فهرس الكتاب

 

المجلس السادس

ليلة الأربعاء28 رجب 1345 هجرية

 

قبل غروب الشمس جاءني إلى البيت حضرة الفاضل غلام إمامين ، وكان تاجراً محترماً من أهل السنة ، وهو رجل كيس ورزين ، كان يحضر مجلس الحوار في كل ليلة.

جاءني وقال : أيها السيد الجليل إنما جئت في هذا الوقت وقبل مجيء رفاقي ، لأخبرك بأنك كسبت قلوبنا ونورتها بكلامك الحلو وبيانك العذب ، فانجذب أكثر الحاضرين نحوك ، فقد كشفت لنا ما كان مستورا وبينت لنا الحق الذي كان مجهولا .

واعلم أننا حين انصرفنا في الليلة الماضية من المجلس، وقع اختلاف شديد بيننا وبين علمائنا وعاتبناهم عتابا شديدا على إخفائهم هذه الحقائق عنا وإغوائنا بالأكاذيب والأباطيل ، وكاد الأمر يؤول من التشاجر إلى التناحر ، ولكن بعض العقلاء والكبار توسطوا في البين وأنهوا القضية بسلام .

ولما صار وقت المغرب تهيأت وقمت للصلاة ، واقتدى بي كل من كان في البيت ، وصلى غلام إمامين أيضا معنا جماعة.

وبعد إتمامنا الصلاة ، جاء العلماء ومعهم الأصحاب والرفاق ، فأكرمهم صاحب البيت ورحب بهم ورحبت بهم بدوري ، وبعدما شربوا الشاي وتناولوا الحلوى ، وجه الأستاذ نواب عبد القيوم خان نظره إلي واستأذن للسؤال ، فأذنت له .

فقال : نسألكم أن تتموا موضوع الليلة الماضية حول الآية الكريمة : ( محمد رسول الله والذين معه ... )

قلت : إذا أذن لي المشايخ الحاضرون ، فلا مانع لدي .

الحافظ ـوكان في حالة غضب ـ : لا مانع ... تكلموا ونحن نستمع .

قلت : لقد بينت لكم في الليلة الماضية بعض الإشكالات الأدبية على تأويل الآية وتطبيقها على الخلفاء الراشدين .

وأما في هذه الليلة فنبحث فيها من جهات أخرى حتى ينكشف الحق للحاضرين .

إن جناب الشيخ عبد السلام سلمه الله تعالى أول كل صفه من الصفات الأربعة في الآية الكريمة على أحد الراشدين بالترتيب فأقول :

أولا : لم يذكر أحد من المفسرين في شأن نزول الآية ، هذا التأويل .

ثانيا : كلنا يعرف أن الصفات الأربعة المذكورة إذا اجتمعت كلها في شخص واحد ، فهو المراد من الآية الكريمة .

وأما إذا تحقق بعضها في شخص ، فلا يكون ذلك هو مقصود الآية ومرادها .

ونحن إذا نظرنا في تاريخ الإسلام نظر تحقيق وتعمق ، ودرسنا حياة الصحابة دراسة تحليلية ، ونظرنا في سيرتهم نظرة استقلالية ، بعيدا عن الأغراض النفسية والعوارض القلبية ، لوجدنا أن كل الصفات المذكورة في الآية الكريمة ما اجتمعت في واحد من الصحابة سوى مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام .

الحافظ : إنكم معشر الشيعة تغالون في حق سيدنا علي كرم لله وجهه ، فكلما وجدتم آية في وصف المؤمنين والمتقين والمحسنين والصالحين ، تقولون : نزلت في شأن الإمام علي !!

قلت : هذا اتهام وافتراء آخر منكم ، نحن الشيعة لا نغالي في حق مولانا لإمام علي عليه السلام ، وإنما نواليه ولا نبغضه ، كما أراد الله سبحانه ، فلذلك نقول فيه ما هو حقه ، وإنه لظاهر كالشمس في الضحى .

من ينكر فضلك يا حيدر؟

هل ضوء الشمس ضحى ينكر ؟

وكل ما نقوله نحن في أمير المؤمنين عليه السلام إنما هو من كتبكم ومصادركم !

الآيات النازلة في شأن علي عليه السلام:

وأما الآيات المباركة الكثيرة التي نقول بأنها نزلت في شأن الإمام علي عليه السلام وفضله ، إنما نذكر رواياتها وتفاسيرها من كتبكم المعتبرة ومن تفاسير علمائكم الأعلام .

فإن الحافظ أبو نعيم ، صاحب كتاب " ما نزل من القرآن في علي " والحافظ أبو بكر الشيرازي ، صاحب كتاب " نزول القرآن في علي" والحاكم الحسكاني ، صاحب كتاب " شواهد التنزيل" فهؤلاء من علماء الشيعة أم من علمائكم ؟؟

والمفسرون الكبار ، أمثال : الإمام الثعلبي والسيوطي والطبري والفخر الرازي والزمخشري ، والعلماء الأعلام ، أمثال: ابن كثير ومسلم والحاكم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبي داود وأحمد بن حنبل وابن حجر والطبراني والكنجي والقندوزي ، وغيرهم ، الذين ذكروا في كتبهم ومسانيدهم وصحاحهم ، الآيات القرآنية التي نزلت في شأن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ...

هل هم من علماء الشيعة أم من أهل السنة والجماعة ؟؟

ولقد روى الحسكاني ، والطبراني ، والخطيب البغدادي في تاريخه ، وابن عساكر في تاريخه ، في ترجمة الإمام علي عليه السلام ، وابن حجر في الصواعق : 76 ، ونور الأبصار : 73 ، ومحمد بن يوسف الكنجي في " كفاية الطالب " في أوائل الباب الثاني والستين ، في تخصيص علي عليه السلام بمائة منقبة دون سائر الصحابة ، بإسنادهم عن ابن عباس ، قال : نزلت في علي بن أبي طالب ثلاثمائة آية .

وروى العلامة الكنجي في الباب الحادي والثلاثين بإسناده عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله ( ص ) ما أنزل الله تعالى آية فيها : ( يا أيها الذين آمنوا ) إلا وعلي رأسها وأميرها .

ورواه عن طريق آخر : إلا وعلي رأسها وأميرها وشريفها .

وروى في الباب عن ابن عباس أيضا أنه قال : ولقد عاتب الله عز وجل أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في غير آي من القرآن وما ذكر عليا إلا بخير .

فمع هذه الأخبار المتظافرة والروايات المعتبرة الجمة التي رواها كبار علمائنا ومحدثيهم ، نحن لا نحتاج لوضع الأحاديث وجعل الأخبار في شأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وإثبات فضله وجلالته وخلافته .

فإن رفعة مقامه وسمو شأنه وعلو قدره يلوح للمنصفين في سماء العلم والمعرفة ، كشمس الضحى في وسط السماء ، لا ينكرها إلا فاقدي البصر أو السفهاء .

وكما ينسب إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي ـ أو غيره من الأعلام ـ أنه حين سئل عن فضل الإمام علي عليه السلام قال : ما أقول في رجل ، أخفى أعداؤه فضائله بغضا وحسدا ، وأخفى محبوه فضائله خوفا ورهبا ، وهو بين ذين وذين قد ملأت فضائله الخافقين(1).

وأما حول الآية الكريمة ، فإني كل ما أقوله فهو من كتبكم وأقوال علمائكم ، كما إني إلى الآن ما تمسكت بأقوال الشيعة في محاوراتي معكم ، ولا أحتاج أن أتمسك بها في محاوراتي الآتية أيضا إن شاء الله تعالى .

وأما تطبيق الآية الكريمة : ( محمد رسول الله والذين معه ... ) على مولانا وسيدنا الإمام علي عليه السلام ، فهو ليس قولي فحسب ، بل أذكر جيدا أن العلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي ، في كتابه " كفاية الطالب" في الباب الثالث والعشرين ، وبعد روايته للحديث النبوي الشريف الذي يشبه فيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بالأنبياء والمرسلين عليهم السلام .. فيقول العلامة الكنجي في شرحه للحديث : ... وشبهه بنوح في حكمته ، وفي رواية في حكمه ، وكأنه أصح لأن عليا عليه السلام كان شديدا على الكافرين رؤوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله : ( والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) وأخبر الله عز وجل عن شدة نوح عليه السلام على الكافرين بقوله : ( .. رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا )(2) ... إلى آخر كلام العلامة الكنجي .

وأما قول الشيخ عبد السلام : بأن ( والذين معه ) إشارة إلى أبي بكر لأنه كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار .

فإني أجبت بأن صحبته كانت من باب الصدفة ، ولو سلمنا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذه معه لاعن صدفة ، فهل مرافقة أيام قلائل وصحبة سفر واحد ، تساوي مرافقة أكثر العمر وصحبة سنين عديدة هي التي قضاها مولانا الإمام علي عليه السلام تحت رعاية النبي (ص) وتعلم عنده وتأدب بآدابه وتربى على يده وتحت إشرافه ؟!

فلو أنصفتم لقلتم : إن عليا أخص من أبي بكر في هذه الصفة أيضا ، لأن رسول الله (ص) أخذه من أبي طالب ورباه في حجره وعلمه وأدبه ، فكان أول من آمن به وعمره حينذاك عشر سنين ، آمن علي عليه السلام حين كان أبو بكر وعمر وعثمان وأبو سفيان ومعاوية وغيرهم من المسلمين ، كفارا مشركين ، يعبدون الأوثان ويسجدون للأصنام ، وعلي ما سجد لصنم قط ، كما صرح كثير من علمائكم .

النبي (ص) مربي علي عليه السلام ومعلمه:

لقد ذكر بعض علمائكم موضوع تربية النبي عليا من الصغر .

منهم ابن الصباغ المالكي في كتابه " الفصول المهمة " فإنه خصص فصلا في الموضوع .

ومنهم محمد بن طلحة الشافعي في كتابه " مطالب السؤول " في الفصل الأول .

والحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب السادس والخمسين ، ص 238 المكتبة الحيدرية ، نقلا عن " ذخائر العقبى " للطبري .

والثعلبي في تفسيره عن مجاهد .

وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13/198 ط دار إحياء الكتب العربية ، نقلا عن الطبري في تاريخه(3) ، روى بإسناده عن مجاهد قال كان من نعمة الله عز و جل على علي بن أبي طالب ع و ما صنع الله له و أراده به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة و كان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله ص للعباس و كان من أيسر بني هاشم يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال و قد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة فانطلق بنا فلنخفف عنه من عياله آخذ من بيته واحدا و تأخذ واحدا فنكفيهما عنه فقال العباس نعم فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما إن تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما فأخذ رسول الله ص عليا فضمه إليه و أخذ العباس جعفرا رضي الله عنه فضمه إليه فلم يزل علي بن أبي طالب ع مع رسول الله ص حتى بعثه الله نبيا فاتبعه علي ع فأقر به و صدقه و لم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم و استغنى عنه(4).

وقال ابن الصباغ المالكي بعد نقله للرواية : فلم يزل علي عليه السلام مع رسول الله (ص) حتى بعث الله عز وجل محمدا نبيا ، فاتبعه علي عليه السلام وآمن به وصدقه ، وكان إذ ذاك في السنة الثالثة عشر من عمره لم يبلغ الحلم ، وإنه أول من أسلم وآمن برسول الله (ص) من الذكور .

علي عليه السلام أول من آمن:

ثم ينقل ابن الصباغ المالكي ، قول الإمام الثعلبي في تفسيره للآية الكريمة ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ..)(5) ، إنه روى عن ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن أرقم ومحمد بن المنكدر وربيعة المرائي ، أنهم قالوا : أول من آمن برسول الله (ص) بعد خديجة أم المؤمنين ، هو علي بن أبي طالب .

وهذا الموضوع الهام صرح به كبار علمائكم الأعلام ، مثل : البخاري ومسلم في الصحيح ، والإمام أحمد في مسنده ، وابن عبد البر في الاستيعاب : 3/32 والإمام النسائي في الخصائص ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة : 63 والحافظ سليمان القندوزي في الينابيع باب 12ـ نقلا عن مسلم والترمذي ، وابن أبي الحديد في شرح النهج : 13/224 ط احياء الكتب العربية ، والحمويني في فرائد السمطين ، والمير السيد الهمداني في مودة القربى ، والترمذي في الجامع :2/214 ، وابن حجر في الصواعق ، ومحمد بن طلحة القرشي في مطالب السؤول ـ الفصل الأول ـ وغيرهم من كبار علمائكم ومحدثيكم ذكروا بأن : النبي (ص) بعث يوم الاثنين وآمن به علي يوم الثلاثاء ـ وفي رواية : وصلى علي يوم الثلاثاء ـ وقالوا : إنه أول من آمن برسول الله (ص) من الذكور .

كما جاء في مطالب السؤول : ولما أنزل الوحي على رسول الله (ص) وشرفه الله سبحانه وتعالى بالنبوة كان علي عليه السلام يومئذ لم يبلغ الحلم ، وكان عمره إذ ذاك في السنة الثالثة عشر ، وقيل : أقل من ذلك ، وقيل : أكثر منه ، وأكثر الأقوال وأشهرها : أنه لم يكن بالغا ، فإنه أول من أسلم وآمن برسول الله (ص) من الذكور ، وقد ذكر عليه السلام ذلك وأشار إليه في أبيات قالها ونقلها عنه الثقات ورواها النقلة الاثبات ، وهي :

محمد النبي أخي وصنوي * وحــــمـزة سيد الشهداء عمي

وجعفر الذي يضحي ويمسي * يطيـر مع الملائكة ابن أمي

وبنت محمد سكني وعرسي * منـــوط لحمها بلحمي ودمي

سبقتكم إلى الإســــلام طــرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي

وأوجب لي ولايته عليكــــم * رسول الله يــــوم غـدير خــم

فويل ثم ويل ثم ويل لمن يلقى * الإلــــه غـــــدا بظلمي(6)

ونقل الطبري في تاريخه : 2/ 241 والترمذي في الجامع : 2 ص 215 والإمام أحمد في مسنده : 4/ 368 وابن الاثير في تاريخه الكامل : 2/22 والحاكم في المستدرك : 4/336 ومحمد بن يوسف القرشي الكنجي في كفاية الطالب : الباب الخامس والعشرون ، وغيرهم من علمائكم الثقات رووا بإسنادهم عن ابن عباس : أول من صلى علي بن أبي طالب عليه السلام(7).

وروى الحاكم الحسكاني في كتابه " شواهد التنزيل " في ذيل الآية ( السابقون الأولون ...) بسنده عن عبد الرحمن بن عوف ، أن عشرة من قريش آمنوا وكان أولهم علي بن أبي طالب .

وروى كثير من علمائكم ـ منهم الإمام أحمد في مسنده ، والخطيب الخوارزمي في " المناقب" والحافظ سليمان الحنفي القندوزي في الباب الثاني عشر من " الينابيع " وغيرهم ـ بإسنادهم عن أنس بن مالك ، أن النبي (ص) قال : صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنه لم ترفع شهادة أن لا إله إلا الله إلى السماء ، إلا مني ومن علي .

وأما ابن أبي الحديد في سرح نهج البلاغة : 4/125 ط دار إحياء الكتب العربية ، بعدما نقل روايات كثيرة في سبق علي عليه السلام إلى الإيمان ، وأخرى مخالفة ، قال : فدل مجموع ما ذكرناه أن عليا عليه السلام أول الناس إسلاما وأن المخالف في ذلك شاذ ، والشاذ لا يعتد به .

وهذا الإمام الحافظ أحمد بن شعيب النسائي ، صاحب واحد من الصحاح الستة عندكم ، له كتاب " خصائص الإمام علي عليه السلام " فإنه روى أول حديث في هذا الكتاب بإسناده عن زيد بن أرقم ، قال : أول من صلى مع رسول الله (ص) علي رضي الله عنه .

وابن حجر الهيتمي ـ مع شدة تعصبه ـ يرى أن عليا عليه السام أول من آمن ، كما في الفصل الثاني من كتابه " الصواعق المحرقة " .

ونقل الحافظ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه " ينابيع المودة " في الباب الثاني عشر ، نقل واحدا وثلاثين خبرا ورواية عن الترمذي والحمويني وابن ماجة وأحمد بن حنبل والحافظ أبي نعيم والامام الثعلبي وابن المغازلي وأبي المؤيد الخوارزمي والديلمي وغيرهم ، بعبارات مختلفة والمعنى واحد ، وهو أن عليا عليه السلام أول من أسلم وآمن وصلى مع رسول الله (ص) .

وينقل رواية شريفة في آخر الباب ، من كتاب المناقب بالاسناد عن أبي زبير المكي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، أنقلها لكم إتماما للحجة وإكمالا للفائدة .

عن رسول الله (ص) قال : " إن الله تبارك و تعالى اصطفاني و اختارني و جعلني رسولا ، وأنزل علي سيد الكتب ، فقلت : إلهي و سيدي ، إنك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيرا ، تشد به عضده و يصدق به قوله و إني أسألك يا سيدي و إلهي ، أن تجعل لي من أهلي وزيرا تشد به عضدي ، فاجعل لي عليا وزيرا وأخا ، واجعل الشجاعة في قلبه، و ألبسه الهيبة على عدوه ، وهو أول من آمن بي و صدقني و أول من وحد الله معي .

و إني سألت ذلك ربي عز و جل فأعطانيه ، فهو سيد الأوصياء ، اللحوق به سعادة ، و الموت في طاعته شهادة ، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي ، وزوجته الصديقة الكبرى ابنتي . و ابناه سيدا شباب أهل الجنة ابناي ، وهو وهما والأئمة بعدهم حجج الله على خلقه بعد النبيين ، وهم أبواب العلم في أمتي ، من تبعهم نجا من النار ، ومن اقتدى بهم هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، لم يهب الله عز و جل محبتهم لعبد إلا أدخله الله الجنة " .

فهذا قليل من كثير مما نقله حملة الأخبار ، من علمائكم الكبار ، في هذا المضمار ، ولو نقلتها كلها لطال بنا المجلس في موضوع واحد إلى النهار ، ولكن أكتفي بهذه النماذج التي ذكرتها لكي يعرف العلماء والحاضرون أن الإمام علي عليه السلام كان مع النبي (ص) منذ صغره وقبل أن يبعث .

وحينما بعث (ص) بالنبوة ، آمن به علي عليه السلام ولازمه ولم يفارقه أبدا .

فهو أولى وأجلى لمصداق الآية : ( والذين معه ) من الذي صاحب النبي وكان معه في سفر واحد .

شبهة على الموضوع وردها:

الحافظ : نحن كلنا نقول بما تقولون ، ونقر بأن عليا كرم الله وجهه أول من آمن ، وأن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة آمنوا بعده بمدة من الزمن ، ولكن إيمان أولئك يفرق عن إيمان علي بن أبي طالب إذ لا يحسب العقلاء إيمانه في ذلك الزمان فضيلة ، ويحسبون إيمان أولئك المتأخرين عنه فضيلة !

لأن عليا كرم الله وجهه ، آمن وهو صبي لم يبلغ الحلم ، وأولئك آمنوا وهم شيوخ كبار في كمال العقل والإدراك .

ومن الواضح أن إيمان شيخ محنك ومجرب ذي عقل وبصيرة أفضل من إيمان طفل لم يبلغ الحلم .

وأضف على هذا أن إيمان سيدنا علي تقليدا وإيمانهم كان تحقيقا وهو أفضل من الإيمان التقليدي .

قلت : إني أتعجب من هذا الكلام ، وأنتم علماء القوم ! أنا لا أنسبكم إلى اللجاج والعناد والتعصب ، ولكن أقول : إنكم تفوهتم من غير تفكر ، وتكلمتم من غير تدبر ، تبعا لأسلافكم الذي قلدوا بني أمية وتبعوا الناصبين العداء للعترة الهادية !

والآن ، لكي يتضح لكم الأمر ، أجيبوا على سؤالي :

هل إن عليا عليه السلام حين آمن صبيا ، كان إيمانه بدعوة من رسول الله (ص) أم من عند نفسه ؟!

الحافظ : أولا : لماذا تنزعجون من طرح الشبهة وتتضجرون من إيراد الإشكال ، فإذا لم نطرح ما يختلج في صدورنا من الشبهات ، ولا نستشكل على كلامكم ، فلن يصدق على مجلسنا اسم الحوار والمناظرة ، فقد اجتمعنا هنا لنعرف الحق ، وهذا يقتضي أن نطرح كل ما يكون في أذهاننا من الشبهات والإشكالات حول مذهبكم وعقائدكم ، فإن دفعتم الشبهات ورفعتم الاشكالات وأوضحتم الحق ، يلزم علينا أن نصدقكم ونعتنق مذهبكم ، وإذا لم تتمكنوا من ذلك فيلزم عليكم تصديق مذهبنا وترك مذهبكم .

ثانيا : وأما جواب سؤالكم ، أقول : من الواضح أن عليا كرم الله وجهه إنما آمن بدعوة من النبي (ص) لا من عند نفسه .

قلت : هل إن النبي (ص) حين دعا عليا عليه السلام إلى الإيمان كان يعلم أن لا تكليف على الطفل الذي لم يبلغ الحلم أم لا ؟!

إذا قلتم : ما كان يعلم ! فقد نسبتم الجهل إلى النبي (ص) وذلك لا يجوز ، لأنه (ص) مدينة العلم ، ولا يخفى عليه شيء من الأحكام .

وإذا قلتم : إنه (ص) كان يعلم أن لا تكليف على الطفل ومع ذلك دعا عليا عليه السلام وهو صبي إلى الإيمان بالله والإيمان برسالته ، فيلزم من قولكم إن النبي (ص) قام بعمل لغو وعبث ، والقول بهذا في حد الكفر بالله سبحانه !

لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤيد بالعصمة ، ومسدد بالحكمة من الله تعالى وهو بريء من اللغو والعبث ، وقد قال عز وجل في شأنه :

( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )(8).

فضيلة سبق علي عليه السلام إلى الإيمان:

لقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليا عليه السلام إلى الإيمان ، فاستجاب وآمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم .

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم سيد العقلاء والحكماء ، ولا يصدر منه عمل اللغو والعبث ، فلابد أنه رأى عليا عليه السلام أهلا وكفوا ، فدعاه إلى الإيمان صبيا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قابلية الإمام علي عليه السلام ولياقته وكماله وفضله وتميزه و وفور عقله .

وصغر السن لا ينافي الكمال العقلي ، وبلوغ الحلم وحده لا يكون سبب التكليف ، فإن هناك من بلغ الحلم ولم يكلف ـ لقصر عقله وسفهه ـ وبالعكس، نجد من لم يبلغ الحلم ، لكن الله كلفه بأعظم التكاليف ، كما قال سبحانه وتعالى في شأن يحي عليه السلام : ( وآتيناه الحكم صبيا ) (9).

وقال تعالى حكاية عن عيسى بن مريم : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا )(10) .

قال هذه الجملة ، وهو صبي في المهد ، فالحكم المأتي ليحيى إنما كان تكليفا من الله تعالى ليحي عليه السلام ، والنبوة كذلك تكليف من عند الله عز وجل لعيسى بن مريم عليه السلام ، وهذان التكليفان لهذين الصبيين ، دليل على عظمة شأنهما وكمالهما وكفايتهما وفضلهما و وفور عقلهما .

وإيمان الإمام علي عليه السلام بدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو تكليف موجه من هذا القبيل ، وهو على فضله وكماله أكبر دليل !

وقد أشار سيد الشعراء إسماعيل الحميري ـ المتوفي سنة 179 هجرية ـ إلى هذه الفضيلة قائلا :

وصـــي محمــد وأبــو بنـيــــه * و وارثه وفارسه الوفيا

وقد أوتي الهدى والحكم طفلا * كيحيى يوم أوتيه صبيــا

كما كان الإمام علي عليه السلام يشيد بهذه الفضيلة ويفتخر بها كما مر في أشعاره :

سبقتكم إلى الإسلام طفلا صغيرا * ما بلغــــت أوان حـــــلـــــمي(11)

وإذا كان إيمانه في الصغر لا يعد فضيلة ، فلماذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينوه به ويشير إليه؟! وما ذلك إلا ليسجل له فضيلة أخرى ، تضاف إلى فضائله الجمة؟!

فقد روى الحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " الباب السادس والخمسين ، عن محب الدين الطبري المكي في كتابه" ذخائر العقبى" بسنده عن عمر بن الخطاب ، أنه قال:

كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة وجماعة إذ ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منكب علي فقال: يا علي ! أنت أول المؤمنين أيمانا ، وأولهم إسلاما ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى .

وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس ، أنه قال: كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح وجماعة من الصحابة عند النبي ( ص ) إذ ضرب على منكب علي بن أبي طالب( ع ) فقال: أنت أول المسلمين إسلاما ، وأنت أول المؤمنين إيمانا ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، كذب يا علي من زعم أنه يحبني ويبغضك .

ورواه ابن الصباغ المالكي عن ابن عباس أيضا في الفصول المهمة( 125 ) وروى الإمام أحمد بن شعيب بن سنان النسائي في الخصائص وموفق بن أحمد الخطيب الخوارزمي في" المناقب" مختصرا ، وابن عساكر في تاريخه مختصرا ، وأخرجه المتقي الهندي في كنز العمال 6/395 ، وهذا نصه :

من مسند عمر ، عن ابن عباس قال : قال عمر بن الخطاب : كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب ، فإني سمعت رسول الله ( ص ) يقول في علي ثلاث خصال ، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح ونفر من أصحاب رسول الله( ص ) والنبي متكىء على علي بن أبي طالب ، حتى ضرب بيده على منكبه ثم قال: أنت يا علي أول

المؤمنين إيمانا ، وأولهم إسلاما ، أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وكذب علي من زعم أنه يحبني ويبغضك .

وفي رواية ابن الصباغ المالكي أضاف : من أحبك فقد أحبني ، ومن أحبني أحبه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله تعالى وأدخله النار(12).

وروى الطبري في تاريخه عن محمد بن سعد بن أبي وقاص ، قال :

سألت أبي: هل إن أبا بكر أول من آمن بالنبي ( ص ) ؟

فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلا ، ولكنه كان أفضل منا في الإسلام .

ولقد ذكر الطبري أيضا فقال : ولقد أسلم قبل عمر بن الخطاب خمسة وأربعون رجلا وإحدى وعشرون امرأة ، ولكن أسبق الناس إسلاما وإيمانا فهو علي بن أبي طالب .

ميزة إيمان علي عليه السلام :

ثم إن لإيمان علي عليه السلام ميزة على إيمان غيره ، وهي أن إيمانه عليه السلام كان عن فطرة غير مسبوق بكفر أو شرك ، فإنه بدأ حياته التكليفية بالإيمان ولم يشرك بالله سبحانه طرفة عين ، بينما الآخرون بدءوا بالكفر والشرك ثم آمنوا ، فكان إيمانهم مسبوق بالكفر والشرك ، وإيمان الإمام علي عليه السلام كان عن فطرة ، وهو فضيلة عظيمة وميزة كريمة امتاز بها عن غيره .

