س8 ـ هل هناك بحسب علمكم كتاب في الردّ على كتاب (منهاج السنة) لابن تيمية للشيعة، الذي ألفه في الردّ على الحلي، مع أن أهل السنة قد قاموا بالردّ على ابن تيمية في كتابه هذا، منهم الشيخ أبو حامد بن مرزوق في كتابه (براءة الأشعريين)؟

ج: لا نعرف كتاباً مستقلاً في الردّ عليه إلا كتابين هما:

1 ـ منهاج الشريعة. للسيد مهدي بن السيد صالـح القزويني ألفه سنة (1318هـ) وقد طبع سنة (1375هـ).

2 ـ إكمال المنة في نقض منهاج السنة. للسيد سراج الدين الحسن ابن عيسى اليماني اللكهنوي. ذكره صاحب الذريعة إلى تصانيف الشيعة(1).

نعم توجد له ردود في ضمن بعض الكتب، ككتاب (دلائل الصدق)، تأليف الشيخ محمد حسن المظفر (قدس سره) ، الذي هو ردّ على كتاب (إبطال الباطل) لابن روزبهان الذي ردّ به على كتاب (نهج الحق) للعلامة (قدس سره).

و(كتاب الغدير في الكتاب والسنة والأدب)(2) تأليف الشيخ عبدالحسين الأميني (قدس سره). وقد تقدم ذكرهما في جواب السؤال الأول عند التعرض للمصادر الشيعية.

والحقيقة أن كتاب (منهاج السنة) لا يستحق الردّ، لتميزه بالشتم والتهريج والكذب، والشذوذ في بعض العقائد، والمكابرة في تصحيح الأحاديث وتكذيبها حسبما يعجبه. حتى أن السبكي ـ الذي نال من العلامةP مؤلف كتاب (منهاح الكرامة) بشتم لا يناسب أدب العلم، وأعجب بردّ ابن تيمية عليه في كتابه (منهاج السنة) ـ يأخذ على ابن تيمية أنه قد خلط حقاً بباطل، وأنه يحاول الحشو في جمع الأدلة من دون تمييز، وأنه شذّ عقائدياً في صفات الله تعالى. كل ذلك في أبيات نظمها السبكي لا يهمنا ذكرها(3).

أما ابن حجر فيقول: ((طالعت الردّ المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء. لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهر، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات. لكنه ردّ في رده كثيراً من الأحاديث الجياد، التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها، لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره، والإنسان عامد للنسيان))!!.

وقال: ((وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحياناً إلى تنقيص علي (رضي الله عنه)))(4).

هذا وأما العلامة (قدس سره)  مؤلف كتاب (منهاج الكرامة) فيقول عنه ابن حجر: ((كان ابن المطهر مشتهر الذكر، حسن الأخلاق. ولما بلغه بعض كتاب ابن تيمية قال: لو كان يفهم ما أقول أجبته))(5).

ويقول الشيخ محمد حسن المظفر (قدس سره) في مقدمة كتابه (دلائل الصدق) المتقدمة إليه الإشارة: ((وتعرضت في بعض المقامات ـ تتميماً للفائدة ـ إلى بعض كلمات ابن تيمية، التي يليق التعرض لها، مما ردّ بها على كتاب (منهاج الكرامة)، للإمام المصنف العلامة، وإن لم أصرح باسمه غالباً. ولولا سفالة مطالبه، وبذاءة لسان قلمه، وطول عباراته،

______

1- الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج:2 ص:283 برقم: 1148.

2- ج:3 ص:148ـ 217.

3- طبقات الشافعية الكبرى ج:6 ص:159ـ 160 في ترجمة علي بن عبد الكافي السبكي. الوافي بالوفيات ج:21 ص:262. نقلاً عن كتاب (ابن تيمية. حياته. عقائده) ص:216.

4- لسان الميزان ج:6 ص:319 في ترجمة يوسف والد الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي.

5- لسان الميزان ج:2 ص:317 في ترجمة الحسين بن يوسف بن المطهر الحلي.

 

وظهور نصبه وعداوته لنفس النبي الأمين وأبنائه الطاهرين، لكان هو الأحق بالبحث معه، لأني إلى الآن لم أجد لأحد من علمائنا رداّ عليه. لكني نزهت قلمي عن مجاراته، كما نزّه العلماء أقلامهم وآراءهم عن ردّه. ولما كان عمدة جوابه وجواب غيره في مسألة الإمامة هو المناقشة في سند الأحاديث الواردة في فضائل أهل البيت، ومطاعن أعدائهم، وضعت المقدمة الآتية، لتستغني بها عن جواب هذا على وجه الإجمال))(1).

