نزول آية إكمال الدين في واقعة الغدير

(السادس): نزول قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)(1) في غدير خمّ بعد التبليغ بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام).

وقد ذهب إلى ذلك الشيعة الإمامية ورووه هم وغيرهم عن أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم).

وروي أيضاً عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وزيد بن أرقم، ومجاهد. وقد أطال الشيخ الأميني في ذكر من تعرض لذلك من محدثي السنة ومفسريهم(2).

ومن ذلك ما حكاه عن أبي نعيم الأصفهاني في كتابه (ما نزل من القرآن في علي) من أنه روى بسنده عن أبي سعيد الخدري: ((أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) دعا الناس إلى عليّ في غدير خم، أمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمّ، وذلك يوم الخميس. فدعا علياً فأخذ بضبعيه، فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ… الآية).

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، وبالولاية لعلي (عليه السلام) من بعدي، ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. فقال حسان: ائذن لي يا رسول لله أن أقول في علي أبياتاً تسمعهن. فقال: قل على بركة الله. فقام حسان

________

1- سورة المائدة الآية: 3.

2- الغدير في الكتاب والسنة والأدب ج:1 ص: 230 - 238.

 

فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية، ثم قال…)) وذكر أبياته الآتية(1).

ويأتي حديث أبي هريرة أيضاً في ذلك عند الكلام في صوم يوم الغدير.

لكن قال ابن كثير: ((وقد روى ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم حين قال لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه. ثم رواه عن أبي هريرة، وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، يعني مرجعه (عليه السلام) من حجة الوداع. ولا يصح لا هذا ولا هذا، بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية أنها أنزلت يوم عرفة. روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وسمرة بن جندب (رضي الله عنه)…))(2).

وقال السيوطي: ((وأخرج ابن مردويه وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) علياً يوم غدير خم، فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ).

وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: لما كان يوم غدير خم، وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجة قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله: (الْيَوْم َأَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (3).

وقد عقب الشيخ الأميني (قدس سره) على ما ذكراه، وردّ عليهما. وحاول إثبات صحة الحديث على مقاييس جمهور السنة (4). كما أنه يأتي عند الكلام في صوم يوم الغدير من الخطيب البغدادي ما قد يظهر منه الميل لقوة حديث أبي هريرة.

ولا يسعنا التعرض لذلك، لأنا لسنا بصدد الاحتجاج، بل بصدد الاستعراض للمهمّ مما يذكر في المقام، من أجل بيان أن السنة قد ذكروا واقعة الغدير ورووها.

 

تعميم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يوم الغدير

(السابع): تعميم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه) في المناسبة المذكورة.

فعن أمير المؤمنين قال: ((عممني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم بعمامة سدلها خلفي. ثم قال: إن الله أمدني يوم بدر وحنين بملائكة يعتمون هذه العمة. وقال: إن العمامة حاجزة بين الكفر والإيمان…))(5).

 

تهنئة الحضور في واقعة الغدير لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)

(الثامن): التهنئة من الحضور للإمام أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه) بما نصّ به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  عليه. وقد ذكر ذلك جمع من أهل الحديث والتفسير والتاريخ وغيرهم، نذكر منهم..

1 ـ أبا بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي فقد أخرج بسنده عن البراء بن عازب قال: ((كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفر، فنزلنا بغدير خم، فنودي الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تحت شجرة،

_________

1- الغدير في الكتاب والسنة والأدب ج:1 ص: 232.

2- تفسير ابن كثير ج:2 ص:15 في تفسير الآية.

3- الدر المنثور ج:2 ص:259 في تفسير الآية.

4- الغدير في الكتاب والسنة والأدب ج:1 ص:402.

5- السنن الكبرى للبيهقي ج:10 ص:14 كتاب السبق والرماية: باب التحريض على الرمي، واللفظ له. مسند الطيالسي ج:2 ص:23 في أحاديث علي بن أبي طالب عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). الكامل في الضعفاء ج:4 ص:173 في ترجمة عبد الله بن بسر الشامي. ومثله في الإصابة ج:4 ص:25 في ترجمة عبد الله بن بشر، وفي تحفة الأحوذي ج:5 ص:336 أبواب اللباس: باب في سدل العمامة بين الكتفين.

 

فصلى الظهر، فأخذ بيد علي، فقال: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى.

قال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه. قالوا: بلى. قال فأخذ بيد علي فقال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة))(1).