لذا قال الحافظ أبو نعيم في كتابه " ما نزل من القرآن في علي عليه السلام" والمير السيد علي الهمداني في كتابه" مودة القربى" نقلا عن ابن عباس أنه قال: والله ما من عبد آمن بالله إلا وقد عبد صنم ، إلا علي بن أبي طالب ، فإنه آمن بالله من غير أن يعبد صنما .

وروى محمد بن يوسف الكنجي القرشي في" كفاية الطالب" الباب الرابع والعشرون ، بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: سباق الأمم ثلاثة لم يشركوا بالله طرفة عين : علي بن أبي طالب ، وصاحب ياسين ، ومؤمن آل فرعون ؛ فهم الصديقون ، حبيب النجار مؤمن أو صاحب ياسين ، وحزقيل مؤمن آل فرعون ، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم(13).

وفي " نهج البلاغة" قال علي عليه السلام: فإني ولدت على الفطرة ، وسبقت إلى الإيمان والهجرة .

وروى الحافظ أبو نعيم وابن أبي الحديد وغيرهما ، أن عليا عليه السلام لم يكفر بالله طرفة عين .

وروى الإمام أحمد في المسند ، والحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " عن ابن عباس ، أنه قال لزمعة بن خارجة : إنه عليا لم يعبد صنما ، ولم يشرب خمرا ، وكان أول الناس إسلاما .

وأخيرا أتوجه إلى من يقول بأن إيمان الشيخين أفضل من إيمان علي عليه السلام فأسأله : أما سمع الحديث النبوي الشريف الذي رواه كبار علماء العامة ، منهم : ابن المغازلي في المناقب ، والإمام أحمد في المسند ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، والحافظ سليمان الحنفي في " ينابيع المودة " وغيرهم ، رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لو وزن إيمان علي وإيمان أمتي لرجح إيمان علي على إيمان أمتي إلى يوم القيامة .

وروى الإمام الثعلبي في تفسيره ، والخوارزمي في المناقب ، والمير السيد علي الهمداني في المودة السابعة من كتابه" مودة القربى" عن عمر بن الخطاب ، قال : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لو أن السموات السبع والأرضين السبع وضعن في كفة ميزان ووضع إيمان علي في كفة ميزان لرجح إيمان علي(14).

وفي ذلك يقول سفيان بن مصعب الكوفي :

أشهد بالله لـــقـد قــــال لنـــا * محـــــــمد والقول منه ما خفـــى

لوأن إيمان جميع الخلق ممن * سكن الأرض ومن حل السما

يجعل في كفـــــة ميزان لكـي * يوفي بإيمـــــان علي مـــا وفى

علي عليه السلام أفضل الأمة:

روى المير السيد علي الهمداني ، الفقيه الشافعي ، في كتابه " مودة القربى" أخبارا متظافرة في أفضلية الإمام علي عليه السلام على جميع الصحابة ، بل على جميع الأمة .

قال في المودة السابعة : عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : أفضل رجال العالمين في زماني هذا علي عليه السلام(15).

وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة : 1/9 : وأما نحن فنذهب إلى ما ذهب إليه شيوخنا البغداديون ، من تفضيله( ع ) ـ أي : علي ـ وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الفضل ، وهل المراد به الأكثر ثوابا ، أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة ، وبينا أنه عليه السلام أفضل على التفسيرين معا .

وقال في11/119: وقع بيدي بعد ذلك كتاب لشيخنا أبي جعفر الإسكافي ، ذكر فيه أن مذهب بشر بن المعتمر ، وأبي موسى ، وجعفر بن بشر، وسائر قدماء البغداديين ، أن أفضل المسلمين علي ابن أبي طالب ، ثم ابنه الحسن ، ثم ابنه الحسين ، ثم حمزة بن عبدالمطلب ، ثم جعفربن أبي طالب...إلخ .

وبعد نقله هذا القول ، وعده عقيدة المعتزلة ، ينظم فيه شعرا ، فيقول :

وخير خلق الله بعد المصطفى * أعظمهم يوم الفخار شرفا

الـسـيــد الــمعـــظـــم الوصي * بعـد البتول المرتضى علي

وابناه ثم حمزة وجـعــفـــــر ثم * عـــتـــيق بعـــدهم لا ينكر

الشيخ عبدالسلام : لو كنت تطالع أقوال العلماء في أفضلية أبي بكر ( رض ) ما كنت تتمسك بغيره .

قلت : وأنتم إذا كنتم تتركون أقوال المتعصبين وتأخذون بأقوال المنصفين من علمائكم الأعلام ، لرأيتم رأينا وتمسكتم بقولنا في تفضيل الإمام علي عليه السلام .

ولكي تعرف دلائل وبراهين الطرفين أدلك على مصدر واحد كنموذج راجع : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 13/215 ـ295 ، فإنه ذكر في هذا الفصل من الكتاب كلام الجاحظ ، ودلائله على

أفضلية صاحبكم ، أبي بكر ، وذكر رد أبي جعفر الإسكافي وهو من أفاضل علماء السنة وكبار أعلام الأمة وشيخ المعتزلة ، وذكر دلائله وبراهينه العقلية والنقلية في تفضيل الإمام علي( ع ) على غيره من الأمة .

ومن جملة كلامه ـ في صفحة 275 ـ يقول أبو جعفر الإسكافي : إننا لا ننكر فضل الصحابة وسوابقهم ، ولسنا كالإمامية الذين يحملهم الهوى على جحد الأمور المعلومة ( لقد أصدر علينا حكما غيابيا ولو كنا لأجبناه ) .. قال: ولكننا ننكر تفضيل أحد من الصحابة على علي بن أبي طالب( ع ) انتهى .

فنستفيد من مجموع الأخبار والأحاديث وأقوال العلماء والمحدثين ، أن عليا عليه السلام لا يقاس به أحد من المسلمين . وأن مقامه أسمى وشأنه أعلى من الآخرين بمراتب ، فلا يمكن أن تقدموهم عليه بنقل بعض الأحاديث الضعيفة السند أو الدلالة .

ثم لا ينكر أن عليا عليه السلام هو أبو العترة وسيد أهل البيت عليهم السلام ، ولا يقاس بأهل البيت أحد من الأمة في الشأن والمرتبة ، فكيف بسيدهم وعَلَمهم ؟!

لقد روى المير السيد علي الهمداني الشافعي ، في المودة السابعة من كتابه " مودة القربى" عن أحمد بن محمد الكرزي البغدادي ، أنه قال:

سمعت عبدالله بن أحمد بن حنبل ، قال: سألت أبي عن التفضيل .

فقال: أبو بكر وعمر وعثمان . ثم سكت .

فقلت: يا أبه أين علي بن أبي طالب ؟!

قال: هو من أهل البيت ، لا يقاس به هؤلاء !

وإذا نريد أن نفسر كلام الإمام أحمد فنقول: يعني: أن عليا( ع ) لا يذكر في عداد الصحابة ، بل هو في مقام النبوة والإمامة .

ونجد خبرا آخر في المودة السابعة أيضا بهذا المعنى ، رواه عن أبي وائل ، عن ابن عمر ، قال: كنا إذا عددنا أصحاب النبي ( ص ) قلنا: أبو بكر وعمر وعثمان .

فقال رجل: يا أبا عبدالرحمن ! فعلي ما هو؟!

قال: علي من أهل البيت لا يقاس به أحد ، هو مع رسول الله( ص ) في درجته ، إن الله تعالى يقول: ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم . . . )(16).

ففاطمة مع رسول الله (ص) في درجته وعلي معهما(17).

وكان هذا الأمر واضحا وضوح الشمس في الضحى ، وكان من المسلمات ، ولذا نرى في المودة السابعة أيضا خبرا بهذا المعنى ، رواه عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : قال رسول الله (ص) يوم يحضر المهاجرون والأنصار ـ كذا ـ : يا علي ! لو أن أحدا عبد الله حق عبادته، ثم شك فيك وأهل بيتك ، أنكم أفضل الناس ، كان في النار!! انتهى

لما سمع أهل المجلس هذا الخبر استغفر أكثرهم الله ، وبالخصوص الحافظ محمد رشيد. استغفروا الله ، لأنهم كانوا يظنون أفضلية الآخرين !

هذه نماذج من الأخبار الكثيرة في تفضيل الإمام علي عليه السلام على الصحابة والمسلمين عامة ، وأضف عليها الحديث النبوي الشريف الذي رواه علماء الفريقين في يوم الخندق ومعركة الأحزاب حينما قتل الإمام علي ( ع ) بطل الأحزاب و قائدهم وحامل لوائهم عمرو بن عبد ود العامري وانهزم المشركون وانتصر المسلمون ، قال رسول الله( ص ) : ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين .

فإذا كان عمل واحد من مولانا الإمام علي ( ع ) هو أفضل من عبادة الجن والإنس ، فكيف بأعماله كلها ، من الجهاد في سبيل الله ، وتحمل الأذى في جنب الله ، وصلاته ، وصومه ، وإنفاقه الصدقات ، ورعايته الأرامل والأيتام في طول حياته المباركة؟!

فلا أرى أحدا مع ما ذكرناه ، ينكر تفضيل الإمام علي( ع ) على غيره ، إلا المعاند .

علي عليه السلام أفضل بدليل المباهلة:

قال تعالى: ( فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )(18).

اتفق المفسرون ، واجمع المحدثون ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امتثل أمر الله عز وجل في الآية الكريمة فأخذ معه الحسن والحسين عليهما السلام لأبنائنا ، وأخذ فاطمة الزهراء عليها السلام تطبيقا لكلمة نسائنا ، وأخذ الإمام عليا عليه السلام ، تطبيقا لكلمة أنفسنا.

ومن الواضح الذي لا يشك فيه إلا كافر ، أن رسول الله ( ص ) سيد الأولين والآخرين ، وخير الخلق ، وأفضل الخلائق ، وبحكم كلمة أنفسنا حيث جعل الله تعالى عليا( ع ) في درجة نفس النبي ، فصار هو كالنبي( ص ) في الفضل ، وأصبح خير الخلق ، وأفضل الخلائق(19).

فأذعنوا واعتقدوا أن مصداق ( والذين معه ) هو سيدنا ومولانا علي( ع )الذي كان من أول عمره ، ومن أول البعثة مع رسول الله( ص ) لم يدعه في الملمات ، وما تركه في الهجمات والطامات ، بل كان ناصره وحاميه ، يقيه بنفسه ، ويدافع عنه بسيفه ، ويفديه بروحه .

حتى أن رسول الله( ص ) فارقت روحه الدنيا ورأسه في حجر الإمام علي( ع ) كما قال في خطبة له في نهج البلاغة: ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد( ص ) أني لم أرد على الله ولا على رسوله ساعة قط ، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال ، وتتأخر الأقدام ، نجدة أكرمني الله بها .

ولقد قبض رسول الله( ص ) ، وإن رأسه لعلى صدري ، ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي ، ولقد وليت غسله والملائكة أعواني ... حتى واريناه في ضريحه ، فمن ذا أحق به مني حيا وميتا؟!

ولما وصلنا إلى نهاية خطبة الإمام أمير المؤمنين( ع ) صار وقت صلاة العشاء... فقطعنا كلامنا.. وبعدما أدوا الصلاة شربوا الشاي وتناولوا الفواكه والحلوى ، ولما انتهوا بدأت أنا بالكلام فقلت :

لقائل أن يقول : إذا كان علي( ع ) مع النبي( ص ) في كل مواقفه، فلماذا لم يرافقه بالهجرة من مكة إلى المدينة؟!

أقول: لأن عليا( ع ) قام في مكة بأعمال مهمة بعد النبي( ص ) كان قد ألقاها النبي( ص ) على عاتقه وأمره أن ينفذها ، لأنه( ص ) لم يعتمد على أحد يقوم مقامه ويقضي مهامه غير الإمام علي( ع ) لأن النبي( ص ) ـ كما نعلم ـ كان أمين أهل مكة ، حتى إن الكفار والمشركين كانوا يستودعون عنده أموالهم ولا يعتمدون على غيره في استيداع أماناتهم وحفظها ، فكان( ص ) يعرف بالصادق الأمين .

فخلف رسول الله( ص ) أخاه وابن عمه عليا( ع ) في مكة ليرد الودائع والأمانات إلى أهلها ، وبعد ذلك حمل معه بنت رسول الله وحبيبته فاطمة الزهراء التي كان يعز فراقها على أبيها ، وأخذ معه أمه فاطمة بنت أسد وابنة عمه فاطمة بنت الزبير بن عبدالمطلب وغيرهن فأوصلهن بسلام إلى المدينة المنورة عند رسول الله( ص ) .

فضيلة المبيت على فراش النبي ( ص ):

وإضافة إلى ما ذكرناه ، فإن عليا( ع ) إذا لم يدرك فضيلة مرافقة النبي ( ص ) في الهجرة ، فإنه عليه السلام أدرك مقاما أسمى بالإستقلال لا بالتبع ، وهو مبيته على فراش النبي( ص ) ليلتبس الأمر على الأعداء ، فيخرج رسول الله ( ص ) من بينهم بسلام .

فإذا كانت آية الغار تعد فضيلة لأبي بكر بأن حسبته ثاني إثنين ، فقد جعلته تابعا لرسول الله (ص) ، غير مستقل في كسب الفضيلة ، وإنما حصلها تبعا للنبي( ص ) .

بينما الإمام علي( ع ) حينما بات على فراش رسول الله( ص ) نزلت في شأنه آية كريمة سجلت له فضيلة مستقلة تعد من أعظم مناقبه ، وهي قوله تعالى : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد )(20).

وقد ذكر جمع كثير من كبار علمائكم الأعلام والمحدثين الكرام ، خبرا هاما بهذه المناسبة ، وإن كانت ألفاظهم مختلفة ولكنها متقاربة والمعنى واحد ، ونحن ننقله من كتاب" ينابيع المودة" للحافظ سليمان الحنفي ، الباب الحادي والعشرين ، وهو ينقله عن الثعلبي وغيره .

قال الحافظ سليمان : عن الثعلبي في تفسيره ، وابن عقبة في ملحمته، وأبو السعادات في فضائل العترة الطاهرة ، والغزالي في إحياء العلوم ، بأسانيدهم ، عن ابن عباس وعن أبي رافع وعن هند بن أبي هالة ربيب النبي ( ص ) ـ أمه خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ـ أنهم قالوا:

قال رسول الله( ص) : أوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل : إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه ، فأيكما يؤثر أخاه عمره ، فكلاهما كرها الموت ، فأوحى الله إليهما : إني آخيت بين علي وليي وبين محمد نبيي ، فآثر علي حياته للنبي ، فرقد على فراش النبي يقيه بمهجته . إهبطا إلى الأرض واحفظاه من عدوه .

فهبطا ، فجلس جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجعل جبرائيل يقول: بخ بخ ، من مثلك يا ابن أبي طالب ، والله عز وجل يباهي بك الملائكة !

فأنزل الله تعالى: ( ومن الناس من يشري.... ) .

أقول: الذين نقلوا هذا الخبر بألفاظ متقاربة وبمعنى واحد ، جمع كبير من أعلام العامة ، منهم: ابن سبع المغربي في كتابه " شفاء الصدور" والطبراني في الجامع الأوسط والكبير ، وابن الأثير في أسد الغابة 4/25 ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: 33 ، والفاضل النيسابوري ، والإمام الفخرالرازي ، وجلال الدين السيوطي ، في تفاسيرهم للآية الكريمة ، والحافظ أبونعيم في كتابه" مانزل من القرآن في علي" والخطيب الخوارزمي في" المناقب" ، وشيخ الإسلام الحمويني في" الفرائد" والعلامة الكنجي القرشي الشافعي في" كفاية الطالب" الباب الثاني والستين ، والإمام أحمد في المسند ومحمد بن جرير بطرق متعددة ، وابن هشام في " السيرة النبوية" والحافظ محدث الشام في" الأربعين الطوال" والإمام الغزالي في إحياء العلوم 3/223وأبو السعادات في" فضائل العترة الطاهرة" وسبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص: 21 ، وغير هؤلاء الأعلام .

ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13/262 ـ ط دار إحياء التراث العربي ـ قول الشيخ أبي جعفر الإسكافي ، قال: وقد روى المفسرون كلهم أن قول الله تعالى: ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ) أنزلت في علي( ع ) ليلة المبيت على الفراش.

فأرجو من الحاضرين ، وخاصة العلماء الأفاضل ، أن يفكروا في الآيتين بعيدا عن الانحياز إلى إحدى الجهتين ، فتدبروا وقايسوا بينهما ، وأنصفوا أيهما أفضل وأكمل ، صحبة النبي( ص ) ومرافقته أياما قليلة في سفر الهجرة ، أم مبيت الإمام علي ( ع ) على فراش النبي ( ص ) واقتحامه خطر الموت ، وتحمله أذى المشركين ، ورميه بالحجارة طيلة الليل ، وهو يتضور ولا يكشف عن وجهه ، ليسلم رسول الله( ص ) من كيد الأعداء وهجومهم ، ومباهاة الله سبحانه ملائكته بمفاداة علي( ع ) وإيثاره ثم نزول آية مستقلة في شأنه ، أنصفوا أيهما أفضل؟؟

ولا يخفى أن بعض علمائكم الأعلام أنصفوا فأعلنوا تفضيل الإمام علي ( ع ) على غيره ، وفضلوا مبيته على فراش رسول الله( ص ) على صحبة أبي بكر ومرافقته إياه في الهجرة ، منهم: الإمام أبو جعفر الإسكافي ـ وهو من أبرز وأكبر علماء ومشايخ أهل السنة المعتزلة ـ في رده على أبي عثمان الجاحظ وكتابه المعروف بالعثمانية .

لقد تصدى الإسكافي لنقضه بالبراهين العقلية والأدلة النقلية ، وأثبت تفضيل الإمام علي( ع ) على أبي بكر ، وفضل المبيت على الصحبة ، ونقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13/215 ـ 295 ، فراجعه ، فإنه مفيد جدا .

ومما يذكره الشيخ أبوجعفر في مقاله ، قال: قال علماء المسلمين: ( إن فضيلة علي( ع ) تلك الليلة لا نعلم أحدا من البشر نال مثلها ) شرح ابن أبي الحديد 13: 260 .

وبعد كلام طويل ـ وكله مفيد ـ قال في صفحة 266 و 267 : قد بينا فضيلة المبيت على الفراش على فضيلة الصحبة في الغار بما هو واضح لمن أنصف ، ونزيد هاهنا تأكيدا بما لم نذكره فيما تقدم فنقول: إن فضيلة المبيت على الفراش على الصحبة في الغار لوجهين :

أحدهما: إن عليا( ع ) قد كان أنس بالنبي( ص ) وحصل له بمصاحبته قديما أنس عظيم ، وإلف شديد ، فلما فارقه عدم ذلك الأنس ، وحصل به أبوبكر ، فكان ما يجده علي( ع ) من الوحشة وألم الفرقة موجبا زيادة ثوابه ، لأن الثواب على قدر المشقة .

وثانيهما: إن أبابكر كان يؤثر الخروج من مكة ، وقد كان خرج من قبل فردا فازداد كراهيته للمقام ، فلما خرج مع رسول الله( ص ) وافق ذلك هوى قلبه ومحبوب نفسه ، فلم يكن له من الفضيلة ما يوازي فضيلة من احتمل المشقة العظيمة وعرض نفسه لوقع السيوف ، ورأسه لرضخ الحجارة ، لأنه على قدر سهولة العبادة يكون نقصان الثواب .

وعالم آخر من علمائكم وهو ابن سبع المغربي ، صاحب كتاب " شفاء الصدور" يقول فيه وهو يبين شجاعة سيدنا الإمام علي ( ع ) : إن علماء العرب أجمعوا على أن نوم علي( ع ) على فراش رسول الله( ص ) أفضل من خروجه معه ، وذلك أنه وطن نفسه على مفاداته لرسول الله( ص ) وآثر حياته ، وأظهر شجاعته بين أقرانه . انتهى

فالموضوع واضح جدا بحيث لا ينكره إلا من فقد عقله بالتعصب الذي يعمي ويصم عن فهم الحق وإدراك الحقيقة!

أكتفي بهذا المقدار في إطار البحث حول جملة ( والذين معه) وأما جملة ( أشداء على الكفار ) فقد قال الشيخ عبد السلام: إن المراد منها والمقصود بها هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب .

فأقول: نحن لا نقبل الكلام بمجرد الإدعاء ، من غير دليل . والأولى أن نطبق العبارة على الشخص المشار إليه ، فندرس سيرته وحالاته ونعرف صفاته وأخلاقه ، فإذا تطابقت مع الآية الكريمة ، فحينئذ نسلم ، وإذا لم تتطابق ، فنرد إدعائكم وكلامكم ، ونثبت قولنا ورأينا بالدليل والبرهان .

فلنضع الجملة على طاولة التحليل والتحقيق فنقول: الشدة تظهر في مجالين:

1 ـ مجال المناظرات العلمية والبحوث الدينية مع الخصوم .

2 ـ مجال الجهاد الحربي والمناورات القتالية مع الأعداء .

أما في المجال العلمي فلم يذكر التاريخ لعمر بن الخطاب مناظرة علمية ومحاورة دينية تغلب فيها على الخصوم ومناوئي الإسلام وذا كنتم تعرفون له تاريخا وموقفا مشرفا في هذا المجال فبينوه حتى نعرف !

ولكن عليا( ع ) يعترف له جميع العلماء وكل المؤرخون بأنه كان حلال المشكلات الدينية والمعضلات العلمية .

وهو الوحيد في عصره الذي كان قادرا على رد شبهات اليهود والنصارى مع كل التحريفات التي جرت على أيدي الأمويين والبكريين الخونة على تاريخ الإسلام ـ كما يصرح بها علماؤكم في كتب الجرح والتعديل ـ مع ذلك ما تمكنوا من إخفاء هذه الحقائق الناصعة ، والمناقب الساطعة ، والأنوار العلمية اللامعة ، التي أضاءت تاريخ الإسلام مدى الزمان ..

وخاصة في عصر الخلفاء الذين سبقوا الإمام علي ( ع ) ، فقد كان علماء اليهود والنصارى وسائر الأديان ، يأتون إلى المدينة ويسألونهم مسائل مشكلة ويوردون شبهات مضلة ، ولم يكن لهم بد من أن يرجعوا إلى مولانا وسيدنا علي( ع ) لأنه باب علم رسول الله( ص ) ، فيرد شبهاتهم ويجيب عن مسائلهم ، وقد أسلم كثير من أولئك العلماء كما نجده مسطورا في التاريخ .

والجدير بالذكر ، أن الخلفاء الثلاثة الذين سبقوا الإمام عليا( ع ) كلهم اعترفوا وأقروا له بتفوقه العلمي وعجزهم وجهلهم أمام علماء الأديان .

وقد ذكر بعض المحققين من أعلامكم عن أبي بكر أنه قال: أقيلوني أقيلوني ! فلست بخيركم وعلي فيكم!

وأما عمر بن الخطاب فقد قال أكثر من سبعين مرة : لولا علي لهلك عمر. وقال: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن .

وذلك لما كان يرى من علي( ع ) حل المعضلات والحكم في القضايا المشتبهات التي كان يحار في حلها وحكمها عمر وحاشيته وكل الصحابة ، وقد ذكر التاريخ كثيرا منها في كتبكم ولكن لا مجال لذكرها ولا منكر لها !! فالأفضل أن يدور بحثنا حول الأهم فالأهم .

النواب : لا أرى موضوعا أهم من هذا، فلو سمحتم...أرجو أن تذكروا لنا بعض الكتب المعتبرة عندنا التي نقلت وذكرت ما نقلتم من قول الخليفة عمر الفاروق ، حتى نعرف الحق والواقع .

قلت : نعم ، إن أكثر علمائكم نقلوا هذه العبارات أو ما بمعناها وإن اختلف اللفظ ، وسأذكر لكم بعضهم حسب ما يحضر في ذهني وذاكرتي .

مصادر قول عمر:

1 ـ ابن حجر العسقلاني ، في تهذيب التهذيب/ 337 ط حيدر آباد الدكن .

2 ـ ابن حجر العسقلاني ـ أيضا ـ في الإصابة 2/509 ط مصر .

3 ـ ابن قتيبة ـ المتوفي سنة 276 هجرية ـ في تأويل مختلف الحديث 201 و 202 .

4 ـ ابن حجر المكي الهيتمي ، في الصواعق: 78 .

5 ـ أحمد أفندي ، في هداية المرتاب: 146 و152

6 ـ ابن الأثير الجزري ، في أسد الغابة: 4/22 .

7 ـ جلال الدين السيوطي ، في تاريخ الخلفاء: 66 .

8 ـ ابن عبد البر القرطبي ، في الإستيعاب: 2/474 .

9 ـ عبدالمؤمن الشبلنجي ، في نور الأبصار: 73 .

10 ـ شهاب الدين العجيلي ، في ذخيرة المال .

11 ـ الشيخ محمد الصبان ، في إسعاف الراغبين: 152 .

12 ـ ابن الصباغ المالكي ، في الفصول المهمة: 18 .

13 ـ نور الدين السمهودي ، في جواهر العقدين .

14 ـ ابن أبي الحديد في شرح النهج: 1/18 ط دار إحياء التراث العربي(21).

15 ـ العلامة القوشجي ، في شرح التجريد: 407 .

16 ـ الخطيب الخوارزمي المكي ، في المناقب 48/60 .

17 ـ محمد بن طلحة القرشي الشافعي ، في مطالب السؤول: 82 الفصل السادس ط دار الكتب .

18 ـ الإمام أحمد بن حنبل ، في المسند والفضائل .

19 ـ سبط ابن الجوزي ، في التذكرة : 85 و87 .

20 ـ الإمام الثعلبي ، في تفسيره" كشف البيان" .

21 ـ ابن القيم ، في الطرق الحكيمة ـ ضمن نقله بعض قضاياه( ع ): 41 ـ 53 .

22 ـ محمد بن يوسف القرشي الكنجي ، في" كفاية الطالب" الباب السابع والخمسين .

23 ـ ابن ماجة القزويني ، في سننه .

24 ـ ابن المغازلي ، في كتابه" مناقب علي بن أبي طالب" .

25 ـ شيخ الإسلام الحمويني ، في فرائد السمطين .

26 ـ الحكيم الترمذي ، في شرح" الفتح المبين" .

27 ـ الديلمي ، في" فردوس الأخبار" .

28 ـ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي ، في"ينابيع المودة" الباب الرابع عشر .

29 ـ الحافظ أبو نعيم ، في"حلية الأولياء" وفي كتابه الآخر المسمى" ما نزل من القرآن في علي" .

30 ـ والفضل بن روزبهان ، في كتابه المسمى بـ : " إبطال الباطل"(22).

هؤلاء وكثير غيرهم وكلهم من أجلة علمائكم وأعلامكم رووا أن عمر كان يقول: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن !

ويقول: كاد يهلك ابن الخطاب ، لولا علي بن أبي طالب !

ويقول: لولا علي لهلك عمر !

ويقول: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن !

وغيرها من العبارات المتقاربة من العبارات المذكورة .

