمتنا كشفوا عن كثير من الأسرار بغير وسائل وآلات . ثم قرأت عليه بعض الأخبار المروية عن أئمة أهل البيت (ع) في تعريف وتوصيف بعض الحشرات الصغيرة التي لا ترى بالعين المجردة ، وقد وصفوها في زمن لم تكن المكرسكوبات وأمثالها مخترعة بعد واليوم بعد مضي اكثر من ألف سنة توصل علماؤكم الغربيون إلى تلك الأوصاف بالآلات الحديثة والأجهزة الدقيقة . وكذلك كلامهم (ع) في الكرات السماوية والسيارات الفلكية ، فأنتم اليوم تتباهون وتفتخرون ببعض مكتشفاتكم الفلكية والمجرات والأقمار والسيارات الفضائية وقد توصلتم إليها بالأجهزة الاكتشافية والآلات العظيمة بينما توصل إليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بدون أجهزة وآلات ، ومثال ذلك أنه لما سئل عن الكواكب والنجوم ، قال : إنها مدائن مثل المدائن التي في الأرض . فلما قرأت عليه هذا الخبر ـ أطرق مسيو جوئن إلى الأرض متفكرا ـ .

ثم قال : أرجوك أن تذكر لي الكتب التي نقلت هذا الخبر قبل اختراع التلسكوب والاكتشافات الحديثة .

فذكرت له الأسماء المصادر القديمة فسجلها وكتب نص الخبر ، وقال : أنا الآن في طريقي إلى باريس وسأنزل في لندن وأراجع مكتباتها العامة لغرض الحصول على هذه المصادر التي سجلتها . وإن لم أجد هذه المصادر في لندن فسوف أفتش عنها في باريس وفي سائر بلاد أوروبا ، فإذا كان الخبر كما نقلتم وذكرتم في تلك المصادر القديمة ـ التي كتبت قبل اختراع هذه الآلات والأجهزة ـ عن الكرات السماوية والعوالم الفلكية فسأختار الديانة الإسلامية ، لأن الذي يخبر عن الكرات السماوية في ذلك الزمان بهذه الدقة والصحة وبدون أجهزة وآلات ، إنما يكون متصلا بالخالق العظيم ويكتسب معلوماته منه ، والذي يكون متصلا بخالق الكون يلزم أن يكون قد أخذ دينه أيضا من الخالق ، ودينه الحق ، ونحن يجب علينا أن نتبعه ونأخذ ديننا منه ، [ انتهى ] .

أيها الحاضرون الكرام .. هذا حكم ورأي رجل عالم فاهم وهو بعيد عن الخلافات المذهبية الحادثة بين المسلمين ولكنه حكم على أساس القاعدة العلمية والأصول العقلية . وعليها يجب أن نعرف أيضا المتصل بخالق الكون والآخذ علومه ودينه منه عز وجل حتى نتبعه ونقتدي به .

وليس بعد رسول الله (ص) أحد على هذه الصفة إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) إذا كان أعلم الأمة وأفضلهم وأورعهم وأعلاهم حسبا ونسبا وهو التلميذ الأوحد الذي احتوى على كل علوم خاتم الأنبياء محمد (ص) ، وهو منتهى كل العلوم التي انتشرت بعد النبي (ص) بين المسلمين واكتسبه العلماء في الدين .

ابن أبي الحديد يصف علوم الإمام علي عليه السلام

قال ابن أبي الحديد في مقدمته على شرح نهج البلاغة : و ما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة ، و تنتهي إليه كل فرقة ، و تتجاذبه كل طائفة ، فهو رئيس الفضائل و ينبوعها و أبو عذرها ، و سابق مضمارها ، و مجلي حلبتها ، كل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، و له اقتفى ، و على مثاله احتذى . و قد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الإلهي لأن شرف العلم بشرف المعلوم ، و معلومه أشرف الموجودات ، و من كلامه (ع) اقتبس ، و عنه نقل ، و إليه انتهى و منه ابتدأ ... و من العلوم علم الفقه و هو (ع) أصله و أساسه ، و كل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه و مستفيد من فقهه ... ، و من العلوم علم تفسير القرآن و عنه أخذ و منه فرع ، و إذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ... و من العلوم علم الطريقة و الحقيقة و أحوال التصوف و قد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون ، و عنده يقفون ...

و من العلوم علم النحو و العربية ، و قد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه و أنشأه ، و أملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه و أصوله ، من جملتها: الكلام كله ثلاثة أشياء : اسم و فعل و حرف ، و من جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة و نكرة ، و تقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع و النصب و الجر و الجزم .

و هذا يكاد يلحق بالمعجزات ، لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر ، و لا تنهض بهذا الاستنباط. " انتهى" .

في ذكرى ميلاد الإمام الحسين عليه السلام

هذه الليلة ليلة ميلاد الإمام أبي عبد الله الحسين سبط رسول الله (ص) فبهذه المناسبة أنقل هذا الخبر الذي رواه جمع من المحدثين والعلماء منهم شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين :ج2:151 ، تحت رقم 446 ، وهو من أعلامكم وكبار علمائكم ، وأنقل منه الخبر بسنده عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : إن لله تبارك و تعالى ملكا يقال له دردائيل فسلبه الله أجنحته... فلما ولد الحسين (ع) أوحى الله تعالى إلى مالك خازن النار أن أخمد النيران عن أهلها لكرامة مولود ولد لمحمد (ص) في دار الدنيا، و أوحى إلى رضوان خازن الجنان أن زخرف الجنان و طيبها لكرامة مولد ولد لمحمد (ص) في دار الدنيا ، و أوحى الله إلى الملائكة أن قوموا صفوفا بالتسبيح و التحميد و التمجيد و التكبير لكرامة مولود ولد لمحمد (ص) في دار الدنيا و أوحى الله عز و جل إلى جبرئيل (ع) أن اهبط إلى نبيي محمد (ص) في ألف قبيل من الملائكة ... أن هنئوا محمدا (ص) بمولوده و أخبره إني قد سميته الحسين فهنئه و عزه و قل له : يا محمد يقتله شرار أمتك ... فويل للقاتل و ويل للسائق و ويل للقائد .

قاتل الحسين أنا منه بري‏ء و هو مني بري‏ء لأنه لا يأتي يوم القيامة إلا و قاتل الحسين أعظم جرما منه ، قاتل الحسين يدخل النار يوم القيامة مع الذين يزعمون أن مع الله إلها آخر، و النار أشوق إلى قاتل الحسين ممن أطاع الله .

فهبط جبرئيل على النبي (ص) فهنأه كما أمره الله عز و جل و عزاه ، فقال النبي (ص) : أتقتله أمتي ؟ قال : نعم ... فقال النبي (ص) : ما هؤلاء بأمتي ، أنا بري‏ء منهم ، و الله بري‏ء منهم ، قال جبرئيل : و أنا بري‏ء منهم .

فدخل النبي (ص) على فاطمة (ع) فهنأها و عزاها ، فبكت فاطمة (ع) ثم قالت : يا ليتني لم ألده . قاتل الحسين في النار . فقال النبي (ص) : و أنا أشهد بذلك يا فاطمة ، و لكنه لا يقتل حتى يكون إماما ، يكون منه الأئمة الهادية هم : الهادي علي ـ والمهتدي الحسن ـ والعدل الحسين والناصر علي بن الحسين ـ والسفاح(69) محمد بن علي ، والنفاع جعفر بن محمد ـ والأمين موسى بن جعفرـ والمؤتمن علي بن موسى ـ والإمام محمد بن علي ـ والفعال علي بن محمد ـ والعلام الحسن بن علي ـ و من يصلي خلفه عيسى ابن مريم " المهدي ع" فسكنت فاطمة من البكاء ثم أخبر جبرئيل النبي (ص) بقضية الملك [ دردائيل ] و ما أصيب به .

قال ابن عباس : فأخذ النبي (ص) الحسين ... فأشار به إلى السماء ، ثم قال : اللهم بحق هذا المولود عليك لا بل بحقك عليه ... فارض عن دردائيل و رد عليه أجنحته و مقامه ... فرد الله تعالى أجنحته ومقامه ... " الحديث " .

فيا إخواني ، أيها الحاضرون ، فكروا وأنصفوا هل بعد هذا الخبر وأمثاله وبعد هذه المناقشات والمحاورات التي دارت بيننا في هذه الليالي العشرة ، يبقى شك ويوجد ريب عندكم ، بأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) هو الخليفة والإمام على أمة الإسلام بعد النبي (ص) ، ومن بعده الأئمة الكرام من أبنائه الهادين المهديين بأمر الله الخالق العلام ؟

ثم رفعت يدي إلى السماء وقلت : اللهم اشهد أني كشفت لهم الحقائق وأوضحت لهم طريق الحق من بين الطرائق بالدليل والاحتجاج ، فإن رفضوه وأصروا على باطلهم فقد سلكوا سبيل الغي عن عناد ولجاج .

النواب يعلن تشيعه

النواب : أيها السيد الجليل ! أنا وجماعة من زملائي حضرنا كل مجالس البحث والحوار بكل ولع ولهفة واستمعنا المناقشات وتتبعنا الأحاديث والمواضيع المطروحة بالفكر والدقة شوقا إلى معرفة الحق وكشف الحقيقة .

وقد ثبت عندنا وظهر لنا في كل ذلك بأن الحق معكم وفيكم . وكنا نظن من قبل ، عكس ذلك بل كنا على يقين بأننا على حق وأنتم على باطل .

ولكن بعد المحاورات والمناظرات الكثيرة التي دارت بينكم وبين جمع من علمائنا في هذا المجلس العام وتناقلتها الصحف والمجلات ، ظهر الحق وزهق الباطل ، وأنا على يقين بأن كثيرا من الحاضرين ومن البعيدين اللذين قرأوا الصحف وتتبعوا المناقشات أيضا سوف يعلنون ما نعلنه الآن أنا وزملائي وهم من الأعيان والشخصيات المعروفة في هذه البلاد ، أما أنا فاسمي نواب عبد القيوم ، وزملائي هم : السيد أحمد علي شاه ، وغلام إمامين ، وغلام حيدر خان ، وعبد الأحد خان ، وعبد الصمد خان نعلن أننا منذ الآن على مذهب الشيعة الإمامية ، فإننا اعتنقنا مذهب أهل البيت ، ونعلن في هذا المجلس بأن الإمام علي مع الحق والحق مع علي (ع) كما أعلن النبي (ص) ، ونعتقد بأنه الخليفة الأول لرسول الله (ص) وأن الذين تقدموا عليه ، إنما غصبوا حقه وظلموه ، ونعتقد بأن الأئمة بعده هم أبناؤه : الإمام الحسن سبط رسول الله (ص) ، وبعده الحسين شهيد كربلاء ، وبعده التسعة المعصومون من أبناء الحسين . ونحن إنما تركنا مذهب آبائنا وطريقة أسلافنا عن علم ويقين وإيمان بما صرنا إليه واعتنقناه .

قلت : أحمد الله وأشكره إذ هداكم إلى الحق ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

وأحمد الله وأشكره على ما وفقني من بيان الحق وتوضيح الحقائق ، وأنا فرح ومسرور جدا بتشيعكم واعتناقكم مذهب أهل البيت (ع) وأسأل الله تعالى أن يوفق الأخوة الآخرين أيضا بالتفكر والتحقيق وترك التعصب والعناد ، فإن الحق واضح لمن أراده .

ثم قمت من مجلسي وقام الجمع وأقبل نحوي النواب عبد القيوم مع زملائه المتشيعين المهتدين فاحتضنتهم وعانقتهم وهم قبلوا جبهتي وقبلتهم .

فقال الحافظ مودعا : إنا فتنا بحسن بيانكم وقوة احتجاجكم وطيب أخلاقكم ، وإن فراقكم يعز علينا ، ولو كانت مجالستكم تطول شهورا ما مللناها وكنا نلتزم بالحضور .

قلت : أشكر ألطافكم وحضوركم ، وإن الأيام بيننا كثيرة ، وأنا أفارقكم وأسافر ، على أمل الرجوع إليكم واللقاء معكم إن شاء الله تعالى .

ثم تقدم إلي سائر العلماء ، وبعدهم الشخصيات والأعيان الذين كانوا في المجلس ، وكل أبدى أسفه من اختتام مجالسنا وكانوا يبدون شوقهم ورغبتهم في استمرار المناقشات ، وكنت أقول لهم : أسأل الله تعالى أن يوفقني للسفر إليكم مرة أخرى وأن نجلس معكم ونحادثكم أكثر مما جالسناكم وحادثناكم .

وهكذا انتهت الليالي العشرة والمحاورات، وكل من الطرفين كان متلهفا ومتعطشا لاستمرارها.

أسأل الله تعالى أن يوفق جميع المسلمين لقبول الحق وأن يفتحوا بينهم باب التفاهم والحوار السليم لمعرفة الحق والصراط المستقيم ، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .

 

(1) سورة النساء ، الآية 20.

(2) سورة الزمر ، الآية 30 .

(3) سورة آل عمران ، الآية144 .

(4) سورة الزمر ، الآية 30 .

(5) سورة آل عمران ، الآية144 .

