س2ـ قضية سب الصحابة أو تكفيرهم من جهة الشيعة هل هو صحيح النسبة لهم؟ وخصوصاً تكفير أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم) هل يقول الشيعة به؟ وكذلك بالنسبة لعائشة (رضي الله عنها)؟

ج: يحوم السؤال حول أمرين:

(الأول): التكفير. وليس من رأي الشيعة تكفير الصحابة، بل ولا عامة المسلمين، على اختلاف طوائفهم. وذلك يبتني على حقيقة الإسلام وتحديد أركانه عندهم. ويعرف ذلك من أحاديثهم عن أئمتهم (صلوات الله عليهم) ومن فتاوى علمائهم وتصريحاتهم.

 

معيار الإسلام والكفر عند الشيعة

ففي موثق سماعة: ((قلت لأبي عبد الله: أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان؟ فقال: إن الإيمان يشارك الإسلام، والإسلام لا يشارك الإيمان. فقلت: فصفهما لي. فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والتصديق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث، وعلى ظاهره جماعة الناس. والإيمان الهدى…))(1).

وفي حديث سفيان بن السمط: ((سأل رجل أبا عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما؟… فقال: الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان. فهذا الإسلام…))(2).

وفي صحيح حمران بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) : ((سمعته يقول: الإيمان ما استقر في القلب وأفضى به إلى الله عزوجل، وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمره. والإسلام ما ظهر من قول أو فعل. وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها. وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث، وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك من الكفر…))(3) إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.

وهي تشهد بأنه يكفي في الإسلام الشهادتان والإقرار بالفرائض الضرورية في الدين، وبأن غير الشيعة من فرق المسلمين لا يخرجون عن الإسلام، وتجري عليهم أحكامه من حرمة المال والدم وغيرها إلا بحق.

عدا النواصب، وهم الذين يناصبون أهل البيت (صلوات الله عليهم) العداء، على كلام وتفصيل لا يسعنا الحديث عنه، ولا يهمنا فعلاً، لأن الكلام في غيرهم.

وعلى هذا جرت فتاوى علماء الشيعة في جميع العصور، دونوها في كتبهم المنشورة، والتي هي في متناول كل من يريد معرفة رأي الشيعة. تجد ذلك في مسائل الطهارة والنكاح والذباحة والمواريث والقصاص وغيرها.

وليسوا في مقام التقية أو المجاملة. ولذا صرّحوا في بعض الموارد الأخرى باشتراط الإيمان زائداً على الإسلام. فلتلحظ.

ويحسن إثبات ما تضمنه مصدر واحد، وهو كتاب شرايع الإسلام المتقدم، الذي هو من الكتب المعروفة. وقد شرحه كثير من الفقهاء. ويدرس في الحوزة، كما تقدم. وعليه تقاس بقية المصادر.

قال في مبحث تغسيل الميت: ((وكل مظهر للشهادتين يجوز تغسيله عدا الخوارج والغلاة والشهيد…))(4).

وقال في كتاب الحدود في مسائل حدّ المرتد: ((كلمة الإسلام أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وإن قال مع ذلك: وأبرأ من كل دين غير الإسلام، كان تأكيداً))(5).

وقال في فصل الصلاة على الميت: ((الأول: من يصلى عليه. وهو كل من كان مظهراً للشهادتين، أو طفلاً له ست سنين ممن له حكم الإسلام))(6).

وقال في عدد النجاسات: ((العاشر: الكافر. وضابطه كل من خرج عن الإسلام، أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة، كالخوارج والغلاة))(7).

وقال في كتاب النكاح، في مسائل لواحق العقد: ((الأولى: الكفاءة شرط في النكاح، وهي التساوي في الإسلام. وهل يشترط التساوي في الإيمان؟ فيه روايتان، أظهرهما الاكتفاء بالإسلام، وإن تأكد استحباب الإيمان. وهو في طرف الزوجة أتم، لأن المرأة تأخذ من دين بعلها. نعم لا يصح نكاح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، لارتكابه ما يعلم بطلانه من دين الإسلام))(8).

وقال في أول كتاب الذباحة: ((أما الذابح فيشترط فيه الإسلام أو حكمه، فلا يتولاه الوثني… ولا يشترط الإيمان. وفيه قول بعيد باشتراطه.

