بعض الأدلة على صحة مذهب الشيعة في المهدي (عليه السلام):

ونعود فنقول: إن إمامة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) ـ التي عليها يبتني لزوم وجوده ـ وإن كانت هي آخر لبنة في نظام الإمامة عند الشيعة ومسك ختامها، وقد سبق أن الاستدلال على نظام الإمامة عندهم متشعب وطويل، إلا أن هناك أمران مهمان نستطيع أن ننطلق منهما لإثبات وجوده (صلوات الله عليه) وإمامته:

 

وجوب معرفة الإمام والتسليم له

(الأول): أنه قد تظافرت الأحاديث عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه قال:

((من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية))(1).

أو: ((من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية))(2).

أو: ((من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية))(3).

أو: ((من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية))(4).

أو: ((من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية))(5)، ونحو ذلك مما يرجع إلى عدم خلوّ كل عصر من إمام تجب على الناس طاعته، لشرعية إمامته(6).

وهو المناسب لقوله تعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)(7)، حيث يدل على أن لكل إنسان إماماً يدعى به.

وقد يحاول بعض الناس حمل الإمام في الآية الشريفة على النبي، وأن المراد أن أمة كل نبي تدعى معه.

لكنه مخالف لظاهر إطلاق الإمام في الآية الكريمة، فإن الإمام في عرف المسلمين من يأتم الإنسان به في أمر دينه ودنياه

_______________

1- ينابيع المودة ج:3 ص:372. طبقات الحنفية ص:457.

2-  مسند أحمد ج:4 ص:96 في (حديث معاوية بن أبي سفيان). حلية الأولياء ج:3 ص:224 في ترجمة زيد بن أسلم. المعجم الكبير ج:19 ص:388 فيما رواه (شريح بن عبيد عن معاوية). مسند الشاميين ج:2 ص:437 (ما انتهى إلينا من مسند ضمضم بن زرعة) في (ضمضم عن شريح بن عبيد). مجمع الزوائد ج:5 ص:218 كتاب الخلافة: باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمة والنهي عن قتالهم.

3- السنة لابن أبي عاصم ج:2 ص:503 باب في ذكر فضل تعزيز الأمير وتوقيره. مسند أبي يعلى ج:13 ص:366 حديث معاوية بن أبي سفيان.

4- مجمع الزوائد ج:5 ص:224 كتاب الخلافة: باب لزوم الجماعة والنهي عن الخروج عن الأمة وقتالهم. المجروحين ج:1 ص:286 في ترجمة خليد بن دعلج. 

5- صحيح مسلم ج:3 ص:1478 كتاب الإمارة: باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن… . السنن الكبرى للبيهقي ج:8 ص:156 كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة باب الترغيب في لزوم الجماعة والتشديد على من نزع من الطاعة. تفسير ابن كثير ج:1 ص:518 في تفسير الآية: (59) من سورة آل عمران. مجمع الزوائد ج:5 ص:218 كتاب الخلافة: باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمة والنهي عن قتالهم. الكبائر للذهبي ص:169 في الكبيرة (45) الغدر وعدم الوفاء بالعهد. السنة لابن أبي عاصم ج:2 ص:514 باب في ذكر فضل تعزيز الأمير وتوقيره. المعجم الكبير ج:19 ص:334 فيما رواه (ذكوان أبو صالـح السمان عن معاوية).

ورويت هذه الأحاديث أو ما يقرب منها في المصادر الشيعية ومنها: الكافي ج:1 ص:376 كتاب الحجة: باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى حديث:1، 2،3، ص:378 كتاب الحجة: باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام حديث:2. وراجع ص:180 كتاب الحجة: باب معرفة الإمام والردّ إليه، وص:374 كتاب الحجة: باب من دان الله عزَّ وجلّ بغير إمام من الله جل جلاله. بحار الأنوار ج:23 ص:76 ـ 95 باب: وجوب معرفة الإمام وأنه لا يعذر الناس بترك الولاية وأن من مات لا يعرف إمامه أو شك فيه مات ميتة جاهلية وكفر ونفاق.

