فهرس الكتاب

 

المجلس التاسع

ليلة السبت ـ الثاني من شعبان المعظم ـ 1345 هجرية

 

في أوان المغرب جاءني عدد من الإخوان السنة الذين كانوا يلتزمون بالحضور في مجالس البحث والحوار من أول ليلة ، وكانوا يستمعون إلى المواضيع المطروحة بكل لهفة ودقة وربما طلبوا مني توضيح بعض المواضيع المطروحة بكل لهفة ودقة وربما طلبوا مني توضيح بعض المواضيع ، وكنت أحس وألمس منهم اهتماما بالغا ، فجاءوا قبل انعقاد المجلس ، وهم : النواب عبد القيوم خان ، وغلام إمامين ، والمولى عبد الأحد ، وغلام حيدر خان ، والسيد أحمد علي شاه ...

فاستقبلتهم وجلست معهم : فقالوا : أيها السيد المعظم ! اعلم بأننا في كل المجالس والمحاورات عرفنا الحق فيكم ومعكم ، وخاصة في الليلة الماضية قد انكشف لنا حقائق كثيرة كانت مكتومة ، وكنا نجهلها ، وقد عرفناها بفضل بيانكم واتضحت لنا من خلال حديثكم المستدل ومنطقكم القوي المدعم بالأحاديث والروايات الصحيحة المروية عن طريق أعلام السنة وعلمائهم في المسانيد والصحاح ، ونحن نطلب الحق ونريد أن نتدين بدين الله ونلتزم بما جاء به المصطفى (ص) من عند الله سبحانه ، فلسنا نتعصب للخلفاء ولا لأئمة السنة والجماعة ولسنا معاندين ، بل نحن بعيدون عن اللجاج والتعصب والعناد . والآن حيث انكشف لنا الواقع ، وعرفنا الحق ، نريد أن نعلن هذه الليلة في المجلس وفي حضور الملأ ، تشيعنا ومتابعتنا لمذهب آل رسول الله (ص) .

واعلم أن هناك كثيرا من الناس على مختلف الطبقات ممن يتابعون هذه المناقشات في الصحف والمجلات ، أيضا قد عرفوا الحق ولكنهم يخفون ذلك خوفا من رد فعل قومهم ، وإساءة أقربائهم لهم ، ويخشون مقاطعة المجتمع الذي يعيشون فيه ، فإذا نحن بدأنا بإعلان تشيعنا وفتحنا الباب فهم يدخلون أيضا ويعلنون تشيعهم .

قلت : أرجوكم رجاء مؤكدا أن لا تعجلوا في الأمر ، ولا تعلنوا تشيعكم هذه الليلة ، اصبروا إلى نهاية المطاف حتى نعرف آخر ما يخرج به علماء السنة والجماعة من هذه الأبحاث والمناقشات ، فربما يعلنون هم أيضا تشيعهم ، فليكونوا هم البادون وأنتم التابعون ، وهذا أجمل وأفضل ، فوافقوا جميعا على هذا الرأي .

وبعدما فرغنا من صلاتي المغرب والعشاء ، اجتمع القوم وبعد التحيات والتشريفات ، بدأ الشيخ عبد السلام يتكلم عن الجماعة ليمثل مذهبه .

فقال : لقد استفدنا من أحاديثكم في المجالس السالفة ، فوائد جمة ، وأقول بكل صراحة : إن حديثكم يلين قلوب الأعداء ، فكيف بنا نحن الأحباء ، حيث اجتمعنا للتفاهم وحل القضايا الخلافية بمناقشات أخوية ومناظرات ودية ؟ ولكن لمست وأحسنت من جنابكم الانحياز إلى أهل مذهبكم ، بحيث أراكم تدافعون حتى عن قبائح عاداتهم وشنائع أقوالهم !

قلت : أنا لا أقبل منك هذا الكلام ... يا شيخ عبد السلام ! لأني منذ عرفت نفسي وميزت بين الخير والشر ، خضعت للحق ، ودعوت للخير ، ودافعت عن المظلوم ، لأن جدي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) أوصى إلى أولاده وخاصة إلى الحسنين (ع) فقال : قولا بالحق واعملا للآخرة ، وكونا للظالم خصما ، وللمظلوم عونا .

فإذا رأيتني أبين مساوئ من خالفنا ، وأدافع عن من وافقنا ، فلا عن انحياز أو متابعة للهوى ، وإنما الحق والخير عندي هو المعيار والمقياس ، واعلم أن كل حديثي وكلامي في هذه المناقشات كان مقرونا بالأدلة النقلية والبراهين العقلية .

وأما كلامك عن قبائح عادات الشيعة وأقوالهم الشنيعة فبيّنْها لنا ، فإن كان بيانك حقا قبلناه ، وإلا كشفنا لكم الواقع ، فلربما اشتبه عليكم الأمر .

الشيعة وعائشة !!

الشيخ عبد السلام : إن من أقبح أقوال الشيعة قذفهم أم المؤمنين عائشة ونسبتهم الفحش إليها وسبها ولعنها ! ومن أشنع عاداتهم عداؤهم لها واعتقادهم بخبثها ، وهي حبيبة رسول الله (ص) وزوجته ، فانتسابها إلى الخبث يلازم ـ والعياذ بالله ـ خبث النبي (ص) لقوله سبحانه : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ )(1).

قلت : أولا : قولك بأن الشيعة يقذفون عائشة وينسبونها إلى الفحشاء .. فهو كذب على الشيعة وافتراء ، وأقسم بالله حتى عوام الشيعة لا يقولون ذلك ولا يعتقدون به ، وإن النواصب والخوارج افتروا علينا هذا ليحركوا عوام أهل السنة وجهالهم على أشياع آل محمد (ص) ، ومع الأسف فإن بعض علماء العامة صدقوهم بغير دليل ولا تحقيق ، وأحدهم جناب الشيخ عبد السلام سلمه الله !

فأقول : أيها الشيخ ! كيف تقول علينا هذا بالضرس القاطع ؟! هل رأيته في كتاب أحد علمائنا ؟ أم سمعته من لسان أحد الشيعة ، ولو من عامتهم ؟!

وأنا أرجوك أيها الشيخ أن تراجع تفاسير الشيعة في موضوع الإفك في ذيل الآيات 10 ـ 20 من سورة النور لتعرف دفاع الشيعة عن عائشة وإن الآفكين هم المنافقون .

أما نحن الشيعة فنعتقد أن كل من يقذف أي واحدة من زوجات رسول الله (ص) لا سيما حفصة وعائشة ، فهو ملحد كافر ملعون مهدور الدم ، لأن ذلك مخالف لصريح القرآن وإهانة لرسول الله (ص) .

وكذلك نعتقد بأن القذف ونسبة الفحشاء إلى أي مسلم ومسلمة حرام وموجب للحد ـ إلا إذا شهد أربعة شهداء عدول ـ .

وأما اعتقاد الشيعة بخبث عائشة وشقاوتها ، فبدليل أحاديث رسول الله (ص) حيث قال كما ورد في مسانيدكم : إنه لا يحب عليا إلا مؤمن سعيد الجد طيب الولادة ، ولا يبغضه إلا منافق شقي الجد خبيث الولادة .

ولا يخفى على أحد أن عائشة كانت من أشد المبغضين لعلي (ع) إلى درجة أنها خرجت لقتاله ، وأشعلت نار الفتنة والحرب في البصرة عليه وهو إمام زمانها حينذاك !!

ثم اعلم أن الاعتقاد بخبث الزوجة لا يلازم خبث الزوج وكذلك بالعكس ، فكم من نساء صالحات أزواجهن غير صالحين ؟ وكم من رجال صالحين زوجاتهم خبيثات غير صالحات ؟ وهذا صريح قول الله سبحانه وتعالى في سورة التحريم 10 و11 حيث يقول : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَ امْرَأَةَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ* وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

فلا تلازم بين الزوجين في الطيب والخباثة وفي السعادة والشقاء ، وفي القيامة أيضا كل يحاسب ويكافأ بأعماله ، فإن كانت المرأة صالحة مؤمنة يؤمر بها الجنة ، وإن كان زوجها فرعون لعنه الله ، وإن كانت المرأة طالحة عاصية فيؤمر بها إلى الجحيم وإن كان زوجها أحد أنبياء المرسلين .

وأما تفسير الآية الكريمة : ( الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ )(2) فقد ورد في روايات أهل البيت (ع) أن هذه الجملات تفسير وتوضيح لما قبلها وهو قوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ )(3) معنى ذلك أن الخبيثات يلقن للخبيثين والخبيثون يليقون لهن ، وأما الطيبون فيليقون للطيبات وبالعكس ، كما أن الزانية أو المشركة لا تليق إلا لزان أو مشرك .

بغض عائشة لآل النبي (ص)

ونحن حين ننتقد عائشة ونعاديها ، لا لأنها بنت أبي بكر ، بل لسوء تصرفها وسوء معاملتها مع آل رسول الله (ص) ، ولأنها كانت تبغض عليا (ع) وتعمل ضده وتثير المسلمين عليه ، وإلا فإنا [ نحب محمد بن أبي بكر ـ أخيها ـ لأنه نصر الحق وتابع الإمام علي (ع) ] .

أما عائشة فما حافظت على مكانتها بل سودت تاريخها بأعمالها المخالفة لكتاب الله وحديث النبي (ص) فما أطاعت زوجها ولا أطاعت ربها !!

الشيخ عبد السلام : لا يليق هذا الكلام بكم وأنت سيد شريف وعالم نبيل ، فكيف تعبر عن أم المؤمنين بهذا التعبير ، بأنها سودت تاريخها ؟!

قلت : كل زوجات رسول الله (ص) عندنا في مكانة متساوية ، باستثناء أم المؤمنين خديجة الكبرى (ع) فإن النبي كان يفضلها عليهن ـ فإن أم سلمة وسودة وعائشة وحفصة وميمونة وسائر زوجاته (ص) كلهن أمهات المؤمنين ، ولكن المؤرخين لا سيما أعلامكم فتحوا لعائشة صفحات خاصة ، تروي مداخلتها في الفتن ، ومشاركتها مع الرجال في أمور لا تعنيها ، بل مخالفة لشأنها ومقامها كزوجة للنبي (ص) . وهذا مقصودنا من تسويدها تاريخها ، وليتها كانت تسلك مسلك قريناتها ، أعني زوجات رسول الله (ص) وتحافظ على حرمة النبي(ص) كما حفظنها .

الشيخ عبد السلام : أظن أن سبب عدائكم وبغضكم لأم المؤمنين عائشة ، هو خروجها على الإمام علي كرم الله وجهه ، وإلا فإن سلوكها مع رسول الله (ص) كان أحسن سلوك ، وليس لأحد انتقاد في ذلك ، وكان رسول الله يكرمها كثيرا ونحن نكرمها لإكرام النبي لها .

قلت : سبب بغضنا لعائشة ليس لخروجها على الإمام علي (ع) فحسب بل لسوء سلوكها مع النبي (ص) ، وإيذائها له أيضا ، وتمردها عليه (ص) وعدم إطاعتها له في حياته !!

الشيخ عبد السلام : هذا بهتان عظيم ! فإن كلنا نعلم بأنها كانت أحب زوجات النبي (ص) إليه ، فكيف كانت تؤذي رسول الله (ص) وهي تقرأ في القرآن الحكيم : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الآْخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً)(4)؟

قلت : أيها الشيخ لقد تكرر منكم سوء التعبير ورميتموني بالافتراء والبهتان والكذب ، ولكن سرعان ما انكشف الأمر وثبت بأني غير كاذب ولا مفتر ، بل أنا ناقل الأخبار من كتب علمائكم ومسانيد أعلامكم ، وقلت لكم : بأن الشيعة لا يحتاجون إلى وضع الأخبار وجعل الأحاديث في إثبات عقائدهم وحقانية أئمتهم وفضائلهم ومناقبهم ، فإن كتاب الله سبحانه ينطق بذلك والتاريخ يشهد لهم .

أما قولك بأنها كيف كانت تؤذي النبي وهي تقرأ الآية الكريمة : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ... ) الخ .

فأقول : نعم كانت تقرأ الآية وكان أبوها أيضا يقرأها وكثير من كبار الصحابة قرؤوا هذه الآية الكريمة وعرفوا معناها ولكن .. كما نقلت لكم الأخبار المروية في كتبكم وصحاحكم في الليلة الماضية وانكشف حقائق كثيرة للحاضرين ولكم إن كنتم منصفين غير معاندين !!

إيذاء عائشة للنبي (ص) في حياته

أما أخبار إيذاء عائشة لرسول الله (ص) في حياته فلم تذكر في كتب الشيعة وحدهم ، بل ذكرها بعض أعلامكم أيضا منهم : أبو حامد محمد الغزالي في كتابه إحياء العلوم :ج2/ الباب الثالث كتاب آداب النكاح / 135 ، والمتقي الهندي في كنز العمال ج7/116 ، وأخرجه الطبراني في الأوسط والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد من حديث عائشة قالوا : و جرى بينه (ص) و بين عائشة كلام حتى أدخل النبي (ص) أبا بكر حكما بينهما ، و استشهده ، فقال لها رسول الله (ص) تكلمين أو أتكلم ؟ فقالت : بل تكلم أنت و لا تقل إلا حقا !

فلطمها أبو بكر حتى دمي فوها وقال : يا عدوة نفسها ! أو غير الحق يقول ؟ فاستجارت برسول الله (ص) وقعدت خلف ظهره ، فقال له النبي (ص) : لن ندعك لهذا ولم نرد هذا منك .

قال أبو حامد الغزالي في نفس الصفحة : وقالت له مرة في كلام غضبت عنده : أنت الذي تزعم أنك رسول الله ؟! ـ قال وذلك حين صباها ـ فتبسم رسول الله (ص) واحتمل ذلك حلما وكرما .

وأخرجه أبو يعلى في مسنده وأبو الشيخ في كتاب الأمثال ، من حديثهما معنعنا .

قال الغزالي : وقال (ص) لها : إني لأعرف رضاك من غضبك .

قالت : وكيف تعرفه يا رسول الله ؟ قال (ص) : إذا رضيت قلت : لا وإله محمد ، وإذا غضبت قلت : لا وإله إبراهيم .

قالت : صدقت ... إنما أهجر إسمك !(5).

وتحدثها بهذه العبارات والتعابير التالية مع النبي (ص) :

بل تكلم أنت و لا تقل إلا حقا !

أنت الذي تزعم أنك رسول الله !!

إنما أهجر إسمك !

بالله عليكم ! أنصفوا ..! أما كان رسول الله يتأذى من هذه التعابير القارصة والكلمات اللاذعة حين يسمعها من زوجته ؟!

والمفروض أن تتصاغر الزوجة لزوجها وأن تحترمه وتخضع له ولا تتجاسر عليه بكلام يؤذيه ، وكذلك المفروض على المؤمنين والمؤمنات أن يكرموا النبي (ص) ويحترموه احتراما كبيرا ويعظموه كثيرا ، حتى أنه لا يجوز لأحد أن يرفع صوته فوق صوت النبي (ص) أو يدعوه باسمه من غير تشريف واحترام كما يدعو بعضهم بعضا ، لقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ )(6).

وقال سبحانه : ( لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً )(7).

فالمفروض على زوجات النبي (ص) ـ عائشة وقريناتها ـ أن يكرمن النبي ويحترمنه ويخضعن له (ص) أكثر من غيرهن ، ولكن مع الأسف الشديد نرى في سلوكها تمردا على رسول الله كما وصفها المؤرخون وحتى من أعلامكم مثل أبو حامد الغزالي ، والطبري ، والمسعودي وابن الأعثم الكوفي وغيرهم ، قالوا : إنها تمردت عن أمر الله ورسوله (ص) ! فهل هذا التمرد يدل على طيبها أم خبثها ؟! وهل حياة المتمردين على الله ورسوله تكون ناصعة أم سوداء مظلمة ؟!

وإني أستغرب كلام الشيخ عبد السلام وقوله : بأن سبب بغضنا لعائشة ، خروجها على الإمام علي كرم الله وجهه !

وكأنه يحسب هذا الأمر هينا ! وهو عند الله عظيم عظيم .. لأنها شقت عصا المسلمين ، وسببت سفك دماء كثير من المؤمنين والصالحين ، فرملت نساء ، وأيتمت أطفالا !! وهي بخروجها على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وإثارة فتنة البصرة ، وأمرها للناس ، وتحريضهم لمقاتلة الإمام علي (ع) ، فمهدت الطريق وفتحت باب الحرب والقتال لمعاوية وحزبه الظالمين وكذلك للخوارج الملحدين الفاسقين !!

فأي ذنب أعظم من هذا يا شيخ ! وهي بخروجها من بيتها إلى البصرة خالفت نص كلام الله الحكيم إذ قال سبحانه :

( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأُْولى )(8) .

نعم جميع زوجات رسول الله غير عائشة امتثلن أمر الله تعالى وأطعنه وحفظن حرمة رسول الله (ص) بعد وفاته وما خرجن من بيوتهن إلا للضرورة ، وقد روى الأعمش كما ورد في صحاحكم ومسانيدكم : قالوا لأم المؤمنين سودة زوجة رسول الله (ص) لم لا تخرجين إلى الحج والعمرة ؟ فثوابهما عظيم ؟

قالت : لقد أديت الحج الواجب وأما بعد ذلك فواجبي أن أجلس في بيتي ، لقوله تعالى :

( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ... ) فامتثالا لأمره عز وجل ، لا أخرج من بيتي بل أحب أن أقر في الدار التي خصها لي رسول الله (ص) ولا أخرج إلا لضرورة ، حتى يدركني الموت ـ وهكذا كانت حتى التحقت بالنبي الكريم (ص) ـ .

فنحن لا نفرق بين زوجات رسول الله (ص) ، فكلهن أمهات المؤمنين ، فمن هذه الجهة كلهن عندنا على حد سواء .

وأما في المنزلة والمقام فشأنهن شأن المؤمنات الأخريات فيكتسبن المقام والجاه عند الله سبحانه بالأعمال الصالحة وبالتقوى ، فمن عملت منهن الصالحات واتقت فنحبها ، ومن لم تتق وما عملت صالحا فلا نحبها ، ومن خالفت وعصت ربها فنبغضها .

امتياز نساء النبي (ص) على سائر النساء

الشيخ عبد السلام : كيف تقول بأن شأن زوجات رسول الله (ص) شأن المؤمنات الأخريات !! فإن هذا البيان خلاف كلام الله العزيز إذ يقول : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساء ) أي : أن مقام نساء النبي أعلا وأرفع من سائر النساء .

قلت : كل زوجات رسول الله (ص) لهن الفخر والفضل على نساء المؤمنين لشرف انتسابهن إلى رسول الله (ص) وهو شرف اكتسابي وانتسابي لا ذاتي ، فيجب عليهن أن يحفظن حرمة هذا الانتساب الرفيع ، والمقام المرموق والممتاز على سائر النسوة بتقوى الله سبحانه ، كما صرح بذلك عز وجل في كتابه قائلا : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ )(9) .

ولا يخفى عليكم أيها العلماء معنى إن الشرطية ، فمقام نساء النبي (ص) وامتيازهن على سائر النساء مشروط بالتقوى . فمن تورعت ، وتدرعت بتقوى الله تعالى ، وامتثلت أوامره ، مثل سودة وأم سلمة فيلزم علينا تكريمها وتعظيمها واحترامها ، ومن لم تتورع ولم تلتزم بتقوى الله سبحانه وما امتثلت أوامره ، فلا احترام لها عندنا مثل عائشة .

خروج عائشة على أمير المؤمنين عليه السلام

لقد أجمع المؤرخون أن عائشة قادت جيشا لقتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وقال بعض : إن طلحة والزبير أغرياها ، وقال آخرون : إنها كانت مستعدة لذلك من غير إغراء ، لبغضها وعداءها للإمام علي (ع) .

فاجتمع حولها كل من في قلبه مرض ، وكل من كان حاقدا على أبي الحسن أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وخرجت إلى البصرة ، فألقوا القبض على عثمان بن حنيف الأنصاري ، صحابي رسول الله (ص) وكان عاملا عليها من قبل الإمام علي ، فنتفوا لحيته الكريمة ، وشعر رأسه ، وحاجبيه ، وضربوه بالسياط حتى أدمي ، ثم أخرجوه من البصرة بحالة يرثى لها ، وقتلوا أكثر من مائة نسمة من أهاليها من غير أن يصدر منهم ذنب أو أي عمل يبيح لعائشة وجيشها سفك تلك الدماء البريئة ، ولو أحببتم الاطلاع على تفصيل تلك الأعمال البشعة فراجعوا تاريخ ابن الأثير ، والمسعودي ، وتاريخ الطبري ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد(10) .

ولما جابهت عائشة جيش أمير المؤمنين (ع) ، ركبت الجمل وحرضت الناس الغافلين ، وألبت الجاهلين والمنافقين لقتال إمام زمانها ، رغم مواعظه (ع) ومواعظ ابن عباس وكبار الصحابة لها ولجيشها .

فأما الزبير امتنع من المقاتلة ، وترك المعركة إذ عرف الحق مع علي (ع) ، ولكن عائشة أصرت على غيها واستكبرت عن قبول الحق(11) حتى قتل عشرات المئات من المسلمين بسببها ثم انكسرت واندحرت ، فردها (ع) إلى بيتها مكرمة !

فضائل الإمام علي عليه السلام ومناقبه

روى أحمد في مسنده وابن أبي الحديد في شرح النهج والفخر الرازي في تفسيره الكبير والخطيب الخوارزمي في المناقب والشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودة ، والعلامة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / باب 62 ، والمير سيد علي الهمداني الفقيه الشافعي في كتابه مودة القربى / المودة الخامسة ، روى بعضهم عن عمر بن الخطاب وبعضهم عن عبد الله بن عباس أن النبي (ص) قال : لو أن البحر مداد و الرياض أقلام و الإنس كتاب و الجن حساب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب(12).

وأخرج ابن أبي الحديد في شرح‏ نهج ‏البلاغة ج 9/ 168 /ط دار إحياء التراث العربي : عن أبي نعيم الحافظ في حلية الأولياء عن أبي برزة الأسلمي ، ثم رواه بإسناد آخر بلفظ آخر عن أنس بن مالك عن النبي (ص) : أن رب العالمين عهد في علي إلي عهدا ، أنه راية الهدى و منار الإيمان ، و إمام أوليائي ، و نور جميع من أطاعني . إن عليا أميني غدا في القيامة ، و صاحب رايتي ، بيد علي مفاتيح خزائن رحمة ربي(13).

وقد تكرر من النبي (ص) مرارا عديدة انه شبه عليا (ع) بالأنبياء ، وروى ألفاظه أكثر أعلامكم ومحدثيكم في كتبهم ، منها من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه و إلى آدم في علمه و إلى إبراهيم في حلمه و إلى موسى في فطنته و إلى عيسى في زهده ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ، قال : رواه أحمد بن حنبل في المسند ورواه البيهقي في صحيحه .

وأخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج9 صفحة 171/ عن النبي (ص) : كنت أنا و علي نورا بين يدي الله عز و جل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق آدم قسم ذلك فيه ، و جعله جزأين ، فجزء أنا ، و جزء علي .

قال : رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل علي (ع) ، وذكره صاحب كتاب الفردوس وزاد فيه : ثم انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب ، فكان لي النبوة ولعلي الوصية .

وأخرج جمع من أعلامكم ومحدثيكم منهم أبو نعيم الحافظ في كتابه " حلية الأولياء " ونقل عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج9/ 173 ، قال رسول (ص) : أخْصِمُك ـ أي أغلبك ـ يا علي بالنبوة ! فلا نبوة بعدي ، و تخصم الناس بسبع لا يجاحد فيها أحد من قريش : أنت أولهم إيمانا بالله ، و أوفاهم بعهد الله ، و أقومهم بأمر الله ، و أقسمهم بالسوية ، و أعدلهم في الرعية ، و أبصرهم بالقضية ، و أعظمهم عند الله مزية .

وذكر ابن الصباغ في الفصول المهمة / 124 / نقلا عن عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتاب معالم العترة النبوية ، روى عن فاطمة الزهراء (ع) أنها قالت : خرج علينا أبي رسول الله (ص) عشية عرفة فقال : إن الله تبارك و تعالى باهى بكم الملائكة عامة ، و غفر لكم عامة ، و لعلي خاصة ، و إني رسول الله إليكم غير محاب لقرابتي ، إن السعيد كل السعيد من أحب عليا في حياته و بعد موته ، و إن الشقي من أبغض عليا في حياته و بعد مماته(14).

وخبر آخر رواه جمع من أعلام محدثيكم في مسانيدهم وصحاحهم ، عن رسول الله (ص) أنه قال لعلي (ع) : كذب من أنه يحبني وهو مبغضك ، يا علي ! من أحبك فقد أحبني ، ومن أحبني أحبه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه الله وأدخله النار(15).

هذه الأحاديث الشريفة وعشرات بل مئات من مثلها مسجلة وثابتة في مسانيد علمائكم وأعلام محدثيكم وقد زينوا بها تصانيفهم وكتبهم ، وحتى المتعصبين منهم لم يروا بدا من ذكرها وإخراجها ، أمثال القوشجي وابن حجر المكي وروزبهان وغيرهم .

ورغم المحاولات الشيطانية التي حاولها أعداء الإمام علي (ع) ، والأساليب العدوانية التي استعملها معاوية وحزبه المنحرفون الظالمون لإخفاء مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وفضائله ، والمنع من نشرها وروايتها . مع كل ذلك .. فقد انتشرت في الأقطار وتناقلتها علماء الأمصار حتى ملئت منها الكتب والأسفار ، ولكي تطلعوا على بعض تلك الأخبار ، فراجعوا الصحاح الستة ، وخصائص مولانا علي بن أبي طالب للنسائي ، وينابيع المودة للقندوزي ، ومودة القربى للهمداني ، والمعجم للطبراني ، ومطالب السؤول لمحمد بن طلحة القرشي العدوي ، ومسند الإمام احمد ومناقبه ، ومناقب الخطيب الخوارزمي ، ومناقب مولانا علي بن أبي طالب للعلامة صدر الحفاظ الكنجي الشافعي ، وفرائد السمطين لشيخ الإسلام الحمويني ، والرياض النضرة ، وذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ، والإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، والمستدرك للحاكم النيسابوري ، وتاريخ بن عساكر / قسم ترجمة الإمام علي (ع) ، وعشرات الكتب غير ما ذكرنا ، وكلها من أعلامكم ومشاهير محدثيكم(16).

علي عليه السلام خير البرية والبشر ومن أبى فقد كفر

وفي كتاب كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) الباب الثاني والستون / 118 ـ 199 / ط الغري سنة 1356 هجرية للعلامة إمام الحرمين ومفتي العراقيين محدث الشام وصدر الحفاظ أبي عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجي الشافعي المتوفى سنة 658 هجرية ، أخرج بسنده المعنعن المتصل بجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أنه قال كنا عند النبي (ص) فأقبل علي بن أبي طالب (ع) فقال النبي (ص) : قد أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال والذي نفسي بيده ... إن هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة ثم إنه أولكم إيمانا و أوفاكم بعهد الله و أقومكم بأمر الله و أعدلكم في الرعية و أقسمكم بالسوية و أعظمكم عند الله مزية .

قال : ونزلت ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة)(17).

قال : وكان أصحاب محمد (ص) إذا أقبل علي (ع) قالوا : قد أتاكم خير البرية .

ثم قال العلامة الكنجي : هكذا رواه محدث الشام في كتابه ـ تاريخ ابن عساكر ـ بطرق شتى ، وذكرها محدث العراق ومؤرخها ـ وأظنه الخطيب البغدادي صاحب تاريخ بغداد ـ رواها عن زر عن عبد الله عن علي قال : قال : رسول الله (ص) : من لم يقل علي خير الناس فقد كفر .

وفي رواية له عن حذيفة قال : سمعت النبي (ص) يقول : علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر ، هكذا رواه الحافظ الدمشقي في كتاب التاريخ عن الخطيب الحافظ ، وزاد في رواية له عن جابر قال : قال رسول الله (ص) : علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر ، وفي رواية لعائشة عن عطا قال : سألت عائشة عن علي . فقالت : ذاك خير البشر لا يشك فيه إلا كافر .

قال العلامة الكنجي : هكذا ذكره الحافظ ابن عساكر في ترجمة علي (ع) في تاريخه في المجلد الخمسين ، لأن كتابه مائة فذكر منها ثلاث مجلدات في مناقبه(18) (ع) . " انتهى كلامه ".

حب علي إيمان وبغضه كفر ونفاق

وذكر ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة نقلا عن كتاب " الآل " لابن خالويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) قال لعلي : حبك إيمان و بغضك نفاق و أول من يدخل الجنة محبك و أول من يدخل النار مبغضك .

وروى العلامة الهمداني في كتابه مودة القربى / المودة الثالثة ، وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين ، عن رسول الله (ص) قال : لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر . وفي رواية أخرى خاطب عليا (ع) فقال : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق(19) .

وروى محمد بن طلحة في مطالب السؤول ، وابن الصباغ المالكي في الفصول عن الترمذي والنسائي عن ابي سعيد الخدري انه قال : ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (ص) إلا ببغضهم عليا .

الشيخ عبد السلام : هكذا أحاديث نبوية صدرت أيضا في حق الشيخين أبي بكر وعمر ، وما كانت خاصة بسيدنا علي كرم الله وجهه !!

قلت : لو كان يحضر في بالك شيء من تلك الأحاديث ، فبينها حتى ينكشف واقع الأمر للحاضرين .

الشيخ عبد السلام : روى عبد الرحمن بن مالك بسنده عن جابر عن النبي (ص) قال : لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق !!

قلت : لقد أثار بيانك تعجبي ! وكأنك نسيت قرارنا في المجلس الأول على أن لا نستدل في احتجاجنا بالأحاديث غير المعتبرة لدى الخصم ، بل يجب أن تأتي بالشاهد وتستدل علي بالأحاديث المقبولة عندنا ، وهذا الحديث مردود وغير معتبر عندنا .

الشيخ عبد السلام : أظن بأنكم عزمتم أن لا تقبلوا منا حتى رواية واحدة في فصل الشيخين !

قلت : لقد بينت قبل هذا : أننا أبناء الدليل حيثما مال نميل ، وأما ظنك فباطل ولا يغني من الحق شيئا ، لأني ما قبلت روايتك لا لكونها في فضل الشيخين ، بل لأن الراوي متهم بالجعل والكذب حتى عند علمائكم كالخطيب البغدادي صاحب تاريخ بغداد وغيره من الأعلام المشتهرين في علم الرواية والدراية قالوا فيه ذلك عند ترجمته ، وهذا العلامة الذهبي المعتمد عليه في هذا الفن ، فقد قال في ترجمة عبد الرحمن بن مالك في ميزان الاعتدال ج10/236 / قال : هو كذاب أفاك وضاع لا يشك فيه أحد .

فانصفوا .. بعد ما سمعتم هذا التصريح في رواية الحديث ، هل يطمئن قلبكم وتسمح نفسكم أن تقبلوا رواياته ؟! ثم فكروا .. أين حديث هذا الكذاب الأفاك الوضاع .. من حديث جابر وسلمان وأبي سعيد وابن عباس ، وأبي ذر الصادق المصدق ، فقد روى جماعة من الأعلام منهم : العلامة السيوطي في الجامع الكبير : ج6/390 ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ج2/215 ، وفي جامع الترمذي ج2/299 ، وابن عبد البر في الاستيعاب ج3/46 ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ج6/295 ،والعلامة محمد بن طلحة في مطالب السؤول /17 ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة صفحة 126 ، كلهم رووا عن أبي ذر الغفاري رحمه الله تعالى بعبارات مختلفة والمعنى واحد قال : ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (ص) إلا بثلاث : بتكذيبهم الله ورسوله ، والتخلف عن الصلاة ، وبغضهم علي بن أبي طالب (ع) .

ونقل ابن أبي الحديد في شرح ‏نهج ‏البلاغة ج4/83 / ط دار إحياء التراث العربي / نقل عن الشيخ أبي القاسم البلخي أنه قال : وقد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب فيها عند المحدثين ، على أن النبي (ص) قال : لا يبغضك إلا منافق و لا يحبك إلا مؤمن ، و روى حبة العرني عن علي (ع) أنه قال : إن الله عز و جل أخذ ميثاق كل مؤمن على حبي و ميثاق كل منافق على بغضي فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني و لو صببت الدنيا على المنافق ما أحبني.

و روى عبد الكريم بن هلال عن أسلم المكي عن أبي الطفيل قال: سمعت عليا (ع) و هو يقول : لو ضربت خياشيم المؤمن بالسيف ما أبغضني و لو نثرت على المنافق ذهبا و فضة ما أحبني إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبي و ميثاق المنافقين ببغضي فلا يبغضني مؤمن و لا يحبني منافق أبدا .

قال الشيخ أبو القاسم البلخي : و قد روى كثير من أرباب الحديث عن جماعة من الصحابة قالوا: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ص إلا ببغض علي بن أبي طالب... والأخبار من هذا القبيل كثيرة جدا في كتبكم واكتفينا بما نقلناه رعاية للاختصار .

والآن بعد استماعكم لهذه الروايات ، فكروا .. وأنصفوا .. ! أما كان خروج عائشة على أمير المؤمنين وقتالها له (ع) قتالا لرسول الله وخروجا عليه (ص) ؟ أما كان حرب عائشة مع الإمام علي (ع) ناشئا عن بغضها له وينبئ عن عدائها له (ع) ؟ وقد بين رسول الله (ص) كما ذكرنا أن بغض علي بن أبي طالب وعداؤه كفر ونفاق .

فلا أدري بماذا وكيف توجهون خروج عائشة على الإمام علي (ع) ؟! وبماذا تعذرونها في القتال والحرب . مع وجود هذه الأخبار المعتبرة ؟!

فكروا في هذا الأمر وانظروا بغض النظر عن الحب والبغض والرضا والسخط ، بل انظروا نظر تحقيق وإنصاف ! وأظهروا رأيكم بعيدين عن التعصب والاختلاف . وقبل أن تبدوا رأيكم اسمحوا لي أن أنقل لكم حديثا روته أم المؤمنين عائشة عن رسول الله (ص) وتذكرته الآن ، وهم كما في كتاب مودة القربى للعلامة الهمداني الشافعي / المودة الثالثة / قالت : قال : رسول الله (ص) إن الله عهد إلي من خرج على علي فهو كافر في النار ، قيل : لم خرجت عليه ؟!

قالت : قد نسيت هذا الحديث يوم الجمل حتى ذكرته بالبصرة ، وأنا أستغفر الله !!

الشيخ عبد السلام : إنني أتعجب من اعتراضك على أم المؤمنين عائشة بعدما علمت أنها كانت ناسية لكلام النبي (ص) وحديثه ، ولما تذكرت استغفرت ربها ، والله خير الغافرين .

قلت : يمكن أن نقول بأنها يوم الجمل نسيت هذا الحديث ، ولكنكم تعلمون أنها من حين تحركها من مكة وخروجها على أمير المؤمنين نصحتها سائر زوجات رسول الله (ص) ومنعنها من الخروج ، وذكّرنها بفضائل الإمام علي (ع) ، وما قال رسول الله (ص) في حقه بأن حربه حربي وسلمه سلمي ، ولكنها أبت إلا إثارة الفتنة !!

وإن أعلام مؤرخيكم الذين أرخوا واقعة الجمل وكبار محدثيكم ذكروا أن رسول الله (ص) حذرها أن تكون صاحبة الجمل الأحمر التي تنبحها كلاب حوأب ، وحين خرجت إلى البصرة مرت بمنطقة تسمى الحوأب فنبحتها الكلاب ، فسألت عن اسم المكان ، فقالوا : تسمى الحوأب . فذكرت حديث النبي (ص) وتحذيره لها ، فأرادت الرجوع ، ولكن طلحة والزبير وابناهما غروها وغيروا إرادتها وثبطوها على عزمها الأول ، وهو الخروج والفتنة ، فتابعت طريقها حتى وصلت البصرة وألبت الجيوش لقتال الإمام علي (ع) وأججت نار الحرب وقتل بسببها آلاف المسلمين ، فهل تعذروها بعد هذا ، وتقبلون قولها بأنها نسيت ؟! فأي نسيان هذا بعد التذكر ؟!(20)

ألم تكن هذه المخالفات منها للقرآن الحكيم وللنبي الكريم (ص) وصمات عار في تاريخها؟!

هل أن خروجها على الإمام علي (ع) وقتالها له كان حقا أم باطلا ؟ فإذا كان باطلا فكل باطل وصمة عار لفاعله ، وان تقولوا كان حقا ، ولستم بقائلين ، فكيف التوفيق بينه وبين الأحاديث الشريفة التي مرت عن طرق محدثيكم وكبار علمائكم ، أن النبي (ص) قال : من آذى عليا فقد آذاني ، وقال : حربه حربي ، وسلمه سلمي ، ولا يبغضه إلا منافق .. وما إلى ذلك .

بالله عليكم أنصفوا !! هل حرب عائشة وطلحة والزبير لعلي (ع) وقتالهم له (ع) كان عن حبهم لعلي أم عن بغضهم له (ع) ؟!

لم لا تنتقدونهم ولا تأخذون عليهم هذه الخطايا الكبرى والمعاصي العظمى ؟! لماذا تمرون على هذه الحوادث مر الجاهلين والغافلين ، ولكن تأخذون على الشيعة بأشد ما يكون ، لأنهم ينتقدون أعمال الصحابة ، ويميزون بين الحق والباطل فيمدحون أهل الحق ويفضحون أهل الباطل أيا كانوا ؟ والجدير بالذكر أننا لا نروي في الصحابة وأفعالهم القبيحة إلا ما رواه محدثوكم وعلماؤكم ، فلماذا لا تنتقمون عليهم ، ولا ترفضون رواياتهم ولا تنفون كتبهم ولا تردونها ؟ بل هذه الكتب التي ننقل عنها كلها عندكم معتبرة ومقبولة وتطبع في البلاد السنية وعواصمهم ، مثل مصر وبغداد ولبنان وغيرها ، من باب المثال يقول العلامة المسعودي في كتابه مروج الذهب ج2 /7 ، وهو يتحدث عن وقعة الجمل ، وهجوم أصحاب عائشة على أصحاب عثمان بن حنيف بعد المعاهدة كما ذكرنا فقال : فقتل منهم سبعون رجلا غير من جرح ، وخمسون من السبعين ضربت رقابهم صبرا بعد الأسر ، وهؤلاء أول من قتلوا ظلما في الإسلام .

هذا الخبر إذا نقله مؤرخوكم لا يحز في نفوسكم ولكن إذا نقله أحد الشيعة وقال إن هذا العمل كان ظلما قبيحا من عائشة وأصحابها ، تثور نفوسكم وتنفجر غيرتكم وتشتعل نيران التعصب فيكم ، فترموننا بالكفر والضلالة وتبيحون لأتباعكم دماء الشيعة وأمولهم !!

الشيخ عبد السلام : لا يجوز عندنا التدخل في الحوادث التي جرت بين صحابة رسول الله (ص) ، فإنا ننظر إليهم جميعا بعين الإكبار والاحترام ، فإنهم وإن اختلفوا بينهم ولكن الكل كانوا يدعون إلى الله ، ومن توجه منهم إلى خطئه وانحراف مسيره عن الحق ، فقد تاب واستغفر مثل الزبير (رض) في البصرة وكذلك أم المؤمنين عائشة (رض) فإنها تبعت طلحة والزبير وأخذت بقولهما ، ولكنها بعد ذلك عرفت بطلان كلامهما وأنهما أغرياها وحملاها معهما إلى البصرة ، فاستغفرت وتابت ، والله خير الغافرين ، وهو يقبل التوبة من عباده وهو أرحم الراحمين .

قلت : أولا : قولك : فإنهم وإن اختلفوا بينهم ولكن الكل كانوا يدعون إلى الله . فهو مغالطة وكلام باطل ... ، لأن سبيل الله عز وجل واحد وصراط الحق واحد كما قال تعالى :

( وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )(21).

وقال سبحانه : ( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي وَ سُبْحانَ اللَّهِ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )(22).

ثانيا ...

وأما قولك : بأن الزبير بعدما توجه إلى خطئه وانحرافه عن الحق تاب واستغفر . فأقول : نعم تاب ولكن لم يعمل بشرائط التوبة ، فقد كان الواجب عليه أن يسعى في رد من أغراهم فيهديهم إلى الحق الذي عرفه في جانب الإمام علي (ع) ، وكان يلزم أن ينضم هو أيضا تحت راية الحق وجيش أمير المؤمنين (ع) ولا ينعزل عن الميدان والمجاهدة .

وأما عائشة فإن عصيانها وذنبها معلوم لكل الناس ، ولكن توبتها غير معلومة ، وهي كذلك ما عملت بشرائط التوبة بل ارتكبت بعد ذلك أيضا أشياء تكشف عن حقدها وبغضها لآل رسول الله (ص) ثم أن قولك : والله خير الغافرين وهو يقبل التوبة من عباده وهو أرحم الراحمين.

كل ذلك صحيح ومقبول ولكن حفظت شيئا وغابت عنك أشياء ، فقد قال سبحانه : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً )(23).

وكلنا نعلم أن عائشة كانت عالمة غير جاهلة وكانت في خروجها على الإمام وقتالها لعلي (ع) عامدة غير ساهية ، وقد نصحتها أم سلمة قرينتها ، ونحها الإمام علي (ع) ، وكثير من الصحابة ، أن لا تخرج من بيتها ولا تغتر بطلحة والزبير ومروان وأمثالهم ، وقد حذرها رسول الله (ص) قبلهم ، وأمرها الله عز وجل في كتابه بقوله : ( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأُْولى )(24) فما اعتنت بكل ذلك وخرجت وأحدثت ما أحدثت !! فكيف نحتم بأن الله سبحانه قبل توبتها وهي عالمة عامدة في المعصية ؟!

ثالثا ... قولك : بأن طلحة والزبير أغرياها وحملاها إلى البصرة ، وأنها عرفت بطلان كلامهما بعد ذلك ... الخ فإن قولك هذا يكشف بأن الحديث الذي تروونه عن النبي (ص) : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " كذب وافتراء على رسول الله وهو حديث موضوع مجعول ، لأن عائشة وآلاف المسلمين اقتدوا بطلحة والزبير وهما من كبار الصحابة وما اهتدوا بل ضلوا وخسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين !!!

النواب : سيدنا المكرم ! قلتم خلال كلامكم أن أم المؤمنين (رض) بعد توبتها من حرب الجمل أيضا ارتكبت أشياء تكشف عن حقدها وبغضها لآل النبي (ص) فلو سمحت ، بين لنا تلك الأشياء بشكل واضح حتى نعرف واقع الأمر .