النواب : نرجو من سماحتكم أن تحدثونا عن بعض القضايا المعضلة التي حكم فيها سيدنا علي كرم الله وجهه، وكذلك عن المسائل المشكلة التي حلها وأجاب عنها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .

قلت: من جملة القضايا قضية رواها جمع من علمائكم ..

روى ابن الجوزي في كتابه الأذكياء: 18 ، وفي كتابه الآخر أخبار الظراف: 19 .

وروى محب الدين الطبري ، في كتابه الرياض النضرة: 2/197 ، وفي كتابه الآخر ذخائر العقبى: 80 .

وروى الخطيب الخوارزمي ، في المناقب: 60 .

وروى سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 87 ، قالوا: عن حنش بن المعتمر ، قال: أن رجلين أتيا إمرأة من قريش فاستودعاها مائة دينار وقالا: لا تدفعيها إلى أحد منا دون صاحبه حتى نجتمع . فلبثا حولا ، ثم جاء أحدهما إليها وقال: إن صاحبي قد مات فادفعي إلي الدنانير، فأبت ، فثقّل عليها بأهلها ، فلم يزالوا بها حتى دفعتها إليه . ثم لبثت حولا آخر فجاء الآخر فقال : ادفعي إلي الدنانير !

فقالت: إن صاحبك جاءني وزعم أنك قد مت فدفعتها إليه .

فاختصما إلى عمر ، فأراد أن يقضي عليها وقال لها: ما أراك إلا ضامنة .

فقالت: أنشدك الله أن تقضي بيننا ، وارفعنا إلى علي بن أبي طالب .

فرفعها إلى علي ( ع ) وعرف أنهما قد مكرا بها .

فقال: أليس قلتما ، لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه؟

قال: بلى .

قال: فإن مالك عندنا ، اذهب فجيء بصاحبك حتى ندفعها إليكما .

فبلغ ذلك عمر فقال: لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب !

ومن جملة المسائل والقضايا المشكلة التي تحير فيها عمر ، وحلها الإمام علي ( ع ) ، مسائل كانت بين عمر وحذيفة بن اليمان ، رواها العلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي في كتابه " كفاية الطالب" الباب السابع والخمسين ، بإسناده عن حذيفة بن اليمان ، أنه لقى عمر ابن الخطاب ، فقال له عمر: كيف أصبحت يا ابن اليمان؟

فقال: كيف تريدني أصبح ؟! أصبحت والله أكره الحق ، وأحب الفتنة ، وأشهد بما لم أره ، وأحفظ غير المخلوق ، وأصلي على غير وضوء ، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء !!

فغضب عمر لقوله ، وانصرف من فوره وقد أعجله أمر ، وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك .

فبينا هو في الطريق إذ مر بعلي بن أبي طالب ، فرأى الغضب في وجهه ، فقال: ما أغضبك يا عمر؟!

فقال: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت؟

فقال: أصبحت أكره الحق !

فقال( ع ): صدق ، فإنه يكره الموت وهو الحق .

فقال: يقول: وأحب الفتنة !

قال( ع ): صدق ، فإنه يحب المال والولد ، وقد قال تعالى :

( ... إنما أموالكم وأولادكم فتنة ... )(23).

فقال: يا علي ! يقول: وأشهد بما لم أره !

فقال: صدق ، يشهد لله بالوحدانية ، ويشهد بالموت ، والبعث ، والقيامة ، والجنة ، والنار ، والصراط ، وهو لم ير ذلك كله .

فقال: يا علي ! وقد قال: إنني أحفظ غير المخلوق !

قال( ع ): صدق ، إنه يحفظ كتاب الله تعالى ـ القرآن ـ وهو غير مخلوق .

قال: ويقول : أصلي على غير وضوء!

فقال: صدق ، يصلي على ابن عمي رسول الله( ص ) على غير وضوء .

فقال: يا أبا الحسن ! قد قال أكبر من ذلك!

فقال (ع) : وما هو ؟!

قال : قال : إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء !

قال : صدق ، له زوجة ، وتعالى الله عن الزوجة والولد .

فقال عمر : كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب !

قال العلامة الكنجي بعد نقله للخبر بطوله :

قلت : هذا ثابت عند أهل النقل ، ذكره غير واحد من أهل السير .

فهذا عمر في المجال العلمي عاجز جاهل ، وساكت خامل ، ولكن نرى الإمام عليا (ع) يصول ويقول ، فيرد شبهات الفضول ، ويقنع ذوي العقول .

وأما في المجال الثاني ، وهو الحرب والضرب ،والجهاد والجلاد ، في سبيل الله والمستضعفين من العباد ، فإنا لا نرى أيضا لعمر بن الخطاب موقفا مشرفا ، ولا نعرف له صولة أو جولة ، وشجاعة أو بطولة .

بل يحدثنا التاريخ أنه لم يثبت أمام الكفار والمشركين ، وكان سبب انهزام وانكسار المسلمين!

الحافظ : لا نسمح لك أن تتفوه بهذا الكلام ، ولا نسمح أن تحط من شأن عمر (رض) الذي هو أحد مفاخر الإسلام ، ولا ينكر أحد من الأعلام والمؤرخين العظام ، أن الفتوحات التي حصلت في الإسلام ، أكثرها أهمها كانت في عهد سيدنا عمر وبأمره وسياسته وحسن قيادته ، وأنت تقول إنه كان فرّارا من الحروب ، وإنه سبّب هزيمة المسلمين وانكسارهم !

أتظن أننا نسمع هذه الإساءة والإهانة بخليفة سيد الأنام وأحد زعماء الإسلام ونسكت ؟!

نحن لا نتحمل هذا الكلام ، فإما أن تأتي بالدليل والبرهان ، أو تستغفر الله سبحانه وتعالى من الإساءة والإهانة في الحديث والبيان .

قلت : وهل تكلمت بكلام في طول حوارنا وبحثنا في الليالي الماضية من غير دليل وبرهان ؟!

أو هل رويت حديثا من غير أن أذكر له مصدرا وسندا من كتبكم المعتبرة ومصادركم الموثقة؟!

أما عرفتم أني لا أتكلم عن جهل وتعصب ، ولا أنحاز إلا إلى الحق ، وان مدحي وقدحي لا يكون إلا بسبب مقبول عند ذوي العقول ؟!

وأظن إنما صدرت منكم هذه الزبرة والزفرة والنفرة ! حين سمعتم الكلام من رجل شيعي ، فحسبتموه إساءة وإهانة ، وذلك لأنكم تسيئون الظن بنا ، والله عز وجل يقول : ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ... )(24).

فإنكم تظنون أن الشيعة يحرفون التاريخ ، ويضعون الأحاديث ليذموا رجالا ويمدحوا آخرين ، بينما نحن لا نزيد على الواقع شيئا ، ولا نتكلم إلا نقلا من كتب علمائكم ومحدثيكم .

فلا داعي لتغير الحال والغضب ، وشدة المقال والعتب ، أو أن تنسب إليّ الإساءة باللسان ، والإهانة في البيان ! بل من حقك أن تطالبني بالدليل والبرهان .

وإن أردت مني فأقول :

ذكر كثير من علمائكم ومؤرخيكم ، أن القتال الذي لم يحضره الإمام علي عليه السلام لم ينتصر فيه المسلمون ، والذي حضره سجل النصر والانتصار للدين ، وأهمها غزوة خيبر ، فإن عليا عليه السلام غاب عن المعسكر لرمد أصابه في عينه فأعطى النبي (ص) الراية لأبي بكر ، فرجع منكسرا ، فأعطاها لعمر بن الخطاب ، فرجع وهو يجبن المسلمين وهم يجبنونه !

الحافظ ـ وهو غضبان ـ : هذا الكلام من أباطيلكم ، وإلا فالمشهور بين المسلمين أن الشيخين كانا شجاعين ، وكل منهما كان يحمل في صدره قلبا قويا ليس فيه موضع للخوف والجبن .

قلت : ذكرت لكم كرارا ، أن شيعة أهل البيت عليهم السلام لا يكذبون ولا يفترون ، لأنهم يتبعون الأئمة الصادقين عليهم السلام ، وهم يحسبون الكذب من الذنوب الكبائر ، والافتراء أكبر منه خسائر .

ونحن كما قلت مرارا ، لسنا بحاجة لاثبات عقائدنا وأحقية مذهبنا ، أن نضع الأحاديث ونتمسك بالأباطيل .

فإن غزوة خيبر من أهم الغزوات التي سجلها التاريخ من يومها إلى هذا اليوم ، وجميع مؤرخيكم ذكروها باختصار أو بتفصيل ، منهم : الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء 1/62 ، ومحمد بن طلحة في مطالب السؤول :40 وابن هشام في السيرة النبوية ، ومحمد بن يوسف الكنجي في الباب الرابع عشر من " كفاية الطالب " وغير هؤلاء من الأعلام ، ولا يقتضي المجلس أن أذكرهم جميعا ، ولكن أهمهم الشيخين ، البخاري في صحيحه 2/100 ط. مصر سنة 1320هجـرية ، ومسلم في صحيحه 2/324 ط. مصر سنة 1320 هجرية .

فإنهما كتبا بالصراحة هذه العبارة : " فرجع أيضا منهزما " أي : عمر .

ومن الدلائل الواضحة على هذه القضية الفاضحة ، أشعار بن أبي الحديد ، فإنه قال ضمن علوياته السبع المشهورة :

ألم تخبر الأخبـار فــي فتــح خيبـــر * ففيها لذي اللب الملــب أعـــاجـيب

وما أَنْس لا أنْــس اللذيـــن تقدمـــا * وفرهما و الفـر قد علـــمــا حــوب

وللراية العظمى وقـد ذهبـــــا بهــا * ملابس ذل فوقهـــا و جـــــلابـــيــب

يشلهما من آل موســى شمـــردل * طويل نجاد السيف أجـــيد يعــــبــوب

يمـــج منونـــا سيفـــه وسنانـــــه * ويلهـب نـارا غـــمـــــده والأنابــيــب

احضرهما أم حضرا خرج خاضب * وذانهما أم ناعـــم الخــد مخضــوب

عذرتكما ، إن الحمــــام لمبغــض * وإن بقاء النفس للنفــــس محبــوب

ليكره طعم الموت والموت طالـب * فكيف يلذ الموت والموت مطلوب ؟!

فنحن لا نريد إهانة أحد الصحابة ، وإنما ننقل لكم ما حكاه التاريخ ورواه المؤرخون عنهم ، وبعد هذا عرفنا أن عمر ما كان صاحب صولة وجولة ، وشدة وحدة ، في الحروب والغزوات التي كانت بين المسلمين وبين أعدائهم ، فكيف نؤول الجملة من الآية الكريمة ( أشداء على الكفار ) بعمر ونطبقها عليه؟!

ولكن إذا راجعنا تاريخ الإسلام ودرسنا سيرة الإمام علي( ع ) وطالعنا تاريخه المبارك ، نجده أشد المسلمين على الكفار في المجال العلمي والمجال الحربي ، والله تعالى يشير إليه بقوله: ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.... )(25).

الحافظ : إنك تريد أن تحصر الآية الكريمة التي تصف عامة المؤمنين في شأن علي كرم الله وجهه؟!

قلت: لقد أثبت لكم أني لا أتكلم بغير دليل ، ودليلي على هذا، أن الآية إذا كانت تصف جميع المؤمنين ، لما فروا في بعض الغزوات من الميادين !

الحافظ : هل هذا الكلام من الإنصاف إذ تصف صحابة النبي( ص ) الذين جاهدوا ذلك الجهاد العظيم ، وفتحوا تلك الفتوحات العظيمة ، وتقول: إنهم فروا ؟!

أليس قولك هذا إهانة لصحابة رسول الله( ص ) ؟!

قلت : أولا : أشهد الله سبحانه أني لم أقصد إهانة أي فرد من الصحابة وغيرهم ، وإنما الحوار والنقاش يقتضي هذا الكلام .

ثانيا: أنا ما أنسب إليهم الفرار ، ولكن التاريخ هكذا يحكم ويقول : إن في غزوة أحد ، فر الصحابة حتى كبارهم ، وتركوا النبي ( ص ) طعمة لسيوف المشركين والكفار، كما يذكر الطبري والمؤرخون الكبار ، فماذا تقولون حول الآية الكريمة التي تشمل أولئك الذين ولوا الدبر وفروا من الجهاد وخالفوا أمر الله عز وجل إذ يقول :

( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير )(26).

ثالثا: لقد وافقنا في قولنا بأن الآية نزلت في شأن الإمام علي( ع ) كثير من أعلامكم وكبار علمائكم ، منهم : أبو إسحاق الثعلبي ـ الذي تحسبوه أمام أصحاب الحديث في تفسير القرآن ـ قال في تفسير" كشف البيان" في ذيل الآية الكريمة 54 من سورة المائدة : إنما نزلت في شأن الإمام علي (ع) ، لأن الذي يجمع كل المواصفات المذكورة في الآية لم يكن أحد غيره .

ولم يذكر أحد من المؤرخين من المسلمين وغيرهم ، بأن الإمام عليا ( ع ) فر من الميدان ، حتى ولو مرة ، أو أنه تقاعد وتقاعس في حروب النبي ( ص ) وغزواته مع الكفار ، ولو في غزوة واحدة .

بل ذكر المؤرخون أنه في معركة أحد حينما انهزم المسلمون ، حتى كبار الصحابة ، ثبت الإمام علي ( ع ) واستقام واستمر في الجهاد ومقاتلة المشركين الأوغاد ، وهم أكثر من خمسة آلاف مقاتل بين راكب وراجل ، وعلي ( ع ) يضرب بالسيف خراطيمهم ويحصد رؤوسهم ، فذب عن الإسلام ، ودفع الطغام ، عن محمد سيد الأنام ، حتى سمع النداء من السماء : ( لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي )(27).

وقد أصيب في جسمه يوم أحد بتسعين إصابة غير قابلة للعلاج ، فعالجها رسول الله بعدما انتهت المعركة عن طريق الإعجاز ، إذ مسح عليها بريقه المبارك الذي جعل الله فيه بلسم كل جرح ، ودواء كل داء .

الحافظ : ما كنت أظن أن تفتري على كبار الصحابة إلى هذا الحد وتنسبهم إلى الفرار! وهم المجاهدون في سبيل الله وخاصة الشيخان (رض) فإنهما ثبتا ودافعا عن النبي ( ص ) إلى آخر لحظة حتى انتهت المعركة .

قلت : إني لست بمفتر ، ولكنكم ما قرأتم تاريخ الإسلام ، وليس لكم فيه تحقيق وإلمام ، حتى نطقتم بهذا الكلام !

لقد ذكر المؤرخون وأصحاب السير: أن المسلمين انهزموا في غزوة أحد وخيبر وحنين ، أما خبر خيبر فقد ذكرته لكم عن صحيح البخاري ومسلم وغيرهما (28).

وأما الخبر عن غزوة حنين وفرار المسلمين فيها ، فراجع الجمع بين الصحيحين للحميدي والسيرة الحلبية: 3/123 .

وأما فرارهم في غزوة أحد ، فحدث ولا حرج! فقد ذكره عامة المؤرخين ، منهم: ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي في شرح النهج 13/ 278 ط دار إحياء التراث العربي ، قال: فر المسلمون بأجمعهم ولم يبق معه[ النبي ( ص )] إلا أربعة : علي والزبير وطلحة وأبو دجانة (29).

وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج 14 : 251 ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة: 34 ، وغيرهما من الأعلام ، قالوا: وسمع ذلك اليوم صوت من قبل السماء ، لا يرى شخص الصارخ به ، ينادي مرارا: لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي !

فسئل رسول الله( ص ) عنه ، فقال: هذا جبرائيل ـ والنص لابن أبي الحديد ـ .

فكان علي( ع ) في كل الحروب التي خاضها مؤيدا من عند الله ومنصورا بالملائك .

روى محمد بن يوسف الكنجي القرشي في كتابه" كفاية الطالب" في الباب السابع والعشرين ، بإسناده عن عبدالله بن مسعود ، قال: قال رسول الله( ص ) : ما بعث علي في سرية إلا رأيت جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره والسحابة تظله حتى يرزقه الله الظفر .

وروى الإمام الحافظ النسائي في كتابه خصائص الإمام علي( ع ) ، ص8 ط مطبعة التقدم بالقاهرة ، بسنده عن هبيرة بن هديم ، قال: جمع الناس الحسن بن علي( ع ) وعليه عمامة سوداء لما قتل أبوه ، فقال: قد كان قتلتم بالأمس رجلا ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، وإن رسول الله( ص ) قال: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، ويقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، ثم لا ترد رايته حتى يفتح الله عليه .... إلى آخره .

نعم ، كان النصر معقودا براية الإمام علي( ع ) وسيفه ، وكان الظفر ينزل على المسلمين في كل ميدان ينزل فيه علي( ع ) ، حتى قال النبي ( ص ): ما قام الدين وما استقام إلا بسيف علي عليه السلام .

علي حبيب الله ورسوله( ص ):

رابعا: الآية الكريمة في سورة المائدة ، تصرح أن المقصودين هم الموصوفون فيها ، يحبهم الله ويحبونه .. وهذه فضيلة ثابتة للإمام أمير المؤمنين ( ع ) ولم تثبت في حق غيره ، وإن كان كثير من المؤمنين والصحابة هم أيضا يحبهم الله ويحبونه ولكن غير معنيين ، أما علي ( ع ) فهو معني بهذه الفضيلة كما قال ذلك كثير من الأعلام ، منهم :

العلامة الكنجي الشافعي في الباب السابع من كتابه" كفاية الطالب" روى بإسناده عن ابن عباس ، أنه قال: كنت أنا وأبي ـ العباس جالسين عند رسول الله( ص ) إذ دخل علي بن أبي طالب ، وسلم ، فرد عليه رسول الله( ص ) وبش وقام إليه واعتنقه ، وقبل ما بين عينيه ، وأجلسه عن يمينه؛ فقال العباس : أتحب هذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله( ص ): يا عم رسول الله! والله ، الله أشد حبا له مني .

وروى في الباب الثالث والثلاثين؛ بإسناده عن أنس بن مالك ، قال: اهدي إلى رسول ال
له( ص ) طائر وكان يعجبه أكله ، فقال: اللهم ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي من هذا الطائر .

فجاء علي بن أبي طالب.

فقال: استأذن على رسول الله.

قال: قلت: ما عليه إذن.

وكنت أحب أن يكون رجلا من الأنصار.

فذهب ثم رجع فقال: استأذن لي عليه.

فسمع النبي( ص ) كلامه ، فقال: أدخل يا علي؛ ثم قال( ص ) : اللهم وإلي ، اللهم وإلي ـ أي هو أحب الخلق إلي أيضا ـ .

وذكرنا لكم في المجالس الماضية مصادر هذا الخبر الذي تلقاه العلماء كلهم بالصحة والقبول ، وهو دليل قاطع ، وبرهان ساطع ، على أن عليا( ع ) أحب الخلق إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسوله( ص ) .

إعطاؤه الراية يوم خيبر :

ومن أهم الدلائل على أن عليا( ع ) هو المقصود بالآية الكريمة ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه.... ) حديث الراية لفتح خيبر ، وقد نقله كبار علمائكم ، ومشاهير أعلامكم ، منهم:

البخاري في صحيحه ج 2 كتاب الجهاد ، باب دعاء النبي ( ص ) ، و ج3 كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ، ومسلم في صحيحه 2/324 ، والإمام النسائي في ( خصائص أمير الؤمنين( ع ) ، والترمذي في السنن ، وابن حجر العسقلاني في الإصابة 2/508 ، وابن عساكر في تاريخه ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، وابن ماجة في السنن ، والشيخ الحافظ سليمان في " ينابيع المودة" الباب السادس ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة ، ومحمد بن يوسف الكنجي الشافعي ، في"كفاية الطالب" الباب الرابع عشر ، ومحمد بن طلحة في " مطالب السؤول" الفصل الخامس ، والحافظ أبو نعيم في " حلية الأولياء" والطبراني في الأوسط ، والراغب الإصفهاني في محاضرات الأدباء2/212 .

ولا أظن أن أحدا من المؤرخين أهمل الموضوع أو أحدا من المحدثين أنكره ، حتى إن الحاكم ـ بعد نقله له ـ يقول : هذا حديث دخل في حد التواتر؛ والطبراني يقول: فتح علي( ع ) لخيبر ثبت بالتواتر.

وخلاصة ما نقله الجمهور ، أن رسول الله( ص ) حاصر مع المسلمين قلاع اليهود ومنها قلعة خيبر ، عدة أيام ، فبعث النبي( ص ) أبا بكر مع الجيش وناوله الراية وأمره أن يفتح ، ولكنه رجع منكسرا عاجزا عن الفتح ، فأخذ النبي( ص ) الراية وأعطاها لعمر بن الخطاب وأرسله مع الجيش ليفتح خيبر ، ولكنه رجع منهزما يجبن المسلمين وهم يجبنونه.

فلما رأى النبي( ص ) خور أصحابه وتخاذلهم وانهزامهم أمام ثلة من اليهود ، غضب منهم وأخذ الراية فقال: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، كرارا غير فرارا ، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه .

ـ ولا يخفى تعريض النبي( ص ) في كلامه بالفارين ـ .

فبات المسلمون ليلتهم يفكرون في كلام رسول الله( ص ) ، ومن يكون مقصوده ومراده؟!

فلما أصبح الصباح اجتمعوا حول النبي( ص ) والراية بيده المباركة ، فتطاولت أعناق القوم طمعا منهم بها أو ظنا بأنه سيناولهم الراية ، لكن النبي( ص ) أجال بصره في الناس حوله وافتقد أخاه ومراده علي بن أبي طالب( ع ) فقال: أين ابن عمي علي؟

فارتفعت الأصوات من كل جانب: أنه أرمد يا رسول الله!

فقال( ص ): علي به .

فجاؤا بالإمام علي( ع ) وهو لا يبصر موضع قدمه ، فسلم ورد النبي عليه وسأله: ما تشتكي يا علي؟ فقال( ع ): صداع في رأسي ، ورمد في عيني .

فأخذ النبي( ص ) شيئا من ريقه المبارك ومسح به على جبين الإمام علي( ع ) وقال: اللهم قه الحر والبرد؛ ودعا له بالشفاء ، فارتد بصيرا.

وإلى هذه المنقبة يشير حسان في شعره فيقول:

وكـــان عـــلي أرمــد العين يبتغي * دواء فـــلما لـــم يحـــس مـــداويـا

شفـــاه رســول الله منـــه بتــــفلة * فبـــورك مـــرقيا وبـــورك راقـــيا

وقال سأعطي الراية اليوم فارسا * كمـيا شجاعا في الحروب محاميا

يحـب الإلـه والإلــــــه يحــــــبــــه * بـــــه يفــتح الله الحصون الأوابيا

فخـــص بهـــا دون البـــرية كـلها * عـــليا وسمــــاه الوصي المؤاخيا

فأعطى النبي ( ص ) الراية لعلي ( ع ) وقال: خذ الراية! جبرائيل عن يمينك ، وميكائيل عن يسارك ، والنصر أمامك ، والرعب مبثوث في قلوب القوم ، فإذا وصلت إليهم فعرف نفسك وقل: أنا علي بن أبي طالب ، فإنهم قرأوا في صحفهم أن الذي يدمر عليهم الحصون ويفتحها اسمه إيليا ، وهو أنت يا علي!

فأخذ علي( ع ) الراية وهرول بها نحو القلاع حتى وصل إلى باب خيبر وهو أهم تلك الحصون والقلاع ، فطلب المبارز ، فخرج إليه مرحب مع جماعة من أبطال اليهود ، فهزمهم علي( ع ) مرتين ، وفي المرة الثالثة لما برزوا وحمل عليهم علي( ع ) ضرب بالسيف على رأس مرحب فوصل إلى أضراس مرحب وسقط على الأرض صريعا ، وسجل النصر للمسلمين(30).

ونقل ابن الصباغ في" الفصول المهمة" عن صحيح مسلم ، وكذلك روى الإمام النسائي في خصائص الإمام علي : 7ط مطبعة التقدم بالقاهرة ، قال عمر بن الخطاب : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ...الخ.

وأخرج السيوطي في" تاريخ الخلفاء" وابن حجر في "الصواعق" والديلمي في
" فردوس الأخبار" بإسنـادهم عن عمر بن الخطاب أنه قال : لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من أن أعطى حمر النعم ، فسئل : ما هي ؟

قال : تزويجه فاطمة بنت رسول الله (ص) ، وسكناه المسجد مع رسول الله (ص) يحل له فيه ما يحل له ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر(31).

فالخبر ثابت لا ينكره إلا المعاندون الجاهلون الذين ليس لهم اطلاع على تاريخ الإسلام وغزوات رسول الله (ص) . والآن فقد ثبت للحاضرين ، وخاصة العلماء والمشايخ ، بأني لا أتكلم من غير دليل ، ولم أقصد إهانة الصحابة ، بل مقصدي بيان الواقع وكشف الحقائق ، التي منها الاستدلال بالتاريخ والحديث والعقل والنقل ، بأن جملة ( أشداء على الكفار ) في الآية الكريمة تنطبق على الإمام علي عليه السلام قبل أن تنطبق على غيره كائنا من كان .

وهذا لم يكن قولي أنا فحسب ، بل كثير من أعلامكم صرحوا به ، منهم العلامة الكنجي في " كفاية الطالب " في الباب الثالث والعشرين ، فإنه يروي حديثا عن النبي (ص) يشبه فيه عليا عليه السلام بالأنبياء ، وفي تشبيهه بنوح (ع) يقول العلامة الكنجي : وشبه بنوح لأن عليا عليه السلام كان شديدا على الكافرين ، رؤوفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله ( ... والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم .... )(32).

وأخبر الله عز وجل عن شدة نوح على الكافرين بقوله: ( .... رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا )(33) انتهى .

فعلي( ع ) هو المصداق الأجلى والأظهر لجملة( أشداء على الكفار )(34).

وأما قولكم بأن جملة ( رحماء بينهم ) تنطبق على عثمان بن عفان وهي إشارة إلى مقام الخلافة في المرتبة الثالثة ، وأن عثمان كان رقيق القلب ، بالمؤمنين رؤوفا رحيما ..

فنحن لا نرى ذلك من صفات عثمان ، بل التاريخ يحدثنا على عكس ذلك ، وأرجو أن لا تسألوني توضيح الموضوع أكثر من هذا ، لأني أخاف أن تحملوا حديثي على الإساءة والإهانة بمقام الخليفة الثالث ولا أحب أن أزعجكم .

الحافظ : نحن لا نضجر إذا لم يكن حديثك فحشا ، وكان مدعما بالدليل ومطابقا للواقع مع ذكر الإسناد والمصادر .

قلت : أولا : إني ما كنت ولم أكن فحاشا ، بل سمعت الفحش وأجبت بالمنطق والبرهان !

ثانيا : هناك أدلة كثيرة على خلاف ما ذهبتم في شأن عثمان ، فإن جملة ( رحماء بينهم ) لا تنطبق عليه أبدا ، ولإثبات قولي أشير إلى بعض الدلائل ، وأترك التحكيم والقضاء للحاضرين الأعزاء .

