نظرة التابعين ومن بعدهم للصحابة ومواقفهم منهم:

وقد بقيت هذه النظرة لهم في من بعدهم من المسلمين، بعد ظهور الخلاف والشقاق بينهم. ووضوح ذلك يغني عن الكلام فيه، لولا تمادي بعض الناس في الغفلة أو التغافل.

ولذا كان من المعروف تاريخياً أن كثيراً من الناس في عهد الأمويين كانوا يمتحنون من قبل السلطة في أمر عثمان، بل وحتى في أمر أبي بكر وعمر أيضاً، لتثبيت الحجة عليهم من أجل التنكيل بهم. كما أن كثيراً من الناس كانوا يتبجحون ببغض الإمام أمير المؤمنين علي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) وبغض شيعته من الصحابة وغيرهم، ومناصبتهم العداء. حيث يشهد ذلك بعدم تسالم المسلمين ـ على اختلاف مذاهبهم ـ على عدالة الصحابة ككل، وإحاطتهم بهالة التعظيم والتقديس،بل هناك فئات كبيرة تطعن بجماعة من الصحابة تمثل اتجاهات معينة لاتؤمن بها.

كما أن موقف الشيعة ـ من الإمامية والزيدية وغيرهم ـ والخوارج ـ على اختلاف فرقهم ـ والمعتزلة من الصحابة مسجل معروف. حتى حكي عن النظام أنه طعن في أعلام الصحابة(1)، بل في أكثرهم(2).

ويحسن بنا ذكر بعض الشواهد المسجلة على ذلك..

1 ـ فقد سبق حديث كلثوم بن جبر عن أبي الغادية.

2 ـ وحديث الحسن البصري عن طلحة والزبير.

3 ـ وقال الحسن أيضاً: ((أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذو الفضيلة. واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير. وادعاؤه زياداً، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الولد للفراش، وللعاهر الحجر. وقتله حجراً. ويلاً له من حجر.مرتين))(3).

4 ـ وهذا عروة بن الزبير من أوائل التابعين يقول عن نفسه: ((إن حسان بن ثابت كان مِن مَن كثر على عائشة فسببته، فقالت: يا ابن أختي دعه، فإنه كان ينافح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)))(4).

5  ـ وقد ذكروا أن حريز بن عثمان ـ الذي وثقه جماعة منهم أحمد بن حنبل(5)ــ كان يبغض الإمام علياً (صلوات الله عليه)، ويروي المطاعن عليه، ويكثر من سبه ولعنه، ويقول: ((هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي))(6).

6 ـ كما ذكروا أن يحيى بن عبد الحميد كان يقول: ((مات معاوية على غير ملة الإسلام))(7).

 

 

__________________

1- الفرق بين الفرق ص:162. الملل والنحل ج:1 ص:72 الباب الأول الفصل الأول في الحديث عن الفرقة النظامية في المسألة الحادية عشر.

2- الفرق بين الفرق ص:304.

3- تاريخ الطبري ج:3 ص:232 في (تسمية من نجا منهم (أصحاب حجر) ). وقد ذكره مختصراً ابن كثير في البداية والنهاية ج:8 ص:130 في ترجمة معاوية وما ورد في فضائله ومناقبه.

4- صحيح مسلم ج:4 ص:1933 كتاب فضائل الصحابة(رضي الله عنه): باب فضائل حسان بن ثابت(رضي الله عنه)، واللفظ له. صحيح البخاري ج:4 ص:1523 كتاب المغازي:باب حديث الإفك. ج:5 ص:2278 كتاب الأدب: باب هجاء المشركين. المستدرك على الصحيحين ج:3 ص:555 في ذكر مناقب حسان بن ثابت. الأدب المفرد للبخاري ص:299 ذكره في باب (من الشعر حكمة).

5- تهذيب التهذيب ج:2 ص:208 في ترجمة حريز بن عثمان بن جبر.

6- تهذيب التهذيب ج:2 ص:209 في ترجمة حريز بن عثمان بن جبر. المجروحين ج:1 ص:268 في ترجمة حريز بن عثمان.  

