موقف الكتاب المجيد من الصحابة عموماً:

والموقف المذكور هو المناسب لموقف الكتاب المجيد من الصحابة، فإنه لم يقطع لهم بالسلامة والنجاة، بل ولا بالعدالة، فضلاً عن التقديس، بل نبههم، ووعظهم، وحذرهم، وعتب عليهم، وأنّبهم، في مناسبات كثيرة، ومواضع من القرآن الشريف يجدها الناظر فيه.قال عز من قائل: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)(1).

وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(2).

وقال سبحانه: (وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ)(3) .

وقال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)(4).

بل شدد النكير على ما وقع من بعضهم في كثير من الموارد. قال تعالى: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(5).

وقد صرح في كثير من الآيات بخروج بعضهم عــن مقتضى الإيمـان،  قال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُم أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ)(6).

وكما في سورة التوبة التي تميزت بالذم للمنافقين، وذكر مواقفهم المشينة، حتى سميت بالفاضحة(7).

وكذلك سورة آل عمران عند التعرض لمواقفهم وأقوالهم في غزوة أحد. وإذا كان قد صرح فيها بالعفو عن فرارهم، فقد نص فيها على أن منهم من يريد الدنيا، وأن منهم المنافقين الذين يظنون بالله ظن الجاهلية.

__________________

1- سورة الحديد الآية: 16.

2- سورة النساء الآية: 77.

3- سورة آل عمران الآية: 143.

4- سورة الصف الآية: 2، 3.

5- سورة النور الآية: 47 ـ 51.

6- سورة المائدة الآية: 51 ـ 53 .

7- صحيح البخاري ج:4 ص:1852 كتاب التفسير: باب تفسير سورة الحشر. صحيح مسلم ج:4 ص:2322 كتاب التفسير: باب في سورة براءة والأنفال والحشر. سنن سعيد بن منصور ج:5 ص:232 باب تفسير سورة التوبة. تفسير ابن كثير ج:2 ص:368 في آخر الآية (64) من سورة التوبة [يحذر المنافقون أن تنزل…]. تفسير الطبري ج:10 ص:171 في آخر الآية64) من سورة التوبة [يحذر المنافقون أن تنزل…]. تفسير القرطبي ج:8 ص:61 في تفسير سورة التوبة.

 

قال تعالى: (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ)(1).

وقد سبق في حديث ابن مسعود: ((ما كنت أرى أن أحداً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد الدنيا حتى نزلت الآية))(2).

وقال سبحانه: (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(3).

وكذا الحال في سورة الأحزاب التي استعرضت حالهم في حرب الخندق، وذكرت منهم أقساماً ثلاثة: المؤمنين الثابتين من أهل البصائر، الذين لم يغيروا ولم يبدلوا، والمنافقين الذين يظهرون الإسلام، من دون أن يقروا به بقلوبهم، ومرضى القلوب الذين هم ضعاف الإيمان، يتأرجحون بين الهدى والزيغ، تبعاً للقوة الظاهرة، ويميلون مع كل ريح.

قال عز من قائل: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(4).

وقال سبحانه وتعالى: (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا)(5).

وحتى سورة الأنفال التي استعرضت واقعة بدر ـ حيث انتصر المسلمون نصراً فاصلاً قلب موقعهم في الصراع ـ قد نبههم الله تعالى فيها إلى أن ذلك النصر إنما جاء معجزة منه عزوجل  (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ)(6)، وأن وضع كثير من المسلمين النفسي، وتقصيرهم فيما ينبغي لهم، واهتماماتهم بالدعة والراحة وكسب المال، لا يناسب النصر الذي حصل، لولا عنايته جل شأنه.

قال عز من قائل: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ * إِذْ

__________________

1- سورة آل عمران الآية: 152.

2- تفسير ابن كثير ج:1 ص:414 في تفسير قوله تعالى: [منكم من يريد الدنيا…] من سورة آل عمران، في (الحديث عن معركة أحد)، واللفظ له. مجمع الزوائد ج:6 ص:327 ـ 328 كتاب التفسير: في تفسير الآية من سورة آل عمران. تفسير الطبري ج:4 ص:130 في تفسير الآية من سورة آل عمران. تفسير القرطبي ج:4 ص:237 في تفسير الآية من سورة آل عمران

3- سورة آل عمران الآية: 154.

4- سورة الأحزاب الآية: 22 ـ 23.

5- سورة الأحزاب الآية: 10 ـ 12.

6- سورة الأنفال الآية: 42.

 

تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(1) .