سيرة عثمان على خلاف الشيخين:

لقد أجمع المؤرخون والأعلام ، مثل : ابن خلدون ، وابن خلكان ، وابن أعثم الكوفي ، وأصحاب الصحاح كلهم ، والمسعودي في مروج الذهب 1/435 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والطبري في تاريخه ، وغيرهم من علمائكم ، قالوا: إن عثمان بن عفان حينما ولي الخلافة سار على خلاف سنة الرسول( ص ) وسيرة الشيخين ، ونقض العهد الذي عاهده عليه عبد الرحمن بن عوف في مجلس الشورى حين بايعه على كتاب الله وسنة الرسول( ص ) وسيرة الشيخين ، وأن لا يسلط بني أمية على رقاب المسلمين .

ولكن حينما استتب له الأمر خالف العهد ، وتعلمون بأن نقض العهد من كبائر الذنوب ، والقرآن الحكيم يصرح بذلك .

قال تعالى : ( .... وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا )(35).

وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )(36).

الحافظ : نحن لا نعلم لذي النورين خلافا ، وإنما هذا قولكم ومن مزاعم الشيعة ولا دليل عليه !

قلت: راجعوا شرح النهج ـ لابن أبي الحديد ـ 1/198 ط دار إحياء التراث العربي ، فإنه قال: وثالث القوم هو عثمان بن عفان .... بايعه الناس بعد انقضاء الشورى واستقرار الأمر له ، وصحت فيه فراسة عمر ، فإنه أوطأ بني أمية رقاب الناس ، وولاهم الولايات ، وأقطعهم القطائع ، وافتتحت أفريقية في أيامه فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان.

وأعطى عبدالله بن خالد أربعمائة ألف درهم .

وأعاد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة ، بعد أن كان رسول الله( ص ) قد سيره ـ أي: نفاه من المدينة ـ ثم لم يرده أبو بكر ولا عمر! وأعطاه مائة ألف درهم .

وتصدق رسول الله ( ص ) بموضع سوق بالمدينة ـ يعرف بمهزوز ـ على المسلمين ، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان .

وأقطع مروان فدك ، وقد كانت فاطمة بنت رسول الله( ص ) طلبتها بعد وفاة أبيها( ص ) تارة بالميراث ، وتارة بالنحل ، فدفعت عنها.

وحمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلهم إلا عن بني أمية .

وأعطى عبدالله بن أبي السرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح أفريقية بالمغرب ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة ، من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين .

وأعطى أبا سفيان بن حرب*(37) مائتي ألف من بيت المال ، في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال ، وقد كان زوجه ابنته أم أبان . فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ، فوضعها بين يدي عثمان وبكى وقال: ... والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا!

فقال: ألق المفاتيح يابن أرقم ، فإنا سنجد غيرك!

وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة ، فقسمها كلها في بني أمية.

وأنكح الحارث بن الحكم ـ أخا مروان ـ ابنته عائشة ، فأعطاه مائة ألف من بيت المال ، بعد طرده زيد بن أرقم عن خزانته .

وانضم إلى هذه الأمور ، أمور أخرى نقمها عليه المسلمون ، كتسيير أبي ذر رحمه الله تعالى إلى الربذة ، وضرب عبدالله بن مسعود حتى كسر أضلاعه ، وما أظهر من الحجاب، والعدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود ورد المظالم وكف الأيدي العادية والانتصاب لسياسة الرعية!

وختم ذلك ما وجدوه من كتابه إلى معاوية يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين .... إلى آخره .

هذا كلام ابن أبي الحديد في عثمان بن عفان .

وذكر المسعودي في مروج الذهب 2/ 341 ـ 343 :

فقد بلغت ثروة الزبير خمسين ألف دينار وألف فرس وألف عبد وضياعا وخططا في البصرة والكوفة ومصر والإسكندرية ، وكانت غلة طلحة بن عبيدالله(38) من العراق كل يوم ألف دينار ، وقيل أكثر .

وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف مائة فرس ، وله ألف بعير ، وعشرة آلاف شاه ، وبلغ ربع ثمن ماله بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا.

وحين مات زيد بن ثابت خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار.

ومات يعلي بن منية وخلف خمسمائة ألف دينار وديونا وعقارات وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار .

أما عثمان نفسه... فكان له يوم قتل عند خازنه مائة وخمسون ألف دينار وألف ألف[أي: مليون] درهم ، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار، وخلف خيلا كثيرا وإبلا .

ثم قال المسعودي بعد ذلك : وهذا باب يتسع ذكره ، ويكثر وصفه فيمن تملك الأموال في أيامه .

انتهى كلام المسعودي.

هكذا كان عثمان وحاشيته يتسابقون في كنز الذهب والفضة ، وجمع الخيل والإبل والمواشي ، وامتلاك الأراضي والعقار ، في حين كان كثير من المسلمين المؤمنين لا يملكون ما يسدون به جوعهم ويكسون به أجسامهم.

أكان هذا السلوك يليق بمن يدعي خلافة رسول الله( ص ) وهل كان النبي( ص ) كذلك؟!

كلا وحاشا ، ولاشك أن عثمان خالف طريقة أبي بكر وناقض سيرة عمر أيضا ، وكان هو قد عاهد على أن يسلك سبيلهما .

ذكر المسعودي في مروج الذهب ، ج1 ، في ذكره سيرة عثمان وأخباره ، فقال بالمناسبة : إن الخليفة عمر مع ولده عبدالله ذهبا إلى حج بيت الله الحرام ، فلما رجع إلى المدينة كان ما صرفه في سفره ستة عشر دينارا ، فقال لابنه: ولدي لقد أسرفنا في سفرنا هذا .

فقايسوا بين تبذير عثمان لأموال المسلمين وكلام عمر بن الخطاب ، وشاهدوا كم الفرق بينهما؟!

توليته بني أمية:

إن عثمان مكن فساق بني أمية وفجارهم من بلاد المسلمين ، وسلطهم على رقاب المؤمنين وأموالهم(39) ، فاتخذوا أموال الله دولا ، وعباده خولا ، وسعوا في الأرض فسادا ، منهم : عمه الحكم بن أبي العاص وابنه مروان ، وهما ـ كما نجد في التاريخ ـ طريدا رسول الله (ص) وقد لعنهما ونفاهما من المدينة إلى الطائف .

الحافظ : ما هو دليلكم على نفي هذين بالخصوص ؟

قلت : دليلنا على لعنهما من جهتين ، جهة عامة ، وجهة خاصة .

أما الجهة العامة : فهما غصنان من الشجرة الملعونة في القرآن ، بقوله تعالى: ( .... وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ...)(40).

وقد فسرها أعلام المفسرين وكبار المحدثين ، ببني أمية ، منهم : الطبري والقرطبي والنيسابوري والسيوطي والشوكاني والآلوسي ، وابن أبي حاتم والخطيب البغدادي وابن مردويه والحاكم المقريزي والبيهقي وغيرهم ، فقد رووا في تفسير الآية الكريمة عن ابن عباس أنه قال الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أمية ، فإن رسول الله (ص) رأى فيما يراه النائم أن عددا من القردة تنزو على منبره وتدخل محرابه ، فلما استيقظ من نومه نزل عليه جبرئيل وأخبره : أن القردة التي رأيتها في رؤياك إنما هي بنو أمية ، وهم يغصبون الخلافة والمحراب والمنبر طيلة(41).

وأما الفخر الرازي فيروي في تفسيره عن ابن عباس : أن رسول الله (ص) كان يسمي من بني أمية الحكم بن أبي العاص ويخصه باللعن .

وأما الجهة الخاصة في لعنهما ، فالروايات من الفريقين كثيرة :

أما روايات الشيعة فلا أذكرها ، وأكتفي بذكر ما نقله كبار علمائكم ومحدثيكم ، منهم : الحاكم النيسابوري في المستدرك 4/487 ، وابن حجر الهيتمي المكي في " الصواعق " قال : وصححه الحاكم ، قال رسول الله (ص) : إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا ، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم .

قال : ومروان بن الحكم كان طفلا ، قال له النبي (ص) : وهو الوزغ بن الوزغ ، والملعون بن الملعون .

وأما الفخر الرازي فيروي في تفسيره عن ابن عباس : أن رسول الله (ص) كان يسمي من بني أمية الحكم بن ابي العاص ويخصه باللعن .

وأما الجهة الخاصة في لعنهما ، فالروايات من الفريقين كثيرة :

أما روايات الشيعة فلا أذكرها ، وأكتفي بذكر ما نقله كبار علمائكم ومحدثيكم ، منهم : الحاكم النيسابوري في المستدرك 4/487 ، وابن حجر الهيتمي المكي في "الصواعق" قال : وصححه الحاكم ، قال رسول الله (ص) : إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا ، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم .

قال : ومروان بن الحكم كان طفلا ، قال له النبي (ص) : وهو الوزغ بن الوزغ ، والملعون بن الملعون .

وروى ابن حجر أيضا ، والحلبي في السيرة الحلبية 1/337 ، والبلاذري في أنساب الأشراف 5/126 ، والحافظ سليمان الحنفي في "ينابيع المودة" والحاكم في المستدرك 4/481 ، والدميري في حياة الحيوان 2/299 ، وابن عساكر في تاريخه ، ومحب الدين الطبري في " ذخائر العقبى" وغير هؤلاء ، كلهم رووا عن عمر بن مرة الجهني : أن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي (ص) فعرف صوته ، فقال : ائذنوا له ، عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه ، إلا المؤمن منهم وقليل ما هم .

ونقل الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير ، في ذيل الآية : ( والشجرة الملعونة ) أن عائشة كانت تقول لمروان : لعن الله أباك وأنت في صلبه . فأنت بعض من لعنه الله !

والمسعودي في مروج الذهب 1/435 يقول : مروان بن الحكم طريد رسول الله (ص) الذي أخرجه النبي (ص) ونفاه من المدينة .

إن أبا بكر وعمر لم يأذنا له بالرجوع إلى المدينة ، ولكن عثمان خالف النبي والشيخين ، فأجاز مروان بالإقامة في المدينة ، وزوجه ابنته أم أبان ، ومنحه الأموال ، وفسح له المجال حتى أصبح صاحب الكلمة النافذة في الدولة(42).

وقال ابن أبي الحديد ـ نقلا عن بعض أعلام عصره ـ عن عثمان سلم عنانه إلى مروان يصرفه كيف شاء ، الخلافة له في المعنى ولعثمان في الاسم .

النواب : من كان الحكم بن أبي العاص ؟ ولماذا لعنه النبي (ص) ونفاه من المدينة ؟

قلت : هو عم الخليفة عثمان ، وقد ذكر الطبري وابن الأثير في التاريخ والبلاذري في أنساب الأشراف 5/17 : ان الحكم بن أبي العاص كان في الجاهلية جارا لرسول الله (ص) وكان كثيرا ما يؤذي النبي (ص) في مكة ، ثم جاء إلى المدينة بعد عام الفتح ، وأسلم في الظاهر ، ولكنه كان يسعى لأن يحقر النبي (ص) ويحاول أن يحط من شأنه بين الناس . وكان يمشي خلف النبي (ص) ويبدي من نفسه حركات وإشارات يستهزئ بها برسول الله (ص) ويجرئ على السخرية منه (ص) .

فدعا عليه رسول الله (ص) أن يبقى على الحالة التي كان عليها ، فبقي على حالة غريبة تشبه الجنون ، وصار الناس يستهزئون به ويسخرون منه .

فذهب يوما إلى بيت النبي (ص) ، ولا أعلم ما صدر منه ، إلا أن النبي (ص) خرج وقال : لا يشفع أحدكم للحكم !

ثم أمر (ص) بنفيه مع أولاده وعياله ، فأخرجه المسلمون من المدينة ، فأقام في الطائف .

ولما ولي أبو بكر الخلافة شفع له عثمان عند الخليفة ليأذن له بالرجوع إلى المدينة ، ولكنه رفض ، وبعده شفع له عثمان عند عمر ، فرفض ، وقتلا : هو طريد رسول الله (ص) فلا نعيده ولا نأذن له أن يقيم في المدينة .

فلما أمر إليه وأصبح هو الخليفة بعد عمر ، أعاد الحكم مع أولاده إلى المدينة وأحسن إليهم كثيرا ولم يعبأ بمخالفة الصحابة واعتراض المؤمنين ، بل منحهم أموال بيت المال ، ونصب مروان بن الحكم وزيرا واتخذه مشيرا ، فجمع حوله أشرار بني أمية وأسند إليهم الأمور والولايات.

فجور واليه في الكوفة:

فولى على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وهو أخو عثمان لأمه ، وأسمها أروى ، وقد صرح النبي (ص) أنه من أهل النار ! كما في رواية المسعودي في مروج الذهب ، ج1 ، في أخبار عثمان ، وكان فاسقا متجاهرا بالشرور ، ومتظاهرا بالفجور :

وذكر أبو الفداء في تاريخه ، والمسعودي في مروج الذهب وأبو الفرج في الأغاني 4/178 ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : 104 ، الإمام أحمد في المسند 1/144 ، والطبري في تاريخه 5/60 ، والبيهقي في سننه 8/318 ، وابن الأثير في أسد الغابة 5/91 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/18 ط. دار احياء التراث العربي .

هؤلاء وغيرهم من أعلام السنة ذكروا : أن الوليد بن عقبة ـ والي الكوفة من قبل عثمان ـ شرب الخمر ودخل المحراب سكرانا وصلى الصبح بالناس أربع ركعات وقال لهم : إن شئتم أزيدكم !!

وبعضهم ذكر بأنه تقيأ في المحراب ، فشم الناس منه رائحة الخمر ، فأخرجوا من إصبعه خاتمه ولم يشعر بذلك ، فشكوه إلى عثمان ، فهدد الشهود وأبى أن يجري الحد عليه ، فضغط عليه الإمام علي (ع) والزبير وعائشة وغيرهم من الصحابة ، حتى اضطر إلى ذلك ، فعزله وأرسل سعيد بن العاص مكانه ، وهو لا يقل عن ذاك في الخمر والمجون والفسق والفجور .

وولى على البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر وعمره خمس وعشرون سنة ، وكان معاوية عاملا لعمر على دمشق والأردن ، فضم إليه عثمان ولاية حمص وفلسطين والجزيرة (43).

هؤلاء وأمثالهم ما كانوا من ذوي السابقة في الدين والجهاد في الإسلام ، وإنما كانوا متهمين في دينهم ، بل كان فيهم مثل الوليد بن عقبة الذي أعلن القرآن فسقه كما يحدثنا المفسرون في ذيل الآية الكريمة : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون )(44).

فالمؤمن علي (ع) والفاسق الوليد .

وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )(45)، وقال المفسرون في شأن نزولها : إن الوليد كذب على بني المصطلق عند رسول الله (ص) وادعى أنهم منعوه الصدقة ، ولو قصصنا مخازيه ومساوئه لطال بها الشرح.

وكان المسلمون ـ أعيانهم وعامتهم ـ يراجعون عثمان في شأن هؤلاء الولاة من أقاربه ويطلبون منه عزلهم فلا يعزلهم ، ولا يسمع فيهم شكاية كارها ، وربما ضرب الشاكين وأخرجهم من المجلس بعنف!

أسباب الثورة على عثمان:

إن من أهم أسباب الثورة على عثمان ، سيرته المخالفة لسير النبي (ص) وسيرة الشيخين ، فلو كان يسعى ليغير سيرته الخاطئة ويصلح الأمور ويعمل بنصيحة الناصحين ، أمثال الامام علي (ع) وابن عباس ، لكان الناس يهدؤون والمياه ترجع إلى مجاريها الطبيعية (46)، ولكنه اغتر بكلام حاشيته وحزبه من بني أمية حتى قتل ، وقد كان عمر بن الخطاب تنبأ بذلك ، لأنه عثمان مدة طويلة ، وعرف أخلاقه وسلوكه كما يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج 1/186 ط. دار احياء التراث العربي قال :

في قصة الشورى ... فقال عمر : أفلا أخبركم عن أنفسكم ؟! ..

ثم أقبل على علي (ع) فقال : لله أنت ! لولا دعابة فيك ! أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح ، والمحجة البيضاء .

ثم أقبل على عثمان ، فقال : هيها إليك ! كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك ، فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا .... إلى آخره .

وقال في ج2/129 : وأصح ما ذكر في ذلك ما أورده الطبري في تاريخه ، حوادث سنة 33 ـ 35 ، وخلاصة ذلك : أن عثمان أحدث أحداثا مشهورة نقمها الناس عليه ، من تأمير بني أمية ، ولا سيما الفساق منهم وأرباب السفه وقلة الدين ، وإخراج مال الفيء إليهم ، وما جرى في أمر عمار بن ياسر وأبي ذر وعبد الله بن مسعود ، وغير من الأمور التي جرت في أواخر خلافته .

وراجعوا التاريخ حول أبي سفيان وبنيه ، وهو من زعماء بني أمية ، وانظروا إلى ما نقله الطبري في تاريخه ، فقد قال : إن رسول الله (ص) رأى أبو سفيان مقبلا على حماره ومعاوية يقوده ويزيد بن أبي سفيان يسوق بالحمار ، فقال (ص) : " لعن الله الراكب والقائد والسائق " .

وبالرغم من ذلك نجد في التاريخ أن عثمان أكرمه وأعطاه أموالا كثيرة ، وكان له عند الخليفة مقاما وجاها عاليا ، وهو الذي أنكر القيامة والمعاد في مجلس عثمان ، فارتد عن الإسلام ، وكان على الخليفة أن يأمر بقتله ، لأن المرتد جزاؤه القتل ، ولكنه تغاضى عنه واكتفى بإخراجه !

فأنصفوا وفكروا ! لماذا كان عثمان يكرم أبا سفيان المرتد ، ويؤوي طريد رسول الله (ص) الحكم بن أبي العاص وابنه مروان ويقربهم ويمنحهم الأموال الكثيرة من بيت مال المسلمين ، ويسند إليهم وإلى أبنائهم الولايات والامارات ، وهم الذين لعنهم رسول الله (ص) في الملأ العام ، وقد سمعه المسلمون وهو يفسر الشجرة الملعونة في القرآن ببني أمية ؟!

لماذا كان عثمان يتخذ مروان وأمثاله ونظراءه أولياء من دون الله تعالى ويركن إليهم ويعمل برأيهم ، بل أسند إليهم إدارة الدولة حتى تكون آلة لهم ومطية لأغراضهم الالحادية وأهدافهم الجاهلية ؟!

فلقائل أن يقول : إنما كان عثمان يقصد من وراء أعماله التي ذكرنا طرفا منها تمهيد السبيل للانقلاب الذي أخبر الله سبحانه في كتابه بقوله : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ... )(47).

موقف علي عليه السلام من عثمان:

لقد كان موقف الإمام علي (ع) في الفتنة موقف الناصح المصلح ، والتاريخ يشكر له مواقفه السليمة ، وأنا أنقل لكم الآن بعض كلامه في هذا الشأن من " نهج البلاغة " حتى تعرفوا نياته الطيبة ومساعيه الخيرة .

قالوا : لما اجتمع الناس إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وشكوا إليه ما نقموه على عثمان ، وسألوه مخاطبته واستعتابه لهم ، فدخل (ع) على عثمان فقال :

إن الناس ورائي وقد استفسروني بينك وبينهم ، والله ما أدري ما أقول لك ! ما أعرف شيئا تجهله ، ولا أدلك على أمر لا تعرفه !

إنك لتعلم ما نعلم ، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنبلغكه، و قد رأيت كما رأينا، و سمعت كما سمعنا، و صحبت رسول اللّه (ص) كما صحبنا، و ما ابن أبي قحافة و لا ابن الخطّاب بأولى بعمل الحقّ منك، و أنت أقرب إلى رسول اللّه (ص) وشيجة رحم منهما، و قد نلت من صهره ما لم ينالا، فاللّه.. اللّه في نفسك فإنّك و اللّه ما تبصّر من عمي و لا تعلّم من جهل، و إنّ الطّرق لواضحة و إنّ أعلام الدّين لقائمة .

فاعلم أنّ أفضل عباد اللّه عند اللّه إمام عادل هدي و هدى، فأقام سنّة معلومة و أمات بدعة مجهولة، و إنّ السّنن لنيّرة لها أعلام، و إنّ البدع لظاهرة لها أعلام، و إنّ شرّ النّاس عند اللّه إمام جائر ضلّ و ضلّ به، فأمات سنّة مأخوذة و أحيا بدعة متروكة، و إنّي سمعت رسول اللّه (ص) يقول يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر فيلقى في جهنّم فيدور فيها كما تدور الرّحى، ثمّ يرتبط في قعرها .

و إنّي أنشدك اللّه أن تكون إمام هذه الأمّة المقتول!

فإنّه كان يقال يقتل في هذه الأمّة إمام يفتح عليها القتل و القتال إلى يوم القيامة، و تلبس أمورها عليها و يبثّ الفتن فيها فلا يبصرون الحقّ من الباطل يموجون فيها موجا و يمرجون فيها مرجا .

فلا تكونن ّ لمروان سيقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السّنّ و تقضي العمر(48) .

فقال له عثمان كلّم النّاس في أن يؤجّلوني حتّى أخرج إليهم من مظالمهم .

فقال (ع) : ما كان بالمدينة فلا أجل فيه، و ما غاب فأجله وصول أمرك إليه .

ولكن عثمان شاور مروان في ما طلبه علي (ع) من قبل الناس ، فأشار عليه بالمخالفة ، فخرج عثمان وخطب الناس وقال في ما قال :

... فاجترأتم علي ، أما والله لأنا أقرب ناصرا ، وأعز نفرا ، وأكثر عودا ، وأحرى إن قلت :
" هلم " أن يجاب صوتي .

ولقد أعددت لكم أقرانا ، وكشرت لكم عن نابي ، وأخرجتم مني خلقا لم أكن أحسنه ، ومنطقا لم أكن أنطق به .... إلى آخره .

فهاج الناس ولم يرضوا من كلامه ، فاشتد البلاء حتى وقع ما وقع .

موقف الصحابة من عثمان:

وأما صحابة رسول الله (ص) فأكثرهم تألبوا على عثمان وقاموا في وجهه ينهونه عن أعماله التعسفية ، وتصرفه بغير حق في الأمور المالية وانحيازه لبني أمية .

وقد ذكر الطبري(49) : أن نفرا من أصحاب رسول الله (ص) تكاتبوا ، فكتب بعضهم إلى بعض أن أقدموا ، فإن الجهاد بالمدينة لا بالروم .

واستطال الناس على عثمان ، ونالوا منه ، وذلك في سنة أربع وثلاثين ، ولم يكن أحد من الصحابة يذب عنه ولا ينهى ، إلا نفر منهم : زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسان بن ثابت .

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج 2/134 ط. دار احياء التراث العربي :

قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى : ثم إن سعيد بن العاص قدم على عثمان سنة إحدى عشرة من خلافته فلما دخل المدينة اجتمع قوم من الصحابة فذكروا سعيدا و أعماله و ذكروا قرابات عثمان و ما سوغهم من مال المسلمين و عابوا أفعال عثمان .

فأرسلوا إليه عامر بن عبد القيس ـ و كان متألها و اسم أبيه عبد الله و هو من تميم ثم من بني العنبر ـ فدخل على عثمان فقال له : إن ناسا من الصحابة اجتمعوا و نظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما فاتق الله و تب إليه

فقال عثمان : انظروا إلى هذا تزعم الناس أنه قارئ ثم هو يجي‏ء إلي فيكلمني فيما لا يعلمه ! و الله ما تدري أين الله !

فقال عامر : بلى و الله إني لأدري إن الله لبالمرصاد!

فأخرجه عثمان .

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج 2/144 : و روى أبو جعفر [ الطبري ] قال : كان عمرو بن العاص شديد التحريض و التأليب على عثمان .

وقال في صفحة 149 : قال أبو جعفر [ الطبري ] : أن عثمان مر بجبلة بن عمرو الساعدي ، و هو في نادي قومه، و في يده جامعة فسلم فرد القوم عليه ، فقال جبلة : لم تردون على رجل فعل كذا و فعل كذا ؟! ثم قال لعثمان : و الله لأطرحن هذا الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه الخبيثة مروان و ابن عامر و ابن أبي سرح فمنهم من نزل القرآن بذمه و منهم من أباح رسول الله ص دمه.

وقال : قيل : إنه خطب يوما و بيده عصا كان رسول الله ص و أبو بكر و عمر يخطبون عليها فأخذها جهجاه الغفاري من يده ، و كسرها على ركبته فلما تكاثرت أحداثه و تكاثر طمع الناس فيه كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة و غيرهم إلى من بالآفاق إن كنتم تريدون الجهاد فهلموا إلينا فإن دين محمد(ص) قد أفسده خليفتكم فاخلعوه فاختلفت عليه القلوب و جاء المصريون و غيرهم إلى المدينة حتى حدث ما حدث.

ونقل أبن أبي الحديد في شرح النهج 2/161 : قال أبو جعفر [ الطبري ] : و كان لعثمان على طلحة بن عبيد الله خمسون ألفا ، فقال طلحة له يوما : قد تهيأ مالك فاقبضه ، فقال : هو لك معونة على مروءتك .

فلما حصر عثمان ، قال علي (ع) لطلحة : أنشدك الله إلا كففت عن عثمان !

فقال : لا و الله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها .

فكان علي (ع) يقول : لحا الله ابن الصعبة ! أعطاه عثمان ما أعطاه و فعل به ما فعل!

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج 9/3 عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب
" أخبار السقيفة " بسنده عن أبي بن كعب الحارثي ، في رواية مفصلة ، إلى أن قال في صفحة 5 : فتبعته [ أي : عثمان ] حتى دخل المسجد ، فإذا عمار جالس إلى سارية ، و حوله نفر من أصحاب رسول الله (ص) يبكون ، فقال عثمان : يا وثاب ! علي بالشرط فجاءوا ، فقال : فرقوا بين هؤلاء ففرقوا بينهم .

ثم أقيمت الصلاة فتقدم عثمان فصلى بهم ، فلما كبر قالت امرأة من حجرتها : يا أيها الناس ثم تكلمت و ذكرت رسول الله (ص) و ما بعثه الله به ، ثم قالت تركتم أمر الله و خالفتم عهده... و نحو هذا ثم صمتت ، و تكلمت امرأة أخرى بمثل ذلك فإذا هما عائشة و حفصة .

قال : فسلم عثمان ، ثم أقبل على الناس و قال إن هاتين لفتّانتان يحل لي سبهما و أنا بأصلهما عالم .

فقال له سعد بن أبي وقاص أ تقول هذا لحبائب رسول الله (ص) !

فقال : و فيم أنت و ما هاهنا ؟!

ثم أقبل نحو سعد عامدا ليضربه فانسل سعد فخرج من المسجد ، فاتبعه عثمان فلقي عليا (ع) بباب المسجد ، فقال له (ع) : أين تريد ؟

قال أريد هذا الذي كذا و كذا ـ يعني سعدا يشتمه ـ فقال له علي (ع) : أيها الرجل دع عنك هذا .