6- وقد استفاضت أحاديث الشيعة بذلك عن أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) وتوجد الأحاديث المذكورة في الكافي ج:1 ص:178 كتاب الحجة: باب أن الأرض لا تخلو من حجة، ص:179 كتاب الحجة: باب أنه لو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجة. وراجع: ص:168 كتاب الحجة: باب الاضطرار إلى الحجة، وص:177 كتاب الحجة: باب أن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام، وغيرهما. كما توجد الأحاديث الذكورة في بحار الأنوار ج:23 ص:1 ـ 56 باب: الاضطرار إلى الحجة، وص:57 ـ 65 باب آخر في اتصال الوصية وذكر الأوصياء من لدن آدم إلى آخر الدهر.

7- سورة الإسراء الآية: 71.

 

ويطيعه في أموره، والنبي إمام لأهل زمانه من أمته، أما بعد وفاته فلابد من شخص آخر

يكون لهم إماماً مطاعاً فيهم. وهو الأنسب بالجمع بين الآية الشريفة والأحاديث المتقدمة، حيث تكون هذه الأحاديث شارحة للآية ومفسرة لها.

وعلى كل حال فالأحاديث المذكورة وحدها كافية في إثبات عدم خلوّ كل عصر من إمام تجب على الناس بيعته وطاعته، لشرعية إمامته. وذلك أنسب بمذهب الإمامية في الإمامة، وأنها بنص من الله تعالى، ولا تحتاج إلى اختيار الناس للإمام وبيعتهم له، بل يجب عليهم بيعته وطاعته، بعد أن جعله الله تعالى إماماً.

ويتجلى ذلك بوضوح في عصورنا هذه، حيث ترك السنة اختيار إمام لهم يبايعونه بعد إلغاء الخلافة العثمانية في تركيا عام (1342هـ)، وحيث كان مقتضى هذه الأحاديث وجود إمام للمسلمين في هذا العصر ـ كغيره من العصور ـ فالمتعين هو وجود المهدي المنتظر وإمامته، إذ لا يحتمل منا ومنهم إمامة غيره في هذه العصور.

 

الأئمة اثنا عشر من قريش

(الثاني): أنه ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحاديث كثيرة تعداد الأئمة في هذه الأمة، وأنهم اثنا عشر من قريش. وقد روي ذلك بطرق كثيرة، صحح أهل الحديث كثيراً منها. بل قال البغوي: ((هذا حديث متفق على صحته))(1).

وهذه الأحاديث تنطبق على مذهب الإمامية في الإمامة، فالأئمة الاثنا عشر أولهم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وآخرهم الإمام المهدي الغائب المنتظر (صلى الله عليه، وعجل فرجه).

ولا موجب لصرف هذه الأحاديث عن أئمة أهل البيت الاثني عشر إلا قناعات السنة المسبقة بمشروعية ما حصل في أمر الخلافة، حيث اضطروا بسبب ذلك إلى إخضاع الأدلة لواقع خلافتهم الذي حصل. وحيث لا يتطابق هذا الواقع مع هذه الأحاديث فقد اضطربت كلماتهم في توجيهها. وحاول بعضهم توجيهها بوجوه متكلفة ظاهرة الوهن(2)، مع أن المنطق يقضي بإخضاع الواقع للأدلة، وتحكيمها في شرعيته أو عدمها، كما سبق في قول أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): ((اعرف الحق تعرف أهله)). ولا معنى لإخضاع الأدلة للواقع، وتحكيمه عليها وتكلف توجيهها بما يناسبه.

ولنكتف بهذا المقدار في الاستدلال على صحة مذهب الشيعة في المهدي المنتظر (عليه أفضل الصلاة والسلام)، مع إيكال بقية الكلام في ذلك لمباحث الإمامة وأدلة الإمامية فيها. ولاسيما ما ذكروه في خصوص المهدي المنتظر، حيث فصّلوا الكلام في أمره وأطالوا فيه، حتى ألّف كثير منهم كتباً خاصة به. فليطلب ذلك، ولينظر فيه من تهمه الحقيقة، ويريد الخروج عن مسؤوليتها مع الله تعالى. ومنه سبحانه وتعالى التوفيق والتسديد.

__________

1-  شرح السنة ج: 15 ص: 30، 31 نقلاً عن دليل المتحيرين في بيان الناجين ص:226.

2-  راجع فتح الباري ج:13 ص:211 ـ 215.