ولا زلنا نذكر ما حصل لنا قبل ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً، في النجف الأشرف. فقد جمعنا بعض مجالس العزاء على الإمام الحسين السبط الشهيد (صلوات الله عليه)، بمناسبة شهر محرم الحرام، ببعض أهل العلم، فقال لنا: هذا ابن تيمية يورد على نزول أوائل سورة (هل أتى) في حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) بأن سورة (هل أتى) مكية. فما هو الجواب عن ذلك؟. فكان ردّنا عليه: وهل يحسب لحديث ابن تيمية حساب؟! فقال: وهل يصلح هذا أن يكون جواباً؟! قلنا له: فلننظر.

ثم أحضرنا المجلد الثالث من كتاب الغدير المشار إليه، وفي الصفحة (169) رأينا ما أثبته من حديث ابن تيمية عن العلامة، وقد قال في جملته: ((ذكر أشياء من الكذب تدل على جهل ناقلها، مثل قوله: نزل في حقهم (هل أتى). فإن (هل أتى) مكية باتفاق العلماء، وعلي إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد الهجرة، وولد الحسن والحسين بعد نزول (هل أتى). فقوله: إنها نزلت فيهم من الكذب الذي لا يخفى على من له علم بنزول القرآن وأحوال هذه السادة الأخيار /ج:2 ص:117)).

ثم يذكر الشيخ الأميني في جوابه وجوهاً عديدة، أطرفها أن الجمهور على خلاف ما ذكره، بل السورة عندهم مدنية، ويستشهد بكلام جماعة على ذلك. ويعضده بإجماع المصاحف المتداولة بين المسلمين مخطوطها ومطبوعها على أنها مدنية. مع أن بعض من صرح بأنها مكية استثنى أوائلها المتضمن لقضية إطعام المسكين واليتيم والأسير، فجعله مدنياً.

فالإنسان الذي لا يبالي بدعوى اتفاق العلماء على خلاف المشهور، المعول عليه عملاً بين المسلمين، ثم ينسب مخالفه إلى الجهل والكذب، كيف يحسب لكلامه حساب، ويهتم بحديثه؟! ولاسيما مع ما هو معروف به من بذاءة اللسان، وشكاسة الخلق. ومجرد وجود جماعة معروفة الأهداف تتبناه، وتجعل منه عالماً ومجتهداً، أو شيخاً للإسلام، أو نحو ذلك، لا يغير حقيقته، ولا يرفع شأنه، ولا يزيد من قيمته. ولا يضرّ الشيعة ولا العلامة صاحب (منهاج الكرامة) (قدس سره) عداء مثل هذا الشخص وتحامله وشتمه. بل يزيدهم ذلك كله شأناَ ورفعة، كما يزيد الجماعة المتشبثة به والمتبنية له هبوطاً ووهناً. فإن الإنسان يعرف بصديقه وعدوه. (وكل جنس لجنسه ألِف). وهو مرآة له تعكس واقعه وحقيقته.

وبالمناسبة يقول ابن أبي الحديد السني المعتزلي، في مقدمة شرحه لنهج البلاغة، في ترجمة الإمام أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه): ((وأما سجاحة الأخلاق، وبشر الوجه، وطلاقة المحيا، والتبسم، فهو المضروب به المثل فيه، حتى عابه بذلك أعداؤه. قال عمرو بن العاص لأهل الشام: إنه ذو دعابة شديدة… وقد بقي هذا الخلق متوارثاً متناقلاً في محبيه وأوليائه إلى الآن. كما بقي الجفاء والخشونة والوعورة في الجانب الآخر. ومن له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك))(2).

أما السنة فهم ملزمون بالردّ عليه والتبري مما يقوله، لأنه محسوب عليهم منسوب إليهم، متكثر بهم، مدافع عن دعوتهم، فقد يتوهم الناظر في كلامه أنه يعكس وجهة نظرهم، ويدور في فلكهم، فتصيبهم معرته ويلحقهم عاره. ولا يغسلون ذلك إلا بالردّ عليه، والبراءة منه ومما يقول. هذه وجهة نظرنا في الرجل وأمثاله.

ويأتي في جواب السؤال العاشر إن شاء الله تعالى ما ينفع في المقام.

__________

1- دلائل الصدق ج:1 ص:3.

2- شرح نهج البلاغة ج:1 ص:25ـ 26.