يوما على جمل ... ويوما على بغل

قلت : مما لا شك فيه أن عائشة كانت امرأة غير هادئة وغير رزينة فقد قامت بحركات لا يقبلها الدين القويم ولا العقل السليم ، وإن كل حركة من تلك الحركات تكفي في تسويد تاريخها بوصمات الذنب والمعصية ، منها واقعة الجمل ، وكلكم تقبلون أنها بعملها في البصرة خالفت الله ورسوله ، وهي أيضا قد اعترفت بخطئها ، ولكن تقولون أنها تابت واستغفرت ، فإذا هي ندمت وتابت ، كان اللازم عليها أن توالي آل البيت النبوي ، ولكنها خرجت مرة أخرى وكشفت عن ضميرها الممتلئ عداوة لآل محمد (ص) وذلك يوم تشييع جنازة الإمام الحسن بن علي (ع) سبط رسول الله (ص) ومنعت من دفنه عند جده كما روى كثير من علمائكم ، منهم العلامة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص 193 ، ط. بيروت ، والعلامة ابن أبي الحديد في شرح النهج ج16 / 14 ، عن المدائني عن أبي هريرة ، وأبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين / 74 ، وفي روضة الصفا لمحمد خاوند / ج2 ، قسم وفاة الحسن [ عليه السلام ] ، وتاريخ ابن الأعثم الكوفي ، وفي روضة المناظر ابن شحنة ، وأبو الفداء إسماعيل في كتابه المختصر في أخبار البشر ج1 / 183 ط. مصر والعلامة المسعودي صاحب مروج الذهب ، نقل في كتابه إثبات الوصية 136 : أن ابن عباس قال لها ـ أي لعائشة ـ أ ما كفاك أن يقال يوم الجمل حتى يقال يوم البغل ، يوما على جمل و يوم على بغل بارزة عن حجاب رسول الله (ص) تريدين إطفاء نور الله وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ـ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ .

ونقل بعض المحدثين أنه قال لها :

تجملت تبغلت و إن عشت تفيلت ‏* لك التسع من الثمن و في الكل تصرفت

وأراد الهاشميون أن يجردوا السلاح لأن بني أمية تسلحوا أيضا ليمنعوا من دفن الحسن المجتبى (ع) عند جده رسول الله (ص) بأمر عائشة ، ولكن الحسين (ع) تدارك الموقف فقال : الله الله يا بني هاشم لا تضيعوا وصية أخي واعدلوا به إلى البقيع ، والله لولا عهد إلي أن لا أريق في أمره محجمة دم لدفنته عند جدنا رسول الله (ص) مهما بلغ الأمر ! فدفنوه في البقيع(25).

فرحة عائشة لشهادة الإمام علي (ع)

وإذا كانت عائشة نادمة على خروجها وتابت من قتالها وحربها للإمام علي (ع) ، فلماذا أظهرت الفرح حين وصلها خبر شهادة أمير المؤمنين (ع) وسجدت شكرا لله تعالى ؟!

كما أن أب الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني ، روى في كتابه مقاتل الطالبيين / 54 ـ 55 / باسناده إلى اسماعيل بن راشد وهو روى بالإسناد أيضا فقال : لما أتى عائشة نعي علي أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ تمثلت :

فألقت عصاها و استقرت بها النوى * ‏كما قــــر عـــيــــنا بالإياب المسافر

ثم قالت : فمن قتله ؟ فقيل : رجل من مراد ، فقالت :

فإن يك نائيا فلقد نعاه غـــــلام ليس في فيه التراب

فقالت زينب بنت أبي سلمة : أ لعلي تقولين هذا ؟!

فقالت : فإذا نسيت فذكروني !!

ثم روى أبو الفرج بإسناده عن أبي البختري قال :

لما أن جاء عائشة قتل علي (ع) سجدت !!(26).

أيها الحاضرون ! أيها العلماء ! هل بعد هذا الخبر ، تصدقون توبتها ؟ أم تقبلون أنها كانت خفيفة العقل ، وغير رزينة ولا متوازنة في سلوكها ومعاشرتها مع آل رسول الله (ص) ؟!

تناقضات عائشة في عثمان:

والغريب أنكم لا تنقدون أم المؤمنين عائشة لموقفها السلبي تجاه عثمان ، وتأخذون عليها جملاتها وكلماتها الشنيعة في حقه حتى رمته بالكفر ، ولكن تصبون جام غضبكم على الشيعة وترمونهم بالكفر والضلال إذا نسبوا عثمان إلى سوء التدبير والإجحاف ، أو نسبوه إلى إتلاف بيت المال وسوء التصرف ، وهم ينقلون كل ذلك من كتب أعلامكم وروى أكثر محدثيكم وأكبر مؤرخيكم أن عائشة كانت تألب الناس وتحرضهم على قتل عثمان ، منهم المسعودي في كتابه أخبار الزمان ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / 64 ، ط. بيروت ، وأعلام المؤرخين : مثل ابن جرير وابن عساكر وابن الأثير وغيرهم ، ذكروا في أحداث قتل عثمان أن عائشة كانت تحرض على قتله بالجملة المشهورة عنها : اقتلوا نعثلا فقد كفر !!

وذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج6 / 215 ، ط. إحياء التراث قال : قال كل من صنف في السير والأخبار : أن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان ، حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله (ص) فنصبته في منزلها ، و كانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول الله (ص) لم يبل ، و عثمان قد أبلى سنته ! قالوا : أول من سمى عثمان نعثلا عائشة ، و النعثل : الكثير شعر اللحية و الجسد ، و كانت تقول : اقتلوا نعثلا ، قتل الله نعثلا !!

قال : ورى المدائني في كتاب " الجمل " قال : لما قتل عثمان ، كانت عائشة بمكة وبلغ قتله إليها وهي بشراف ، قال : بعد النعثل وسحقا !!

ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج6 صفحة 216 قال : وقد روي من طرق مختلفة أن عائشة لما بلغها قتل عثمان و هي بمكة ، قالت : أبعده الله ! ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد !!

حينما تقرءون في التاريخ أن أم المؤمنين كانت تتفوه وتتكلم بهذه الجملات على عثمان ، لا تحكمون بكفرها وضلالتها !! ولكن إذا سمعتم من شيعي يتكلم بأقل من هذا في عثمان ، تكفروه وتأمرون بقتله !!

والجدير بالذكر أن أقوال عائشة في شأن عثمان متناقضة ، فقد ذكر المؤرخون أنها لما سمعت بأن الناس يايعوا عليا بعد عثمان ، غيرت كلامها وأظهرت بغضها وحقدها لعلي بن أبي طالب (ع) فقالت : لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا .. قتلوا ابن عثمان مظلوما !!

بالله عليكم فكروا في هذا التناقض البين ، والتضارب الفاحش في كلام عائشة ! أما يدل هذا التناقض والتضارب على عدم استقلاليتها ؟ بل هو دليل ظاهر على تلونها وميولها مع أهوائها وتلبيتها لأغراضها النفسية ، وإن النفس لأمارة بالسوء !

الشيخ عبدالسلام : نعم ذكر المؤرخون هذه التناقضات في سيرة أم المؤمنين (رض) ، وهم ذكروا أيضا أنها ندمت وتابت واستغفرت ، والله سبحانه وعد التائبين بقبول التوبة والجنة ، ولذا نحن نعتقد أنها في أعلا درجات الجنان عند رسول الله (ص) .

قلت : إن كلامك تكرار لمقالك السابق ، وأنا لا أكرر كلامي ، و جوابي لك ، ولكن هل من المعقول أن الدماء التي سفكت في الجمل بسببها ، والأموال التي نهبت بأمرها ، والحرمات التي هتكت بنظرها .. تذهب أدراج الرياح ، ولا يحاكمها الله على أعمالها ؟!

أين إذا قول الله سبحانه : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )(27) ؟!

صحيح أن الله عز وجل أرحم الراحمين ، ولكن في موضع العفو والرحمة ، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة .

ولا يخفى أن من شروط قبول التوبة ، رد حقوق الناس وإرضائهم ، فإن الله تعالى ربما يعفو عن حقه ، ولكن لا يعفو عن حقوق الناس . وعائشة تابت بالقول واللسان ، لا بالفعل والجنان ، ولذلك ما كانت مطمئنة من قبول توبتها وغفران الله سبحانه لها وهي أعرف بنفسها ، ولذا ذكر أكابر علمائكم مثل الحاكم في المستدرك ، وابن قتيبة في المعارف ، والعلامة الزرندي في الأعلام بسيرة النبي (ص) ، وكذلك ابن البيع النيسابوري ، وغيرهم ذكروا أن عائشة أوصت إلى عبدالله بن الزبير وسائر محارمها فقالت : ادفنوني مع أخواتي بالبقيع فإني قد أحدثت أمورا بعد النبي (ص) !

أما قولكم بأنها نسيت بعض أحاديث الرسول الله (ص) في شأن الإمام علي (ع) وفضله ومناقبه ، ونسيت تحذير النبي (ص) لها من خروجها على أمير المؤمنين ومحاربتها له (ع) ، وبعدما وضعت الحرب أوزارها وانتهت المعركة بانتصار علي (ع) وجيشه وانكسار عائشة وجيشها ، تذكرت أحاديث رسول الله (ص) وما سمعته من فمه المبارك في ذلك فتابت واستغفرت!!

أم سلمة تُذكّر عائشة

فقد روى كثير من أعلام محدثيكم وكبار علمائكم خلاف ذلك منهم :

ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ج6/217 ، ط دار إحياء التراث العربي روى عن أبي مخنف ـ لوط بن يحيى الأزدي ـ قال : جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان...

فقالت أم سلمة : إنك كنت بالأمس تحرضين على عثمان و تقولين فيه أخبث القول ، و ما كان اسمه عندك إلا نعثلا ، و إنك لتعرفين منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله (ص) أ فأذكرك ؟ قالت : نعم ، قالت : أ تذكرين يوم أقبل (ص) و نحن معه ، حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال ، خلا بعلي يناجيه فأطال ، فأردت أن تهجمي عليهما ، فنهيتك ... فعصيتني ، فهجمت عليهما ، فما لبثت أن رجعت باكية ، فقلت : ما شأنك ؟ فقلت : إني هجمت عليهما و هما يتناجيان فقلت لعلي : ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام ، أ فما تدعني يا ابن أبي طالب و يومي !

فأقبل رسول الله (ص) علي و هو غضبان محمر الوجه ، فقال : ارجعي وراءك ! و الله لا يبغضه أحد من أهل بيتي و لا من غيرهم من الناس إلا و هو خارج من الإيمان !

فرجعت نادمة ساقطة ! قالت عائشة : نعم أذكر ذلك .

ويتابع ابن أبي الحديد رواية أبي مخنف في تذكير أم سلمة لعائشة قالت : و أذكرك أيضا.. كنت أنا و أنت مع رسول الله (ص) و أنت تغسلين رأسه ، و أنا أحيس له حيسا ، و كان الحيس يعجبه ، فرفع (ص) رأسه ، و قال : يا ليت شعري ، أيتكن صاحبة الجمل الأذنب ، تنبحها كلاب الحوأب ، فتكون ناكبة عن الصراط ؟! فرفعت يدي من الحيس ، فقلت : أعوذ بالله و برسوله من ذلك . ثم ضرب (ص) على ظهرك ، و قال : إياك أن تكونيها !! إياك أن تكونيها يا حميراء ! أما أنا فقد أنذرتك !

قالت عائشة : نعم أذكر هذا .

قالت : و أذكرك أيضا ... كنت أنا و أنت مع رسول الله (ص) في سفر له و كان علي يتعاهد نعلي رسول الله (ص) فيخصفها ، و يتعاهد أثوابه فيغسلها ، فنقبت له نعل ، فأخذها يومئذ يخصفها ، و قعد في ظل سمرة ، و جاء أبوك و معه عمر، فاستأذنا عليه (ص) فقمنا إلى الحجاب ، و دخلا يحادثانه فيما أراد ، ثم قالا : يا رسول الله ! إنا لا ندري قدر ما تصحبنا ، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ، ليكون لنا بعدك مفزعا .

فقال (ص) لهما : أما إني قد أرى مكانه ، و لو فعلت لتفرقتم عنه ، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران .

فسكتا ثم خرجا ، فلما خرجنا إلى رسول الله (ص) قلت له ، و كنت أجرأ عليه (ص) منا : من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم ؟

فقال (ص) : خاصف النعل ، فنظرنا فلم نر أحدا إلا عليا ، فقلتِ : يا رسول الله ، ما أرى إلا عليا . فقال : هو ذاك . فقالت عائشة : نعم أذكر ذلك .

فقالت أم سلمة : فأي خروج تخرجين بعد هذا ؟!

فقالت : إنما أخرج للإصلاح بين الناس ، و أرجو فيه الأجر إن شاء الله .

فقالت : أنت و رأيك ، فانصرفت عائشة عنها .

أقول : فاعلموا أيها الحاضرون ! عن عائشة ما كانت ناسية مكانة الإمام علي (ع) عند رسول الله (ص) ومنزلته منه ، بل خرجت عالمة عامدة ، ذاكرة للحق ، داعية للباطل ، عازمة على الحرب والفتنة . وهدفها وغرضها إفساد الأمر على أبي الحسن أمير المؤمنين (سلام الله عليه ) ، وهي تعلم أنه أحق الناس بالأمر وأولاهم بالخلافة للنص الأخير الذي ذكرتها به أم سلمة ( سلام الله عليها ) .

فإن حديث خاصف النعل الذي رواه كثير من أعلامكم بطرق عديدة صريح في تعيين رسول الله (ص) عليا للخلافة والإمامة .

لذلك نحن نعتقد بدليل هذا الحديث وعشرات الأحاديث الصحيحة من نوعه وبأدلة ثابتة من الكتاب الحكيم ، بأن عليا (ع) هو الإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله (ص) ، وهو خليفته بلا فصل ، ولكن مناوئيه وحاسديه غصبوا مقامه وأخروه بدسائس سياسية ومؤامرة شيطانية وعينوا أبا بكر للخلافة من غير نص ولا إجماع ، فإن النزاع كان قائما في السقيفة من جراء ذلك جراء ذلك الانتصاب ، وكلنا يعلم بأن سيد الخزرج سعد بن عبادة كان مخالفا لخلافة أبي بكر إلى آخر عمره وتبعه كثير من قومه . وكذلك الهاشميون كانوا مخالفين ، وبعد خلافة أبي بكر جاء عمر بن الخطاب بانتصاب وتعيين من أبي بكر ، فلا إجماع ولا شورى ! وقد سبق أن بينا مخالفة طلحة وجمع آخر من الصحابة لتعيين عمر وانتصابه للخلافة ، وأما عمر فقد أبدع طريقا آخر لتعيين خليفته ، إذ عين ستة نفر من الصحابة فيهم علي (ع) وعثمان ، وأمر أن يختاروا من بينهم أحدهم ، فإذا لم يتم الوفاق على أحد منهم خلال ثلاثة أيام ، أصدر حكم إعدامهم وقتلهم !! وقد آل الأمر إلى عثمان .

فنحن نعتقد أن هذه الطرق المتناقضة في تعيين الخلفاء الثلاثة ، قبل الإمام علي (ع) ، كلها طرق غير مشروعة ما سنها الله ولا رسوله لأنا لو فرضنا بأن النبي (ص) قال : " لا تجتمع أمتي على خطأ " فلم يلحظ إجماع الأمة في هذه الطرق الثلاثة ، ولكن خلافة الإمام علي (ع) امتازت بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة .

الشيخ عبد السلام : لا شك أن الإجماع حصل على خلافة أبي بكر بالتدريج ، ونحن نقبل بأن الإجماع ما حصل في السقيفة ولكن بعدها دخل الناس كلهم في طاعة أبي بكر (رض) وحتى الهاشميين بما فيهم علي والعباس بايعوا بعد وفاة فاطمة الزهراء ( رضي الله عنها ).

قلت : أولا .. فاطمة الزهراء (ع) وهي سيدة نساء المسلمين بإجماع الأمة ، ما بايعت لابي بكر بل ماتت وهي ساخطة وناقمة عليه كما مر في المجالس السابقة ، كما وقد أيضا في المجالس السابقة بأن سيد الخزرج سعد بن عبادة ما بايع أبا بكر إلى أن قتل غيلة . وهذا يكفي لبطلان الإجماع الذي تدعونه .

ثانيا : لقد أثبتنا في المجالس السالفة أن بيعة كثير من المسلمين في المدينة كانت بالجبر والإكراه لا عن الطوع والرضا ، وهذا خلاف شرط صحة الإجماع .

ثم لو فرضنا تصحيح خلافة أبي بكر بالإجماع المزعوم ، فكيف تصححون خلافة عمر الذي عينه أبو بكر بوصية منه كتبها عثمان ؟!

الشيخ عبد السلام : بديهي بأن قول أبي بكر في تعيين عمر بن الخطاب بالخلافة أيضا مستند على إجماع الأمة ،لأنهم اجمعوا على طاعته وقبول رأيه ، وكان من رأيه تعيين عمر للخلافة بعده .

قلت : أولا .. إن كان كذلك ، فلماذا ما أطعتم رسول الله (ص) في تعيين خليفته ، وهو قد عين عليا وصرح به مرات وكرات من يوم الإنذار إلى يوم الغدير وما بعده ، ولكنكم ترفضونه بحجة أن اختيار الخليفة وانتخابه من حق الأمة وأن نصوص النبي (ص) في علي بن أبي طالب كانت إرشادية ، هذا مع أنه (ص) كان دائما يحذر الناس من مخالفة أمره ومخالفة الإمام علي (ع) ، حتى أننا نرى في بعض الأحاديث المروية عنه (ص) في كتبكم ، يصرح بأن مخالفة علي كفر ، وبغضه نفاق ، وطاعته إيمان .

ثانيا : بأي دليل عقلي أو نقلي تقولون بأن قول الفرد المنصوب بالإجماع ، لا سيما في تعيين خليفته ، يكون قوله لازما وماضيا على الناس ! فإن هذا الأمر يخالف سيرة أهل العالم لا سيما العقلاء منهم . ولكي تعرفوا ذلك فطالعوا الكتب المدونة في قوانين الدول والانتخابات .

ثالثا : إن كان كلامكم صحيحا ، فلماذا لم يعمل عمر بن الخطاب على ما خطه أبو بكر ، بل قام بإبداع طريقة جديدة تخالف مبنى وأساس خلافته وخلافة أبي بكر من قبله . فإن الشورى الذي شكله عمر من ستة أفراد ، لا يشابه مجالس الشورى البشرية ، ولا يشابه الإنتخابات الجمهورية ، بل أقرب ما يكون إلى الاستبداد والديكتاتورية .

وهنا شاط الشيخ عبد السلام ولاح الغضب في وجهه فصاح :

نحن لا نسمح لكم بهذا الكلام ، والمس من شخصية الفاروق ، إلا أن تأتوننا بدليل وبرهان.

قلت : ما ذكره المؤرخون في وصية عمر لأبي طلحة الأنصاري في تشكيل ورجحان الكفة التي فيها عبد الرحمن بن عوف دليل ساطع وبرهان لامع على ما قلنا ، لأنه كان يعرف أن عبد الرحمن بن عوف يميل إلى عثمان وأن سعد بن أبي وقاص حاقد على أبي الحسن وحاسد له ، فلا يميل إلى جانبه (ع) ، فضمن عمر خلافة عثمان بهذه السياسة والكياسة وسماها شورى وما هي بشورى(28) !

شورى أم دكتاتورية !!

ولنا أن نعترض على حكم عمر وتفويضه الأمر النهائي إلى عبد الرحمن بن عوف ، ونتساءل : بأي ملاك وعلى أي استناد شرعي وعرفي وعقلي ونظري يكون رأي ابن عوف مقدما على رأي الآخرين وأصوب ؟ وكيف يكون رأي الثلاثة الذين فيهم ابن عوف نافذا ، والثلاثة الأخرى إن لم توافق فمصيرهم القتل والإعدام ؟!

ومن دواعي التعجب والاستغراب ، تقديم رأي عبد الرحمن بن عوف على رأي أبي الحسن علي بن أبي طالب (ع) في مثل هذا الأمر ، مع روايتهم حديث رسول الله (ص) : علي مع الحق والحق مع علي .

وقوله (ص) : علي فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل .

وقد روى الحاكم في المستدرك ، وأبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ، والطبراني في الأوسط ، وابن عساكر في تاريخه ، والعلامة الكنجي في كفاية الطالب ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ، والحمويني في فرائد السمطين ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والسيوطي في الدر المنثور ، عن ابن عباس ، وسلمان ، وابي ذر ، وحذيفة ، أن النبي (ص) قال : ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب ، فإنه أول من يصافحني يوم القيامة ، و هو الصديق الأكبر و هو فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق و الباطل و هو يعسوب المؤمنين(29) .

وقال (ص) في حديث مشهور لعمار بن ياسر ـ ونقلته لكم بإسناده وذكرت مصادره من كتبكم في الليالي الماضية ـ قال (ص) : يا عمار ! إن سلك الناس كلهم واديا و سلك علي وحده واديا ، فاتبع عليا و خل عن الناس ، يا عمار ! علي لا يردك عن هدى ، و لا يدلك على ردى يا عمار! طاعة علي طاعتي ، و طاعتي طاعة الله .

مع هذا كله يقدم عمر عبد الرحمن بن عوف على الإمام علي (ع) ويقدم رأيه على رأي أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وهذا من الفحش الظلم في حق الإمام أبي الحسن (ع) .

كل عاقل منصف ، له أدنى إلمام بأمور الدولة والسياسة ، يعرف سريرة عمر وغرضه من هذا الأمر ، وهو الإطاحة بعلي (ع) وخذلانه والسعي لتنزيل مقامه الشامخ ، ومكانه العلي .

وكل من له إطلاع وباع في كتب الرجال والأصحاب من قبيل الإصابة والاستيعاب ، وحلية الأولياء وأمثالها ، يعرف جيدا أن عليا (ع) لا يقاس بعبد الرحمن ، وأعلا من سائر أعضاء الشورى في الفضل والمناقب وفي المنزلة والمقام ، وأنتم أيها الحاضرون !

راجعوا كتب الحديث والتواريخ والمناقب وطالعوها وأنصفوا وفكروا ثم احكموا في رأي عمر وتعيينه عبد الرحمن حكما في الشورى ، وترجيح رأيه على الآخرين بما فيهم علي بن أبي طالب (ع) !

والله ما كانت الشورى العمرية إلا لعبة سياسية ومؤامرة تحزبية من مناوئي الإمام علي (ع) ومخالفيه ، ليحرموه عن حقه ويبعدوه من مقامه للمرة الثالثة !!

فالخلفاء " الراشدون عندكم " نالوا الخلافة وتوصلوا إليها بأربعة طرق ، كل واحد منهم وصل إلى الخلافة بشكل خاص وطريقة تخصه ، فلا ندري أي طريقة منها وأي شكل من الأشكال مراد الله سبحانه ومقتضى شريعته ودينه ! فإن تعينوا شكلا واحدا ، فالأشكال الأخرى باطلة ، وإن تقولوا : كل هذه الطرق والأشكال صحيحة وشرعية ، نعرف أنكم لا تلتزمون لتعيين الخليفة والحاكم الشرعي ، بطريق ثابت وقانون معين معلوم .

وأنتم الحاضرون ولا سيما العلماء الكرام ، إذا تركتم التعصب والانحياز إلى مذهب أسلافكم ومعتقد آبائكم ، ونظرتم إلى الحوادث والقضايا بعين الإنصاف والعدالة ، وبنظر التحقيق والدلالة ، لعرفتم أن الحق غير ما تلتزمون به وتعتقدونه .

الشيخ عبد السلام : نعم ولكن لو أمعنا النظر وتعمقنا في الموضوع على أساس بيانكم وغرار كلامكم ، فإن خلافة سيدنا علي بن أبي طالب تتزلزل أيضا ، لأن الناس نصبوه للخلافة وبايعوه هم الذين بايعوا من قبله من الخلفاء الثلاثة الراشدين ، ولا فرق بينه وبينهم .

خلافة الإمام علي عليه السلام منصوصة

قلت : هذا الإشكال يرد على من يعتقد بأن خلافة الإمام علي (ع) ومشروعيتها لإجماع الناس في المدينة بعد مقتل عثمان على خلافة الإمام وبيعتهم له ، ولكنا نعتقد بالدليل والبرهان أن خلافة الإمام علي (ع) منصوصة من الله سبحانه بالأحاديث المكررة من رسول الله (ص) ، وهو الخليفة الشرعي بعد رسول الله (ص) مباشرة وإن غصبوا حقه وأزالوه عن مقامه طيلة سنين عديدة . وحيث لم يجد أعوانا وأنصارا لإحقاق حقه ، أمسى جليس الدار صابرا محتسبا ، حتى أجمع الناس على بيعته بعد مقتل عثمان وألحوا وأصروا عليه ، فقبل منهم البيعة وتعهد إدارة أمور المسلمين .

وقد بينا في المجالس السابقة وذكرنا لكم النصوص المروية في كتبكم ومسانيدكم المعتبرة ، في تعيين النبي (ص) عليا خليفته على الأمة ، وإن نسيتم حديثنا في موضوع الغدير وإمامة علي (ع) وخلافته ، فراجعوا الصحف والمجلات التي نشرت حوارنا ومجالسنا السابقة ، فقد استدللنا وأثبتنا ولاية علي (ع) وخلافته الشرعية بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، وإضافة إلى تواترها في كتب الشيعة فقد ذكرنا عشرات المصادر لها من كتب أعلامكم ومسانيد علمائكم ، فالأحاديث التي ذكرناها في إثبات ولاية الإمام علي (ع) وخلافته متفق عليها وصحيحة بإجماع الشيعة والسنة .

ولكن لا يوجد حتى حديث واحد متفق على صحته بين الفريقين في ولاية وخلافة الثلاثة قبل الإمام علي (ع) ، أو في خلافة أحد الأمويين والعباسيين .

الشيخ عبد السلام : لقد ورد عندنا عن رسول الله (ص) أنه قال : أبو بكر خليفتي في أمتي.

قلت : أولا ... هذا الحديث غير مقبول عندنا ولم يروه أحد من علماء الشيعة ، فضار غير متفق عليه .

ثانيا : لقد ذكرنا أقوال بعض أعلامكم في بطلان الأحاديث الموضوعة في فضل أبي بكر ومناقبه ، وإضافة على ما مضى أنقل لكم قول أحد كبار علمائكم ومشاهير أعلامكم ، وهو الشيخ مجد الدين الفيروز آبادي صاحب كتاب القاموس في اللغة ، قال في كتابه " سفر السعادة " : إن ما ورد في فضائل أبي بكر ، فهي من المفتريات التي يهد بديهة العقل بكذبها .

خلافة علي (ع) أقرب إلى الإجماع من خلافة غيره

ولا يخفى على من تدبر في تاريخ الخلافة ، أن خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) كانت أقرب إلى الإجماع من خلافة الثلاثة قبله ، والذين استولوا على الخلافة بعده من الأمويين والعباسيين .

فقد بينا عدم تحقق الإجماع في الخلفاء الذين تولوا الأمر قبل الإمام علي (ع) وكذلك الذين جاءوا بعده ، فلم يتحقق إجماع الأمة لأحدهم ، والتاريخ يشهد على ذلك ولكن تحقق للإمام علي (ع) ما يقرب من الإجماع ، فإن الذين بايعوه بعد مقتل عثمان كانوا عامة أهل المدينة إلا من شذ ، وهم أقل من عدد الأصابع ، وإضافة على أهل المدينة ، فقد بايعه جمع كثير من أهالي الأمصار الذين كانوا يتوبون عن أهل بلادهم وقومهم ، وهم الذين أقبلوا من البصرة والكوفة ومن مصر وغيرها من بلاد الإسلام ونزلوا المدينة ، فقد بايعه جمع كثير من أهالي الأمصار الذين كانوا ينوبون عن أهل بلادهم وقومهم ، وهم الذين أقبلوا من البصرة والكوفة ومن مصر وغيرها من بلاد الإسلام ونزلوا المدينة المنورة ، ليعزلوا عثمان عن الخلافة ، أو يصلحوه ويصلحوا شأنه ودولته . فلما قتل عثمان ، أجمعوا على بيعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) .

ولا يخفى أن المجتمعين يومئذ في المدينة المنورة ، والذين أجمعوا على بيعة الإمام علي (ع) ، كانوا زعماء القوم وأهل الحل والعقد في أمصارهم وشيوخ أهل بلدانهم .

والجدير بالذكر ، أننا مع تحقق هذا الأمر ـ الذي كان أقرب شيء إلى الإجماع ـ لم نجعله دليلا على خلافة الإمام علي (ع) .

وإنما الدليل الثابت عندنا والبرهان المثبت لخلافة مولانا وسيدنا الإمام علي (ع) هو النص الإلهي في القرآن الحكيم وصريح حديث النبي الكريم (ص) ، وهو مطابق لسيرة جميع الرسل والأنبياء الذين كانوا يعينون أوصياءهم وخلفاءهم بأمر الله سبحانه .

ثالثا : قلتم لا فرق بين أبي الحسن أمير المؤمنين وبين الخلفاء قبله . فلا أدري هل تنطقون بهذا الكلام عن جهل أو تجاهل ؟ لأن الأدلة العقلية والنقلية والشواهد التاريخية والحسية كلها قائمة على أن عليا (ع) يمتاز عن الخلفاء بل عن كل البشر . فلا يقاس به أحد .

امتيازات الإمام علي (ع)

كل من يطالع تاريخ حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من حين ولادته في بطن الكعبة ، إلى استشهاده في سبيل الله في حال العبادة والصلاة في وسط المحراب في مسجد الكوفة ، وينظر بنظر التحقيق والتدقيق في جهاده ومواقفه ، وفي خطبه وكلماته ، وفي حركاته وسكناته ، وفي خوضه الحوادث وانزوائه ... ، لا يشك في أنه (ع) كان شخصية متميزة وفريدة ومن نوادر التاريخ وأعظم نوابغ البشر ، لذلك نرى جميع المسلمين وأكثر أعلامكم وكبار علمائكم إلا من شد ـ وهم من الخوارج والنواصب من الأمويين والبكريين ـ قالوا : بأفضليته ممن سواه بعد رسول الله (ص) ، وذلك استنادا إلى الحديث الشريف المروي عن النبي (ص) في حقه أنقله لكم مضافا إلى ما رويته من كتب أعلامكم في الليالي الماضية في فضائله ومناقبه (ع) .

روى أحمد بن حنبل في مسنده ، والموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب ، والعلامة الهمداني في مودة القربى ، والحافظ أبو بكر البيهقي في السنن وغيرهم عن طرق شتى وعبارات متفاوتة في الألفاظ والمعنى واحد ، عن النبي (ص) قال : علي أعلمكم وأفضلكم وأقضاكم والراد عليه كالراد علي ، والراد كالراد على الله ، وهو على حد الشرك بالله .

وقال ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة / بعد ذكره أقوال المشاهير تحت عنوان ( القول فيما يذهب إليه أصحابنا المعتزلة ، في الإمامة والتفضيل ) قال : و أما نحن فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا البغداديون ، من تفضيله (ع) و قد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل و هل المراد به الأكثر ثوابا أو الأجمع لمزايا الفضل و الخلال الحميدة ؟ و بينا أنه (ع) أفضل على التفسيرين معا .

وهنا ارتفع صوت المؤذن لصلاة العشاء ، وبعد الفراغ من الصلاة ، شربنا الشاي ، وتناولنا الفاكهة ، ثم شرعنا في الحديث :

أصول الفضل والكمال

قلت : تعقيبا لكلام ابن أبي الحديد ، أطرح عليكم هذا السؤال : ما هي رؤوس الفضل وأصول الكمال عندكم ؟؟

الشيخ عبدالسلام : ـ بعد أن أطرق برأسه مليا ، رفعها وقال ـ : هي كثيرة ولكن أهمها بعد الإيمان بالله وبرسوله ، النسب الطاهر وطيب المولد والمنبت ، والعلم والتقوى .

قلت : أحسنت يا شيخ ، فلنبحث في هذه الأمور التي أشرت إليها ونحن نوافقكم على أن هذه من أمهات الفضائل والكمالات البشرية . ولا ننكر أن بعض الصحابة كانت فيهم خصائص وخصال حميدة ، ولكن من كان جامعا لهذه الصفات الثلاثة التي أشرتم إليها بأنها أمهات الفضائل وأصول الكمال ، فهو أفضلهم وأكملهم ، وبحكم العقل والعقلاء يكون أحق بالخلافة من سائر الصحابة .

طهارة نسب ومولد الإمام علي (ع)

أما في النسب والمولد فلا يشك أحد بأن الإمام علي (ع) أشرف الصحابة في النسب ، وأفضلهم في المولد والمنبت ، لأنه يساوي النبي الأكرم (ص) في ذلك (30)، فأما النسب فواضح ، وأما المنبت فقد ذكر المؤرخون كلهم أن النبي (ص) بعد وفاة جده عبد المطلب ، انتقل إلى بيت أبي طالب وكان عمره الشريف يومئذ ثمان سنين ، فتكفله عمه ورعاه أتم وأجمل رعاية .

فكما حارت العقول في شخصية النبي (ص) وحقيقته ، بهرت العقول أيضا في شخصية علي وحقيقته ، حتى أن المتعصبين من أعلامكم مثل علاء الدين القوشجي ، والجاحظ وهو يعد من النواصب ، وسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ، وغيرهم قالوا : إننا حيارى ولا ندري كيف نفسر كلام علي بن أبي طالب إذ يقول : نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد .

وقال (ع) أيضا في الخطبة الثانية من نهج البلاغة :

لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ (ص) مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ وَ لا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَ عِمَادُ الْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِي‏ءُ الْغَالِي وَ بِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَ الْوِرَاثَةُ ، الآْنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَ نُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ(31).

واعلموا أن اعتقاد كثير من كبار علماء السنة وأعلامهم في الإمام (ع) هو كذلك .

فقد روى العلامة الهمداني في كتابه مودة القربى / المودة السابعة عن أبي وائل عن ابن عمر (رض) قال : كنا إذا عددنا أصحاب النبي (ص) قلنا أبو بكر وعمر وعثمان . فقال [له] رجل : يا أبا عبدالرحمن ، فعلي ما هو ؟ قال : علي من أهل البيت لا يقاس به أحد هو مع رسول الله (ص) في درجته .

وروى العلامة الهمداني أيضا عن أحمد بن محمد الكرزي البغدادي قال : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سألت أبي عن التفضيل فقال : أبو بكر وعمر وعثمان ، ثم سكت . فقلت : يا أبت أين علي بن أبي طالب ؟ فقال هو من أهل البيت ، لا يقاس به هؤلاء .

أقول والذي يدل على أن هؤلاء وغيرهم من الصحابة لا يقاسون به ، أنه (ع) كرسول الله (ص) خلق في عالم الأنوار قبل أن يظهر في عالم الأكدار ، والفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض .

النبي (ص) وعلي (ع) من نور واحد

روى جماعة من الأعلام والحفاظ من علمائكم ، منهم أحمد بن حنبل في المسند ، والشيخ محمد بن طلحة العدوي القرشي في كتاب مطالب السئول ، والحافظ ابن المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب / حديث رقم 130 / بسنده عن النبي (ص) قال : كنت أنا و علي نورا بين يدي الله من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله تعالى آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم يزل في نور واحد حتى افترقنا في صلب عبدالمطلب ، ففي النبوة وفي علي الخلافة .

وقد فتح العلامة الهمداني باب في كتابه مودة القربى بعنوان / المودة الثامنة في أن رسول (ص) وعليا من نور واحد ، وأعطي علي من الخصال ما لم يعط أحد من العالمين .

فنقل أخبار كثيرة عن رسول الله (ص) بطرق شتى ، منها ما رواه عن عثمان بن عفان عن النبي (ص) قال : خلقت أنا و علي نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف عام ، فلما خلق الله تعالى آدم ركب ذلك النور في صلبه ، فلم يزل شيئا واحدا حتى افترقنا في صلب عبدالمطلب ، ففي النبوة وفي علي الوصية .

وروى أيضا عن علي (ع) قال : قال رسول الله (ص) : يا علي ! خلقني الله وخلقك من نوره ، فلما خلق آدم (ع) أودع ذلك النور في صلبه ، فلم نزل أنا وأنت شيئا واحدا ثم افترقنا في صلب عبدالمطلب ، ففي النبوة وفي علي الوصية والإمامة .

ونقل ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج9 / 171 ط. دار إحياء التراث / الخبر الرابع عشر : " كنت أنا و علي نورا بين يدي الله قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر آلاف عام ، فلما خلق آدم قسم ذلك فيه وجعله جزءين ، جزء أنا و جزء علي " قال ابن أبي الحديد : رواه أحمد في المسند وفي كتاب فضائل علي (ع) ، وذكره صاحب كتاب الفردوس ، وزاد فيه : ثم " انتقلنا حتى صرنا في عبد المطلب ، فكان لي النبوة ولعلي الوصية " .

وروى الحافظ القندوزي في كتابه ينابيع المودة في الباب الأول روايات كثيرة في الموضوع عن جمع الفوائد ، ومناقب ابن المغازلي وعن الفردوس للدليمي وفرائد السمطين للحمويني ومناقب الخوارزمي نعم روى المؤيد الخوارزمي في الفصل الرابع من كتابه المناقب وأيضا في الفصل الرابع من كتابه مقتل الحسين (ع) روايات شتى في الموضوع .

وكذلك روى في الموضوع سبط ابن الجوزي في التذكرة / 50 ط. مؤسسة أهل البيت بيروت ، وابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة ، والعلامة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب / الباب 87 نقل عن محدث الشام ابن عساكر وعن محدث العراق وعن معجم الطبراني بإسنادهم بطرق شتى وعنوانه ( الباب السابع والثمانون : في أن عليا خلق من نور النبي (ص) ) وحيث أن الروايات في الموضوع منقولة بألفاظ شتى وكلمات مختلفة والمعنى واحد ، فأقول : ربما صارت الروايات من رسول الله (ص) في بيان هذا الموضوع كرات ومرات عديدة لأهميته .

أجداد الإمام علي (ع) وآباؤه مؤمنون

ولقد ثبت أن أجداد الإمام علي (ع) كلهم كانوا مؤمنين ولم يشركوا بالله طرفة عين ، فأن الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة التي حملته وتناقلته هي الأصلاب والأرحام التي حملت رسول الله (ص) وقد طهرها الباري عز وجل من درن الشرك وأقذار الجاهلية ، فهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن نضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميس بن نبت بن سلامان بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الله بن تارخ بن تاحور بن شاروع بن أرغو بن تالغ بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوه بن بارد بن مهلائل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم ابي البشر(ع) هؤلاء كلهم كانوا مؤمنين بالله تعالى ، يعبدونه ولا يشركون به شيئا .

الشيخ عبد السلام : ولكن القرآن الحكيم يصرح بخلاف هذا الكلام ، فقد قال تعالى في سورة الأنعام آية 74 : ( وَ إِذْ قالَ إبراهيم لابيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

آزر عم إبراهيم (ع)

قلت : كلام الشيخ واصل إليه من أسلافه ، وهم لما رأوا نسب شيوخهم وزعمائهم من الصحابة ينتهي إلى الكفر والشرك ، أرادوا دفع هذا النقص ورفع العيب عنهم ، فتفوهوا بهذا الكلام وعابوا على خير الأنام ، وقال بأن آزر أبا إبراهيم الخليل كان يعبد صنما ، وكلكم تعلمون أن علماء الأنساب أجمعوا على أن والد إبراهيم الخليل (ع) كان تارخ ، وآزر كان عمه .

الشيخ عبد السلام ـ متعجبا ـ : إنكم تقابلون القرآن الحكيم بكلام علما الأنساب !! فإن الله سبحانه يصرح بأن آزر أبا إبراهيم كان يعبد الأصنام ونحن نأخذ بظاهر القرآن ونترك قول من خالفه ، لأن الظاهر نص وخلافه اجتهاد .

قلت : نحن لا نجتهد في مقابل النص ، وإنما نقابل النص بالنص ونستخرج المعنى المعقول المفهوم من النصين ، فإن القرآن في كثير من الأمور يفسر بعضه بعضا . وما اشتبه علينا تفسيره فنرجع به إلى قول العترة الهادية الذين عينهم رسول الله (ص) لذلك إذ قال : إني تارك فكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي .

وهم قالوا بأن آزر كان عم إبراهيم الخليل ، فلما توفي تارخ والد إبراهيم ، تزوجت أمه بآزر ، فكان إبراهيم يناديه بالأب ، وهو شيء شائع في العرف .

الشيخ عبدالسلام : نحن لا نترك ظاهر الآية الشريفة : ( وَ إِذْ قالَ إبراهيم لأبيهِ آزَرَ ) إلا أن تأتوا بآية من القرآن الحكيم تفسر كلمة الأب بالعم ، وهذا لا يوجد في القرآن .

قلت : لا تنفي ذلك ، لأن علمك ناقص بمفاهيم القرآن الحكيم ، وما تجهله من هذا الكتاب العظيم أكثر مما تعلمه .

ولكي يتضح لك أن كلمة الأب جاءت بمعنى العم في القرآن الحكيم ، فراجع سورة البقرة / الآية 133 في قوله تعالى : (إِذْ قال(32) لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إبراهيم وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً ) .

الشاهد والدليل في الآية " إسماعيل " لأنه كان عم يعقوب وإسحاق هو أبو يعقوب . ولكن أولاد يعقوب عدوا إسماعيل أبا ليعقوب في عداد أبويه إبراهيم وإسحاق .

دليل آخر

وعندنا دليل آخر من القرآن الحكيم في أن آباء النبي (ص) كلهم كانوا مؤمنين بالله يسجدون له وحده ويعبدونه إلها واحدا وهو قوله تعالى مخاطبا لنبيه (ص) : ( وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )(33) روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع لمودة / الباب الثاني / وغيره أيضا من علمائكم رووا عن ابن عباس حبر الأمة وهو من تعلمون مقامه من المفسرين ، قال : أي تقلبه (ص) من أصلاب الموحدين ، نبي إلى نبي ، حتى أخرجه الله من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم .

وروى العلامة القندوزي حديثا آخر في الباب ورواه أيضا جمع من علمائكم منهم الثعلبي في تفسيره ، عن رسول الله (ص) قال : أهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم وجعلني في صلب نوح في السفينة وقذف بي في صلب إبراهيم ثم لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام المطهرة حتى أخرجني من بين أبوين لم يلتقيا على سفاح قط .

وفي رواية أخرى قال (ص) : لم يدنسني بدنس الجاهلية .

وروى القندوزي أيضا في الباب الثاني قال : وفي كتاب أبكار الأفكار للشيخ صلاح الدين بن زين الدين الشهير بابن الصلاح (قدس سره ) قال جابر بن عبدالله الأنصاري (رض) سألت رسول الله (ص) عن أول شيء خلقه الله تعالى ، قال (ص) : هو نور نبيك يا جابر ـ والرواية مفصلة وطويلة لا مجال لذكرها كلها ، وجاء في آخرها : وهكذا ينقل الله نوري من طيب إلى طيب ، ومن طاهر إلى طاهر إلى أن أوصله إلى صلب أبي عبد الله بن عبد المطلب ، ومنه أوصله الله إلى رحم أمي آمنة ، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ، ومبعوثا إلى كافة الناس أجمعين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين ، هذا كان بدء خلق نبيك يا جابر .