نعم لا يصح ذباحة المعلن بالعداوة لأهل البيت (عليهم السلام) ـ كالخارجي ـ وإن أظهر الإسلام))(9).

وقال في مسائل اللواحق: ((ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح واللحوم يجوز شراؤه، ولا يلزم الفحص عن حاله))(10).

وقال في كتاب الفرائض ـ وهي المواريث ـ عند الكلام في موانع الإرث: ((الثالثة: المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب. والكفار يتوارثون وإن اختلفوا في النحل))(11).

وقال في كتاب القصاص عند التعرض لشروطه: ((الشرط الثاني: التساوي في الدين، فلا يقتل مسلم بكافر، ذمياً كان، أو مستأمناً، أو حربياً…))(12).

وقال في مبحث قصاص الطرف:((ويشترط في جواز الاقتصاص التساوي في الإسلام، والحرية، أو يكون المجني عليه أكمل))(13).

وعلى ذلك تبتني نظرة الشيعة وتعاملهم مع الصحابة عموماً ـ بما فيهم من سبق النص في السؤال عنهم ـ وغير الصحابة من المسلمين الذين يشهدون الشهادتين، ويعتنقون الإسلام ويعلنون دعوته، ويقيمون فرائضه. من دون نظر إلى فرقهم واختلافاتهم فيما زاد على أصول الإسلام، ومن دون نظر إلى بواطن نفوسهم وما تكنه صدورهم وتنطوي عليه ضمائرهم، فإن التعامل إنما يكون على الظاهر.

وعلى ذلك جرت سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم سيرة أئمتنا (صلوات الله عليهم) في جميع عصورهم. وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول عمن قاتله: إنهم إخواننا بغوا علينا، ولم يقل إنهم كفروا. ولم يسترق نساءهم ولا استحل أموالهم، لأنهم أهل القبلة، يعني: مسلمين. وعلى هذا جرى شيعته. بل الظاهر أن أكثر المسلمين على ذلك.

 

التوسع في إطلاق الكفر في الكتاب والسنة وكلمات المسلمين

نعم كثيراًًً ما يطلق الكفر في الكتاب المجيد والحديث الشريف وكلمات المسلمين عموماً على بعض من يشهد الشهادتين، ويعلن الإسلام تارة: بنحو من المبالغة، من أجل الإغراق في التنفير.

وأخرى: بلحاظ الخروج عن مقتضى الإسلام التام المبتني ـ مع الشهادتين ـ على الاستقامة في العقيدة والعمل، والوفاء بجميع ما عهده الله تعالى إلى عباده وطلبه منهم.

وثالثة: بلحاظ عدم مطابقة دعوى الإسلام للعقيدة الباطنة. وهو ما يرجع لطعن الشخص بالنفاق.

وعلى أحد هذه الوجوه يجري قوله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(14).

وقوله سبحانه: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(15) .

وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المروي بطرق متعددة: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))(16).

وقول عائشة عن عثمان: ((اقتلوا نعثلاً فقد كفر))(17).

وقول عمر بن الخطاب عن حاطب بن أبي بلتعة: ((يا رسول الله اضرب عنقه فقد كفر))(18).

وقول حذيفة: ((إنما كان النفاق على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان))(19).

وفي كلام لأبي شعيب: ((ان حفص الفرد ناظر الشافعي، فقال حفص: القرآن مخلوق. فقال له الشافعي: كفرت بالله العظيم))(20).

وفي حديث ياسر الخادم: ((سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: من شبّه الله تعالى بخلقه فهو مشرك، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر))(21).

وفي حديث أبي الصلت الهروي عنه (عليه السلام) : ((فقلت له: يا ابن رسول الله، فما معنى  الخبر الذي رووه: أن ثواب لا إله إلا الله النظر إلى وجه الله؟ فقال (عليه السلام) : يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر، ولكن وجه الله  أنبياؤه ورسله وحججه (صلوات الله عليهم) هم الذين بهم يتوجه إلى الله وإلى دينه ومعرفته… فالنظر إلى أنبياء الله  ورسله وحججه (عليهم السلام) في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من أبغض أهل بيتي لم يرني ولم أره يوم القيامة. وقال (عليه السلام) : إن فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني…))(22) وغير ذلك مما هو كثير جداً.