وقال سبحانه وتعالى: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(2).

وقد استغلوا الرعب الذي ألقاه الله تعالى في قلوب المشركين، فبدلاً من أن يقتلوهم، ويثخنوا في الأرض، كان همّ كثير منهم الأسر، رغبة في الفداء والمال، حتى كان الأسرى سبعين والقتلى سبعين.

ومن طرائف ذلك ما كان من عبد الرحمن بن عوف، حيث كان قد غنم أدراعاً، فمرّ بأمية بن خلف وابنه علي، فقال له أمية: هل لك فيَّ؟ فأنا خير  لك من هذه الأدراع التي معك. قال عبد الرحمن: ((قلت: نعم ها الله ذا. قال: فطرحت الأدارع من يدي، وأخذت بيده ويد ابنه… فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي، وكان هو الذي يعذب بلال بمكة على ترك الإسلام، فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت، فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد، فيقول بلال: أحد أحد.

قال: فلما رآه قال: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا. قال: قلت: أي بلال، أبأسيري؟ قال: لا نجوت إن نجا. قال: قلت: أتسمع يا ابن السوداء؟ قال: لا نجوت إن نجا. قال: ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا. قال: فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة، وأنا أذب عنه. قال: فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه، فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط. قال: فقلت:انج بنفسك، ولا نجاء بك، فوالله ما أغني عنك شيئاً. قال: فهبروهما بأسيافهم، حتى فرغوا منهما.

قال: فكان عبد الرحمن يقول: يرحم الله بلالاً. ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري))(3).

وفي لفظ البخاري: ((إن عبد الرحمن قال: فلما كان في يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه (أمية) حين نام الناس، فأبصره بلال، فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار، فقال: أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا أمية. فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لأشغلهم، فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا، وكان رجلاً ثقيلاً، فلما أدركونا قلت له: ابرك. فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه…))(4).

وقد ظهر ذلك من المسلمين في المعركة، حتى رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الكراهية في وجه سعد بن معاذ، فقال له: لكأنك تكره ما يصنع الناس؟ فقال: أجل يا رسول الله. كانت هذه أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أعجب إليَّ من استبقاء الرجال(5).

__________________

1- سورة الأنفال الآية: 5 ـ 10.

2- سورة الأنفال الآية: 43.

3- السيرة النبوية لابن هشام ج:3 ص:179 ـ 181 في (مقتل أمية بن خلف)، واللفظ له. تاريخ الطبري ج:2 ص:35 في (ذكر وقعة بدر الكبرى). الثقات لابن حبان ج:1 ص:173 ـ 174 في (ذكر السنة الثانية من الهجرة).

4- صحيح البخاري ج:2 ص:807 كتاب الوكالة: باب إذا وكل المسلم حربياً في دار الحرب أو في دار الإسلام جاز.

5- الثقات لابن حبان ج:1 ص:169 في (ذكر السنة الثانية من الهجرة)، واللفظ له. السيرة النبوية لابن هشام ج:3 ص:176 في (رمي الرسول المشركين بالحصباء). تاريخ الطبري ج:2 ص:34 في (ذكر وقعة بدر الكبرى).

 

وقد أنبهم الله تعالى على ذلك في قوله سبحانه: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(1).

وقد ضرب الله تعالى لهم ولجميع المسلمين الأمثال، وذكر لهم مواقف الأمم السابقة ـ خصوصاً بني إسرائيل ـ حين خالفوا أنبياءهم، وآذوهم، واختلفوا من بعدهم من بعد ما جاءهم العلم في آيات كثيرة، كقوله تعالى: (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(2).

ثم حذرهم من صنيعهم، فقال عز وجل: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(3).

وقال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهًا)(4).

وقال سبحانه: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا)(5).

وقال عز من قائل: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا)(6).

وأشار سبحانه إلى معاناة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم في قوله:( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)(7).

وقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ)(8).

وقوله جلت آلاؤه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)(9).

وقد هون الله تعالى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرهم وعزّاه بقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ)(10).

__________________

1- سورة الأنفال الآية:67 ـ 68.

2- سورة البقرة الآية:213.

3- سورة آل عمران الآية: 105 ـ 107.

4- سورة الأحزاب الآية:69

5- سورة الأحزاب الآية:53.

6- سورة الأحزاب الآية:57.

7- سورة الحجرات الآية:17.

8- سورة الحجرات الآية:7.

9- سورة المجادلة الآية:8 ـ 9.

10- سورة المائدة الآية:41.