2 ـ إمام الحنابلة أبا عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني. وقد أخرج بسنده نفس حديث البراء بن عازب المتقدم من ابن أبي شيبة، إلا أنه لم يذكر فيه كلمة: ((اللهم)) الأولى(2).

3 ـ أبا بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة (463هـ) رواه بسند عن أبي هريرة(3). ويأتي لفظه عند ذكر صوم يوم الغدير.

4 ـ الحافظ شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي السعدي الأنصاري الشافعي، المتوفى سنة (974هـ) قال: ((وهو الذي فهمه أبو بكر وعمر ـ وناهيك بهما ـ من الحديث، فإنهما لما سمعاه قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني))(4).

5 ـ الحافظ عماد الدين أبا الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الشافعي الدمشقي(5).

6 ـ أبا عبد الله محمد بن عمر بن الحسن فخر الدين الرازي الشافعي المتوفى سنة (606هـ) قال في جملة الأقوال في نزول الآية: (يا أيها الرسول بلغ…)(6).

((العاشر: نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام). ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر (رضي الله عنه) فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي))(7).

وقد أنهاهم الشيخ الأميني (قدس سره) إلى ستين ولا يسعنا الاستقصاء.

 

إنشاد حسان بن ثابت لأبياته في واقعة الغدير

__________

1- مصنف ابن أبي شيبة ج:6 ص:372 كتاب الفضائل: فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).

2- مسند أحمد ج:4 ص:281 في (حديث البراء بن عازب (رضي الله عنه)).

3- تاريخ بغداد ج:8 ص:290 في ترجمة حبشون بن موسى بن أيوب.

4- الصواعق المحرقة ص:42 في ثالث الأوجه في جواب الشبهة الحادية عشرة.

5- البداية والنهاية ج:5 ص:229 فصل في إيراد الحديث الدال على أنه (عليه السلام) خطب بمكان بين مكة والمدينة  مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة ـ يقال له غدير خم ـ ….

6- سورة المائدة الآية:67.

7- التفسير الكبير  ج:12 ص:49 ـ 50.


 

(التاسع): إنشاد حسان بن ثابت في المناسبة أبياته المشهورة، وهي:

يناديهم يوم الغديـر نبيهـم              بخمّ وأسـمع بالنـبي مناديـاً  
يقول فمن مولاكـم ووليكم               فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميـا    
إلهك مولانا وأنـت ولينـا              ولم تَرَ مِنَا في الولاية عاصيـاً

فقال له قم يا علي فإننـي               رضيتك من بعدي إماما ًوهادياً   
فمن كنت مولاه فهذا وليه                فكونوا له أنصار صدق موالياً

هناك دعا اللهم وال وليه                وكن للذي عادى عليـاً معادياً

وقد ذكر ذلك جمع من أهل الحديث وغيرهم، وإن اختلفوا في عدد الأبيات التي ذكروها، كما اختلفوا في بعض ألفاظها اختلافات غير مهمة. وممن ذكرها..

1 ـ الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، المتوفى سنة (430هـ) في كتابه (ما نزل من القرآن في علي) في تتمة الحديث المتقدم عنه في نزول آية إكمال الدين في الواقعة.

2 ـ الموفق بن أحمد بن محمد المكي الخوارزمي، المتوفى سنة (568هـ). قال بعد ذكر الواقعة: ((قال حسان بن ثابت: ائذن لي يا رسول الله أن أقول أبياتاً. قال: قل ببركة الله تعالى. فقال حسان بن ثابت: يا معشر مشيخة قريش اسمعوا شهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ثم قال: يناديهم…))(1).

3 ـ جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي الحنفي المدني، المتوفى سنة (750هـ)(2).

4 ـ الحافظ أبو عبد الله المرزباني محمد بن عمران الخراساني. ذكره بسنده إلى أبي سعيد الخدري في كتابه (مرقاة الشعر) على ما ذكره الشيخ الأميني (قدس سره) (3).

5  ـ الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في رسالته (الازدهار فيما عقده الشعراء من الأشعار)، على ما ذكره الشيخ الأميني (قدس سره) (4). وغيرهم.

هذه هي الأحداث المهمة في الواقعة. وهناك أمور تتعلق بالواقعة يحسن التعرض لها..

 

____________

1- مناقب الخوارزمي ص:136 في حديث رقم (152).

2- نظم درر السمطين ص: 112 ـ 113.

3- الغدير في الكتاب والسنة والأدب ج:2 ص:34.

4- الغدير في الكتاب والسنة والأدب ج:2 ص:36.