قال : فلم يزل بينهما كلام حتى غضبا ، فقال عثمان أ لست الذي خلفك رسول الله (ص) يوم تبوك ؟!

فقال علي عليه السلام : أ لست الفار عن رسول الله (ص) يوم أحد ؟!

قال : ثم حجز الناس بينهما .

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 9/35 و 36 : و روى الناس الذين صنفوا في واقعة الدار أن طلحة كان يوم قتل عثمان مقنعا بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام .

و رووا أيضا أنه لما امتنع على الذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دار لبعض الأنصار فأصعدهم إلى سطحها و تسوروا منها على عثمان داره فقتلوه .

و رووا أيضا : أن الزبير كان يقول : اقتلوه فقد بدل دينكم .

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 3/27 و 28 : و روى شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : قلت له : كيف لم يمنع أصحاب رسول الله (ص) عن عثمان ؟!

فقال إنما قتله أصحاب رسول الله (ص) .

قال : و روي عن أبي سعيد الخدري ، أنه سئل عن مقتل عثمان هل شهده أحد من أصحاب رسول الله (ص)

فقال : نعم ، شهده ثمانمائة !

قال : و هذا عبد الرحمن بن عوف و هو عاقد الأمر لعثمان و جالبه إليه و مصيره في يده ، يقول ـ على ما رواه الواقدي و قد ذكر له عثمان في مرضه الذي مات فيه ـ : عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه ، فبلغ ذلك عثمان ، فبعث إلى بئر كان عبد الرحمن يسقي منها نعمه فمنع منها و وصى عبد الرحمن ألا يصلي عليه عثمان ، فصلى عليه الزبير ـ أو سعد بن أبي وقاص ـو قد كان حلف لما تتابعت أحداث عثمان ألا يكلمه أبدا .

قال : و روى الواقدي ، قال : لما توفي أبو ذر بالربذة ، تذاكر أمير المؤمنين (ع) وعبد الرحمن فعل عثمان ، فقال أمير المؤمنين (ع) له : هذا عملك ! فقال عبد الرحمن : فإذا شئت فخذ سيفك و آخذ سيفي إنه خالف ما أعطاني .

وقال في شرح النهج 3/50 و 51 : و قد روي من طرق مختلفة و بأسانيد كثيرة أن عمارا كان يقول : ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر و أنا الرابع و أنا شر الأربعة ( ... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ )(50) و أنا أشهد أنه قد حكم بغير ما أنزل الله .

وقال : و روي عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة أنه قيل له بأي شي‏ء كفرتم عثمان ؟

فقال : بثلاث : جعل المال دولة بين الأغنياء و جعل المهاجرين من أصحاب رسول الله (ص) بمنزلة من حارب الله و رسوله و عمل بغير كتاب الله .

موقف عثمان من صحابة النبي (ص) المقربين:

ومن أسباب ثورة المسلمين على عثمان وقتله ، إيذاؤه بعض الصحابة المقربين إلى رسول الله (ص) والمكرمين لديه ، وما كان لهم جرم سوى إنهم كانوا ينهونه عن المنكر ويأمرونه بالمعروف ، منهم : عبد الله بن مسعود ، وهو الحافظ لكتاب الله ، والكاتب الضابط للقرآن الكريم على عهد رسول الله (ص) ، وكان يحظى عند النبي (ص) وعند الشيخين باحترام وافر .

وذكر ابن خلدون في تاريخه أن عمر بن الخطاب في أيام خلافته وحكومته كان يقرب عبد الله بن مسعود ولا يفارقه أبدا ، لأنه كان ذا اطلاع كامل على القرآن ، وقد روى المحدثون أحاديث كثيرة عن رسول الله (ص) في حقه ، ذكرها ابن أبى الحديد أيضا في شرح النهج .

وذكر المؤرخون : أن عثمان لما أراد أن يجمع المصاحف أمر بأخذ النسخ الموجودة عند الأصحاب ، ومنها النسخة التي كانت عند عبد الله بن مسعود ، اذ كان من كتاب الوحي ومحل ثقة النبي (ص) ، ولكن ابن مسعود أبا أن يعطيه نسخته ، فذهب عثمان بنفسه إلى بيت ابن مسعود وأخذ نسخته قهرا ، فلما سمع ابن مسعود أن نسخته أحرقت مع سائر النسخ ، حزن حزنا شديدا وكان حينذاك بالكوفة ، فبدأ يطعن في عثمان ، ويكشف الستار عن أعماله المخالفة لسنة النبي والقرآن وسيرة الشيخين .

وكان الجواسيس يخبرون الوليد بن عقبة والي الكوفة ، فكتب فيه الوليد إلى عثمان ، فأمره أن يبعثه إلى المدينة .

وقال ابن أبى الحديد في شرح النهج 3/43 ـ عن الواقدي وغيره : أن ابن مسعود دخل المدينة ليلة جمعة ، فلما علم عثمان بدخوله قال : أيها الناس إنه قد طرقكم الليلة دويبة ، من تمشي على طعامه يقي‏ء و يسلح .

فقال ابن مسعود: لست بدويبة، و لكنني صاحب رسول الله( ص) يوم بدر، و صاحبه يوم أحد ، و صاحبه يوم بيعة الرضوان ، و صاحبه يوم الخندق ، و صاحبه يوم حنين .

و صاحت عائشة : يا عثمان ! أ تقول هذا لصاحب رسول الله ( ص ) ؟!

فقال عثمان : اسكتي ، ثم قال لعبد الله بن زمعة بن الأسود : أخرجه إخراجا عنيفا !

فأخذه ابن زمعة ، فاحتمله حتى جاء به باب المسجد ، فضرب به الأرض ، فكسر ضلعا من أضلاعه .

فقال ابن مسعود : قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان .

و في رواية : أن ابن زمعة كان مولى لعثمان ، أسود مسدما طوالا .

وقال ابن أبى الحديد في صفحة 44 : وقد روى محمد بن اسحاق عن محمد بن كعب القرظي : أن عثمان ضرب إبن مسعود أربعين سوطا ، لأنه قام بتجهيز أبي ذر الغفاري ودفنه .

قال : وهذه قصة أخرى ، ثم يذكرها بالتفصيل .

أقول : الله أكبر ! وهل دفن مؤمن كأبي ذر ، يستوجب التعزيز والتعذيب ؟!

وقال ابن أبي الحديد في صفحة 42 و 43 : و لما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه أتاه عثمان عائدا .

فقال : ما تشتكي ؟

فقال : ذنوبي .

قال : فما تشتهي .

قال : رحمة ربي .

قال : أ لا أدعو لك طبيبا ؟

قال : الطبيب أمرضني .

قال : أ فلا آمر لك بعطائك ؟

قال : منعتنيه و أنا محتاج إليه و تعطينيه و أنا مستغن عنه !

قال : يكون لولدك .

قال : رزقهم على الله تعالى .

قال : استغفر لي يا أبا عبد الرحمن .

قال : أسأل الله أن يأخذ لي منك حقي !

وقال ابن أبي الحديد في صفحة 42 : وقد روي عنه أيضا من طرق لا تحصى كثيرة ، أنه كان يقول : ما يزن عثمان عند الله جناح ذباب .

قال ابن أبي الحديد : وتعاطي ما روي عنه في هذا الباب يطول ، و هو أظهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه ، و أنه بلغ من إصرار عبد الله على مظاهرته بالعداوة ، أن قال لما حضره الموت : من يتقبل مني وصية أوصيه بها على ما فيه؟

فسكت القوم و عرفوا الذي يريد .

فأعادها ، فقال عمار بن ياسر رحمه الله تعالى : أنا أقبلها .

فقال ابن مسعود : ألا يصلي علي عثمان .

قال : ذلك لك .

فيقال : إنه لما دفن جاء عثمان منكرا لذلك ، فقال له قائل : أن عمارا ولي الأمر .

فقال لعمار : ما حملك على أن لم تؤذني ؟!

فقال : عهد إلي ألا أؤذنك .

فوقف على قبره و أثنى عليه . ثم انصرف و هو يقول : رفعتم و الله أيديكم عن خير من بقي .

فتمثل الزبير بقول الشاعر :

لا ألفينك بعد الموت تندبني و في حياتي ما زودتني زادي

إيذاؤه عمار بن ياسر

ومن أعمال عثمان الثابتة عليه ، ولم ينكره أحد من المؤرخين ، وهو خلاف العدل والرحمة ، وظلم ظاهر ، لم يرض به المؤمنون ، ولو كان أبو بكر وعمر حيين لأنكرا عليه وانتقما منه :

ضربه وإيذاؤه عمار بن ياسر ، الصحابي الجليل الذي قال فيه رسول الله (ص) : " عمار ملئ إيمانا من قرنه إلى قدميه " . وشهد له ولأبويه بالجنة ، بل قال (ص) : إن الجنة إليه .

وكان السبب في ضربه أمورا ، منها كما نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج 3/50 قال : و روى آخرون أنّ السبب في ذلك أنّ عثمان مرّ بقبر جديد ، فسأل عنه، فقيل : عبد اللّه بن مسعود، فغضب على عمّار لكتمانه إيّاه موته ، إذ كان المتولّي للصلاة عليه و القيام بشأنه ، فعندها وطئ عثمان عمّارا حتى أصابه الفتق .

قال ابن أبي الحديد في صفحة 50 : و روى آخرون ، أن المقداد و عمارا و طلحة و الزبير و عدة من أصحاب رسول الله (ص) كتبوا كتابا ، عددوا فيه أحداث عثمان و خوفوه به و أعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع .

فأخذ عمار الكتاب فأتاه به ، فقرأ منه صدرا ثم قال له : أ علَيّ تقدم من بينهم !

فقال : لأني أنصحهم لك .

قال : كذبت يا ابن سمية !

فقال : أنا و الله ابن سمية و ابن ياسر .

فأمر عثمان غلمانا له ، فمدوا بيديه و رجليه ، ثم ضربه عثمان برجليه ـ و هي في الخفين ـ على مذاكيره ، فأصابه الفتق و كان ضعيفا كبيرا فغشي عليه .

قال ابن أبي الحديد في صفحة 49 : ثم أخرج فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة (رضي الله عنها ) ، فلم يصل الظهر والعصر والمغرب ، فلما أفاق توضأ وصلى .

ومن أحب التفصيل ، فليراجع مروج الذهب 1/437 ، وشرح النهج ـ لابن أبي الحديد ـ الجزء الثالث ، طبع دار إحياء التراث العربي .

إيذاؤه أبا ذر الغفاري:

ومن أسباب ثورة المسلمين على عثمان ، إيذاؤه أبا ذر ونفيه إلى الشام ، لكن أبا ذر لم يسكت ، بل كان يتكلم في مظالم عثمان ومآثم معاوية بن أبي سفيان ، عامله على الشام ، فكتب معاوية إلى عثمان يخبره عن كلام أبي ذر ، فطلبه عثمان واسترده إلى المدينة ، فلما وصل إليها ، نفاه إلى الربذة مع عياله ، فبقي هناك حتى وافاه الأجل ، فمات مقهورا ، مغلوبا على أمره ، وخلف ابنته الوحيدة فريدة من غير والٍ وحام في ذلك المكان الموحش .

وذكر إساءة عثمان وإيذاؤه لأبي ذر ، صحابي رسول الله كثير من أعلامكم ، منهم : ابن سعد في طبقاته 4/168 ، والبخاري في صحيحه في كتاب الزكاة .

وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/54 ـ 58 ، واليعقوبي في تاريخه 2/148 ، والمسعودي في مروج الذهب 1/438 ، وغيرهم من المؤرخين فقد ذكروا تفصيل معاملة عثمان السيئة ، وكذلك عماله المجرمين وإساءتهم لأبي ذر الطيب الصادق ، صاحب رسول الله (ص) .

حتى أن عثمان أهان الإمام علي (ع) لأنه شايع أبا ذر حين تبعيده إلى الربذة ، فخرج لتوديعه مع الحسنين (ع) ، وذكروا كذلك أن عثمان ضرب عبد الله بن مسعود أربعين سوطا لأنه تولى دفن أبي ذر عليه الرحمة(51).

الحافظ : إيذاء أبي ذر عليه الرحمة ونفيه لم يصدر من عثمان ، وإنما كان بأمر بعض عماله ومن غير علمه ، وإلا فإن عثمان أجل من هذه الأعمال ، والمشهور أنه كان رحيما شفيقا يحمل بين جنبيه قلبا رقيقا .

قلت : إن كلامك هذا خلاف الواقع ، وقد صدر من غير تحقيق ، فإن التاريخ يؤكد أن الأوامر الصادرة في تبعيد أبي ذر إنما كانت من نفس عثمان إلى عماله ، وهم قاموا بكل ما فعلوا ، تنفيذا لأوامره !

وإذا أردت أن تعرف حقيقة الأمر ، فراجع تاريخ اليعقوبي 1/241 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد 3/55 ، وغيرهما ، فقد سجلوا كتاب عثمان إلى معاوية ـ وهو عامله على الشام ـ فقد كتب فيه : أما بعد فاحمل جندبا إلي على أغلظ مركب وأو عره .

فوجه به مع من سار به الليل والنهار ، وحمله على شارف ليس عليها إلا قتب ، حتى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد .

فبالله عليكم أنصفوا ! هل هذا معنى الرحمة والرأفة مع شيخ كبير طاعن في السن كأبي ذر رحمة الله تعالى عليه !!(52).

ولا أدري لم استحق هذا الرجل الكريم ذلك الظلم العظيم ؟!

وكيف نسي عثمان منزلة أبي ذر ورتبته السامية عند رسول الله (ص) ؟

وكيف نسي حديث النبي (ص) في حقه حين أعلم المسلمين فقال (ص) : إن الله أمرني بحب أربعة ، وأخبرني أنه يحبهم .

قالوا : يا رسول الله ! ومن هم ؟

قال (ص) : علي منهم ـ ثلاثا ـ ثم قال : وأبو ذر ومقداد وسلمان .

ذكر هذا الحديث من أعلامكم ، منهم : الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء 1/172 ، وابن ماجة في السنن 1/66 ، والحافظ سليمان القندوزي في ينابيع المودة : الباب 59 ، وابن حجر المكي في

" الصواعق المحرقة " الحديث الخامس من الأربعين حديثا في فضل الامام علي (ع) عن الترمذي والحاكم ، وابن حجر العسقلاني في الاصابة 3/455 ، والترمذي في صحيحه 2/213 ، وابن عبد البر في الاستيعاب 2/557 ، والحاكم في المستدرك 3/130 ، والسيوطي في " الجامع الصغير " وغير هؤلاء من علماؤكم الموثوقين لديكم .

فهل النبي (ص) يعذر عثمان ؟! هل يعذره في تلك المعاملات السيئة التي عامل بها حبيبه وصاحبه أبا ذر الذي أمره الله تعالى بحبه ؟!!

هل هذه الأعمال البربرية ، تصدر من ذي رحمة ورأفة ، أم ذي صلابة وقسوة ؟!!

الحافظ : إنما لاقى أبو ذر عقاب أعماله ! لأنه كان في الشام يدعو الناس لعلي كرم الله وجهه ، وكان يقول علانية : بأني سمعت رسول الله (ص) يقول : " علي خليفتي فيكم " فكان يعرض بعثمان والشيخين ، بأنهم غصبوا الخلافة من علي بن أبي طالب ، فكان بهذه الكلمات يوقع الخلاف بين المسلمين في الشام ، فيشتت آراءهم بعد أن كانوا على رأي واحد ، والخليفة المسؤول على حفظ الدين ووحدة الكلمة واتحاد المسلمين ، ولم يكن بد لعثمان من طلب إرجاعه إلى المدينة ، ليجعله تحت نظره ويراقب أمره .

قلت :

أولا : كان في المدينة تحت نظره ولكن أبعده إلى الشام ثم استرده إلى المدينة !

ثانيا : وهل الإسلام يخالف بيان الحق ؟!

وهل من العدل والدين أن من صدع بالحق يجب أن ينفى ويعذب حتى يموت صبرا ؟!!

ثالثا : وعلى فرض أن يكون من حق الخليفة أن يجعل من يحب تحت نظره ويراقب أموره ، فهل من حقه أيضا أن يصدر حكما قاسيا في حق المتهم ، قبل أن يراه ويحاكمه ويسمع كلامه ودفاعه عن نفسه ؟!

وهل يسمح الدين القويم والعقل السليم للخليفة ، أو لأي حاكم ، أن يحكم على متهم ـ قبل ثبوت الجرم ـ وهو شيخ كبير مسن ضعيف نحيف ، بحكم لا يطيقه ولا يتحمله ؟! كما حكم عثمان وأمر في كتابه لمعاوية : أن احمل جندبا ـ يعني : أبا ذر ـ على أغلظ مركب وأوعره من غير قتب !! فلما وصل المدينة تساقط لحم فخذيه من الجهد .

فهل هذا بحكم العدل والرحمة ؟! وهل هذا من المروءة والرأفة ؟!!

وإذا كان عثمان يريد وحدة الكلمة واتحاد المسلمين فقام بتبعيد أبي ذر رحمه الله تعالى لكي لا تشق عصا المسلمين ، فلماذا اختلف المسلمون على عهده وانشقت عصاهم ، وثاروا على عثمان وقتلوه ؟!!

فالمنصف المحق يعرف إنما اختلف المسلمون وثاروا على عثمان وخلعوه ، بسبب ارتكابه تلك الأعمال المخالفة للإسلام والعرف !

وإذا كان الخليفة كما تزعمون ، حريصا على وحدة الكلمة واتحاد المسلمين ، فكان يجب عليه أن يلبي طلبات الثائرين ، وكلها كانت أمورا شرعية وعرفية ، ومن أهمها أنهم كانوا يطالبوه بعزل بعض عماله المفسدين الظالمين ، وإبعاد حاشيته ، أمثال : مروان طريد رسول الله (ص) والوليد بن عقبة الفاسق ، ومعاوية الفاجر ، الذين لعنوا في القرآن الكريم وعلى لسان النبي العظيم (ص) .

الحافظ : من أين نعرف أن أبا ذر كان صادقا ، وبالحق ناطقا ، فنحن نقول : إنه كان يجعل الأحاديث على لسان رسول الله (ص) : كما أنتم تقولون في أبي هريرة !

أبو ذر أصدق الناس:

إني أستغرب كلامك ، فكأنك لم تطالع تاريخ أبي ذر رحمه الله ولو لمرة واحدة ، وإلا لما كنت تتكلم بهذا الكلام الواهي ، فإن كلامك هذا يناقض كلام رسول الله (ص) ويخالف حديثه الشريف في حق أبي ذر إذ قال (ص) : ما أقلت الغبراء وما أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر .

وهذا حديث مشهور ، نقله أعلامكم ومحدثوكم ، منهم : محمد بن سعد في طبقاته 4/167 و 168 ، وابن عبد البر في الاستيعاب 1/48 باب جندب ، والترمذي في صحيحه 2/221 ، والحاكم في المستدرك 3/342 ، وابن حجر العسقلاني في الاصابة 3/622 ، والمتقي الهندي في كنز العمال 6/169 ، والامام أحمد في المسند 2/163 و 175 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/56 ط. بيروت ـ دار احياء التراث العربي ، والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ، وفي كتاب " لسان العرب " وكتاب " ينابيع المودة " فقد رووه بأسانيد كثيرة وطرق عديدة .

بناء على هذا الحديث الشريف ، لا يحق لكم أن تنسبوا الكذب لأبي ذر رحمه الله تعالى ، لأن تكذيبه يكون تكذيب رسول الله (ص) وهو كفر !

ولذلك ، فنحن نعتقد أن كل ما أعلنه أبو ذر صدق محض ، وحق بحت ، وليس لنا ولكم إلا التصديق والقبول .

وبناء على الحديث الآخر الذي رويته لكم قبل هذا ، عن أعلامكم وطرقكم ، بأن (ص) قال : إن الله تعالى أمرني بحب أربعة ... كان أبو ذر أحدهم ، ومن الواضح أن الله سبحانه لا يأمر نبيه بحبه رجل كاذب يجعل الحديث وينسبه إلى النبي والعياذ بالله !

ثم أقول : لو كان لبان ، أي : لو كان أبو ذر كاذبا لكان علماؤكم بينوا أكاذيبه وأعلنوا كذبه ، كما بينوا أباطيل أبي هريرة وأكاذيبه .

بالله عليكم فكروا في هذه الحقائق وأنصفوا !

هل من الحق والعدل والرحمة والرأفة : أن رجلا من خواص أصحاب محمد (ص) ومن المقربين لديه ، والذي حبه فرض من الله عليه (ص) وهو أصدق الأمة ، بل أصدق إنسان على وجه الغبراء وتحت السماء ، يعامل تلك المعاملة السيئة ، فيعذب وينفى إلى صحراء قاحلة ، فيموت فيها جوعا وعطشا !! لأنه عمل بواجبه فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وصدع بالحق وأعلن
الحقيقة ؟!!

والجدير بالذكر أن رسول الله (ص) أخبر بابتلائه ومصابه في الله تعالى ، فقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء 1/162 بإسناده عن أبي ذر الغفاري أنه قال : كنت عند رسول الله (ص) فقال : أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء من بعدي .

قلت : في الله ؟

قال (ص) : في الله .

قلت : مرحبا بأمر الله .

والآن ، وبعد سرد هذه الحوادث الفجيعة والوقائع الفظيعة ، بقي عليكم ، إما أن تردوا وتكذبوا كل أعلامكم وكبار علمائكم من أصحاب الصحاح والمسانيد والتواريخ والتفاسير وغيرهم الذين ذكروا هذه الحوادث ونقلوا تلك الوقائع .

وإما أن تذعنوا بأن عثمان لا تشمله الآية الكريمة ، ولا تنطبق عليه جملة ( رحماء بينهم ) فقد كان فظا غليظا ، وصعبا قاسيا ، شديدا على المؤمنين ، ورؤوفا رحيما شفيقا بالفاسقين والمنافقين !!

الحافظ : لقد ثبت عندنا وعند كثير من العلماء الأعلام : أن أبا ذر رحمه الله ، هو الذي اختار المقام في الربذة من غير إجبار ، بل أحب أن يجتنب الأحداث ، فسافر إلى مسقط رأسه الربذة .

قلت : هذا قول بعض المتأخرين من علمائكم المتعصبين ، وهو قول اجتهادي من غير دليل وبدون أي مستند تاريخي(53)، وإلا فكبار علمائكم ذكروا أنه أبعد إلى الربذة بالقهر والجبر ، حتى كاد أن يكون هذا الخبر من المسلمات غير القابلة للنقاش .

وكنموذج ، انقل هذا الخبر الذي رواه الامام أحمد في المسند 5/156 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/57 ، قال : روى الواقدي عن مالك بن أبي الرجال ، عن موسى بن ميسرة : أن أبا الأسود الدؤلي قال : كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه ، فنزلت الربذة ، فقلت له : أ لا تخبرني ؟ أ خرجت من المدينة طائعا أم أخرجت مكرها ؟

فقال : كنت في ثغر من ثغور المسلمين ، أغني عنهم ، فأخرجت إلى مدينة الرسول (ص) فقلت: أصحابي و دار هجرتي ، فأخرجت منها إلى ما ترى !

ثم قال : بينا أنا ذات ليلة نائم في المسجد ، إذ مر بي رسول الله ( ص ) فضربني برجله و قال: لا أراك نائما في المسجد !

فقلت : بأبي أنت و أمي ! غلبتني عيني فنمت فيه .

فقال : كيف تصنع إذا أخرجوك منه ؟!

فقلت : إذن ألحق بالشام ، فإنها أرض مقدسة ، و أرض بقية الإسلام ، و أرض الجهاد .

فقال : فكيف تصنع إذا أخرجت منها ؟!

فقلت : أرجع إلى المسجد .

قال : فكيف تصنع إذا أخرجوك منه ؟!

قلت : آخذ سيفي فأضرب به .

فقال ( ص) : أ لا أدلك على خير من ذلك ، انسق معهم حيث ساقوك ، و تسمع و تطيع ، فسمعت و أطعت ، و أنا أسمع و أطيع ، و الله ليلقين الله عثمان و هو آثم في جنبي .

و كان يقول بالربذة : ما ترك الحق لي صديقا ، ردني عثمان بعد الهجرة أعرابيا !

علي مصداق ( رحماء بينهم ):

كل ما ذكرناه كان ردا على تأويل الشيخ عبد السلام لجملة ( رحماء بينهم ) على عثمان ، وقد أثبتنا خلافه .

واعتقادنا أن الذي يكون من أجلى مصاديق هذه الجملة هو الإمام علي عليه السلام ، إذ حينما بويع بالخلافة وتسلم الحكم ، عزل كل من ظلم الناس وجار على الضعفاء في حكومة عثمان .

وقد أشار عليه بعض الصحابة أن يترك الأمور على حالها ويقوي أركان حكومته ، فإذا استتب له الأمر وتمكن من الرقاب بدأ بعزلهم واحدا واحدا ، فأجابه الإمام : والله لا أداهن في ديني ، ولا أعطي الرياء في أمري .

ولما أشار عليه ابن عباس في معاوية فقال : ولِّه شهرا واعزله دهرا .

قال عليه السلام : والله لا أطلب النصر بالجور ، فليس لي عند الله عذر إن تركت معاوية ساعة يظلم الناس .

وجاءه طلحة والزبير يطلبان حكومة مصر والعراق ، فلو لبى طلبهما لما خرجا عليه وما كانت فتنة البصرة ومعركة الجمل ، ولكنه هيهات أن يغلب على أمره ، فإنه أبى أن ينصب للولايات إلا العدول الكفوئين من المؤمنين ممن امتحنهم الله عز وجل ونجحوا في الأحداث والفتن التي عاصروها ، ولم يميلوا عن طريق الحق ، ولم تلههم الدنيا بزخرفها ، ولم يكنزوا الذهب والفضة ، ولم يجمعوا أموال المسلمين المحرومين إلى أموالهم !

ولقد حورب عثمان وحصر ، على أن يعزل بعض ولاته وعماله فلم يجب إلى ذلك ، فكيف يفتتح الإمام علي عليه السلام أمره بهذه الدنية ويداري الأشخاص بالولايات ، على أن يكون خليفة بالظاهر ، وليس له مراقبة أمورهم والنظر في أعمالهم ؟!!

والجدير بالذكر ، أننا نرى بعض الناس الذين ينظرون إلى أمور على ظواهرها ولا يفكرون في حقائقها ، ولا يدرسون الوقائع دراسة تعمق وإمعان ، فيقيسونها بمقياس الدنيا لا الدين ، وينوها بمعيار الشياطين والمغوين ، لا المعيار الذي عينه رب العالمين ، فيستشكلون على سياسة أمير المؤمنين عليه السلام !

ولكن لو تعمقوا وأنصفوا ، لأذعنوا أن عليا عليه السلام كان يريد إدارة البلاد والعباد بالسياسة الدينية والطريقة الإلهية ، فهو لم يطلب الحكم إلا ليقيم الحق ويدحض الباطل ، ويقيم حدود الله سبحانه على القوي والضعيف ، فيأخذ حقوق الضعفاء المحرومين من الأقوياء الظالمين .