(6) وأخرج الكنجي في الباب قبل هذه القضية ، قضية أخرى قال : روى أن عمر أمر برجم امرأة ولدت لستة اشهر ، فرفع ذلك إلى علي (ع) ، فنهاهم عن رجمها وقال : أقل مدة الحمل ستة أشهر. فأنكروا ذلك . فقال : هو في كتاب الله تعالى ، قوله عز اسمه : (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ثم بين مدة إرضاع الصغير بقوله : (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين)، فتبين من مجموع الآيتين أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ، فقال عمر : لولا علي لهلك عمر .

أقول : لقد اشتهر هذا القول من عمر في حق الإمام علي (ع) في كتب أعلام العامة حتى كاد أن يكون من المتواترات المسلم صدورها منه ، حتى أن سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص فتح فصلا بعنوان : (فصل في قول عمر : أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن ، وما ورد في هذا المعنى) ثم نقل قضايا كثيرة حكم فيها الإمام علي(ع) ، كان عمر يجهلها ولذا كرر قوله : لولا علي لهلك عمر أو ما بمعناه . " المترجم "

(7) ذكر هذه القضية ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج12 /205 ، ط إحياء الكتب العربي ذكرها ضمن المطاعن الواردة على عمر ، قال : الطعن الثالث ، خبر المجنونة التي أمر برجمها. فنبهه أمير المؤمنين (ع) وقال : إن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق . فقال عمر : لولا علي لهلك عمر . وذكر بحثا طويلا في الموضوع ، فراجع. " المترجم"

(8) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج1 / 181 ، دار إحياء الكتب العربية : وكان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه . ويفتي بضده وخلافه .

وروى في ج12 قضايا تدل على عدم فهمه لدقائق القرآن . فقال في صفحة 15 : مر عمر بشاب من الأنصار وهو ضمآن فاستسقاه ، فخاض له عسلا ، فرده ولم يشرب وقال : إني سمعت الله سبحانه يقول : ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ) الأحقاف : 20 ، فقال الفتى : إنها والله ليست لك ، فاقرأ يا أمير المؤمنين ما قبلها : (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا . . ) الخ ، أفنحن منهم ! فشرب وقال : كل الناس أفقه من عمر !

وروى في صفحة 17 قال : وكان يعس ليلة فمر بدار سمع فيها صوتا ، فارتاب وتسور ، فرأى رجلا عند امرأة وزق خمر ، فقال : يا عدو الله ، أظننت أن الله يسترك وأنت على معصية ! فقال :

لا تعجل يا أمير المؤمنين ! إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت [أنت] في ثلاث : قال الله تعالى:

(ولا تجسسوا) الحجرات : 12 ،وقد تجسست .

وقال : (وأتوا البيت من أبوابها) البقرة : 189 . وقد تسورت .

وقال : (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا) النور : 61 . وما سلمت . فقال : هل عندك من خير إن عفوت عنك ؟ قال : نعم ، والله لا أعود . فقال : إذهب فقد عفوت عنك .

وروى في صفحة 33 قال : خرج عمر يوما إلى المسجد وعليه قميص في ظهره أربع رقاع ، فقرأ "سورة عبس" حتى انتهى إلى قوله : (وفاكهة وأبا) فقال ما الأب ؟ ثم قال : إن هذا لهو التكلف !

وما عليك يابن الخطاب ألا تدري ما الأب ؟!

وقال في صفحة 69 : أسلم غيلان بن سلمة الثقفي عن عشر نسوة ، فقال له النبي (ص) : اختر منهن أربعا وطلق ستا ، فلما كان على عهد عمر طلق نساءه الأربع ،وقسم ماله بين بنيه ، فبلغ ذلك عمر فأحضره فقال له : إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع ، سمع بموتك فقذفه في نفسك ، ولعلك لا تمكث إلا قليلا ! وأيم الله لتراجعن نساءك ، ولترجعن في مالك ، أو لأورثنهن منك ، ولآمرن بقبرك فيرجم ، كما رجم قبر أبي رغال .

أقول : لا أدري بأي دليل من القرآن والسنة أصدر هذا الحكم ؟! ولا يخفى أن حكمه مخالف لحكم الله ورسوله (ص) .

ونقل في صفحة 102 قال : وجاء رجل إلى عمر . فقال : إن ضبيعا التميمي لقينا فجعل يسألنا عن تفسير حروف من القرآن . فقال : اللهم أمكني منه ، فبينا عمر يوما جالس يغدي الناس إذ جاءه الضبيع وعليه ثياب وعمامة ، فتقدم فأكل ، حتى إذا فرغ ، قال : يا أمير المؤمنين ما معنى قوله تعالى : (والذاريات ذروا * فالحاملات وقرا ) ؟ سورة الذاريات : 1و2 .

قال : ويحك أنت هو فقام إليه فحسر عن ذراعيه ، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته ، فإذا له ضفيرتان ، فقال : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك ، ثم أمر به فجعل في بيت [أي حبسه] ثم كان يخرجه كل يوم فيضربه مائة ، فإذا أبرأ أخرجه فضربه مائة أخرى ، ثم حمله على قتب وسيره إلى البصرة ، وكتب إلى أبي موسى يأمره أن يحرم على الناس مجالسته ، وأن يقوم في الناس خطيبا ، ثم يقول : إن ضبيعا قد ابتغى العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعا في قومه وعند الناس حتى هلك ، وقد كان من قبل سيد قومه .

أقول : ليت شعري بأي حق عامل الرجل بهذه القسوة !! وبأي مستند شرعي أو عرفي حكم على الضبيع بالنفي من بلده وقومه ؟! وذلله بعد أن كان سيدا عزيزا ، أكان يحق لعمر ذلك ؟ أكان الضبيع يستحق ذلك الضرب والهتك والتبعيد و. . .؟!! " المترجم "

(9) هذا الخبر ذكره جمع كثير من علماء العامة وأعلامهم منهم :

الحاكم النيسابوري في المستدرك رواه عن سعيد بن المسيب ورواه عنه أيضا ابن عبد البر في الإستيعاب : ج2/ 484 ، ورواه محب الدين الطبري في ذخائر العقبى / 82 ، فإنه بعد ما ذكر مراجعة عمر بن الخطاب إلى الإمام علي (ع) في حكم المرأة التي ولدت لستة أشهر ، قال وعن سعيد بن المسيب أنه قال : كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن . قال الطبري : أخرجه أحمد بن حنبل وأبو عمر .

وروى العلامة سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص مسائل وقضايا شتى راجع فيها عمر عليا (ع)

واخذ منه حكمها ، وذكرها في فصل بعنوان : (فصل في قول عمر ابن الخطاب : أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن ، وما ورد في هذا المعنى ) فنقل في أوله مقال سعيد بن المسيب عن

كتاب "الفضائل" لأحمد بن حنبل ، ثم نقل قضايا ، قال عمر في إحداها : لولا علي لهلك عمر .

وقال في أخرى : اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب .

وقال في أخرى : لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب .

ونقل المتقي في كنز العمال : ج3 / 53 ، عن عمر أنه قال : اللهم لا تنزل بي شدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي .

وروى الطبري أيضا في ذخائر العقبى / 82 ، مراجعة عمر في قضاياه المعضلة وأموره المشكلة،

ثم قوله : اللهم لا تنزلن بي شديدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي ، وذكر أن عمر كان يقول لعلي إذا سأله ففرج عنه : لا أبقاني الله بعدك يا علي .

وقال الطبري : وعن أبي سعيد الخدري أنه سمع عمر يقول لعلي ــ وقد سأله عن معضل فأجابه ــ :

أعوذ بالله أن أعيش في يوم لست فيه يا أبا الحسن .

والعبارات في هذا المعنى كثيرة جدا . " المترجم"

(10) سورة المائدة ، الآية 6.

(11) لا يشك المحقق البصير والمدقق الخبير ، بأن أحدا من أصحاب النبي (ص) لا يقاس بالإمام علي

(ع) في العلم والمعرفة ، فهو أعلمهم قاطبة وكلهم كانوا يحتاجون إليه في علم الدين وكانوا

يراجعونه في المسائل والأحكام وكان غنيا عنهم ، روى العلامة القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع

المودة / الباب الرابع عشر في غزارة علمه (ع) ، روايات كثيرة في هذا المعنى وكلها من الكتب

المعتبرة لدى العامة .

فقال : وعن الكلبي ، قال ابن عباس : علم النبي (ص) من علم الله سبحانه وعلم علي من علم النبي

(ص) ، وعلمي من علم علي . وما علمي وعلم الصحابة في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر .

وفي أواخر الباب روى عن المناقب ، عن عمار بن ياسر (رض) قال : كنت مع أمير المؤمنين (ع)

سائرا فمررنا بواد مملوءة نملا . فقلت : يا أمير المؤمنين ترى أحدا من خلق الله تعالى يعلم عدد هذا

النمل ؟

قال : نعم يا عمار ، أنا أعرف رجلا يعلم عدده ، ويعلم كم فيه ذكر وكم فيه أنثى .

فقلت من ذلك الرجل ؟

فقال : يا عمار ما قرأت في سورة يس ، الآية 12 : (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) !

فقلت : بلى يا مولاي ، قال : أنا ذاك الإمام المبين .

وروى أيضا عن أبي ذر (رض) قال : كنت سائرا مع علي (ع) ، إذ مررنا بواد نملة كالسيل ، فقلت : الله أكبر جل محيصه فقال (ع) : لا تقل ذلك ، ولكن قل جل بارؤه . فوالذي صورني وصورك ، إني أحصي عددهم ، وأعلم الذكر منهم والأنثى بإذن الله عز وجل .

أيها القاريء الكريم : الروايات في باب إحاطة علم الإمام علي (ع) بالأشياء كثيرة في كتب الفريقين

وقد ذكرت نموذجا منها . " المترجم "

(12) وذكر ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة : 24 و25 ، طبع دار إحياء الكتب العربية : ولما قال محفن بن أبي محفن لمعاوية : جئتك من عند أعيا الناس ـ وقصد عليا (ع) ـ قال له : ويحك ! كيف يكون أعيا الناس ! فوالله ما سن الفصاحة لقريش غيره . " المترجم"

(13) سورة الأنفال ، الآية 28.

(14) سورة يونس ، الآية 35.

(15) سورة الزمر ، الآية 9.

(16) سورة الزخرف ، الآية 23.

(17) سورة الذاريات ، الآية 55 .

(18) سورة الصافات، الآية 24.

(19) رواه جمع كثير من كبار علماء العامة وأعلامهم ، منهم ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة في

الفصل الأول من الباب الحادي عشر، يذكر فيه الآيات النازلة في فضل أهل البيت (ع) ، فقال :

الآية الرابعة ، قوله تعالى : (وقفوهم إنهم مسئولون) أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أن النبي

(ص) قال : وقفوهم إنهم مسئولون ، عن ولاية علي [انتهى كلام ابن حجر] .

وأخرجه العلامة الألوسي في تفسيره المسمى بروح المعاني ، في تفسير الآية ، ورواه العلامة الكشفي الترمذي في (مناقب مرتضوي) نقل عن ابن مردوية في مناقبه وعن أحمد بن حنبل في مسنده ، عن أبي سعيد الخدري أنه : يسئل في القيامة عن ولاية علي بن أبي طالب .ونقل عن

فردوس الأخبار عن ابن عباس وأبي سعيد قالا عن النبي (ص) قال : يسئلون عن الإقرار بولاية

علي بن ابي طالب . وأخرجه الشيخ أبو بكر بن مؤمن في كتاب رسالة الإعتقاد : وأخرج العلامة

الكنجي في كتابه كفاية الطالب / الباب الثامن والستون / صفحة 120 ، طبع مطبعة الغري .

قال : وروى ابن جرير الطبري ، وتابعه الحافظ أبو العلاء الهمداني . وذلك ذكره الخوارزمي عن

أبي إسحاق عن ابن عباس في قوله تعالى : (وقفوهم إنهم مسئولون) يعني : عن ولاية علي(ع) .

ورواه العلامة أبو نعيم الحافظ في كتابه ما نزل من القرآن في علي .

وأخرج سبط بن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / الباب الثاني / قال : ومنها في الصافات قوله

تعالى : (وقفوهم إنهم مسئولون) . قال : قال مجاهد : عن حب علي (ع) .

أقول : هذا التفسير يأتي بالمعنى الأعم ، وأما بالمعنى الأخص فلا .

لأن ما يوجب التوقف عند الصراط ويقتضي السؤال عنه . فهو الولاية بمعنى الإمامة ، فإن حب

الإمام علي (ع) لم يجعل بانفراده أصلا اعتقاديا يسئل عنه كما يسئل عن الرب وعن الكتاب وعن

النبي ، فالسؤال عن الولاية أي الخلافة التالية للنبوة ، فهذا التفسيرهو الذي يقتضيه الحال والمقال.

