س9ـ هل من الممكن على حسب رأيكم التلاقي بين أهل السنة والشيعة؟ وخصوصاً أنني أعلم أن أهل السنة ــ من الأشاعرة والماتريدية ـ لا يكفرون الشيعة، بل على العكس يذكرون آراءهم العقيدية في كتبهم ويناقشونها. وإن رأوا ضلال بعض المغالين من الشيعة، وكذلك يضللون بعض المغالين من السنة.

ج: تعقيباً على كلامك فهنا أمور..

 

الترحيب بتلاقي الشيعة والسنة عملاً من أجل خدمة الإسلام

1 ـ إن الإسلام عند الشيعة ـ كما سبق في أوائل جواب السؤال الثاني ـ يكون بالشهادتين ـ الشهادة بالتوحيد، والشهادة بنبوة سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ مع الإقرار بفرائض الإسلام الضرورية ـ من الصلاة والزكاة ونحوهما ـ وإعلان دعوته. وبذلك يتفق الشيعة والسنة في أنهم مسلمون يجمعهم هذا الدين العظيم الذي هو أشرف الأديان وخاتمها. والذي يحفظ لكل منهم حرمته في ماله ودمه.

كما تجمعهم أهدافه المشتركة التي تهمهم بأجمعهم، من الدعوة له، ورفع كلمته، وردّ كيد الأعداء عنه وعنهم. فليوحدوا كلمتهم من أجل ذلك. مع الرعاية للآداب والأخلاق الرفيعة التي حثّ عليها الإسلام مع غير المسلمين، فضلاً عن المسلمين فيما بينهم. وقد سبق في آخر الجواب عن السؤال الثاني التنبيه على ذلك. وبذلك يتم بينهم التلاقي العملي لصالـح الإسلام والمسلمين بعد التلاقي العقائدي في أصول الإسلام.

وليحتفظ كل منهم بعقيدته لنفسه، أو يدعو لها بالتي هي أحسن، وبالطرق العلمية والبرهانية الهادئة والهادفة. مع البعد عن الكذب والبهتان، والشتم والسبّ، والتهريج والتشنيع:

(أولاً): لأن ذلك لا يثبت حقيقة، ولا ينهض حجة بين يدي الله تعالى يوم يعرضون عليه (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلّ ُنَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)(1).

(وثانياً): لأنه مدعاة للعداء والشحناء، وشق كلمة الأمة وإضعافها، وإشغال بعضها ببعض، ونسيان الأهداف المشتركة. وهو الذي يسعى له أعداء الإسلام، من أجل قضاء مآربهم الخبيثة. بل قد تحمل سورة الاندفاع في ذلك لتحالف بعض الأطراف مع أعداء الإسلام، لضرب الطرف الآخر، والنيل منه.

وبالأمس القريب كان المسلمون يتعاونون مع المسيحيين من أجل الوقوف أمام المدّ الإلحادي، وتناسى الطرفان خلافاتهم الدينية، وتضارب مصالحهم المادية، من أجل وحدة الهدف، والوقوف بوجه العدوّ المشترك. فلماذا لا يتعاون المسلمون فيما بينهم الآن من أجل ذلك، مع أنه يجمعهم دين واحد، وأصول أصيلة مشتركة؟! ولماذا كلما زاد عدوهم قوة وشراسة زادت خلافاتهم فيما بينهم حدة وقسوة، وشاعت فيهم لغة الطعن والشتم، والكذب والبهتان، والتشنيع والتهريج؟!.

 

الأئمة (عليهم السلام) في توحيد الجهود من أجل خدمة الإسلام

وقد ضرب أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم) أروع الأمثلة في ذلك، فهذا الإمام علي أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) حينما جانب الأولين، لتثبيت حقه الذي يراه لنفسه في الخلافة لما رأى الإسلام، قد تعرّض للخطر اضطر لمجاراة الأولين، والدخول في أمرهم، ودعمهم، حفاظاً على كيان الإسلام العام.

قال (عليه أفضل الصلاة والسلام): ((فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به علي أعظم


______________

(1) سورة النحل الآية: 111.

 

من فوت ولايتكم، التي هي متاع أيام قلائل، ويزول منها ما كان كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب. فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه))(1).

وبقي بعد ذلك يمدّهم بصائب رأيه، وحسن تدبيره، حتى سارت عجلة الإسلام، وخفقت رايته، وعمت دعوته.

وغض الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر (صلوات الله عليه) النظر عن موقف الأمويين من أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ومن شيعتهم ومواليهم، وقسوتهم عليهم. ولم يبخل بدعمهم بصائب رأيه حينما رأى أن في تسديدهم دعماً للإسلام، وذلك حينما أنتشل الحاكم الأموي من موقفه الحرج أمام الروم في قضية الدراهم والدنانير، فأرشده لضرب الدراهم والدنانير على الطراز الإسلامي(2)، ليسد الطريق على الروم في محاولة فرض شروطهم.

وجاء الأئمة (صلوات الله عليهم) من بعده ليؤكدوا أنه في الوقت الذي يحرم القتال مع سلطان الجور على حكمه، إلا أنه يشرع الجهاد لحفظ بيضة الإسلام حينما يتعرض الإسلام للخطر.

ففي الحديث عن الإمام الصادق (صلوات الله عليه): ((قال: على المسلم أن يمنع نفسه، ويقاتل عن حكم الله وحكم رسوله. وأما أن يقاتل الكفار على حكم الجور وسنتهم فلا يحل له ذلك))(3).

وفي حديث آخر عن الإمام الرضا (صلوات الله عليه): ((قال: يرابط ولا يقاتل. وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان،لأن في دروس الإسلام دروس ذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)))(4).

كما أكدوا (صلوات الله عليهم) على حسن معاشرة الآخرين وجميل مخالطتهم ومراعاة حقوقهم والتحبب لهم، وقد تقدم منا في آخر جواب السؤال الثاني ذكر بعض الأحاديث الواردة عنهم في ذلك.

_________

1- نهج البلاغة ص:547 في كتابه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها.

2- حياة الحيوان للدميري ج:1 ص:114 فيمادة (أوز).

3- وسائل الشيعة ج:11 ص:20ـ 21 باب:6 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث:3.

4- وسائل الشيعة ج:11 ص:19 ـ 20 باب:6 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث:2.