فالراعي والرعية والرئيس والمرؤوس عنده سواء ، والأصل عنده رضا الله عز وجل لا رضا الناس ، فلم تكن قاعدته في الحكم قاعدة غيره من الحكام والخلفاء ، إذ جعلوا رضا الناس واستمالة قلوب الرؤساء أصلا لحكوماتهم فطلبوا النصر بالجور .

فكان علي عليه السلام رحيما بالضعفاء ، طالبا لحقوق المحرومين ، مواسيا للمساكين ، رؤوفا بالفقراء ، عطوفا على الأرامل والأيتام ، فكان يعرف بأبي الأرامل والأيتام ، وصاحب المساكين.

وروى المحدثون والمؤرخون : أنه نظر الإمام علي عليه السلام إلى امرأة على كتفها قربة ماء ، فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها ، وسألها عن حالها ، فقالت : بعث علي بن أبي طالب زوجي إلى بعض الثغور فقتل ، وترك صبيانا يتامى ، وليس عندي شيء ، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس ، فانصرف الإمام علي عليه السلام وبات ليلته قلقا ، فلما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام ، فقال بعضهم : أعطني أحمله عنك ، فقال : من يحمل وزري عني يوم القيامة ؟ فأتى وقرع الباب فقالت : من هذا ؟ قال : أنا العبد الذي حمل معك القربة ، فافتحي فإن معي شيئا للصبيان ، فقالت : رضى الله عنك وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب ، فدخل وقال : إني أحببت اكتساب الثواب ، فاختاري بين أن تعجني وتخبزي وبين أن تعللي الصبيان لأخبز أنا ، فقالت : أنا بالخبز أبصر عليه وأقدر ، ولكن شأنك والصبيان ، فعللهم حتى أفرغ من الخبز ، قال : فعمدت إلى الدقيق فعجنته ، وعمد علي عليه السلام إلى اللحم فطبخه ، وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره .

فرأته امرأة تعرفه فقالت لأم الصبيان : ويحك هذا أمير المؤمنين ..

فكان رحيما ورؤوفا برعاياه حتى أهل الذمة منهم ، فإنه كان يوما على المنبر في مسجد الكوفة فسمع بأن بسر بن أرطاة هاجم بعض البلاد التي كانت تحت حكومته ، فروع الناس وأرعبهم وأخذ سوار امرأة معاهدة ذمية من يدها .

فبكى علي عليه السلام من هذا الخبر وقال : لو أن امرءا مات من هذا الخبر أسفا ما كان ملوما ، بل كان به جديرا .

وكان عليه السلام رحيما بعدوه وصديقه ، فإن عثمان على ما كان عليه من سوء التصرف وسوء السيرة معه حتى إنه ضرب الإمام عليه السلام بالسوط ـ كما رواه ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكار ، في شرح النهج 9/16 ـ مع كل ذلك فقد ذكر المؤرخون ـ منهم ابن أبي الحديد في شرح النهج 2/148 ـ أنه : لما مُنع عثمان الماء واشتد الحصار عليه ، فغضب علي عليه السلام من ذلك غضبا شديدا ، وقال لطلحة : أدخلوا عليه الروايا فكره طلحة ذلك و ساءه ، فلم يزل علي ( ع ) حتى أدخل الماء إليه.

ونقل أيضا في صفحة 153 عن أبي جعفر ـ الطبري ، صاحب التاريخ ـ قال : فحالوا بين عثمان و بين الناس ، و منعوه كل شي‏ء حتى الماء ، فأرسل عثمان سرا إلى علي ( ع ) و إلى أزواج النبي ( ص ) أنهم قد منعونا الماء ، فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا ماء فافعلوا .

فجاء علي ( ع ) في الغلس ، فوقف علي ( ع ) على الناس ، فوعظهم و قال : أيها الناس ! إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين و لا أمر الكافرين ، إن فارس و الروم لتأسر فتطعم و تسقي ، فالله الله ! لا تقطعوا الماء عن الرجل .

فأغلظوا له و قالوا : لا نَعِم و لا نعمة عين .

فلما رأى منهم الجد نزع عمامته عن رأسه و رمى بها إلى دار عثمان يعلمه أنه قد نهض ، و عاد .... إلى آخره .

مقايسة بين علي عليه السلام وعثمان

لقد سبق أن ذكرنا عطايا عثمان لأقاربه ورهطه ، أمثال أبي سفيان والحكم بن أبي العاص وابنه مروان وغيرهم ، فكان يخصص أموال المسلمين من بيت المال بهؤلاء ونظرائهم ، ويمنعها عن أهلها أبي ذر وعبد الله بن مسعود وغيرهما .

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج 9/16 : و روى الزبير بن بكار عن الزهري ، قال : لما أتي عمر بجواهر كسرى ، وضع في المسجد فطلعت عليه الشمس فصار كالجمر ، فقال لخازن بيت المال : ويحك ! أرحني من هذا ، و اقسمه بين المسلمين ، فإن نفسي تحدثني أنه سيكون في هذا بلاء و فتنة بين الناس .

فقال : يا أمير المؤمنين ، إن قسمته بين المسلمين لم يسعهم و ليس أحد يشتريه، لأن ثمنه عظيم ، و لكن ندعه إلى قابل ، فعسى الله أن يفتح على المسلمين بمال فيشتريه منهم من يشتريه .

قال : ارفعه فأدخله بيت المال .

و قتل عمر و هو بحاله ، فأخذه عثمان لما ولي الخلافة فحلى به بناته !

هذا ، وانظروا إلى الخبر الذي نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج 11/253 ، قال : سأل معاوية عقيلا عن قصة الحديدة المحماة .

قال [ عقيل ] : نعم ، أقويت و أصابتني مخمصة شديدة ، فسألته فلم تند صفاته ، فجمعت صبياني و جئته بهم ، و البؤس و الضر ظاهران عليهم ، فقال ائتني عشية لأدفع إليك شيئا .

فجئته يقودني أحد ولدي ، فأمره بالتنحي ، ثم قال : أ لا فدونك ، فأهويت ـ حريصا قد غلبني الجشع ، أظنها صرة ـ فوضعت يدي على حديدة تلتهب نارا، فلما قبضتها نبذتها ، و خرت كما يخور الثور تحت يد جازره .

فقال لي : ثكلتك أمك ! هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا ، فكيف بك و بي غدا إن سلكنا في سلاسل جهنم ؟!

ثم قرأ : ( إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُون )(54).

ثم قال : ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى ، فانصرف إلى أهلك .

فجعل معاوية يتعجب ، و يقول : هيهات هيهات ! عقمت النساء أن يلدن مثله ! انتهى .

فقايسوا بين الاثنين ، واعرفوا الحق في أين !

عفوه عن الأعداء:

كان علي عليه السلام في أعلى مرتبة من مراتب العفو والصفح ، كان يقول : لكل شيء زكاة ، وزكاة الظفر بعدوك العفو عنه .

ولقد عفا عن مروان بن الحكم وعبدالله بن الزبير لما ظفر بهما وهما أسيرين مقيدين في يوم الجمل ، فأمر بفك قيدهما وأطلق سراحهما ، مع العلم أنهما كانا من ألد أعدائه وأشد مبغضيه .

وصفحه عن عائشة ، أعظم من كل عفو وصفح ، لأنها سببت تجمع الناس الغافلين ، وأغوت الجاهلين ، وقادتهم لقتال أمير المؤمنين وسيد الوصيين عليه السلام ، فهي التي أضرمت نار الحرب وأججت الفتنة ، ومع كل ذلك ، لما اندحر أنصارها ، وانكسر جيشها ، وسقطت من الجمل مغلوبة مقهورة ، أسيرة في أيدي المؤمنين ، أمر الإمام علي عليه السلام أخاها محمد بن أبي بكر أن يأخذها إلى بيت في البصرة ويقوم بخدمتها ويكرمها .

وبعد ذلك هيأ الإمام عليه السلام عشرين امرأة من قبيلة عبد القيس ، وأمرهن بلبس ملابس الرجال والعمائم ، وأن يحملن معهن السيوف والسلاح ويلثمن حتى لا يعرفن ، وأمرهن أن يحطن بأم المؤمنين عائشة ويوصلنها على المدينة المنورة ، وأرسل خلف النسوة رجالا مسلحين ليراقبوهن من بعيد ويذبوا عنهن عند الحاجة .

فلما وصلت إلى المدينة ونزلت بيتها واستقرت ، اجتمعت زوجات رسول الله (ص) وبعض المؤمنات من أهل المدينة عندها وعاتبنها على خروجها ! فأظهرت الندم ، وشكرت لعلي عليه السلام عفوه وصفحه عنها ومقابلته لها بالرحمة والكرامة ، إلا أنها قالت : ولكن ما كنت أظن أن يبعثني علي بن أبي طالب مع رجال أجانب من البصرة إلى المدينة ، فإنه ما راعى حرمة رسول الله (ص) في حبيبته !!

فهنا كشفن المرافقات لها لثامهن وخرجن من زي الرجال إلى ظاهرهن وحقيقتهن .

فخجلت كثيرا وشكرت عليا أكثر من ذي قبل !

نعم هكذا يكون أولياء الله وخلفاؤه .

معاوية يمنع وعلي عليه السلام يسمح:

وأذكر لكم شاهدا آخر على رأفة علي عليه السلام ورحمته حتى بالخارج عليه لقتله ، مثل معاوية وحزبه الفاسقين ، في صفين .

لقد ذكر جميع المؤرخين وأصحاب السير ، منهم : المسعودي في مروج الذهب ، والطبري في تاريخه ، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3/318 و10/257 ، وينابيع المودة ـ للقندوزي ـ باب 51 ، وغيرهم ذكروا أن معاوية استولى على الفرات فمنع جيش الإمام علي عليه السلام من حمل الماء ، وقال : لا والله لا ندعهم يشربوا حتى يموتوا عطشا !

فهاجمهم جيش الإمام علي عليه السلام واستولوا على الفرات وانهزم جيش معاوية ، ولكن عليا عليه السلام لم يمنعهم الشرب وسمح لهم بحمل الماء .

بالله عليكم أيها الحاضرون أنصفوا ! أي الخليفتين تشمله الجملة من الآية الكريمة ( رحماء بينهم ) ؟

وإذا كنتم تريدون تعريف الآية الكريمة وإعرابها كاملة ..

فيكون ( محمد رسول الله ) مبتدأ ( والذين معه ) معطوف على المبتدأ وخبره وما بعده خبر بعد الخبر ، وكلها صفات شخص واحد : الذين يعدون مع رسول الله (ص) ويوصفون بمعيته ، هم الذين يكونون أشداء على الكفار ، رحماء بينهم ... إلى آخره .

وحيث إن هذه الصفات ما اجتمعت في أحد من الصحابة غير علي عليه السلام ، فالذي يعد مع رسول الله (ص) معية حقيقية معنوية ، فلا فارقه ولا فكر بمفارقته حتى ساعة واحدة ، هو علي عليه السلام ، فكأنهما أصبحا حقيقة ونفسا واحدة ، اتحدا روحا ومعنى وإن افترقا جسما وبدنا .

الشيخ : عندنا إجابات وردود كثيرة على كلامكم ، ولكن نكتفي بواحدة منها ، وهي : إن معاني الآية الكريمة إذا كانت تنطبق على سيدنا علي كرم الله وجهه فقط ، ولم تشمل أحدا غيره ، فلماذا جاءت الآية على صيغة الجمع ؟! فتقول والذين معه ، أشداء ، رحماء ، ركعا ، سجدا ، يبتغون ، سيماهم ، وجوههم ... كلها كلمات على صيغة الجمع .

قلت :

أولا : أنا حاضر لأستمع كل إجاباتكم وردودكم ، وإلا فسكوتكم يدل على صحة حديثي وربما كان عنكم مغالطات تسمونها إجابات ! فاطرحوها ، فإني لا أتركها بلا جواب ، إن شاء الله تعالى .

ثانيا : إن سؤالكم هذا ، نقاش لفظي ، لأنكم تعلمون أن في كلام العرب والعجم يطلقون صيغة الجمع على المفرد من أجل التعظيم والتفخيم ، وكم لها في القرآن نظائر ! منها :

آية الولاية ونزولها في الامام علي عليه السلام:

القرآن الكريم هو أعظم مرجع في اللغة العربية ، وأقوى سند لها ، وفي ما نحن فيه أيضا ، القرآن دليل قاطع ، وبرهان ساطع .

فنجد فيه آية كريمة أخرى وهي : آية الولاية ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )(55)، فكلماتها على صيغة الجمع ، واتفق المفسرون والمحدثون من الفريقين ـ الشيعة والسنة ـ أنها نزلت في حق علي عليه السلام وحده ، منهم : الإمام الفخر الرازي في " التفسير الكبير" 3/431 ، والإمام أبو اسحاق الثعلبي في تفسير " كشف البيان " وجار الله الزمخشري في " الكشاف " 1/422 ، الطبري في تفسيره 6/186 ، أبو الحسن الرماني في تفسيره ، ابن هوازن النيسابوري في تفسيره ، ابن سعدون القرطبي في تفسيره ، الحافظ النسفي في تفسيره المطبوع في حاشية تفسير الخازن البغدادي ، الفاضل النيسابوري في غرائب القرآن 1/461 ، أبو الحسن الواحدي في أسباب النزول : 148 ، الحافظ أبو بكر الجصاص في تفسير أحكام القرآن :542 ، الحافظ أبو بكر الشيرازي في كتابه " ما نزل من القرآن في علي عليه السلام " ، أبو يوسف الشيخ عبد السلام القزويني في تفسيره الكبير ، القاضي البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل 1/345 ، جلال الدين السيوطي في الدر المنثور 2/293 ، القاضي الشوكاني في تفسيره " فتح الغدير" السيد محمود الألوسي في تفسيره " روح المعاني " الحافظ ابن أبي شيبة الكوفي في تفسيره ، ابو البركات في تفسيره 1/496 ، الحافظ البغوي في " معالم التنزيل" الامام النسائي في صحيحه ، محمد بن طلحة الشافعي في " مطالب السؤول " ابن أبي الحديد في شرح النهج 13/277 ، الخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره 1/496 ، الحافظ القندوزي في " ينابيع المودة " الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه " المصنف " ، رزين العبدري في " الجمع بين الصحاح الستة " ، ابن عساكر في تاريخه ، سبط ابن الجوزي في التذكرة : 9، القاضي عضد الأيجي في كتابه "المواقف" :276 ، السيد الشريف الجرجاني في شرح المواقف ، العلامة ابن الصباغ المالكي في "الفصول المهمة" : 123 ، الحافظ أبو سعد السمعاني في " فضائل الصحابة" ، أبو جعفر الاسكافي في " نقض العثمانية " ، الطبراني في الأوسط ، ابن المغازلي في " مناقب علي بن أبي طالب " ، العلامة الكنجي القرشي الشافعي في " كفاية الطالب " ، العلامة القوشجي في " شرح التجريد" ، الشبلنجي في نور الأبصار : 77 ، محب الدين الطبري في الرياض النضرة 2/227 ، وغيرهم من كبار أعلامكم .

رووا عن السدي ومجاهد والحسن البصري والأعمش وعتبة بن أبي حكيم وغالب بن عبد الله وقيس بن ربيعة وعباية بن ربعي وعبدالله بن عباس وأبي ذر الغفاري وجابر بن عبد الله الأنصاري وعمار بن ياسر وأبو رافع وعبد الله بن سلام ، وغيرهم من الصحابة ، رووا أن الآية الكريمة نزلت في شأن سيدنا علي عليه السلام ، وقد اتفقوا على هذا المضمون وان اختلفت ألفاظهم ، قالوا :

إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يصلي في المسجد ، إذ دخل مسكين وسأل المسلمين الصدقة والمساعدة ، فلم يعطه أحد شيئا ، وكان علي عليه السلام في الركوع فأشار بإصبعه إلى السائل ، فأخرج الخاتم من يد الإمام علي عليه السلام ، فنزلت الآية في شأنه وحده على صيغة الجمع ، وذلك من أجل التعظيم والتفخيم لمقامه عليه السلام .

الشيخ عبد السلام : إن هذا التفسير وشأن النزول لم يكن قول جميع علمائنا ، فقد خالف هذا القول جماعة ، فمنهم القائل : إنها نزلت في شأن الأنصار ، وبعض قالوا : نزلت في شأن عبادة بن الصامت ، وجماعة قالوا : نزلت في حق عبد الله بن سلام .

قلت : إني أتعجب منكم ، حيث تتركون قول أعظم أعلامكم وأشهر علمائكم وأكثرهم ، إضافة إلى إجماع علماء الشيعة في ذلك ، وتتمسكون بأقوال شاذة من أفراد مجهولين أو معلومين بالكذب والنصب والتعصب ، بحيث نجد أقوالهم ورواياتهم مردودة وغير مقبولة عند كبا علمائكم .

والجدير بالذكر أن بعض علمائكم ادعى إجماع المفسرين واتفاقهم على أن الآية : نزلت في شأن الإمام علي عليه السلام ، منهم : الفاضل التفتازاني ، والعلامة القوشجي في شرح التجريد ، قال : إنها باتفاق المفسرين نزلن في حق علي بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع ..

فهل العقل السليم يسمح لكم بترك قول جمهور العلماء والمفسرين وتتمسكوا بأقوال واهية وشاذة صدرت من المتعصبين والمعاندين الجاحدين للحق والدين ؟!

شبهات وردود:

الشيخ عبد السلام : سماحتكم أردتم بهذه الآيات أن تثبتوا خلافة سيدنا علي كرم الله وجهه بلا فصل بعد النبي (ص) ، والحال أن فيها أمورا تمنع من قصدكم .

أولا : كلمة " الولي " في الآية بمعنى المحب ، لا بمعنى الإمام والخليفة ، وإذا كانت بالمعنى الذي تقولونه فلا ينحصر الولي في رجل واحد ، بل تشمل الآية أفرادا كثيرين ، على القاعدة المقررة عند العلماء وهي : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المعنى والسبب ، وعلى هذا فالإمام علي كرم الله وجهه هو أحد أفراد الآية الكريمة .

ثانيا : صيغة الجمع في كلمة ( وليكم ) وكلمة ( الذين ) تفيد العموم ، وحمل الجمع على الفرد ـ بدون دليل ـ يكون تأويلا لكلام الله تعالى بغير مجوز .

قلت :

أولا : كلمة " الولي " جاءت بصيغة المفرد وأضيفت إلى ضمير الجمع ، أي إنما ولي المسلمين .

ثانيا : أجبناكم من قبل أن الأدباء واللغويين يجيزون إطلاق الجمع على الفرد لأجل التفخيم والتعظيم .

وأما القاعدة المقررة عند العلماء ، أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فنحن أيضا نلتزم بها ، فقد جاء في اللفظ ( إنما وليكم ... ) وهي أداة حصر ، فلذا نقول : إن الآية نزلت في شأن أمير المؤمنين عليه السلام والولاية الإلهية في عصره منحصرة فيه ، فهو ولي المسلمين دون غيره ، ولا يحق لأحد أن يدعي الولاية على الإمام علي عليه السلام ما دام في الحياة ، فإذا مات أو قتل فالولاية الإلهية التي تضمنها الآية تنتقل إلى غيره ، وهم الأئمة الأحد عشر من ولده ، واحد بعد الآخر ، فحينئذ يحصل مرادكم أيضا ، لأنكم تقولون : إن الآية تشمل أفرادا كثيرين لا فردا واحدا .

فالأفراد المشمولون بالآية هم الأئمة المعصومون من أهل البيت عليهم السلام كما قال الزمخشري في " الكشاف " في ذيل الآية الكريمة : ولو أن الآية حصر في شأن علي عليه السلام فإن المقصود من نزولها بصيغة الجمع كان لترغيب الآخرين ليتبعوا عليا عليه السلام في هذا الأمر ويتعلموا منه .

ثالثا : أما قولكم بأن الشيعة أولوا الآية بغير مجوز ودليل ، ما هو إلا سفسطة كلام تريدون من ورائه إغواء العوام .

ونحن ذكرنا لكم ثلة من أسماء كبار علمائكم وأشهر أعلامكم ومفسريكم الذين قالوا بأن الآية نزلت في شأن علي عليه السلام ، وهذا القول إنما يكون تنزيل الآية وتفسيرها ، لا تأويلا أو رأيا اجتهاديا .

الشيخ عبد السلام : أما كلمة ( الولي) فهي بمعنى : المحب والناصر ، لا بمعنى الأولى بالتصرف حتى تستنبطوا منها معنى الخلافة ، لأنها إذا كانت بمعنى الخلافة ، فيجب بعد نزول الآية أن يخلف علي كرم الله وجهه رسول الله في حال حياته إذا سافر أو غاب لبعض شؤونه ، وأن يقوم مقامه ويتصرف في الأمور مثله (ص) وهذا الأمر لم يكن في حياة النبي (ص) فلذا نقول : إن كلامكم باطل .

قلت : بأي دليل تقول : إن هذا الأمر ـ أي قيام الإمام علي عليه السلام مقام النبي (ص) ـ لم يكن في حياة النبي (ص) ؟!

فظاهر الآية يثبت مقام الولاية لعلي عليه السلام من حين نزولها ، واستمرار المقام بدليل الجملة الاسمية ، وأن " الولي" صفة مشبهة ، وهذان دليلان على ثبات ودوام مقام الولاية .

ويؤيد هذا المعنى أن النبي (ص) جعل عليا عليه السلام خليفته في المدينة حين خرج منها إلى تبوك ، ولم يعزله بعد ذلك إلى أن توفي (ص) .

ويؤيده حديث المنزلة ، فإنه (ص) كرره في مناسبات كثيرة ، قائلا : علي مني بمنزلة هارون من موسى ، أو يخاطبه في الملأ : أنت مني بمنزلة هارون من موسى .

وقد ذكرنا لكم بعض مصادره في الليالي الماضية .

وهذا دليل آخر على أن عليا عليه السلام كان خليفة النبي (ص) في غيابه لما كان حيا واستمرت خلافته للنبي (ص) بعد حياته أيضا .

الشيخ عبد السلام : لو تعمقتم في شأن نزول الآية كما تقولون وفكرتم فيه ، لعدلتم عن رأيكم ، لأنه لا يعد منقبة لسيدنا علي ، بل يعد نقصا له كرم الله وجهه ، وهو أجل من ذلك .

قلت :

أولا : لا يحق لأحد بلغ ما بلغ من العلم ، أن يغير ويبدل شأن نزول آيات القرآن الحكيم ، سواء ثبتت بها منقبة أو منقصة لأي شخص كان ، فإن شأن النزول يتبع الواقع وليس بأمر اجتهادي ، ولا يدخل فيه رأي هذا و ذاك ، ولا يتصرف أحد في شأن نزول الآيات إلا شقي عديم الدين والأيمان ، يتبع هواه ولا يطيع الله عز وجل ، مثل البكريين في هذا الشأن ، فإنهم اتبعوا قول عكرمة الكذاب وقالوا : إنها نزلت في شأن أبي بكر .

ثانيا : أوضحوا لنا كيف تكون الآية الكريمة منقصة لمن نزلت في شأنه ؟!

الشيخ عبد السلام : لأنه من جملة خصال سيدنا علي كرم الله وجهه التي تعد من أجمل خصاله وفضائله ، أنه لما كان يقف للصلاة كان ينسى نفسه وكل شيء سوى الله سبحانه ، فلا يحس ولا يبصر إلا عظمة الله وآياته .

وقد روى بعض العلماء ، أنه عليه السلام لما أصيب بسهم في رجله في إحدى المعارك ، فأشار عليه طبيب جراح ليأذن له حتى يشق اللحم ويخرج السهم من رجله ، فأبى عليه السلام .

ثم لما وقف بين يدي الله عز وجل واستغرق في العبادة في حال السجود أمر الإمام الحسن ـ رضي الله عنه ـ أن يخرج الجراح السهم من رجل أبيه ، فأخرجه وما أحس سيدنا علي أبدا !

فإن رجلا هذا حاله حين الصلاة ، كيف يلتفت إلى سائل فقير فيعطيه خاتمه وهو في حال الركوع ؟!

ألم يكن انصرافه عن الله تعالى والتفاته إلى الفقير نقصا لصلاته ونقضا لعبادته ؟!

قلت : إن هذا الإشكال أهون من بيت العنكبوت ! لأن التفات المصلي إلى الأمور المادية تعد نقصا ، وأما إلى الأمور المعنوية فهو كمال ، فإعطاء الزكاة والصدقة للفقير عبادة مقربة على الله سبحانه ، والصلاة ـ أيضا ـ عبادة أقامها علي عليه السلام قربة إلى الله تعالى ، فهو لم يخرج عن حال التقرب إلى الله ، ولم ينصرف عن العبادة إلى عمل غير عبادي ، وإنما انصرف من الله تعالى إلى الله ، وتكررت عبادته ، فقد آتى الزكاة في حال الصلاة ، فجمع فرضين ليكسب رضا الله عز وجل ويتقرب إليه ، وقد قربه الباري سبحانه وتعالى وقبل منه الزكاة والصلاة ، فأنزل الآية وأعطاه الولاية ، ليكون دليلا على قبول عمله وعبادته .

ألم يكن هذا دليل على فضل الإمام علي عليه السلام وكماله ؟!

ما لكم كيف تحكمون ؟!

عود على بدء:

فثبت أن الذي تنطبق عليه الآية الكريمة تطبيقا كاملا وصحيحا وصريحا من غير تأويل وتعليل ، إنما هو الإمام علي عليه السلام الذي كان مع النبي (ص) معية امتزجت نفسه عليه السلام بنفسه (ص) الطيبة، وأخلاقه عليه السلام بأخلاقه (ص) الكريمة ، وصفاته عليه السلام بصفاته (ص) الحميدة ، حتى أصبحا حقيقة واحدة لا يمكن افتراقهما .

وثبت أنه لم يكن أشد منه عليه السلام على الكفار ، ولا أرحم وأرأف منه عليه السلام بالمؤمنين .

فكان صلب الإيمان ، ثابت العقيدة ما شك في النبوة والدين لحظة واحدة ، ولا تزلزل في رسالة سيد المرسلين طرفة عين أبدا .

الشيخ عبد السلام : لا أدري ما الذي تقصده من هذه الكنايات والنكايات ؟!

فهل شك أحد الخلفاء الراشدين والصحابة المهتدين ، بعد ما آمنوا بالدين ؟!

وهل تزلزل أحدهم في رسالة خاتم النبيين ؟! حتى تقول : إن عليا ما شك وما تزلزل ! بل كلهم كذلك ، ما شكوا وما تزلزلوا ، فلماذا هذا التأكيد على سيدنا علي كرم الله وجهه ؟!

لعلك تريد أن تقول : بأن الشيخين أو غيرهما من الصحابة الكرام شكوا في الدين وتزلزلوا في الأيمان ؟!

قلت : يا شيخ ! أشهد أني لم أقصد بكلامي ما ظننت ، ولو كان كذلك لأظهرته بالصراحة لا بالكناية .