" المترجم"

(20) سورة آل عمران ، الآية 103

(21) الصواعق المحرقة/الباب الحادي عشر/الفصل الأول/الآية5

(22) نقل ابن حجر في الصواعق المحرقة/ الباب الحادي عشر/ الفصل الأول في الآيات الواردة فيهم/ الآية الرابعة/ نقل في ذيلها حديث الثقلين بطرق كثيرة ، وقال في نهاية كلامه وفي رواية صحيحة: إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا ان تبعتموهما وهما : كتاب الله وأهل بيتي عترتي. وزاد الطبراني: إني سألت ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

ثم قال : إعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا ومر له طرق مبسوطة .. وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة ، وفي أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي أخرى أنه قال ذلك بغدير خم ، وفي أخرى أنه قال لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مر ، ولا تنافي إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة .

وفي رواية عند الطبراني عن ابن عمر : آخر ما تكلم به النبي(ص) أخلفوني في أهل بيتي. . . وبعد نقل روايات وكلمات قال تنبيه : سمى رسول الله (ص) القرآن وعترته ـ وهي بالمثناة الفوقية: الأهل والنسل والرهط الأدنون ـ ثقلين لأن الثقل كل نفيس خطير مصون ، وهذان كذلك إذ كل منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العلية ، والأحكام الشرعية ، ولذا حث (ص) على الإقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم ، وقال (ص) : الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت . وقيل سميا ثقلين : لثقل وجوب رعاية حقوقهما .

ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله ، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب ، ويؤيده الخبر السابق : [ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم] وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة، وقد مر بعضها وسيأتي . . .

قال: وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة ، كما أن الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض ـ كما يأتي ـ ويشهد لذلك الخبر السابق : "في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي" . قال ابن حجر : ثم أحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته . ومن ثم قال أبو بكر : علي عترة رسول الله (ص) ، أي الذين حث على التمسك بهم فخصه لما قلنا . قال : وكذلك خصه (ص) بما مر يوم غدير خم ، والمراد بالعيبة والكرش في الخبر السابق آنفا ، أنهم موضع سره ، وأمانته ، ومعادن نفائس معارفه وحضرته ، إذ كل من العيبة والكرش مستودع لما يخفى فيه مما به القوام والصلاح ، لأن الأول : لما يحرز فيه نفائس الأمتعة والثاني : مستقر الغذاء الذي به النمو وقوام البنية . وقيل : هما مثلان لاختصاصهم بأموره الظاهرة والباطنة ، إذ مظروف الكرش باطن ، والعيبة ظاهر ، وعلى كل فهذا غاية في التعطف عليهم والوصية بهم .

أقول : إنما نقلت هذا الكلام ليهتدي من يهتدي عن بينة ، ويضل من ضل عن بينة ، (والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ). " المترجم "

(23) وكتاب النص والإجتهاد للإمام شرف الدين عليه رحمة رب العالمين يذكر فيه فتاوي القوم والنصوص المعارضة لها من الكتاب والسنة فراجع . " المترجم "

(24) سورة المائدة ، الآية 6 .

(25) سورة النساء ، الآية 43 .

(26) سورة يونس ، الآية 36 .

(27) سورة المائدة ، الآية 6

(28) سورة التوبة ، الآية 100.

(29) سورة الأعراف ، الآية 155.

(30) روى ابن حجر الهيثمي في كتاب الصواعق المحرقة / ص115 ، ط الميمنة بمصر قال : "الحديث الثامن والعشرون" : أخرج ابن سعد والطبراني عن عائشة أن النبي (ص) قال : اخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بارض الطف ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه.

الحديث التاسع والعشرون : أخرج أبو داود والحاكم عن أم الفضل بنت الحرث أن النبي (ص) قال: أتاني جبريل فأخبرني أن أمتي ستقتل إبني هذا ـ يعني الحسين ـ وأتاني بتربة حمراء .

(وأخرج ) أحمد : لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها فقال لي : إن ابنك هذا حسينا مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، قال : فأخرج تربة حمراء .

الحديث الثلاثون : أخرج البغوي في معجمه من حديث أنس أن النبي (ص) قال : استأذن ملك القطر ربه أنه يزورني ، فأذن له ، وكان في يوم أم سلمة فقال رسول الله(ص) : ياأم سلمة! إحفظي علينا الباب لا يدخل أحد ، فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين فاقتحم فوثب على رسول الله (ص) فجعل رسول الله (ص) يلثمه ويقبله .فقال له الملك : أتحبه؟ قال : نعم . قال : إن أمتك ستقتله وإن شئت أريك المكان الذي يقتل به . فأراه ، فجاء بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها .

قال ثابت : كنا نقول إنها كربلاء ، وأخرجه أيضا أبو حاتم في صحيحه ، وروى أحمد نحوه ، وروى عبد بن حميد وابن أحمد نحوه أيضا ، لكن فيه أن الملك جبرئيل ، فإن صح فهما واقعتان ،وزاد الثاني أيضا : أنه صلى الله عليه وسلم شمها وقال : ريح كرب وبلاء . ـ والسهلة بكسر أوله رمل خشن ليس بالدقاق الناعم ـ وفي رواية الملا وابن أحمد في زيادة المسند قالت ـ أي أم سلمةـ : ثم ناولني كفا من تراب أحمر وقال : إن هذا من تربة الأرض التي يقتل بها ، فمتى صار دما فاعلمي أنه قد قتل . قالت أم سلمة : فوضعته في قارورة عندي وكنت أقول : إن يوما يتحول فيه دما ليوم عظيم . وفي رواية عنها : فأصبته يوم قتل الحسين وقد صار دما .

وفي أخرى ـ أي رواية أخرى ـ ثم قال يعني جبرئيل : ألا أريك تربة مقتله ؟ فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله (ص) في قارورة ، قالت أم سلمة : فلما كانت ليلة قتل الحسين ، سمعت قائلا

يقول :

أيـها القاتـلون جهلا حسـينا أبشروا بالعذاب والتذليل

لقد لعنتم على لسان بن داود وموسى وحامل الإنجيل

قالت : فبكيت وفتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دما .

وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال : مر علي (رضي الله عنه) بكربلا عند مسيره إلى صفين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ، فوقف وسأل عن اسم هذه الأرض ؟ فقيل : كربلاء ، فبكى حتى بل الأرض من دموعه . ثم قال دخلت على رسول الله (ص) وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال (ص)كان عندي جبرئيل آنفا وأخبرني ، أن ولدي الحسين يقتل بشاطيء الفرات بموضع يقال له :

كربلاء، ثم قبض من تراب شمني إياه ، فلم أملك عيني أن فاضتا . ورواه أحمد مختصرا عن علي.

وأخرج أيضا ـ أي ابن سعدـ أنه (ص) كان له مشربة ، درجتها في حجرة عائشة يرقى إليها إذا أراد لقى جبريل . فرقى إليها وأمر عائشة أن لا يطلع إليها أحد . فرقى حسين ولم تعلم به . فقال جبريل: من هذا؟ قال (ص) : إبني ،فأخذه رسول الله (ص) فجعله على فخذه . فقال جبريل : ستقتله أمتك .

فقال (ص) : إبني؟! قال : نعم . . وإن شئت أخبرتك الأرض التي يقتل فيها ، فأشار جبريل بيده إلى الطف بالعراق فأخذ منها تربة حمراء ، فأراه إياها وقال : هذه من تربة مصرعه .

هذا ما أردنا نقله من كتاب الصواعق المحرقة . ولا يخفى أن حديث التربة ورد بأسانيد وبطرق شتى رواه كبار علماء العامة وأعلامهم ، منهم: العلامة ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد : ج2/219 ، طبع الشرقية بمصر ، والعلامة المحب الطبري في ذخائر العقبى صفحة 147 ، طبع القدسي بالقاهرة ، والحافظ الذهبي الدمشقي في ميزان الإعتدال : ج1/ 8 ، طبع القاهرة ، والعلامة المتقي في كنز العمال : ج3/ 111 ، طبع حيدر آباد ، والعلامة السيوطي في الخصائص الكبرى : ج2/ 125 ، طبع حيدر آباد ، والعلامة الحراني القشيري في تاريخ الرقة 75 / طبع القاهرة ، والعلامة ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : 154/ طبع الغري ، والعلامة الشبلنجي في نور الأبصار116 ، ط مطبعة المليجية بمصر ، والعلامة عبدالغفار الهاشمي في كتابه أئمة الهدى 96 ، طبع القاهرة ، والعلامة الخوارزمي في مقتل الحسين : ج2 / 94 ، والعلامة الطبراني في المعجم الكبير ، كما نقل عنه الصواعق ، والعلامة العسقلاني = = في تهذيب التهذيب : ج2 / 346 ، طبع حيدر آباد ، والعلامة أبو زرعة في طرح التثريب : ج1/ 41 ، طبع مصر ، والعلامة الهيثمي في مجمع الزوائد : ج9/ 189 ، طبع القدسي بالقاهرة ، والعلامة الشيخ صفي الدين الخزرجي في خلاصة تذهيب الكمال 71 ، طبع مصر ، والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب 279 ، طبع الغري ، والعلامة الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين 215 ، ط مطبعة القضاء بمصر . والعلامة عبدالقادر الحنبلي في الغنية لطالبي طريق الحق : ج2 صفحة 56 ، طبع مصر ، والعلامة ابن الأثير الجزري في النهاية : ج2 صفحة 212 ، طبع الخيرية بمصر ، والعلامة جمال الدين محمد بن مكرم في لسان العرب : ج11/ 349 ، طبع دار الصادر بيروت ، والعلامة الصديقي الفتني في مجمع بحار الأنوار : ج2/ 161 ، طبع لكنهو ، والعلامة ابن عساكر في تاريخه الكبير/ في ترجمة الحسين (ع) : ج4 صفحة 337 و 338 ، والعلامة باكثير الحضرمي في وسيلة المال صفحة 182 ، نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق ، وابن الأثير الجزري أيضا في تاريخه الكامل : ج3/303 ، طبع المنيرية بمصر .

هؤلاء كلهم رووا بأسانيد عديدة وطرق متعددة حديث التربة بألفاظ شتى عن أم سلمة سلام الله عليها .

ورواه جمع من علماء أهل السنة عن ابن عباس رضي الله عنهم ، منهم : الحافظ أبو الفداء في البداية والنهاية : ج6/ 230 ، طبع السعادة بمصر نقله عن مسند أبي بكر البزار ، ومنهم : الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر في مجمع الزوائد : ج9/ 191 ، طبع القدسي بالقاهرة ، رواه عن البزار أيضا وقال : رجاله ثقاة .

وروى حديث التربة جماعة من أعلام أهل السنة عن الإمام علي (ع) ، منهم : أحمد بن حنبل في المسند : ج1/ 85 ، طبع الميمنة بمصر ، والعلامة الذهبي في تاريخ الإسلام : ج3/ 9 ، طبع مصر، وفي سير أعلام النبلاء :ج3/ 193 ، طبع مصر ومنهم : العلامة المتقي الهندي في كنز العمال : ج13/ 112 ، طبع حيدر آباد ، ومنهم : العلامة الطبراني في المعجم الكبير ومنهم : الخوارزمي في مقتل الحسين : ج1/ 170 طبع الغرى ، والعلامة المحب الطبري في ذخائر العقبى 147 طبع القدسي بمصر ، والعلامة العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج2/ 346 ، ط حيدر آباد ، والعلامة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ص225 ، طبع مؤسسة أهل البيت/ بيروت. والعلامة السيوطي في الخصائص الكبرى : ج2/ 126 ، طبع حيدر آباد . والعلامة محمد بن حوت البيروتي في أسنى المطالب 22 ، ط مصطفى الحلبي . والعلامة المناوي في الكواكب الدرية : ج1/ 56 ، ط الأزهرية بمصر والعلامة القندوزي في ينابيع المودة / 319 ، طبع إسلامبول . وروى حديث التربة معاذ بن جبل في حديث مفصل ، أخرجه العلامة الطبراني في المعجم الكبير وأخرجه عن طريق الطبراني الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج9/ 189 ، طبع القدسي بالقاهرة واخرجه العلامة الخوارزمي في مقتل الحسين : ج1/ 160 ، ط الغري والمتقي الهندي في كنز العمال : ج13/ 113 ، طبع حيدر آباد الدكن ، أخرجه عن طريق الديلمي . والعلامة البدخشي في (مفتاح النجا) أيضا عن طريق الديلمي .