ثم قال القندوزي : وفي شرح الكبريت الأحمر للشيخ عبد القادر روى الحديث المذكور عن جابر بن عبد الله أيضا إلى آخره .

فقوله (ص) : وهكذا ينقل الله نوري من طيب إلى طيب ، ومن طاهر إلى طاهر ، دليل على أنهم كانوا مؤمنين بالله وموحدين له . فبرأهم الله تعالى من الكفر والشرك ، إذ يقول الله سبحانه : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)(34).

وكذلك روى القندوزي في الباب الثاني من ينابيع المودة عن ابن عباس عن النبي (ص) أنه قال : ما ولدني في سفاح الجاهلية شيء وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام .

وفي نهج البلاغة / خطبة رقم 94 يصف بها الأنبياء الكرام لا سيما خاتمهم وسيدهم ، فقال : ... فاستودعهم في أفضل مستودع و أقرهم في خير مستقر. تناسختهم [ تناسلتهم ] كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام ... حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمد (ص) فأخرجه من أفضل المعادن منبتا ، و أعز الأرومات مغرسا ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه و انتجب منها أمناءه .

ولو أردنا جمع الأخبار والروايات الواردة عن طرقنا وطرقكم لبلغ مجلدا ضخما ، ولكن في المنقول كفاية لمن أراد الهداية واتباع الحق ، فإن الحق الذي يظهر من هذه الروايات والآيات يدل على أن آباء النبي (ص) وأجداده كانوا موحدين لله سبحانه مؤمنين به عز وجل ، ومنه يثبت هذا الأمر لعلي بن ابي طالب (ع) أيضا ، لأنهما صلوات الله عليهما وآلهما من شجرة واحدة ونور واحد ، كما تواتر عن طرق الشيعة ورواه أيضا كثير من أعلامكم وكبار علمائكم أن النبي (ص) قال : أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى .

وقال (ص) : خلقت أنا وعلي من نور واحد .. الخ ، وقد ذكر بعض مصادره من كتب أعلامكم .

فبحكم العقل ورأي العقلاء ، فإن علي بن أبي طالب (ع) أحق من غيره بخلافة النبي (ص) لأنه أقرب الناس إليه في المقام والمنزلة ، مع هذه المشابهات والمقارنات بينهما عليهما السلام(35).

الشيخ عبد السلام : إذا أثبتم بهذه الأدلة أن آباء النبي (ص) من عبد الله إلى آدم كلهم كانوا مؤمنين بالله سبحانه فيتعين ذلك فيه ويكون من خصائصه ، فلا تشمل الأدلة والد علي كرم الله وجهه ، فقد ثبت أن أبا طالب مات مشركا ولم يؤمن بالله سبحانه .

إيمان ابي طالب عليه السلام

قلت : نعم .. لقد اختلف المؤرخون في إيمان أبي طالب (ع) ولكن المحقق المنصف يعرف إن القول بكفر أبي طالب وشركه صادر من أعداء الإمام علي (ع) ومناوئيه من الخوارج والنواصب ، أرادوا بذلك الحط من كرامة الإمام علي (ع) ، وتنزيل مقامه المنيع ، وتقليل شأنه الرفيع .

ثم إن بعض الأعلام قد نقلوا هذا الخبر من غير تحقيق وتدبر ، وتناقله آخرون من كتاب إلى كتاب بغير تعمق وتفكر ، حتى آل اليوم إليكم ، وأنتم تنقلونه وترسلونه إرسال المسلمات ، ولو كنتم تتدبرون في الأخبار ، وتنقلون الروايات بعد التحقيق ، مما تفوهتم بهذا الكلام ، وما قلتم إن أبا طالب (ع) مات مشركا إذ أن جمهور علماء الشيعة وأهل البيت (ع) الذين جعلهم النبي (ص) أعلام الهداية وعدل القرآن الحكيم ، وكذلك كثير من أعلامكم مثل ابن أبي الحديد ، وجلال الدين السيوطي ، وأبي القاسم البلخي ، والعلامة أبي جعفر الإسكافي ، وآخرين من أعلام المعتزلة ، والعلامة الهمداني الشافعي ، وابن الأثير ، وغيره ذهبوا إلى أن أبا طالب عليه السلام أسلم في حياته واعتنق الدين الحنيف ومات مؤمنا ، بل اعتقاد الشيعة في أبي طالب (ع) انه آمن بالنبي (ص) في أول الأمر ، وأما إيمانه بالله سبحانه كان فطريا ولم يكفر بالله طرفة عين ، وكما في الأخبار المروية عن أعلام العترة وأهل البيت (ع) ، أنه لم يعبد صنما قط ، وكان على دين إبراهيم الخليل (ع) وهو يعد من أوصيائه .

وأما قول أعلامكم ومؤرخيكم وعلمائكم المحققين منهم أنه أسلم ، فقد قال ابن الأثير في كتاب جامع الأصول : وما أسلم من أعمام النبي غير حمزة والعباس وأبي طالب عند أهل البيت (ع) .

ومن الواضح أن إجماع أهل البيت (ع) مقبول عند المسلمين ولا يحق لمؤمن أن يرده ، لأن النبي (ص) جعلهم عدل القرآن ، وارجع إليهم المسلمين في الأمور التي يختلفون فيها ، وجعل قولهم الفصل والحجة والحق ، وقال (ص) : ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا . فجعل كلام الله وأهل البيت أمانا من التيه والضلال .

وعلى القاعدة المشهورة : أهل البيت أدرى بما في البيت ، فهم أعلم بحال آبائهم وتاريخ حياة أسلافهم .

فالغرابة والعجب منكم إذ تتركون قول أهل البيت الطيبين (ع) ، وتتركون قول أمير المؤمنين وسيد الصديقين والصادقين الذي شهد الله ورسوله بصدقه وتقواه ، ثم تأخذون كلام المغيرة بن شعبة الفاجر وتصدقون بني أمية والخوارج والنواصب ، المخالفين والمناوئين للإمام علي (ع) ، الذين دعاهم الحقد والحسد ، إلى جعل الأخبار والروايات الموضوعة ، للحط من كرامة الإمام علي (ع) وتصغير شخصيته العظيمة ، وللأسف إنكم تتمسكون بتلك الأخبار الموضوعة من غير تدبر وتحقيق ، وترسلونها إرسال المسلمات ، وتؤكدون على صحتها بغير علم أتاكم .

قال ابن أبي الحديد في شرح ‏نهج ‏البلاغة ج14/65 ، ط دار إحياء التراث العربي :

و اختلف الناس في إيمان أبي طالب ، فقالت الإمامية و أكثر الزيدية : ما مات إلا مسلما . و قال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك ، منهم الشيخ أبو القاسم البلخي و أبو جعفر الإسكافي و غيرهما.

أقول : والمشهور عندنا أنه ما تظاهر بالإسلام بل أخفى ذلك ليتمكن من نصرة رسول الله (ص) والذب عنه ، فإن المشركين من أهل مكة وقريش ، كانوا يراعون ذمته ويقفون عند حدهم إذا نظروا إليه ، فكانوا يهابون ، ويعظمون جانبه إذ كانوا يحسبوه منهم .

الشيخ عبد السلام : أما سمعتم الحديث المروي عن النبي (ص) في عمه أنه قال : إن أبا طالب في ضحضاح من نار .

قلت : هذا الحديث مثل كثير من الأحاديث المروية في كتبكم ، موضوع وكذب وافتراء على النبي الكريم (ص) . فلا يخفى على المحقق البصير ، والمنصف الخبير ، أن هذا الحديث وما شاكله مجعول وموضوع افتراه أعداء محمد وآل محمد (ع) ، وذلك في عهد الأمويين وخاصة معاوية بن أبي سفيان الذي خصص أموالا طائلة لهذا الغرض الإلحادي . ولو عرفتم راوي هذا الخبر وفسقه وفجوره ، ما شككتم في كذبه وافترائه وعدم صحة أخباره .

فإن الراوي هو المغيرة بن شعبة ، من ألد أعداء الإمام علي (ع) وهو الذي اتهم بالزنا في البصرة وشهد عليه ثلاثة من الشهود عند عمر ، ولما أراد الرابع أداء الشهادة ، قاطعه عمر بجملة فأبى الرابع من أدائها ، فخلص المغيرة ، وأقام الحد على الشهود(36).

ثم نجد في رواته ، عبد الملك بن عمير ، وعبد العزيز الراوردي ، وسفيان الثوري ، الذين عدهم علماؤكم المتخصصين بعلم الرجال في الجرح والتعديل ، مثل الذهبي في ميزان الاعتدال : ج2/ عدهم من الضعفاء ورد رواياتهم ، بل عد سفيان الثوري من المدلسين الكذابين .

فلا أدري كيف تعتمدون على رواية أولئك الكذابين الوضاعين ؟!

الدلائل والشواهد على إيمان أبي طالب عليه السلام

أما الدلائل المثبتة لإيمان أبي طالب (ع) فكثيرة ، ولا ينكرها إلا من كان في قلبه مرض ، منها :

1ـ قول النبي (ص) : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ، وأشار بسبابته والوسطى منضمتين مرفوعين ، نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج14/69 ، ط دار إحياء الكتب العربية ومن الواضح انه (ص) لم يقصد بحديثه الشريف كل من يكفل يتيما ، فإنا نجد بعض الكافلين للأيتام لا يستحقون ذلك المقام وهو جوار سيد الأنام في الجنة ، لأنهم على جنب كفالتهم لليتيم يعملون المعاصي الكبيرة ، والذنوب العظيمة ، التي يستحقون بها جهنم لا محالة .

ولكنه صلوات الله عليه قصد بحديثه الشريف جده عبد المطلب ، وعمه أبا طالب ، الذين قاما بأمره ، وتكفلاه ، وربياه صغيرا ، حتى أنه صلوات الله عليه كان يعرف في مكة بيتيم ابي طالب ، بعد وفاة جده عبد المطلب ، فقد تكفل أبو طالب رسول الله (ص) وكان في الثامنة من العمر ، وكان يفضله على أولاده ويقيه بهم .

2ـ حديث مشهور بين الشيعة والسنة ورواه القاضي الشوكاني أيضا في الحديث القدسي ، أنه قال (ص) : نزل علي جبرئيل فقال : إن الله يقرئك السلام ويقول : إني حرمت النار على صلب أنزلك و بطن حملك و حجر كفلك(37).

لأبي طالب عليه السلام حق على كل مسلم

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج14 / 83 و84 ، ط دار إحياء التراث العربي : و لم أستجز أن أقعد عن تعظيم أبي طالب ، فإني أعلم أنه لولاه لما قامت للإسلام دعامة ، و أعلم أن حقه واجب على كل مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فكتبت :

و لو لا أبو طالب و ابـنـه لما مثل الدين شخصا فقامــا

فذاك بمكة آوى و حـامـى و هذا بيثرب جس الحمامــــا

تكفل عبد منــــاف بأمــــر و أودى فكان علي تمامـــــــا

فقل في ثبير مضى بعد ما قضى ما قضاه و أبقى شماما

فلله ذا فاتحا للهــــــــــدى و لله ذا للمعالي ختامـــــــــــا

و ما ضر مجد أبي طالــب جهول لغا أو بصير تعامـــــى‏

كما لا يضر إياة الصبــاح من ظن ضوء النهار الظلامـا

أشعار أبي طالب عليه السلام في الإسلام

وأدل دليل على إيمان أبي طالب (ع) أشعاره الصريحة بتصديق النبي ودين الإسلام ، المطبوعة في ديوانه وفي كثير من كتب التاريخ والأدب ، وقد نقل بعضها ابن أبي الحديد في شرح ‏نهج ‏البلاغة ج14/71ـ81 ط دار إحياء الكتاب العربي ، منها ميميته المشهورة :

يرجون منا خطـــــة دون نيلـــهـــا ضراب و طعن بالوشيج المقــــــوم

‏يرجون أن نسخى بقتل مـــحـــمــد و لم تختضب سمر العوالي من الدم

‏كذبتم و بيت الله حتى تفـــلـــقــــوا جماجم تلقى بالحطــــيـم و زمــــزم

‏و تقطع أرحام و تنــــــسى حليلـــة حليلا و يغشى محــــــرم بعد محرم

‏على ما مضى من مقتكم و عقوقكم ‏و غشيانكم في أمركم كـــل مـــأثــم

‏و ظلم نبي جاء يدعـو إلى الهدى ‏وأمر أتى من عند ذي العرش قيـم(38)

وإليكم أيضا قصيدته اللامية الشهيرة والتي ذكرها ابن أبي الحديد في شرح النهج وذكرها كثيرة من الأعلام وهي مطبوعة في ديوانه أنقل إلى مسامعكم بعضها :

أعوذ برب البيت من كل طاعـــن‏ علينا بســــوء أو يلـــــوح بباطـــل

‏و مـــن فاجـــر يغتابــنا بمغيبـــة و من ملحق في الدين ما لم نحاول

‏كذبتم و بيـت الله نبــزى محمـــد و لما نطاعــن دونــــه و نناضــــل‏

و ننصره حــتى نصـــرع دونـــه‏ و نذهـل عـــن أبنائنـــــا و الحلائل‏

و ابيض يستسقى الغمام بوجهـه ‏ثمال اليتــامــى عصمـة للأرامــــل

‏يلوذ بــه الهلاك مـــن آل هاشــم‏ فهم عنـــده في نعمــة و فواضــــل

‏ ‏لعمري لقــد كلفــت وجدا بأحمد و أحببته حــب الحبــيب المواصــل

‏و جدت بنفسي دونـــه فحميتـــه ‏و دافعـــت عنــه بالذرى و الكواهل

‏فلا زال للدنيا جمـــالا لأهلــهـــا و شينا لمن عـــادى و زين المحافل

‏و أيــده رب العبـــاد بنـصـــــره ‏و أظهــر ديــــنا حقـــه غيـــر باطــــل

ومن شعره المطبوع في ديوانه ونقله ابن أبي الحديد أيضا :

يا شاهد الله علي فاشهد أني على دين النبي أحمد

من ضل في الدين فإني مهتد

بالله عليكم أنصفوا !! هل يجوز أن ينسب قائل هذه الأبيات والكلمات ، إلى الكفر !!

والله إنه من الظلم والجفاء أن تنسبوا أبا طالب إلى الكفر ، بعد أن يشهد الله سبحانه بأنه ، على دين النبي أحمد (ص) .

الشيخ عبد السلام : أولا : هذه الأشعار ونسبتها إلى أبي طالب أخبار آحاد ، غير متواترة ، ولا اعتبار بخبر واحد .

ثانيا : لم ينقل أحد بأن أبا طالب أقر بالإسلام وتفوه بكلمة التوحيد : لا إله إلا الله . بل قالوا : ما أقر إلى أن مات .

قلت : واعجبا ! إنكم جعلتم حجية التواتر وخبر الواحد حسب ميلكم ، فتارة تتمسكون بخبر الواحد وتصرون على حجيته مثل الخبر الذي رواه أبو بكر عن النبي (ص) : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " قبلتم به مع تعارضه للآيات القرآنية !!

ثم إذا كان التواتر عندكم شرط صحة الخبر ، فكيف تستدلون بحديث رواه المغيرة بن شعبة الفاسق ، بأن أبا طالب في ضحضاح من النار ، وليس لهذا الحديث راو آخر(39).

ولا يخفى على المحقق البصير والمدقق الخبير أن أخبار الآحاد حول إيمان أبي طالب و الأشعار المنسوبة إليه لو جمعت لحصل منها التواتر المعنوي ـ أي حصل منها معنى واحد وهو إيمان ابي طالب ـ فأن كثيرا من الأمور حصل فيها التواتر عن هذا الطريق ، مثل شجاعة الإمام علي (ع) ، فإن أخبار الآحاد عن بطولته في الميادين وجهاده في ساحات القتال ، كشفت عن شجاعته وبسالته بالتواتر .

إقرار ابي طالب (ع) بالتوحيد

وأما قولك : لم ينقل أحد أن أبا طالب أقر بالإسلام والتوحيد ! فهو تحكم وباطل ، فهو إعادة واه بغير أساس ودليل ، لأن الإقرار لا يكون موقوفا على صيغة معينة ، ولا منحصرا بتركيب واحد . بل يحصل بالنثر والشعر بأي شكل كان تركيبه إذا فهم منه الإقرار ، وكان صريحا وبليغا .

والآن أنشدكم الله أيها الحاضرون !! أي إقرار أصرح وأبلغ من هذا الكلام الذي قاله أبو طالب :

يا شاهد الله علي فاشهد أني على دين النبي أحمد

وإضافة على هذا البيت وغيره من أشعاره الصريحة في إيمانه وإسلامه ، فقد روى الحافظ أبو نعيم ، والحافظ البيهقي أن صناديد قريش مثل أبي جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، عادوا أبا طالب في مرضه الذي توفي فيه ، وكان النبي (ص) حاضرا فقال لعمه أبي طالب : يا عم قل لا إله إلا الله ، حتى أشهد لك عند ربي تبارك وتعالى ، فقال أبو جهل وابن أبي أمية : يا أبا طالب أترجع عن ملة عبد المطلب ! وما زالوا به . حتى قال :

اعلموا ... أن أبا طالب على ملة عبدالمطلب ولا يرجع عنها .

فسروا وفرحوا وخرجوا من عنده ، ثم اشتدت عليه سكرة الموت وكان العباس أخوه جالسا عند رأسه ، فرأى شفتيه تتحركان ، فأنصت له واستمع وإذا هو يقول : لا إله إلا الله . فتوجه العباس إلى النبي (ص) وقال يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بها ـ ولم يذكر العباس كلمة التوحيد لأنه كان بعد كافرا ـ .

ولا يخفى أننا أثبتنا من قبل أن آباء النبي (ص) كلهم كانوا موحدين ومؤمنين بالله يعبدونه ولا يشركون به شيئا .

فلما قال أبو طالب في آخر ساعات حياته : اعلموا ... أن أبا طالب على ملة عبد المطلب ، ولا شك أن عبد المطلب كان على ملة أبيه إبراهيم مؤمنا بالله موحدا ، فكذلك أبو طالب (ع) .

مضافا إلى ذلك فقد تفوه ونطق بكلمة التوحيد وسمعه أخوه العباس يقول : لا إله إلا الله .

فإيمان أبي طالب ثابت عند كل منصف بعيد عن اللجاج والعناد .

موقف أبي طالب (ع) من النبي (ص)

إذا كان أبو طالب (ع) مشركا كما يزعم بعض الناس ، كان من المتوقع أن يعارض النبي (ص) من حين إعلانه النبوة والرسالة ، إذ جاء إليه و قال : إن الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك يا عم ؟

فلو كان أبو طالب غير مؤمن بكلامه وغي معتقد برسالته ، لكان من المفروض أن ينتصر لدين قريش ومعتقدات قومه ، فينهاه عن ذلك الكلام ويوبخه ويؤنبه ، بل يحبسه حتى يرجع عن كلامه أو يطرده ولا يأويه ولا يحميه كآزر عم إبراهيم الخليل (ع) فحينما سمع من الخليل كلاما يخالف دينه ودين قومه ، هدده وهجره ، وقد حكى الله سبحانه ذلك في كتابه الكريم سورة مريم / 43 قال حكاية عن قول إبراهيم (ع) : ( إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا ( (قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إبراهيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأََرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا )(40).

ولكن أبا طالب عليه السلام حينما سمع ابن أخيه يقول : إن الله أنبأني واستنبأني ، وأمرني بإظهار أمري ، فما عندك يا عم ؟

أيده وأعلن نصرته له بقوله : أخرج يا بن أخي ! فإنك الرفيع كعبا ، والمنيع حزبا ، والأعلى أبا ، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد ، واجتذبه سيوف حداد ، والله لنذللن لك العرب ذل البهم لحاضنها .

ثم أنشأ قائلا :

و الله لن يصلوا إليـــك بجمعـهــم حتى أوسد فــي التــراب دفينـــا

فانفذ لأمرك ما عليـــك مخـــافـــة و أبشر بذاك و قر منــك عيونا

و دعوتني و زعمت أنك ناصحي فلقد صـدقت و كنــــت قدما أمينا

و عرضت دينا قد علمـــت بأنـــه من خيـر أديـــان البـــريــة دينــا

لو لا الملامــة أو حــذاري سبــه لوجدتنــي سمحــا بذاك مبـــــينـا

ذكر هذا الشعر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج 14 / 55 ط. إحياء الكتب العربية ، ونقله سبط ابن الجوزي في التذكرة : 18 ، ط. بيروت ، وتجده في ديوان أبي طالب أيضا.

ولو راجعتم ديوانه ، وما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، لوجدتم أشعارا أخرى صريحة في تصديق النبي (ص) ، وفي إعلان نصرته والذب عنه .

فأنصفوا أيها الحاضرون ، وخاصة أنتم أيها العلماء ! هل يجوز لكم أن تنسبوا قائل هذه الكلمات إلى الكفر والشرك ؟!

أم إنها تنبئ عن إيمان وإسلام قائلها وأنه مؤمن حقيقي ومسلم ملتزم ومتمسك بما جاء به محمد المصطفى (ص) ؟!

كما اعترف بذلك بعض أعلامكم ، فقد نقل الشيخ الحافظ سليمان القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة / الباب الثاني والخمسون نقل من رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : وحامي النبي ، ومعينه ، ومحبه ، أشد حبا ، وكفيله ، ومربيه ، والمقر بنبوته ، والمعترف برسالته ، والمنشد في مناقبه أبياتا كثيرة ، وشيخ قريش : أبو طالب .

لقائل أن يقول : إذا كانت هذه التصريحات من أبي طالب في تصديق النبي (ص) وتأييده ونصرته والدفاع عنه ، فكيف نجد أكثر المؤرخين وأصحاب السير ذهبوا إلى كفره أو التوقف في إيمانه ؟!

والجواب : إن الدعايات الأموية ـ خاصة في زمان معاوية ـ لعبت دورا هاما في مثل هذه الأمور ، فمن سنحت له الفرصة أن يأمر بسب أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (ع) ويأمر بلعنه ولعن ولديه الحسن والحسين سبطي رسول الله (ص) وريحانتيه وحبيبه ويشتمهم على رؤوس الأشهاد وعلى منابر الإسلام والمسلمين ، حتى صارت هذه المنكرات عادة جارية حتى في قنوت الصلوات وخطب الجمعات ، فمن أتيحت له هكذا فرصة وقام بقلب الحقائق وتغيير الوقائع وتبديل الحق بالباطل وبالعكس ، فهل يأبى من إنكار إيمان أبي طالب (ع) وبث الدعايات في أنه مات كافرا ، أم يعجز من ذلك ويصعب عليه ؟!

والأعجب .. أن معاوية وأباه وكذلك ابنه يزيد ورؤوس الكفر والنفاق ، مع كثرة الدلائل المذكورة في تاريخهم الدالة على كفرهم وإلحادهم وعد إيمانهم ، يظهرون للمسلمين بظاهر الإيمان بل يعد معاوية وابنه من أمراء المؤمنين إلى يومنا هذا ، فهؤلاء مع سوابقهم في محاربة النبي (ص) ، ومعاندتهم للدين ، ودخولهم في الإسلام كرها بعد عام الفتح ، ثم نفاقهم وشقاقهم بين المسلمين وقتالهم لأمير المؤمنين (ع) ، وتحركاتهم العدوانية وأعمالهم الشيطانية على الإسلام ، والقيام بالأعمال الوحشية ، والتهجمات البشعة على بلاد المسلمين والناس الآمنين ، ونهب أموالهم ، وقتل رجالهم ، وهتك أعراضهم مثل هجوم بسر بن أرطاة على الطائف واليمن والأنبار وغيرها ، وهجوم الأعور بني مرة مسلم بن عقبة بجيش الشام على مدينة الرسول (ص) في واقعة الحَرّة ، ونقض معاوية عهده مع الإمام الحسن (ع) وقتله بالسم ، وكذلك قتله حجر بن عدي وأصحابه ، وغيره من صحابة رسول الله (ص) ، وقتل يزيد حسينا (ع) وسبي أهله وحريمه ، وغير ذلك من الأعمال العدوانية والكفر والإلحاد المشهود منهم والمشهور عنهم في التاريخ ، كل هذا وتحسبونه من أمراء المؤمنين ! لعنهم الله !!

ولكن أبا طالب مع تلك المواقف المشرفة ، والسوابق المشرقة التي هي أظهر من الشمس ، تقولون ما آمن ومات مشركا !! أما يكون هذا وذاك من تأثير الدعايات الأموية !!

معاوية خال المؤمنين !!

الشيخ عبد السلام : لا يجوز هذه التعابير السيئة على معاوية ويزيد ، ولا يجوز لعنهما فإنها من كبار خلفاء النبي (ص) ، ولا سيما معاوية (رض) فانه خال المؤمنين وكاتب الوحي ، ولم يقتل الحسن بن علي (رض) ، بل قتلته زوجته جعدة بنت الأشعث .

قلت : من أين جاءه هذا اللقب ؟ وكيف صار معاوية خال المؤمنين ؟!

الشيخ عبدالسلام : لأن أم حبيبة ـ زوجة رسول الله (ص) ـ هي بنت أبي سفيان وأخت معاوية ، تكون أم المؤمنين فيكون أخوها معاوية خال المؤمنين !

قلت : هل أم المؤمنين عائشة ، عندكم مقامها أعلى أم أخت معاوية أم حبيبة ؟

الشيخ عبدالسلام : زوجات رسول الله (ص) وإن كن كلهم أمهات المؤمنين كما هو تعبير القرآن الكريم ، إلا أن عائشة تمتاز عن قريناتها وهي أفضلهن وأعلاهن مقاما(41).

لم لا يلقب محمد بن أبي بكر بخال المؤمنين ؟

قلت : إذا كان معاوية خال المؤمنين لأنه أخ لإحدى زوجات النبي (ص) فجميع أخوات زوجات رسول الله (ص) خالات المؤمنين ، وجميع إخوان زوجات النبي (ص) أخوال المؤمنين ، فلماذا لقبتم معاوية وحده بخال المؤمنين ولم تلقبوا محمد بن أبي بكر وغيره بهذا اللقب ؟!

ثم إذا كانت أخوة معاوية لزوجة النبي (ص) تعد فضيلة وشرفا فأبوة حيي بن أخطب اليهودي لصفية زوجة رسول الله (ص) يجب أن تعد له فضيلة وشرفا أيضا !!

وإنما انفرد معاوية بهذا اللقب ، لأنه تزعم المنافقين والنواصب وقاد جيوش الضلال لحرب أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين علي بن أبي طالب (ع) ، وسن لعنه وسبه على منابر المسلمين !

معاوية : قاتل الإمام الحسن (ع)

وأما قتله للإمام الحسن سبط رسول الله (ص) ، فهو وإن لم يكن فيه مباشرا ، ولكنه كان هو السبب والمحرض في ذلك ، فقد نقل أكثر المؤرخين والمحدثين منهم ابن عبد البر في الاستيعاب ، والمسعودي في إثبات الوصية ، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين روى بسنده عن المغيرة قال : أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث أني مزوجك بيزيد إبني ، على أن تسمّي الحسن بن علي ، وبعث إليها بمائة ألف درهم ، فقبلت وسمت الحسن (42).

وذكر كثير من المؤرخين والمحدثين منهم ابن عبدالبر في الاستيعاب ، وابن جرير الطبري في تاريخه قالوا : لما جاء معاوية نبأ وفاة الحسن بن علي (ع) كبّر سرورا ، وكبّر من حوله وأظهروا الفرح !

فيا شيخ عبد السلام ! بميولكم وأهوائكم تجعلون هكذا مجرم خال المؤمنين ! ولا تلقبون محمد بن أبي بكر بهذا اللقب ، لأنه كان ربيب علي (ع) ومن حواريه وأصحابه الصامدين وشيعته المؤمنين ، ولأنه قال في أهل البيت (ع) :

يا بني الزهراء أنتم عدتي وكم في الحشر ميزاني رجح

وإذا صـــــح ولائــــي لكم لا أبالـــي أي كلــــب قد نبــــح

فهو قول ابن أبي بكر وأخو عائشة أم المؤمنين ، ولا شك أن أبا بكر عندكم أفضل من أبي سفيان وعائشة أعلا مقاما وأجلى رتبة من أم حبيبة . ومع ذلك لا تطلقون على محمد لقب خال المؤمنين ، بل بعض العامة يلعنونه ويتبرءون منه .

ولما دخل عمرو بن العاص ومعاوية بن خديج مصر فاتحين ، حاصروا محمدا ومنعوا عنه الماء ولما استولوا عليه قتلوه عطشانا ، ثم جعلوا جنازته في بطن حمار ميت وحرقوه ، وأخبروا معاوية بذلك ، فأظهر الفرح والسرور وأمر أصحابه أيضا بإظهار الفرح .

والعجب أنكم عندما تسمعون أو تقرؤون هذه الأخبار الفجيعة ، لا تتألمون ولا تتأثرون لما فعل أولئك المجرمون الملعونون بمحمد بن أبي بكر ، ولكن لا تطيقون أن تسمعوا لعن معاوية المجرم وحزبه الظالمين ، فتدافعون عنه وتقولون لا يجوز لعنه ، بل يجب احترامه لأنه خال المؤمنين !!

فلماذا هذا التناقض في الرأي والعقيدة ؟!

أما يكشف هذا عن التعصب والعناد ، وعن التطرف واللجاج !!

هل كان معاوية كاتبا للوحي ؟

من الثابت الذي لا نقاش فيه أن معاوية أسلم بعد الفتح في العام العاشر الهجري ، وقد كان إلى ذلك الزمان جل القرآن الحكيم ـ القريب للكل ـ نازلا على رسول الله (ص) ، وكما ذكر المؤرخون : أن فتح مكة كان في العام الثامن الهجري و فيه أسلم أبو سفيان إلا أن معاوية اختفى وأرسل إلى أبيه كتابا يعاتبه ويؤنبه على إسلامه ، ولما انتشر الإسلام في كل الجزيرة العربية وحتى في خارجها اضطر معاوية أن يسلم ، وبعد إسلامه كان مهانا بين المسلمين ، ينظرون إليه نظرا شزرا ، فتوسط العباس بن عبد المطلب عند رسول الله (ص) أن يفوض إليه أمرا حتى يحترمه المسلمون ويتركوا تحقيره وتوهينه .

فعينه النبي (ص) كاتبا لمراسلاته ، وبه لبى طلب عمه العباس(43) .

دليل كفر معاوية وجواز لعنه

وأما دلائل كفر معاوية وعدم إيمانه وجواز لعنه ، فهي كثيرة ، ولو أردنا نقلها جميعا لاقتضى تأليف كتاب مستقل ، ولكن أنقل لكم بعضها من الكتاب والسنة ، ومن سيرته وسلوكه ضد الإسلام والمسلمين ، منها قوله تعالى : ( وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً )(44).

فقد ذكر أعلام مفسريكم مثل العلامة الثعلبي ، والحافظ العلامة جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ، والفخر الرازي في تفسيره الكبير ، نقلوا في ذيل الآية الشريفة روايات بطرق شتى ، والمعنى واحد وهو أن رسول الله (ص) رأى في عالم الرؤيا بني أمية ينزون على منبره نزو القرود ، فساءه ذلك ، فنزلت الآية ، فبنوا أمية هم الشجرة الملعونة في القرآن والمزيدة بالطغيان .

ولا شك أن رأسهم أبو سفيان ، ومن بعده معاوية ويزيد و مروان .

والآية الثانية ، الدالة على لعن بني أمية ، قوله سبحانه وتعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَْرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى أَبْصارَهُمْ )(45).

ومن أكثر فسادا من معاوية حينما تولى ؟ ومن أقطع منه رحما لرسول الله (ص) ؟! والتاريخ يشهد عليه بذلك ، وليس أحد من المؤرخين ينكر فساد معاوية في الدين وقطعه لأرحام النبي (ص).

والآية الثالثة : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الآْخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً )(46).

وهل تنكرون إيذاء معاوية للإمام علي (ع) ، ولسبطي رسول الله (ص) الحسن والحسين ، ولخواص صحابة النبي (ص) كعمار بن ياسر وحجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي ؟ ثم أما يكون إيذاء أمير المؤمنين وشبليه ريحانتي رسول الله (ص) والصحابة الأخيار ، إيذاء لله ورسوله ؟! فالآيات القرآنية التي تلعن الظالمين كلها تشمل معاوية .

فقد قال عز وجل : ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )(47).

وقال سبحانه : ( أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ )(48) .

وقال تعالى : ( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ )(49).

وهل أحد من أهل العلم والإنصاف ينكر ظلم معاوية ؟!

معاوية .. قاتل المؤمنين

وقال سبحانه وتعالى : ( وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً )(50) وكم قتل معاوية من المؤمنين الأبرار والصحابة الأخيار ؟!

أما ثبت لكم بالروايات التي نقلتها من مصادركم أنه سبب قتل الإمام الحسن سبط رسول الله (ص) بأن دس السم بواسطة زوجته جعدة بني الأشعث ، إذ بعث إليها نالا وأغراها بأن يزوجها ليزيد بن معاوية ، ففعلت ما أراد معاوية ؟!

أما قتل حجر بن عدي صحابي رسول الله (ص) مع سبعة نفر من أصحابه المؤمنين ؟ وقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في الكامل : أن حجر كان من كبار صحابة النبي وفضلائهم ، وقتله معاوية مع سبعة نفر من أصحابه صبرا ، لأنهم امتنعوا من لعن علي بن أبي طالب والبراءة منه .

وذكر ابن عساكر ، ويعقوب بن سفيان في تاريخه ، والبيهقي في الدلائل ، أن معاوية دفن عبد الرحمن بن حسان العنزي حيا ، وكان أحد السبعة الذين قتلوا مع حجر بن عدي .

أما كان قتل عمار بن ياسر صاحب رسول الله (ص) بيد جنود معاوية وعماله في صفين ؟ وقد أجمع المحدثون والعلماء أن رسول الله (ص) قال لعمار : يا عمار ! تقتلك الفئة الباغية .

هل تنكرون حديث النبي (ص) أن تنكرون قتله في صفين بأيدي عمال معاوية وجنوده ؟!

أما سبب معاوية قتل الصحابي الجليل مالك الأشتر غيلة ؟

أما قتل أصحابه محمد بن أبي بكر عطشانا وأحرقوا جسده ؟ ولما سمع معاوية بذلك فرح وأيد عملهم .

أما كان يأمر عماله بقتل شيعة علي بن أبي طالب وأنصار أهل بيت النبوة ؟

أما كان يرسل الجيوش لإبادة المؤمنين واستئصالهم ونهب أموالهم ؟

غارة بسر بن أرطاة

ومن أقبح أعمال معاوية ، وأشنع جرائمه بعثه بسر بن أرطاة الظالم السفاك إلى المدينة ومكة والطائف ونجران وصنعاء واليمن ، وأمره بقتل الرجال وحتى الأطفال ، ونهب الأموال وهتك الأعراض والنواميس ، وقد نقل غارة بسر بن أرطاة على هذه البلاد كثير من المؤرخين منهم : أبو الفرج الأصفهاني ، والعلامة السمهودي في تاريخ المدينة ـ وفاء الوفى ، وابن خلكان ، وابن عساكر ، والطبري في تواريخهم ، ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج2/3ـ18 ط دار احياء التراث العربي ، قال في صفحة 6 : دعا معاوية ـ بسر بن أرطاة ـ و كان قاسي القلب ، فظّا ، سفّاكا للدماء، لا رأفة عنده و لا رحمة، و أمره أن يأخذ طريق الحجاز و المدينة و مكّة حتى ينتهي إلى اليمن، و قال له: لا تنزل على بلد أهله على طاعة عليّ، إلا بسطت عليهم لسانك، حتّى يروا أنّهم لا نجاء لهم و أنّك محيط بهم، ثم اكفف عنهم، و ادعهم إلى البيعة لي، فمن أبى فاقتله، و اقتل شيعة عليّ حيث كانوا .

فامتثل بسر أوامر معاوية وخرج وأغار في طريقه على بلاد كثيرة ، وقتل خلقا كثيرا حتى دخل بيت عبيد الله بن العباس ، وكان غائبا فأخذ ولديه وهما طفلان صغيران فذبحهما ، فكانت أمهما تبكي وتنشد :

ها من أحس بابني اللذين هــمــــا كالدرتين تشظى عنهمـــــا الصدف‏

ها من أحس بابني اللذين هـــمـــا سمعي و قلبي فقلبي اليوم مختطف

‏ها من أحس بابني اللذين هــمــــا مخ العظام فمخي اليوم مزدهــــــف

‏نبئت بسرا و ما صدقت ما زعموا من قولهم و من الإفك الذي اقترفوا

أنحى على ودجي ابني مرهــفـــة مشحوذة و كذاك الإثم يـقــتــــــرف

وقال ابن أبي الحديد في شرح‏ نهج ‏البلاغة ج2/17 : وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا ، وحرق قوما بالنار(51).

وهل أنتم بعد في شك وترديد في كفر معاوية ويزيد ؟! وهل تتورعون بعد عن لعنهما ولعن من رضي بأفعالهما ؟

معاوية يأمر بلعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام !!

من الدلائل الواضحة على كفر معاوية وأصحابه ، أمره بسب الإمام علي عليه السلام ولعنه على منابر المسلمين ، وإجباره الناس بهذا الذنب العظيم ، فسن هذا المنكر في قنوت الصلوات وخطب الجمعات .

وهذا أمر ثابت على معاوية ، سجله التاريخ وذكره المؤرخون من الشيعة والسنة وحتى غير المسلمين ، حتى أنه قتل بعض المؤمنين الذين امتنعوا وأبوا ذلك ، مثل حجر بن عدي وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .

وقد ثبت أيضا عند جميع علماء الإسلام بالتواتر أن رسول الله (ص) قال : من سب عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله .

رواه جمع غفير من أعلامكم منهم : أحمد بن حنبل في المسند والنسائي في الخصائص والثعلبي في تفسيره والفخر الرازي في تفسيره ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة ، والشيخ القندوزي الحنفي في الينابيع ، والعلامة الهمداني في مودة القربى ، والحافظ الديلمي في الفردوس ، والشيخ مسلم بن حجاج في صحيحه ، والعلامة محمد بن طلحة في مطالب السؤول والعلامة ابن الصباغ المالكي في الفصول ، والحاكم في المستدرك ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، والمحب الطبري في الذخائر ، وابن حجر في الصواعق ، وغيرهم من كبار علمائكم .

والخبر الذي رواه أيضا كثير من أعلامكم ومحدثيكم عن النبي (ص) قال : من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فعليه لعنة الله .

وابن حجر روى خبرا أعم وأشمل / في الصواعق / 143 طبع الميمنية بمصر / باب التحذير من بغضهم وسبهم / قال : وصح أنه (ص) قال : يا بني عبد المطلب ! إني سألت الله لكم ثلاثا : أن يثبت قائمكم ، وأن يهدي ضالكم ، وأن يعلم جاهلكم ، وسألت الله يجعلكم كرماء نجباء رحماء ، فلو أن رجلا صفن ـ وهو صف القدمين ـ بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقى الله وهو يبغض آل بيت محمد (ص) دخل النار .

وورد : من سب أهل بيتي فإنما يرتد عن الله والإسلام ، ومن آذاني في عترتي فعليه لعنة اله ومن آذاني في عترتي فقد آذى لله ، إن الله حرم الجنة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم .

وروى أحمد بن حنبل في المسند وروى غيره من أعلامكم أيضا عن النبي أنه قال : من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا .

وقد ذكر ابن الأثير في الكامل وغيره من المؤرخين أن معاوية كان في قنوت الصلاة يلعن سيدنا عليا والحسن والحسين وابن عباس ومالك الأشتر .

فما تقولون بعد هذه الأخبار والأحاديث المروية في كتب محدثيكم وأعلامكم ، ولا ينكرها أحد من أهل العلم ؟!

وأنتم تعلمون أن من ضروريات الإسلام المتفق عليه ، أن من لعن أو سب الله ورسوله (ص) فهو كافر نجس يجب قتله .

فمعاوية ومن حذى حذوه كافر نجس ملعون .

الشيخ عبد السلام : المتفق عليه ، كفر من سب الله ورسوله ، ومعاوية ما سب الله ورسوله ، وإنما سب ولعن عليا كرم الله وجهه .

قلت : أيها الشيخ ما هذا اللف والدوران ! ولماذا تغالط في الكلام والبيان ؟ فلا تنس قول الله العزيز في القرآن : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون )(52).

أترفض الحديث الذي نقلته الآن من كتب أعلامكم وأئمتكم ، أن النبي (ص) قال : من سب عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله ؟!

أرجو أن لا تنس الحديث في الليالي الماضية ، والمصادر الجمة التي ذكرتها لكم من الأحاديث النبوية الشريفة التي صدرت عنه (ص) في الموضوع والظاهر أنك صرت مصداق المثل المعروف : " كلام الليل يمحوه النار " .

النواب : نرجوكم تزويدنا بالأحاديث النبوية في هذا الباب ، فإن أحسن الحديث حديث رسول الله (ص) .

قلت : لا أدري هل نقلت لكم رواية ابن عباس في هذا الباب ، أم لا ؟ فقد روى العلامة الكنجي فقيه الحرمين ، ومفتي العراقين ، محدث الشام وصدر الحفاظ أبو عبد الله محمد بن يوسف القرشي ، الشهير بالعلامة الكنجي الشافعي ، صاحب كتاب كفاية الطالب نقل في الباب العاشر / بسنده المتصل بيعقوب بن جعفر بن سليمان قال : حدثنا أبي عن أبيه قال : كنت مع أبي ، عبد الله بن عباس و سعيد بن جبير يقوده ، فمر على صفة زمزم فإذا قوم من أهل الشام يشتمون علي بن أبي طالب عليه السلام ! فقال لسعيد: ردني إليهم ، فوقف عليهم ، فقال : أيكم الساب لله عز و جل ؟ فقالوا : سبحان الله ما فينا أحد سب الله ، فقال : أيكم الساب رسول الله (ص)؟ قالوا : ما فينا أحد سب رسول الله (ص) . قال : فأيكم الساب علي بن أبي طالب (ع) ؟ فقالوا : أما هذا فقد كان !! قال : فأشهد على رسول الله (ص) سمعته أذناي و وعاه قلبي يقول لعلي بن أبي طالب : من سبك فقد سبني و من سبني فقد سب الله و من سب الله أكبه الله على منخريه في النار(53).