 

 

كما حذرهم الله تعالى الفتنة إن آذوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخالفوه، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(1).

وقال عون بن قتادة: ((حدثني الزبير بن العوام. قال: لقد حذرنا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فتنة لم نر أنا نخلق لها. ثم قرأ: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً) فقرأناها زماناً، فإذا نحن المعنيون بها. قال: فحيث كان هذا فلِمَ خرجتم؟ قال: ويحك، نحن نعلم، ولكن لا نصبر))(2).

وقال عز وجل: (لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(4).

ثم لم يكتف بذلك حتى وعدهم الفتنة صريحاً، فقال سبحانه: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(5).

وقال جل شأنه: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)(6).

وقد أشعرهم بضعفهم عن الامتحان وبخلهم بالمال ـ فضلاً عن غيره ـ في قضية النجوى، حين أمرهم بتقديم الصدقة إذا أرادوا مناجاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فامتنعوا عن مناجاته إلا الإمام أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه)(7)، وعتب عليهم في ذلك.

قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(8).

بل صرح ببخلهم وهددهم في قوله عز وجل: (إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ * هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)(9). وعرّض لهم بالانقلاب والردة، وسوء السيرة، فقال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ

__________________

1- سورة الأنفال الآية:24 ـ 25.

2- السنن الواردة في الفتن ج:1 ص:204 باب: قول الله عزوجل [وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً]، واللفظ له. تفسير ابن كثير ج:2 ص:300 في تفسير الآية.

3- سورة النور الآية:63.

4- سورة العنكبوت الآية:2 ـ 3.

5- سورة محمد الآية:29 ـ 31.

6- المستدرك على الصحيحين ج:2 ص:524 كتاب التفسير: في تفسير سورة المجادلة. تفسير ابن كثير ج:4 ص:328 في تفسير آية النجوى من سورة المجادلة الآية(12). تفسير القرطبي ج:17 ص:302 في تفسير آية النجوى من سورة المجادلة الآية(12).

7- سورة المجادلة الآية:12 ـ 13.

8- سورة محمد الآية:36 ـ 38.

9- سورة آل عمران الآية:144.

 

قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)(1).

وقال سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)(2).

وقال عز من قائل: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)(3).

ولم يكتف بذلك بل صرح بأن فيهم الطيب والخبيث وأنهم سيكشفون ويميزون، ولا يبقى الأمر مشتبهاً، فقال عز اسمه: (ما كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء)(4).

ومن الطبيعي أن المراد بذلك غير من عرف بالنفاق وتميز به قبل نزول الآية الشريفة.

ثم نبه إلى قلة الصالحين عموماً في قوله جل شأنه: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)(5) .

وقوله عز وجل: (ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ)(6) وغيرهما.

كما نبه إلى قلة الثابتين في شدة المحنة من المسلمين في قوله سبحانه: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)(7).

وقد كثر في الكتاب العزيز الحديث عن المنافقين ومرضى القلوب، والتبكيت والذم لهم، والإنكار عليهم، وإنذارهم بالعذاب الشديد، وخزي الدنيا وعذاب الآخرة. ووضوح ذلك يغني عن استطراده.

 

موقف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)من الصحابة عموماً

أما الأحاديث المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهي لا تقصر عن ذلك. فقد ورد عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) أن خاطبهم بقوله: ((لتتبعنَّ سنن من كان من قبلكم شبر بشبر وذراع بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟‍))(8).

 

__________________

1- سورة آل عمران الآية:144.

2- سورة الحج الآية:11.

3- سورة محمد الآية: 22 ـ 23.

4- سورة آل عمران الآية:179.

5- سورة سبأ الآية:13.

6- سورة الواقعة الآية:13 ـ 14.

7- سورة النساء الآية:66.

8- صحيح البخاري ج:6 ص:2669 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لتتبعن سنن من كان قبلكم، واللفظ له، ج:3 ص:1274 كتاب الأنبياء: باب ما ذكر عن بني إسرائيل. سنن ابن ماجة ج:2 ص:1322 كتاب الفتن: باب افتراق الأمم. مجمع الزوائد ج:7 ص:261 كتاب الفتن: باب منه في اتباع سنن من مضى. المستدرك على الصحيحين ج:1 ص:93 كتاب الإيمان. صحيح ابن حبان ج:15 ص:95 باب إخباره عما يكون في أمته من الفتن والحوادث في (ذكر البيان بأن قوله: سنن من قبلكم، أراد به أهل الكتابين). مسند أحمد ج:2 ص: (327، 511) مسند أبي هريرة(رضي الله عنه)، ج:3 ص:89 مسند أبي سعيد الخدري(رضي الله عنه). مسند الطيالسي ج:2 ص:289  في (ما روى أبو سعيد الخدري عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)) فيما رواه (عطاء بن يسار عن أبي سعيد(رضي الله عنه)).