وروى جماعة من أعلام أهل السنة حديث التربة عن عائشة منهم : الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج9/ 187 ، طبع القدسي بالقاهرة ، أخرجه عن المعجم الكبير للطبراني ، والخوارزمي في (مقتل الحسين) والمتقي الهندي في كنز العمال : ج13/ 111 ، ط حيدر آباد ، وابن حجر في الصواعق كما مر آنفا ، والمناوي في الكواكب الدرية : ج1/ 45 ، طبع الأزهرية بمصر ، والعلامة القندوزي في الينابيع/ 318 ، ط اسلامبول والعلامة النبهاني في الفتح الكبير : ج1/ 55 ، طبع مصر ، والعلامة البدخشي في مفتاح النجا : 134 ، والعلامة القلندر الهندي في الروض الأزهر:

104 ، طبع حيدرآباد ، وأكثرهم رووا الحديث عن عائشة عن طريق ابن سعد والطبراني . وروى حديث التربة جماعة من أعلام العامة عن أبي أمامة منهم العلامة الهيثمي في مجمع الزوائد :ج9 / 189 ، ط القدسي بالقاهرة ، وقال في آخره : رواه الطبراني ورجاله موثوقون . ومنهم العلامة الذهبي في تاريخ الإسلام : ج3 / 10 ، طبع مصر ، وفي كتابه الآخر(سيرأعلام النبلاء) ج3/ 194 طبع مصر . وروى حديث التربة جمع من أعلام أهل السنة عن زينب بنت جحش ، منهم الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج9 / 188 ، طبع القدسي بالقاهرة ، وقال : رواه الطبراني بإسنادين ، ومنهم العلامة المتقي الهندي في(كنز العمال) ج13 / 112 ، طبع حيدر آباد الدكن ، والعلامة البدخشي في مفتاح النجا : ص 135 ، رواه من طريق الطبراني وأبي يعلي . ومنهم العلامة العسقلاني في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية صفحة 9 / طبع الكويت ، أخرجه عن طريق أبي يعلي . وروى حديث التربة جماعة من أعلام العامة عن أم الفضل بنت الحارث ، منهم الحاكم في المستدرك : ج3 / 176 ، طبع حيدر آباد ، وقال : حديث صحيح ، والعلامة ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة صفحة 154 ، ط الغري ، وابن حجر في الصواعق كما مر آنفا ، أخرجه عن أبي داود والحاكم ، والعلامة المتقي الهندي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند:ج5/111 ط الميمنة بمصر ، والعلامة ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية : ج6 / 230 ، طبع القاهرة ، رواه عن طريق البيهقي ، والعلامة الذهبي في (تلخيص المستدرك) المطبوع في ذيل المستدرك : ج3 / 176 ، حيدر آباد ، والعلامة السيوطي في الخصائص الكبرى : ج2 / 125 ، ط حيدر آباد ، رواه عن طريق الحاكم والبيهقي ، والعلامة الخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح : 572 ، ط دهلي ، والعلامة احمد بن يوسف الدمشقي في  أخبار الدول وآثار الأول : 107 ، ط بغداد ، والعلامة البدخشي في مفتاح النجا 134 رواه عن البيهقي من دلائل النبوة ، والعلامة القندوزي في الينابيع/ 318 ، ط اسلامبول نقلا عن المشكاة ، وفي صفحة 319 رواه عن أبي داود والحاكم ، والعلامة الشبلنجي في(نور الأبصار) 116 طبع مصر ، والعلامة الخوارزمي في(مقتل الحسين) ج1/ 158طبع الغري ، والعلامة النبهاني في (الفتح الكبير) ج1/ 22 طبع مصر . ورواه جماعة من أعلام العامة عن أنس بن مالك ، منهم : أبو نعيم الحافظ في دلائل النبوة 485 طبع حيدر آباد ، وأحمد في المسند : ج4 / 242 ، طبع الميمنة بمصر ، والعلامة المحب الطبري في ذخائر العقبى 146 ، طبع القدسي بمصر ، قال : خرجه البغوي في معجمه ، وخرجه أبو حاتم في صحيحه ، والعلامة الخوارزمي في مقتل الحسين : ج1 صفحة 160 طبع الغري ، والعلامة الذهبي في تاريخ الإسلام : ج3 صفحة 10 طبع مصر ، وفي سير أعلام النبلاء : ج3 / 194 ،طبع مصر ، والحافظ ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية : ج6 / 229 ، ط القاهرة ، والعلامة الهيثمي في مجمع الزوائد : ج9 / 187 ، طبع القدسي بمصر ، وابن حجر في الصواعق كما ذكرنا عنه آنفا، وجلال الدين السيوطي في الخصائص : ج2 / 125 ، طبع حيدر آباد / قال : واخرج البيهقي وأبو نعيم ، عن أنس الخ ، وفي كتابه الآخر الحبائك في أخبار الملائك 44 طبع دار التقريب بالقاهرة ،والعلامة الشعراني في(مختصر تذكرة الشيخ أبي عبدالله القرطبي)119 ط مصر، والعلامة النبهاني في الأنوار المحمدية 486 ط الأدبية بيروت ، والعلامة البرزنجي في(الأشاعة في أشراط الساعة) 24 / ط مصر ، والعلامة القندوزي في (ينابيع المودة) الباب الستون / قال : وأخرج البغوي في معجمه وأبو حاتم في صحيحه وأحمد بن حنبل وابن أحمد وعبد بن حميد وابنه أحمد ، عن انس الخوالعلامة الحمزاوي في مشارق الأنوار : 114 طبع الشرقية بمصر .

ورواه بعض أعلام العامة عن ابي الطفيل ، منهم الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد : ج9 / 190 طبع القدسي في القاهرة ، وقال : رواه الطبراني وإسناده حسن .

ورواه بعض أعلام العامة عن سعيد بن جمهان ، منهم الحافظ محمد بن قايماز الدمشقي المشهور بالذهبي في (تاريخ الإسلام) ج3 / 11 طبع مصر ، وفي كتابه الآخر (سير أعلام النبلاء)ج3/195 طبع مصر .

أقول : وأما في خصوص تقبيل النبي (ص) وتقديسه تربة كربلاء فقد وردت روايات في كتب أعلام أهل السنة منهم : الحاكم محمد بن عبدالله النيسابوري في (المستدرك) ج4 / 398 طبع حيدر آباد ، قال ـ وذكر السند إلى عبدالله بن وهب بن زمعة ـ قال : أخبرتني أم سلمة (رض): أن رسول الله (ص) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر ، ثم اضطجع فرقد ، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرة الأولى ، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها.

فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله ؟! قال : أخبرني جبريل عليه الصلاة والسلام : أن هذا يقتل بأرض العراق ـ الحسين ـ فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي يقتل بها ، فهذه تربتها قال : هذا حديث صحيح .

ورواه العلامة الطبراني في (المعجم الكبير) ص 145 مخطوط ، بإسناده إلى أم سلمة عن طريق آخر ، فذكر الحديث بعين ما تقدم عن المستدرك لكنه أسقط قولها : ثم اضطجع ، إلى قولها : فاستيقظ . وذكر بدل قوله حائر: خائر النفس .

ورواه المحب الطبري في (ذخائر العقبى) 147 طبع القدس بالقاهرة عن طريق ثالث بالإسناد إلى أم سلمة بعين ما تقدم عن (المستدرك) من قوله : استيقظ وهو حائر دون ما رأيت الخ لكنه ذكر بدل كلمة حائر : خائر .

فإذا كان رسول الله (ص) يقبل تربة كربلاء باعتبار أنها تكون مضجع ولده الحسين في المستقبل، كيف لا يجوز لنا أن نقبل تلك التربة ونقدسها بعد أن أريقت عليها دماء الحسين وأصحابه وآله الأبرار الطيبين الأخيار ، وصارت لهم مرقدا إلى يوم الحساب؟ فصلوات الله وسلامه عليهم وعلى أبدانهم وأرواحهم ، ولقد طابوا وطابت الأرض التي دفنوا فيها . " المترجم "

(31) توجد هذه الفتاوي وغيرها في كتاب الفقه على المذاهب الخمسة وهو كتاب علمي تحقيقي تأليف حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله تعالى . " المترجم "

(32) أقول : لا شك ولا ريب أن بيعة أبي بكر كانت فلتة من فلتات الجاهلية ، وقد صرح بذلك عمر بن الخطاب ، راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج2 /22 وما بعدها / ط دار إحياء الكتب العربية بيروت .

فاين الفلتة من الإجماع ؟!

ولو نظرنا إلى الحوادث والوقائع التي كانت عقيب السقيفة والمعارضات التي بدت من المهاجرين والأنصار لخلافة أبي بكر ، عرفنا أن الإجماع ما تم أبدا ، وإنما بايع بعض وعارض آخرون ، ثم خضعوا خوفا من القتل . كما روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج1 / 219 ، ط دار إحياء الكتب العربية بيروت ، وقال البراء بن عازب : . . . وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محجوزون بالأزر الصنعانية ، لا يمرون باحد إلا خبطوه ، وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ، شاء ذلك أو أبى ؛ فأنكرت عقلي.....

قال: ورأيت في الليل ، المقداد وسلمان ، وأبا ذر وعبادة بن الصامت وأباالهيثم بن التيهان وحذيفة وعمارا ، وهم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين .

ونقل أيضا ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج6 / 19 ، عن الزبير بن بكار أنه قال : فلما بويع أبو بكر، أقبلت الجماعة التي بايعته تزفه زفا إلى مسجد رسول الله (ص)، فلما كان آخر النهار افترقوا إلى منازلهم ، فاجتمع قوم من الأنصار وقوم من المهاجرين ، فتعاتبوا فيما بينهم ، فقال عبدالرحمن بن عوف : با معشر الأنصار ، إنكم وإن كنتم أولي فضل ونصر وسابقة ؛ ولكن ليس فيكم مثل أبي بكر ولا عمر ولا علي ولا أبي عبيدة .

فقال زيد بن أرقم : إنا لا ننكر فضل من ذكرت يا عبدالرحمن . وإن منا لسيد الأنصار : سعد بن عبادة ، ومن أمر الله رسوله أن يقرئه السلام ، وأن يؤخذ عنه القرآن : أبي بن كعب ، ومن يجيء يوم القيامة أمام العلماء : معاذ بن جبل ، ومن أمضى رسول الله (ص) شهادته بشهادة رجلين : خزيمة بن ثابت ؛ وإنا لنعلم أن ممن سميت من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد :

علي بن أبي طالب . ونقل ابن أبي الحديد في ص 21 قال : وروى الزبير بن بكار، قال : روى محمد بن إسحاق أن أبا بكرلما بويع افتخرت تيم بن مرة .

قال : وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكون أن عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله(ص) وأما الذين عارضو لخلافة أبي بكر ولم يبايعوه ، منهم : سعد بن عبادة سيد الخزرج وزعيمهم ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج6 / 10 : فكان لايصلي بصلاتهم ، ولا يجتمع بجماعتهم، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وجد أعوانا لضاربهم ، فلم يزل كذلك حتى مات أبو بكر . . فلم يلبث سعد بعد ذلك إلا قليلا حتى خرج إلى الشام ، فمات بحوران ولم يبايع لأحد ، لا لأبي بكر ولا لعمر ولا لغيرهما .

ومنهم خالد بن سعيد بن العاص ، كما في شرح نهج البلاغة : ج6 / 41 ، قال ابن أبي الحديد نقلا عن أبي بكر الجوهري وهو بإسناده إلى مكحول قال : إن رسول الله(ص) استعمل خالد بن سعيد بن العاص على عمل ، فقدم بعدما قبض رسول الله(ص) وقد بايع الناس أبا بكر، فدعاه إلى البيعة، فأبى ، فقال عمر: دعني وإياه ، فمنعه أبو بكر، حتى مضت عليه سنة .

وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج1/ 218 ، ط دار إحياء الكتب العربية،تحت عنوان :

اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله (ص) : لما قبض رسول الله (ص) واشتغل علي (ع) بغسله ودفنه ، وبويع أبو بكر؛ خلا الزبير وأبوسفيان وجماعة من المهاجرين بعباس وعلي(ع) لإجالة الرأي . . الخ ، وقد استعرض في هذا الفصل بعض الخلافات التي شبت عقيب بيعة أبي بكر ، إلى أن قال : بأن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة والمغيرة ، دخلوا على العباس وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله (ص) ، فبدأ أبو بكر بالكلام إلى أن قال للعباس : فقد جئناك ، ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا ، ولمن بعدك من عقبك ، إذ كنت عم رسول الله (ص) وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله (ص) ومكان أهلك ، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم ، وعلى رسلكم بني هاشم ؛ فإن رسول الله (ص) منا ومنكم . فاعترض كلامه عمر ، وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد وإتيان الأمر من أصعب جهاته، فقال : إي والله . واخرى : إنا لم نأتكم حاجة إليكم ، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم ، فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم ولعامتهم . ثم سكت . فتكلم العباس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله ابتعث محمدا (ص) نبيا كما وصفت ووليا للمؤمنين . . إلى أن قال لأبي بكر : فإن كنت برسول الله (ص) طلبت ـ الخلافة ـ فحقنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ؛ ما تقدمنا في أمركم فرطا ولا حللنا وسطا . ولا نزحنا شحطا ؛فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إذ كنا نحن كارهين . وما أبعد قولك : إنهم طعنوا من قولك إنهم مالوا إليك! وأما ما بذلت لنا ، فإن يكن حقك اعطيتناه فامسكه عليك ، وإن يكن حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن يكن حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض . وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه ، ولكن للحجة نصيبها من البيان . وأما قولك : إن رسول الله (ص) منا ومنكم . فإن رسول الله (ص) من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها . وأما قولك يا عمر : إنك تخاف الناس علينا . فهذا الذي قدمتموه أول ذلك ، وبالله المستعان .