لا يبغض عليا إلا كافر أو منافق

روى غفير من أعلامكم وعلمائكم عن النبي (ص) أنه قال : لا يحب عليا إلا مؤمن ، ولا يبغضه إلا منافق . خرجه كثير من محدثيكم وعلمائكم الكبار منهم :

جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ، والثعلبي في تفسيره ، والعلامة الهمداني في مودة القربى ، وأحمد بن حنبل في المسند ، وابن حجر في الصواعق ، والخوارزمي في المناقب ، والعلامة ابن المغازلي في المناقب ، والحافظ القندوزي في الينابيع ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والطبراني في الأوسط ، والمحب الطبري في ذخائر العقبي ، والنسائي في الخصائص ، والعلامة الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، ومحمد بن طلحة في مطالب السئول ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ، وغير هؤلاء جمع خرجوا هذا الحديث بإسنادهم وبطرق شتى حتى كاد أن يصل حد التواتر ، ومن الواضح أن مصير الكافر والمنافق إلى النار والسعير . وأنقل لكم بالناسبة ما رواه العلامة الكنجي الشافعي في آخر الباب الثالث كفاية الطالب : بسنده المتصل بموسى بن طريف عن عباية عن علي بن أبي طالب قال : أنا قسيم النار يوم القيامة ، أقول : خذي ذا وذري ذا . هكذا رواه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في تاريخه ، ورواه غير مرفوعا إلى النبي (ص) .

ثم قال العلامة الكنجي : فإن قيل هذا سند ضعيف ، قلت : قال محمد بن منصور الطوسي كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن عليا قال : أنا قسيم النار . فقال أحمد : وما تنكرون من هذا الحديث ! أليس روينا أن النبي (ص) قال لعلي : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ؟ قلنا : بلى ، قال : فأين المؤمن ؟ قلنا في الجنة ، قال فأين المنافق ؟ قلنا في النار . قال فعلي قسيم النار ، هكذا ذكره في طبقات أحمد رحمه الله .

وقال الله سبحانه : ( إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَْسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً )(54).

فمعاوية وأصحابه وأنصاره من أهل جهنم لا محالة ، بل هم في الدرك الأسفل من النار .

الشيخ عبد السلام : نحن لا ننكر هذه الأخبار والأحاديث الواردة في حق سيدنا علي كرم الله وجهه ، ولكن الصحابة مستثنون لأن الله سبحانه غفر لهن وأعد لهم جنات النعيم كما عاودهم في آيات من الذكر الحكيم . ولا ينكر أن معاوية (رض) كان من الصحابة المقربين لرسول الله (ص) . فيجب احترامه لصحبته للنبي (ص) ولقربه منه .

الصحابة أخيار وأشرار

قلت : لقد ناقشنا الموضوع في الليالي الماضية ، وأثبتنا أن كثيرا ممن أدرك النبي (ص) وحظي بصحبته ما كان أهلا لذلك ، ولم يكتسب منه الدين والأخلاق الحميدة التي جاء بها ، وأمر أصحابه أن يتخلقوا بها ، فبقوا على جهالتهم وسيئات أخلاقهم فعصوا رسول الله (ص) وعاتبهم سبحانه في غير موضع من كتابه الحكيم . ولكي تعرفوا أن المصاحبة والصحبة مع الأخيار والأبرار ومع الأنبياء والمرسلين ، لا تكون منقبة ولا شرفا وإنما الفضل والشرف في حسن الصحبة ، نرجع إلى القرآن الكريم لنعرف تعبيره وتعريفه لهذه الكلمة ونعم الحكم الله سبحانه : قال : ( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى )(55).

وقال : ( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَ فُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ... )(56).

وقال : ( ... فَقالَ لِصاحِبِهِ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً )(57).

وفي الآية 38 ( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ ..) الخ .

وقال تعالى : ( أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ ... )(58).

وقال : ( ... كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الأَْرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى ... )(59).

وقال تعالى : في سورة يوسف ( الصديق ) حكاية عنه (ع) : ( يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ )(60).

فنكتشف من هذه الآيات الكريمة ونعرف بأن الصاحب يطلق على المؤمن والكافر ، فلا خصوصية في الصحبة .

ومن البديهي أن الآيات الشريفة التي نزلت في مدح صحابة النبي (ص) لا تعمهم بل تخص أخيارهم ، كما أن الآيات التي نزلت في ذمهم وعتابهم أيضا تخص أشرارهم ولا تشمل الأبرار منهم .

ولا ينكر أن ممن كان حول النبي (ص) من الصحابة الذين يجالسوه ويعاشروه كانوا منافقين ، كما نعتقد أن بعض أصحابه الأبرار الميامين الأخيار كانوا في أعلا مراتب الإيمان واليقين بحيث ما كان مثلهم في أصحاب الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم أجمعين وكلكم تعلمون أن عبد الله بن أبي ، وأبا سفيان ، والحكم بن العاص ، وأبا هريرة ، وثعلبة ، ويزيد بن أبي سفيان ، والوليد بن عقبة ، وحبيب بن مسلمة ، وسمرة بن جندب ، وعمرو بن العاص ، وبسر بن أرطاة والمغيرة بن شعبة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وذي الثدية ، رأس الخوارج وأمثالهم كانوا يجالسون رسول الله (ص) ويصحبوه في السفر والحضر وفي المسجد والمنزل ويتظاهرون بالإسلام ، ولكنهم كم أشعلوا نار الفتنة والشقاق وساروا في طريق الخلاف والنفاق ، حتى طرد رسول الله بعضهم ، ولعن آخرين ، وقاطع جماعة منهم ، وفضح بعضهم و شهرهم على رؤوس الأشهاد ؟! وممن لعنه رسول الله (ص) معاوية وآباه وأخاه .

وكم من الصحابة ارتدوا بعد وفاة النبي (ص) وأصبحوا مصدق الآية الكريمة : ( وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ... )(61) ؟ .

مضافا إلى الآيات القرآنية ، توجد روايات رواها علماؤكم وأئمتكم عن النبي (ص) تؤيد ما نقول . فقد روى البخاري في صحيحه خبرين عن سهل بن سعد ، وآخر عن عبد الله بن مسعود باختلاف يسير في الألفاظ ، والمعنى واحد ، أن رسول الله قال : أنا فرطكم على الحوض ، و ليرفعن إلي رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي رب أصحابي ! فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك !!

وروى أحمد بن حنبل في المسند ، والطبراني في الكبير ، وأبو النصر في الإبانة ، بإسنادهم عن ابن عباس عن النبي (ص) قال : أنا آخذ بحجزكم ، أقول : اتقوا النار ، واتقوا الحدود فإذا مت تركتكم و أنا فرطكم على الحوض فمن ورد فقد أفلح ، فيؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب أمتي ! فيقول : إنهم لم يزالوا بعدك يرتدون على أعقابهم . ( وفي رواية الطبراني في الكبير ) فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، مرتدين على أعقابهم .

فمما يثير العجب ويبعث الأسف في النفس ، أن معاوية وابنه يزيد مع كثرة الدلائل والشواهد على كفرهما وإنكارهما للدين والوحي(62) ، تعدونها مؤمنين ، بل تلقبونها بأمير المؤمنين ، أي تحسبون خلافتهما شرعية ، وتدافعون عنهما باليد واللسان ، بل بالمال والنفس وإن كان بعض أعلامكم وافقونا في كفر معاوية وابنه وكتبوا في ذلك مثل ابن الجوزي وقد ألف كتاب " الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد " .

والسيد محمد بن عقيل وقد ألف كتاب " النصائح الكافية لمن يتولى معاوية " طبع في مطبعة النجاح ببغداد سنة 1367 هجرية . ولكن تصرون إصرارا باطلا ، في عدم إيمان أبي طالب (ع) وهو من السابقين في الإيمان والذب عن الإسلام والدفاع عن نبيه صلوات الله عليه وآله .

وهذا لا يكون إلا من تأثير بني أمية والنواصب والخوارج فيكم .

ولا أدري متى تزيلون عن دينكم ومذهبكم شبهات أعداء آل محمد وتأثيرات بني أمية ؟! ومتى تحررون مذهبكم ودينكم من التعصبات والتقيدات المتخذة من الآباء والأسلاف ؟!

لقد حان الوقت أن تفتحوا أبصاركم وتنبشوا التاريخ وكتب السير والحوادث وتفتشوا عن الحقائق المستندة بالأدلة والبراهين العقلية والنقلية من الكتاب والسنة الشريفة ، فتتمسكوا بالحق المبين وتلتزموا بشريعة سيد المرسلين .

أما آن لكم أن تتركوا أقاويل بني أمية ودعاياتهم وأكاذيبهم ، وترجعوا إلى آل محمد وعترته ، وتأخذوا دينكم وأحكامه ومعالمه من أهل بيته (ع) ؟!

أما جعل النبي (ص) أهل البيت عدل القرآن بقوله : " إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي " وجعلهم مرجعا للمسلمين فيما يختلفون ؟!

وأجمع آل محمد (ص) وعترته على أن أبا طالب (ع) كان من المؤمنين وارتحل من الدنيا بكمال الدين والإيمان .

دلائل أخرى على إيمان أبي طالب (ع)

وهذا أصبغ بن نباتة من الرواة الثقاة حتى عند علمائكم يروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : والله ما عبد أبي ، ولا جدي عبد المطلب ، ولا هاشم ، ولا عبد مناف ، صنما قط .

فهل من الإنصاف أن تتركوا قول أهل بيت النبوة والعترة الطاهرة ، وتأخذوا بكلام أعدائهم مثل المغيرة بن شعبة الفاجر ؟!

أو هل من الإنصاف أن تأولوا أشعار أبي طالب في الإسلام وفي النبي (ص) ، وتصديقه لهما ، وإعلانه الإيمان بهما بكل صراحة ، فلا تقبلوا كل ذلك ، لحديث رواه كاذب فاسق فاجر ، عدو الإمام علي وعدو آل محمد (ص) ؟!

وأضف على ما نقله المؤرخون من أشعار صريحة في إيمان أبي طالب ، خطبته الغراء البليغة التي خطبها في خطبة أم المؤمنين خديجة الكبرى لرسول الله (ص) وذكرها عامة المؤرخين .

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج 14 / 70 ، ط. دار إحياء الكتب العربية : و خطبة النكاح مشهورة ، خطبها أبو طالب عند نكاح محمد ص خديجة ، و هي قوله : " الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، و زرع إسماعيل ، و جعل لنا بلدا حراما و بيتا محجوجا ، و جعلنا الحكام على الناس ثم إن محمد بن عبد الله أخي ، من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برا و فضلا ، و حزما و عقلا ، و رأيا و نبلا ، و إن كان في المال قل فإنما المال ظل زائل و عارية مسترجعة ، و له في خديجة بنت خويلد رغبة ،و لها فيه مثل ذلك ، و ما أحببتم من الصداق فعلي ، و له و الله بعد نبأ شائع و خطب جليل " .

بالله عليكم أنصفوا ، لو وضعت هذه الخطبة أمام أي إنسان عالم غير منحاز إلى فئة ، ألا يدق بأن قائلها إنسان مؤمن عالم وحكيم سحق الماديات وتوجه إلى المعنويات . والجملة الأخيرة جديرة بالتفكر والتدبر ، أ فتراه يعلم نبأه الشائع وخطبه الجليل ، ولا يؤمن به ؟!

ولو كانت هذه الخطبة البليغة صادرة من أي إنسان آخر ، مثلا من أبي قحافة أو الخطاب ، أما كنتم تستدلون بها على إيمانه ؟

ونقل العلامة القندوزي في ينابيع المودة / الباب الرابع عشر / عن موفق بن أحمد ـ الخوارزمي ـ بسنده عن محمد بن كعب قال : رأى أبو طالب النبي (ص) ص يتفل في فم علي أي يدخل لعاب فمه في فم علي فقال : ما هذا يا بن أخي ؟ فقال : إيمان و حكمة ؟

فقال أبو طالب لعلي : يا بني ! انصر ابن عمك و آزره .

أما يدل هذا الخبر على إيمان أبي طالب ؟ فإنه لو لم يكن مؤمنا بالنبي ، (ص) لمنعه وزجره ، ولكنه أمر علي بنصرته ومؤازرته .

إسلام جعفر بأمر أبيه

وكذلك ذكر علماؤكم ومحدثوكم أن أبا طالب أمر ابنه جعفرا أن يقف بجانب النبي (ص) ويؤمن به وينصره ، وذكر بعضهم أن أبا طالب دخل المسجد الحرام ومعه معه ابنه جعفر ، فرأى رسول الله (ص) واقفا يصلي وعلي على يمينه يصلي معه ، فقال أبو طالب لجعفر : صل جناح ابن عمك ! فتقدم جعفر فوقف على يسار النبي (ص) يصلي معه ، ويقلده في الركوع والسجود ، فأنشد أبو طالب يقول :

إن عليــا و جعفــــرا ثقــتــي عند ملم الزمان و النـــوب‏

لا تخذلا و انصرا ابن عمكما أخي لأمي من بينهم و أبي

‏ و الله لا أخذل النبي و لا يخذله من بني ذو حسـب(63)

فهل من المعقول أن رجلا يأمر ولده بمتابعة رسول الله (ص)(64) ويأمره بنصرته وعدم خذلانه ، ثم هو يخالف ذاك الرسول ولا يؤمن به ؟

شواهد أخرى على إيمان أبي طالب (ع)

ذكر كبار علمائكم وجميع المؤرخين من دون استثناء ، أن قريشا حين وحاصروهم محاصرة اقتصادية واجتماعية ، التجأ بنو هاشم بأبي طالب ، فأخذهم إلى شعب له يعرف بشعب أبي طالب ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج 14 / 65 ، ط. إحياء الكتب العربية : و كان سيد المحصورين في الشعب و رئيسهم و شيخهم أبو طالب بن عبد المطلب ، و هو الكافل و المحامي ، وقال في صفحة 64 : و كان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله (ص) البيات إذا عرف مضجعه ، يقيمه ليلا من منامه و يضجع ابنه عليا مكانه .

فقال له علي ليلة : يا أبت إني مقتول ؟ فقال له:

اصبرن يا بني فالصبـر أحجــى كل حي مصيـــره لشعـــــوب‏

قـــــدر الله و البـــــلاء شديــــد لفداء الحبيب و ابن الحبيــب‏

لفداء الأعز ذي الحسب الثاقب و الباع و الكريـــم النجيــــب

‏إن تصبك المنون فالنبل تبـري فمصيب منها و غير مصيـب

‏كل حــي و إن تملـــى بعمــــــر آخذ من مذاقهــا بنـصيــــــب

فأجاب علي (ع) ، فقال له :

أ تأمرني بالصبر في نصر أحمد و و الله ما قلت الذي قلت جازعــا

و لكنني أحببت أن ترى نصرتي و تعلم أنـــي لــم أزل لــك طائعــــا

سأسعى لوجه الله في نصر أحمد نبي الهدى المحمـود طفلا و يافعا

بالله عليكم فكروا وأنصفوا ! هل يضحي أحد بابنه إلا في سبيل العقيدة ؟

هل من المعقول أن أبا طالب يقدم ابنه عليا فداءا لرسول الله (ص) وهو غيره مؤمن به وبرسالته السماوية ؟!

وذكر كثير من المؤرخين والمحدثين منهم : سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص فقال : وقال ابن سعد ... حدثني الواقدي قال : قال علي (ع) : لما توفي أبو طالب . أخبرت رسول الله (ص) فبكى بكاء شديدا ، ثم قال : اذهب فغسله وكفنه وواره ، غفر الله له ورحمه .

فقال له العباس : يا رسول الله إنك لترجو له ؟ فقال : أي والله ! إني لأرجو له وجعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج من بيته وقال علي يرثيه :

أبا طالب عصمة المستجير و غيث المحول و نور الظلم

‏لقد هد فقدك أهل الحفـــاظ فصلى عليك ولـــــي النعــــم

و لقاك ربــك رضوانــــــه فقد كنت للمصطفـى خير عم

فأسألكم : أما قال الله سبحانه في كتابه :

( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ .. )(65) ؟ .

فإذا مات أبو طالب مشركا كما تزعمون ، فكيف جعل رسول الله (ص) يستغفر له أياما لا يخرج من بيته ؟!

والمشهور أن طلب الرحمة والمغفرة للمشرك حرام .

ثم كلنا نعلم أن تجهيز الميت أي تغسيله وتكفينه من سنن الإسلام ، فإذا لم يكن أبو طالب مسلما ، فكيف يأمر النبي (ص) عليا بتغسيله وتكفينه ومواراته ؟

وهل من المعقول أن عليا (ع) وهو سيد الموحدين وإمام المتقين وأمير المؤمنين ، يرثي مشركا بذاك الرثاء الذي هو جدير أن يرثى به الأنبياء والأوصياء ، ولاسيما وصفه : " بنور الظلم " ، وأنه " صلى عليه ولي النعم " وهو الله سبحانه وتعالى ، " ولقاك ربك رضوانه .." وهل الله عز وجل يلقي رضوانه المشركين ؟!

فهذه كلها دلائل ناصعة ، وبراهين ساطعة في إيمان أبي طالب .

الشيخ عبد السلام : إذا كان أبو طالب مؤمنا ، فلماذا لم يعلن إيمانه مثل حمزة والعباس ؟

قلت : إن إعلان حمزة إيمانه وإظهار إسلامه ، وكتمان أبي طالب إيمانه وإسلامه كان عن حكمة وتدبير ، فقد كان حمزة رجل الضرب والحرب ، جسورا في اقتحام المعارك ، فلما يظهر إيمانه ويعلن إسلامه ، قويت شوكة المسلمين وكانوا مستضعفين ، فإسلام حمزة بعث فيهم الروح وقوى معنوياتهم وشد عزائمهم . لكن أبا طالب كان رجل الحكمة والتدبير ، وكان هو آنذاك يتزعم بني هاشم ، فكانوا تحت لوائه ، وحتى رسول الله (ص) كان تحت كفالته وحمايته ، وكانت قريش تراعي مقامه وشخصيته لأنهم يحسبونه منهم ، وعلى طريقتهم وطينهم ، فكانوا يتنازلون له ويواجهونه باللين ، حتى أنهم كانوا يطمعون فيه أن يسلمهم محمدا (ص) فيقضوا عليه ويقتلوه(66).

ولكن يا ترى هل تنازل أبو طالب أمام قريش في شيء مما طلبوا منه في ابن أخيه ، من طرده وترك نصرته و ... ؟!

وأما العباس بن عبد المطلب ، فإنه سبق إلى الإسلام وآمن بابن أخيه محمد (ص) ، ولكن بأمر النبي (ص) كتم إيمانه أيضا ، فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن العباس أراد أن يهاجر مع رسول الله (ص) إلى المدينة ، ولكن النبي (ص) أمره بالبقاء فيها وقال بقاؤك في مكة خير لي ، فكان العباس يكتب إلى النبي (ص) أخبار مكة ويرسلها إليه حتى أخرجه المشركون كرها إلى بدر فكان من الأسرى ففدى نفسه وأطلق ، ولما اقتضت الأمور وارتفعت الموانع ، أعلن إسلامه وأظهر إيمانه يوم فتح خيبر .

وقال الشيخ القندوزي في ينابيع المودة / الباب السادس والخمسون / تحت عنوان ذكر إسلام العباس رضي الله عنه ـ وفي الباب عناوين كثيرة ـ : قال أهل العلم بالتاريخ : إن العباس أسلم قديما يكتم إسلامه ، وخرج مع المشركين يوم بدر فقال النبي (ص) : من لقي العباس فلا يقتله فانه خرج مكرها ، وهو يكتب أخبار المشركين من أهل مكة إلى النبي (ص) وكان المسلمون يؤمنون به وكان يحب الهجرة إلى المدينة ، لكن النبي (ص) كتب إليه : إن مقامك بمكة خير لك . ولما بشر أبو رافع ـ رق النبي (ص) ـ بإسلام العباس ، أعتقه النبي (ص) .

فيا ترى لو كان العباس يموت قبل إعلان وإظهار إيمانه ، ما كان يتهم بالشرك ؟

فأبو طالب كذلك آمن بالنبي الأمين (ص) ، ولكن الحكمة وحسن التدبير اقتضت أن لا يظهر إيمانه ، ليتمكن من محاماة النبي (ص) ونصرته .

ولذلك ذكر المؤرخون كلهم ، منهم ابن أبي الحديد في شرح‏ نهج ‏البلاغة ج14/70 قال :

و في الحديث المشهور : أن جبرائيل (ع) قال له (ص) ليلة مات أبو طالب : " اخرج منها فقد مات ناصرك "(67).

الشيخ عبد السلام : هل اشتهر إسلام أبي طالب على عهد النبي (ص) وهل عرفه المسلمون ؟

قلت : نعم اشتهر إيمان أبي طالب وإسلامه ، وكل المؤمنين والمسلمين كانوا يذكرون أبا طالب بالخير ويعظمونه ويحترمونه .

الشيخ عبد السلام : كيف يمكن أن يكون أمره شائعا مشهورا في عهد رسول الله وبعد النبي (ص) بثلاثين سنة تقريبا ، يكذبون على رسول الله (ص) ويضعون ويجعلون حديثا عنه ، بخلاف ذلك الأمر الشائع ، بحيث يخفونه على المسلمين ويغيرون الواقع والحقيقة !

قلت : ليس هذا أول قارورة كسرت في الإسلام ، فإن هناك حقائق كثيرة أنكروها وحتى أحكام كانت على عهد النبي (ص) شائعة ، يعمل بها المسلمون ويصدقها المؤمنون ، غيرها المبتدعون وبدلها المبطلون ، حتى نسيها الجيل الذي أتى بعد ذلك العهد .

الشيخ عبد السلام : إذا كان كذلك فاذكر لنا نموذجا حتى نعرف !

قلت : الشواهد لقولي كثيرة ، ولكن الوقت لا يسمح أن أذكرها ، وإنما أذكر نموذجا واحدا وهو حكم اتفق عليه الجمهور ، ومستند إلى كتاب الله وسنة رسوله وقد عمل به المسلمون والصحابة وكان شائعا بينهم ، إلا أن الخليفة الثاني حرمه ومنع المسلمين من العمل به ، وهو الزواج المنقطع ، والنكاح المؤقت .

فقد ذكر المحدثون والفقهاء وأصحاب التاريخ والسير : أن الزواج المؤقت كان جاريا من عهد النبي (ص) يعمل به المسلمون في عهد أبي بكر أيضا ، وكذلك معمول به في شطر من خلافة عمر ، ولكنه رأى بعد ذلك تحريمه ، ومنع المسلمين من العمل به ، فصعد المنبر وأعلن فقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) أنا أحرمهما وأعاقب عليهما . فجاء حكم عمر ناسخا لحكم الله ورسوله إلى يومنا هذا ، بحيث نرى حتى بعض أهل العلم من العامة يتهجمون على الشيعة في كتبهم ويفترون عليهم بأنهم أهل البدع والضلال ويستشهدون لصدق كلامهم ، بأن الشيعة يلتزمون بالزواج المؤقت ويجيزونه ويبيحونه .

فالافتراء على أبي طالب (ع) واتهامه بالكفر ، وقذفه بالشرك ، وتغيير واقعه في التاريخ ، وتبديل حقيقته بين كثير من الناس ، أنتم وأمثالكم ، لم يكن بأعجب ولا أصعب ، من تغيير حكم الله وتبديل سنة رسول الله (ص) ، والأمر الذي عمل به أكثر الصحابة وذكره الله في كتابه بالصراحة وإذا به ينقلب حراما بحكم عمر بن الخطاب ، ويعين لفعله عقابا وعذابا صارما .

والناس يقبلون منه التغيير ويمتنعون بحكمه من حكم الله سبحانه ، وحتى أنتم اليوم ملتزمون بحكم الخليفة وجعل حلال الله تعالى حراما .

الشيخ عبد السلام : أتريد أن تقول أن ألوف الملايين من المسلمين الذين جاءوا بعد عمر الفاروق كلهم عملوا على خلاف حكم الله سبحانه ورجحوا كلام الخليفة على الله وسنة رسوله (ص) ؟ والحال كل أهل العالم يعملون بأننا نتمسك بسنة رسول الله (ص) ونعمل بها حتى أطلقوا علينا كلمة "أهل السنة" وأطلقوا عليكم كلمة " الرافضة" لأنكم رفضتم سنة النبي (ص)(68) .

نحن أهل السنة وأنتم الرافضة

قلت : رب مشهور لا أصل له ، أنتم تسمون أهل مذهبكم ـ أهل السنة ـ وتسمون شيعة آل محمد (ص) ـ الرافضة ـ وليس الأمر كما تدعي بأن أهل العالم أطلقوا كلمة ـ أهل السنة ـ عليكم وكلمة الرافضة على الشيعة . فإن الأصل على عكس التسميتين ، فإنكم إذا فتحتم أعينكم وأبصرتم الحقائق بقلوبكم وعقولكم لعرفتم أن الشيعة هم في الحقيقة أتباع القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين ، وغيرهم هم الذين رفضوا العمل بالقرآن والتمسك بالسنة الشريفة .

الشيخ عبد السلام : قال ـ مستهزئا ـ : أحسنت إذ سميت ألوف الملايين من المسلمين المتمسكين بكتاب الله وسنة رسوله (ص) روافض . ليت شعري ما هو دليلك على هذا الادعاء ؟!

قلت : أراك تأثرت من كلامي وقولي : بأننا نحن أهل السنة وأنتم الرافضة ، وأنتم منذ مئات السنين تدعون هذا الأمر وتسمون ألوف الملايين من شيعة آل محمد وأهل بيته الطاهرين طول التاريخ بالرافضة ، بل ترمونهم بالكفر والضلال ، بغير دليل ولا برهان ، بل ادعاء وافتراء واضح البطلان .

ولكني كما أثبت في طول مناقشاتي في الليالي الماضية أني لا أتكلم بغير دليل ولا أستند في حديثي بالأقاويل والأباطيل ، فكذلك هذه الليلة .

وأما دليلي على أننا أتباع القرآن الحكيم وسنة سيد المرسلين فهو حديث رسول الله (ص) الذي أثبتناه في الليالي الماضية وذكرنا مصادره من كتبكم المعتبرة ، وهو قوله (ص) : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا . وأنتم أعرضتم عن أهل البيت وتمسكتم بغيرهم بل تمسكتم أحيانا بأعدائهم ومخالفيهم ، وتركتم حكم الله الذي عمل به أصحاب رسول الله (ص) في حياته ، وتمسكتم بحكم عمر الذي غير حكم الله وحرم حلاله ، وكذلك ابو بكر خالف حكم الله سبحانه في عدم إعطاء خمس الغنائم لأهل البيت (ع) في صريح قوله تعالى : (وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى )(69) وكان رسول الله (ص) في حياته يعمل بهذه الآية الشريفة ، وقد أثبتنا ذلك في الليالي الماضية ونقلنا لكم أقوال أعلامكم بأن أبا بكر غير حكم الخمس وتبعه وأما عمر ، وأما عثمان فقد خصه لقرباه عوض قربى النبي (ص) فأعطى الخمس لمروان وأبيه وأخيه وغيرهم من بني أمية الذين طردهم رسول الله (ص) ولعنهم . وأنتم أيضا إلى اليوم تتبعون سنة أبي بكر وهي على خلاف سيرة رسول الله (ص) وسنته الشريفة .

هل اكتفيتم أم أزيدكم ؟!

الشيخ عبد السلام : ما هو دليلكم من كتاب عز وجل على تشريع الزواج المؤقت ، هل عندكم دليل صريح من القرآن الحكيم ؟

دليلنا في تشريع الزواج المؤقت

قلت : نعم دليلنا من القرآن الكريم في تشريع الزواج المؤقت الآية الكريمة التي تصرّح وتقول : ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة )(70).

هذا هو صريح حكم الله جل وعلا وما نُسخ بآية أخرى ، فيكون الحكم باقياً إلى آخر الدنيا ، فإنّ حلال محمد صلى الله عليه وآله وسلم حلالٌ إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة .

الشيخ عبد السلام : كيف عرفتم أنّ هذه الآية تشير إلى الزواج المؤقت !

فإن الإستمتاع يحصل في الزواج الدائم وإيتاء الأجور هو المهر واجب فيه وفرض أيضاً ؟ قلت : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من فسّر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار . فلا بد في مثل هذه القضايا المشتبهة أن نراجع كتب التفسير ، وأنّ مفسّريكم مثل الطبري في تفسيره ج5 والفخر الرازي في تفسيره ج 3 وغيرهما ذكروا في تفسير الآية الزواج المؤقّت وقالوا بأنّ الآية نزلت في تشريع الزواج المؤقت .

إضافةً على بيان مفسريكم في تفسير الآية الكريمة فإنكم تعلمون أنّ الله عزّ وجل في سورة النساء قد بيّن أنواع النكاح المشروع في الإسلام فقال : ( فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاّ تعدلوا * وأتوا النساء صدقاتهن نحلة ... )(71) .

وقال سبحانه في الآية 24 : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ...) في هذه الآية صرّح بتشريع الاستمتاع من النساء مقابل أجر فرض بينهما ، والإستمتاع هو زواج المتعة أو المؤقت .

وشرّع نوعاً ثالثاً في النكاح وهو ملك اليمين ، فقال عزّ وجل : ( ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن مّا ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ...)(72).

فإذا كانت آية الاستمتاع أيضاً تتضمن الزواج والنكاح الدائم فيكون ذكر هذا الموضوع في سورة واحدة مكرراً ، وهذا إلى اللغو أقرب ، وحاشا كلام الله العزيز من اللغو ، والله جل جلاله حكيم واللغو لا يصدر من الحكيم .

ثم أننا نجد الكلمات والتعابير في الآيتين مختلفة ، ففي الآية الأولى يقول سبحانه :
( فأنكحوا ما طاب لكم من النساء ..... وآتوا النساء صدقاتهن ) وفي الآية الثانية يقول تعالى :
( فما استمتعتم به منهنّ فآتوهن أجورهن ) . فبدّل النكاح بالاستمتاع والصداق بالأجور . كما أن المؤرّخين قد ذكروا أنّ المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يتزوجون بزواج المتعة وهو الزواج المؤقت . فإذا كانت آية المتعة – على حدّ زعمكم – تشير إلى الزواج الدائم لا المؤقت ، فما هي الآية التي عرف المسلمون منها وفهموا الزواج المؤقت ؟ وعلى استناد أيّة آية من كلام الله العزيز شرّع لهم الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم زواج المتعة ؟

روايات المتعة عن طريق أهل السنة

أمّا الروايات الواردة والأخبار المروية في المتعة والزواج المؤقت في كتبكم المعتبرة ، من علمائكم وأعلام أمتكم ، فكثيرة لا يمكن رفضها ونقضها لأنّ بعضها جاءت في الصحاح ، فقد روى البخاري في صحيحه كتاب التفسير باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج وأحمد في المسند ج 4 ص 429 عن أبي رجاء عن عمران بن الحصين أنّه قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن بحرمتها ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات ، قال رجل برأيه ما يشاء .

وروى مسلم في صحيحه ج 1 ص 535 باب نكاح المتعة عن عطاء قال : قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال : استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى عهد أبي بكر وعمر(73) .

وروى مسلم في نفس الجزء 467 في نفس الباب وفي كتاب الحج / باب التقصير/ في العمرة / مسنداً عن أبي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبد الله إذْ أتاه آت فقال : إنّ ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عنهما عمر . ورواه أحمد في المسند ج 1 ص 25 بطريق آخر باختلاف يسير في اللفظ(74) .

وروى مسلم في صحيحه نفس الجزء / باب نكاح المتعة/ بسنده عن أبي الزبير قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر ، حتى نهى عمر عنه في شأن عمرو بن حريث(75) .

وفي صحاحكم ومسانيدكم توجد أخبار وروايات كثيرة جداً في هذا الباب لا مجال لذكرها ، وكلها تكشف عن عمل الصحابة بالمتعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وأوائل عهد عمر ثم نهاهم عمر عنها وتوعّد من يستمتع بالرجم(76) .

إضافة على ما نقلت لكم ، فإن مفسريكم قد نقلوا روايات حاصلها أنّ جماعة من الصحابة منهم أبي بن كعب وابن عباس وعبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير والسّدي وغيرهم كانوا يقرؤون الآية هكذا : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى .

رواها جار الله الزمخشري في الكشاف عن ابن عباس ومحمد بن جرير الطبري في تفسيره ، والفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب ، والثعلبي في تفسيره ، ونقل العلامة النووي في شرح صحيح مسلم في باب نكاح المتعة عن القاضي عياض عن المازري أنه روى عن عبد الله بن مسعود : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى .

ويروي الفخر الرازي عن أبي بن كعب وعن ابن عباس مثله ثم قال : والأمة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة فكان ذلك إجماعاً على صحة ما ذكرنا .

ويقول بعده بورقة : فإنّ تلك القراءة لا تدلّ إلاّ على أنّ المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه .

الشيخ عبد السلام : نعم نتّفق معكم على أنّ المتعة كانت في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وربّما نسخها ، فما دليلكم على عدم نسخها ؟

قلت : أولا .. كلامكم في النسخ إدّعاء محض ، ولا بد للمدّعي من إقامة الدليل لإثبات إدّعائه ، فنحن نطالبكم بالدليل .

ولكن مماشاة لكم وتلبية لطلبكم أقول : دليلنا على عدم نسخها في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الروايات التي ذكرناها ولا سيّما قول عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما ، في بعضها : وأنا أنهى عنهما . .

كما أن عمل الأصحاب وسيرتهم في خلافة أبي بكر على ذلك أيضاً .(77)

الشيخ عبد السلام : ولكن نستفيد من القرآن نسخ المتعة إذ يقول سبحانه : ( إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنّهم غير ملومين )(78) .

فقد ذكر سبحانه في هذه الآية الكريمة سببين للحليّة وهما الزوجية وملك اليمين ونسخ المتعة لأنّها ليست تزويجاً ، فلا إرث بينهما ولا نفقة ولا طلاق ولا عدّة وهذه كلها من لوازم الزوجيّة .

حكم المتعة غير منسوخ في القرآن

قلت : لا تدل هذه الآية على نسخ حكم المتعة ، بل هي في حدّ الزوجية ثم هذه الآية في سورة المؤمنون وهي مكيّة ، وتشريع المتعة في سورة النساء وهي مدنية ، فكيف الناسخ نزل قبل المنسوخ ؟!

وأما قولك : بأن المتعة ليس فيها لوازم الزوجية من الإرث والنفقة والطلاق والعدة .

فأقول : كلامك يدل على عدم اطلاعك لفقهنا وعدك مطالعتك لكتب علمائنا ، فإنهم أثبتوا أنّ جميع آثار الزوجية تترتب على المتعة إلاّ ما خرج بالدليل ، ولا يخفى أنّ الله سبحانه أسقط بعض شروط الزوجية ولوازمها لغرض التسهيل والتخفيف في هذا النوع من النكاح والتزويج .

ثم اعلم .. أن الإرث والنفقة ليسا من اللوازم الثابتة للزوجيّة فقد أفتى فقهاء الإسلام من الشيعة والسنة : أن الزوجة الكتابية والناشزة والتي قتلت زوجها لا ترث منه ولا تستحق النفقة . مع العلم أنّ الزوجية باقية ، إذ لا يجوز لها أن تتزوّج برجل آخر ، وتجب عليها عدة الوفاة ـ أربعة أشهر وعشرة أيام ـ إذا توفيّ الزّوج .

وأما الطلاق في المتعة ، فإن حكم الطلاق بانقضاء الأجل المسمّى والمدّة المعينة ، أو بأن يهب الرجل ما تبقّى من المدة ويتنازل عن حقّه ، ويجب عليها العدة وأقلّها خمسة وأربعين يوماً ، والمشهور أن ترى المرأة طهرين ، أمّا إذا مات الرجل قبل انقضاء الأجل المسمّى وقبل أن يهبها ما تبقى من المدّة فيجب على المرأة أن تعتد عدة الوفاة ـ أربعة أشهر وعشرة أيام ـ وهي عدة المتوفّى عنها زوجها .

الشيخ عبد السلام : لقد روى بعض علمائنا روايات تصرّح بأنّ النبي (ص) نسخ حكم المتعة ، فبعضها تشير بأنّ النبي (ص) نسخها عندما فتح خيبر ، وبعضها تقول نسخها يوم فتح مكة ، وبعضها تقول في حجة الوداع وبعضها في تبوك وبعضها في عمرة القضاء .

قلت : أولا : هذا الاختلاف الفاحش دليل قوي على وضع تلك الأخبار وكذبها ، ومن الواضح أنّ غرض الواضعين والجاعلين تبرئة عمر وتنزيهه .

ثانيا : لو قايسنا هذه الأخبار مع الروايات التي نقلناها من صحاحكم ومسانيدكم ومصادر أعلامكم وجدناها واهية ضعيفة لا تعدّ شيئاً .

ثالثا : كلام عمر كما نقلناه من كتبكم المعتبرة : متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) وأنا أحرّمهما ، وما قال : كانتا ونسختا بل قال : أنا أحرمهما .. فلو كانت آية ناسخة لاستند بها ولو كان حديث ناسخ من النبي (ص) لاستدل به . ولكنه أسند التحريم إلى نفسه .

ونحن نجد في مصادركم وصحاحكم روايات صريحة بعدم نسخ المتعة وقد نقلنا بعضها لكم ، فإنّ في القائلين بعدم النسخ نجد بعض الصحابة الكبار مثل عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي ذر وعمران بن حصين وغيرهم . وتبعهم كبار علمائكم وقالوا بعدم نسخ حكم المتعة منهم جار الله الزمخشري في الكشّاف فإنّه بعدما ينقل رواية ابن عباس يقول : آية المتعة من محكمات القرآن وما نسخت .

ومنهم مالك بن أنس فإنّه أفتى بجواز المتعة وعدم نسخها ، كما نقل عنه سعد الدين التفتازاني في كتابه شرح المقاصد ، والعلامة برهان الدين الحنفي في كتابه الهداية ، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري وغيرهم نقلوا أنه قال في موضع من كتابه : هو جائز لأنّه كان مباحاً مشروعاً واشتهر عن ابن عباس حليّتها وتبعه على ذلك أكثر أهل اليمن وأهل مكة من أصحابه ، وقال في موضع آخر : هو جائز لأنّه كان مباحاً فيبقى إلى أن يظهر ناسخه . فنعرف من كلام مالك بأنّه إلى زمانه عام 179 من الهجرة ما كانت روايات النسخ ، وإنّما وضعها الكاذبون الجاعلون بعد هذا الزمن وهي من وضع وجعل المتأخرين . والّذين قالوا بتحريم المتعة استندوا على كلام عمر وما استدلّوا بغير قوله : وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما ، وهو دليل باطل لأنّه ليس من حق عمر التشريع فإن فإنّ الشارع هو الله العزيز الحكيم ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم مبيّن لأمّته ما أوحي إليه من ربّه ، من أحكام الدين والشريعة .

الشيخ عبد السلام : نعم ليس من حق عمر ( رض ) ولا من حق غيره التشريع ... ولكن قول عمر الفاروق سندٌ قوي ودليل محكم لنا في كشف الحق ، فإنّه لا يحكم بشيء إلاّ على استناد ما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعتب على المسلمين الحاضرين في مجلس الخليفة (رض) إذْ لم يسألوه عن دليل التحريم وإنّما قبلوا منه بغير اعتراض لما يعرفون فيه من الصدق والصلاح ، فلذلك صار قوله لنا دليلاً محكماً وسنداً مقبولاً .

قلت: هذه كلها مغالطات وتوجيهات ، وقد قيل حبّ الشيء يُعمي ويُصم ، وأنتم من فرط حبكم لعمر تسعون في توجيه أعماله المخالفة لصميم الإسلام ونصّ القرآن ، وتفسرون كلامه على خلاف ظاهره ، لأنّه يصرّح : أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما . وأنتم تقولون : بأنّه لا يحكم بشيء إلاّ على استناد ما سمعه من النبي ؛ وتلقون العتب على المسلمين الحاضرين في مجلسه إذْ لم يسألوه عن دليل التحريم ، والرجل ليس له دليل إلاّ أنّ رأيه قد قطع بذلك . وأما قولك : بأن الحاضرين قبلوا منه بغير اعتراض فهو مخالف لما رواه أعلامكم بأنّ إبنه عبد الله كان يُفتي على خلاف رأي أبيه وكذلك جمعٌ من الصحابة والتابعين كما ذكرنا لكم . وأما قولك : بأن قول عمر دليلٌ محكم وسند مقبول لديكم ، ليت شعري بأيّ نصّ شرعي من الكتاب أو السنة أصبح قول عمر دليلاً محكماً وسنداً مقبولاً ؟! هذا الذي ليس فيه نص من الكتاب أو السنة ، تجعلوه لأنفسكم حجّة وتلتزمون به وتتمسكون به أشد التزام وتمسك ، وتعرضون عن الخبر الذي وصل حد التواتر وهو حديث الثقلين فلا تعملون بقول العترة ولا تتمسكون بهم ، علماً أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال : ( ما إن تمسكتم بهما – أي القرآن والعترة – لن تضلوا بعدي أبداً ) فقد جعلهما صلى الله عليه وآله وسلم أماناً من التيه والضلال .

هل يجوز للمجتهد أن يخالف النص ؟

الشيخ عبد السلام : إنكم تعلمون أنّ جماعة من علمائنا المحققين قالوا : أن النبيّ كان يضع الأحكام باجتهاد رأيه ، فلذلك يجوز لمجتهد آخر أن ينقض حكمه إذا توصّل رأيه إلى خلاف قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك نقضه عمر وقال : أنا أحرّمهما .

قلت: ما كنت أتوقع منك هذا الكلام يا شيخ عبد السلام ! فإنك لتصحيح غلطة ارتكبت غلطات ، بالله عليكم هل يصح الاجتهاد مقابل النصّ ؟ وهل يجوز لإنسان أن يخالف القرآن ويخالف حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بزعم الاجتهاد ؟ أما يكون كلام الشيخ غلواً في حق عمر وإجحافاً في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ إذْ يساوي رأي عمر برأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل يرجّحه على رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ! وكلام الشيخ خلافٌ صريحٌ لصريح القرآن الحكيم لقوله تعالى :

( قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي إن أتّبع إلاّ ما يوحى إليّ )(79) .

فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يجوز له أن يبدل حكماً من الأحكام ، فكيف تجيزون لعمر ؟! وعلى فرض اجتهاده فلا يجوز لمجتهد أنْ يخالف النصّ المسلّم(80) .

والقائلون بأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يضع الأحكام باجتهاده وبرأيه كلامهم باطل وليس على أساس عقلي وعلمي بل هو مخالف لصريح القرآن الحكيم أيضاً لقوله تعالى :

( وما ينطق عن الهوى إنْ هو إلاّ وحي يوحى )(81) .

وقوله تعالى : ( قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتّبع إلاّ ما يوحى إليّ )(82) .

وكلامكم يخالف صريح كلام الله العزيز .

الشيخ عبد السلام : لا شك أنّ الخليفة ( رض ) حكم بصلاح المسلمين وحرّم المتعة لأنّه كما جاء في كتاب الإصابة للعسقلاني ج 3 القسم 1 / 114 عن عمر بن شبّة قال : واستمتع سلمة بن أميّة من سلمى مولاة حكيم بن أميّة بن الأوقص الأسلمي ، فولدت له فجحد ولدها ، فبلغ ذلك عمر فنهى عن المتعة .

فحرّم عمر ( رض ) المتعة حتى لا يشيع هذا الأمر ولا يتكرر ، وكلنا نعلم أن الأولاد الذين جحدهم آبائهم ينكرهم المجتمع أيضاً ، فيسببوا فساداً كبيراً ، من أجل ذلك ولكي لا يكثر الفساد ، نهى عمر عن المتعة .