7- تاريخ بغداد ج:14 ص:176 في ترجمة يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمن، ووصفه بـ(الإمام الكبير الثقة صاحب المسند الكبير). سير أعلام النبلاء ج:10 ص:533 في ترجمة يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمن

7 ـ وهذا عبد الرزاق الصنعاني مع وثاقته ورفعة مقامه في أهل الحديث، حتى قال يحيى بن معين: ((لو ارتد عبد الرزاق عن الإسلام ما تركنا حديثه))(1)، مع كل ذلك فقد ذكروا أنه حدث بحديث مالك ابن أوس بن الحدثان في قضية تنازع أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه) والعباس بن عبدالمطلب عند عمر في ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبقول عمر للعباس: ((فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك، وجاء هذا يطلب ميراث امرأته…)).

ثم قال عبد الرزاق: ((انظروا إلى الأنوك(2) يقول: تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث زوجته من أبيها. لا يقول: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ))(3).

وقال الذهبي: ((وثقه غير واحد. وحديثه مخرج في الصحاح، وله ما ينفرد به. ونقموا عليه التشيع وما كان يغلو فيه. بل كان يحب علياً (رضي الله عنه) ويبغض من قاتله…))(4).

8  ـ ولما ذكر معاوية في مجلس عبد الرزاق قال: ((لا تقذروا مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان))(5).

9 ـ وموقف من كان مع أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومن عرف بأنه من شيعته ـ من التابعين ومن بعدهم ـ من عثمان وطلحة والزبير ومعاوية، ومن معهم من الصحابة، معروف.

وكذلك موقف من كان مع معاوية ومن هو على نهجه ـ من التابعين ومن بعدهم ـ من أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن عرف بشدة العلاقة معه، كعمار بن ياسر وغيره.

10  ـ وروي أن مالك بن أنس صاحب المذهب كان يذكر عثمان وعلياً وطلحة والزبير فيقول: ((والله ما اقتتلوا إلا على الثريد الأعفر))(6).

11 ـ وكان السدي يشتم أبا بكر وعمر(7).

12  ـ وعن صالـح جزرة قال: ((كان عباد يشتم عثمان (رضي الله عنه)، وسمعته يقول: الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنة، قاتلا علياً بعد أن بايعاه))(8) .

13 ـ وعن شداد أبي عمار قال: ((دخلت على واثلة وعنده قوم، فذكروا علياً فشتموه فشتمته معهم))(9).

 

 

__________________

1- سير أعلام النبلاء ج:9 ص:573 في ترجمة عبد الرزاق بن همام. ميزان الاعتدال ج:4 ص:344 في ترجمة عبد الرزاق بن همام. الكامل في ضعفاء الرجال ج:5 ص:311 في ترجمة عبد الرزاق بن همام. معرفة علوم الحديث ص:139 ذكر النوع الثاني والثلاثين….

2- قال في لسان العرب: ((النوك بالضم: الحمق… والأنوك الأحمق… قال الأصمعي: الأنوك العاجز الجاهل… وقال الأصمعي: الأنوك الغبي في كلامه)).

3- سير أعلام النبلاء ج:9 ص:572 في ترجمة عبد الرزاق بن همام، واللفظ له. الضعفاء للعقيلي ج:3 ص:110 في ترجمة عبد الرزاق بن همام. ميزان الاعتدال ج:4 ص:344 في ترجمة عبد الرزاق بن همام.

4- تذكرة الحفاظ ج:1 ص:364 في ترجمة عبد الرزاق بن همام.

5- سير أعلام النبلاء ج:9 ص:570 في ترجمة عبد الرزاق بن همام. الضعفاء للعقيلي ج:3 ص:109 في ترجمة عبد الرزاق بن همام. معجم البلدان ج:3 ص:429. ميزان الاعتدال ج:4 ص:343 في ترجمة عبد الرزاق بن همام.

6- العقد الفريد ج:2 ص:235 كتاب الياقوتة في العلم والأدب:باب من أخبار العلماء والأدباء.

7- أحوال الرجال ص: 54 في ترجمة محمد بن السائب الكلبي. الضعفاء للعقيلي ج:1 ص:87 في ترجمة إسماعيل بن عبد الرحمن السدي. معرفة علوم الحديث ص:137 في ذكر النوع الثاني والثلاثين من علوم الحديث: في معرفة مذاهب المحدثين.