وروى ابن أبي الحديد أيضا في شرح نهج البلاغة : ج6 / 11 ، ط دار إحياء التراث العربي قال: وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة ، منهم أسيد بن خضير وسلمه اسلم ، فقال لهم : انطلقوا فبايعوا ، فأبوا عليه ؛ وخرج إليهم الزبير بسيفه ، فقال عمر : عليكم الكلب ، فوثب عليه سلمة بن أسلم ، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، ثم انطلقوا به وبعلي ومعهما بنو هاشم ، وعلي يقول: أنا عبدالله وأخو رسول الله(ص) ، حتى انتهوا به إلى أبي بكر، فقيل له : بايع ، فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله(ص) ، فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار . فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم ، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون . فقال عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع . فقال له علي : أحلب ياعمر حلبا لك شطره! أشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا! ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه . فقال له أبو بكر : فإن لم تبايعني لم أكرهك،..... فقال علي : يا معشر المهاجرين ، الله الله ! لا تخرجوا سلطان محمد(ص) عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن ـ أهل البيت ـ أحق بهذا الأمر منكم ، ما كان منا القارىء لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ،العالم بالسنة ، المضطلع بأمر الرعية ! والله إنه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى ، فتزدادوا من الحق بعدا .

بالله عليكم أيها الإخوان ! أنصفوا ! أين هذا الكلام من الإجماع ؟! " المترجم "

(33) أيها القارئ الكريم هذا الحديث مشهور عند المحدثين والعلماء ولذا لم يذكر المؤلف مصدرا له وأرسله إرسال المسلمات ، ولكني أذكر بعض مصادره ليطمئن قلبك ، فأقول : رواه العلامة القندوزي في الينابيع صفحة 279 ، طبع المكتبة الحيدرية ، أخرجه في ضمن المناقب السبعين في فضائل أهل البيت فقال : الحديث التاسع والعشرون ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ص) علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي ، حبه إيمان وبغضه نفاق والنظر إليه رأفة ومودته عبادة ، قال : رواه صاحب الفردوس . . وهو الديلمي في فردوس الأخبار واخرجه العلامة الهمداني الشافعي في كتابه مودة القربى في أواخر المودة السابعة قال : أبو ذر رفعة : علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي ، حبه إيمان وبغضه نفاق والنظر إليه رأفة وعبادة ، قال : رواه أبو نعيم الحافظ بإسناده ونقله المتقي الهندي في كنز العمال : ج6 / 156 وقال : أخرجه الديلمي عن أبي ذر .

أقول : واعلم أن علماء المسلمين اتفقوا بأن عليا (ع) كان أعلم الناس بعد رسول الله (ص) وذلك لما روى عنه (ص) عن طريق سلمان (رض) قال : أعلم أمتي من بعدي علي بن أبي طالب : أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال : ج6 / 156 وقال أخرجه الديلمي ، والمناوي أيضا أخرجه في كنوز الحقائق : ص 18 ، ونقله القندوزي أيضا في الينابيع / الباب الرابع عشر في غزارة علمه ، نقله عن الموفق بن أحمد بسنده عن سلمان رضي الله عنه . وذكره ضمن المناقب السبعين في فضائل أهل البيت . . . "الحديث السادس والعشرون" عن سلمان . وذكره أيضا العلامة الهمداني في كتابه مودة القربى / في المودة الخامسة ، والسابعة عن سلمان أيضا .

وروى المتقي في كنز العمال : ج6/ 156 عن النبي (ص) أنه قال : علي بن أبي طالب أعلم الناس بالله والناس ، قال : أخرجه أبو نعيم الحافظ .

ونقل العلامة القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع عشر في غزارة علمه : عن محمد بن علي الحكيم الترمذي في شرح الرسالة الموسومة بالفتح المبين قال ابن عباس(رض) وهو إمام المفسرين : العلم عشرة أجزاء لعلي تسعة أجزاء وللناس العشر الباقي وهو أعلمهم به . . . الخ ثم قال الترمذي ولهذا كانت الصحابة (رض) يرجعون إليه في أحكام الكتاب ويأخذون عنه الفتاوي كما قال عمر بن الخطاب في عدة مواطن : لولا علي لهلك عمر . وقال (ص) : أعلم أمتي علي بن أبي طالب .

وقال القندوزي في الباب : أخرج ابن المغازلي بسنده عن أبي الصباح عن ابن عباس (رض) قال: قال رسول الله (ص) : لما صرت بين يدي ربي كلمني وناجاني ، فما علمت شيئا إلا علمته عليا فهو باب علمي. ونقله في الباب أيضا عن الموفق بن أحمد الخوارزمي بنفس الإسناد بتفصيل أكثر.

وروى القندوزي في الباب أيضا فقال : وعن الكلبي قال ابن عباس : علم النبي (ص) من علم الله وعلم علي من علم النبي (ص) وعلمي من علم علي ، وما علمي وعلم الصحابة في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر ، ـ أقول : ومما يزيد في أهمية الكلام أن قائله ملقب بحر الأمة ـ ونقل القندوزي في الباب أيضا فقال : إن ابن المغازلي وموفق الخوارزمي أخرجا بسنديهما عن علقمة عن ابن مسعود(رض) قال : كنت عند النبي (ص) فسئل عن علم علي . فقال : قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا وهو أعلم به منه .

ـ أقول : ولا يخفى أن خبر تقسيم العلم والحكمة إلى عشرة أجزاء ..الخ مشهور عند ابن عباس أيضا وقد نقل القندوزي بعض مصادره في الباب المذكور ـ .

وروى العلامة الهمداني في كتابه مودة القربى / المودة الثالثة عشر عن عكرمة عن ابن عباس (رض) قال : قال رسول الله (ص) لعبدالرحمن بن عوف : يا عبدالرحمن إنكم أصحابي ، وعلي بن أبي طالب أخي ومني وأنا من علي فهو باب علمي ووصيي .

وروى أيضا في / المودة الثالثة : عن هاشم بن البريد قال ابن مسعود : قرأت سبعين سورة على رسول الله (ص) وقرأت البقية على أعلم هذه الأمة بعد نبينا (ص) علي بن أبي طالب .

وأخرج الإمام أحمد في المسند : ج5 / 26 ، في حديث طويل قال النبي (ص) لفاطمة : أ وما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما . وذكره المتقي في كنزالعمال : ج6/135وقال : أخرجه أحمد بن حنبل والطبراني ، وذكره أيضا الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج9 /101 و 114 ، وقال : رواه أحمد والطبراني برجال وثقوا .

وجاء في رواية أسد الغابة : ج5 / 520 والمتقي في الكنز : ج6/ 396 أن النبي (ص) قال : يا فاطمة فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علما وأفضلهم حلما وأولهم سلما . قال المتقي : أخرجه أبن جرير وصححه ، والدولابي في الذرية الطاهرة .

وفي الكنز أيضا : ج6/ 153 ، قال (ص) : أما ترضين أني زوجتك أول المسلمين إسلاما وأعلمهم علما . . . الخ قال : أخرجه الحاكم عن أبي هريرة ، وأخرجه الطبراني والخطيب عن ابن عباس .

وفي الكنز أيضا : ج6 / 153 ، قال (ص) : زوجتك خير أهلي ، أعلمهم علما وأفضلهم حلما وأولهم سلما ، قال أخرجه الخطيب ـ البغدادي ـ في المتفق والمفترق عن بريدة . وفي الكنز أيضا ، عن أبي إسحاق قال : إن عليا (ع) لما تزوج فاطمة قال لها النبي (ص) : لقد زوجتكه وإنه لأول أصحابي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما ، قال : أخرجه الطبراني ، ورواه الحافظ الهيثمي أيضا في مجمعه : ج9 / 101 وفي مجمع الزوائد أيضا : ج9 / 113 ، روى عن سلمان (رض) قال : قلت : يا رسول الله إن لكل نبي وصيا ، فمن وصيك؟

فسكت عني . فلما كان بعد رآني فقال (ص) : يا سلمان ، فأسرعت إليه، قلت : لبيك . قال : تعلم من وصي موسى ؟

قال : نعم يوشع بن نون . قال (ص) : لم؟ قلت : لأنه كان أعلمهم يومئذ .

قال (ص) : فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني ، علي بن أبي طالب . قال : رواه الطبراني . (أقول) لا يخفى أن جواب النبي (ص) لسلمان : فإن وصيي وموضع سري ...الخ . تفريع على تعليل سلمان وصاية يوشع بن نون لموسى بن عمران بأنه كان أعلمهم يومئذ ، فالتفريع معناه أن عليا (ع) أيضا وصيي لأنه أعلمهم .

وروى ابن الأثير في أسد الغابة : ج6 / 22 ، عن يحي بن معين بسنده عن عبد الملك ابن سليمان قال : قلت لعطاء : أكان في أصحاب محمد (ص) أعلم من علي (ع)؟

قال : لا والله لا أعلم .

وذكره ابن عبد البر في الإستيعاب : ج2 / 462 والمناوي في فيض القدير : ج3 / 46 في الشرح، والمحب الطبري في الرياض النضرة : ج2 / 194 وقال : أخرجه القلعي ، وفي الصواعق المحرقة : الفصل الثالث في ثناء الصحابة والسلف عليه ـ عليه السلام ـ قال : وأخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيب قال : لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني إلا علي ، وقد اشتهر عنه(ع) : سلوني قبل أن تفقدوني .

أقول : فانصفوا (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ؟ " المترجم "

(34) لقد روى هذا الخبر جمع من أعلام العامة منهم : أحمد في المسند : ج1 / 83 ، ط الميمنة بمصر ، والعلامة ابن سعد في الطبقات : ج2 / 337 طبع دار الصارف بمصر ، والعلامة أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء : ج4 ص 381 ط السعادة بمصر ، وقال : رواه أبو معاوية ، وجرير ، وابن نمير، ويحي بن سعيد عن الأعمش . وأخرجه القاضي أبو بكر بن وكيع في أخبار القضاء : ج1 / 84 ط مصر ، والعلامة البيهقي في السنن الكبرى : ج10 / 86 ، ط حيدر آباد الدكن ، والعلامة أبو اليقظان في شرف النبي ، والمحب الطبري في الرياض النضرة : ج2 ص 198 ط محمد أمين الخانجي بمصر ، وفي كتابه الآخر ذخائر العقبى : 83 ط مكتبة القدسي بمصر ، والراغب الإصفهاني في محاضرات الأدباء : ج4 ص 477 ط مكتبة الحياة بيروت ، والعلامة الأمرتسري في أرجح المطالب : ص 39 و 480 ط لاهور وأخرجه في ص 119 وقال : أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة والبزار وأبو يعلي وابن حبان والحاكم ، باختلاف يسير . وأخرجه الحافظ الطيالسي في مسنده ص 19 ط حيدر آباد الدكن ، والعلامة ابن كثير في البداية والنهاية : ج5 / 107 ط السعادة بمصر ، والعلامة أبو الحسن النباهي المالكي في قضاة الأندلس ص 23 ط دار الكاتب بالقاهرة ، والعلامة عبد الغني الدمشقي في ذخائر المواريث : ج3 / 14 ، والعلامة الشيباني في تيسير الوصول : ج2 / 216 ، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين ، والعلامة الزرندي في نظم درر السمطين : ص 127 ط مطبعة القضاء والعلامة محمد بن طولون الدمشقي في الشذورات الذهبية : ص 119 ط بيروت ، والعلامة المتقي في منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند : ج5 / 36 ط الميمنة والعلامة الشيخ عمر بن علي الجندي في طبقات الفقهاء : ص16 ط مصر، والعلامة ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج2 / 236 طبع القاهرة والعلامة البستوي الحنفي في محاضرة الأوائل : ص 62 ط الاستانة ، والعلامة الكنجي في كتاب كفاية الطالب ، خص الباب الخامس عشر بهذا الخبر ورواه بسنده ثم قال : هذا حديث حسن المتن والسند.

أقول : هذا ما توصلت إليه من المصادر المعتبرة والكتب المنتشرة ، وربما توجد مصادر أخرى ولكن فيما ذكرت كفاية لإثبات الحق والواقع . " المترجم "

(35) سورة الرعد ، الآية 8 .

(36) أقول : روى الحاكم الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل : ج1 / 293 إلى 303 ، ط الأعلمي بيروت، روى من تسع عشرة طريقا ـ أي من رقم ـ 398 إلى 416 ـ بأن المنذر في الآية الكريمة : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) هو سيد المرسلين محمد (ص) ، والهادي هو علي بن أبي طالب (ع) .

وروى غير من ذكرهم المؤلف الكريم من أعلام العامة جمع منهم : شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين في الباب 28 / تحت الرقم 123 والعسقلاني في لسان الميزان : ج2 / 199 ، والسيوطي في الدر المنثور في تفسير ذيل الآية الكريمة وقال : أخرجه ابن مردوية وأبو نعيم في المعرفة ، والديلمي وابن عساكر، وابن النجار، وأخرجه المتقي في كنز العمال : ج6 ص 157 عن الديلمي وعن ابن عباس ، ورواه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج7 / 41 وقال : رواه عبدالله بن أحمد والطبراني في الصغير والأوسط ، ورجال المسند ثقات . ورواه الحاكم النسابوري في المستدرك : ج3 / 129 وقال : هذا حديث صحيح الإسناد .