قلت: ولكن هذا حاصل حتى في النكاح الدائم أيضاً فكم من رجل جحد ولده وأنكر ما ولدته زوجته فهلاّ نهى عمر عن النكاح الدائم أيضاً ؟! أفهل تكليف الخليفة ومسؤوليته في قبال عمل سلمة بن أميّة وإنكاره ولده أن يحرّم حلال الله ويغيّر حكمه ويبدّل دينه ؟! أم كان المفروض أن يعظ سلمة ويأمره بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يقابله بالحكمة والموعظة الحسنة فيوقظ وجدانه ويقوّي إيمانه فيشعره بالمسؤوليّة ثم يحكم بإلحاق الولد بسلمة بن أميّة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( الولد للفراش ) وما كان لسلمة أن ينكر العقد لأنّه كما نقرأ في الكتب أنهم كانوا يشهدون العدول على العقد في المتعة فقد روى في كنز العمال : ج 8 ص 294 عن سليمان بن يسار عن أم عبد الله ابنة أبي خثيمة : أنّ رجلاً قدم من الشام فنزل عليها ، فقال : إنّ العزوبة قد اشتدّت عليّ فابغيني امرأة أتمتع معها . قالت : فدللته على امرأة فشارطها وأشهدوا على ذلك عدولاً ، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث ثم إنه خرج ، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب فأرسل إليّ فسألني : أحق ما حدّثت ؟ قلت : نعم . قال : فإذا قدم فآذنيني به . فلما قدم أخبرته فأرسل إليه فقال : ما حملك على الذي فعلته ؟ قال : فعلته مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم ينهنا عنه حتى قبضه الله ، ثم مع أبي بكر فلم ينه عنه حتى قبضه الله ثم معك فلم تحدث لنا فيه نهياً . فقال عمر : أما والذي نفسي بيده : لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك ، بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح . وأخرجه ابن جرير أيضاً . وأما قولك : إن الخليفة حكم بصلاح المسلمين ، فإن الله ورسوله أعرف بصلاح الخلائق ، والخالق أعلم بمصالح مخلوقه ولا شك أنّ الله سبحانه وتعالى شرّع المتعة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم سنّها لحكمة حكيمة ومصلحة عظيمة للمؤمنين ولكن عمر نقضها . وقد جاء في الخبر كما في شرح معاني الآثار للطحاوي / كتاب النكاح / باب نكاح المتعة / روى بسنده عن عطاء عن ابن عباس قال : ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم الله بها هذه الأمة ، ولولا نهي عمر بن الخطاب عنها ما زنى إلاّ شقي . وروى الثعلبي والطبري في تفسيريهما وأحمد في المسند في تفسير آية المتعة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي . فتحريم عمر للزواج المؤقت لم يقلل الفساد وإنّ أثر نهيه المتعة كان بعكس ما تقولون ، وبخلاف ما تزعمون .

ولنترك هذا البحث الذي جاء استطرادا ، لأن البحث كان حول إيمان أبي طالب (ع) فقلنا : إنه كان مؤمنا ومات مؤمنا إلا أن أعداء الإمام علي (ع) أرادوا تنقيصه والحط من كرامته وشخصيته ، فوصموا أباه ـ شيخ بني هاشم وكافل النبي وحاميه (ص) ـ بوصمة الكفر والشرك ، وأشاعوه بعد النبي (ص) بوضع حديث افتروه على رسول الله (ص) وهو حديث الضحضاح . فخبر عدم إيمان أبي طالب (ع) إن هو إلا من أكاذيب بني أمية وأباطيلهم ، وشيوع الخبر جاء بتبليغ منهم بحيث غطى على خبر إيمانه ، فقلبوا الحقيقة وغيروا الواقع حتى التبس الحق على المسلمين .فلما وصل حديثنا إلى هذا المكان ، استبعد الشيخ عبدالسلام ذلك ، وقال : لا يمكن لأحد أن يقلب الحقيقة ويغير الواقع الذي كان شائعا في عهد النبي (ص) فيبد له بحيث يلتبس الأمر على المسلمين ، فينكروا الحقيقة ويقولوا بغير الواقع .

فقلنا : إن هذا ليس بأول قارورة كسرت في الإسلام .

فطلب مثالا ليكون مصداقا آخر وشاهد على كلامنا ، فمثلنا بتحريم عمر متعة الحج ومتعة النساء ، فصرح قائلا : متعتان كانت على عهد رسول الله وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما . والشاهد تمسكهم بقول عمر وتركهم سنة النبي (ص) ، فثبت بأن الحكومة والقوة تلعب دورا هاما في إخفاء الواقع ونشر الأكاذيب ولبس الحق ، وإشاعة الباطل باسم الحق ، ولا يخفى في هذه الأمور دور الدعايات والأحاديث الزائفة المجعولة بواسطة رجال ممن عرفوا بصحبة رسول الله (ص) ، ولما يدخل الإيمان في قلوبهم فلا أطيل الكلام في الموضوع أكثر من هذا ، ومن أراد من الحاضرين أن يتعمق أكثر ويحقق الموضوع ويبحث فيه أكثر مما قلنا فليراجع الكتب المعتبرة عند العامة من أعلامهم ، مثل السيوطي ، وأبي القاسم البلخي ، ومحمد بن إسحاق ، وابن سعد الكاتب ، وابن قتيبة ، والواقدي ، والشوكاني والتلمساني ، والقرطبي ، والبرزنجي والشعراني ، والسبحمي ، وأبي جعفر الاسكافي ، وغيرهم من علماء العامة الذين اعترفوا في كتبهم بإيمان أبي طالب (ع) . وقد كتب بعضهم رسالة مستقلة في الموضوع .

الكعبة مولد الإمام علي عليه السلام

وأما الفضيلة الأخرى التي امتاز بها الإمام علي (ع) وتعد من فضائله الخاصة به ، إذ لم يحدث مثله لأحد قبله ولا بعده ، ألا وهو مولده في وسط بيت الله الحرام في الكعبة المشرفة ، وقد حدث ذلك بإرادة الله سبحانه وبدعوة منه لفاطمة بنت أسد والدة أمير المؤمنين (ع) إذ انشق لها ركن البيت لما استجارت به تطلب من الله تعالى أن يسهل عليها الولادة ، فدخلت في الكعبة وعاد الركن فالتأم والتصق . إنما حدث ذلك لكي لا يقول أحد أن ولادة علي بن أبي طالب داخل الكعبة كانت عند صدفة وليس فيها كرامة له (ع) .

وكما في بعض الأخبار المروية أن فاطمة بنت أسد بقيت في الكعبة ثلاثة أيام ضيفة على ربها ، فصار الناس يتحدثون في المجالس والنوادي عن هذا الحادث الخارق والأمر الغريب ، وفي اليوم الثالث عند اجتماع الناس وتزاحمهم في المسجد الحرام ، وإذا بالركن ينشق ثانيا ، وتخرج فاطمة بنت أسد وعلى يديها ولدها الكريم علي (ع) ، ويعد علماء الإسلام شيعة وسنة هذه الفضيلة من خصائص أمير المؤمنين ، وقد قال الحاكم في المستدرك ، والعلامة ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة / الفصل الأول ص 14 :

ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه وهي فضيلة خصه الله تعالى بها إجلالا له وإعلاء لمرتبته وإظهار لتكريمه(83).

اسم " علي " عليه السلام نزل من عند الله تعالى

والفضيلة الأخرى التي امتاز بها الإمام علي (ع) على سائر الصحابة إن اسمه الشريف جاء له من عند الله تبارك وتعالى من عالم الغيب .

الشيخ عبد السلام : إن هذا الكلام غريب جدا ، أ فهل كان أبو طالب نبيا يوحى إليه ، حتى نقول بأن اسم ابنه نزل أو جاء من عند الله ؟! إن هذا إلا أقاويل الشيعة يختلقونها من فرط حبهم لسيدنا علي كرم الله وجهه ، وليس لهذا الاسم ربط بعالم الغيب ، بل اختاره أبو طالب لولده .

قلت : ليس كلامي بغريب ، وإنما استغربته لأنك لا تعتق بولاية الإمام علي (ع) . فإنك تظن أن هذا الاسم جعل على الإمام علي (ع) حين ولادته ، وليس كذلك ، فإن الله تعالى قد ذكر في جميع الكتب السماوية اسمي محمد وعلي عليهما الصلاة والسلام بصفة النبوة والإمامة ، وإن هذين الاسمين المباركين كتبهما الله عز وجل وجعلهما على السماوات والأرضين وعلى أبواب الجنة وعلى العرش العظيم ، قبل أن يخلق آدم أبا البشر بآلاف السنين ، فلا يختص بزمن أبي طالب (ع) .

الشيخ عبد السلام : أليس هذا الكلام غلوا في حق علي كرم الله وجهه ؟ فقد قارنتموه بسيد المرسلين (ص) وذكرتم اسمه مع اسم النبي (ص) مكتوبا في عالم الملكوت وحتى على العرش العظيم . نعم اسم رسول اله (ص) كوجوده ونفسه فوق كل شيء وليس له قرين ، ولكنكم بالتمسك بخبر ضعيف ، غير معتبر تحتجون علينا ، بل وتجعلوه سندا مقبولا ودليلا معقولا لفتة فقهائكم فيفتون بوجوب ذكر علي بعد اسم النبي (ص) في الأذان .

فتبسمت ضاحكا من قوله ، وقلت : لا يا أخي إنني غير مغال حق أمير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين ، ابن عم الرسول وزوج البتول وسيف الله المسلول وأسد الله الغالب مظهر العجائب والغرائب وصاحب الفضائل والمناقب الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه .

نحن ما قارنا اسمه مع اسم رسول الله (ص) ، ولا نحن سجلنا اسمه مع اسم النبي (ص) في السماوات والعرش العظيم ، بل الله عز وجل هو قارن اسم وليه علي بن أبي طالب مع اسمه واسم نبيه (ص) وكتب اسمه مقارنا لاسمه العزيز واسم حبيبه على أبواب الجنان كما ورد في روايات أعلامكم وعلمائكم بإسنادهم لا بأسانيد ضعيفة زعمت ، وقد أثبتوا تلك الروايات ونقلوها في مصادركم المعتبرة لدى كبار علمائكم وأعلام محدثيكم الذين لو ضعفتهم فقد ضعفت مذهبك ، فليس ولا لأي واحد منكم الخضوع لمقامهم والتسليم لآرائهم وقبول ما رووا في مسانيدهم وتصانيفهم .

الشيخ عبد السلام : لو تتفضل بذكر بعض تلك الروايات التي نقلها كبار علمائنا وأعلام محدثينا .

قلت : روى الطبري في تفسيره وابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام علي (ع) ، وروى العلامة الكنجي القرشي الشافعي في كفاية الطالب / باب 62 ، والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ، والعلامة القندوزي في الينابيع / باب 56 حديث 52 نقلا من ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ، رووا بأسانيدهم على أبي هريرة ـ مع اختلاف يسير في الألفاظ واتحاد المعنى ـ عن رسول الله (ص) قال : مكتوب على ساق العرش لا إله إلا الله وحده لا شريك له ومحمد عبدي ورسولي أيدته بعلي بن أبي طالب .

وروى جلال الدين السيوطي في الخصائص الكبرى : ج1/10 ، وفي الدر المنثور في أوائل سورة الإسراء ، نقلا عن ابن عساكر وابن عدي انهما رويا عن أنس بن مالك عن النبي (ص) قال : ليلة أسري بي إلى السماء رأيت مكتوبا على ساق العرش : لا إله إلا الله محمد رسول الله (ص) ، أيدته بعلي .

وروى القندوزي في الينابيع باب / 56 ، نقلا عن ذخائر العقبى للطبري عن أبي الحمراء عن النبي (ص) قال : ليلة أسري بي على السماء ، نظرت إلى الساق الأيمن من العرش فرأيت مكتوبا محمد رسول الله ، أيدته بعلي ونصرته به ، وقال : أخرجه الملا في سيرته .

وروى القندوزي أيضا في الباب نقلا عن ذخائر العقبى للطبري عن أبي الحمراء عن النبي (ص) قال : ليلة أسري بي إلى السماء ، نظرت إلى الساق الأيمن من العرش فرأيت مكتوبا محمد رسول الله ، أيدته بعلي ونصرته به ، وقال : أخرجه الملا في سيرته .

وروى القندوزي أيضا في الباب نقلا عن كتاب " المناقب السبعون " الحديث التاسع عشر / عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله (ص) : مكتوب على باب الجنة قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بألفي عام ، محمد رسول الله ، وعلي أخوه ، قال رواه ابن المغازلي .

أقول : رواه أحمد في المناقب ، والعلامة الهمداني في كتابه مودة القربى / المودة السادسة ، والخطيب الخوارزمي في المناقب ، وابن شيرويه في الفردوس ، كلهم عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، كما مر وتذكرت حديثا جميلا مناسبا لموضوع الحوار ، أخرجه العلامة الهمداني الشافعي في مودة القربى / المودة الثامنة / عن علي (ع) انه قال له النبي (ص) : إني رأيت اسمك مقرونا باسمي في أربعة مواطن :

1ـ فلما بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرة بها لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي وزيره .

2ـ ولما انتهيت إلى سدرة المنتهى وجدت عليها إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي ، محمد صفوتي من خلقي أيدته بعلي وزيره و نصرته به .

3ـ ولما انتهيت إلى عرش رب العالمين فوجدت مكتوبا على قوائمه إني أنا لا إله إلا الله أنا محمد حبيبي من خلقي أيدته بعلي وزيره و نصرته به .

وروى الثعلبي في تفسيره ـ كشف البيان ـ والطبري في تفسيره في تفسير الآية 62 من سورة الأنفال : ( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) عن أبي هريرة وعن ابن عباس أنها نزلت في علي . ثم رووا عن النبي (ص) : رأيت مكتوبا على العرش : لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، محمد عبدي ورسولي أيدته ونصرته بعلي بن أبي طالب .

أخرجه القندوزي أيضا في الينابيع الباب الثالث والعشرون عن أبي نعيم الحافظ عن أبي هريرة ، وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس حبر الأمة ، قال القندوزي : وروى عن أنس بن مالك نحوه ، ثم نقل عن كتاب الشفاء : روى ابن قانع القاضي عن أبي الحمراء قال : قال رسول الله (ص) : لما أسري بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب : لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي .

وروى المغازلي الفقيه الشافعي في كتابه المناقب / حديث رقم 89 بسنده عن ابن عباس قال : سئل النبي (ص) عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه . قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي ، فتاب عليه(84).

وأخرجه عنه القندوزي في الينابيع / الباب الرابع والعشرون .

أكتفي بهذا المقدار من الروايات والأخبار وأظن أن الشيخ استوفى جوابه : بأن الله تعالى قرن اسم وليه علي بن أبي طالب باسمه واسم حبيبه ونبيه ، لا نحن ، والخبر ليس بضعيف ولا عن طريق واحد بل وصل إلينا من طرق شتى ، ونقله علماء المسلمين من السنة والشيعة .

وأما كلامك يا شيخ : بأنه هل كان أبو طالب نبيا يوحي إليه ؟

فأقول : الوحي لا يلازم النبوة ، فقد أوحى الله تعالى إلى أم موسى وما كانت في مقام النبوة ، والله سبحانه يصرح في ذلك بقوله عز وجل :

( وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ )(85).

وربما أوحى الله تعالى إلى غير الإنسان كما في قوله سبحانه :

( وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ )(86).

ومما لا شك فيه أن الوحي له مراتب فالمرتبة الأعلى والأقوى منها تحصل للأنبياء ، والأدنى منها تحصل لغير الأنبياء بإرادة الله القادر المنان .

كما نستفيد من كلام الله تعالى ، أن أوامره إلى عباده وهدايتهم لمقاصده ، لا تنحصر بطريق الوحي ، فإنه قادر أن يبلغها لمن يريد بأي طريق شاء ، ولو بخلق النداء والصوت ، كما حدث ذلك لمريم ابنة عمران ، فقد قال سبحانه : ( فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا * فَكُلِي وَ اشْرَبِي وَ قَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا )(87).

فكما إن الله عز وجل بلغ مراده إلى أم موسى بالوحي ، وإلى أم عيسى بالنداء ، فقد بلغ أبا طالب أيضا بأنه انتخب اسم علي واشتقه من اسمه الأعلى لوليد الكعبة ، فسماه عليا .

ولا نقول بأن الوحي الذي كان ينزل على رسول الله (ص) نزل على أبي طالب ولا نعتقد نبوته ، وإنما نقول بأن الله تعالى نبه أبا طالب وبلغه إما بالنداء أو بمشاهدته لوحا مكتوبا أن يسمي ولده بالاسم المشتق من اسم الله العلي الأعلى ، فيسميه عليا وقد فعل أبو طالب ذلك ، ولم ننفرد نحن بهذا القول ، بل وافقنا فيه بعض أعلامكم أيضا .

روى العلامة الهمداني الشافعي في كتابه مودة القربى / المودة الثامنة ، ونقل عنه الحافظ القندوزي في كتابه ينابيع المودة / الباب السادس والخمسون : عن العباس بن عبد المطلب (رض) قال : لما ولدت فاطمة بنت أسد عليا سمته باسم أبيها أسد ، ولم يرض أبو طالب بهذا الاسم فقال : هلم حتى نعلو [ جبل ] أبا قبيس ليلا وندعو خالق الخضراء لعله ينبئنا في اسمه ، فلما أمسيا خرجا وصعدا أبا قبيس ودعيا الله تعالى ، فأنشأ أبو طالب شعرا :

يا رب هذا الغسق الدجى و القمر المنبلـــج المضـــــي

‏بين لنا من أمرك الخفــي ما ذا ترى في اسم ذا الصبي

فإذا خشخشة من السماء ، فرفع أبو طالب طرفه فإذا لوح مثل زبرجد أخضر فيه أربعة أسطر فأخذه بكلتي يديه وضمه إلى صدره ضما شديدا فإذا مكتوب :

يا أهل بيت المصطفى النبي خصصتما بالولد الــــــزكي

‏ إن اسمه من شامــخ العلــي علي اشتق مـــن العلــي

فسر أبو طالب سرورا عظيما وخر ساجدا لله تبارك وتعالى وعق [عنه] بعشر من الإبل ، وكان اللوح معلقا في بيت الله الحرام يفخر به بنو هاشم على قريش حتى غلب الحجاج بن الزبير ، انتهى كلام العلامة الهمداني .

أقول : وهذه الرواية عطف على ما شبق وتدل على أن أبا طالب كان مؤمنا بالله موحدا له سبحانه متوجها إليه في مهامه وحوائجه .

وأما قولك يا شيخ : بأن فقهاء الشيعة يفتون بوجوب ذكر علي (ع) في الأذان ، فهو كذب وافتراء ، ولو كنت صادقا فاذكر لنا فتوى واحدة من فقهائنا .

نعم نحن نذكر اسم الإمام علي (ع) ونشهد له بالولاية والإمامة ، بقصد الندب وإجهارا بالحق ، لأنا نعرف مندوبية ذلك ومطلوبية ذكر اسم علي بالولاية والإمامة بعد النبي (ص) ، نعرفه مما ذكرنا من الروايات في كتبكم المعتبرة والتي مرت مع ذكر المصادر الكثيرة ، بأن الله عز وجل قرن اسم علي (ع) مع اسم النبي (ص) ، وذكر عليا بعد ذكر حبيبه ورسوله محمد (ص) حتى في عرشه العظيم وعلى أبواب الجنان قبل أن يخلق الأرض والسماوات .

ونكتفي بهذا ونرجع إلى صلب الموضوع في الحوار وهو ذكر أمهات الفضائل والأصول الثابتة لعلي (ع) .

زهد الإمام علي (ع) وتقواه

والفضيلة الثانية التي امتاز بها ولا يساويه أحد فيها فضيلة الزهد والتقوى . وأجمع علماء الإسلام عامة ، وجمهور المحدثين وأصحاب السيرة والتاريخ بأن علي بن أبي طالب كان أزهد الناس بعد رسول الله (ص) وأورعهم واتقاهم ، حتى أن العلامة ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة نقل قول الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أنه قال : ما علمنا أحدا كان في هذه الأمة بعد النبي (ص) أزهد من علي بن أبي طالب(88).

ونقل أعلام محدثيكم في كتبهم عن الأحنف بن قيس قال : دخلت على علي بن أبي طالب وقت إفطاره إذ دعا بجراب مختوم فيه سويق الشعير .

فقلت : يا أمير المؤمنين لم أعهدك بخيلا فكيف ختمت على هذا الشعير ؟!

فقال : لم أختمه بخلا ولكن خفت أن يلينه الحسن أو الحسين بسمن أو زيت .

قلت : هما حرام عليك ؟ قال : لا ولكن يجب على الأئمة أن يغتذوا بغذاء ضعفاء الناس وأفقرهم ليراهم الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه ، ويراهم الغني فيزداد شكرا وتواضعا(89) .

ونقل المحدثون عن سويد بن غفلة وغيره ، قال : دخلت على علي ابن أبي طالب في الكوفة فرأيت بين يديه رغيف من شعير وقدح من لبن ، والرغيف يابس تارة يكسره بيده وتارة بركبتيه ، فشق علي ذلك .

فعاتبت جارية له يقال لها فضة فقلت : أ ما ترحمين هذا الشيخ وتنخلين له هذا الشعير ، أما ترين نشارته على وجهه وما يعاني منه ؟!

فقالت : إنه عهد إلينا أن لا ننخل له طعاما قط . فالتفت علي إلي وقال : ما تقولها لها ؟ فأخبرته وقلت : يا أمير المؤمنين ارفق بنفسك .

فقال : ويحك يا سويد ما شبع رسول الله (ص) من خبز بر ثلاثا حتى لقي الله ، ولا نخل له طعام قط ، يا بن غفلة ! ذلك أحرى أن يذل النفس ويقتدي بي المؤمنون ، وألحق برسول الله (ص)(90).

ونقل العلامة القندوزي في الينابيع / الباب الحادي والخمسون / قال : أخرج الموفق بن أحمد الخوارزمي عن عدي بن ثابت قال : أوتي علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، بفالوذج فأبى أن يأكل منه وقال : إنه شيء لم يأكل منه رسول الله (ص) فلا أحب آن آكل منه(91).

وفي الخبر المروي عن أهل البيت (ع) أن الإمام علي (ع) في الليلة التي ضرب فيها بسيف ابن ملجم لعنه الله ، كان ضيفا عند ابنته زينب الكبرى (ع) فقدمت له الفطور في طبق فيه قرصان من خبز الشعير ، وقصعة فيها اللبن الحامض ، وقليل من الملح ، فلما نظر الإمام إلى فطوره عاتب ابنته قائلا : بنية ! متى رأيت أباك يجلس على مائدة فيها إدامان ؟ ارفعي اللبن فإن في الملح كفاية ، ثم أكل قرصا واحدا مع الملح وحمد الله تعالى . ثم قال : في حلال الدنيا حساب وفي حرامها عذاب وعقاب(92).

زهده في ملبسه

لقد وصف المحدثون والمؤرخون ملبوس الإمام علي (ع) فقالوا : كان كرباسا خشنا غليظا ورخيصا ، بعض قدره بثلاث دراهم ، وبعض بخمسة دراهم ، وكان لباسه مرقعا تارة بجلد وتارة بالليف ، ونقل سبط ابن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس ، عن الزمخشري إنه روى في كتابه ربيع الأبرار ، عن أبي النوار أنه قال : والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها و قد قيل لي : ألا تستبدلها ، فقلت للقائل : ويحك أعزب ! فعند الصباح يحمد القوم السرى .

ونقل أكثر أصحاب السيرة والتاريخ من أعلامكم ، منهم محمد ابن طلحة في كتابه مطالب السئول / الفصل السابع / قال : ومنها ـ أي من قضايا زهده (ع) ـ أنه خرج إلى الناس يوما و عليه إزار مرقوع ، فعوتب في لبسه ، فقال : يخشع القلب بلبسه ، و يقتدي به المؤمن إذا رآه علي(93)، قال : وقد اشترى يوما ثوبين غليظين فخير بشر ـ وهو خادمه ـ فيهما فأخذ واحدا و لبس هو الآخر .

نعم هكذا عاش سلام الله عليه ، يأكل الخبز الشعير اليابس ويؤكل الفقراء واليتامى البر بالعسل والتمر بالزيت ، وكان يلبس الخشن ، ويلبس الأرامل واليتامى والمعوزين ملابس فاخرة ، أثمن مما كان يلبس هو (ع) . وكان يقول : يجب على أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم في الأكل والملبس .

ضرار بن ضرمة يصف عليا (ع)

نقل المحدثون من أعلامكم كابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، والحافظ أبي نعيم في حلية الأولياء ج1/84 ، والعلامة الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف : 8 ومحمد بن طلحة في مطالب السؤول / الفصل السابع، والعلامة نور الدين بن صباغ المالكي في الفصول المهمة 128 ، والقندوزي في الينابيع : باب 51 ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس آخر الباب ، وغير هؤلاء من علمائكم والخبر مشهور عن ضرار بن ضمرة الضبائي قال في مجلس معاوية : أشهد بالله لقد رأيت علي بن أبي طالب في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين ، و يقول : يا دنيا غري غيري ،أبي تعرضت ؟ أم إلي تشوقت ؟ هيهات هيهات ، طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعمرك قصير و خطرك كبير وعيشك حقير ، آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق فبكى معاوية ، وقال: رحم الله أبا حسن كان و الله كذلك(94) .

بالله عليكم أنصفوا من من الزعماء والرؤساء والملوك والأمراء ، هكذا عامل الدنيا وزهرتها وتغاضى عن زينتها وزخرفها ؟!

الزهد عطية الله تعالى لعلي عليه السلام

روى كثير من علمائكم المحدثين ، منهم العلامة محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / باب 46 / بإسناده إلى عمار بن ياسر قال : سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي بن أبي طالب : إن الله قد زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إلى الله منها ، الزهد في الدنيا ، و جعلك لا تنال من الدنيا شيئا و لا تنال الدنيا منك شيئا ، و وهب لك حب المساكين فرضوا بك إماما و رضيت بهم أتباعا ، فطوبى لمن أحبك و صدق فيك ، و ويل لمن أبغضك و كذب عليك فأما الذين أحبوك و صدقوا فيك ، فهم جيرانك في دارك و رفقاؤك في قصرك و أما الذين أبغضوك و كذبوا عليك فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة (95). " ثم قال هذا حديث حسن" .

علي عليه السلام إمام المتقين

أما في التقوى فهو سيد المتقين والممتاز بأعلى درجات اليقين والإنسان كلما ازداد يقينا ازداد تقوى ، وهو الذي اشتهر عنه الخبر كما نقله كثير من أعلام محدثيكم وكبار علمائكم منهم محمد بن طلحة العدوي النصيبي في كتابه مطالب السؤول / الفصل السابع قال : وقد كان علي (ع) منطويا على يقين لا غاية لمداه ولا نهاية لمنتهاه وقد صرح بذلك تصريحا مبينا فقال (ع) : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، فكانت عبادته إلى الغاية القصوى تبعا ليقينه وطاعته في الذروة العليا لمتانة دينه .

وقد لقبه الله ورسوله (ص) بإمام المتقين ، كما روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج9/170 ، الخبر الحادي عشر من الأحاديث التي ذكرها في فضائل الإمام علي (ع) . ورواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء والعلامة الهمداني في كتابه مودة القربى والعلامة محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / باب 54 عن أنس بن مالك قال : قال لي رسول الله (ص) : يا أنس اسكب لي وضوءا فتوضأ ثم قام وصلى ركعتين ثم قال (ص) : يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب هو أمير المؤمنين وإمام المتقين و سيد المسلمين و قائد الغر المحجلين و خاتم الوصيين . قد وردت الرواية بألفاظ مختلفة وأنا أنقلها كما يخطر ببالي .

قال أنس : قلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار و كتمته إذ جاء علي (ع) فقال (ص) : من هذا يا أنس ؟ قلت : علي بن أبي طالب ، فقام النبي (ص) مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه و يمسح عرق علي بوجهه فقال علي : يا رسول الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي قبل . قال : و ما يمنعني و أنت تؤدي عني و تسمعهم صوتي و تبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي .

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال (ص) : مرحبا بسيد المسلمين وإمام المتقين ، رواه عن الحافظ أبي نعيم في الحلية .

وقال محمد بن طلحة في كتابه مطالب السؤول / آخر الفصل الرابع / أما حصول صفة التقوى له فقد أثبتها رسول الله (ص) بأبلغ الطرق وأعلاها فإنه قال له يوما : مرحبا بسيد المسلمين وإمام المتقين . ثم قال : إذا وصفه بكونه إمام أهل التقوى كان مقدما عليهم بزيادة تقواه.

وروى الحاكم في المستدرك : ج3/138 ، والشيخان مسلم والبخاري في صحيحيهما عن النبي (ص) قال : أوحي إلي في علي أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين (96).

وروى العلامة الكنجي في كفاية الطالب / باب 45 بسنده عن عبد الله بن أسعد بن زرارة قال : قال رسول الله (ص) : لما أسري بي إلى السماء انتهى بي إلى قصر من لؤلؤ فراشه من ذهب يتلألأ ، فأوحى الله إلي و أمرني في علي بثلاث خصال : بأنه سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين(97).

وروى أحمد في المسند أن رسول الله (ص) يوما خاطب عليا ، فقال : يا علي ! النظر إلى وجهك عبادة ، إنك إمام المتقين ، من أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله .

من الواضح أن وصف النبي (ص) أحدا وإعطائه اللقب ومدحه للشخص يفرق عن سائر الناس ، فربما وصف الناس ملكا وسلطانا بما لا يليق فيغالون في الوصف والمدح ، كمدح كثير من المؤرخين لكثير من الوزراء والأمراء والسلاطين ، ولكن رسول الله (ص) منزه من التملق والمغالاة في مدح الأشخاص ، ولا يقول إلا حقا ، ولا يصف إلا واقعا ، بل في مثل هذه القضايا فهو (ص) ( ما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )(98) .

ولا سيما في هذا الأمر ، إذ يؤكد فيقول : ليلة أسري بي إلى السماء انتهى بي إلى قصر من لؤلؤ فراشه من ذهب يتلألأ ، فأوحى الله إلي و أمرني في علي بثلاث خصال : بأنه سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين . فهذه خصائص عظيمة ومقامات كريمة خص الله تعالى بها وليه علي بن أبي طالب على لسان خاتم أنبيائه وسيد رسله ، وبعد وصف رب العالمين وبيانه المبين لأمير المؤمنين سلام الله عليه لا يسع المسلمين إلا الخضوع أمامه والخشوع له والتسليم لأمره .

الشيخ عبد السلام : كل ما قلته من مناقب وفضائل سيدنا علي كرم الله وجهه فهو قليل من كثير ونحن نعرف أكثر مما قلتم حتى أن معاوية (رض) قال فيه : عقمت النساء أن يلدن مثل علي بن أبي طالب .

قلت : فكما أنه (ص) قد امتاز بنسبه ونورانية خلقته من حيث الورع والتقوى ، فهو مقدم على الجميع من هذه الجهة أيضا .

وقد قال الله الحكيم في كتابه الكريم : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ )(99) .

فإذا كان أهل التقوى أكرم العباد عند الله تبارك وتعالى ، فما بالكم بإمام المتقين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ؟

وهنا قد خطر شيء في بالي وهو السؤال التالي : هل يحتمل في إمام المتقين أن يتبع الهوى ويعصي ربه لأجل الدنيا ؟

الشيخ عبد السلام : لا يحتمل ذلك في سيدنا علي كرم الله وجهه ، كيف وهو الذي طلق الدنيا ثلاثا ، كما ذكرتم فيما نقلتم من ضرار بن ضمرة ، فمقام سيدنا علي كرم الله وجهه أجل من أن ينسب إليه ذلك .

قلت : فعلى ذلك كانت أعمال الإمام علي (ع) من حركاته وسكناته وقيامه وقعوده وتكلمه وسكوته وموافقته ومخالفته وحربه وسلمه ، كلها لله تعالى وإحقاقا للحق .

الشيخ عبد السلام : نعم هكذا كان سيدنا علي كرم الله وجهه .

فاقضوا أيها المنصفون !!

قلت : إذا كان كذلك ، يجب أن تفكروا في عدم مبايعة الإمام علي (ع) لأبي بكر في أول الأمر ، بل اعترض على خلافته اعتراضا شديدا .

والمفروض أن المتقي ولا سيما إمام المتقين ، لا يترك الحق ولا يعارضه ، وحديث رسول الله (ص) الذي نقلته لكم في بعض الليالي الماضية إذ قال (ص) : علي مع الحق والحق مع علي حيثما دار .

فإذا كانت خلافة أبي بكر حقا ! فلماذا وكيف لا يبايعه الإمام علي (ع) ؟

بل عارضه بشدة ، حتى انتهى الأمر إلى اقتحام دار فاطمة وعلي ، وآل الهجوم إلى قتل الجنين ـ محسن ـ ووفاة السيدة فاطمة (ع) و ....

[ وقد ذكرنا ذلك بالتفصيل في الليلة الماضية ، مع ذكر المصادر من كتبكم ] وإذا كانت خلافة أبي بكر باطلا وخلافا ، فلماذا أنتم تتمسكون بالباطل على يومنا هذا ؟

الشيخ عبد السلام : إني أتعجب من كلام الشيعة حيث يقولون : سيدنا علي كرم الله وجهه لم يبايع أبا بكر (رض) ، فقد ذكر المؤرخون كلهم حتى مؤرخيكم : بأن سيدنا علي كرم الله وجهه بايع أبا بكر بعد وفاة فاطمة الزهراء ، ولم يخالف الإجماع .

قلت : العجب في كلامك هذا ، وكأنك نسيت حديثنا وحوارنا في الليالي الماضية ، حيث أثبتنا انه (ع) أجبر وأكره على البيعة ، فعدم رغبته وعدم مطاوعته في بيعة أبي بكر دليل على بطلان خلافته ، ثم أنت تعترف بأنه (ع) ما بايع إلا بعد وفاة الزهراء سيدة النساء (ع) ، وصرح أعلامكم كالبخاري ومسلم وغيرهما أن وفاتها كانت بعد وفاة النبي (ص) بستة أشهر ، فهل في هذه المدة كان علي (ع) تاركا للحق وسالكا غير سبيل المتقين ؟!

الشيخ عبد السلام : لقد كان سيدنا علي كرم الله وجهه أعرف من غيره بتكليفه ولا يجوز لنا أن نتدخل في خلافات الصحابة ونجدد قضايا مرت عليها الدهور والقرون !!

قلت : إن هذا الكلام انهزام من الواقع والحق وليس بجواب مرضي في الحوار ، لأن تلك الخلافات تمسنا أيضا . إذ يجب على كل مسلم بل كل إنسان أن يبحث عن الحقائق ، ويلتزم بالحق ، ويعتنقه ، ويصدق الواقع المعلوم ، ويبتعد عن المكذوب الموهوم .

الشيخ عبد السلام : إذا أردت بهذا الاستدلال والبرهان أن تبين أن أبا بكر (رض) كان باطلا وخلافته كانت غير مشروعة ومناقضة لدين الله فلماذا سكت وسكن الإمام علي كرم الله وجهه ! بل كان عليه أن ينهض ويثور على الخليفة وأنصاره ، ويسترجع حقه ويبطل الباطل ، وهو ذلك الشجاع الذي لا تأخذه في الله لومة لائم .

سكوت بعض الأنبياء واعتزالهم عن أممهم

قلت : نحن نعتقد بأن الأنبياء والأوصياء يعملون في المجتمع ويتعاملون مع أممهم على أساس الأوامر التي يتلقونها من الله عز وجل ، لذلك لا نعترض عليهم ولا ننتقد أعمالهم بأنهم سكتوا أو لماذا لم يقاتلوا أو لماذا تكلموا ؟!

وإذا راجعنا تاريخ الأنبياء ، نجد كثيرا منهم كانوا مغلوبين مقهورين او مهجورين ومنعزلين ، فهذا القرآن الحكيم يحدثنا عن نوح وهو من أولي العزم وشيخ الأنبياء : ( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر)(100) .

ويحدثنا عن اعتزال ابراهيم الخليل لقومه قائلا :( وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ أَدْعُوا رَبِّي )(101) .

الشيخ عبد السلام : أظن أنه (ع) اعتزل عنهم فلبا لا جسما .[ فهو وإن كان مخالفا لهم قلبا ، ولكنه كان يعيش بينهم ويشاركهم ].

قلت : ولكن لو راجعت التفاسير لوجدت أن أكثر المفسرين قالوا : بأنه (ع) فارقهم بجسمه أيضا وابتعد عنهم ، فالفخر الرازي في تفسيره الكبير : ج5/809 قال : الاعتزال للشيء هو التباعد عنه ، والمراد إني أفارقكم في المكان وأفارقكم في طريقتكم .

وذكر أرباب السير والتاريخ أن ابراهيم هاجر من بابل ، وسكن الجبال مدة سبعة أعوام الأصنام ، ثم رجع إليهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده ، وأن يتركوا عبادة الأصنام ، ثم جرى ما جرى حتى ألقوه في النار ، فجعلها الله سبحانه بردا وسلاما .

ويحدثنا القرآن الحكيم عن فرار موسى بن عمران وخروجه من بلده خائفا ، فيقول :
( فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )(102).

ويحدثنا الله تعالى في كتابه عن مخالفة قوم موسى لأخيه وخليفته هارون ، وأنهم عبدوا العجل الذي صنعه السامري ، فلما عاد إليهم موسى ورأى انقلابهم وكفرهم وسكوت هارون على أفعالهم المخالفة للدين وللشريعة الإلهية ، عاتبه على ذلك ، كما نفهم من قول الله سبحانه :
( وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَْعْداءَ )(103).

تشابه أمر علي عليه السلام بهارون

فكما أن هارون كان خليفة أخيه موسى بن عمران في قومه ، ولكنهم لن يأخذوا بقوله وخالفوه وتوجهوا إلى العجل الذي صنعه السامري لهم فعبدوه ، ولما منعهم هارون من ذلك ، وقال لهم : هذا شرك وكفر بالله عز وجل ، هاجموه وكادوا يقتلوه ، ولما لم يجد أعوانا وأنصارا سكن وسكت وتركهم في غيهم وطغيانهم يعمهون .

كذلك أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي (ع) ـ الذي شبهه النبي (ص) بهارون في حديث المنزلة وقد ذكرناه في الليالي السالفة مع المصادر والمعتبرة عندكم ـ لما رأى القوم بعد رسول الله (ص) انقلبوا على أعقابهم وتركوا الحق وخالفوا أمر ربهم فوعظهم وأرشدهم ، ولكنهم هاجموه وكادوا يقتلونه ، فسكت وسكن وتحمل وصبر.

وذكر كبار علمائكم : أن عمر وأصحابه لما جاءوا بعلي (ع) إلى المسجد ، وطلبوا منه البيعة ، وهددوه بالقتل إن لم يبايع ، نظر إلى قبر رسول الله (ص) وأشار إليه مخاطبا : يا ( ابن أم القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني )(104) .

ثم إن سيرة خاتم النبيين (ص) خير دليل لنا ، وهو (ص) كتم رسالته في مكة عشر ثم أعلنها ثلاث سنين لا يطالب أهلها إلا بكلمة التوحيد ، هاتفا : قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، وسكت عن سائر عاداتهم الجاهلية ، ومع ذلك هجموا عليه الدار وأرادوا قتله ، ففر منهم مهاجرا إلى يثرب ، لأنه لم يكن له أنصار في مكة يتمكنون من حمايته والذب عنه . وقد قيل :

الفرار مما لا يطاق من سنن المرسلين .

والأعجب من هذا انه (ص) حتى عندما أصبح مقتدرا وحاكما ما تمكن من تغيير ما كان يرى تغييره لازما .

الشيخ عبد السلام : هذا كلام غريب وأمر عجيب ! كيف عجز رسول الله (ص) من تغيير ما كان يلزم تغييره ؟!

قلت : هذا الأمر العجيب الغريب عندكم قد نقله بعض كبار أعلامكم منهم أحمد بن حنبل في المسند ، والعلامة الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت : قال لي رسول الله (ص): يا عائشة ! لو لا أن قومك حديثو عهد بشرك ، لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض و جعلت لها بابين : بابا شرقيا و بابا غربيا، و زدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة(105) .

فإذا كان رسول الله (ص) لا يقدم على مثل ذلك الأمر المهم رعاية لبعض المصالح ، فكذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو تلميذ النبي (ص) ، والمتعلم منه ، فهو (ع) رعاية لبعض الجهات الدينية العامة والمصالح الإسلامية الهامة سكت وسكن وصبر وتحمل كل ما أوردوه عليه من الظلم والجفاء ، بسبب البغضاء والشحناء التي كانت مكتومة في صدورهم ومكنونة في قلوبهم ، وقد كان النبي (ص) يعلم ذلك فيخبر عليا في حياته ويبكي على غربته ومظلوميته ، كما روى الخوارزمي في مناقبه والعلامة الفقيه ابن المغازلي أيضا في مناقبه : أن النبي (ص) يوما نظر إلى علي (ع) فبكى ، فقال له : ما يبكيك يا رسول الله صلى الله عليك ؟ قال (ص) : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها حتى أفارق الدنيا . قال (ع) : فما أصنع يا رسول الله ؟ قال : تصبر ، فيعطيك ربك أجر الصابرين(106).

لماذا قعد علي عليه السلام ولم يطالب بحقه ؟

إن عليا (ع) كان متفانيا في الله سبحانه ، فلا يريد شيئا لنفسه و لا يطلب المصالح الشخصية ، بل أثبت في حياته وسلوكه أنه (ع) كان وراء المصالح العامة ، وكان يبتغي مرضات الله تعالى بالحفاظ على الدين ، وإبقاء شريعة سيد المرسلين ، و لا يخفى أن الإسلام في ذلك الوقت كان بعد جديدا ولم ينفذ في قلوب كثير من معتنقيه ، فكانوا مسلمين بألسنتهم ولما يدخل الإيمان في قلوبهم ، لذا كان الإمام علي (ع) يخشى من حرب تقع بين المسلمين إذا جرد السيف لمطالبة حقه بالخلافة التي كانت له لا لغيره ، أو مطالبة فدك لفاطمة الزهراء (ع) أو مطالبة إرثها من أبيها رسول الله (ص) ، الذي منعها أبو بكر بحجة الحديث الذي افتراه على النبي (ص) : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " !

فسكت علي (ع) وسكن لكي لا تقع حرب داخلية ، لأنه كان يرى في المطالبة بحقه في تلك الظروف الزمنية زوال الدين وإفناء الإسلام لو وقعت حرب بين المسلمين . وقد كان أكثرهم ينتظرون الفرصة حتى يرتدوا إلى الكفر .