8- سير أعلام النبلاء  ج:11 ص:537 في ترجمة عباد بن يعقوب الرواجني، واللفظ له، ج:14 ص:29 في ترجمة صالـح بن محمد بن عمرو بن حبيب. تهذيب التهذيب ج:5 ص:95 في ترجمة عباد بن أبي يزيد. تهذيب الكمال ج:14 ص:178 في ترجمة عباد بن أبي يزيد. ميزان الاعتدال ج:4 ص:44 في ترجمة عباد بن يعقوب.

14 ـ  ويونس بن خباب الأسدي الذي وثقه ابن معين وغيره كان يشتم عثمان(1).

15 ـ وأبو الحسن أحمد بن علي الغزنوي كان ينال من الصحابة(2).

16 ـ وأبو اسرائيل الملائي كان يشتم عثمان(3)، وزاد بعضهم أنه كان يكفره(4).

17  ـ وكان أزهر الحراني وأسد بن وداعة ـ الذي وثقه النسائي وغيره ـ يسبان الإمام علياً (عليه السلام) (5).

18 ـ وكان أبو سليمان تليد بن سليمان المحاربي الكوفي يشتم عثمان. وذكر أبو داود أنه يشتم أبا بكر وعمر(6). وذكر ابن حبان أنه يشتم الصحابة(7).

19 ـ كما كان أبو عثمان البصري عمرو بن عبيد بن باب يشتم الصحابة(8).

20 ـ وذكر ابن حبان أن الحكم بن ظهير الفزاري ابن أبي ليلى الكوفي كان يشتم الصحابة(9).

21 ـ وكان ربيعة بن يزيد السلمي من النواصب يشتم الإمام علياً (عليه السلام) (10).

22 ـ وهذا جعفر بن سليمان الذي وثقه ابن حبان قيل له: ((بلغنا أنك تشتم أبا بكر وعمر، فقال: أما الشتم فلا، ولكن بغضاً يا لك من بغض)). وقال الأزدي: ((كان فيه تحامل على بعض السلف، وكان لا يكذب في الحديث، ويؤخذ عنه الزهد والرقائق)). وقال الدوري: ((كان جعفر إذا ذكر معاوية شتمه، وإذا ذكر  علياً قعد يبكي))(11).

23  ـ وهذا سالم بن أبي حفصة قال له عمر بن ذر: ((أنت قتلت عثمان؟)) فأنكر. قال: ((نعم أنت ترضى بقتله)). وهو الذي يقول: ((لبيك لبيك قاتل نعثل. لبيك لبيك مهلك بني أمية)). وعن خلف بن حوشب أن سالماً كان من رؤوس من ينقص أبا بكر وعمر(12).

24  ـ ويقول ابن حجر عن اسفنديار بن الموفق: ((…روى عنه الدبيثي وابن النجار. وقال: برع في الأدب. وتفقه للشافعي. وكان يتشيع. وكان متواضعاً عابداً كثير التلاوة.

 

__________________

1- تهذيب التهذيب ج:11 ص:385 في ترجمة يونس بن خباب.

2- ان الميزان ج:1 ص:232 في ترجمة أحمد بن علي الغزنوي. ميزان الاعتدال ج:1 ص:265 في ترجمة أحمد بن علي الغزنوي. المغني في الضعفاء ص:49 في ترجمة أحمد بن علي الغزنوي.

3- تهذيب الكمال ج:3 ص:79 في ترجمة إسماعيل بن خليفة العبسي. الضعفاء للعقيلي ج:1 ص:76 في إسماعيل بن أبي إسحاق أبو إسرائيل. الضعفاء والمتروكين ج:1 ص:116 في ترجمة إسماعيل بن أبي إسحاق.

4- الضعفاء للعقيلي ج:1 ص:76 في ترجمة إسماعيل بن أبي إسحاق أبو إسرائيل. الضعفاء والمتروكين ج:1 ص:116 في ترجمة إسماعيل بن أبي إسحاق.

5- لسان الميزان ج:1 ص:385 في ترجمة أسد بن وداعة. الضعفاء للعقيلي ج:1 ص:26 في ترجمة أسد بن وداعة.

6- تهذيب التهذيب ج:1 ص:447 في ترجمة تليد بن سلمان المحاربي. الكشف الحثيث للحلبي ص:80 في ترجمة تليد بن سلمان المحاربي. تهذيب الكمال ج:4 ص:322 في ترجمة تليد بن سلمان المحاربي. تاريخ بغداد ج:7 ص:137 في ترجمة تليد بن سلمان المحاربي.