 

 

وعلى هذا يجري قول حذيفة: ((لتركبن سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، غير أني لا أدري تعبدون العجل أم لا))(1).

وفي موطأ مالك: ((وحدثني عن مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، أنه بلغه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لشهداء أحد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي. فبكى أبو بكر، ثم بكى. ثم قال: أئنا لكائنون بعدك؟!))(2).

بل في حديث الحسن: ((أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قام على أهل البقيع، فقال: السلام عليكم يا أهل القبور من المؤمنين والمسلمين. لو تعلمون (ما.ظ) نجاكم الله منه مما هو كائن بعدكم. ثم نظر إلى أصحابه، فقال: هؤلاء خير منكم. قالوا: يا رسول الله، وما يجعلهم خيراً منا؟ قد أسلمنا كما أسلموا وهاجرنا كما هاجروا، وأنفقنا كما أنفقوا، فما يجعلهم خيراً منا؟ قال: إن هؤلاء مضوا لم يأكلوا من أجورهم شيئاً، وشهدت عليهم. وإنكم قد أكلتم من أجوركم بعدهم، ولا أدري كيف تفعلون بعدي))(3).

كما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) إخطارهم بالفتن المقبلة عليهم. ففي حديث أسامة بن زيد قال: ((أشرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أطم من آطام المدينة، ثم قال: هل ترون ما أرى؟. إني أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر))(4).

وعن عبد الله بن عمر أنه قال: ((خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بيت عائشة فقال: رأس الكفر من ههنا، من حيث يطلع قرن الشيطان))(5).

وعنه أيضاً أنه قال: ((استند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حجرة عائشة، فقال: إن الفتنة ههنا، إن الفتنة ههنا، من حيث يطلع قرن الشيطان))(6).

وعنه أيضاً: ((أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مستقبل المنبر وهو يقول: ألا أن الفتنة ههنا مرتين من حيث يطلع قرن الشيطان))(7)،

وعن نافع عن عبد الله قال: ((قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطيباً، فأشار نحو مسكن عائشة فقال: هنا الفتنة ثلاثاً من حيث يطلع قرن الشيطان))(8).

__________________

1- مصنف ابن أبي شيبة ج:7 ص:481 كتاب الفتن: من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنها.

2- موطأ مالك ج:2 ص:461 كتاب الجهاد: باب الشهداء في سبيل الله، واللفظ له. التمهيد لابن عبد البر ج:21 ص:228.

3- تاريخ المدينة المنورة ج:1 ص:94، واللفظ له. الزهد لابن مبارك ص:171. المصنف لعبد الرزاق ج:3 ص:575 كتاب الجنائز: باب التسليم على القبور. تفسير الثعالبي ج:4 ص:154.  

4- صحيح البخاري ج:2 ص:871 كتاب المظالم: باب إماطة الأذى، واللفظ له. صحيح مسلم ج:4 ص:2211 كتاب الفتن وأشراط الساعة: باب نزول الفتن كمواقع القطر. المستدرك على الصحيحين ج:4 ص:553 كتاب الفتن والملاحم. مسند أحمد ج:5 ص:200 حديث أسامة بن زيد. وغيرها.

5- مسند أحمد ج:2 ص:23 ، ومثله ما في ص:26 في (مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب(رضي الله عنه)).

6- السنن الواردة في الفتن ج:1 ص:245 باب قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): الفتنة من قبل الشرق.

7- فوائد الليث بن سعد ص:70 الحديث الحادي عشر.

8- صحيح البخاري ج:3 ص:1130 باب ما جاء في بيوت أزواج النبي: من أبواب الخمس.

 

 وعن أبي مويهبة مولى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذهب إلى البقيع، فلما وقف على أهل البقيع قال: ((السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، لو تعلمون ما نجاكم الله منه. أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع أولها آخرها. الآخرة شرّ من الأولى))(1).

وفي حديث كعب بن عجرة الأنصاري قال: ((خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن في المسجد، أنا تاسع تسعة، فقال لنا: أتسمعون هل تسمعون ـ ثلاث مرار ـ إنها ستكون عليكم أئمة، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فلست منه، وليس مني، ولا يرد علي الحوض يوم القيامة، ومن دخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، وسيرد علي الحوض يوم القيامة))(2). ونحوه غيره(3).