واعلم أن هناك مصادر أخرى من العامة ، ولكن فيما ذكرنا كفاية لمن أراد الهداية . " المترجم "

(37) سورة المؤمنون ، الآية 70

(38) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج11 / 10 ، ط دار إحياء الكتب العربية : وأراد طلحة أن يوليه البصرة ، وأراد الزبير أن يوليه الكوفة فلما شاهدا صلابته في الدين وقوته في العزم وهجره الإدهان والمراقبة ، ورفضه المدالسة والمواربة ، وسلوكه في جميع مسالكه منهج الكتاب والسنة ، وقد كانا يعلمان ذلك قديما من طبعه وسجيته ، وكان عمر قال لهما ولغيرهما : إن الأجلح إن وليها ليحملنكم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم ، وكان رسول الله (ص) من قبل قال : وأن تولوها عليا تجدوه هاديا مهديا . إلا أنه ليس الخبر كالعيان ولا القول كالفعل ولا الوعد كالإنجاز ، وحالا عنه ، وتنكرا له ، ووقعا فيه ،وعاباه وغمصاه ، وتطلبا له العلل والتأويلات ، وتنقما عليه

الإستبداد وترك المشاورة ، وانتقلا من ذلك إلى الوقيعة فيه بمساواة الناس في قسمة المال ، وأثنيا على عمر وحمدا سيرته وصوبا رأيه . وقالا إنه كان يفضل اهل السوابق ، وضللا عليا (ع) فيما رآه وقالا : إنه أخطأ ، وأنه خالف سيرة عمر. . . واستنجدا عليه بالرؤساء من المسلمين ، كان عمر يفضلهم وينفلهم في القسم على غيرهم ـ والناس أبناء الدنيا ويحبون المال حبا جما ـ فتنكرت على أمير المؤمنين (ع) بتنكرها قلوب كثيرة الخ .

ثم قال ابن أبي الحديد في صفحة 15 ـ 16 : ثم نرجع إلى الحديث الأول ، فنقول : إن طلحة والزبير لما أيسا من جهة علي (ع) ومن حصول الدنيا من قبله ، قلبا له ظهر المجن . فكاشفاه وعاتباه قبل المفارقة عتابا لاذعا . . . وتأخرا عنه أياما ، ثم جاءاه فاستأذناه في الخروج إلى مكة للعمرة ، فأذن لهما بعد أن أحلفهما ألا ينقضا بيعته ، ولا يغدرا به ، ولا يشقا عصى المسلمين ، ولا يوقعا الفرقة بينهم ، وأن يعودا بعد العمرة إلى بيوتهما بالمدينة ، فحلفا على ذلك كله ، ثم خرجا ففعلا ما فعلا .

قال : وروى شيخنا أبو عثمان ، لما خرج طلحة والزبير إلى مكة، وأوهما الناس أنهما خرجا للعمرة قال علي (ع) لأصحابه : والله ما يريدان العمرة ، وإنما يريدان الغدرة ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) الفتح : 10 .

قال : وروى الطبراني في التاريخ : لما بويع طلحة والزبير عليا (ع) سألاه أن يؤمرهما على الكوفة والبصرة ، فقال : بل تكونان عندي أتجمل بكما ، فإنني استوحش لفراقكما .

أقول : وما كان معاوية بأحسن منهما وهو أيضا ما قاتل عليا (ع) إلا من أجل الملك والدنيا ولقد نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج15 / 123 ، ط دار إحياء الكتب العربية كتاب معاوية إلى علي(ع) جاء فيه : وقد كنت سألتك الشام على أن تلزمني لك بيعة وطاعة ، فأبيت ذلك عليّ .

ثم نقل جواب الإمام علي (ع) في ج16 / 154 ، من نفس الطبعة / جاء فيه : فأما سؤالك المتاركة والإقرار لك على الشام . فلو كنت فاعلا ذلك اليوم ، لفعلته أمس . أقول : فالذين يأخذون على أمير المؤمنين سلام الله عليه سياسته وينتقدون إدارته وتدبيره ، كأنهم يريدون منه أن تداهن هؤلاء الذين حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها ، أتباع الهوى وطلاب الدنيا ومبتغي الملك والرآسة مهما كلف الثمن حتى إذا توقف ذلك على إراقة دماء عشرات الآلاف من المسلمين والمؤمنين ، ولكن حاشا علي بن أبي طالب أن يخضع لهؤلاء ويطيعهم، كيف؟ وقد قال الله الحكيم : ( فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون ) سورة القلم ، الآية 8 و 9 .

ثم اعلم أن كل دم سفك بأمر الله ورسوله بسيف علي أو غيره ، فإن العرب بعد النبي (ص) عصبت تلك الدماء ، بعلي بن أبي طالب (ع) وحده ، لأنه لم يكن في رهطه من يستحق في عادتهم وسنتهم الجاهلية أن يعصب به تلك الدماء إلا بعلي وحده ، وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل ، فإن مات أو تعذرت عليها مطالبته طالبت بها أمثل الناس من أهله ، وحيث كان علي(ع) نفس رسول الله وأقرب الناس إليه وأحب أهله له حتى قال (ص) فيه : علي مني وأنا من علي. وقال (ص) : حربه حربي وسلمه سلمي . وقال (ص) : من أحبه فقد أحبني ، ومن أبغضه فقد أبغضني وأمثال هذه الأحاديث الشريفة ،التي تكشف عن الإتحاد والتآلف بين علي وبين النبي(ص) .فالذين أحجموا عن أذى رسول الله (ص) في حياته خوفا من سيفه وسوطه إذ كان صاحب الجيش والعدة وأمره مطاع وقوله نافذ ، فخافوا منه واتقوه وأمسكوا عن إظهار بغضه وعداوته،" فلما مضى المصطفى (ص) إلى دار المقامة والخلد ، انتهزوا الفرصة وانتهكوا الحرمة وغادروه على فراش الوفاة وأسرعوا لنقض البيعة ومخالفة المواثيق المؤكدة فحشر سفلة الأعراب وبقايا الأحزاب ، الفسقة الغواة والحسدة البغاة أهل النكث والغدر والخلاف والمكر ، والقلوب  المنتنة من قذر الشرك ، والأجساد المشحنة من درن الكفر ، الذين أضبوا على النفاق وأكبوا على علائق الشقاق ، فهجموا على دار النبوة والرسالة ومهبط الوحي والملائكة ومستقر سلطان الولاية ومعدن الوصية والخلافة والإمامة حتى نقضوا عهد المصطفى في أخيه علم الهدى والمبين طريق النجاة من طرق الردى ، وجرحوا كبد خير الورى في ظلم ابنته واضطهاد حبيبته واهتضام عزيزته بضعة لحمه وفلذة كبده وخذلوا بعلها وصغروا قدره واستحلوا محارمه وقطعوا رحمه وأنكروا أخوته وهجروا مودته ونقضوا طاعته وجحدوا ولايته وأطمعوا العبيد في خلافته ، وقادوه إلى بيعتهم مصلتة سيوفها مقذعة أسنتها وهو ساخط القلب هائج الغضب شديد الصبر كاظم الغيظ يدعونه إلى بيعتهم التي عم شؤمها الإسلام وزرعت في قلوب أهلها الآثام وبدلت الأحكام وغيرت المقام ، وأباحت الخمس للطلقاء وسلطت أولاد اللعناء على الفروج والدماء ، وخلطت الحلال بالحرام واستخفت بالإيمان والإسلام وهدمت الكعبة وأغارت على دار الهجرة يوم الحرة وأبرزت بنات المهاجرين والأنصار للنكال والسوئة وألبستهن ثوب العار والفضيحة ، ورخصت لأهل الشبهة في قتل العترة وأهل بيت الصفوة وإبادة نسله واستيصال شأفته وسبي حرمه وقتل أنصاره وكسر منبره وقلب مفخره وإخفاء دينه وقطع ذكره " . [هذه مقاطع وعبارات من زيارة أئمة المؤمنين (ع) ] .

نعم هكذا عاملوا الإمام علي سلام الله عليه ومع ذلك ما انخمدت نائرة أضغانهم وما انطفأت جمرة أحقادهم ، حتى أحدثوا فاجعة الطف الأليمة ، ولما ناشدهم الحسين بن علي (ع) سبط رسول الله (ص) قائلا : ويلكم بما تقاتلوني بقتيل منكم قتلته ، أو مال استملكته ، أو دم سفكته ، أو حكم من أحكام الله سبحانه بدلته؟!

قالوا : إنما نقاتلك بغضا لأبيك ، لما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين !!

ولما وضعوا رأس الحسين (ع) أمام يزيد بن معاوية وحوله بنات رسول الله (ص) سبايا ، وجعل يضرب الرأس الشريف بخيزرانة عنده ويترنم :

ليت أشياخي ببدر شهدوا . . . الخ نعم والله ما كربلاء لولا السقيفة !! " المترجم "

(39) لقد ذكرنا في التعليقات السابقة بعض مصادر هذين الحديثين الشريفين ونذكر الآن بعض المصادر حتى يطمئن قلب القارىء الكريم .

أما حديث حربك حربي وسلمك سلمي فهو مشهور جدا حتى قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج4 / 221 ، طبع القاهرة : قد ثبت أن رسول الله (ص) قال لعلي (ع) : حربك حربي وسلمك سلمي .

وقال في نفس المجلد والصفحة : قال رسول الله (ص) لعلي (ع) في ألف مقام : أنا حرب لمن حاربت وسلم لمن سالمت .

وأما الحديث الثاني فقد رواه جماعة من أعلام العامة ، منهم العلامة القندوزي في ينابيع المودة صفحة 247 طبع اسلامبول ، ورواه العلامة الهمداني الشافعي في مودة القربى / المودة الثالثة ، ورواه العلامة المولى محمد صالح الترمذي في المناقب المرتضوية / صفحة 117 طبع بمبي ، كلهم عن عائشة قالت : قال رسول الله (ص) : إن الله قد عهد إلي من خرج على علي فهو كافر في النار .

أما كان في هذا حاجز لها عن حرب الجمل وقتالها الإمام علي (ع)؟! " المترجم "

(40) وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج3 / 397 ، ط دار إحياء الكتب العربية عن ابن ديزيل وهو بسنده عن أبي صادق قال : قدم علينا أبو أيوب الأنصاري العراق فأهدت له الأزد جزرا فبعثوها معي ، فدخلت إليه فسلمت عليه ، وقلت له : يا أبا أيوب ، قد كرمك الله عز وجل بصحبة نبيه (ص) ونزوله عليك ، فمالي أراك تستقبل الناس بسيفك تقاتلهم ، هؤلاء مرة وهؤلاء مرة ! قال : إن رسول الله (ص) عهد إلينا أن نقاتل مع علي الناكثين ، فقد قاتلهم ، وعهد إلينا أن نقاتل معه القاسطين ، فهذا وجهنا إليهم ـ يعني معاوية وأصحابه ـ وعهد إلينا أن نقاتل معه المارقين ، ولم أرهم بعد . رواه أيضا عن أبي صادق بطريق آخر ، صاحب كنز العمال : ج6 / 88 ، باختلاف يسير في الألفاظ . وقال : أخرجه ابن عساكر وروى ما معناه عن أبي أيوب أيضا العلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / الباب السابع والثلاثون بسنده عن مخنف بن سليم عن أبي أيوب الأنصاري ، ورواه أيضا عن طريق مخنف ، أسد الغابة : ج4 / 33 ، وذكره المتقي أيضا في كنز العمال : ج6 / 88 ، وقال : أخرجه ابن جرير ، وذكره الهيثمي في مجمعه ج9 / 235 ، عن طريق مخنف بن سليم أيضا ، وقال : رواه الطبراني .

ونقل الحاكم في المستدرك : ج3 / 139 ، بسنده عن عقاب بن ثعلبة قال : حدثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب ، قال : أمر رسول الله (ص) علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، وأخرجه في نفس الصفحة ، بسنده عن الأصبغ بن بياتة عن أبي أيوب أيضا ، ولكن بألفاظ أخرى .

وروى الخطيب البغدادي في تاريخه : ج13 / 168 ، بسنده عن علقمة والأسود قالا : أتينا أبا أيوب الأنصاري عند منصرفه من صفين فقلنا له : يا أبا أيوب إن الله أكرمك بنزول محمد (ص) وبمجيء ناقته تفضلا من الله وإكراما لك حتى أناخت ببابك دون الناس ، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلا الله !

فقال : يا هذا إن الرائد لا يكذب أهله ، وإن رسول الله (ص) أمرنا بقتال ثلاثة مع علي(ع) : بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فأما الناكثون فقد قاتلناهم أهل الجمل طلحة والزبير وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم ـ يعني معاوية وعمروا ـ وأما المارقون فهم أهل الطرقات وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروانات ، والله ما أدري أين هم؟ ولكن لابد من قتالهم إن شاء الله .