لذلك جاء في روايات أهل البيت والعترة الطاهرة (ع) أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها لما رجعت من المسجد بعدما خطبت خطبتها العظيمة وألقت الحجج على خصومها ، خاطبت أبا الحسن (ع) وهو جالس في البيت فقالت : يا بن أبي طالب ... اشتملت شملة الجنين ، و قعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل، وخانك ريش الأعزل! هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحلة أبي و بلغة ابني، لقد أجهر في خصامي، و ألفيته الألدّ في كلامي ... الخ .

فأجابها علي (ع) : نهنهي عن نفسك يا ابنة الصفوة ، و بقية النبوّة، فما ونيت عن ديني، و لا أخطأت مقدوري ، فإن كنت تريدين البُلْغةَ، فرزقك مضمون، و كفيلك مأمون، و ما أعدّ لك أفضل ممّا قطع عنك .

قالوا : فبينما علي (ع) يكلمها ويهدؤها وإذا بصوت المؤذن ارتفع ، فقال لها علي (ع) : يا بنت رسول الله ! إذا تحبين أن يبقى هذا الصوت مرتفعا ويخلد ذكر أبيك رسول الله (ص) فاحتسبي الله واصبري .

فقالت : حسبي الله . وأمسكت .

فضحى علي (ع) بحقه وحق زوجته فاطمة وسكت عن المغتصبين ، حفظا للدين وشريعة سيد المرسلين من الضياع والانهيار .

أسباب قعود علي (ع)

نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج1 / 307 ، ط. إحياء الكتب العربية عن المدائني عن عبدالله بن جنادة ، ونقله غير ابن أبي الحديد أيضا ، أنه (ع) خطب في أول إمارته وخلافته بالمدينة المنورة :

فحمد الله وأثنى عليه ، و ذكر النبي وصلى عليه ثم قال : أما بعد ، فإنه لما قبض الله نبيه (ص) ، قلنا : نحن أهله و ورثته و عترته و أولياؤه دون الناس ، لا ينازعنا سلطانه أحد ، و لا يطمع في حقنا طامع ، إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا ، فصارت الإمرة لغيرنا و صرنا سوقة ، يطمع فينا الضعيف ، و يتعزز علينا الذليل ، فبكت الأعين منا لذلك ، و خشنت الصدور و جزعت النفوس ، و ايمُ الله لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين ، و أن يعود الكفر و يبور الدين ، لكنا على غير ما كنا لهم عليه ... الخ .

ونقل ابن أبي الحديد أيضا بعد هذه الخطبة في صفحة 308 تحت عنوان : خطبته عند مسيره للبصرة ، قال : و روى الكلبي أنه لما أراد علي (ع) المسير إلى البصرة ، قام فخطب الناس ، فقال بعد أن حمد الله و صلى على رسوله (ص) : إن الله لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر و دفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة ، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين و سفك دمائهم ، و الدين يمخض مخض الوطب يفسده أدنى وهن ، و يعكسه أقل خلف ... الخ .

ولعلي (ع) في نهج البلاغة كتاب إلى أهل مصر ، بعثه مع مالك الأشتر رحمه الله تعالى ، جاء فيه :

أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً (ص) نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَ مُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، فَلَمَّا مَضَى (ص) ، تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ ، فَوَاللَّهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي وَ لا يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ (ص) عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَ لا أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ (ص) ، فَمَا رَاعَنِي إِلا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلانٍ يُبَايِعُونَهُ ، فَأَمْسَكْتُ بِيَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلامِ ، يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ (ص) ، فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإسْلامَ وَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً ، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلايَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلائِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ وَ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَ زَهَقَ وَ اطْمَأَنَّ الدِّينُ وَ تَنَهْنَهَ .

ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 6 / 94 ، ط. إحياء الكتب العربي تحت عنوان : خطبة الامام علي (ع) بعد مقتل محمد بن أبي بكر ، قال : و روى إبراهيم ـ صاحب كتاب الغارات ـ عن رجاله عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال : خطب الامام علي (ع) بعد فتح مصر و قتل محمد بن أبي بكر . فنقل خطبة بليغة ذكر فيها وقائع أليمة وقعت بعد وفاة النبي (ص) ، وذكر بعض ما كتبه لأهل مصر الذي نقلته لكم قبل هذا ، وأشار في خطبته إلى الشورى التي أمر بها عمر بن الخطاب ، وخرج بالنتيجة قائلا :

فصرفوا الولاية إلى عثمان و أخرجوني منها ... ثم قالوا : هلم فبايع و إلا جاهدناك ، فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا ، فقال قائلهم : يا ابن أبي طالب ، إنك على هذا الأمر لحريص ، فقلت : أنتم أحرص مني و أبعد أينا أحرص ؟ أنا الذي طلبت ميراثي و حقي الذي جعلني الله و رسوله أولى به ، أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه و تحولون بيني و بينه ! فبهتوا ، و الله لا يهدي القوم الظالمين .

فيحصل من هذه الكلمات والجملات أنه (ع) قعد عن حقه وسكت ، رعاية لما هو أهم ، إذ أنه كان يعلم بأن المنافقين وأعداء الدين يترصدون ويتربصون ليوقعوا بالمسلمين ويقضوا على الدين ، وإذا كان الإمام علي (ع) يقوم بمطالبة حقه ويجرد الصمصام ، لاغتنم المنافقون واليهود والنصارى الفرصة وقضوا على الإسلام . لذلك صبر وتحمل وسكت على حقه وتنازل .

بعدما احتج عليهم وأثبت حقه في الأشهر الست التي ما بايع فيها كما في كتب أعلامكم ، فكان (ع) يتكلم مع رؤوس المهاجرين والأنصار ويستدل على حقوقه المغصوبة بالآيات البينات والسنن الواضحات والأمور الظاهرات ، فبعد ما بين لهم الحق وأتم عليهم الحجج بايع مكرها لا طائعا فصبر على أمر من العلقم وأحر من الجمر ، كما أشار إلى حاله في الخطبة الشقشقية المروية في نهج البلاغة وهي معروفة قال (ع) :

أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنْ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً حتى إذا مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى عمر من بعده ... الخ .

ولا أطيل عليكم أكثر من هذا ، إنما ذكرت لكم بعض كلماته وخطبه (ع) لنعرف آلامه القلبية من تلك الأحداث ثم نعرف علل قعوده وسكوته عن حقه .

هل الخطبة الشقشقية للإمام علي عليه السلام

الشيخ عبد السلام : أولا : ليس في هذه الخطبة ما يدل على تألمات سيدنا علي كرم الله وجهه .

ثانيا : المشهور أن هذه الخطبة من إنشاء الشريف الرضي ، ألحقها بخطب أمير المؤمنين وليست من إنشاء سيدنا علي ، وقد ثبت في التاريخ أنه ما كان ناقما على خلافة الخلفاء الراشدين قبله بل كان راضيا منهم ومن منجزاتهم .

قلت : كلام الشيخ ينبعث من إفراطه في حب الخلفاء والتعصب لهم ، وإلا فإن تألمات الإمام علي (ع) واضحة في غير الخطبة الشقشقية أيضا وه لا تخفى على كل من تابع الأحداث والقضايا التي وقعت وحدثت بعد رسول الله (ص) ، ولا سيما على المتتبع لخطب الإمام وكتبه وكلماته واحتجاجاته مع مناوئيه وخصمائه .

وأما كلامك بأن هذه الخطبة من إنشاء السيد الرضي ( رضوان الله تعالى عليه ) ، فهو افتراء منك على ذلك السيد الزاهد العابد الورع التقي ، فإنه أجل وأورع من أن يضع خطبة وينسبها إلى سيد الأوصياء (ع) ، فإن هذا الكلام بعيد عن الإنصاف ، وبعيد من أهل التحقيق ، ولقد تعبت أسلافك ، وهم تبعوا المعاندين المتعصبين ، وإلا لو كنت تطالع كتب أعلامكم وتحقق عن الخطبة في تصانيف علمائكم لوجدت اعترافهم وتصريحهم بأنها من خطب الإمام علي (ع) لا محالة .

والشارحون لنهج البلاغة من علمائكم مثل ابن أبي الحديد ، والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية ، والشيخ محمد الخضرمي في كتاب محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية صفحة 27 وغيرهم قد صرحوا أن الخطبة الشقشقية من بيان الإمام علي (ع) وردوا القائلين بأنها من إنشاء الشريف الرضي ، وهم بعض المعاندين والمتعصبين من المتأخرين ، وإلا فأكثر من أربعين عالم من الفريقين الشيعة والسنة شرحوا كتاب نهج البلاغة وكلهم أذعنوا بأن الخطبة الشقشقية أيضا من كلام الإمام علي (ع) لأنها على نسق خطبه الأخرى ، إذ بيانه (ع) يمتاز ببلاغة منفردة تخصه ولا يمكن لأحد أن يشابهه ويقلده فيها حتى الشريف الرضي على ما كان يتمتع به من الأدب الرفيع والفصاحة والبلاغة في التكلم والكتابة ، فهو عاجز أن ينسج مثل الخطبة الشقشقية ، وهذا ليس كلامي وإنما هو كلام علمائكم الكبار مثل الشيخ محمد عبده والعلامة ابن أبي الحديد فإنه نقل في آخر شرحه على الخطبة الشقشقية في الجزء الأول ، عن المصدق بن شبيب أنه قال لابن الخشاب وهو من أساتيذ هذا الفن : إن كثيرا من الناس يقولون إنها من كلام الرضي رحمه الله تعالى ، فقال : أنى للرضيّ و لغير الرضيّ هذا النفس و هذا الأسلوب ! قد وقفنا على رسائل الرضي و عرفنا طريقته و فنه في الكلام المنثور ، و ما يقع مع هذا الكلام في خل و لا خمر .

الخطبة الشقشقية كانت قبل مولد الرضيّ

وبغض النظر عن البلاغة الخاصة بكلام الإمام علي (ع) والمقايسات التي أشار إليها ابن الخشاب وغيره ، فإن كثيرا من علماء الفريقين قالوا : إنهم وجدوا هذه الخطبة في الكتب المنشرة قبل أن يولد الشريف الرضي وقبل أن يولد أبوه أبو أحمد النقيب ـ نقيب الطالبيين ـ ، فقد نقل ابن أبي الحديد في آخر شرحه للخطبة ، عن الشيخ عبدالله بن أحمد المعروف بابن الخشاب أنه قال : والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة ، و لقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها ، و أعرف خطوط من هو من العلماء و أهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي .

ثم قال ابن أبي الحديد : و قد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة و كان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة و وجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلمي الإمامية و هو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف و كان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى و مات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه الله تعالى موجودا . انتهى .

وقال كمال الدين ابن ميثم البحراني الحكيم المحقق في كتابه شرح نهج البلاغة في الخطبة : إني وجدت هذه الخطبة في كتاب الإنصاف لابن قبه ، وهو متوفى قبل أن يولد الشريف الرضي .

ووجدتها أيضا بخط الوزير ابن فرات ، كان قد كتبها في ميلاد الرضي بستين سنة .

فالدلائل والبينات قائمة على أن الخطبة كانت في الكتب والمصنفات قبل أن يولد الشريف الرضي رحمه الله تعالى ، ولكن المعاندين المتعصبين خلقوا هذه الفرية بأن الشقشقية من كلام الشريف الرضي ، حتى يجدوا لأنفسهم مفرا من الجواب .

وعلى فرض صحة كلامهم ، فلو فروا وأعرضوا عن قبول الخطبة ومحتواها من هذا الطريق ، فما يصنعون مع سائر الخطب التي تعرض فيها أمير المؤمنين (ع) أيضا إلى الحوادث والوقائع التي أحدثوها في الإسلام ، فيشكو فيها الإمام علي (ع) ، وبيدي ظلامته ، ويفشي مكنون صدره وآلام قلبه من سوء سلوك القوم وظلمهم له ولأهل بيت المصطفى (ص) ؟

وقد أشرنا إلى بعضها في المجالس السالفة ، ومع ذلك فالشيخ عبد السلام ـ سلمه الله ـ يقول : ما كان علي ناقما من خلافة الراشدين قبله ، وكان راضيا على ما أنجزوا ، ولا أعلم كيف عرف رضاه وهو (ع) كان في كل فرصة ومناسبة يعرب عن سخطه من عمل القوم ؟ ويقول : إنهم أخروه عن مقامه وهو أولى بالنبي (ص) من غيره ، كما في الخطبة المرقمة 190 في شرح ابن أبي الحديد . قال : وَ لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفِظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ (ص) أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّهِ وَ لا عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ وَ لَقَدْ وَاسَيْتُهُ بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الأبْطَالُ وَ تَتَأَخَّرُ الأقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِيَ اللَّهُ بِهَا .

وَ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) وَ إِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي ، وَ لَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي وَ لَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ (ص) وَ الْمَلائِكَةُ أَعْوَانِي فَضَجَّتِ الدَّارُ وَ الأفْنِيَةُ مَلأ يَهْبِطُ وَ مَلأ يَعْرُجُ وَ مَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَ مَيِّتاً ؟!

ثم قال : فَوَالَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ وَ إِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ .

ليت شعري ما يقول الشيخ وأتباعه في هذه الخطبة وأمثالها ؟ وبأي بيان تريدون أن يفشي الإمام علي (ع) سخطه وعدم رضاه في خلافة أبي بكر والذين تقدموا عليه وأخروه ؟

فحق الإمام علي (ع) واضح ولائح ، وفضله وعلوه على غيره ظاهر باهر ، ولا يمكن إخفاؤه بالكلمات ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون )(107) .

الشيخ عبد السلام : إني أؤجل جوابي إلى الليلة المقبلة إن شاء الله والآن نختم المجلس فقد طال بنا وتعب الحاضرون. فتواعدنا وخرجوا .

 

(1) سورة النور ، الآية 26 .

(2) سورة النور ، الآية 26 .

(3) سورة النور ، الآية 3.

(4) سورة الأحزاب ، الآية 57 .

(5) أقول : أخرجه مسلم في صحيحه ج7/135 من حديثها ورواه البغوي في المصابيح ج2 / 35 .

(6) سورة الحجرات ، الآية 2 .

(7) سورة النور ، الآية 63 .

(8) سورة الأحزاب ، الآية 33 .

(9) سورة الأحزاب ، الآية 32 .

(10) أنقل للقارئ الكريم بعض ما نقله ابن قتيبة وهو من أعلام القرن الثالث الهجري ، ومتوفي سنة 276 هجرية ، قال في كتابه الإمامة والسياسة 6 ـ 63 / ط. مطبعة الأمة بمصر سنة 1328 هجرية :

" دخول طلحة والزبير وعائشة البصرة "

قال : وذكروا أنه لما نزل طلحة والزبير وعائشة البصرة اصطف لها الناس في الطريق يقولون : يا أم المؤمنين ما الذي أخرجك من بيتك ؟!

فلما أكثروا عليها ، تكلمت بلسان طلق وكانت من أبلغ الناس : فحمدت الله وأثنت عليه ، ثم قالت : أيها الناس ! والله ما بلغ من ذنب عثمان أن يستحل دمه ، ولقد قتل مظلوما !!

غضبنا لكم من السوط والعصا ، ولا تغضب لعثمان من القتل ؟ وإن من الرأي أن تنظروا إلى قتلة عثمان فيقتلوا به ، ثم يرد هذا الأمر شورى على ما جعله عمر بن الخطاب .

فمن قائل يقول : صدقت ، وآخر يقول : كذبت ، فلم يبرح الناس يقولون ذلك حتى ضرب بعضهم وجوه بعض ، فبينما هم كذلك ، أتاهم رجل من أشراف البصرة بكتاب كان كتبه طلحة في التأليب على قتل عثمان ، فقال الرجل لطلحة : هل تعرف هذا الكتاب ؟ قال نعم ، قال : فما ردك على ما كنت عليه ؟! وكنت أمس تكتب إلينا تؤلبنا على قتل عثمان ، وأنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه !!

وقد زعمتما ـ أي : طلحة والزبير ـ أن عليا دعاكما إلى أن تكون البيعة لكما قبله إذ كنتما أسن منه ، فابيتما إلا أن تقدماه لقرابته وسابقته ، فبايعتماه فكيف تنكثون بيعتكما بعد الذي عرض عليكما ؟!

قال طلحة دعانا إلى البيعة بعد أن اغتصبها وبايعه الناس ، فعلمنا حين عرض علينا أنه غير فاعل ، ولو فعل أبى ذلك المهاجرون والأنصار ، فخفنا أن نرد بيعته فنقتل ، فبايعناه كارهين ، قال فما بدا لكما من عثمان ؟ قال : ذكرنا ما كان من طعننا عليه وخذلاننا إياه ، فلم نجد من ذلك مخرجا إلا الطلب بدمه !!

قال : ما تأمراني به ؟ قال : بايعنا على قتال علي ونقض بيعته !

قال : أريتما أن أتانا بعدكما من يدعونا إلى ما تدعون إليه ما نصنع ؟

قالا : لا تبايعه ! قال : ما أنصفتما ، أتأمراني أن أقاتل عليا وأنقض بيعته وهي في أعناقكما ، وتنهياني عن بيعة له عليكما ؟ أما إننا فقد بايعنا عليا ، فإن شئتما بايعناكما بيسار أيدينا !

قال ثم تفرق الناس فصارت فرقة مع عثمان بن حنيف ـ وهو عامل علي على البصر ـ وفرقة مع طلحة والزبير .

ثم جاء جارية بن قدامة فقال : يا أم المؤمنين ... لقتل عثمان كان أهون علينا من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون ، انه كانت لك من الله تعالى حرمة وستر ، فهتكت سترك ، وأبحت حرمتك !! إنه من رأى قتالك فقد رأى قتلك ، فإن كنت يا أم المؤمنين أتيتينا طائعة ، فارجعي إلى منزلك ، وان كنت أتيتينا مستكرهة فاستعتبي.

" قتل أصحاب عثمان بن حنيف عامل علي على البصرة "

قال : وذكروا أنه لما اختلف القوم اصطلحوا على أن لعثمان بن حنيف دار الإمارة ومسجدها وبيت المال ، وأن ينزل أصحابه حيث شاؤا من البصرة .

وأن ينزل طلحة والزبير وأصحابهما حيث شاؤا ، حتى يقدم علي ، فإن اجتمعوا دخلوا فيما دخل فيه الناس ، وإن يتفرقوا ، يلحق كل قوم بأهوائهم ، عليهم بذلك عهد الله وميثاقه وذمه نبيه (ص) .

وأشهدوا شهودا من الفريقين جميعا .

فانصرف عثمان فدخل دار الامارة وأمر أصحابه أن يلحقوا بمنازلهم ويضعوا سلاحهم ، وافترق الناس وكتموا ما في أنفسهم غير بني عبد القيس فإنهم أظهروا نصرة علي ، وكان حكيم بن جبل رئيسهم ، فاجتمعوا إليه فقال لهم : يا معشر عبد القيس ! إن عثمان بن حنيف دمه مضمون ، وأمانته مؤداة ، وأيم والله لو لم يكن [ بن حنيف ] عليّ أمير لمنعناه لمكانته من رسول الله (ص) فكيف له الولاية والجوار ؟ فأشخصوا بأنصاركم وجاهدوا العدو ، فإما أن تموتوا كراما ، وإما أن تعيشوا أحرار .

فمكث عثمان بن حنيف في الدار أياما ، ثم إن طلحة والزبير ومروان بن الحكم أتوه نصف الليل في جماعة معهم ، في ليلة سوداء مطيرة ، وعثمان نائم فقتلوا أربعين رجلا من الحرس ، فخرج عثمان بن حنيف فشد عليه مروان فأسره وقتل أصحابه ، فأخذه مروان ونتف لحيته ورأسه وحاجبيه ، فنظر عثمان بن حنيف إلى مروان فقال : أما أنك إن فُتّني بها في الدنيا فلم تفتني بها في الآخرة .

أقول : بعدما قرأتم هذا الخبر المعتبر الذي جاء به أحد كبار علمائكم العامة ، أسألكم بالله ... أنصفوا ! ما كان توجيه عمل طلحة والزبير أن نقضا العهد والميثاق !!

وهل الذين يزعمون أنهما من العشرة المبشرة ، يعذرانهما بأن اجتهدا ؟ أيكون الاجتهاد عذرا وجيها للذي يخالف نص كلام الله العزيز الحكيم ؟! إذ يقول سبحانه وتعالى : ( وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الأَْيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ * وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) / النحل 91 و 92 .

ويقول سبحانه عز وجل في آية أخرى :

( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآْخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) آل عمران : 77 ، ويقول سبحانه وتعالى :

( وَ بِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَ أَنَّ هذا صراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام : 152 ـ 153 .

يا ترى هل الزبير وطلحة وعائشة وفوا بالعهد ؟ أم هل اتبعوا الصراط المستقيم بخروجهم على أمير المؤمنين (ع) ؟!

أما شقوا عصي المسلمين ، وفرقوا بينهم ، وألقوا العداء والبغضاء بينهم وأحدثوا في الإسلام ، وشبوا ، نائرة الحرب في المسلمين ، وسببوا الجدال والقتال ، وسفكوا الدماء المحرمة ، وأزهقوا النفوس المؤمنة ؟ وكأنهم ما قرأوا كلام الله العزيز الحكيم إذ يقول : ( وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) النساء 93 .

فإذا كان هذا جزاء من قتل مؤمنا متعمدا ، فكيف بمن قتل المؤمنين متعمدا أو أمر بقتل آلاف من المؤمنين ؟!

فكروا ... وأنصفوا مالكم كيف تحكمون ؟! " المترجم "

(11) قال ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة : 65 و 66 :

وذكروا أن الزبير دخل على عائشة فقال : يا أماه ما شهدت موطنا قط في الشرك ولا في السلام إلا ولي فيه رأي وبصيرة ، غير هذا الموطن فإنه لا رأي لي فيه ولا بصيرة ، وإني لعلى باطل ! قالت عائشة : يا أبا عبدالله ! خفت سيوف بني عبد المطلب ؟! فقال : أما والله أن سيوف بني عبد المطلب طوال حداد ، يحملها فتية أنجاد . ثم قال لابنه عبد الله : عليك بحربك ، أما أنا فراجع لبيتي . فقال له ابنه عبد الله : الآن حين التقت حلقتا البطان واجتمعت الفئتان ! والله لا نغسل رؤوسنا منها !

فقال الزبير لابنه : لا تعد هذا مني جبنا ! فوالله ما فارقت أحدا في جاهلية ولا إسلام . قال : فما بردك ؟

قال : بردني ما أن علمته كسرك . أقول : ألا تعجب من الزبير مع اعترافه أنه على باطل ، يقول لابنه : عليك بحربك ولا ينهاه !!

وفي الصواعق المحرقة / 71 ، ط. الميمنية بمصر / قال ابن حجر : وقد أخبر (ص) بوقعة الجمل وصفين وقتال عائشة (رض) والزبير وعليا ، كما أخرجه الحاكم وصححه البيهقي عن أم سلمة قال : ذكر رسول (ص) خروج إحدى أمهات المؤمنين .

فضحكت عائشة (رض) فقال (ص) : أنظري يا حميراء أن لا تكون أنت !

أقول : نعم نهاها رسول الله (ص) ولكنها خالفت وخرجت وقاتلت ، ولا غرو ... فإنها خالفت ربها وخالقها في ذلك إذ يقول سبحانه ، وتعالى : ( وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأُْولى ) سورة الأحزاب ، الآية 33 . وقال عز وجل : ( وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) سورة الحشر ، الآية 7 .

والعجب من الذين يعظمونها ، ويروون عنها ، ويبنون الأحكام على روايتها ، ويقولون : إنا كانت أربعين ألف حديث . وقي في رد هذا الكلام :

حفظ أربعين ألف حديث ومن الذكر آية تنساها !!

وقال ابن حجر : وأخرج الحاكم وصححه البيهقي عن ابي الأسود قال : شهدت الزبير خرج يريد عليا ، فقال له علي : أنشدك الله هل سمعت رسول الله (ص) يقول : تقاتله وأنت ظالم له ! فمضى الزبير منصرفا .

وفي رواية ابي يعلى والبيهقي ، فقال الزبير : بلى ولكن نسيت !!

أقول : هكذا نسوا الحق ونصروا الباطل ، فهل هذا عذر مقبول ؟! " المترجم "

(12) هذا حديث نبوي شريف صدر من سيد البشر ، واشتهر وانتشر في كتب كثير من علماء السنة وأعلام العامة ، ولم يصدر مثله في حق أي واحد من الصحابة ، وإنما خص النبي (ص) عليا (ع) بهذا المعنى وكرره فيه بتعابير أخرى مثل قوله كما نقله المحب الطبري في الرياض النضرة : ج2 ص 214 وفي ذخائر العقبي ص 61 عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله (ص) : ما اكتسب مكتسب مثل فضل علي يهدي صاحبه إلى الهدى ، ويرده عن الردى الطبراني .

ورواه القندوزي في الينابيع / 203 ، ط. اسلامبول والعلامة الأمر تسري في أرجح المطالب / 98 ط لاهور .

وفي مناقب الموفق بن أحمد الخوارزمي قال رسول الله (ص) لرهط من أصحابه : إن الله تعالى جعل لأخي علي فضائل لا تحصى كثرة .

وقد صرح جمع من أعلام العامة : أنه لم يذكر لأحد من الصحابة الكرام ما ذكر لأمير المؤمنين علي (ع) ، منهم إمام الحنابلة أحمد بن حنبل ، نقل عنه ابن عبدالبر في الاستيعاب : ج2 / 479 ، طبع حيدر آباد سنة 1319 هجرية .

قال : قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن اسحاق القاضي : لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن ابي طالبب (ع) وقال ابن حجر في الصواعق / 72 ، ط الميمنية بمصر :

( الفصل الثاني : في فضائله " رضي الله عنه وكرم وجهه " ) وهي كثيرة عظيمة شهيرة حتى قال أحمد : ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي .

وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري : لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر ما جاء في علي ـ سلام الله عليه ـ .

ونقله الثعلبي في تفسيره عن أحمد بن حنبل آخر الآية الكريمة : ( وإنما وليكم الله ورسوله ... ) ، وأخرجه الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في متابه المناقب : ص20 ، وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك المطبوع في ذليل المستدرك : ج3/107 .

وأخرج الحاكم في المستدرك : ج3 / 107 ، بسنده عن محمد بن منصور الطوسي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (ص) من الفضائل ما جاء لعلي بن ابي طالب ( رضي الله عنه ) . وروى عنه أيضا الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في كتابه ينابيع المودة / الباب الأربعون وخرجه العلامة الكنجي الشافعي المتوفى سنة 658 ، وهو الشهير بفقيه ومفتي العرقين ، محدث الشام وصدر الحفاظ ، قال في كتابه كفاية الطالب في مناقب مولانا علي بن ابي طالب / الباب الثاني والستون / صفحة 124 ، طبع الغري : ويدلك على ذلك ـ أي كثرة فضائله (ع) ـ ما رويناه عن إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل وهو أعرف أصحاب أهل الحديث في علم الحديث : قريع قران أقرانه ، وإمام زمانه ، والمقتدى به في هذا الفن في إبانه ، والفارس الذي نكب فرسان الحفاظ في ميدانه ، وروايته مقبولة وعلى كاهل التصديق محمولة ، ولا يتهم في دينه ، فجاءت روايته فيه كعمود الصبح ولا يمكن ستره بالراح ، وهو ما أخبرنا العلامة مفتي الشام أبو نصر محمد ... ذكر إسناده إلى محمد بن منصور الطوسي يقول : سمعت الإمام أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (ص) ما جاء لعلي بن ابي طالب .

ثم قال الكنجي : وقال الحافظ البيهقي : وهو ـ أي علي (ع) ـ أهل كل فضيلة ومنقبة ومستحق لكل سابقة ومرتبة ولم يكن أحد في وقته أحق بالخلافة منه .

قال الكنجي : هكذا أخرجه الحافظ الدمشقي في ترجمته (ع) من التاريخ .

وقال سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص :23، ط مؤسسة أهل البيت بيروت : الباب الثاني في ذكر فضائله (ع) : وهي أشهر من الشمس والقمر ، وأكثر من الحصى والمدر ، وقد اخترت منها ما ثبت واشتهر .. ثم يستدل على كثرة فضائله (ع) برواية ابن عباس (رض) : لو أن الشجر أقلام والبحور مداد و الإنس كتاب و الجن حساب ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين علي (ع) .

واعلم أن هذا الحديث الشريف خرجه جمع من أعلام العامة في كتبهم منهم : الموفق بن أحمد الخوارزمي وهو من أعلام القرن السادس الهحري ومتوفي سنة 568 هجرية ، خرج الحديث عن مجاهد عن ابن عباس في المناقب /18 و229 ، ط تبريز قال : قال رسول الله ( ص ) لو أن الغياض أقلام و البحر مداد و الجن حساب و الإنس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن ابي طالب .

وخرجه الإسلام الحمويني أيضا في كتابه فرائد السمطين وخرجه الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني في كتابه لسان الميزان : ج5/ 62 ط حيدر آباد ، وخرجه العلامة جمال الدين عطاء الله الهروي في الاربعين حديثا.

أقول : وقال القندوزي في ينابيع المودة / أواخر الباب الأربعين :

وفي المناقب ـ أي مناقب احمد بن حنبل ـ عن ابي الطفيل قال : قال بعض الصحابة : لقد كان لعلي من السوابق ما لو قسمت سابقة منها بين الناس لوسعتهم خيرا . واستمع إلى بن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج9 /116 ، ط دار احياء التراث العربي بيروت / لما يريد أن يذكر بعض فضائله (ع) يقول : واعلم أن أمير المؤمنين ع لو فخر بنفسه و بالغ في تعديد مناقبه و فضائله بفصاحته التي آتاه الله تعالى إياها و اختصه بها و ساعده على ذلك فصحاء العرب كافة لم يبلغوا إلى معشار ما نطق به الرسول الصادق صلوات الله عليه في أمره .. وبعدما ينتهي من نقل الأخبار والأحاديث الناطقة بفضائله ومناقبه يقول :

و اعلم أنا إنما ذكرنا هذه الأخبار هاهنا لأن كثيرا من المنحرفين عنه ع إذا مروا على كلامه في نهج البلاغة و غيره المتضمن التحدث بنعمة الله عليه من اختصاص الرسول له ص و تميزه إياه عن غيره ينسبونه إلى التيه و الزهو و الفخر و لقد سبقهم بذلك قوم من الصحابة قيل لعمر ول عليا أمر الجيش و الحرب فقال هو أتيه من ذلك و قال زيد بن ثابت ما رأينا أزهى من علي و أسامة. فأردنا بإيراد هذه الأخبار هاهنا عند تفسير قوله "نحن الشعار و الأصحاب و نحن الخزنة و الأبواب" أن ننبه على عظم منزلته عند الرسول ص و أن من قيل في حقه ما قيل لو رقي إلى السماء و عرج في الهواء و فخر على الملائكة و الأنبياء تعظما و تبجحا لم يكن ملوما بل كان بذلك جديرا فكيف و هو ع لم يسلك قط مسلك التعظم و التكبر في شي‏ء من أقواله و لا من أفعاله و كان ألطف البشر خلقا و أكرمهم طبعا و أشدهم تواضعا و أكثرهم احتمالا و أحسنهم بشرا و أطلقهم وجها حتى نسبه من نسبه إلى الدعابة و المزاح و هما خلقان ينافيان التكبر و الاستطالة و إنما كان يذكر أحيانا ما يذكره من هذا النوع نفثة مصدور و شكوى مكروب و تنفس مهموم و لا يقصد به إذا ذكره إلا شكر النعمة و تنبيه الغافل على ما خصه الله به من الفضيلة فإن ذلك من باب الأمر بالمعروف و الحض على اعتقاد الحق و الصواب في أمره و النهي عن المنكر الذي هو تقديم غيره عليه في الفضل فقد نهى الله سبحانه عن ذلك فقال ( أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ، يونس :35 ، انتهى كلامه .

أقول : إذا كان تقديم غيره عليه (ع) منكرا بدليل الآية الكريمة ، فكيف تقول في مقدمة شرح نهج البلاغة : الحمد لله الذي ... دم المفضول على الافضل ؟1 أي قدم أبا بكر على الإمام علي (ع) ـ وهل الباري عز وجل يعمل منكرا ؟! حاشاه ثم حاشاه ، أم هل ينقض قوله بفعله ؟! كلا وألف كلا ، فإن الله تبارك وتعالى ما قدم المفضول على الأفضل ، بل أمر عباده بمتابعة الأفضل بحكم العقل وصرح بذلك في قوله الحكيم : ( أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى ) ثم عاتبهم على سوء اختيارهم وحكمهم قائلا : (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)؟!

فأقول لابن ابي الحديد ولمن حذا حذوه وسلك مذهبه :

إن تقديم المفضول على الأفضل ما كان فعل الله عز وجل ، بل هو من تسويلات نفوس المنافقين ومن عمل الشيطان الذي ضل وأضل نعوذ بالله رب العباد من التعصب والعناد ومن توجيه الضلالة والشقاوة والفساد .

فالبيان الفصيح ، واعتراف وتصريح المآلف والمخالف بأن الإمام علي (ع) سبق الآخرين بفضائله ومناقبه ، فلا يضاهيه أحد من المسلمين ، ولا يلحقه احد من المؤمنين . وفي ختام التعليق أنقل ابيات من الشاعر الأديب العبقري ، عبد الباقي العمري يخاطب أمير المؤمنين (ع) قائلا :

أنت العلي الذي فوق العلى رفعا ببطن مكة وسط البيت إذ وضعــا

وأنت نقطة بــاء مـــع توحـــدها بها جميع الذي في الذكر قد جمعا

إلى أن يقول :

ما فوق الله شيئا في خليقته من الفضائـل إلا عنـــدك اجتمعــا

" المترجم "

(13) رواه العلامة الكنجي في كفاية الطالب / الباب السادس والخمسون بإسناده إلى أنس بن مالك أنه قال : بعثني النبي (ص) إلى ابي برزة فقال له وأنا أسمع ... ثم ذكر الحديث بتمامه . " المترجم "

(14) و أخرجه ابن ابي الحديد في شرح النهج ج9 / 169 ، قال : خرج النبي (ص) على الحجيج عشية عرفة فقال لهم : إن الله قد باهى بكم الملائكة عامة ، و غفر لكم عامة ، و باهى بعلي خاصة ، و غفر له خاصة ، إني قائل لكم قولا غير محاب فيه لقرابتي ، إن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب عليا في حياته و بعد موته .

قال رواه أحمد بن حنبل في كتاب فضائل علي (ع) ، وفي المسند أيضا . " المترجم "

(15) لقد أعلن النبي (ص) كرارا ومرارا بأنه : كذب من زعم أنه يحبني وهو يبغض عليا . قال بعبارات وألفاظ مختلفة والمعنى واحد ، فقد روى ابن المغازلي في مناقبه بإسناد يرفعه إلى أنس بن مالك ... قال النبي (ص) لعلي : كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني . وروى ابن حسنويه في در بحر المناقب عن أحمد بن مظفر بسنده عن أنس ، بعين ما تقدم .

وروى شيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين بسنده عن عبدالملك بن عمير عن أنس : يا علي من زعم أنه يحبني ويبغضك فهو كاذب . والعلامة الذهبي في ميزان الاعتدال : ج1 / 251 ، ط. القاهرة / روى عن عبد الملك بن عمير عن أنس : يا علي ! كذب من زعم أنه يحبني و يبغضك ، وفي ج2 / 313 بنفس الاسناد : من زعم أنه يحبني وأبغض عليا فقد كذب .

وبن حجر الهيثمي في لسان الميزان : ج2 / 285 ، ط. حيدر آباد رواه كما في ميزان الاعتدال سندا ومتنا . وروى العلامة الكنجي في كفاية الطالب / الباب الثامن والثمانون / بإسناده إلى أم سلمة قالت : دخل علي بن ابي طالب على النبي (ص) فقال النبي (ص) : كذب من زعم أنه يحبني و يبغض هذا ، قال هذا حديث حسن عال رواه التكريتي في " مناقب الأشراف " وابن كثير في البداية والنهاية : ج7 / 354 ، ط. مصر عن أم سلمة : أن رسول الله (ص) قال لعلي : كذب من زعم أنه يحبني و يبغضك ، ورواه أيضا بنفس اللفظ عن ابي سعيد عن النبي (ص) .

والخطيب موفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب : 45 ، ط. تبريز / روى بسنده المتصل إلى عبد الله بن مسعود أنه قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض عليا فهو كاذب ليس بمؤمن . ورواه ابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية : ج7 / 354 ، عن طريق آخر عن ابن مسعود ، ورواه أيضا العلامة الامرتسري في أرجح المطالب / 519 ، ط. لاهور / عن ابن مسعود .

وأخرج ابن كثير أيضا في البداية والنهاية : ج7 / 354 ، ط. مصر / عن جابر أن رسول الله (ص) قال لعلي : كذب من زعم أنه يحبني و يبغضك . وابن المغازلي في المناقب / حديث رقم /233 بسنده عن سلمان قال : قال رسول الله (ص) لعلي : يا علي محبك محبي ومبغضك مبغضي .

وفي حديث رقم 309 روى بسنده عن نافع مولى ابن عمر عنه عن رسول (ص) قال لعلي (ع) : ....وأنت وارثي ووصيي ، تقضي ديني وتنجز عداتي وتقتل على سنتي ، كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني ، وفي حديث رقم 277 روى ابن المغازلي بسنده عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله (ص) : أوصي من آمن بي و صدقني بولاية علي بن ابي طالب فمن تولاه فقد تولاني ، و من تولاني فقد تولى الله ، و من أحبه فقد أحبني و من أحبني فقد أحب الله ، و من أبغضه فقد أبغضني و من أبغضني فقد أبغض الله عز و جل .

وأخرجه المتقي حسام الدين في كنز العمال : ج6/154 ، وقال رواه الطبراني المعجم الكبير ، وذكره في منتخبه أيضا : ج5/ 32 ، وقال رواه وابن عساكر ، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد : ج9/108 .

وفي فرائد السمطين أخرج الحمويني حديثا مسندا إلى ابن عباس وفيه : كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك ، والخطاب إلى علي (ع) من النبي (ص) .

وفي أرجح المطالب 446 / ، ط لاهور ، أخرج حديثا عن طريق الحسن بن بدر ، والحاكم ، وابن النجار ، والمتقي في كنز العمال ، وابن السمان في الموافقة ، والمحب الطبري ، عن ابن عباس وفيه : وكذب علي من زعم أنه يحبني ويبغضك .

وفي لسان الميزان : ج4/ 399 ، ط. حيدر آباد / أخرج العسقلاني عن الإمام علي (ع) عن رسول الله (ص) قال : من زعم أنه يحبني وأبغض عليا فقد كذب .

وفي أرجح المطالب 518 / ط. لاهور / عن العباس بن عبد المطلب قال : سمعت عمر بن الخطاب ، وقد سمع رجلا يسب عليا ، ... فقال : كفوا عن ذكر علي إلا بخير ، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول :في علي ثلاث خصال ... كذب من زعم أنه يحبني وهو يبغضك ، يا علي ! من أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله تعالى ومن أحبه الله تعالى أدخله الجنة و من أبغضك فقد أبغضني، و من أبغضني فقد أبغضه الله تعالى، و من أبغضه الله تعالى أدخله النار . أخرجه الخوارزمي .

واعلم أيها القارئ الكريم ! أن الروايات الواردة بهذا المعنى أكثر مما ذكرنا بحيث يحصل منها علم اليقين لمن يطلب الحق ويكون من المنصفين . " المترجم "

(16) لقد ذكر المؤلف الخبر : أن معاوية استعمل أساليب عدوانية للمنع من رواية فضائل الإمام علي (ع) ونشرها .. وهذا أمر مشتهر لا ينكر ولكي يطمئن القارئ النبيل ويتلقى الخبر مع شاهد ودليل ، أروي لكم ما نقله ابن ابي الحديد في شرح النهج : ج11/44ـ46 ، ط دار إحياء التراث العربي / قال : و روى أبو الحسن علي بن محمد بن ابي سيف المدائني في كتاب الأحداث قال كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل ابي تراب و أهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة و على كل منبر يلعنون عليا و يبرءون منه و يقعون فيه و في أهل بيته و كان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي ع فاستعمل عليهم زياد ابن سمية و ضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة و هو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي ع فقتلهم تحت كل حجر و مدر و أخافهم و قطع الأيدي و الأرجل و سمل العيون و صلبهم على جذوع النخل و طرفهم و شردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم و كتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي و أهل بيته شهادة و كتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان و محبيه و أهل ولايته و الذين يروون فضائله و مناقبه فادنوا مجالسهم و قربوهم و أكرموهم و اكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم و اسمه و اسم ابيه و عشيرته.

ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان و مناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات و الكساء و الحباء و القطائع و يفيضه في العرب منهم و الموالي فكثر ذلك في كل مصر و تنافسوا في المنازل و الدنيا فليس يجي‏ء أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه و قربه و شفعه فلبثوا بذلك حينا.

ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر و فشا في كل مصر و في كل وجه و ناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة و الخلفاء الأولين و لا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في ابي تراب إلا و تأتوني بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب إلى و أقر لعيني و أدحض لحجة ابي تراب و شيعته و أشد عليهم من مناقب عثمان و فضله. فقرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر و ألقي إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم و غلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه و تعلموه كما يتعلمون القرآن و حتى علموه بناتهم و نساءهم و خدمهم و حشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله.

ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا و أهل بيته فامحوه من الديوان و أسقطوا عطاءه و رزقه و شفع ذلك بنسخة أخرى من اتهمتموه بمولاه هؤلاء القوم فنكلوا به و أهدموا داره فلم يكن البلاء أشد و لا أكثر منه بالعراق و لا سيما بالكوفة حتى أن الرجل من شيعة علي ع ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره و يخاف من خادمه و مملوكه و لا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه.

فظهر حديث كثير موضوع و بهتان منتشر و مضى على ذلك الفقهاء و القضاة و الولاة و كان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراءون و المستضعفون الذين يظهرون الخشوع و النسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم و يقربوا مجالسهم و يصيبوا به الأموال و الضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الأخبار و الأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب و البهتان فقبلوها و رووها و هم يظنون أنها حق و لو علموا أنها باطلة لما رووها و لا تدينوا بها .==

= قال ابن ابي الحديد : و قد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه و هو من أكابر المحدثين و أعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر و قال إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم.