وفي حديث أبي مريم: ((سمعت عمار بن ياسر يقول: يا أبا موسى… أنشدك الله أليس إنما عناك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسك فقال: إنها ستكون فتنة في أمتي أنت يا أبا موسى فيها نائم خير منك قاعد، وقاعد خير منك قائم، وقائم خير منك ماش، فخصك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يعم الناس. فخرج أبو موسى، ولم يرد عليه شيئاً))(4).

وفي حديث حذيفة: ((قال: كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أحصوا كل من تلفظ بالإسلام. قال: قلنا: يا رسول الله تخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ قال: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا. قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا ما يصلي إلا سرّاً))(5). ولابد أن يريد التستر بالصلاة التامة التي كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وإلا فالصلاة كانت تقام علناً. ويناسب ذلك ما تقدم عن أنس من أنهم ضيعوا من الصلاة ما ضيعوا، وما عن أبي موسى الأشعري من أنهم تركوا الصلاة التي كانوا يصلونها مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نسياناً أو عمداً.

__________________

1- مسند أحمد ج:3 ص:489 في حديث أبي مويهبة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واللفظ له. المستدرك على الصحيحين ج:3 ص:57 كتاب المغازي والسرايا. مجمع الزوائد ج:9 ص:24 كتاب علامات النبوة: باب تخييره بين الدنيا والآخرة. المعجم الكبير ج:22 ص:346 في (من يكنى أبو مويهبة: أبو مويهبة مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)). وقريب منه ما في سنن الدارمي ج:1 ص:50 باب: وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم))، والطبقات الكبرى ج:2 ص:204 في (ذكر خروج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)). إلى البقيع واستغفاره لأهله والشهداء).

2- السنن الكبرى للبيهقي ج:8 ص:165 كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة باب ما على الرجل من حفظ اللسان عند السلطان وغيره. مجمع الزوائد ج:5 ص:247 كتاب الخلافة: باب فيمن يصدق الأمراء بكذبهم ويعينهم على ظلمهم. المعجم الكبير ج:19 ص:141 فيما رواه عامر الشعبي عن كعب بن عجرة. شعب الإيمان ج:7 ص:46 السادس والستون من شعب الإيمان وهو باب في مباعدة الكفار والمفسدين والغلظة عليهم فصل ومن هذا الباب مجانبة الظلمة.

3- السنن الكبرى للبيهقي ج:8 ص:165 كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة باب ما على الرجل من حفظ اللسان عند السلطان وغيره. سنن الترمذي ج:4 ص:525 كتاب الفتن عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): في باب لم يعنونه برقم (72). المستدرك على الصحيحين ج:1 ص:151 كتاب الإيمان. صحيح ابن حبان ج:1 ص:513 كتاب البر والإحسان: باب الصدق والأمر المعروف والنهي عن المنكر: ذكر البيان بأن المرء يرد في القيامة الحوض على المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله الحق عند الأئمة في الدنيا، ص:517 ذكر الأخبار عن نفي الورود على الحوض يوم القيامة عن من صدق الأمراء بكذبهم، ذكر نفي الورود على حوض المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) عن من أعان الأمراء على ظلمهم أو صدقهم في كذبهم، ص:519 ذكر الزجر عن أن يصدق المرء الأمراء على كذبهم أو يعينهم على ظلمهم. مسند أحمد ج:4 ص:243 حديث كعب بن عجرة )رضي الله عنه). المعجم الكبير ج:19 ص:134، 135 فيما رواه عاصم العدوي عن كعب بن عجرة، ص:141 فيما رواه عامر الشعبي عن كعب بن عجرة  

4- مجمع الزوائد ج:7 ص:246 كتاب الفتن: باب في الحكمين، واللفظ له. الكامل في الضعفاء ج:5 ص:186 في ترجمة علي بن الحزور. تاريخ دمشق ج:32 ص:92 في ترجمة عبد الله بن قيس بن سليم (أبو موسى الأشعري).

5- مصنف ابن أبي شيبة ج:7 ص:468 كتاب الفتن: باب من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنها، واللفظ له. صحيح ابن حبان ج:14 ص:171 كتاب التاريخ: ذكر إحصاء المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) من كان تلفظ بالإسلام في أول الإسلام. السنن الكبرى للنسائي ج:5 ص:276 حفظ الإمام الرعية وحسن نظره لهم. الإيمان لابن منده ج:1 ص:536 ذكر خبر يدل على ما تقدم من ابتداء الإسلام.

