الفرق بين نظرة الشيعة لأئمتهم ونظرة الجمهور لأئمتهم

(الأمر الثالث): يظهر مما سبق من حديثك الفارق الشاسع بين نظرة الجمهور إلى أئمتهم، ونظرة الشيعة إلى أئمتهم من أهل البيت (عليهم السلام) .

فها أنت ترى أن حب الذات والنزعات الشخصية قد دفعت أئمة الجمهور إلى الصراع على السلطة، والتسابق عليها، وأخذها تعدياً على صاحب الحق، وخلافاً للنص ـ كما تقول الشيعة ـ أو من دون ذلك، حسبما يدعيه جمهور السنة.

أما الشيعة فهم يرون أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)  وإن كانوا أصحاب الحق بالنص، إلا أنهم لا يريدون حقهم حباً للسلطة ورغبة في الحكم، بل من أجل إقامة الحق وتشييد الدين وإشاعة العدل، كما يشهد بذلك كثير من كلماتهم (صلوات الله عليهم).

ففي حديث لأمير المؤمنين (عليه السلام) : ((اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك))(1).

وقال (عليه السلام)  في آخر خطبته الشقشقية: ((أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز))(2).

وفي كلام له  (عليه السلام)  مع عمه العباس في التعقيب على تعيين عمر جماعة الشورى، قال (عليه السلام) : ((والله ما بي رغبة في السلطان، ولا حب الدنيا. ولكن لإظهار العدل، والقيام بالكتاب والسنة))(3).

ولما سأل أمير المؤمنين (عليه السلام)  في ذي قار ابن عباس عن قيمة نعله التي كان يخصفها بيده، فقال: ((لا قيمة لها))، قال (عليه السلام) : ((ألا والله لهي أحب إلي من إمرتكم، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً))(4).

وفي وصية الإمام الحسين (عليه السلام)  لأخيه محمد ابن الحنفية حينما خرج إلى مكة: ((وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم)  أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب. فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق.ومن ردّعليّ هذا أصبر،حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين))(5)... إلى غير ذلك من كلماتهم (عليهم السلام) . ويأتي بعضها إن شاء الله تعالى.

ويا ترى أي النظرتين أنسب بمنصب الإمامة على المسلمين، مع ما عليه المنصب المذكور من الرفعة والقداسة، حيث يكون الإمام أميناً على دين الإسلام العظيم، بتشريعاته وعزته وكيانه، وعلى المسلمين في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.  وحيث يجب على المسلمين أن يخلصوا في النصيحة للإمام، ويطيعوه وينصروه؟!

وما عليك بعد ذلك إلا أن تحكم عقلك وضميرك، وتختار لنفسك ما يحلو لك. وكفى بالله تعالى شاهداً، وولياً، وحاكماً.

 

س3 ـ  لماذا لا نسلك نحن أهل السنة وأنتم معاشر الشيعة في القضايا التي حصلت في صدر الإسلام سيرة الإمام علي وآل بيته (عليهم الصلاة والسلام)، وخصوصاً الإمام الحسن (رضي الله عنه). فما أقروه نقرُّ به، وما أنكروه ننكره، فنلتزم:

1 ـ إقرار سيدنا علي خلافة أبي بكر(رض).

2 ـ إقراره تنصيب أبي بكر لعمر(رض).

3 ـ إقراره أمر الشورى، وأن يكون أحد أفرادهم.

4 ـ عدم إقراره معاوية والياً على الشام، لأنه لا يراه أهلاً لذلك، مع أن ذلك يترتب عليه مفسدة في المجتمع المسلم.

ج: يحق لنا أن نسألك، فنقول: ماذا تريد من الإقرار؟

 

الكلام في الجري على الأمر الواقع

1 ـ فإن أردت منه الجري على الأمر الواقع، والتعاون معه، وعضده، لحفظ ما يمكن حفظه من مصلحة الإسلام، وعدم الخلاف عليه، وعدم شق الكلمة، للعجز عن التغيير، أو للعلم بأن في محاولة التغيير، والإصرار على المواقف الصلبة، محذوراً يفوق محذور الانحراف الذي حصل. فهذا قد صدر من الأئمة (صلوات الله عليهم)، كما تقول.

لكنه لا يدل على شرعية خلافة المستولين. لوضوح أن سكوت صاحب الحق عن استرجاع حقه من أجل ذلك لا يبطل حقه، ولا يجعل الحق للغاصب، بحيث يخرجه عن كونه ظالماً، ولا يخفف جريمة غصبه وظلمه. وإنما هو يرفع من شأن المظلوم، لصبره واحتسابه، ومراعاته مقتضى الحكمة والصالـح العام.

ولذا حصل ذلك من الإمام الحسن (صلوات الله عليه) مع معاوية أخيراً، بعد أن حاول حربه، امتداداً لموقف أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)  منه. كما حصل من الإمام زين العابدين والأئمة من ولده (صلوات الله عليهم) مع خلفاء الجور في عهودهم: يزيد ومن بعده.وهو الذي جرى عليه شيعتهم بعد ذلك، تبعاً لهم (عليهم السلام) .

ولا يختص الأمر بالثلاثة الأولين، كما قد يبدو من السؤال. وليس ذلك لتناقض مواقفهم (عليهم السلام) ، بل لاختلاف ظروفهم، كما هو ظاهر.

ــــــــــــــــــــ

(1) شرح نهج البلاغة ج:8 ص:263.

(2) شرح نهج البلاغة ج1 ص:202. وذكرت العبارة الأخيرة في النهاية في مادة عفط، ولسان العرب في مادة عفط.

(3) شرح نهج البلاغة ج:9 ص:51.

(4) نهج البلاغة ج:1 ص:80.

(5) بحار الأنوار ج:44 ص:329.