الأحاديث المذكورة تخص أهل بدر دون بقية السابقين الأولين

12 ـ وفي الختام: الحديث المذكور مختص بأهل بدر، لخصوصية في واقعة بدر، لا لأنهم من السابقين الأولين، فكيف يساق دليلاً على تحديد الموقف من جميع السابقين الأولين بالمعنى الذي يريده عامة الناس؟! ولاسيما مع ما سبق من عدم تحديدهم بنحو دقيق، لا يقبل الزيادة والنقصان.

ونأمل أن يكون حديثنا هذا وافياً بالجواب عن سؤالك. ومن الله سبحانه وتعالى نستمد التوفيق والتسديد. وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

س2ـ لا ننكر بأن الصحابة (السابقين الأولين) قد تجتاحهم النزعات الشخصية، وقد يتسلط على أحدهم مصلحة ما، وقد يغبطون بعضهم بعضاً، وهذه القضايا يستحيل القول بأن الصحابة منزهون عن هذه النزعات البشرية، ومع ذلك نرى أن الله تعالى قد رضي عنهم مع حصول وصدور ذلك منهم. وليس الترضي مؤقتاً بزمن النبي(ص)، بل هو عام مطلق، ولا يستثنى منهم أحداً إلا بنص شرعي خاص.

فلماذا لا يؤول علماء الشيعة حال أبي بكر وعمر وعثمان، وتوليهم الخلافة في حياة علي ابن أبي طالب (رضي الله عنهم أجمعين)، بأن فعلهم  ـ أي الخلفاء الثلاثة الأول  ـ من قبل هذه النزعات غير المؤاخذ عليها شرعاً، أوغيرها من الأمور التي ارتضوها فيما بينهم في توليهم للخلافة، مع اعتقاد الشيعة بأن الأحقية لعلي(رض).

ج: يحسن التعرض في جواب ذلك لأمور..

 

(الأمر الأول):أن الله سبحانه وتعالى إنما ترضى عن الصحابة بخصوصهم في موضعين:

(أولهما): في آية السابقين الأولين والذين اتبعوهم بإحسان. وقد تقدم الكلام فيها، فلا نعيد.

 

الكلام في آية بيعة الرضوان

(ثانيهما): في قوله تعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحَاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)) (1).

وقد ظهر مما سبق من الحديث عن الآية الأولى أن إخبار الله تعالى برضاه عمن بايع بيعة الشجرة لا يدل على بقاء رضاه عنهم حتى النهاية مهما قاموا به بعد ذلك من أعمال.

ويؤكد ذلك في المقام أمران:

 

الآية الكريمة لم تتضمن إطلاق الرضا ، بل بيان سببه

(الأول): أن الآية الكريمة لم تتضمن إطلاق الرضا عنهم، بل تضمنت بيان منشأ الرضا وسببه، وهو بيعتهم تحت الشجرة، وأنه تعالى قد رضي عنهم بسبب استجابتهم للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حينما طلب البيعة منهم. ومن الظاهر أن ذلك لا ينافي غضبه عليهم إذا عصوه، وكيف يفهم مع ذلك التأبيد في الرضا؟!

 

تضمن بعض الآيات اشتراط السلامة بالوفاء بالبيعة

(الثاني): أن الله سبحانه قد صرح في نفس السورة بأن البيعة المذكورة التي هي سبب الرضا لا تكفي في النجاة إلا مع الوفاء، فقال عز من قائل: ((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)) (2).

وهذا صريح في دوران رضا الله تعالى عنهم، وثوابه لهم، وغضبه عليهم، وعقابه إياهم، مدار طاعتهم له جل شأنه ولرسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) ومعصيتهم لهما، وأنهم إن وفوا فازوا، وإن زاغوا ونكثوا خسروا وأضروا أنفسهم. وهو عين ما تقوله الشيعة في الصحابة.

بل الذي ذكره أهل الحديث والمؤرخون أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بايعهم على أن يقاتلوا المشركين، ولا يفروا(3).

والظاهر أن المراد أن لا يفروا في جميع حروبهم، لا في خصوص غزوة الحديبية، ولذا اشترط الله تعالى عليهم الوفاء في الآية المتقدمة، مع أن غزوة الحديبية لم يقع فيها حرب، وسورة الفتح نزلت بعد صلـح الحديبية.

كما يناسبه أيضاً تذكير النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لهم بهذه البيعة في واقعة حنين، حيث صاح النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس: ((يا أهل سورة البقرة، يا أهل بيعة الشجرة...))(4).

وعلى ذلك يكون فرار جماعة منهم في غزوة خيبر، وفرار أكثرهم في غزوة حنين نكثاً لتلك البيعة، رافعاً لرضا الله سبحانه عنهم.

ــــــــــــــــــــ

(1) سورة الفتح الآية: 18 ـ 19.

(2) سورة الفتح الآية: 10.

(3) صحيح مسلم ج:3 ص:1483، 1485 كتاب الإمارة : باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة. صحيح ابن حبان ج:10 ص:415  حديث: 4551 باب بيعة الأئمة وما يستحب لهم: ذكر البيان بأن البيعة إنما يجب أن تقع على الإمام من الناس من الأحرار منهم دون العبيد، ج:11 ص:231 حديث:4875 باب المواعدة والمهادنة:ذكر وصف العددالذي كان مع المصطفى(صلى الله عليه وسلم) عام الحديبية. مسند أبي عوانة ج:4 ص:427، 430   باب الأخبار الموجبة طاعة الأمير الذي يؤمره الإمام وأن من أطاعه فقد أطاع الإمام: بيان صفة بيعة الإمام والسنة فيها وإباحته التعرب بعد الهجرة وبعد الفتح وبيان السنة في حفظ الهجرة والبيعة. سنن الترمذي ج:4 ص:149 كتاب السير عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم): باب ما جاء في بيعة النبي(صلى الله عليه وسلم). السنن الكبرى للبيهقي ج:8 ص:146 كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة: باب كيفية البيعة. مسند أحمد ج:3 ص:355 في مسند جابر. تفسير الطبري ج:26 ص:86. تفسير ابن كثير ج:4 ص:187. التمهيد لابن عبد البر ج:12 ص:149. السيرة النبوية لابن هشام ج:4 ص:283 في (بيعة الرضوان). وغيرها من المصادر.

(4) مصنف ابن أبي شيبة ج:7 ص:417 غزوة حنين وما جاء فيها.