7- تهذيب التهذيب ج:1 ص:447 في ترجمة تليد بن سلمان المحاربي.

8- تهذيب التهذيب ج:8 ص:64 في ترجمته. الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج:1 ص:229 في ترجمته.

9- تهذيب التهذيب ج:2 ص:368 في ترجمته.

10- الإصابة ج:2 ص:477 في ترجمته. الاستيعاب ج:1 ص:498 في ترجمة ربيعة بن عمر الجرشي.

11- تهذيب التهذيب ج:2 ص:82 في ترجمته.

12- تهذيب التهذيب ج:3 ص:374 في ترجمته. تهذيب الكمال ج:10 ص:136 في ترجمته. الضعفاء للعقيلي ج:2 ص:153 في ترجمته.

 

 

وقال ابن الجوزي: حكى عنه بعض عدول بغداد أنه حضر مجلسه بالكوفة، فقال: لما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من كنت مولاه فعلي مولاه، تغير وجه أبي بكر وعمر، فنزلت: (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا). فهذا غلوّ منه في شيعيته. وذكره ابن بابويه فقال: كان فقيهاً ديناً صالحاً، لقبه صائن الدين))(1).

25 ـ وهذا ابن تيمية ـ الذي رضي بإمامته أمة من الناس ـ كثيراً ما يؤدي كلامه إلى تنقيص الإمام أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه) كما يأتي عن ابن حجر في جواب السؤال الثامن.

26 ـ ولما انتصر جيش الدعوة العباسية، ودخل الكوفة، وبويع أبو العباس السفاح، تكلم داود بن علي بن عبد الله بن العباس ـ وهو على المنبر أسفل من أبي العباس السفاح بثلاث درجات ـ فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: ((أيها الناس إنه والله ما كان بينكم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خليفة إلا علي بن أبي طالب، وأمير المؤمنين هذا الذي خلفي))(2).

27 ـ ولما أمر المأمون وهو في طريق الشام، فنودي بتحليل المتعة، دخل عليه أبو العيناء ومحمد بن منصور، وهو يستاك، ويقول وهو مغتاظ: ((متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما! ومن أنت يا أحول حتى تنهى عما فعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر؟!))(3).

28 ـ ودخل المهدي بن المنصور العباسي على أبي عون عبد الملك بن يزيد عائداً له في مرضه، فأعجبه ما رآه منه وسمعه. قال أبو جعفر الطبري: ((وقال: أوصني بحاجتك، وسلني ما أردت، واحتكم في حياتك ومماتك… فشكر أبو عون ودعا، وقال: يا أمير المؤمنين حاجتي أن ترضى عن عبد الله بن أبي عون، وتدعو به، فقد طالـــت موجدتك عليه. قال: فقال: يا أبا عون: إنه على غير الطريق، وعلى خلاف رأينا ورأيك، إنه يقع في الشيخين أبي بكر وعمر، يسيء  القول فيهما. قال: فقال أبو عون: هو والله يا أمير المؤمنين على الأمر الذي خرجنا عليه، ودعونا إليه. فإن كان قد بدا لكم فمرونا بمــاأحببتم، حتى نطيعكم))(4)… إلى غير ذلك مما يضيق المقام عن استقصائه.

__________________

1- لسان الميزان ج:1 ص:387 في ترجمته.

2- تاريخ الطبري ج:4 ص:350 في (ذكر بقية الخبر عما كان من الأحداث في سنة اثنين وثلاثين ومائة: تمام الخبر عن سبب البيعة لأبي العباس عبد الله بن محمد بن علي…).

3- تاريخ بغداد ج:4 ص:199 في ترجمة يحيى بن أكثم. طبقات الحنابلة ج:1 ص:413 في ترجمة يحيى بن أكتم. تهذيب الكمال ج:31 ص:214 في ترجمة يحيى بن أكثم. تاريخ دمشق ج:64 ص:71 في ترجمة يحيى بن أكثم.

4- تاريخ الطبري ج:4 ص: 589 ـ 590 في ذكر بعض سير المهدي وأخباره، واللفظ له. تاريخ دمشق ج:37 ص:180ــ181 في ترجمة عبد الملك بن يزيد أبو عون الأزدي.