قال : وسمعت رسول الله (ص) يقول لعمار : تقتلك الفئة الباغية وأنت إذ ذاك مع الحق والحق معك يا عمار بن ياسر! إن رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس واديا غيره ، فاسلك مع علي فإنه لن يدليك في ردي ولن يخرجك من هدى ، يا عمار! من تقلد سيفا أعان به عليا على عدوه ، قلده الله يوم القيامة وشاحين من در ، ومن تقلد سيفا أعان به عدوه علي عليه قلده الله يوم القيامة وشاحين من نار .

قلنا : يا هذا! حسبك رحمك الله حسبك رحمك الله !

وروى الخطيب البغدادي في تاريخه أيضا : ج8 / 340 بسنده عن خليد العصري قال : سمعت أمير المؤمنين عليا(ع) يقول يوم النهروان : أمرني رسول الله(ص) بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.

وروى ابن الأثير الجزري في أسد الغابة : ج4 / 32 بسنده عن أبي سعيد الخدري قال : أمرنا رسول الله (ص) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقلنا : يا رسول الله ! أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ فقال (ص) : مع علي بن أبي طالب ، معه يقتل عمار بن ياسر .

وروى الحافظ الهيثمي في مجمعه ج7 / 238 قال : وعن أبي سعيد قال : سمعت عمارا ونحن نريد صفين ، يقول : أمرني رسول الله (ص) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، قال : رواه الطبراني وروى الهيثمي أيضا في نفس الصفحة قال : وعن علي (ع) قال : عهد إلي رسول الله (ص) في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، قال : وفي رواية أخرى : أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، قال : رواه البزار والطبراني في الأوسط . وروى الهيثمي أيضا في مجمعه ج9 ص 235 ، قال : وعن عبدالله ـ يعني ابن مسعود ـ قال ـ أمر رسول الله (ص) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، قال : رواه الطبراني . وروى المتقي في كنز العمال : ج6 ص 319 عن ابن مسعود أيضا قال : خرج رسول الله (ص) فأتى منزل أم سلمة (رض) فجاء علي (ع) فقال رسول الله (ص) يا أم سلمة! هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي قال : أخرجه الحاكم في الأربعين وابن عساكر . أقول : وذكره المحب الطبري أيضا في الرياض النضرة : ج2 / 240 وقال : أخرجه الحاكمي .

وروى الجزري في أسد الغابة أيضا : ج4 / 33 بسنده عن علي بن ربيعة قال : سمعت عليا (ع) على منبركم هذا يقول : عهد إلي رسول الله (ص) أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين . ورواه المتقي في كنز العمال : ج6 ص 82 عن طريق علي بن ربيعة أيضا ، وقال : أخرجه البزار وأبو يعلي .

وروى السيوطي في الدر المنثور عند تفسير قوله تعالى : ( فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) في سورة الزخرف ، الآية 41 روى عن جابر بن عبدالله الأنصاري عن النبي (ص) قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، إنه ينتقم من الناكثين والقاسطين بعدي ، قال الله عز وجل :(وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) الجن : 15 فبهذا النص الصريح يكون معاوية وأصحابه الذين قاتلوا عليا (ع)، حطب جهنم لا محالة .

أكتفي بهذا المقدار ، وهناك روايات كثيرة أخرى بطرق شتى في كتب أعلام العامة . " المترجم "

(41) أقول : هذا الحديث اشتهر وانتشر في الكتب المعتبرة ولقد رواه كبار علماء العامة ومحدثيهم منهم أحمد بن حنبل في المسند : ج3 / 33 عن أبي سعيد وفي ص 82 أيضا رواه عنه بطريقين والحاكم في مستدرك الصحيحين : ج3 / 122 ، رواه بطريقين عن أبي سعيد .

وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء : ج1 / 67 بسنده عن أبي سعيد الخدري أيضا .

وابن الأثير في أسد الغابة : ج4 / 32 رواه بسنده عن أبي سعيد ، وفي أسد الغابة : ج3 / 282 قال : روى السري بن إسماعيل عن عامر الشعبي عن عبدالرحمن ابن بشير قال : كنا جلوسا عند النبي (ص) إذ قال : ليضربنكم رجل على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله. فقال أبو بكر : أنا هو ؟ قال : لا قال عمر : أنا هو؟ قال : لا ، ولكن خاصف النعل ، وكان علي (ع) يخصف نعل رسول الله (ص) .

ونقله العلامة القندوزي في الينابيع / الباب الحادي عشر من كتاب الإصابة عن عبدالرحمن بن بشير الأنصاري أيضا وجاء في آخره : فانطلقنا فإذا علي يخصف نعل رسول الله(ص) في حجرة عائشة فبشرناه .

أقول : وجدته في الإصابة : ج4 / القسم الأول صفحة 152 ، قال : وأخرج الباوردي وابن مندة من من طريق سيف بن محمد عن السري بن يحيى عن الشعبي عن عبدالرحمن بن بشير . . . . الخ.

وروى ابن حجر في الإصابة أيضا : ج1 / القسم 1 /22 / بسنده عن الأخضر بن أبي الأخضر عن النبي (ص) قال : أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله ، وأخرجه المتقي أيضا في كنز العمال : ج6 / 155 ، وقال : أخرجه الدار قطني في الأفراد . وفي كنز العمال أيضا في نفس الصفحة روى عن النبي (ص) قال : إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، قيل : أبو بكر وعمر؟ قال : لا ولكنه خاصف النعل ـ يعني عليا ـ == == قال : أخرجه أحمد في مسنده ، وأبو يعلي في مسنده ، والبيهقي في شعب الإيمان ، والحاكم في المستدرك ، وأبو نعيم في حليته ، وسعيد بن منصور في سننه ، كلهم عن أبي سعيد .

ورواه الحافظ الهيثمي في مجمعه : ج5 / 186 عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله (ص) يقول . . . الخ قال الهيثمي : رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح . أقول : ورواه المحب الطبري أيضا في الرياض النضرة : ج2 / 192 ، وقال : أخرجه أبو حاتم .

وروى المتقي في كنز العمال : ج6 / 390 عن أبي ذر قال : كنت مع رسول الله (ص) وهو ببقيع الفرقد فقال : والذي نفسي بيده إن فيكم رجلا يقاتل الناس من بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت المشركين على تنزيله . وهم يشهدون أن لا إله إلا الله ، فيكبر قتلهم على الناس حتى يطعنوا على ولي الله ويسخطوا عمله كما سخط موسى أمر السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار . وكان خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لله رضى وسخط ذلك موسى . قال : أخرجه الديلمي .

وروى ابن عبد البر في الإستيعاب : ج2 / 423 عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : شهدنا مع علي صفين فرأيت عمار بن ياسر لايأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد (ص) يتبعونه كأنه علم لهم ، وسمعت عمارا يقول يومئذ لهاشم بن عتبة : يا هاشم تقدم الجنة تحت الأبارقة ، اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه ، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل ثم قال :

نحن ضربناكم على تنزيله فاليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله أو يرجع الحق إلى سبيله

أقول : الروايات في هذا الباب كثيرة ونكتفي بهذا المقدار . " المترجم "

(42) سورة الأنعام ، الآية 59

(43) سورة الأعراف ، الآية 188 .

(44) سورة آل عمران ، الآية 179.

(45) سورة الرحمن ، الآية 3 و4 .

(46) سورة البقرة ، الآية 239 .

(47) سورة الكهف ، الآية 65.

(48) سورة البقرة ، الآية 31 .

(49) سورة الجن ، الآية 26 ـ 28 .

(50) سورة هود ، الآية 49 .

(51) سورة الشورى ، الآية 52 .

(52) سورة الأعراف ، الآية 188 .

(53) حديث كون الخلفاء إثني عشر ، من الأحاديث المشهورة حتى عدوه من المتواترات ، ولقد ذكره أصحاب الصحاح والمسانيد منهم : الترمذي في صحيحه : ج9 / 66 ، ط الصاوي بمصر ، أخرج بسنده عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله (ص) يكون من بعدي إثنا عشر أميرا . . . كلهم من قريش ، ورواه عنه أيضا البخاري بسنده في الصحيح : ج9 ص 81 ، ط الأميرية بمصر ، وأحمد في المسند : ج5 92 ، ط الميمنة بمصر كما في البخاري سندا ومتنا ، والعلامة أبو غوانة في المسند : ج4 ص 396 ، ط حيدر آباد ، ذكره من طرق شتى في صفحة 397 و 398 و 399 ، والحافظ أبو حجاج المزي في تحفة الأشراف لمعرفة الأطراف : ج2 / 159 ط دار القيامة بمباي ، والعلامة ابن الأثير الجزري في جامع الأصول : ج4 / 440 ط مصر ، والعلامة النابلسي في شرح ثلاثيات مسند أحمد : ج2 / 544 ط الإسلامي ببيروت ، والعلامة ابن كثير الدمشقي في كتابه قصص الأنبياء : ج1 / 301 ط دار الكتب الحديثة ، والحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : ج14 / 353 ، طبع السعادة بمصر ، والعلامة الصنعاني في مشارق الأنوار ، والعلامة ابن الملك في مبارق الأزهار في شرح مشارق الأنوار: ج2 / 193 طبع الآستانة ، وابن حجر في الصواعق المحرقة / 187 ، ط عبداللطيف بمصر ، والعلامة المناوي في كنوز الحقائق / حرف الباء ، والعلامة الشيخ محمود أبو رية في أضواء على السنة المحمدية : ص 210 ط القاهرة . وروى جمع من الاعلام عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي (ص) قال : " يكون بعدي إثنا عشر خليفة . . . كلهم من قريش " . منهم البخاري في التاريخ الكبير : ج1 / قسم 1/ ص 446 ، ط حيدر آباد وأحمد في المسند : ج5/92 ط الميمنية بمصر ، وأبو عوانة في مسنده : ج4 / 396 ، ط حيدرآباد ، والعلامة ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية : ج6 / 248 ط السعادة بمصر ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء : ج4 / 333 ط السعادة بمصر ، والحافظ الطبراني في المعجم الكبير/ ص 94 نسخة جامعة طهران . والقاضي وكيع الأندلسي في أخبار القضاة / 17 ، ط الإستقامة بالقاهرة .

وروى جماعة من الأعلام وعلماء العامة عن عبدالله بن مسعود عن النبي(ص) أنه قال : " الخلفاء بعدي إثنا عشر كعدد نقباء بني إسرائيل" منهم : العلامة الهمداني في مودة القربى / 94 ، ط لاهور، وابن كثير الدمشقي في تفسير القرآن / المطبوع بهامش فتح البيان ج3 / 309 طبع بولاق مصر، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج5 / 190 ، ط مكتبة القدسي بالقاهرة ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : ص 7 ط السعادة بمصر ، والعلامة ابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي في البيان والتعريف : ج1 / 239 ط حلب ، رواه من طريق ابن عدي في الكامل ، وابن عساكر في التاريخ عن ابن مسعود ، والعلامة عبيدالله الحنفي في أرجح المطالب/ 448 ط لاهور، والحاكم في مستدرك الصحيحين : ج4 / 501 ، عن مسروق عن ابن مسعود ، والعلامة العسقلاني في فتح الباري : ج 13 / 179 ، ط البهية بمصر ، روى الحديث من طريق أحمد وأبي يعلي والبزار عن ابن مسعود، وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء / 61 ط السعادة بمصر : وأخرج أبو القاسم البغوي بسند حسن عن عبدالله بن عمر (رض) قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : يكون خلفي إثنا عشر خليفة .

أقول : وتوجد روايات أخرى كثيرة في هذا الباب بألفاظ قريبة مما ذكرنا ، ولقد فتح العلامة القندوزي بابا في كتابه ينابيع المودة أسماه الباب السابع والسبعون في تحقيق حديث بعدي إثني عشر خليفة وأنقل بعض الروايات التي أخرجها والتحقيق الذي ذكره في آخر الباب ، قال : وفي جمع الفوائد ، جابر بن سمرة رفعه : لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة ، وسمعت كلاما من النبي(ص) لم أفهمه ، فقلت لأبي : ما يقول؟ قال : كلهم من قريش ، للشيخين ـ أي مسلم والبخاري ـ والترمذي وأبي داود بلفظه .

ذكر يحي بن الحسن في كتابه العمدة من عشرين طريقا في أن الخلفاء بعد النبي (ص) إثنا عشر خليفة كلهم من قريش

في البخاري من ثلاثة طرق ، وفي مسلم من تسعة طرق ، وفي أبي داود من ثلاثة طرق ، وفي الترمذي من طريق واحد وفي الحميدي من ثلاثة طرق .

قال القندوزي : وفي المودة العاشرة من كتاب مودة الفربى للسيد علي الهمداني ، عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال : كنت مع أبي عند النبي (ص) فسمعته يقول : بعدي اثنا عشر خليفة، ثم أخفى صوته .فقلت لأبي ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال رسول الله (ص) : كلهم من بني هاشم ، وعن سماك بن حرب مثل ذلك .