وجاء في الصواعق المحرقة /76 ، ط الميمنية بمصر / قال : وأخرج ابن عساكر .. وقال عبد الله بن عباس بن ابي ربيعة : كان لعلي ما شئت من ضرس قاطع في العلم و كان له القدم في الإسلام و الصهر برسول الله (ص) و الفقه في السنة و النجدة في الحرب و الجود في المال قال ابن حجر : وأخرج الطبراني وابن ابي حاتم عن ابن عباس قال : ما أنزل الله ( يا أيها الذين آمنوا ) إلا وعلي أميرها وشريفها ، ولقد عاتب الله أصحاب محمد (ص) في غير مكان وما ذكر عليا إلا بخير ، قال : وأخرج ابن عساكر عنه ـ أي عن ابن عباس ـ قال : ما نزل في أحد من كتاب الله تعالى ما نزل في علي (ع) وأخرج عنه أيضا قال : نزل في علي ثلاثمائة آية : قال : واخرج الطبراني عنه ـ أي عن ابن عباس ـ قال : كانت لعلي ثمانية عشر منقبة ما كانت لأحد من هذه الأمة .

قال ابن حجر : ولما دخل الإمام علي (ع) الكوفة دخل عليه حكيم من العرب فقال و الله يا أمير المؤمنين لقد زينت الخلافة و ما زينتك و رفعتها و ما رفعتك و هي كانت أحوج إليك منك إليها .

قال : وأخرج السلفي في الطيوريات عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سألت ابي عن علي ومعاوية ؟ فقال : اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ، ففتش له أعداؤه شيئا فلم يجدوه . فجاءوا الى رجل قد حاربه وقاتله ـ وهو معاوية ـ فأطروه كيدا منهم له !!

ونعم ما قال المرحوم العلامة الكبير والأديب النحرير والشاعر الشهير المرحوم السيد رضا الهندي في القصيدة الكوثرية :

قاسوك ـ أبا حسن ـ بسواك وهل بالطود يقاس الذر

أنى ساووك بمن ناووك وهل ساووا نعلي قنبر !!

نعم والله ..

فأين الحصى من نجوم السماء وأين معاوية من علي ؟

أقول : ورأيت في بعض الكتب ، أنه قيل للخليل النحوي : ما رأيك في علي بن ابي طالب (ع) ؟

فقال : ما أقول في حق رجل أخفى الأحباء فضائله من خوف الأعداء ، وسعى أعداؤه في إخفائها من الحسد والبغضاء ، وظهر من فضائله مع ذلك كله ما ملأ المشرق والمغرب .

وفي أمالي الشيخ الطوسي ( قدس سره ) :

قال :حدثني يونس بن حبيب النحوي، و كان عثمانيا، قال قلت للخليل بن أحمد أريد أن أسألك عن مسألة فتكتمها علي ؟

قال ( الخليل ) : إن قولك يدل على أن الجواب أغلظ من السؤال، فتكتمه أنت أيضا قال قلت نعم، أيام حياتك.

قال سل. قال قلت ما بال أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و رحمهم كأنهم بنو أم واحدة و علي بن ابي طالب من بينهم كأنه ابن علة ؟

قال : من أين لك هذا السؤال ؟

قال : قلت قد وعدتني الجواب.

قال: و قد ضمنت الكتمان.

قال : قلت أيام حياتك.

فقال إن عليا (عليه السلام) تقدمهم إسلاما، و فاقهم علما، و بذهم شرفا، و رجحهم زهدا، و طالهم جهادا فحسدوه، و الناس إلى أشكالهم و أشباههم أميل منهم إلى من بان منهم، فافهم. ـ انتهى ـ " المترجم "

(17) سورة البينة ، الآية 7.

(18) لم ينفرد العلامة الكنجي الشافعي بهذا الإخراج والبيان، وانما أخرج جمع كثير من أعيان العلماء وأعلام المحدثين والمفسرين.

أما بالنسبة إلى الآية الكريمة وأن المقصود من (أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة ) البينة : 7 ، فقد قالوا : هم علي وشيعته ومحبوه ، هكذا رواه سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص / 27 ط. مؤسسة أهل البيت بيروت ، عن مجاهد . وروى آخرون بطرق شتى عن النبي (ص) أنه قال : علي وشيعته خير البرية ، أو أنه (ص) خاطب عليا فقال : أنت وشيعتك خير البرية أو بعبارات أخرى رواها القوم منهم : موفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب ، والحاكم أبو اسحاق الحسكاني في شواهد التنزيل ، والعلامة الطبري في تفسيره : ج3/146 ، ط. الميمنية بمصر ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة / 150 ، وجلال الدين السيوطي في تفسيره المسمى بالدر المنثور : ج6 / 379 ط مصر ، والصواعق المحرقة / 96 ، ط. الميمنية بمصر / الآية الحادية عشر / ، والكشفي الترمذي في الماقب المرتضوية / 47 ط. بمبئي ، والعلامة الشوكاني في فتح القدير : ج5/ 464 ط. مصطفى الحلبي بمصر ، والعلامة الآلوسي في تفسيره روح المعاني : ج30 / 207 / ط . المنيرية بمصر ، والعلامة الشبلنجي في نور ا لأبصار ، والقندوزي في ينابيع المودة / 361 طبع المكتبة الحيدرية .

وأما الحديث الذي انتشر وصدر عن لسان محمد (ص) سيد البشر ، واشتهر بين المحدثين وأصحاب الرواية والخبر : علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر ، فقد أخرجه جمع من أعلام أهل السنة وعلماء العامة منهم : ابن مردويه في كتابه المناقب بسند يرفعه إلى حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله (ص) : علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر ، وأخرج الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : ج7 / 421 ، طبعة السعادة بمصر / بإسناده إلى جابر قال : قال رسول الله (ص) : علي خير البشر ، فمن امترى فقد كفر .وأخرجه أيضا الحافظ ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج9 / 419 ط. حيدر آباد وروى الحمويني في فرائد السمطين باسناده إلى عبد الله بن علي بن ضغيم عن النبي (ص) : من لم يقل علي خير البشر فقد كفر .

وأخرج الفخر الرازي في " نهاية العقول في دراية الأصول " عن ابن مسعود عن رسول الله (ص) : علي خير البشر ، من أبى فقد كفر .

وأخرج المتقي حسام الدين الهندي في كنز العمال : ج6 / 156 ط. حيدر آباد عن ابن عباس عن النبي (ص) : علي خير البشر ، وفيها أيضا : علي خير البشر ، من شك فيه كفر ، وفي كنز العمال المطبوع بهامش المسند : ج5 / 35 ط. حيدر آباد علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر ، قال رواه عن جابر ، وروى عن الخطيب عن ابن عباس : من لم يقل علي خير الناس فقد كفر .

وفي كنوز الحقائق للمناوي / 98 ط. بولاق بمصر / عن النبي (ص) : علي خير البشر ، من شك فيه كفر ، وفيها : علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر .

والهمداني الشافعي في مودة القربى / المودة الثالثة : عن جابر عن النبي (ص) : علي خير البشر ، من شك فيه فقد كفر ، وعن حذيفة : علي خير البشر ، ومن أبى فقد كفر .

واعلم أن عليا (ع) خير البشر بعد رسول الله (ص) .

فقد روي عنه (ع) : أنا عبد من عبيد محمد (ص) .

وقد روي عن رسول الله (ص) معنى علي خير البشر بتعبير آخر :

ففي لسان الميزان : ج 6 / 78 ط. حيدر آباد / روى العسقلاني عن ابي بكر قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : علي خير من طلعت عليه الشمس وغربت بعدي .

وفي رواية علي خير من يمشي على الأرض بعدي : وفي مناقب الموفق بن أحمد الخوارزمي / 67 ط. تبريز / بإسناده عن سلمان عن النبي (ص) : أن أخي ووزيري وخير من أخلفه بعدي علي بن ابي طالب (ع) .

وفي نظم درر السمطين للعلامة الزرندي الحنفي / 98 ط. مطبعة القضاء / عن النبي (ص) : علي يقضي ديني ، وينجز موعدي ، وخير من أخلف بعدي من أهلي . وفي كتاب المواقف : ج2 / 615 ط. الاستانة / تأليف القاضي عضد الدين : روى عن النبي (ص) : أخي ووزيري وخير من أتركه بعدي علي بن ابي طالب . وفي المناقب المرتضوية / 117 ، ط. بمبئي للكشفي الترمذي / روى عن النبي (ص) : أن أخي ووزيري وخليفتي في أهلي وخير من أترك بعدي علي بن ابي طالب ، رواه عن أنس بن مالك ، وروى في صفحة 96 رواية بالمعنى آخرها : وخير من أخلفت بعدي علي بن ابي طالب ، وقال : إنه روي عن سلمان وأنس في كتاب هداية السعداء وقال : ورواه أبو بكر بن مرودويه في المناقب .

وفي مناقب الخوارزمي / 66 ، ط. تبريز ، وفي لسان الميزان : ج1 / 175 ، ط. حيدر آباد ، وفي فتح البيان للعلامة حسن خان الحنفي : ج10 / 323 ، ط.مصر ، بإسنادهم إلى ابي سعيد الخدري عن النبي (ص) : علي خير البرية ، وبحكم الله وبحكم العقل : خير البرية لا يولى أحد عليه ، وخير البشر هو ولي البشر وإمامهم ما دام حيا . " المترجم "

(19) ورد هذا المعنى : حب علي إيمان وبغضه نفاق ، بعبارات شتى وعن طرق كثيرة أخرجها المحدثون الكرام والعلماء الأعلام من أهل السنة في مسانيدهم وكتبهم منهم : الإمام أحمد بن حنبل في المسند : ج6 / 192 ط. الميمنية بمصر ، عن أم سلمة سلام الله عليها ، والعلامة البيهقي في كتاب المحاسن والمساي / 41 ، ط بيروت / عن أم سلمة أيضا ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / 35 ، ط. مؤسسة أهل البيت بيروت / قال : وأخرج الترمذي عن أم سلمة عن النبي (ص) قال : لا يحب عليا إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق . حديث حسن صحيح .

والمحب الطبري في الرياض النضرة : ج2 / 214 ، ط. مكتبة الخانجي بمصر وفي ذخائر العقبي / 91 ، ط. مكتبة القدسي بمصر / رواه عن أم سلمة ، والحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال : ج2 / 53 ، ط. القاهرة / عن أم سلمة والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح / 564 ، ط. دهلي / عن أم سلمة والحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : ج7 / 57 ، ط. البهية بمصر / وفي تهذيب التهذيب : ج8 / 456 ، ط. حيدر آباد / رواه عن أم سلمة ، وروى عنها أيضا ، الشيخ عبد القادر الخيراني في سعد الشموس والأقمار / 210 ، ط. التقدم بالقاهرة ، والعلامة النبهاني في الفتح الكبير : ج3 / 355 ، والعلوي الحضرمي في القول الفصل : ج1 / 63 ، ط. جاوة ، والعلامة الامرتسري في أرجح المطالب / 512 و 523 ، ط. لاهور وروى ابن ابي الحديد في شرح النهج : ج9 / 172 ، ط. دار إحياء التراث العربي قال : خطب النبي (ص) يوم الجمعة فقال : ... أيها الناس ! أوصيكم بحب ذي قرباها ، أخي و ابن عمي علي بن ابي طالب ، لا يحبه إلا مؤمن و لا يبغضه إلا منافق ، من أحبه فقد أحبني و من أبغضه فقد أبغضني ، و من أبغضني عذبه الله بالنار .

قال رواه أحمد ( رضي الله عنه ) في كتاب فضائل علي (ع) ، وهو أخرجه باسناده عن عبدالله بن حنطب عن ابيه ورواه العلامة سبط ابن الجوزي في التذكرة / 35 ، ط.مؤسسة أهل البيت / بيروت ، والعلامة محب الدين الطبري في ذخائر العقبي 91 / ، ط. مكتبة القدسي ، وفي الرياض النضرة : ج2 / 214 ط. مصر ، والحافظ الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة / 252 ، ط المطبعة الحيدرية ، والعلامة الامرتسري في أرجح المطالب / 41 و 513 428 ط. لاهور .

وفي رواية عن الإمام علي (ع) قال : عهد إلى النبي (ص) أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ، رواه أحمد بن حنبل في المسند : 1/84 ، ط. مصر ، وفي صحيح مسلم : ج1 / 60 ، ط محمد علي صبيح بمصر / باسناده إلى الإمام علي (ع) قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي (ص) إلي أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ، ورواه الحافظ ابن ماجه في سنن المصطفى : ج1 / 55 ، ط. المطبعة التازيه بمصر ، والحافظ الترمذي في صحيحه : ج13 / 177 ، ط. الصاوي بمصر ، والنسائي في الخصائص 27 / ط التقدم بمصر ، والحافظ عبد الرحمن ابي حاتم في علل الحديث : ج2 / 400 ط. السلفية بمصر ، والحاكم في معرفة الحديث / 180 ط. القاهرة والحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء : ج4 / 185 ، ط. السعادة بمصر ، رواه باسناده عن الإمام علي (ع) وقال : هذا حديث صحيح متفق عليه ، وروى عنه (ع) ، الحافظ البيهقي في السنن : ج2 / 271 ط. الميمنية بمصر والخطيب البغدادي في تاريخه : ج2 / 255 ، ط. السعادة بمصر ، ورواه عن طريق آخر أيضا (ع) في ج8 / 418 ، وعن طريق ثالث في ج 14 / 426 ورواه عن طريق رابع عنه (ع) في كتابه موضح الجمع والتفريق / 468 ط. حيدر آباد ، ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب : ج2 / 461 ط. حيدر آباد ، والقاضي محمد بن ابي يعلى في طبقات الحنابلة : ج1 / 320 ط.القاهرة ، والعلامة البغوي في مصابيح السنة : ج 1 / 201 ط. الخيرية بمصر ، والخطيب الموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب : ج 228 ، ط. تبريز / روى باسناده إلى الإمام علي (ع) قال : قال لي رسول الله (ص) : لا يحبك إلا مؤمن تقي ولا يبغضك إلا فاجر ردي ، والحافظ ابن الجوزي في صفة الصفوة : ج1 / 121 ط. حيدر آباد ، وابن الأثير الجزري في جامع الأصول ج9 / 473 ط. السنة المحمدية بمصر ، وفي أسد الغابة : ج4 / 26 ط. مصر ، والعلامة سبط ابن الجوزي في التذكرة / 35 ، ط. مؤسسة أهل البيت بيروت ، والشيخ محي الدين الدمشقي في الأذكار / 355 ط. القاهرة ، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبي / 91 ، ط. القدسي بمصر ، وفي الرياض النضرة : ج2 / 214 ، ط. مصر ، والعلامة محمد بن مكرم الافريقي في لسان العرب : ج3 / مادة عهد / وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين ، وابن تيمية الحراني في منهاج السنة : ج3 / 17 ، ط. القاهرة ، وعلاء الدين الخازن في تفسيره : ج2 / 180 ، ط. مصر ، والعلامة الذهبي في دول الإسلام : ج2 / 20 ، ط. حيدر آباد ، وفي ميزان الاعتدال : ج1 / 334 ، ط. القاهرة وهو أيضا في تاريخ الإسلام : ج2 / 189 ط. مصر ، والعلامة الزرندي في نظم الدرر ط. مصر ، والحافظ أبو زرعة في طرح التثريب في شرح التقريب : ج1 / 86 ، ط. جمعية النشر بمصر ، والعلامة الشيخ تقي الحلبي في نزهة الناظرين / 39 ط. الميمنية بمصر ، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري : ج7 / 57 ، وفي لسان الميزان : ج2 / 446 ، ط. حيدر آباد ، وفي الدرر الكامنة ج4 ص 308 ، ط. حيدر آباد ، رواه بطرق شتى عن الإمام علي (ع) . وجلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء / 66 ، ط. الميمنية بمصر ، والمتقي الهندي في كنز العمل المطبوع بهامش المسند : ج5 / 3 وابن حجر المكي في الصواعق / 73 / ط. الميمنية بمصر ، والشيخ أحمد بن يوسف الدمشقي في أخبار الدول وآثار الأول / 102 ط. بغداد والعلامة المناوي في كنوز الحقائق / 46 ، ط. بولاق بمصر ، وفي صفحة 192 و 203 من نفس الطبعة ، والعلامة عبد الغني النابلسي في ذخائر المواريث : ج3 / 15 ، والشيخ محمد الصبان في اسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار / 173 ، ورواه آخرون مثل النبهاني في الشرف الموبد لآل محمد ، والشيخ أحمد البناء في بدايع المنن ، والشيخ محمد العربي في إتحاف ذوي النجابة ، ورواه كثير من ذكرنا ، وروى العلامة العدوى الحمزاوي في مشارق الأنوار / 122 ، طبع مصر عن عبد الله بن عباس عن النبي (ص) : حب علي إيمان وبغضه كفر .

وروى الطحاوي في مشكل الآثار : ج1 / 48 ، ط. حيدر آباد ، حديثا مسندا إلى عمران بن حصين عن النبي (ص) قال في علي : لا يبغضه إلا منافق .

وروى الحافظ الهيثمي في مجمع الزائد : ج9 / 133 ط. مكتبة القدسي بالقاهرة : قال النبي (ص) لعلي : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ، وقال رواه الطبراني في الأوسط ، والقاضي ابن عياض رواه أيضا في كتابه الشفاء بتعريف حقوق المصطفى : ج2 / 41 ومثله في تذكرة الحفاظ : ج1 / 10، ط. حيدر آباد ، ومثله في " نقد عين الميزان " للعلامة بهجت الدمشقي / 14 ، ط. مطبعة القيمرية ، والعلامة التونسي الكافي في السيف اليماني المسلول / 49 .

وروى جماعة باسنادهم عن النبي (ص) من مات وفي قلبه بغض لعلي ( رضي الله عنه ) ، فليمت يهوديا أو نصرانيا ، رواه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال :ج 3 / 263 ، ط. حيدر آباد ، وابن حجر العسقلاني في لسان الميزان : ج4 / 251 و ج3 / 90 ط. حيدر آباد والعلامة الامر تسري في أرجح المطالب / 119 ، ط. لاهور أو رووا بمعناه . وأخرج القندوزي في ينابيع المودة / 252 ط. المطبعة الحيدرية : عن جابر قال : ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم عليا ، قال : أخرجه أحمد وأخرج الترمذي عن ابي سعيد الخدري ما هو معناه أيضا .

وفي صحيح الترمذي : ج13 / 168 ط. الصاوي بمصر ، عن ابي سعيد الخدري قال : إنا كنا لنعرف المنافقين ببغضهم علي بن ابي طالب ، ورواه عن ابي سعيد جماعة منهم : أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء : ج6 / 294 طبع مصر ، والخطيب البغدادي في تاريخه : ج13 / 153 ط. السعادة بمصر ، والحافظ رزين بن معاوية العبدري في الجمع بين الصحاح نقلا من سنن ابي دود بإسناده إلى ابي سعيد الخدري . والعلامة ابن الأثير الجزري في جامع الأصول : ج9 / 473 ط. المحمدية بمصر ، وفي أسد الغابة : ج4 / 29 طبع مصر ، والعلامة النووي في تهذيب الأسماء واللغات / 248 ، ط. الميمنية بمصر ، والعلامة الزرندي في نظم درر السمطين / 102 ، ط. مطبعة القضاء ، والعلامة الذهبي في تاريخ الإسلام : ج2 / 198 طبع مصر ، والعلامة السيوطي في تاريخ الخلفاء ، / 170 ط. السعادة بمصر ، وابن حجر المكي في الصواعق / 73 ، ط. الميمنية بمصر ، والمتقي الهندي في كنز العمال : ج6 / 152 ، والشيخ محمد الصبان في إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار / 174 ، ط. مصر ، والشيخ عبد القادر الخيراني في سعد الشموس والأقمار / 210 ط. التقدم بالقاهرة ، والعلوي الحضرمي في القول الفصل / 448 ط. جاوا ، والامرتسري في أرجح المطالب / 513 طبع لاهور ، والشيخ محمد العربي في إتحاف ذوي النجابة / 154 ، طبع مصطفى الحلبي بمصر ، كلهم أخرجوا رواية ابي سعيد الخدري ، وروى جمع من أعلام المحدثين باسنادهم عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال أيضا مثل قول ابي سعيد وهذا نصه :

ما كنا نعرف منافقينا ـ معشر الأنصار ـ إلا ببغضهم عليا .

رواه الإمام احمد في المناقب /171 ، والخطيب البغدادي في كتابه موضح أوهام الجمع والتفريق : ج1 / 41 ، ط حيدر آباد والحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب : الجمع والتفريق : ج1 /41 ، ط حيدر آباد ، والخطيب موفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب / 231 ، طبع تبريز ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى / 91 ، ط القدسي بمصر ، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج9 / 132 ط القدسي بمصر ، وقال : رواه الطبراني في الاوسط والبزار مع تغيير في العبارة ورواه العلامة السيوطي في تاريخ الخلفاء /66 ، ط الميمنية بمصر ، والعلوي الحضرمي في القول الفصل : ج1/448 ، ط جاوة ، وفي أرجح المطالب / 513 ، طبع لاهور ، والعلامة الآلوسي في تفسير روح المعاني : ج2/17 ، ط المنيرية بمصر ، جاء فيه : ذكروا من علامات النفاق بغض علي كرم الله وجهه فقد أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (ص) إلا يبغضهم علي بن ابي طالب .

أقول : كل ذي إيمان وذي وجدان وإنصاف إذا نظر إلى هذه الروايات والعبارات وكثرتها في كتب أهل العلم والحديث من أهل السنة وممن لا يشك في عدم انحيازهم إلى علي بن ابي طالب بل يميلون إلى الجهة الأخرى ، يتيقن بصدور هذا المعنى كرارا من فم النبي المصطفى (ص) ، وفيما نقلنا في الباب تمام الحجة وفصل الخطاب لمن أراد الحق والصواب ، والسلام على من اتبع الهدى وسلك سبيل الواحد الوهاب . " المترجم "

(20) لكي يسمع القارئ الكريم شكوى إمامه أمير المؤمنين (ع) ويعرف حقيقة واقعة الجمل ، اختطفت بعض النكات والجملات من نهج البلاغة وأنقلها في هذا المجال : قال في الخطبة المرقمة /22 ـ حين بلغه خبر الناكثين طلحة والزبير وأصحابهما ، ومطالبتهم بدم عثمان : ـ ألا و إن الشيطان قد ذمر حزبه و استجلب جلبه ليعود الجور إلى أوطانه و يرجع الباطل في نصابه و الله ما أنكروا علي منكرا و لا جعلوا بيني و بينهم نصفا و إنهم ليطلبون دما هم سفكوه !! الخ . وقال (ع) في كلام له في الخطبة رقم 148 من نهج البلاغة ـ يصف طلحة والزبير ـ : كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجُو الْأَمْرَ لَهُ وَ يَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ لَا يَمُتَّانِ إِلَى اللَّهِ بِحَبْلٍ وَلا يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ وَ عَمَّا قَلِيلٍ يَكْشِفُ قِنَاعَهُ بِهِ !

وَ اللَّهِ لَئِنْ أَصَابُوا الَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنْتَزِعَنَّ هَذَا نَفْسَ هَذَا !

وَ لَيَأْتِيَنَّ هَذَا عَلَى هَذَا ! قَدْ قَامَتِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فَأَيْنَ الْمُحْتَسِبُون ؟

وقال (ع) في خطبة له من نهج البلاغة رقمها 172 ، في ذكر أصحاب الجمل : فخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص كَمَا تُجَرُّ الْأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا وَ أَبْرَزَا حَبِيسَ رَسُولِ اللَّهِ ص لَهُمَا وَ لِغَيْرِهِمَا فِي جَيْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلا وَ قَدْ أَعْطَانِيَ الطَّاعَةَ وَ سَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا ـ بالبصرة ـ وَ خُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً وَ طَائِفَةً غَدْراً فَوَاللَّهِ إِنْ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا رَجُلًا وَاحِداً مُعْتَمِدِينَ لِقَتْلِهِ بِلا جُرْمٍ جَرَّهُ لَحَلَّ لِي قَتْلُ ذَلِكَ الْجَيْشِ كُلِّهِ إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا وَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَ لا بِيَدٍ دَعْ مَا إِنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ !

وقال (ع) في كلام له خاطب به أهل البصرة / نهج البلاغة رقم 156 / قال (ع) : وأما فلانة ـ عائشة ـ فأدركها رأي النساء و ضغن غلا في صدرها كمرجل القين و لو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل و لها بعد حرمتها الأولى و الحساب على الله تعالى .

والآن لكي يطمئن قلب القارئ الكريم إلى واقع الأمر ويعرف عائشة ونفسيتها أكثر من ذي قبل ، فأترك القلم بيد ابن قتيبة وهو من أعلام أهل السنة والمتوفى سنة 270 هجرية ، فإنه كتب في كتابه الإمامة والسياسة /48 ، ط مطبعة الأمة بمصر / تحت عنوان : خلافة عائشة (رض) على علي قال : وذكروا أن عائشة لما أتاها انه بويع لعلي ، وكانت خارجة عن المدينة فقيل لها قتل عثمان وبايع الناس عليا فقال : ما كنت أبالي أن تقع السماء على الأرض ، فقتل والله مظلوما ! وأنا طالبة بدمه !!

فقال لها عبيد أول من طمع الناس فيه أنت فقلت اقتلوا نعثلا فقد فجر!!

قالت : قد والله قلت و قاله الناس ، وآخر قولي خير من أوله !

فقال عبيد : عذر والله ضعيف يا أم المؤمنين ! ثم قال :

منك البداء و منك الغير ومنك الرياح ومنك المطر

و أنت أمرت بقتل الإمام وقلت لنا إنه قد فجر"كفر"

و نحن أطعناك في قتله و قاتله عندنا من أمــــر

قال : فلما أتى عائشة خبر أهل الشام أنهم ردوا بيعة علي وأبو أن يبايعوه ، أمرت فعمل لها هودج من حديد وجعل فيه موضع عينيها ، ثم خرجت ومعها الزبير وطلحة وعبدالله ومحمد بن طلحة .

أقول : وذكر ابن قتيبة في صفحة 52 تحت عنوان كتاب أم سلمة إلى عائشة .

قال : وذكروا أنه تحدث الناس بالمدينة بمسير عائشة مع طلحة والزبير ونصبهم الحرب لعلي وتأليبهم الناس كتبت أم سلمة إلى عائشة : أما بعد فإنك سدة بين رسول الله و بين أمته و حجابه المضروب على حرمته و قد جمع القرآن ذيلك فلا تبذليه و سكن عقيرتك فلا تضيعيه الله من وراء هذه الأمة قد علم رسول الله مكانك لو أراد أن يعهد إليك وقد علمت أن عمود الدين لا يثيب بالنساء ان مال ، ولا يرأب بهن ان انصدع ، خمرات النساء غض الأبصار وضم الذيول ، ما كنت قائلة لرسول الله لو عارضك بأطراف الجبال والفلوات على قعود من الابل من منهل الى منهل . ان بعين الله مهواك وعلى رسول الله تردين وقد هتكت حجابه الذي ضرب الله عليك عهيداه ولو أتيت الذي تريدين ثم قيل لي ادخلي الجنة لاستحييت أن ألقى رسول الله هاتكة حجابا قد ضربه علي فاجعلي حجابك الذي ضرب عليك حصنك ، فابغيه منزلا لك حتى تلقيه فان أطوع ما تكونين اذا ما لزمته و أنصح ما تكونين اذا ما قعدت فيه لو ذكرتك كلاما قاله رسول الله (ص) لنهشتني نهش الحيه والسلام .

فكتبت‏ إليها عائشة : ما أقبلني لوعظك و أعلمني بنصحك و ليس مسيري على ما تظنين و لنعم المطلع مطلع فرقت فيه بين فئتين متناجزتين ، فإن أقدر ففي غير حرج و إن أحرج فلا غنى بي عن الازدياد منه والسلام !!

أقول وذكر ابن قتيبة في كتابه صفحة 57 قال : ولما نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر ، أقبل عليهم سعيد بن العاص على نجيب له ، فأشرف على الناس ومعه المغيرة بن شعبة فنزل وتوكأ على قوس له سوداء ، فأتى عائشة فقال لها : أين تريدين يا أم المؤمنين ؟ قالت : أريد البصرة قال : وما تصنعين بالبصرة ؟ قالت : أطلب بدم عثمان ! فقال : هؤلاء قتلة عثمان معك !!

ثم أقبل على مروان فقال له : واين تريد أيضا ؟ قال : البصرة .

قال : وما تصنع بها ؟ قال : أطلب قتلة عثمان قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك إن هذين الرجلين ـ طلحة والزبير ـ قتلا عثمان وهما يريدان الأمر لأنفسهما ، فلما غلبا عليه قالا : نغسل الدم بالدم والحوبة بالتوبة !!

ثم قال المغيرة بن شعبة : أيها الناس ان كنتم إنما خرجتم مع أمكم فارجعوا بها خيرا لكم وان كنتم غضبتم لعثمان فرؤساؤكم قتلوا عثمان !! وان كنتم نقمتم على علي شيئا فبينوا ما نقمتم عليه .

أنشدكم الله فتنتين في عام واحد !! فأبوا إلا أن يمضوا بالناس ، فلما انتهوا إلى ماء الحوأب في بعض الطريق ومعهم عائشة نبحها كلاب الحوأب فقالت : لمحمد ابن طلحة : أي ماء هذا ؟ قال : هذا ماء الحوأب ، فقالت : ما أراني إلا راجعة ! قال : ولم ؟ قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول لنسائه : كأني بإحداكن قد نبحها كلاب الحوأب ، وإياك أن تكوني أنت يا حميراء !!

فقال لها محمد بن طلحة : تقدمي رحمك الله ودعي هذا القول !

وأتى عبد الله بن الزبير فحلف لها بالله لقد خلفتيه أول الليل !!

أتاها ببينة زور من الأعراب فشهدوا بذلك !!فزعموا أنها أول شهادة زور شهد بها في الإسلام !!

أقول هكذا عارضوا الحق بالباطل ، هؤلاء الضّلال الذين ضلوا وأضلوا ، فخالفوا كتاب الله عز وجل اذ يقول :

( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم ) البقرة 224.

فكيف اذ جعلوا الله سبحانه عرضة لأيمانهم ليشعلوا الفتنة ويشبوا القتال بين المسلمين ، لينالوا أمانيهم الفاسدة ؟!

أقول : وذكر ابن قتيبة في صفحة 63 و64 تحت عنوان تعبئة الفئتين : .. ثم كتب علي الى طلحة والزبير : أما بعد فقد علمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني و لم أبايعهم حتى يبايعوني .. وزعمتم أني آويت قتلة عثمان ، فهؤلاء بنو عثمان فليدخلوا في طاعتي ثم يخاصموا إلي قتلة ابيهم .

وما أنتما وعثمان ، إن كان قتل ظالما أو مظلوما !!

ولقد بايعتماني ، وأنتما بين خصلتين قبيحتين ، نكث بيعتكما وإخراجكما أمكما .

و كتب إلى عائشة : أما بعد فإنك خرجت من بيتك عاصية لله تعالى و لرسوله تطلبين أمرا كان عنك موضوعا ما بال النساء والحرب والإصلاح بين الناس ؟! تطلبين بدم عثمان !! و لعمري لمن عرضك للبلاء و حملك على المعصية أعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان و ما غضبت حتى أغضبت و ما هجت حتى هيجت فاتقي الله وارجعي إلى بيتك .

فأجابه طلحة والزبير : إنك سرت مسيرا له ما بعده مسير ولست راجعا وفي نفسك منه حاجة فامض لأمرك ، أما أنت فلست راضيا دون دخولنا في طاعتك ، ولسنا بداخلين فيها أبدا ، فاقض ما أنت قاض . وكتبت عائشة : جل الأمر عن العتاب والسلام .

فانصف أيها القارئ ... هل تعذر بالنسيان بعد هذا التذكير والتحذير ؟! وهل لطلحة والزبير عذر في عصيانهما وخروجهم ؟! " المترجم "

(21) سورة الأنعام ، الآية 153 .

(22) سورة يوسف ، الآية 108 .

(23) سورة النساء ، 17 .

(24) سورة الأحزاب ، الآية 33 .

(25) ذكر كثير من المؤرخين منع عائشة لدفن الإمام الحسن (ع) بجوار جده رسول الله (ص) منهم أبو الفرج الاصبهاني في كتابه [ مقاتل الطالبين ] 74 قال : فأما يحيى بن الحسن صاحب كتاب " النسب " فإنه روى أن عائشة ركبت ذلك اليوم بغلا . واستنفرت بنو أمية مروان بن الحكم ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول القائل فيوما على بغل ويوما على جمل .

ومنهم ابي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة : ج16 / 14 ، ط. دار إحياء التراث العربي نقل عن المدائني عن ابي هريرة ... فلما رأت عائشة السلاح والرجال خافت أن يعظم الشر بينهم وتسفك الدماء ـ هذا كله توجيه منه ـ قالت : البيت بيتي ولا آذن لأحد أن يدفن فيه !

ومنهم العلامة سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص / 193 ، طبع بيروت وهذا نصه : وقال ابن سعد عن الواقدي : لما احتضر الحسن قال : ادفنوني عند ابي يعني رسول الله فأراد الحسين أن يدفنه في حجرة رسول الله (ص) ، فقامت بنو أمية ومروان وسعيد بن العاص وكان واليا على المدينة فمنعوه !! قال ابن سعد : ومنهم أيضا عائشة وقالت : لا يدفن مع رسول الله (ص) أحد !!

ومنهم أبو الفداء في " المختصر في أخبار البشر " ج1 / 183 طبع مصر قال : وكان الحسن قد أوصى أن يدفن عند جده رسول الله (ص) ، فقالت عائشة : البيت بيتي ولا آذن أن يدفن فيه .

ومنهم اليعقوبي في تاريخه وهو من أعلام القرن الثالث الهجري قال : وقيل : إن عائشة ركبن بغلة شهباء وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد ! فأتاها القاسم بن محمد بن ابي بكر فقال لها : يا عمة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء ؟! فرجعت .

ومنهم النيسابوري في روضة الواعظين / 143 ، ذكر أن ابن عباس خاطبها قائلا : وا سوأتاه ... يوما على بغل ويوما على جمل ! أتريدين أن تطفئي نور الله ، وتقابلين أولياءه ؟!

ولنا أن نتساءل : من أين جاء لها البيت الذي دفن فيه نبي الرحمة محمد (ص) ؟ أما روى أبوها أن رسول الله (ص) قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ، ولا دارا ولا عقارا ، وبناء عليها منع سيدة النساء فاطمة إرثها وحقها من ابيها رسول الله (ص) ، ولو فرضنا أن عائشة ردت رواية ابيها وكذبته ... فكم حصتها من الإرث ؟ فقد قيل لها :

‏لك التسع من الثمن و في الكل تصرفت

لأن رسول الله (ص) مات عن تسع زوجات وحصة الزوجة من الإرث ثمن ما ترك الزوج من العمارات والأموال المنقولة ... فأما الأرض فلا ترث ، وعائشة تصرفت في الأرض خلافا لحكم الله فدفنت أباها في بيت رسول الله (ص) وسكتت عن دفن عمر أيضا .

ونص بعض المؤرخين كما في كتاب " الدرر الثمينة في تاريخ المدينة " : / 404 أن عائشة سمحت بدفن عبدالرحمن بن عوف في حجرة النبي (ص) .

فلنا أن نتساءل : هل أن عبدالرحمن أولى برسول الله (ص) من سبطه الأكبر الإمام الحسن الذي كان يقبله في الملأ العام ويشمه ويضمه إلى صدره ويقول : الحسن والحسين ريحانتي من الدنيا ، ويقول (ص) : اللهم إني أحبه وأحب من يحبه ؟؟ فلا أدري لأي سبب تسمح عائشة لابن عوف أن يدفن عند النبي (ص) وتبعد ريحانته وفلذة كبده عنه (ص) ؟! أكان ذلك استجابة منها لرغبة الأمويين !! أم للحقد الدفين ؟ " المترجم "

(26) نقل ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج9 / 198 ، ط. دار إحياء التراث العربي عن الشيخ ابي يعقوب وقال فيه : أنه لم يكن يتشيع . قال : قال ثم ماتت فاطمة ، فجاء نساء رسول الله (ص) كلهن إلى بني هاشم في العزاء إلا عائشة فإنها لم تأت ، و أظهرت مرضا ، و نقل إلى علي (ع) عنها كلام يدل على السرور !! " المترجم "

(27) سورة الزلزلة ، الآية 7 و 8 .

(28) ذكر ابن ابي الحديد قصة الشورى في شرح نهج البلاغة ج1/188 ط إحياء التراث العربي ، قال : وصورة هذه الواقعة أن عمر لما طعنه أبو لؤلؤة ، وعلم أنه ميت .. قال : إن رسول الله مات و هو راض عن هذه الستة من قريش : علي و عثمان و طلحة و الزبير و سعد و عبد الرحمن بن عوف و قد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم ...

ثم قال ادعوا إلي أبا طلحة الأنصاري فدعوه له فقال انظر يا أبا طلحة إذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلا من الأنصار حاملي سيوفكم فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر و تعجيله و اجمعهم في بيت و قف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا و يختاروا واحدا منهم فإن اتفق خمسة و أبى واحد فاضرب عنقه و إن اتفق أربعة و أبى اثنان فاضرب عنقيهما و إن اتفق ثلاثة و خالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن فارجع إلى ما قد اتفقت عليه فإن أصرت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقهم و إن مضت ثلاثة أيام و لم يتفقوا على أمر فاضرب أعناق الستة و دع المسلمين يختاروا لأنفسهم.

أقول : إذا لم نسمي هذا الأمر القاطع والحكم الصادر من الخليفة في شأن أصحاب الشورى بالهمجية والدكتاتورية ، فماذا يسمى ؟! " المترجم "

(29) أيها القارئ الكريم لقد ورد هذا الحديث في كتب المحدثين ومسانيدهم المعتبرة وأذكر لك بعضها من العامة وأعلام السنة حتى تسكن بها نفسك ويطمئن قلبك ، منها :

الاصابة لابن حجر : ج7/ القسم الاول ص167 قال : وأخرج أبو أحمد وابن مندة وغيرهما من طريق اسحاق بن بشر الاسدي عن خالد بن الحارث عن عوف عن الحسن عن ابي ليلى الغفارية قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن ابي طالب ، فإنه أول من آمن بي و أول من يصافحني يوم القيامة و هو الصديق الأكبر و هو فاروق هذه الأمة و هو يعسوب المؤمنين و المال يعسوب المنافقين .

وذكره ابن عبد البر أيضا في الاستيعاب :ج2/657 ، وابن الأثير أيضا في أسد الغابة : ج5/ 287 .

وفي مجمع الزوائد : ج9 /102 قال : وعن ابي ذر وسلمان قالا : اخذ النبي (ص) بيد علي (ع) فقال : ان هذا أول من آمن بي وهذا أول من يصافحني يوم القيامة و هذا الصديق الأكبر و هذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل ، و هذا يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الظالمين .

ورواه الطبري والبزار عن ابي ذر وحده ، وذكره المناوي أيضا في القدير في الشرح : ج4/358 ، والمتقي في كنز العمال : ج6/156، وقال : رواه الطبراني عن سلمان وابي ذر معا والبيهقي وابن عدي عن حذيفة . وفي الرياض النضرة للمحب الطبري : ج2/155 قال : وعن ابي ذر قال : سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي (ع) : أنت الصديق الأكبر و أنت الفاروق الذي تفرق بين الحق والباطل . (قال) : وفي رواية وأنت يعسوب الدين . قال : خرجهما الحاكم .

وهناك مصادر اخرى كثيرة ذكرت بعضها في تعليقاتنا السابقة ، وأكتفي بما ذكرت فإن فيها الكفاية لمن أراد الحق والهداية . " المترجم "

(30) روى الحافظ الشيخ سليمان القندوزي والحنفي في كتابه " ينابيع المودة " الباب الثاني في شرف آباء النبي (ص) ، ونقل روايات كثيرة في الموضوع وكلها من كتب العامة منها ، قال : وفي الشفاء عن عائشة عنه (ص) قال : أتاني جبرئيل فقال : قلبت مشارق الأرض ومغاربها ، فلم أر رجلا أفضل من محمد ، ولم أر ابن أب أفضل من بني هاشم ، أخرجه في المناقب والمخلص المذهبي والمحاملي وغيرهم .

أقول : وقال الإمام (ع) في نهج البلاغة خطبة 94 : ... حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ ص فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً وَ أَعَزِّ الْأَرُومَاتِ مَغْرِساً مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ وَ انْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ وَ أُسْرَتُهُ خَيْرُ الْأُسَرِ وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وَ بَسَقَتْ فِي كَرَمٍ لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وَ ثَمَرٌ لا يُنَالُ ... الخ .

وقال الشيخ صالح التميمي (رحمه الله ) :

غاية المدح في عــلاك ابتـــداء ليت شعري ما تصنع الشعراء

يا أخا المصطفى وخير ابن عم وأميـــــر إن عـــدت الأمــراء

معدن الناس كلها الأرض لكـن أنت من جوهـــر وهم حصباء

وقال آخر :

خير البرية بعد أحمد حيــــدر الناس أرض والوصي سمــاء

ويقول آخر :

حاشاك أن تسمـــو إليــك سمـــــاء أنت الفضاء وما سواك هباء

ومتى يحلق نحوك العظمـــــــاء ؟ والسر أنت وغيرك الأسماء

أولست ساقي الحوض أنت وقاسم الجنات والنيران كيف تشاء

هذا غيض من فيض قريحة الشعراء وشعورهم في حقه (ع) ، ولكن ما لنا والقول والشعراء والبلغاء بعد أن نطق الخالق العزيز بمدحه وتفضيله وجعله نفس رسول الله (ص) في آية المباهلة ، وأطلق النبي (ص) عليه ذلك كرات ومرات وقال : علي كنفسي . ولا شك أن خير الكلام كلام الله ، وخير الحديث حديث أشرف الخلق محمد (ص) . " المترجم "

(31) فقد خطب هذه الخطبة بعدما بويع بالخلافة .

(32) أي : إذ قال يعقوب .

(33) الشعراء ، الآية 219 .

(34) التوبة ، الآية 28 .

(35) من المناسب نقل بعض الابيات من قصيدة بليغة في الموضوع للمرحوم الشيخ علي الشفهيني الحلي من أعلام القرن السادس الهجري :

خلقا وما خلق الوجود ، كلاهما نوران من نور العلي تفـــــضلا

في علمه المخزون مجتمعان لن يتــــفرقا أبــــدا ولـــن يتـــحولا

وتقلبا في الساجدين وأودعــــــا في أطهــــر الأرحام ثـــــم تنقلا

حتى استقر النور نورا واحـــدا في شيبة الحمد بن هاشـــم يجتلى

قسما لحكم ارتضاه فكــــــان ذا نعم الوصي وذاك اشرف مرسلا

فعلي نفـــــس محــــمد ووصيه وأميـــــنه وسواه مـامـــــون فلا

" المترجم "

(36) لقد نقل هذا الخبر ابن ابي الحديد في شرح‏ نهج ‏البلاغة : ج12/227 ط دار احياء التراث الكتب العربية ، قال : ( الطعن السادس في عمر ) أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة لما شهد عليه بالزنا و لقن الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة اتباعا لهواه فلما فعل ذلك عاد إلى الشهود فحدهم و ضربهم .