 

وقد صرح (صلى الله عليه وآله وسلم) بهلاك بعضهم أو نفاقه أو خروجه عن الطريق، مثل ما تقدم من أن قاتل عمار وسالبه في النار(1)، وأنه تقتله الفئة الباغية(2).

وأمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتل معاوية إذا رأوه على منبره، أو على المنبر، أو على الأعواد(3).

وإخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه يلحد بمكة كبش من قريش، اسمه عبد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس. أو يحلها ويحل به رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها، ونحو ذلك(4).

وأمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين(5). ومنه ما عن محنف بن سليم قال: ((أتينا أبا أيوب الأنصاري، وهو يعلف خيلاً له بصنعاء، فقِلنا عنده، فقلت له: يا أبا أيوب قاتلت المشركين مع رسول الله، ثم جئت تقاتل المسلمين. قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرني بقتال ثلاثة: الناكثين والقاسطين والمارقين. فقد قاتلت الناكثين، وقاتلت القاسطين، وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين بالسعفات بالطرقات بالنهروانات. وما أدري أين هم))(6).

وعن جبير بن مطعم: ((قلت: يا رسول الله إنهم يزعمون أنه ليس لنا أجر بمكة. فقال: لتأتينكم أجوركم ولو كنتم في جحر ثعلب. قال: فأصغى إليَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن في أصحابي منافقين))(7)، وعن أبي مسعود قال: ((خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن فيكم منافقين، فمن سميت فليقم. ثم قال: قم يا

 

__________________

1- مجمع الزوائد ج:5 ص:252 كتاب الجهاد: باب هجرة الباثة والبادية، واللفظ له. مسند أحمد ج:4 ص:83 في (حديث جبير بن مطعم)رضي الله عنه)). مسند الطيالسي ج:2 ص:128 في (أحاديث جبير بن مطعم).

2- صحيح البخاري ج:1 ص:172 كتاب الصلاة: أبواب المساجد، باب التعاون في بناء المسجد، ج:3 ص:1035 كتاب الجهاد والسير: باب مسح الغبار عن الناس في السبيل. صحيح مسلم ج:4 ص:2236 كتاب الفتن وأشراط الساعة: باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل… . ومصادر أخرى كثيرة.

3- سير أعلام النبلاء ج:3 ص:149 في ترجمة معاوية، ج:6 ص:105 في ترجمة عمرو بن عبيد. تهذيب التهذيب ج:2 ص:368 في ترجمة الحكم بن ظهير الفزاري، ج:5 ص:95 في ترجمة عباد بن يعقوب، ج:8 ص:64 في ترجمة عمرو بن عبيد، ج:7 ص:284 في ترجمة علي بن زيد بن جدعان. الكامل في الضعفاء ج:2 ص:146 في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي، ص:209 في ترجمة الحكم بن ظهير، ج:5 ص:(98، 101، 103) في ترجمة عمرو بن عبيد بن باب، ص:200 في ترجمة علي بن زيد بن جدعان، ص:314 في ترجمة عبد الرزاق بن همام، ج:6 ص:422 في ترجمة مجالد بن سعيد بن عمير، ج:7 ص:83 في ترجمة الوليد بن القاسم بن الوليد. المجروحين لابن حبان ج:1 ص:162 في ترجمة أحمد بن محمد بن مصعب، ص:250 في ترجمة الحكم بن ظهير، ج:2 ص:172 في ترجمة عباد بن يعقوب. الضعفاء للعقيلي ج:3 ص:280 في ترجمة عمرو بن عبيد بن باب. العلل ومعرفة الرجال ج:1 ص:406. تاريخ دمشق ج:59 ص:155، 156، 157 في ترجمة معاوية بن صخر أبي سفيان.

4- مجمع الزوائد ج:3 ص:284، 285 كتاب الحج: باب في حرم مكة والنهي عن استحلالها، واللفظ له. تاريخ دمشق ج:28 ص:218، 219 في ترجمة عبد الله بن الزبير.