وعن الشعبي عن مسروق قال : بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى : هل عهد إليكم نبيكم (ص) كم يكون من بعده خليفة ؟ قال : إنك لحديث السن و إن هذا شي‏ء ما سألني عنه أحد قبلك ، نعم عهد إلينا نبينا (ص) أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل.وقال القندوزي بعد نقله للروايات في هذا الباب : قال بعض المحققين : إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده (ص) اثنا عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة ، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أن مراد رسول الله (ص) من حديثه هذا الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن أن يحمل على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش ... ، ولكونهم غير بني هاشم لأن النبي (ص) قال : كلهم من بني هاشم ، في رواية عبد الملك عن جابر ، وإخفاء صوته (ص) في هذا القول يرجح هذه الرواية ، لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم ، ولا يمكن أن يحمل على الملوك العباسية لزيادتهم على العدد المذكور ولقلة رعايتهم الآية : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) وحديث الكساء ، فلا بد من أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته (ص) لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسبا وأفضلهم حسبا وأكرمهم عند الله ، وكان علومهم عن آبائهم متصلا بجدهم (ص) وبالوراثة واللدنية كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق ، ويؤيد هذا المعنى ، أي أن مراد النبي (ص)الأئمة الاثني عشر من أهل بيته ، ويشهد له ويرجحه حديث الثقلين والأحاديث المتكررة المذكورة في هذا الكتاب ـ الينابيع ـ وغيرها ، وأما قوله (ص) كلهم تجتمع عليه الأمة ، في رواية عن جابر بن سمرة فمراده (ص) أن الأمة تجتمع على الاقرار بإمامة كلهم وقت ظهور قائمهم المهدي ( رضي الله عنهم ) " انتهى كلام القندوزي ". " المترجم "

(54) هو من علماء البلد وإمام مسجد لأهل السنة والجماعة .

(55) سورة النساء ، الآية 113 .

(56) سورة البقرة ، الآية 189 .

(57) سورة الجن ، الآية 25 و 26 .

(58) وترى في نهج البلاغة عبارات كثيرة في مواضع عديدة صرح فيها علي سلام الله عليه على ما اطلعه عليه رسول الله (ص) من علم الغيب الذي منحه الله عز وجل ، فقال في الخطبة المرقمة 176 أولها : أيها الناس غير المغفول عنهم ...إلى أن قال (ع) : وَ اللَّهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَخْرَجِهِ وَ مَوْلِجِهِ وَ جَمِيعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ وَ لَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِيَّ بِرَسُولِ اللَّهِ (ص) أَلَا وَ إِنِّي مُفْضِيهِ إِلَى الْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ وَ اصْطَفَاهُ عَلَى الْخَلْقِ مَا أَنْطِقُ إِلا صَادِقاً وَ لَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَ بِمَهْلِكِ مَنْ يَهْلِكُ وَ مَنْجَى مَنْ يَنْجُو وَ مَآلِ هَذَا الْأَمْرِ وَ مَا أَبْقَى شَيْئاً يَمُرُّ عَلَى رَأْسِي إِلا أَفْرَغَهُ فِي أُذُنِي وَ أَفْضَى بِهِ إِلَيَّ .

ولقد أثبت (ع) كلما ادعاه واختص به ، وما ادعاه أحد غيره . " المترجم "

(59) سورة الأحقاف ، الآية 9 .

(60) سورة الأنعام ، الآية 57 .

(61) وروى العلامة الشهير بابن الطقطقي البغدادي في كتابه " الفخري" ص161 طبع بغداد ، إن الإمام الرضا (ع) كتب فيما كتب خلف كتاب العهد : إني قد اجبت امتثالا للأمر وإن كان الجفر والجامعة يدلان على ضد ذلك . وروى الحافظ عبد الكريم الرافعي في كتابه التدوين : ج4/51 ط طهران : ... والجفر والجامعة يدلان على الضد من ذلك ( وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ ) ( إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ ) لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين وآثرت رضاه والله يعصمني وغياه وهو حسبي وحسبه ونعم الوكيل ، وكذلك أخرجه بنصه العلامة محمد مبين الهندي في كتابه وسيلة النجاة ص378 طبع لكنهو. ورواه آخرون باختلاف يسير في الألفاظ.
" المترجم"

(62) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج13 /196 ، ط دار احياء الكتب العربية في شرح كلام الإمام علي (ع) : أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض. قال : أجمع الناس كلهم على أنه لم يقل أحد من الصحابة ولا أحد من العلماء : سلوني . غير علي بن أبي طالب (ع) ، ذكر ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب والمراد بقوله : فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض ما اختص به من العلم بمستقبل الأمور ولا سيما في الملاحم والدول .

وقد صدق هذا القول عنه ما تواتر عنه من الاخبار بالغيوب المتكررة لا مرة ولا مائة مرة ، حتى زال الشك والريب في أنه إخبار عن علم ، وأنه ليس على طريق الاتفاق ، قال : وقد ذكرنا كثيرا من ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب . " انتهى كلام ابن أبي الحديد " . " المترجم "

(63) سورة البينة ، الآية 7.

(64) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج2 / 265 ، ط. دار إحياء الكتب العربية ، تحت عنوان : أخبار الخوارج ... و في الصحاح المتفق عليها أن رسول الله (ص) بينا هو يقسم قسما جاء رجل من بني تميم يدعى ذا الخويصرة ، فقال : اعدل يا محمد فقال (ص) : قد عدلت . فقال له ثانية : اعدل يا محمد فإنك لم تعدل ! فقال (ص) : ويلك ! و من يعدل إذا لم أعدل !.... ثم خبر (ص) عنه وقال : فسيخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ... وبعدما وصفهم قال (ص) : آيتهم رجل أسود مخدج اليد ، إحدى يديه كـأنها ثدي امرأة .

وقال ابن أبي الحديد في صفحة 277 من نفس الجزء : و روى العوام بن حوشب عن أبيه ، عن جده يزيد بن رويم قال : قال علي (ع) : يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج أحدهم ذو الثدية .

فلما طحن القوم و رام استخراج ذي الثدية فأتبعه ، أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة و ركب بغلة رسول الله (ص) و قال : اطرح على كل قتيل منهم قصبة ، فلم أزل كذلك و أنا بين يديه ، و هو راكب خلفي و الناس يتبعونه حتى بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه و إذا وجهه أربد ، و إذا هو يقول : و الله ما كذبت و لا كذبت ، فإذا خرير ماء عند موضع دالية ، فقال : فتش هذا ففتشته ، فإذا قتيل قد صار في الماء ، و إذا رجله في يدي فجذبتها ، و قلت : هذه رجل إنسان ، فنزل عن البغلة مسرعا ، فجذب الرجل الأخرى و جررناه حتى صار على التراب فإذا هو المخدج " ذو الثدية " . فكبر علي (ع) بأعلى صوته ثم سجد فكبر الناس كلهم . " المترجم "

(65) أقول وعقب ابن أبي الحديد كلامه في شرح العبارة قائلا : و الأخبار على قسمين : أحدهما الأخبار المجملة ، و لا إعجاز فيها نحو أن يقول الرجل لأصحابه إنكم ستنصرون على هذه الفئة التي تلقونها غدا فإن نصر جعل ذلك حجة له عند أصحابه و سماها معجزة و إن لم ينصر قال لهم تغيرت نياتكم و شككتم في قولي فمنعكم الله نصره و نحو ذلك من القول و لأنه قد جرت العادة أن الملوك و الرؤساء يعدون أصحابهم بالظفر و النصر و يمنونهم الدول فلا يدل وقوع ما يقع من ذلك على إخبار عن غيب يتضمن إعجازا .

و القسم الثاني : في الأخبار المفصلة عن الغيوب ، مثل هذا الخبر ، فإنه لا يحتمل التلبيس ، لتقييده بالعدد المعين في أصحابه و في الخوارج ، و وقوع الأمر بعد الحرب بموجبه من غير زيادة و لا نقصان ، و ذلك أمر إلهي عرفه من جهة رسول الله (ص) و عرفه رسول الله (ص) من جهة الله سبحانه . و القوة البشرية تقصر عن إدراك مثل هذا ، و لقد كان له من هذا الباب ما لم يكن لغيره ...

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج7/ 47 ، ط. دار احياء الكتب العربية : تحت عنوان فصل في ذكر أمور غيبية أخبر بها الإمام ثم تحققت قال : و اعلم أنه ع قد أقسم في هذا الفصل بالله الذي نفسه بيده أنهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم و بين القيامة إلا أخبرهم به و أنه ما صح من طائفة من الناس يهتدي بها مائة و تضل بها مائة إلا و هو مخبر لهم إن سألوه برعاتها و قائدها و سائقها و مواضع نزول ركابها و خيولها و من يقتل منها قتلا و من يموت منها موتا و هذه الدعوى ليست منه عليه ع ادعاء الربوبية و لا ادعاء النبوة و لكنه كان يقول إن رسول الله ص أخبره بذلك و لقد امتحنا إخباره فوجدناه موافقا فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة كإخباره عن الضربة يضرب بها في رأسه فتخضب لحيته و إخباره عن قتل الحسين ابنه ع و ما قاله في كربلاء حيث مر بها و إخباره بملك معاوية الأمر من بعده و إخباره عن الحجاج و عن يوسف بن عمر و ما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان و ما قدمه إلى أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم و صلب من يصلب و إخباره بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين و إخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما شخص ع إلى البصرة لحرب أهلها و إخباره عن عبد الله بن الزبير و قوله فيه خب ضب يروم أمرا و لا يدركه ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا و هو بعد مصلوب قريش و كإخباره عن هلاك البصرة بالغرق و هلاكها تارة أخرى بالزنج و هو الذي صحفه قوم فقالوا بالريح و كإخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان و تنصيصه على قوم من أهلها يعرفون ببني رزيق بتقديم المهملة و هم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين و ولده و إسحاق بن إبراهيم و كانوا هم و سلفهم دعاة الدولة العباسية و كإخباره عن الأئمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان كالناصر و الداعي و غيرهما ، و كإخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة و قوله إنه يقتل عند أحجار الزيت و كقوله عن أخيه إبراهيم المقتول بباب حمزة ـ الصحيح باب خمرى ـ: يقتل بعد أن يظهر و يقهر بعد أن كإخباره عن قتلى وج ـ وأظن هم قتلى فخ الذين استشهدوا في عهد الهادي العباسي ، وهم من أبناء الحسن المجتبى سبط رسول الله (ص) و قوله فيهم هم خير أهل الأرض و كإخباره عن المملكة العلوية بالغرب و تصريحه بذكر كتامة و هم الذين نصروا أبا عبد الله الداعي المعلم و كقوله و هو يشير إلى أبي عبد الله المهدي و هو أولهم ثم يظهر صاحب القيروان الغض البض ذو النسب المحض المنتجب من سلالة ذي البداء المسجى بالرداء و كان عبيد الله المهدي أبيض مترفا مشربا بحمرة رخص البدن تار الأطراف و ذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد ع و هو المسجى بالرداء لأن أباه أبا عبد الله جعفر الصادق سجاه بردائه لما مات و أدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته و تزول عنهم الشبهة في أمره .

و كإخباره عن بني بويه و قوله فيهم و يخرج من ديلمان بنو الصياد إشارة إليهم و كان أبوهم صياد السمك يصيد منه بيده ما يتقوت هو و عياله بثمنه فأخرج الله تعالى من ولده لصلبه ملوكا ثلاثة و نشر ذريتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم . و كقوله ع فيهم ثم يستشري أمرهم حتى يملكوا الزوراء و يخلعوا الخلفاء فقال له قائل فكم مدتهم يا أمير المؤمنين ؟ فقال مائة أو تزيد قليلا .

فأما خلعهم للخلفاء فإن معز الدولة خلع المستكفي و رتب عوضه المطيع و بهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة خلع الطائع و رتب عوضه القادر و كانت مدة ملكهم كما أخبر به (ع) .

و كإخباره (ع) لعبد الله بن العباس رحمه الله تعالى عن انتقال الأمر إلى أولاده فإن علي بن عبد الله لما ولد أخرجه أبوه عبد الله إلى علي (ع) فأخذه و تفل في فيه و حنكه بتمرة قد لاكها و دفعه إليه و قال خذ إليك أبا الأملاك .

هكذا الرواية الصحيحة و هي التي ذكرها أبو العباس المبرد في كتاب الكامل . [ وبعد نقل ابن أبي الحديد كل هذا الكلام قال ] : و كم له من الأخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى مما لو أردنا استقصاءه لكسرنا له كراريس كثيرة و كتب السير تشتمل عليها مشروحة . انتهى كلام ابن أبي الحديد . " المترجم "

(66) سورة الزمر ، الآية 9 .

(67) سورة يونس ، الآية 35 .

(68) وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة : و من العلوم علم تفسير القرآن و عنه أخذ و منه فرع ، و إذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك لأن أكثره عنه و عن عبد الله بن عباس ، و قد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له ، و انقطاعه إليه ، و أنه تلميذه ، و قيل له : أين علمك من علم ابن عمك ؟ فقال كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط .

(69) السفاح بمعنى الفصيح ، القادر على الكلام ، والرجل المعطاء ، وليس بمعنى سفك الدماء .. راجع لسان العرب مادة (سفح) .