فبعد نقله الاقوال ، قال في صفحة 231 : أما المغيرة فلا شك عندي أنه زنى بالمرأة و لكني لست أخطئ عمر في درء الحد عنه و إنما أذكر أولا قصته من كتابي ابي جعفر محمد بن جرير الطبري و ابي الفرج علي بن الحسن الأصفهاني ليعلم أن الرجل زنى بها لا محالة ثم أعتذر لعمر في درء الحد عنه. فروى ابن ابي الحديد القصة بالتفصيل ثم قال في صفحة 239 : فهذه الأخبار كما تراها تدل متأملها على أن الرجل زنى بالمرأة لا محالة و كل كتب التواريخ و السير تشهد بذلك .

ثم نقل عن الأغاني خبرين آخرين ، قال أبو الفرج بعدهما وحكاه عنه ابن ابي الحديد في صفحة 241 : و إنما أوردنا هذين الخبرين ليعلم السامع أن الخبر بزناه كان شائعا مشهورا مستفيضا بين الناس .

أقول : هؤلاء الفسقة الفجرة ، المغيرة وأصحابه وأشباهه كانوا يضعون الأخبار ويفترون على الإمام علي (ع) وكل من ينسب إليه إرضاء لرغبات معاوية ، فيشترون مرضات المخلوق بسخط الخالق . " المترجم "

(37) روى ابن ابي الحديد في شرح ‏نهج ‏البلاغة : ج14/67 ط دار احياء الكتب العربية روى حديثا سنده إلى أمير المؤمنين (ع) أنه قال: قال رسول الله (ص): قال لي جبرائيل: إن الله مشفعك في ستة : بطن حملتك آمنة بنت وهب ، و صلب أنزلك : عبد الله بن عبد المطلب ، و حجر كفلك : ابي طالب ، و بيت آواك : عبد المطلب و أخ كان لك في الجاهلية قيل : يا رسول الله و ما كان فعله ؟ قال : كان سخيا يطعم الطعام و يجود بالنوال . و ثدي أرضعتك : حليمة السعدية بنت ابي ذؤيب .

وروى في صفحة 68 عن الإمام محمد بن علي الباقر (ع) قال : لو وضع إيمان ابي طالب في كفة ميزان و إيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه ثم قال: أ لم تعلموا أن أمير المؤمنين عليا ع كان يأمر أن يحج عن عبد الله و ابيه ابي طالب في حياته ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم .

وقال في صفحة 69 : وروي أن علي بن الحسين ع سئل عن هذاـ أي عن إيمان ابي طالب ـ فقال : وا عجبا ! إن الله تعالى نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر و قد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام و لم تزل تحت ابي طالب حتى مات ، أي إذا كان أبو طالب غير مؤمن لفرق رسول الله بينه وبين زوجته فاطمة بنت اسد حينما أسلمت .

وقال في صفحة 70 : وقد روي عن ابي عبد الله جعفر بن محمد (ع) أن رسول الله (ص) قال : إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان و أظهروا الكفر، فآتاهم الله أجرهم مرتين و إن أبا طالب أسر الإيمان و أظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين . قال : و في الحديث المشهور: أن جبرائيل (ع) قال للنبي(ص) ليلة مات أبو طالب : اخرج منها ـ أي مكة ـ فقد مات ناصرك .

أقول : والله لو كان واحد من هذه الاخبار يرد في اسلام أي رجل غير ابي طالب (ع) لتسلمه علماء العامة ومحدثوهم بالقبول ، وتلقوا إسلامه وايمانه أمرا مسلما بلا شك ولا ريب ، ولكنا ويا للأسف نجد هذه الشبهات تلقى حول ايمان ابي طالب واسلامه ، من بعض علماء العامة ولعل السبب في ذلك لأنه والد الإمام علي (ع) ولأن عليا ابنه سلام الله عليه !! " المترجم "

(38) القصيدة مطلعها كما في الديوان : ألا من لهم آخر الليل معتم ‏طواني و أخرى النجم لم يتقحم " المترجم "

(39) قال ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج14 / 70 ، ط. إحياء الكتب العربية :

و أما حديث الضحضاح من النار فإنما يرويه الناس كلهم عن رجل واحد و هو المغيرة بن شعبة و بغضه لبني هاشم و على الخصوص لعلي ع مشهور معلوم و قصته و فسقه أمر غير خاف . " المترجم "

(40) سورة مريم ، الآية 46 .

(41) هذا مخالف للنص الصريح المروي عن رسول الله (ص) في كتبكم فأفضل نسائه (ص) وخيرهن خديجة (ع) ، وبرواية عائشة نفسها تقول : " كان النبي يكثر ذكره " فربما قلت له : كأنما لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ، فيقول : كلا والله ، ما أبدلني الله خير منها ... إنها كانت وكانت : آمنت إذ كفر الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء . ( راجع تفصيل الخبر في رواياته عند البخاري في صحيحه ج 16 ص 227 ـ 282 بشرح العيني ، وعند أحمد في المسند ، وعند الطبراني من رواية ابي نجيح ) .

كما روى الإمام علي (ع) عن النبي (ص) أنه قال : خير نسائها مريم ، وخير نسائها خديجة .. يعني في الدنيا الأولى وفي دنيا الثانية . ( راجع عمدة القاري شرح صحيح البخاري : ج16 في فضائل خديجة ) . " المترجم "

(42) لقد ثبت أن معاوية كان السبب في قتل المام الحسن المجتبى (ع) فقد نقل سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص / تحت عنوان : سبب موته (ع) : قال علماء السير ... سمته زوجته جعدة بنت الأشعث ، وقال السدي : دس إليها يزيد بن معاوية أن سمي الحسن وأتزوجك ، فسمته ... وقال الشعبي : إنما دس إليها معاوي فقال : سمي الحسن وأزوجك يزيد ... وقال ابن سعد في الطبقات : سمه معاوية مرارا . " انتهى كلام سبط ابن الجوزي "

وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة / آخر الباب العاشر : وفي رواية ـ قال للحسين ـ : إني يا أخي سقيت السم ثلاث مرات ، لم أسقه مثل هذه المرة ، فقال : من سقاك : ؟ قال ما سؤالك عن هذا ؟ أتريد أن تقاتلهم ؟ أكِل أمرهم إلى الله .

قال ابن حجر : وفي رواية لقد سقيت السم مرارا ما سقيته مثل هذه المرة .

أقول ثبت أن الحسن السبط (ع) قتل مسموما ، فلعنة الله على المسبب والمباشر والراضي بذلك إلى يوم الدين .

" المترجم "

(43) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج1/338 ،ط دار احياء التراث العربي :وكان ـ معاوية ـ أحد كتاب رسول الله ص و اختلف في كتابته له كيف كانت فالذي عليه المحققون من أهل السيرة أن الوحي كان يكتبه علي ع و زيد بن ثابت و زيد بن أرقم و إن حنظلة بن الربيع و معاوية بن أبي سفيان كانا يكتبان له إلى الملوك و إلى رؤساء القبائل . " المترجم "

(44) سورة الأسراء ، الآية 60 .

(45) سورة محمد ، الآية 22 و23 .

(46) سورة الاحزاب ، الآية 57 .

(47) سورة غافر ، الآية 52 .

(48) سورة هود ، الآية 18 .

(49) سورة الأعراف ، الآية 44 .

(50) سورة النساء ، الآية 93 .

(51) ما كانت غارة بسر بن أرطاة الظالم السفاك هي الوحيدة من نوعها ، بل يحدث التاريخ عن أمثالها ، وقعت بأمر معاوية ، قال ابن الحديد في شرح النهج ج2/85 ط دار احياء التراث العربي : (غارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار)

روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب "الغارات" عن أبي الكنود قال حدثني سفيان بن عوف الغامدي قال :دعاني معاوية فقال إني باعثك في جيش كثيف ذي أداة و جلادة فالزم لي جانب الفرات حتى تمر بهيت فتقطعها فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم و إلا فامض حتى تغير على الأنبار فإن لم تجد بها جندا فامض حتى توغل في المدائن ثم أقبل إلي و اتق أن تقرب الكوفة و اعلم أنك إن أغرت على أهل الأنبار و أهل المدائن فكأنك أغرت على الكوفة إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعب قلوبهم و تفرح كل من له فينا هوى منهم و تدعو إلينا كل من خاف الدوائر فاقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك و أخرب كل ما مررت به من القرى و احرب الأموال فإن حرب الأموال شبيه بالقتل و هو أوجع للقلب !

أقول : وامتثل سفيان عليه اللعنة أوامر معاوية وقتل ونهب ما نهب ، ورجع الى الشام فاستقبله معاوية بالفرح والسرور ورحب به وحباه أعظم حباء ، فقد نقل ابن أبي الحديد في شرح ‏نهج ‏البلاغة ج2/87 قال :

فو الله ما غزوت غزاة كانت أسلم و لا أقر للعيون و لا أسر للنفوس منها و بلغني و الله أنها أرعبت الناس فلما عدت إلى معاوية حدثته الحديث على وجهه فقال كنت عند ظني بك لا تنزل في بلد من بلداني إلا قضيت فيه مثل ما يقضي فيه أميره و إن أحببت توليته وليتك و ليس لأحد من خلق الله عليك أمر دوني.

فانظر أيها القارئ الكريم الى الجملة الاخيرة كيف يسلط معاوية الطاغي هذا الظالم الباغي على خلق الله ويبسط يده ليفعل ما يشاء بلا مانع ولا رادع ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

غارة الضحاك بن قيس الفهري

وفي شرح ‏نهج ‏البلاغة ج2/116، ط دار احياء التراث العربي ، قال إبراهيم بن هلال الثقفي : فعند ذلك دعا معاوية الضحاك بن قيس الفهري و قال له : سر حتى تمر بناحية الكوفة و ترتفع عنها ما استطعت فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه و إن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليها و إذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى ...

فأقبل الضحاك فنهب الأموال و قتل من لقي من الأعراب حتى مر بالثعلبية فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الهذلي و هو ابن أخي عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله ص فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة و قتل معه ناسا من أصحابه.

أقول : هكذا سلب معاوية وأعوانه وعامله ، الأمن والأمان من المؤمنين ، فشهروا السلاح وقطعوا الطريق وحاربوا المسلمين فأراقوا دماءهم ونهبوا أموالهم ، وسعوا في الأرض فسادا ، فلعنة الله عليهم وعلى جميع الظالمين والمفسدين ولعن الله كل من رضي بأفعالهم ، الى قيام يوم الدين . " المترجم " .

(52) سورة البقرة ، الآية 42 .

(53) رواه جماعة من الأعلام وعلماء العامة باسنادهم عن ابن عباس منهم العلامة الحافظ الفقيه ابن المغازلي في كتابه مناقب الامام علي حديث رقم /447 وأخرجه المحب الطبري في الرياض النضرة:ج2/166، من طريق الملا في سيرته ، وهكذا اخرجه الموفق الخوارزمي في المناقب : ص81 والعلامة الزرندي في نظم درر السمطين : 105 . " المترجم "

(54) سورة النساء ، الآية 145 .

(55) سورة النجم ، الآية 2 .

(56) سورة سبأ ، الآية 46 .

(57) سورة الكهف ، الآية 34 .

(58) سورة الأعراف ، الآية 184 .

(59) سورة الأنعام ، الآية 71 .

(60) سورة يوسف ، الآية 39 .

(61) سورة آل عمران ، الآية 144 .

(62) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج5 / 129 ، ط. دار إحياء التراث العربي تحت عنوان ( أخبار متفرقة عن معاوية ) :

و قد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية ، و لم يقتصروا على تفسيقه ، و قالوا عنه إنه كان ملحدا لا يعتقد النبوة ، و نقلوا عنه في فلتات كلامه و سقطات ألفاظه ما يدل على ذلك. و روى الزبير بن بكار في الموفقيات و هو غير متهم على معاوية ، و لا منسوب إلى اعتقاد الشيعة ، لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي (ع) و الانحراف عنه : ـ قال المطرف بن المغيرة بن شعبة : دخلت مع أبي على معاوية و كان أبي يأتيه فيتحدث معه ، ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية و عقله ، و يعجب بما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء و رأيته مغتما فانتظرته ساعة و ظننت أنه لأمر ، فينا فقلت ما لي أراك مغتما منذ الليلة ؟ فقال يا بني ، جئت من عند أكفر الناس و أخبثهم ، قلت و ما ذاك قال قلت له و قد خلوت به إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلا و بسطت خيرا فإنك قد كبرت و لو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شي‏ء تخافه و إن ذلك مما يبقى لك ذكره و ثوابه فقال هيهات هيهات أي ذكر أرجو بقاءه ملك أخو تيم فعدل و فعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل أبو بكر ثم ملك أخو عدي فاجتهد و شمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل عمر و إن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدا رسول الله فأي عملي يبقى و أي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك لا و الله إلا دفنا دفنا.

ثم قال ابن أبي الحديد بعد نقله للخبر : و أما أفعاله المجانبة للعدالة الظاهرة من لبسه الحرير و شربه في آنية الذهب و الفضة حتى أنكر عليه ذلك أبو الدرداء فقال له :

إني سمعت رسول الله ص يقول إن الشارب فيها ليجرجر في جوفه نار جهنم .

فقال معاوية : أما أنا فلا أرى بذلك بأسا فقال أبو الدرداء : من عذيري من معاوية ! أنا أخبره عن الرسول ص و هو يخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض أبدا.

فهذا الخبر يقدح في عدالته ، كما يقدح أيضا في عقيدته لأن من قال في مقابلة خبر قد روى عن رسول الله ص أما أنا فلا أرى بأسا فيما حرمه رسول الله ص ليس بصحيح العقيدة و من المعلوم أيضا من حالة استئثاره بمال الفي‏ء و ضربه من لا حد عليه و إسقاط الحد عمن يستحق إقامة الحد عليه و حكمه برأيه في الرعية و في دين الله و استلحاقه زيادا و هو يعلم قول رسول الله ص : " الولد للفراش و للعاهر الحجر " ، و قتله حجر بن عدي و أصحابه و لم يجب عليهم القتل و مهانته لأبي ذر الغفاري و جبهه و شتمه و إشخاصه إلى المدينة على قتب بعير وطاء لإنكاره عليه و لعنه عليا و حسنا و حسينا و عبد الله بن عباس على منابر الإسلام و عهده بالخلافة إلى ابنه يزيد مع ظهور فسقه و شربه المسكر جهارا و لعبه بالنرد و نومه بين القيان المغنيات و اصطباحه معهن و لعبه بالطنبور بينهن و تطريقه بني أمية للوثوب على مقام رسول الله ص و خلافته حتى أفضت إلى يزيد بن عبد الملك و الوليد بن يزيد المفتضحين الفاسقين صاحب حبابة و سلامة و الآخر رامي المصحف بالسهام و صاحب الأشعار في الزندقة و الإلحاد. " انتهى كلام ابن أبي الحديد "

أقول : وذكر سبط ابن الجوزي في التذكرة تحت عنوان ( فصل في يزيد بن معاوية ) قال : ذكر علماء السير عن الحسن البصري أنه قال : قد كانت في معاوية هنات لو لقي أهل الأرض ببعضها لكفاهم : وُثُوبُه على هذا الأمر ، واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين ، وادعاؤه زيادا ، وقتله حجر بن عدي وأصحابه ، وبتوليته مثل يزيد على الناس . قال : ذكر جدي أبو الفرج في كتاب ( الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد ) وقال سألني سائل فقال ما تقول في يزيد بن معاوية ؟ فقلت له : يكفيه ما به فقال : اتجوز لعنه ؟ فقلت : قد أجاز العلماء الورعون ، منهم أحمد بن حنبل ، فإنه ذكر في حق يزيد ما يزيد على اللعنة .

وفي التذكرة قال : قال أحمد في المسند : حدثنا أنس بن عياض حدثني يزيد ابن حفصة عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة عن عطاء بن يسار عن السايب ابن خلاد : أن رسول الله (ص) قال : من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا .

أقول : ورواه غير أحمد كثير من الأعلام وعلماء العامة : ولا منكر بين المؤرخين أن معاوية أخاف أهل المدينة حين بعث إليه بسر بن أرطاة الظالم السفاح ، فقتل منهم الظالم القاسي القلب ، فأباح المدينة ثلاثا فقتل خلقا كثيرا من أبناء المهاجرين والأنصار .

وقال سبط ابن الجوزي في التذكرة : وذكر المدايني عن أبي قرة قال : قال هشام بن حسان ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج .

وغير المدايني يقول : عشرة آلاف امرأة .

أقول : و لا مجال لذكر كل الدلائل والشواهد على كفر معاوية ويزيد ، لأنه يتطلب وضع كتاب مستقل ، لذا اكتفينا بذكر قليل من كثير . " المترجم "

(63) ديوان أبي طالب ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 14 / 76 ، ط. دار إحياء التراث العربي .

(64) نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج 14 / 52 ، ط. دار إحياء الكتب العربية من كتاب السيرة و المغازي لمحمد بن إسحاق بن يسار، وقال : فإنه كتاب معتمد عند أصحاب الحديث و المؤرخين . قال : إن أبا طالب رأى عليا يصلي ، قال له : أي بني ما هذا الذي تصنع ؟ قال : يا أبتاه آمنت بالله و رسوله و صدقته... قال له : أما إنه لا يدعوك إلا إلى خير فالزمه. " المترجم "

(65) سورة النساء ، الآية 48 .

(66) قال ابن أبي الحديد في شرح ‏نهج ‏البلاغة : ج14/81 و82 ، ط دار احياء الكتب العربية :

قالوا : و إنما لم يظهر أبو طالب الإسلام و يجاهر به لأنه لو أظهره لم يتهيأ له من نصرة النبي ص ما تهيأ له، و كان كواحد من المسلمين الذين اتبعوه نحو أبي بكر و عبد الرحمن بن عوف و غيرهما ممن أسلم و لم يتمكن من نصرته و القيام دونه حينئذ و إنما تمكن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش و إن أبطن الإسلام كما لو أن إنسانا كان يبطن التشيع مثلا و هو في بلد من بلاد الكرامية ـ اعداء الشيعة ـ و له في ذلك البلد وجاهة و قدم و هو يظهر مذهب الكرامية و يحفظ ناموسه بينهم بذلك و كان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة لا يزالون ينالون بالأذى و الضرر من أهل ذلك البلد و رؤسائه فإنه ما دام قادرا على إظهار مذهب أهل البلد يكون أشد تمكنا من المدافعة و المحاماة عن أولئك النفر فلو أظهر ما يجوز من التشيع و كاشف أهل البلد بذلك صار حكمه حكم واحد من أولئك النفر و لحقه من الأذى و الضرر ما يلحقهم و لم يتمكن من الدفاع أحيانا عنهم كما كان أولا. " المترجم "

(67) ذكر سبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص :19 /ط بيروت : قال ابن سعد : حدثنا الواقدي قال : دعا أبو طالب قريشا عند موته ، فقال : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد ابن أخي وما اتبعتم أمره ، فاتبعوه واعينوه فأرشدكم .

ايها القارئ الكريم فكر .. هل تخرج هذه الوصية غلا من مؤمن برسالة محمد (ص) كامل الايمان ! " المترجم "

(68) لا يخفى على المحقق الخبير والمتتبع البصير أن معاوية هو الذي اطلق اسم اهل السنة والجماعة على العامة واطلق كلمة الرافضة على شيعة الامام علي وأتباعه فهو الآخر قد قلب الحقائق وبدل واقع الامور . " المترجم "

(69) سورة الانفال ، الآية 41 .

(70) سورة النساء ، الآية 24 .

(71) سورة النساء ، الآية 2 و3

(72) سورة النساء ، الآية 25 .

(73) ورواه أبو داود في صحيحه :ج13 ، باب الصداق ، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده : ج3/380 ، ونقله المتقي في كنز العمال : ج8 /294 .

(74) ورواه احمد ايضا في المسند ج3 /356 و363 باختصار ، ورواه ايضا البيهقي في سننه ج7/206 ورواه الطحاوي باختصار في شرح معاني الآثار في كتاب مناسك الحج /401 ، ورواه المتقي في كنز العمال : ج8 /294 وقال : أخرجه ابن جرير .

(75) ورواه البيهقي في سننه ج7/ باب ما يجوز ان يكون مهرا ، وذكره العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج10 /271 ، ونقله المتقي في كنز العمال :ج8/294 . " المترجم "

(76) تأكيدا لكلام المؤلف انقل للقارئ الكريم بعض الروايات التي عثرت عليها في كتب علماء العامة فقد روى احمد في المسند ج2/95 بسنده عن سالم فال : كان عبد الله بن عمر يفتي بالذي أنزل الله عز وجل من الرخصة بالتمتع ، وسن رسول الله (ص) فيه ، فيقول ناس لابن عمر : كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك ! فيقول له عبد الله : ويلكم الا تتقون الله ! ( الى ان قال ) فلم تحرمون ذلك وقد أحله الله وعمل به رسول الله (ص) ! افرسول الله (ص) أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر !!

أقول : وهذه الرواية صريحة بأ القوم رفضوا سنة رسول اله (ص) وتمسكوا بسنة عمر ، فهم الرافضة ، والشيعة هم أهل السنة .

ورعاية للاختصار اذكر لكم المصادر في الموضوع من غير نقل الروايات واذا احببتم فراجعوا :

صحيح البخاري / كتاب التفسير / باب فمن تمتع بالعمرة الى الحج وكتاب النكاح وكتاب التوحيد / باب قول الله تعالى : ( هو الله الخالق البارئ المصور ).

صحيح مسلم / كتاب الحج / باب جواز التمتع وباب التقصير في العمرة ، وفي كتاب النكاح / باب نكاح المتعة .

صحيح ابن ماجة صفحة 220 باب التمتع بالعمرة الى الحج .

صحيح الترمذي :ج1 / باب ماجاء في التمتع .

صحيح النسائي : ج2 في القرآن .

مسند احمد بن حنبل ج3/325و326و363 و380 وفي ج4 /429 ز434 و436 و438 و439 وفي ج1/52 .

مسند ابي داود الطيالسي :ج8 /240 وفي ج7/217 ، روى بسنده عن مسلم القرشي قال : دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء . فقالت : فعلناها على عهد النبي (ص).

وفي ج8/247 .

سنن البيهقي : ج 5 / 21 وج 7 / باب نكاح المتعة / روى فيه بسنده بطريقين عن عمر قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، أحداهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته بالحجارة ، والأخرى متعة الحج ، افصلوا حجكم عن عمرتكم فإنه أتمم لحجكم وأتم لعمرتكم . ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار / كتاب مناسك الحج : ص 401 ، وذكره المتقي في الكنز : ج8 / 294 بطريقين وقال : أخرجهما ابن جرير ، ورواه جمع آخر من الأعلام .

سنن البيهقي : ج5 / 16 وروى في صفحة 21 عن ابن عمر بطريقين أنه كان يفتي بالمتعة فقيل له : أتخالف أباك وقد نهى عنها ؟ قال لهم ابن عمر : ويلكم ألا تتقون الله .. فلم يحرمون ذلك وقد أحله الله وعمل به رسول الله (ص) ، أ فرسول الله (ص) أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر !! وفي الرواية الثانية قال : أفكتاب الله عز وجل أحق أن يتبع أم عمر ! سنن الدرامي ج2 / 35 روى بسنده عن محمد بن عبد الله بن نوفل قال : سمعت عام حج معاوية يسأل سعد بن مالك كيف تقول بالتمتع بالعمرة إلى الحج ؟ قال حسنة جميلة . فقال : كان عمر ينهى عنها ، فأنت خير من عمر ! قال : عمر خير منس وقد فعل ذلك النبي(ص) وهو خير من عمر .

ومن المصادر في الموضوع : شرح معاني الآثار للطحاوي في كتاب مناسك الحج ص 373 و 374 و 401 وفي كتاب النكاح/ باب نكاح المتعة روى بسنده عن سعيد ابن جبير مضمون الرواية الآتية في مسند أحمد .

وفي مسند أحمد : ج4 / 3 روى بسنده عن أبي إسحاق بن يسار قال :إنا لبمكة إذ خرج علينا عبدالله بن الزبير فنهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج وأنكر أن يكون الناس صنعوا ذلك مع رسول الله (ص) .ز فبلغ ذلك عبدالله بن عباس فقال : وما علم الزبير بهذا ، فليرجع إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فليسألها فإن لم يكن الزبير رجع إليها حلالا و حلت . فبلغ ذلك أسماء ، فقالت : يغفر الله لابن عباس والله لقد أفحش ، قد والله صدق ابن عباس لقد حلوا وأخللنا وأصابوا النساء .

كتاب الموطأ لمالك بن أنس إمام المذهب المالكي / في قسم الحج / باب ما جاء في التمتع .

ومسند محمد بن ادريس الشافعي إمام المذهب الشافعي : ص 94 و 216 .

كنز العمال : ج 8 / 293 روى ابن عمر قال : قال عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج . وفي صفحة 294 عن أبي قلابة وقال فيه : أنا أنهى عنهما وأضرب فيهما . (قال) أخرجه ابن جرير وابن عساكر .

الاصابة لابن حجر العسقلاني : ج3 / القسم 1 / 114 و 133 وفي ج8 / القسم 1/ 113 .

حلية الأولياء لأبي نعيم الحافظ : ج5 / 205 .

التفسير الكبير للفخر الرازي / في تفسير قوله تعالى : ( فما استمتعتم به منهن ) الخ قال : وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب (ع) أنه قال : لولا أن عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلا شقي .

الطحاوي في شرح معاني الآثار ، في كتاب النكاح / باب نكاح المتعة ، روى بسنده عن عطاء عن ابن عباس قال : ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها هذه الأمة ولولا نهي عمر بن الخطاب عنها ما زنى إلا شقي .

ورواه السيوطي أيضا في تفسير الدر المنثور في تفسير الآية الكريمة ، عن عطاء عن ابن عباس .

أقول : هذه الروايات بعض ما عثرت عليه في مصادر العامة المعتبرة لديهم ولا يمكن ردها لأن أكثرها جاءت في الصحاح ، وهي صريحة بأن عمر نهى عن متعة الحج ومتعة النساء ، وهو يعلم علم اليقين بأن الله ورسوله شرعاها ، فغير وبدل دين الله وحكمه ، وقد قال تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) المائدة : 44 .وجاء في الخبر عن النبي (ص) ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ج9 / 229 وج6 / 344 وابن حجر العسقلاني في التهذيب : ج4 / 237 كلاهما عن ابن عمر عن النبي (ص) قال : من قال ديننا برأيه فاقتلوه ، وتوجد روايات أخرى بهذا المعنى في أكثر الصحاح والمسانيد فتدبر وخذ النتيجة . " المترجم "

(77) قال ابن حجر العسقلاني في " الاصابة " ج3 / القسم 1 /114 : وقال ابن حزم في " المحلى " : ثبت على تحليل المتعة بعد النبي (ص) من الصحابة ، ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة ومغيرة ابنا أمية بن خلف .

( قال ابن حجر ) وذكر آخرين . ( انتهى) .

أقول : الصحيح أنهم ثبتوا على تحليل المتعة بعد عمر لأنه هو الذي حرمها .

وهؤلاء خالفوا عمر وثبتوا على حكم الله ورسوله (ص) . " المترجم "

(78) سورة المؤمنون ، الآية 6 .

(79) سورة يونس ، الآية 15 .

(80) الاجتهاد .. عبارة عن الحصول على قدرة علمية لفهم الأحكام الشرعية واستنباطها من كلام الله العزيز الحكيم وسيرة النبي (ص) وحديثه .

فيلزم أن يكون رأي المجتهد في بيان الحكم الشرعي مستندا بالكتاب الحكيم أو سنة النبي الكريم (ص) ، لا مناقضا لهما ، فلا يحق للمجتهد أن يفتي مخالفا لهما معتمدا على رأيه .

(81) سورة النجم ، الآية 3 و 4 .

(82) سورة الأحقاف ، الآية 9 .

(83) روى العلامة أبو عبدالله محمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب / الباب السابع في مولده (ع) / وهو في الفصل الثالث بعد الأبواب المائة التي ذكرها في مناقب الامام علي (ع) .

روى بسنده المتصل بمسلم بن خالد المكي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال سألت رسول الله عن ميلاد علي بن أبي طالب ، فقال : لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح (ع) . إن الله تبارك و تعالى خلق عليا نورا من نوري و خلقني نورا من نوره و كلانا من نور واحد ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم (ع) في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية ، فما نقلت من صلب إلا وعلي معي فلم نزل كذلك حتى اسودعني خير رحم وهي آمنة ، واستودع عليا خير رحم وهي فاطمة بنت أسد .

قال (ص) : وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان ، قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة ، فبعث الله إليه أبا طالب فلما أبصره المبرم قام إليه وقبل رأسه وأجلسه بين يديه ، ثم قال لهه : من أنت ؟ فقال : رجل من تهامة . فقال : من أي تهامة ؟ فقال : من بني هاشم ، فوثب العابد فقبل رأسه ثانية ثم قال : يا هذا إن العلي الأعلى ألهمني إلهاما ، قال أبو طالب : وما هو ؟ قال : ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله عز وجل .

فلما كانت الليلة التي ولد فيها علي ، أشرقت الأرض فخرج أبو طالب وهو يقول : أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله عز وجل . فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول :

يا رب هذا الغسق الدجى و القمر المنبلـــج المضـــــي

‏بين لنا من أمرك الخفــي ما ذا ترى في اسم ذا الصبي

فسمع صوت هاتف يقول :

يا أهل بيت المصطفى النبي خصصتما بالـــــولد الزكي

‏إن اسمه من شامــخ العلــي علي اشتق مـــن العلــي

قال العلامة الكنجي : تفرد به مسلم بن خالد المكي الزنجي وهو شيخ الشافعي ـ إمام الذهب ـ وتفرد به الزنجي عبدالعزيز بن عبدالصمد وهو معروف عندنا ، والزنجي لقب لمسلم وسمي بذلك لحسنه وحمرة وجهه وجماله . انتهى .

وقال بعد هذا الخبر أخبرنا الحافظ أبو عبدالله محمد بن محمود النجار بقراءتي عليه ببغداد ، فقلت له : قرأت على الصفار بنيسابور : أخبرتني عمتي عائشة ، أخبرنا ابن الشيرازي ، أخبرنا الحاكم أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحافظ النيسابوري قال : ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمكة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين عام الفيل ، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواء ، إكراما له بذلك وإجلالا لمحله في التعظيم .

أقول : إن خبر مولد علي (ع) في وسط الكعبة مشهور ، وقد نقله كثير من الأعلام وعلماء العامة وذكره شعراؤهم ونقلت عنهم بعضها سابقا في تعليقاتي على هذا الكتاب . " المترجم "

(84) وكذلك أخرجه عن ابن المغازلي صاحب تفسير اللوامع : ج1/219 .

(85) سورة القصص ، الآية 7 .

(86) سورة النحل ، الآية 68 .

(87) سورة مريم ، الآية 24 ـ 26 .

(88) وجاء في كتاب تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي / الباب الخامس في ذكر ورعه وزهده وعبادته (ع)/ قال : أخبرنا غير واحد ، ثم ذكر الاسناد إلى محمد بن قيس عن أبي شهاب قال : كان عمر بن عبد العزيز (رض) يقول : ما علمنا أن أحدا من هذه الأمة بعد رسول الله (ص) أزهد من علي بن أبي طالب (ع) ، ما وضع لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة .

وبه قال عبد الله بن أحمد بن حنبل .

قال ابن أبي الحديد في مقدمته على شرح نهج البلاغة وهو يصفه : وأما الزهد في الدنيا فهو سيد الزهاد و أما الزهد في الدنيا فهو سيد الزهاد و بدل الأبدال و إليه تشد الرحال ، ما شبع من طعام قط و كان أخشن الناس مأكلا و ملبسا .

قال عبد الله بن أبي رافع : دخلت إليه يوم عيد ، فقدم جرابا مختوما فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فقدم فأكل فقلت يا أمير المؤمنين فكيف تختمه قال خفت هذين الولدين أن يلتاه بسمن أو زيت.

و كان ثوبه مرقوعا بجلد تارة و ليف أخرى و نعلاه من ليف ، و كان يلبس الكرباس الغليظ .

وكان يأتدم إذا ائتدم بخل أو بملح ، فإن ترقى عن ذلك فبعض نبات الأرض فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل ، و لا يأكل اللحم إلا قليلا و يقول : لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان . و هو الذي طلق الدنيا ، و كانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الإسلام إلا من الشام فكان يفرقها.

ونقل ابن أبي الحديد في ج2 / 201 ، ط. دار إحياء الكتب العربية / قال : و روى معاوية بن عمار عن جعفر بن محمد (ع) قال : ما اعتلج على علي (ع) أمران في ذات الله سبحانه ، إلا أخذ بأشدهما ، و لقد علمتم أنه كان يأكل ـ يا أهل الكوفة ـ عندكم من ماله بالمدينة ، و أن كان ليأخذ السويق فيجعله في جراب و يختم عليه مخافة أن تزاد عليه من غيره ، و من كان أزهد في الدنيا من علي (ع) ؟!

وروى في صفحة 200 عن بكر بن عيسى قال : كان علي (ع) يقول : يا أهل الكوفة ، إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي و رحلي و غلامي فلان ، فأنا خائن فكانت نفقته تأتيه من غلته بالمدينة بينبع .

ونقل محمد بن طلحة العدوي النصيبي في كتابه مطالب السئول / الفصل السابع / فقال إنه (ع) قد ولى على عكبرا رجلا من ثقيف فقال هذا الوالي : قال لي (ع) إذا صليت الظهر غدا فعد إلي ، قال : فلما كان الغد وصليت الظهر غدوت إليه فلم أجد عنده حاجبا يحبسني دونه ، فوجدته جالسا و عنده قدح و كوز ماء ، فدعا بوعاء مشدود عليه ختم .. فلما كسر الختم و حله فإذا فيه سويق فأخرج منه فصبه في القدح و صب عليه ماء وشرب و سقاني ، فلم أصبر فقلت : يا أمير المؤمنين أ تصنع هذا في العراق و طعام العراق كثير ؟! فقال أما و الله ما أختم عليه بخلا به و لكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يوضع فيه من غيره و أنا أكره أن يدخل بطني إلا طيبا ، فلذلك أحترزت عليه بما ترى . فإياك و تناول ما لا تعلم حله .

رواه أيضا سبط بن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس / بسنده عن عبد الملك بن عمر ورواه آخرون من أعلام العامة . " المترجم "

(89) رواه سبط ابن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس ، ورواه الحافظ القندوزي في الينابيع / الباب الحادي والخمسون .

(90) رواه سبط ابن الجوزي عن سويد بن غفلة والقندوزي عن علقمة ، ورواه الخطيب الخوارزمي في المناقب والطبري في تاريخه . " المترجم "

(91) الفالوذج : نوع من الحلوى .

(92) جاء في كتاب أمير المؤمنين إلى عثمان بن حنيف عامله على البصر ، كما في نهج البلاغة ... وإنما هي نفسي أروّضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر ، و تثبت على جوانب المزلق ، و لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل و لباب هذا القمح و نسائج هذا القز ، و لكن هيهات أن يغلبني هواي ، و يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ، و لعل بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص و لا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى و أكباد حرى ، أ و أكون كما قال القائل :

و حسبك عارا أن تبيت ببطنة و حولك أكباد تحن إلى القد

أ أقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش ...الخ . " المترجم "

(93) رواه أيضاً العلامة سبط ابن الجوزي في التذكرة / الباب الخامس. "المترجم".

(94) أرى أن أنقل خبر ضرار بن ضمرة بكامله لما من فوائد جمة ، أنقله من كتاب تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، قال في آخر الباب الخامس ، باسناده الى جده أبي الفرج بن الجوزي وهو باسناده المتصل عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح قال : دخل ضرار بن ضمرة على معاوية فقال له : يا ضرار ! صف لي عليا ! فقال : أو تعفني ؟ قال : لا أعفيك قالها مرارا .

فقال ضرار : أما إذ لا بد من وصفه فكان و الله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا و يحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا و زهرتها و يأنس بالليل و ظلمته كان والله غزير الدمعة كثير الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما خشن و من الطعام ما جشب كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا اذا أتيناه ويأتينا اذا دعوناه و نحن و الله مع قربه منا ودنوه إلينا لا نكلمه هيبة له ولا نبتديه لعظمه، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين و يحب المساكين لا يطمع القوي في باطله و لا ييئس الضعيف من عدله ، فاشهد بالله ...

ولما انتهى من كلامه ، بكى معاوية و قال : رحم الله أبا حسن كان و الله كذلك ثم قال : فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ فقال حزن من ذبح ولدها في حجرها ، فلا ترفأ عبرتها ولا يسكن حزنها . " المترجم "

(95) قال محمد بن طلحة العدوي النصيبي في كتابه مطالب السؤول / الفصل السابع : وأما زهده فقد شهد له بذلك رسول الله (ص) وأخبر أن الله تعالى حلاه من الزهد بحليته وحباه بزينة بزته وكساه بزة زينته فقال (ص) ما رواه الحافظ أبو نعيم (رض) بسنده في حليته : يا علي إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها هي زينة الأبرار عند الله تعالى ، الزهد في الدنيا ، فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا و لا ترزأ منك الدنيا شيئا .

ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج9 /166 ، ضمن الأحاديث الواردة في فضائل علي (ع) قال : الخبر الأول يا علي إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إليه منها هي زينة الأبرار عند الله تعالى الزهد في الدنيا جعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا و لا ترزأ الدنيا منك شيئا و وهب لك حب المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعا و يرضون بك إماما قال : رواه أبو نعيم الحافظ في كتابه المعروف بحلية المتقين و زاد فيه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في المسند :

فطوبى لمن أحبك و صدق فيك و ويل لمن أبغضك و كذب فيك .

ورواه جل من أعلام العامة الذين كتبوا في المناقب والفضائل منهم ابن المغازلي في المناقب : ح رقم 148 ، والمحب الطبري في الذخائر : 100 وفي الرياض : ج2/228 ، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ج9/121 و132 وقال رواه الطبراني والمتقي في كنز العمال : ج5 ص35 وفي أسد الغابة : ج4/23 وغيرهم أيضا .
" المترجم " .

(96) و (97) ورد في كثير من الكتب عن كبار علمائهم ، منهم : الخطيب البغدادي في تاريخه : ج4/41 بطرق شتى عن أبي الأزهر ثم قال : ورواه محمد بن حمدون النيسابوري ، وأخرجه الذهبي أيضا في ميزان الاعتدال : ج2/613 و128 في ط وابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج1/12 ، والجزري في أسد الغابة : ج1/69 وج3 /116 ، والموفق الخوارزمي في المناقب /229 ، والهيثمي في المجمع : ج9/121، وقال : رواه الطبراني في الكبير ، وأخرجه أيضا المحب الطبري في ذخائر العقبى /70 ، والمتقي في منتخب الكنز : ج5/34 وقال : أخرجه بن النجار ، ورواهما جمع آخر . " المترجم "

(98) سورة النجم ، الآية 3 و4 .

(99) سورة الحجرات ، الآية 13 .

(100) سورة القمر ، الآية 10 .

(101) سورة مريم ، الآية 48 .

(102) سورة القصص ، الآية 21 .

(103) سورة الاعراف ، الآية 150 .

(104) ذكر ابن قتيبة أبو محمد عبد الله بن مسلم المتوفي سنة : 270 من أكبر علماء السنة وأشهر أعلامهم ، قال في كتابه الامامة والسياسة تحت عنوان : كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : قال و إن أبا بكر (رض) تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي ع فبعث إليهم عمر بن الخطاب فجاء فناداهم و هم في دار علي ع فأبوا أن يخرجوا فدعا عمر بالحطب وقال : و الذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له : يا أبا حفص إن فيها فاطمة فقال : و إن. فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال حلفت أن لا أخرج و لا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن . فوقفت فاطمة ع على بابها فقالت :لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم رسول الله (ص) جنازة بين أيدينا و قطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا و لم تردوا لنا حقا فأتى عمر أبا بكر فقال له أ لا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة فقال أبو بكر لقنفذ و هو مولى له اذهب فادع عليا قال فذهب قنفذ إلى علي ع فقال له : ما حاجتك ؟ قال يدعوك خليفة رسول الله ص قال علي (ع): لسريع ما كذبتم على رسول الله فرجع فأبلغ الرسالة .قال فبكى أبو بكر طويلا فقال عمر ثانية : أ لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة .فقال أبو بكر لقنفذ : عد إليه فقل له : أمير المؤمنين يدعوك لتبايع فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به فرفع علي صوته فقال: سبحان الله لقد ادعى ما ليس له . فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة . قال : فبكى أبو بكر طويلا. ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة ع فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها باكية يا رسول الله ! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة ؟!

فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع و أكبادهم تتفطر و بقي عمر و معه قوم فأخرجوا عليا و مضوا به إلى أبي بكر فقالوا له : بايع . فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟

قالوا : إذن و الله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك . قال : إذا تقتلون عبد الله و أخا رسوله فقال عمر: أما عبد الله فنعم و أما أخا رسوله فلا . و أبو بكر ساكت لا يتكلم. فقال له عمر: أ لا تأمر فيه بأمرك !! فقال :لا أكرهه على شي‏ء ما كانت فاطمة إلى جنبه .

فلحق علي بقبر رسول الله ص يصيح و يبكي و ينادي : يا( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي. ).

اقول : والحديث ذو شجون ، وانا لله وانا اليه راجعون . " المترجم "

(105) صحيح مسلم : ج2 / كتاب الحج باب 69 نقض الكعبة وبنائها : رواه بطرق شتى وكلها بالاسناد الى عائشة بألفاظ مختلفة . " المترجم "

(106) المذكور في متن الكتاب إنما هو الترجمة العربية لما ذكره السيد المؤلف بالفارسية ، وأما نص الحديث كما في ينابيع المودة للعلامة القندوزي الباب الخامس والاربعون ، قال : اخرج الموفق بن أحمد الخوارزمي والحمويني بالاسناد عن أبي عثمان النهدي عن علي كرم الله وجهه قال : كنت أمشي مع رسول الله (ص) فأتينا على حديقة فاعتنقني ثم أجهش باكيا فقلت يا رسول الله ما يبكيك ؟ فقال (ص) : أبكي لضغائن في صدر قوم لا يبدونها لك إلا بعدي قلت : في سلامة من ديني ؟ قال في سلامة من دينك.

اقول : ورواه العلامة الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب الباب السادس والستون بالاسناد الى ابن عساكر وهو باسناده الى أنس بن مالك والرواية أكثر تفصيلا مما في المناقب والينابيع ثم قال العلامة الكنجي بعد نقل الرواية هذا حديث حسن رزقناه عاليا بحمد الله ومنه وهذا سياق الحافظ مؤرخ الشام ، في مناقب أمير المؤمنين علي (ع) . " المترجم "

(107) سورة التوبة ، الآية 32 .