5- المستدرك على الصحيحين ج:3 ص:150 كتاب معرفة الصحابة في ذكر إسلام أمير المؤمنين علي(رضي الله عنه). مجمع الزوائد ج:5 ص:186 كتاب الخلافة: باب الخلفاء الأربعة، ج:7 ص:238 كتاب الفتن: باب فيما كان بينهم في صفين. مسند أبي يعلى ج:1 ص:379 في مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مسند البزار ج:2 ص:215 فيما روى علقمة بن قيس عن علي، ج:3 ص:27 فيما روى علي بن ربيعة الأسدي عن علي بن أبي طالب. مسند الشاشي ج:2 ص:342 فيما روى علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود. المعجم الكبير ج:10 ص:91 فيما رواه علقمة ابن قيس عن عبد الله بن مسعود.

6- مجمع الزوائد ج:6 ص:235 كتاب قتال أهل البغي: باب ما جاء في ذي الثدية وأهل النهروان، واللفظ له. المعجم الكبير ج:4 ص:172 فيما روى (محنف بن سليم عن أبي أيوب) فيما روى (خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاري). الكامل في الضعفاء ج:2 ص:187 في ترجمة الحارث بن حصيرة الأزدي.

7- مجمع الزوائد ج:5 ص:252 كتاب الجهاد: باب هجرة الباثة والبادية، واللفظ له. مسند أحمد ج:4 ص:83 في (حديث جبير بن مطعم (رضي الله عنه)). مسند الطيالسي ج:2 ص:128 في (أحاديث جبير بن مطعم).

 فلان، قم يا فلان، قم يا فلان، حتى سمى ستة وثلاثين رجلاً. ثم قال: إن فيكم أو منكم فاتقوا الله…))(1).

وروى مسلم بسنده عن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ((في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط…))(2).

وروى مسلم أيضاً أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((مثلي كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن، ويغلبنه فيقتحمن فيها. قال: فذلكم مثلي ومثلكم. أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلمّ عن النار، هلمّ عن النار، فتغلبوني تقحمون فيها))(3).

ومثله ما عن جابر أنه قال: (( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي))(4).

وفي حديث الزبير بن العوام أنه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((ثم دبّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء. والبغضاء هي الحالقة. حالقة الدين، لا حالقة الشعر. والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا...))(5).

وفي حديث أم سلمة: ((قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من أصحابي من لا أراه ولا يراني بعد أن أموت أبداً))(6).

وفي حديث عقبة: ((أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف على المنبر، فقال: إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض،

 

__________________

1- مسند أحمد ج:5 ص:273 في (حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري(رضي الله عنه))، واللفظ له. مسند عبد بن حميد ص:106 في (مسند أبي مسعود الأنصاري(رضي الله عنه)). المعجم الكبير ج:17 ص:246 في (حديث عياض بن عياض عن أبي مسعود). إلا أن فيهما بدل (فاتقوا الله) (فسلوا الله العافية).

2- صحيح مسلم ج:4 ص:2143 كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، واللفظ له. السنن الكبرى للبيهقي ج:8 ص:198 كتاب المرتد: باب ما يحرم به الدم من الإسلام زنديقاً كان أو غيره. مسند أحمد ج:5 ص:390 حديث حذيفة بن اليمان. وغيرها.

3- صحيح مسلم ج:4 ص:1789 كتاب الفضائل: باب شفقته على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم، واللفظ له. صحيح البخاري ج:5 ص:2379 كتاب الرقاق: باب الانتهاء عن المعاصي. مسند أحمد ج:2 ص:312 في مسند أبي هريرة(رضي الله عنه).

4- صحيح مسلم ج:4 ص:1790 كتاب الفضائل: باب شفقته على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم. تفسير القرطبي ج:20 ص:165. الترغيب والترهيب ج:4 ص:245 كتاب صفة الجنة والنار: الترغيب في سؤال اجنة والاستعاذة من النار.

5- مسند أحمد ج:1 ص:164 مسند الزبير بن العوام(رضي الله عنه)، واللفظ له. سنن الترمذي ج:4 ص:663، 664  كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): في باب لم يعنونه. مجمع الزوائد ج:8 ص:30 كتاب الأدب: باب ما جاء في السلام وإفشائه. السنن الكبرى للبيهقي ج:10 ص:232 كتاب الشهادات: جماع أبواب من تجوز شهادته ومن لا تجوز من الأحرار البالغين العاقلين المسلمين: باب شهادة أهل العصبية. مسند البزار ج:6 ص:192 فيما رواه يعيش بن الوليد مولى ابن الزبير عنه. مسند الشاشي ج: 1ص:114. مسند الطيالسي ج: 1 ص:27 في أحاديث الزبير بن العوام. وغيرها من المصادر الكثيرة.  