الشيخ عبد السلام : إن أسلوب حديثك ينبئ بأن عندك شيئا في هذا المجال ، ولا تريد أن تظهره بالمقال ، ولكني أريد منك أن تبين كل ما في قلبك ولا تبقي شيئا ، ولا تنس أننا لا نقبل منك شيئا إلا مع الدليل والبرهان .

قلت : لو كنتم تعفوني من الخوض في هذا الموضوع لكان أجمل وأحسن ، وان كانت أدلتي كلها من كتب علمائكم الأعلام ومحدثيكم الكرام ، ولكن رعاية لبعض الجهات أحب أن لا أطرح هذا الموضوع أبدا .

الشيخ عبد السلام : إنك بهذا الكلام ألقيت الشك في قلوب هؤلاء العوام ، فإنهم سيظنون أن الشيخين ـ رضي الله عنهما ـ وغيرهما من الصحابة الكرام قد شكوا يوما وتزلزلوا في الدين الحنيف والنبوة !

فالرجاء الأكيد ... إما أن تقيم الدليل والبرهان الصريح الواضح على هذا الكلام ، أو أن ترجع في كلامك الذي فيه إبهام ، وتعلن من غير إبهام ، بأن الشيخين وغيرهما من الصحابة الكرام ، ما زلت بهم الأقدام ، ولم يشكوا طرفة عين في النبوة والإسلام .

قلت : يا شيخ ! إن الشك والترديد كان يعتري أكثر الصحابة الذين كانوا في مرتبة دنيا من الإيمان ، ولما دخل الإيمان قلوبهم ، ولم يمتزج بنفوسهم .

فكان بعضهم يبقى في حال الشك والريب ، فكانت آيات من القرآن الحكيم تنزل في شأنهم وذمهم ، كالمنافقين الذين نزلت آيات كثيرة في سورة المنافقين وغيرها في ذمهم .

وبعضهم كان يعرض عليه الشك والترديد ثم يزول عنه بعد مدة . هذا جواب عام ، ولا نريد أن نمس أحدا ، فأرجوكم أنت تكتفوا بهذا المقدار في هذا الإطار .

الشيخ عبد السلام : إن الشك الذي وقع بسبب كلامك في قلوب الحاضرين باق ، فإما أن تذكر ما يختلج في قلبك ، واضحا من غير التباس ، مستدلا بأقوال علمائنا المعتمدين عندنا وكتبنا الموثوقة المعتبرة لدينا ، أو تصرح بأن الشيخين كانا في اليقين ، وما شكا في الدين ، ولم يتزلزلا في نبوة سيد المرسلين ، طرفة عين .

قلت : يا شيخ ! إن إلحاحك وإصرارك على هذا الأمر ، اضطرني أن أكشف عن حقائق لم أكن أحب أن أكشف عنها .

نعم ، لقد شك عمر بن الخطاب في نبوة خاتم النبيين (ص) ، وتناقل الخبر بعض علمائكم الأعلام ، مثل ابن المغازلي الشافعي في كتابه : مناقب علي بن أبي طالب(56) والحافظ محمد بن أبي نصير الحميدي في كتاب " الجمع بين الصحيحين " نقل عن عمر بن الخطاب أنه قال بعد يوم الحديبية : ما شككت في نبوة محمد قط كشكي يوم الحديبية .

فسياق الكلام يقتضي أنه شك في هذا الأمر كرارا ، ولكن شكه يوم الحديبية كان أقوى وأشد .

النواب : لو سمحت ، بين لنا ما كان سبب شك الفاروق في الحديبية ؟ وما الذي جرى هناك حتى وقع عمر منه في شك ؟!

قلت : شرح القضية بالتفصيل يحتاج إلى وقت كثير ، لكن ملخصه :

شك عمر في نبوة النبي (ص)

إن النبي (ص) رأى في ما يرى النائم ، أنه دخل مكة مع أصحابه واعتمروا .

فلما أصبح حدث الأصحاب برؤياه ، فسأله الأصحاب عن تأويلها وتعبيرها ، فقال (ص) :

" ندخل إن شاء الله ونعتمر " ولم يعين وقتا للدخول إليها .

ثم تهيأ مع الأصحاب للسفر إلى مكة وأداء العمرة ، فلما وصل الحديبية ـ وهي بئر بالقرب من مكة على حدود الحرم ـ ، علمت قريش بمجيء النبي والمسلمين ، فخرجوا مسلحين ليمنعوهم من الدخول .

والنبي (ص) لم يكن يقصد من سفره إلا زيارة البيت الحرام وأداء العمرة ولم ينو الحرب والقتال ، لذلك لما بعث المشركون من قريش وفدا للمفاوضة ، استقبلهم رسول الله (ص) وفاوضهم وكتب معهم صلحا اشتهر بصلح الحديبية ، على النبي والمسلمون في ذلك العام ثم يأتون في العام المقبل ، ليؤدوا مناسكهم ويعتمروا ، من غير مانع ... إلى آخر الشروط .

فلما وقّع النبي (ص) على ذلك شك عمر بن الخطاب في نبوة سيد المرسلين محمد (ص) فقال

: النبي لا يكذب ، أما قلت : ندخل مكة ونأتي بالمناسك معتمرين ؟! فلماذا صالحتهم على الرجوع ولم تدخل مكة ؟!

فقال النبي (ص) : لكني ما عينت وقتا ، فهل قلت ، ندخل مكة في هذا العام ؟!

قال عمر : لا .

فقال (ص) : أقول مؤكدا : ندخل مكة إن شاء الله ، ورؤياي تتحقق بإذن الله تعالى .

فنزل جبرئيل بالآية الكريمة مؤكدا أيضا : ( لقد صدق الله ورسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين ، لا تخافون ... ) إلى آخرها(57).

فهذا ملخص صلح الحديبية وكيفية شك عمر بن الخطاب بنبوة خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد (ص) .

وكان هذا الأمر امتحانا للمسلمين ليمتاز الثابت عن المتزلزل ، والمتيقن عن الشاك والمرتاب.

هل يستمر الحوار ؟

لما وصل الحديث إلى هنا ، نظر بعض العلماء إلى ساعته وقال : أخذنا الحديث كل مأخذ ، وانقضى من الليل نصفه أو أكثر ، لذا نترك متابعة الموضوع والحديث إلى الليلة القابلة إن شاء الله .

الحافظ : لقد سررنا بلقياكم ، وفرحنا بمجالسكم ، وانجذبنا إلى حديثكم ، فانقادت مسامعنا بل قلوبنا أيضا إلى كلامكم القويم ، وبيانكم الرصين ، وبقي عندنا كلام كثير ما أبديناه لضيق الوقت ، وعدم المجال ، فتؤجله إلى وقت آخر ، وسفر آخر إنشاء الله ، فإننا نريد أن رجع إلى الوطن [أفغانستان] فإن لنا هناك أعمالا وأشغالا كثيرة قد تعطلت وأمورا تأخرت ، وإن لنا هناك مهاما تفوتنا إن لم نحضر .

لذا أرجو أن تتفضل علينا وتأتي إلى بلادنا ، فنقوم بضيافتكم ، ونستمر في البحث والحوار معكم ، لعلنا نصل إلى نتيجة فيها رضا الله سبحانه .

النواب ـ متوجها إلى الحافظ قائلا ـ : نحن لا ندعك أن ترجع إلى بلادك حتى نصل إلى نتيجة قطعية مع السيد المبجل ، لأنكم كنتم تقولون لنا إن الرفضة [الشيعة] ليسوا أهل بحث ومناقشة ، ولا أهل عقل ومنطق ، لأنهم لا يملكون أدلة وبراهين في إثبات عقائدهم ، وإذا جلسوا معنا على طاولة النقاش والحوار سوف يتنازلون لدلائلنا وبراهيننا القاطعة .

ولكنا على عكس ذلك ، رأيناكم خاضعين أمام براهين السيد ، مستسلمين لأدلته ، ونحن كلنا شهود .

فالرجاء منكم ، أن تبقوا عندنا ، وتستمروا في المناظرة والحوار حتى يتبين الحق وتظهر الحقيقة ، فحينئذ نختار لأنفسنا المذهب الحق الثابت بدلائل القرآن الحكيم والعقل السليم .

الحافظ : نحن ما خضعنا ولا استسلمنا لأدلة السيد ، وإنما سكتنا لنستفيد من بيانه العذب وحديثه الطيب فإنه خطيب عجيب ، ذو سحر في البيان ، وطلاقة في اللسان ، فاستمعنا حلاوة كلامه ، وذهلنا لسحر بيانه ، وانجذبنا لعذوبة لسانه ، فقد راعينا الأدب في حقه ، وما أردنا أن يتأذى ضيفنا العزيز ، وإلا فإنا بعد لم ندخل في صلب المواضيع الأساسية ، وإذا أردنا أن نقيم الدليل والبرهان ، لثبت لكم أن الحق معنا .

النواب : أما نحن فإلى هذه الساعة لم نسمع منكم كلاما مستدلا وحديثا مستندا إلى العقل السليم والقرآن الكريم .

وأما كلام مولانا السيد فكله مستند إلى كتاب الله وأحاديث رسول الله (ص) المروية في كتب علمائنا .

فإذا كانت عندكم أدلة وبراهين تنقض كلام مولانا السيد فأتوا بها ، وإلا فإني أقول لكم بصراحة : إن هذه المحاورات والمناظرات قد انتشرت في الصحف والمجلات ، وأوقعت الشك والترديد في نفوس أكثر أهل السنة والجماعة ، في هذا البلد .

فإذا لم تظهروا الحق ، ولم تعلنوا الحقيقة التي يريدها الله تعالى من عباده ، فإنكم مسؤولون أما الله سبحانه وأما صاحب الشريعة المقدسة ، النبي الكريم (ص) .

على أثر هذا الكلام امتقع لون الحافظ وتغير وجهه ، وقد ظهر أثر الفشل والخجل على وجوه علماء القوم ، فكان الحافظ ينظر إلي تارة وينظر إلى الأرض أخرى ، ثم توجه إلى النواب قائلا :

أرجو أن تراعوا جانب الضيف الكريم فإنه كان يريد السفر إلى خراسان لزيارة علي بن موسى الرضا ، ولكنه تفضل علينا بتأخير سفره ، فلا يجوز لنا أن نأخره أكثر من هذا .

قلت : إنني أشكر ألطافكم وإحساسكم ، صحيح إني كنت عازما على السفر والزيارة ، وأخرت سفري لأجلكم ، ولكني فرحت بتأخير سفري ، إذ عملت بواجبي ، وخدمت الدين والمجتمع في كشف الحقيقة وإثبات الحق من خلال مناظرتي وحواري معكم ، وفي حضور هؤلاء الطيبين الكرام ، فعرفوا الحق أحسن من ذي قبل .

وإنني مستعد لأبقى معكم وأستفيد من مجالستكم سنة أو أكثر حتى ينكشف الحق .

ولكني خجل من مضيفي الكريم الأستاذ الميرزا يعقوب علي خان ، فقد أتعبته في هذه المدة كثيرا .

وإذا بالميرزا يعقوب علي خان وإخوانه ـ ذي الفقار علي خان ، وعدالت علي خان ، وكلهم من شخصيات قزلباش ـ أجابوا قائلين : يا مولانا السيد ما كنا نتوقع منكم هذا الكلام ، فإن بيوتنا كلها بيوتك ، ونحن نفتخر بخدمتك ، ونتشرف بإقامتك عندنا .

ثم تقدم السيد محمد شاه ـ وهو من أشراف " بيشاور " وأعيانها ـ وكذلك السيد عديل أختر ـ وهو من علماء الشيعة في " بيشاور " ـ فقالوا : نحن نرجو من سماحتكم أن ينتقل هذا المجلس إلى بيوتنا حتى نحظى بخدمتكم ونتشرف ونفتخر بوجودكم عندنا .

فقال الميرزا يعقوب علي خان : لا يمكن ذلك أبدا ، بل مادام مولانا في " بيشاور " ، وهذا المجلس مستمر في الانعقاد ، فبيتي محله ومستقره .

قلت : أشكر الجميع ، وبالأخص صاحب البيت الأستاذ الكريم الميرزا يعقوب علي خان المحترم .

الحافظ ـ بعدما هدأ المجلس ـ قال : وأنا أنزل عند رغبة الأستاذ النواب والأخوة الحاضرين وأؤجل سفري وإن كانت عندي مهام وأعمال معطلة في أفغانستان ، ولكن أرجو أن ينتقل مجلسنا هذا في الليالي القابلة إلى البيت الذي نحن فيه ، مراعاة للعدالة ، ورعاية لأهل هذا البيت الكريم ، فإنهم تعبوا كثيرا ، وأثقلنا عليهم كثيرا .

قلت : لا مانع لدي من ذلك ، ولا أصر على أن يكون المجلس في هذا البيت فقط ، إلا أن هذا البيت فقط ، إلا أن هذا البيت واسع بحيث يضم الجمع الغفير الذي يحضر كل ليلة ، وإن وسائل الضيافة والتكريم متوفرة عندهم ، فالاختيار إليكم ، وأما أنا فأينما يتعقد المجلس أحضر إن شاء الله تعالى .

الميرزا يعقوب علي خان : أظن أن الحافظ لا يعرف عادات ورسوم قبيلة قزلباش ، ولكن أهل البلد يعرفون ويعلمون أن قبيلتنا يحبون الضيف ويفرحون به ، ويفتخرون بخدمته وخاصة إذا كان الضيوف علماء ومشايخ وسادة ، مثل فضيلة مولانا السيد سلطان الواعظين ، ومثل سماحة الحافظ ، وحضرات العلماء الحاضرين ، والاخوة الأعزة المحترمين من كل الطبقات والأصناف ، فأهلا بكم ومرحبا في كل يوم .

الحافظ : أشكركم جميعا وأستودعكم الله ، وإلى اللقاء في الليلة الآتية إن شاء الله تعالى .

 

(1) وفيه يقول الشاعر :

لقد كتموا آثار آل محمد محبوهم خوفا وأعداؤهم بغضا

فأبرز من بين الفريقين نبذة بها ملأ الله السماوات والأرضا

والقول أعلاه لأحمد بن حنبل لا للشافعي! “ المترجم “

(2) سورة نوح ، الآية 26 .

(3) تاريخ الطبري : 2/313 طبعة المعارف .

(4) وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : 13 /200 ط دار احياء الكتب العربية ، قال و روى الفضل بن عباس رحمه الله قال سألت أبي عن ولد رسول الله ص أيهم كان رسول الله ص له أشد حبا ؟ فقال : علي بن أبي طالب ع فقلت له: سألتك عن بنيه ! فقال إنه كان أحب إليه من بنيه جميعا و أرأف ما رأيناه زايله يوما من الدهر منذ كان طفلا إلا أن يكون في سفر لخديجة و ما رأينا أبا أبر بابن منه لعلي و لا ابنا أطوع لأب من علي (ع) له (ص) .

ونقل ابن ابي الحديد في ج10/221 و222 عن ابي جعفر النقيب انه كان يقول : انظروا إلى أخلاقهما و خصائصهما ـ أي النبي ص وعلي ع ـ هذا شجاع و هذا شجاع و هذا فصيح و هذا فصيح و هذا سخي جواد و هذا سخي جواد و هذا عالم بالشرائع و الأمور الإلهية و هذا عالم بالفقه و الشريعة و الأمور الإلهية الدقيقة الغامضة و هذا زاهد في الدنيا غير نهم و لا مستكثر منها و هذا زاهد في الدنيا تارك لها غير متمتع بلذاتها و هذا مذيب نفسه في الصلاة و العبادة و هذا مثله و هذا غير محبب إليه شي‏ء من الأمور العاجلة إلا النساء و هذا مثله و هذا ابن عبد المطلب بن هاشم و هذا في قعدده و أبواهما أخوان لأب و أم دون غيرهما من بني عبد المطلب و ربي محمد ص في حجر والد هذا و هذا أبو طالب فكان جاريا عنده مجرى أحد أولاده ثم لما شب ص و كبر استخلصه من بني أبي طالب و هو غلام فرباه في حجره مكافأة لصنيع أبي طالب به فامتزج الخلقان و تماثلت السجيتان و إذا كان القرين مقتديا بالقرين فما ظنك بالتربية و التثقيف الدهر الطويل فواجب أن تكون أخلاق محمد ص كأخلاق أبي طالب و تكون أخلاق علي ع كأخلاق أبي طالب أبيه و محمد ع مربيه و أن يكون الكل شيمة واحدة و سوسا واحدا و طينة مشتركة و نفسا غير منقسمة و لا متجزئة و ألا يكون بين بعض هؤلاء و بعض فرق و لا فضل لو لا أن الله تعالى اختص محمدا ص برسالته و اصطفاه لوحيه لما يعلمه من مصالح البرية في ذلك و من أن اللطف به أكمل و النفع بمكانه أتم و أعم فامتاز رسول الله ص بذلك عمن سواه و بقي ما عدا الرسالة على أمر الاتحاد ، فقال له : انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي . فأبان نفسه منه بالنبوة واثبت له ما عداها من جميع الفضائل والخصائص مشتركا بينهما . ( المترجم ) .

(5) سورة التوبة ، الآية 100 .

(6) قال الحافظ سليمان الحنفي في ينابيع المودة ، الفصل الرابع : ولما وصل الى علي عليه السلام ان معاوية افتخر بملك الشام ، قال لغلامه : اكتب ما أملي ، فأنشد :

محمد النبي أخي وصهري وحمزة سيد الشهداء عمي

إلى آخره

وبعد ذكره الأبيات قال : قال البيهقي : ان هذا الشعر مما يجب على كل مؤمن أن يحفظه ليعلم مفاخر علي (ع) في الاسلام . ( المترجم )

(7) روى العلامة الكنجي الشافعي في "كفاية الطالب" في الباب الخامس والعشرون باسناده عن ابن عباس ، قال : " اول من علي عليه السلام " ثن نقل اختلاف الاقوال في ذلك وخصم النزاع بقوله : والمختار من الرويات عندي قول ابن عباس ، ويدل عليه قول عبد الرحمن بن جعل الجمحي حين بويع علي (ع)

لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة على الدين معــــروف العــــفاف موفــــقا

عفيفا عن الفحشاء ابيض ماجدا صدوقا وللجـــــبار قــــدما مصـــدقا

أبا حسن فارضوا به وتمسكوا فليـــــس لمـــن فيه يرى العيب منطقا

عليا وصي المصطفى و ابن عمه ‏وأول من صلى أخا الدين و التقى

وقال الفضل بن العباس في قصيدة له :

وكان ولي الأمر بعد محمد علي وفي كل المواطن صاحبه

وصي رسول الله حقا وصهره وأول من صلى وما ذم جانبه

وقال خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين :

اذا نحن بايعنا عليا فحسبنا أبــــو حــــسن مما نخــــاف مــــن الفــتن

واول من صلى من الناس واحدا سوى خيرة النسوان والله ذو المنن

يعني : خديجة بنت خويلد ، ثم يذكر الكنجي روايات في هذا الباب .

ونقل الحافظ سليمان الحنفي في الباب الثاني عشر من " ينابيع المودة " روايات كثيرة جدا في أن أول من آمن وصلى علي بن أبي طالب ، قال : أنشد بعض أهل الكوفة ، أيام صفين في مدحه :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته يـوم النشور من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان مشتبها جــــزاك ربك عنا فيه إحسانا

نفسي فداء لخير الناس كــلهم بعــــد النبي علي الخــــير مولانا

أخي النبي و مولى المؤمنين معا وأول الناس تصديقا و إيمانا

( المترجم )

(8) سورة النجم ، الآية 3 ،4 .

(9) سورة مريم ، الآية 12

(10) سورة مريم ، الآية 30

(11) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 4/122 ، ط دار إحياء التراث أو الكتاب العربي: ومن الشعر المروي عنه ( ع ) في هذا المعنى الأبيات التي أولها:

محمد النبي أخي وصهري وحمزة سيد الشهداء عمي

ومن جملتها :

سبقتكم إلى الإسلام طرا غلاما مابلغت أوان حلمي

. " المترجم "

(12) روى الحافظ سليمان الحنفي في ( ينابيع المودة ) الباب الثاني عشر ، عن الحمويني بسنده عن أبي رافع ، عن أبي ذر ، قال سمعت رسول الله ( ص )يقول لعلي : أنت أول من آمن بي ، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصديق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل ، وأنت يعسوب المسلمين ، والمال يعسوب الكفار . " المترجم "

(13) وذكر ابن أبي الحديد رواية أبي جعفر الإسكافي بسنده عن ابن عباس ، قال: السباق ثلاثة : سبق يوشع بن نون إلى موسى ، وسبق صاحب يس إلى عيسى ، وسبق علي بن أبي طالب إلى محمد عليه وعليهم السلام .ثم يروي عن الشعبي ، قال : قال رسول الله( ص ) لعلي ( ع ) : هذا أول من آمن بي وصدقني وصلى معي . شرح نهج البلاغة 13/225 ط دار إحياءالتراث العربي . "المترجم "

(14) لقد روى هذا الخبر والحديث عن عمر بن الخطاب ، جمع من العلماء والمحدثين من أهل السنة ، منهم : محب الدين الطبري في الرياض النضرة 2/226 ، وذكره في ذخائر العقبى ص 100 أيضا

والمتقي الحنفي في كنز العمال 6/156 نقله من فردوس الأخبار للديلمي ، عن ابن عمر .

ومنهم العلامة الكنجي القرشي الشافعي في كتابه كفاية الطالب الباب الثاني والستين في تخصيص علي( ع ) بمائة منقبة دون سائر الصحابة ، روى بسنده عن عمر بن الخطاب ، وفي تعليقه قال: هذا حديث حسن ثابت ، رواه الجوهري في كتاب فضائل علي( ع ) عن شيخ أهل الحديث الدارقطني ،

وأخرجه محدث الشام في تاريخه في ترجمة علي ( ع ) ، كما أخرجناه سواء .

ومنهم العلامة الصفوري الشافعي ، رواه في كتابه نزهة المجالس 2/240 ط مصر سنة 1320 هج " المترجم "

(15) وفي المصدر نفسه ، في المودة السابعة أيضا في الخبر الأول ، رواه عن علي بن الحسين( ع ) عن ابن عمر ، في خبر طويل عن سلمان ، قال في آخره: إن النبي( ص ) قال له: ... وإني أوصيت إلى علي( ع ) ، وهو أفضل من أتركه بعدي .

وروى أيضا في المودة السابعة عن أنس ، قل: قال رسول الله( ص ) : إن أخي ، ووزيري ، وخليفتي في أهلي ، وخير من أترك بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، علي بن أبي طالب .

وروى كثير من أعلام العامة خبرا بهذا المعنى ، منهم : العلامة الكنجي القرشي الشافعي في” كفاية الطالب” الباب الثاني والستين ، ص 119 ، ط الغري سنة 1356 هج بسنده عن عطاء ، قال: سألت

عائشة عن علي( ع ) فقالت: ذلك خير البشر ، لايشك فيه إلا كافر .

قال: هكذا ذكره الحافظ ابن عساكر في ترجمة علي( ع ) في تاريخه في المجلد الخمسين .

وخرجه الكنجي الشافعي عن طرق عديدة في نفس الصفحة؛ منهم : الإمام علي( ع ) عن رسول الله

( ص ): من لم يقل علي خير البشر فقد كفر .

وعن حذيفة ، عن النبي ( ص ): علي خير البشر ، من أبى فقد كفر .

وعن جابر ، عن النبي( ص ): علي خير البشر فمن أبى فقد كفر .

وخرجه بهذا اللفظ ، الخطيب البغدادي في” تاريخ بغداد” في ترجمة الإمام علي ( ع ) .

وخرجه المناوي في “ كنوز الحقائق” المطبوع بهامش” الجامع الصغير” للسيوطي ، ج 2/20 ـ 21 ، من سنن أبي يعلي ، عن النبي( ص ): علي خير البشر من شك فيه كفر .

وخرجه المتقي في كنز العمال 6/159 عن الإمام علي( ع ) وعن ابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، فراجع . ( والخير هنا بمعنى الأفضل ) . " المترجم "

(16) سورة الطور ، الآية 21.

(17) لقد وردت أخبار كثيرة في أن أهل البيت( ع ) لايقاس بهم أحد ، منها مافي” ذخائر العقبى” لمحب الدين الطبري ، ص 17 ، فإنه قال تحت عنوان إنهم لايقاس بهم أحد قال: وعن أنس ، قال: قال رسول الله ( ص ) : نحن أهل بيت لايقاس بنا أحد .

وأخرج هذا الحديث أيضا عبيدالله الحنفي في كتاب” أرجح المطالب” ص 330 ، غير أنه قال: أخرجه ابن مردودية في “ المناقب” .وفي نفس الصفحة قال: قال علي( ع ) على المنبر: نحن أهل بيت رسول الله لايقاس بنا أحد . أخرجه الديلمي أيضا في “ فردوس الأخبار” وأخرجه عن الديلمي علي المتقي الحنفي في كنز العمال 6/218 . وفي نهج البلاغة في آخر الخطبة التي تقع قبل الخطبة الشقشقية ، قال أخرجه الديلمي أيضا في “ فردوس الأخبار” وأخرجه عن الديلمي علي المتقي الحنفي في كنز العمال 6/218 .

وفي نهج البلاغة في آخر الخطبة التي تقع قبل الخطبة الشقشقية ، قال الإمام علي( ع ): لايقاس بآل محمد( ص ) من هذه الأمة أحد ، ولايسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفيء القالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة... " المترجم "

(18) سورة آل عمران ، الآية 61.

(19) لقد وردت أحاديث كثيرة عن طرق الشيعة والسنة في أن عليا( ع ) كنفس النبي( ص ) ، ونكتفي هنا بنماذج مما رواه علماء العامة..

نقل الحافظ سليمان الحنفي في كتابه” ينابيع المودة” في الباب السابع ، قال: أخرج أحمد بن حنبل في المسند وفي المناقب ، أن رسول الله ( ص ) قال: لتنتهين يابني وليعة أو لأبعثن إليكم رجلا كنفسي ،

يمضي فيكم بأمري ، يقتل المقاتلة ، ويسبي الذرية. فالتفت إلى علي( ع ) فأخذ بيده وقال: هو هذا مرتين .

قال الحافظ سليمان: أيضا أخرجه موفق بن أحمد الخوارزمي المكي بلفظه .

أقول: وأخرجه العلامة الكنجي الشافعي في” كفاية الطالب” الباب الحادي والسبعين ، وقال: نقله عن خصائص علي( ع ) لإمام أهل الجرح والتعديل الحافظ النسائي ، وهو بسنده عن أبي ذر...إلى آخره.

ونقل الحافظ سليمان أيضا في نفس الباب والمصدر ، قال: أخرج أحمد في المسند عن عبدالله بن حنطب ، قال: قال رسول الله( ص ) لوفد ثقيف حين جاؤه: لتسلمن أو لأبعثن إليكم رجلا كنفسي ليضربن أعناقكم ، وليسبين ذراريكم ، وليأخذن أموالكم؛فالتفت إلى علي وأخذ بيده فقال: هو هذا مرتين.