لكن ذلك كله لا يرجع إلى نفي الإسلام بالمعنى المتقدم، ولا إلى عدم ترتب أحكامه المتقدمة ـ من حرمة المال والدم وحلّ الذبائح والنكاح وثبوت الميراث ونحوها ـ كما هو المعلوم من مباني المسلمين عموماً في فقههم، وتعاملهم مع بعضهم، وسيرتهم فيما بينهم، إلا بعض فرق الخوارج أو نحوهم ممن عدّ من الشواذ وباينه المسلمون.

ولا نعهد من عموم الشيعة الخروج عن ذلك في الصحابة، ولا في غيرهم من المسلمين.

اللهم إلا أن يكون هناك شاذ لا يتيسر لنا فعلاً معرفته والوقوف على حديثه. ولو وجد فهو وحده يتحمل مسؤولية قوله وموقفه، من دون أن يتحمل عموم الشيعة مسؤولية ذلك، فضلاً عن أن ينسب إليهم ويحمل عليهم.

(الثاني): السب والطعن. ولا يتيسر لنا إعطاء موقف عملي عام للشيعة في ذلك، وتحديد ممارساتهم بنحو مسؤول. فإن الشيعة شعب، بل شعوب. وهم يختلفون فيما بينهم ـ كسائر الناس ـ في قوة الشخصية وتماسك الأعصاب، وفي ثقافتهم العامة والدينية، وتعرفهم على واقع الصحابة كأفراد وككل، وفي التزامهم الديني والخلقي، وفي تربيتهم وبيئتهم ومجتمعاتهم، وفي اندفاعاتهم العاطفية والانفعالية. ولكل ذلك أثر مهم في ممارساتهم العملية من هذه الجهة.

وكل ما نستطيعه بيان موقف الشيعة النظري من الصحابة ورأيهم فيهم حسب ما تمليه عليهم تعاليمهم وتفرضه عليهم أدلتهم، فنقول: للشيعة في ذلك مذهب يشترك فيه معهم الصحابة والتابعون، ومن بعدهم.

 

__________________

1- الكافي ج:2 ص:25 كتاب الإيمان والكفر: باب إن الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان حديث:1.

2- الكافي ج:2 ص:24 كتاب الإيمان والكفر: باب إن الإسلام يحقن به الدم (وتؤدى به الأمانة) وأن الثواب على الإيمان حديث:4.

3- الكافي ج:2 ص:26 كتاب الإيمان والكفر: باب إن الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان حديث:5.

4- شرايع الإسلام ج:1 ص:37.  

5- شرايع الإسلام ج:4 ص:185ـ 186.

6- شرايع الإسلام ج:1 ص:104ـ 105.

7- شرايع الإسلام ج:1 ص:53.

8-  شرايع الإسلام ج:2 ص:299.

9- شرايع الإسلام ج:3 ص:204.

10-  شرايع الإسلام ج:3 ص:206.

11-  شرايع الإسلام ج:4 ص:13.

12-  شرايع الإسلام ج:4 ص:211.

13-  شرايع الإسلام ج:4 ص:234.

14- سورة المائدة الآية:44.

15- سورة آل عمران الآية:97.

16- صحيح البخاري ج:1 ص:56 كتاب العلم: باب الإنصات للعلماء، ج:2 ص:619 كتاب الحج: باب الخطبة أيام منى، وغيرهما.

17- تاريخ الطبري ج:3 ص:12 في ذكر (قول عائشة (رضي الله عنها): والله لأطلبن بدم عثمان وخروجها وطلحة والزبير في من تبعهم إلى البصرة). السيرة الحلبية ج:3 ص:356 باب: ذكر نبذ من معجزاته.

18- الأحاديث المختارة ج:1 ص:286 فيما رواه (عبد الله بن عباس عن عمر). وقال: إسناده صحيح. مسند عمر بن الخطاب ج:1 ص:55.

19- صحيح البخاري ج:6 ص:2604 كتاب الفتن: باب:إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه.

20- السنن الكبرى للبيهقي ج:10 ص:43 كتاب الأيمان: باب: ما جاء في الحلف بصفات الله تعالى كالعزة والقدرة…. سير أعلام النبلاء ج:10 ص:30 في ترجمة الإمام الشافعي.

21- عيون أخبار الرضا ج:1 ص:93.

22- التوحيد للصدوق ص:117 ـ 118.