6- مسند أحمد ج:6 ص:298، 312 في (حديث أم سلمة زوج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) )، واللفظ له. مجمع الزوائد ج:1 ص:112 كتاب الإيمان: باب منه في المنافقين. المعجم الكبير ج:23 ص:317 في (ومن روى عن أم سلمة من أهل الكوفة: مسروق بن الأجدع عن أم سلمة). الاستيعاب ج:2 ص:390 في ترجمة عبدالرحمن بن عوف، واقتصر في بعضها على قوله: (من لا يراني).

 

 

أو مفاتيح الأرض. وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها))(1).

وفي حديث أنس قال: ((قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ليردن علي الحوض رجلان مِمَن قد صحبني، فإذا رأيتهما رفعا لي اختلجا دوني))(2).

وفي حديث أبي سعيد الخدري: ((سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما بال رجال يقولون: إن رحم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاينفع قومه؟! بلى والله، إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة. وإني أيها الناس فرطكم على الحوض، فإذا جئتم قال رجل: يا رسول الله أنا فلان بن فلان، وقال الآخر: أنا فلان بن فلان. فأقول: فأما النسب فقد عرفته، ولكنكم أحدثتم بعدي، وارتددتم القهقرى))(3).

وفي حديث أبي هريرة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((قال: يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيجلون عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى))(4).

وفي حديثه الآخر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم. فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى.

ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم. فقال: هلم. قلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا من بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم))(5).

وفي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: ((أخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أناساً من المسجد، وقال: لا ترقدوا في مسجدي هذا. قال: فخرج الناس، وخرج علي (رضي الله عنه). فقال لعلي (رضي الله عنه): (ارجع.ظ) فقد أحل لك فيه ما أحل لي. كأني بك تذودهم على الحوض، وفي يدك عصى عوسج))(6).

إلى غير ذلك من أحاديث الحوض الكثيرة المثبتة في مصادر الحديث المعروفة.

هذا قليل من كثير نقتصر عليه، لضيق المجال. ولم نتعرض لأدلة الشيعة على دعواهم، وما تفرضه عليهم من مواقف، لأنا لسنا بصدد ذلك. وعلى كل مسلم يبغي رضى الله تعالى، ويخشى غضبه وأليم عقابه، أن يستكمل الفحص، ويرتاد لنفسه، ليأمن عليها من النار. (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(7).

__________________

1- صحيح البخاري ج:5 ص:2408 كتاب الرقاق: باب في الحوض، واللفظ له. صحيح مسلم ج:4 ص:1795 كتاب الفضائل: باب اتبات حوض نبينا(صلى الله عليه وآله وسلم) وصفاته. السنن الكبرى للبيهقي ج:4 ص:14 جماع أبواب الشهيد ومن يصلي عليه. باب ذكر رواية من روى أنه صلى عليهم بعد ثمان… . مسند أحمد ج:4 ص:149 حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). صحيح ابن حيان ج:8 ص:18 كتاب الزكاة: باب جمع المال من حله وما يتعلق بذلك: ذكر الإخبار بأن النتافس في هذه الدنيا الفانية… . مسند الروياني ج:1 ص:157 مسند مرثد بن عبد الله. سير أعلام النبلاء ج:6 ص:33 في ترجمة يزيد بن أبي حبيب. وغيرها.

2- مسند أحمد ج:3 ص:140 في (مسند أنس بن مالك).

3- مجمع الزوائد ج:10 ص:364 كتاب البعث: باب ما جاء في حوض النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، واللفظ له. مسند أبي يعلى ج:2   ص:433 في مسند أبي سعيد الخدري. مسند عبد بن حميد ج:1 ص:304 (من مسند أبي سعيد الخدري). فتح الباري ج:11 ص:386.

4- صحيح البخاري ج:5 ص:2407 كتاب الرقاق: باب في الحوض، واللفظ له. تفسير القرطبي ج:4 ص:168. مسند عمر بن الخطاب ص:86. تغليق التعليق ج:5 ص:186 كتاب الرقاق: باب في الحوض.

5- صحيح البخاري ج:5 ص:2404، 2406، 2407، 2408 كتاب الرقاق: باب في الحوض. قال في لسان العرب، وفي حديث الحوض: (فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم. الهمل ضوال الإبل واحدها هامل. أي أن الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالة).

6- تاريخ المدينة المنورة ج:! ص:38.

7- سورة العنكبوت الآية: 6.

وإذا علم الله تعالى منه الجد والإخلاص كان في عونه، وهداه سواء السبيل (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(8).

__________________

 

8- سورة العنكبوت الآية: 69.