وذكر الحافظ سليمان في آخر الباب خبرا ننقله بعينه إتماما للفائدة ، قال: وفي المناقب عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ، قال: لقد سمعت رسول الله( ص ) يقول في علي خصالا لو كانت واحدة منها في رجل اكتفى بها فضلا وشرفا : قوله( ص ): من كنت مولاه فعلي مولاه .

وقوله( ص ): علي مني كهارون من موسى .

وقوله( ص ): علي مني وأنا منه .

وقوله( ص ): علي مني كنفسي ، طاعته طاعتي ، ومعصيته معصيتي .

وقوله( ص ): حرب علي حرب الله ، وسلم علي سلم الله .

وقوله( ص ): ولي علي ولي الله ، وعدو علي عدو الله .

وقوله( ص ): علي حجة الله على عباده .

وقوله( ص ): حب علي إيمان ، وبغضه كفر .

وقوله( ص ): حزب علي حزب الله ، وحزب أعدائه حزب الشيطان .

وفوله( ص ): علي مع الحق ، والحق معه ، لايفترقان .

وقوله( ص ): علي قسيم الجنة والنار .

وقوله( ص ): من فارق عليا فقد فارقني ، ومن فارقني فقد فارق الله .

وقوله( ص ): شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة .

انتهى كلامه ، رفع في الخلد مقامه . "المترجم "

(20) سورة البقرة ، الآية 207

(21) قال ابن أبي الحديد: وأما عمر فقد عرف كل أحد رجوعه إليه( علي عليه السلام ).

في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة ، وقوله غير مرة: لولا علي لهلك عمر . وقوله: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن . وقوله : لا يفتين احد في المسجد وعلي حاضر... إلى آخره . “ المترجم “.

(22) ومنهم: محب الدين الطبري ، في ذخائر العقبى: 82 ، فإنه قال بعد نقله مراجعة عمر إلى

علي( ع ) في قضاياه المشكلة وذكر حكم المرأة التي ولدت لستة أشهر..

قال عمر : اللهم لاتنزلن بي شديدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي!

وذكر أيضا عن يحيى بن عقيل ، قال: كان عمر يقول لعلي( ع ) إذا سأله ففرج عنه: لاأبقاني

الله بعدك يا علي !

قال: وعن أبي سعيد الخدري ، أنه سمع عمر يقول لعلي ـ وقد سأله عن شيء فأجابه: أعوذ

بالله أن أعيش في يوم لست فيه يا أبا الحسن !

ومنهم: أبو المظفر يوسف بن قزاغلي الحنفي ، في كتابه” تذكرة خواص الأئمة” : 87 ط إيران

فقد ذكر قضية المرأة التي ولدت لستة أشهر ، فأمر عمر برجمها ، فمنعهم من ذلك علي بن أبي طالب بعدما بين سببه ، فقال عمر: اللهم لاتبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب !

ومنهم: المتقي الحنفي ، في كنز العمال 3/53 . فإنه بعد ذكر القضية قال: قال عمر: اللهم لا

تنزل بي شدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي . “ المترجم “

(23) سورة الأنفال ، الآية 28

(24) سورة الحجرات ، الآية 12 .

(25) سورة المائدة ، الآية 54 .

(26) سورة الأنفال ، الآيات 15 و 16.

(27) لقد ذكر هذه الفضيلة الإلهية ، والمنقبة السماوية ، لأسد الله الغالب ، علي بن أبي طالب( ع ) كثير من العلماء الأعلام ومشايخ الإسلام ، منهم :

ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13/293 عن شيخه أبي جعفر ، قال : وما كان منه ـ أي : علي( ع ) ـ من المحاماة عن رسول الله( ص ) وقد فر الناس وأسلموه ، فتصمد له كتيبة من قريش ، فيقول( ص ) : يا علي! اكفني هذه. فيحمل عليها فيهزمها ويقتل عميدها ، حتى سمع المسلمون والمشركون صوتا من قبل السماء : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي .

ومنهم :

العلامة الكنجي القرشي الشافعي في كتابه” كفاية الطالب” في الباب التاسع والستين ، فقد خصصه بنداء ملك من السماء: ( لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ) إلا أنه يروي أن ذلك كان يوم بدر ، فراجع .

وأما روايته في أحد فقد قال في الباب السابع والستين ، بإسناده عن أبي رافع ، قال: لما كان يوم أحد نظر النبي ( ص ) إلى نفر من قريش ، فقال لعلي( ع ) : إحمل عليهم؛ فحمل عليهم فقتل هاشم بن أمية المخزومي وفرق جماعتهم .

ثم نظر النبي( ص ) إلى جماعة من قريش ، فقال لعلي( ع ): إحمل عليهم؛ فحمل عليهم وفرق جماعتهم وقتل فلانا الجمحي .

ثم نظر إلى نفر من قريش ، فقال لعلي( ع ): إحمل عليهم ؛ فحمل عليهم وفرق جماعتهم وقتل أحد بني عامر بن لؤي .

فقال له جبرائيل: هذه المواساة!

فقال النبي( ص ): إنه مني وأنا منه .

فقال جبرائيل: وأنا منكم يا رسول الله.

رواه أيضا عن ابن عساكر بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، والحافظ الخطيب البغدادي في ما خرجه من الفوائد للشريف النسيب ـ كذا ـ انتهى .

وقال ابن أبي الحديد في مقدمته على شرح نهج البلاغة: المشهور المروي أنه سمع من السماء يوم أحد: ( لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ). “ المترجم “.

(28) لقد ذكر فرار الشيخين وهزيمتهما في معركة خيبر ، كثير من أعلام وعلماء السنة ، منهم:

الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 124 ، والحاكم في المستدرك 3/37 ، وفي تلخيص المستدرك 3/37 ، قالوا : عن ابن عباس أنه قال: بعث رسول الله إلى خيبر ، أحسبه قال: أبا بكر ـ والترديد من الراوي ـ فرجع منهزما ومن معه ، فلما كان من الغد بعث عمر ، فرجع منهزما يجبن أصحابه ويجبنه أصحابه .

وروى الحافظ أحمد بن شعيب بن سنان النسائي ، أحد أصحاب الصحاح الستة ، المتوفي سنة 303 هج ، في كتابه ” خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب( ع )” ط مطبعة التقدم بالقاهرة ، ص 5 ، عن علي( ع ) قال: بعث رسول الله( ص ) أبا بكر وعقد له لواء فرجع ، وبعث عمر وعقد له لواء فرجع ، فقال رسول الله( ص ): لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، ليس بفرار؛ فأرسل إلي وأنا أرمد ... إلى آخره.

وروى عن بريدة يقول : حاصرنا خيبر فأخذ الراية أبو بكر ولم يفتح له ، فأخذه من الغد عمر فانصرف ولم يفتح له ...إلى آخره .

ورواه عن طريق آخر عن بريدة الأسلمي ، قال: لما كان يوم خيبر ، نزل رسول الله( ص ) بحصن أهل خيبر ، أعطى رسول الله( ص ) اللواء عمر ، فنهض فيه من نهض من الناس ، فلقوا أهل خيبر ، فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا....إلى آخر . “ المترجم “

(29) لقد ذكر كثير من أعلام السنة هزيمة عمر في أحد ، منهم: الفخر الرازي في كتابه مفاتيح الغيب 9/52 ، قال: ومن المنهزمين عمر . . . ثم قال: ومنهم عثمان ، انهزم مع رجلين من الأنصار يقال لهما: سعد وعقبة ، انهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا ، ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام .

والألوسي في روح المعاني 4/99 ، قال: وأما سائر المنهزمين فقد اجتمعواعلى الجبل ، وعمر بن الخطاب كان من هذا الصنف كما في خبر ابن جرير .

وقال النيسابوري في تفسير غرائب القرآن: بهامش تفسير الطبري 4/112 ـ 113 : الذي تدل عليه الأخبار في الجملة أن نفرا قليلا تولوا وأبعدوا فمنهم من دخل المدينة ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب ....ومن المنهزمين عمر .

السيوطي في الدر المنثور 2/88 و 89 ، وتفسير جامع البيان ـ للطبري ـ 4/95 و 96 ،

قال عمر: لما كان يوم أحد هزمناهم ، ففررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني أنزوا كأنني أروى!

ثم قال السيوطي: أخرج عبد بن حميد عن عكرمة ، قال: كان الذين ولوا الدبر يومئذ عثمان بن عفان وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان أخوان من الأنصار من بني زريق .

وأما هزيمة عمر في حنين ... قال البخاري في صحيحه ، باب قوله تعالى : ( ... ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ...... ) سورة التوبة ، الآية 25 . روى بسنده عن أبي محمد مولى أبي قتادة ، أن أبا قتادة قال: لما كان يوم حنين نظرت إلى ..... وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب في الناس ...البخاري 3/67 ط عيسى البابي الحلبي بمصر . ” المترجم “

(30) لما رأى اليهود قتل مرحب وهو قائدهم وصاحب رايتهم ، انهزموا ودخلوا الحصن وأغلقوا الباب ، وبدأوا يرمون المسلمين بالنبال من سطح الحصن ، فهجم علي( ع ) على باب الحصن

وقلعه من مكانه وجعله ترسا يصد به سهام القوم ونبالهم . وكان الباب عظيما منحوتا من الصخر؛يقول ابن أبي الحديد في قصائده العلوية مشيرا إلى ذلك الموقف المشرف:

يا قالع الباب الذي عن هزه عجزت أكف أربعون وأربع

أأقول فيك سميدع كلا ولا حاشا لمثلك أن يقال سميدع

....... إلى آخر أبياته “ المترجم “

(31) لقد اشتهر هذا الخبر عن عمر وذكره كثير من اعلام السنة ، واضافة الى من ذكرهم المؤلف فإني أذكر بعض من أعرف من العلماء الذين رووا الخبر عن عمر ، منهم عبيد الله الحنفي في " ارجح المطالب " والحاكم في المستدرك 3/125 ، وابن حجر الهيثمي في الصواعق :78 ، والامام احمد في "المسند" عن ابن عمر ، وابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية 7/341 ، والمتقي الحنفي في كنز العمال 6/339ح6013 ـ 6015 ، والموفق بن احمد الخطيب الخوارزمي في المناقب : 232 . ( المترجم )

(32) سورة الفتح، الآية 29 .

(33) سورة نوح ، الآية 26

(34) الذي يعرف من الأخبار والتواريخ أن عمر بن الخطاب كان شديدا على المسلمين ، ولكي تعرف الحقيقة والواقع أنقل لك بعضها: قال ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة: 19 ط مطبعة الأمة بمصر سنة 1328 هج : فدخل عليه المهاجرون والانصار حين بلغهم انه استخلف عمر ، فقالوا : نوراك استخلفت علينا عمر ، وقد عرفته وعلمت بوائقه فينا ، وانت بين اظهرنا فكيف اذا وليت عنا ؟!

بوائقه : غوائله وشروره . النهاية

وروى السيوطي في تاريخ الخلفاء 82 :

عن اسماء بنت عميس ، انها قالت : دخل طلحة بن عبيد الله على ابي بكر فقال : استخلفت على الناس عمر ! وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه ، فكيف إذا خلا بهم وانت لاق ربك ؟!

ونقل الديار بكري في تاريخ الخميس 2/241 :

قال طلحة لأبي بكر : أتولي علينا فظا غليظا ؟! ما تقول لربك اذا لقيته ؟!

وروى الدياربكري في نفس الصفحة ، عن جامع بن شداد عن أبيه ، أنه قال :

كان أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر ان قال : اللهم إني شديد فليني ، واني ضعيف فقوني ، واني بخيل فسخني.

ونقل ابن الاثير في تاريخه الكامل 3/55 ، والطبري في تاريخه 5/17 ، ان عمر خطب ان ابان بنت عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت : يغلق بابه ، ويمنع خيره ، ويدخل عابسا ، ويخرج عابسا !!

وقال ابن ابي الحديد في شرح النهج 1/183 ط دار احياء التراث العربي .

وكان في اخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة .

وقال في ج 10/181 ط دار احياء التراث العربي :

وانما الرجل [ عمر] كان مطبوعا على الشدة والشراسة والخشونة !

أقول : اظهر شراسته وخشونته وشدته على آل رسول الله (ص) وفي هجومه على بيت فاطمة البتول وقرة عين الرسول (ص) أكثر من أي مكان آخر !!

قال ابن عبد ربه الاندلسي في العقد الفريد 2/205 ط المطبعة الازهرية :

الذين تخلفوا عن بيعة ابي بكر : علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة ، فأما علي والعباس والزبير في بيت فاطمة حتى بعث اليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له : إن أبوا فقاتلهم .

فأقبل بقبس من نار ، على أن يضرم عليهم الدار !

فلقيته فاطمة ، فقالت : يا بن الخطاب ! أجئت لتحرق دارنا ؟!

قال : نعم !

ونقل الشهرستاني في الملل والنحل 1/57 عن النظام ، قال :

ان عمر ضرب بطن فاطمة عليها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها ! وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين .

وقال الصفدي في الوافي بالوفيات 6/17 :

إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها !

وأخرج البلاذري في أنساب الاشراف 1/586 ، عن سليمان التيمي وعن ابن عون : إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقته فاطمة على الباب فقالت : يا بن الخطاب ! أتراك محرقا عليّ بابي ؟!

قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك !!

أقول : وهل بعد الجملة الاخيرة يقال : إن عمر كان مؤمنا ؟!!

وقال الاستاذ عبد الفتاح عبد المقصود في كتابه السقيفة والخلافة : 14 : أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة .

قال: ثم تطالعنا صحائف ما أورد المؤرخون بالكثير من أشباه هذه الأخبار المضطربة التي لا نعدم أن نجد من بينها من عنف عمر ما يصل به الى الشروع في قتل علي وإحراق بيته على من فيه ! فلقد ذكر بأن أبا بكر أرسل عمر بن الخطاب ومعه جماعة بالنار والحطب الى دار علي وفاطمة والحسن والحسين ليحرقوه بسبب الامتناع عن بيته ، فلما راجع عمر بعض الناس قائلين : إن في البيت فاطمة ! قال : وإن ! ...

وقال عمر رضا كحالة : ... فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده ، لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها . فقيل له : يا أبا حفص ! إن فيها فاطمة ! قال : وإن .

أقول : لقد نظم هذه الواقعة شاعر النيل حافظ ابراهيم في قصيدة تحت عنوان : عمر وعلي ، مطبوعة في ديوانه 1/75 ط دار الكتب المصرية :

وقولة لعـلــــي قــــالـــــها عمر أكرم بـــســـــامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقي بها أحـــدا إن لم تبايع وبنت المصطفي فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها أمام فارس عــدنان وحــامـــــيها

( المترجم ) .

(35) سورة الاسراء ، الآية 34 .

(36) سورة الصف ، الآية 2 و 3

(37) ربما يتسائل القارىء: من كان أبو سفيان؟ ولماذا يمنحه عثمان هذا المبلغ من بيت مال المسلمين؟ أكان هذا العطاء من أجل خدمة قدمها للدين؟!

فأنا أنقل قضية تاريخية حتى يعرف القارىء الكريم جواب ما تساءل عنه:

روى إبن أبي الحديد في شرح النهج 9/53 ط دار إحياء التراث العربي ، عن الشعبي ، إنه

قال: فلما دخل عثمان رحله ـ بعدما بويع له بالخلافة ـ دخل إليه بنو أمية حتى امتلأت بهم

الدار ، ثم أغلقوها عليهم ، فقال أبو سفيان بن حرب: أعندكم أحد من غيركم؟

قالوا: لا.

قال: يا بني أمية! تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ، ما من عذاب ولا حساب ، ولا جنة ولا نار ، ولابعث ولاقيامة؟؟ "المترجم"

(38) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 2/161 ط دار إحياء التراث العربي:

قال أبو جعفر ـ الطبري ، صاحب التاريخ ـ : وكان لعثمان على طلحة بن عبيدالله خمسون

ألفا ، فقال طلحة له يوما: قد تهيأ مالك فاقبضه ، فقال: هو لك معونة على مروءتك.

وقال ابن أبي الحديد في ج 9/35: روى أن عثمان قال: ويلي على ابن الحضرمية ـ يعني:

طلحة ـ أعطيته كذا وكذا بهارا ذهبا . وهو يروم دمي يحرض على نفسي.

قال: والبهار: الحمل؛ قيل: هو ثلاثمائة رطل بالقبطية. " المترجم "

(39) قال ابن ابي الحديد في شرح‏ نهج‏ البلاغة 9/24 ط دار احياء التراث العربي :

و روى شيخنا أبو عثمان الجاحظ ، عن زيد بن أرقم، قال :

سمعت عثمان و هو يقول لعلي ع أنكرت علي استعمال معاوية و أنت تعلم أن عمر استعمله !

قال علي ع نشدتك الله ! ألا تعلم أن معاوية كان أطوع لعمر من يرفأ غلامه ! إن عمر كان إذا استعمل عاملا وطئ على صماخه و إن القوم ركبوك و غلبوك و استبدوا بالأمر دونك.

فسكت عثمان! ( المترجم )

(40) سورة الاسراء ، الآية 60 .

(41) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 9/220 ط دار احياء التراث العربي قال في تفسير قوله تعالى: ( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآن)ِ فإن المفسرين قالوا: إن رسول الله (ص) رأى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة ـ هذا لفظ رسول الله ص الذي فسر لهم الآية ـ فساءه ذلك ثم قال (ص) :الشجرة الملعونة بنو أمية و بنو المغيرة .

و نحوه قوله (ص) : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا ، وعباده خولا .

ورد عنه (ص) من ذمهم الكثير من المشهور ، نحو قوله (ص) أبغض الأسماء إلى الله : الحكم وهشام والوليد .

وفي خبر آخر : إسمان يبغضهما الله : مروان والمغيرة ...

هذا ما أردنا نقله من ابن أبي الحديد . ( المترجم) .

(42) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 3/12 نقلا عن قاضي القضاة عبد الجبار : حتى كان من أمر مروان وتسلطه عليه (عثمان) وعلى أموره ما قتل بسببه وذلك ظاهر لا يمكن دفعه .

وقال في ج10/222 نقلا عن أبي جعفر النقيب أنه كان يقول في عثمان :

إن الدولة في أيامه كانت على إقبالها و علو جدها، بل كانت الفتوح في أيامه أكثر و الغنائم أعظم لو لا أنه لم يراع ناموس الشيخين و لم يستطع أن يسلك مسلكهما و كان مضعفا في أصل القاعدة مغلوبا عليه و كثير الحب لأهله و أتيح له من مروان وزير سوء أفسد القلوب عليه و حمل الناس على خلعه و قتله.

وقال ابن ابي الحديد ايضا في شرح النهج 9/25و26 ط دار احياء التراث العربي ،نقلا عن جعفر بن مكي الحاجب ، عن محمد بن سليمان حاجب الحجاب :

و كان عثمان مستضعفا في نفسه، رخوا، قليل الحزم ، واهي العقيدة و سلم عنانه إلى مروان يصرفه كيف شاء ،الخلافة له في المعنى و لعثمان في الاسم......(المترجم)

(43) نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 4/79 ط. دار إحياء التراث العربي ، قال : وروى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلم رحمه الله ، عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال أتيت مسجد رسول الله ص و الناس يقولون نعوذ بالله من غضب الله و غضب رسوله فقلت ما هذا قالوا معاوية قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا من المسجد ، فقال رسول الله ص لعن الله التابع و المتبوع رب يوم لأمتي من معاوية ذي الأستاه ـ يعني الكبير العجز ـ .

و قال روى العلاء بن حريز القشيري أن رسول الله ص قال لمعاوية لتتخذن يا معاوية البدعة سنة و القبح حسنا أكلك كثير و ظلمك عظيم.

وفي صفحتي 80 و 81 نقل أبي الحديد عن شيخه ، قال :

قال شيخنا أبو القاسم البلخي من المعلوم الذي لا ريب فيه ـ لاشتهار الخبر به و إطباق الناس عليه ـ أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان يبغض عليا و يشتمه و أنه هو الذي لاحاه في حياة رسول الله ص و نابذه و قال له أنا أثبت منك جنانا و أحد سنانا فقال له علي ع اسكت يا فاسق فأنزل الله تعالى فيهما : ( أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) السجدة /18 .

و سمي الوليد بحسب ذلك في حياة رسول الله ص الفاسق فكان لا يعرف إلا بالوليد الفاسق.

قال : و سماه الله تعالى فاسقا في آية أخرى و هو قوله تعالى: ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... ) سورة الحجرات / 6و سبب نزولها مشهور .

قال : و كان الوليد مذموما معيبا عند رسول الله ص يشنؤه و يعرض عنه و كان الوليد يبغض رسول الله ص أيضا و يشنؤه و أبوه عقبة بن أبي معيط هو العدو الأزرق بمكة و الذي كان يؤذي رسول الله ص في نفسه و أهله و أخباره في ذلك مشهورة فلما ظفر به يوم بدر ضرب عنقه و ورث ابنه الوليد الشنئان و البغضة لمحمد و أهله فلم يزل عليهما إلى أن مات. " المترجم "

(44) سورة السجد ، الآية 18 .

(45) سورة الحجرات ، الآية 6 .

(46) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 2/151 و 152 نقلا عن تاريخ الطبري :

و كان عثمان قد استشار نصحاءه في أمره فأشاروا أن يرسل إلى علي ع يطلب إليه أن يرد الناس و يعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى تأتيه الأمداد .

فقال إنهم لا يقبلون التعليل و قد كان مني في المرة الأولى ما كان .

فقال مروان أعطهم ما سألوك و طاولهم ما طاولوك فإنهم قوم قد بغوا عليك و لا عهد لهم.

فدعا عليا ع و قال له قد ترى ما كان من الناس و لست آمنهم على دمي ، فارددهم عني فإني أعطيهم ما يريدون من الحق من نفسي و من غيري.

فقال علي : إن الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك و إنهم لا يرضون إلا بالرضا ، و قد كنت أعطيتهم من قبل عهدا فلم تف به فلا تغرر في هذه المرة فإني معطيهم عنك الحق

قال أعطهم فو الله لأفين لهم..

فقال علي ع : أما ما كان بالمدينة فلا أجل فيه و أما ما غاب فأجله وصول أمرك .

قال نعم فأجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام .

فأجابه إلى ذلك و كتب بينه و بين الناس كتابا على رد كل مظلمة و عزل كل عامل كرهوه فكف الناس عنه

و جعل يتأهب سرا للقتال و يستعد بالسلاح و اتخذ جندا فلما مضت الأيام الثلاثة و لم يغير شيئا ثار به الناس ....إلى آخره . " المترجم "

(47) سورة آل عمران ، الآية 144 .

(48) ذكره الطبري أيضا في تاريخه 4/337 .

أقوا ونقل ، عن أبي الحديد في شرح النهج 9/23 ، قال وروي أبو سعد الآبي في كتابه " نثر الدرر في المحاضرات " أن عثمان لما نقم الناس عليه ما نقموا ، قام متوكئا على مروان فخطب الناس ....

فذكر بعض ما ذكره الطبري وزاد :

إني لأقرب ناصرا ، وأعز نفرا ، فمالي لا أفعل في فضول الأموال ما أشاء ؟! " المترجم "

(49) نفس المصدر .

(50) سورة المائدة ، الآية 44 .

(51) قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج 3/44 ط. بيروت دار إحياء التراث العربي :

و قد روى محمد بن إسحاق ، عن محمد بن كعب القرطي ، أنّ عثمان ضرب ابن مسعود أربعين سوطا في دفنه أبا ذرّ ! و هذه قصّة أخرى، و ذلك أنّ أبا ذرّ رحمه الله تعالى ، لّما حضرته الوفاة بالرّبذة ، و ليس معه إلّا امرأته و غلامه ، عهد إليهما أن غسّلاني ثم كفّناني ، ثم ضعاني على قارعة الطريق ، فأوّل ركب يمرّون بكم قولا لهم هذا أبو ذرّ صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، فأعينونا على دفنه، فلمّا مات فعلا ذلك.

و أقبل ابن مسعود في ركب من العراق معتمرين، فلم يرعهم إلّا الجنازة على قارعة الطريق قد كادت الإبل تطؤها، فقام إليهم العبد، فقال : هذا أبو ذرّ صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأعينونا على دفنه.

فأنهل ابن مسعود باكيا ، و قال صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، قال تمشي وحدك، و تموت وحدك، و تبعث وحدك.

ثم نزل هو و أصحابه فواروه. " المترجم "

(52) كان أبو ذر عليه الرحمة رجلا صريحا يجهر بالحق ولا يسكت على الباطل . فكان ينكر على عثمان تصرفه في بيت المال وإعطاءه اموال المسلمين لمن لا يستحق ، فكان يتلو قول الله تعالى : ( ... والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) ( سورة التوبة ، الآية 34 ) فأرسل عثمان نائلا مولاه إلى أبي ذر : أن انته عما يبلغني عنك !

فقال : أينهاني عثمان عن تلاوة كتاب الله ، وعيب من ترك أمر الله ! فوالله لئن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير لي من أن أسخط الله برضاه . فأغضب عثمان ذلك ، ونفاه الى الشام ، فكان ابوذر في الشام ، ينكر على معاوية أشياء يفعلها ، فبعث إليه معاوية ثلاثمائة دينار ، فقال أبو ذر : إن كانت هذه من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها ، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها ، وردها عليه .

وبنى معاوية الخضراء بدمشق ، فقال أبو ذر : يا معاوية ، ان كانت هذه من مال الله فهي الخيانة وان كانت من مالك فهو الاسراف .

قال ابن ابي الحديد في 3/55 : و كان أبو ذر يقول و الله حدثت أعمال ما أعرفها و الله ما هي في كتاب الله و لا سنة نبيه و الله إني لأرى حقا يطفى و باطلا يحيا و صادقا مكذبا و أثرة بغير تقى و صالحا مستأثرا عليه .. الى آخره
" المترجم" .

(53) أول من قال به هو قاضي القضاة عبد الجبار نقلا عن الشيخ أبي علي ، كما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج 3/52 . ( المترجم ) .

(54) سورة غافر ، الآية 71 .

(55) سورة المائدة ، الآية 55 .

(56) لم أجد هذا الخبر في ( المناقب ) لابن المغازلي .

ووجدت مصادر كثيرة لأعلام القوم ، تنقل قول عمر ، بهذه العبارة التالية أو غيرها : " ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ ... إلى آخره " منها تاريخ الطبري 2/78 و 79 ، والرياض النضرة 1/372 ، عمر بن الخطاب ـ للأستاذ عبدالكريم الخطيب ـ : 63 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ـ : 43 ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ 3/331 ، الإمام علي ـ لعبد الفتاح عبد المقصود ـ 1/165 ، تفسير الخازن 4/157 ، تفسير ابن كثير 4/196 ، السيرة الحلبية 3/19 ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ 1/57 ، صحيح البخاري ـ مشكول ـ 3/190 ، عيون الأثر 2/119 ، تاريخ الإسلام السياسي 1/246 ، كنز العمال 2/527 . " المترجم "

(57) سورة الفتح ، الآية 27 .