دعوى كذب الشيعة في نسبة ذلك لأئمتهم(عليهم السلام) 

وربما يدعي المدعي خطأ الشيعة في ذلك، أو كذبهم فيه، افتراء على أئمتهم (عليهم السلام)  وبهتاناً عليهم. خصوصاً من يحاول تشويه صورة الشيعة، وبهتهم بالموبقات العظام، وكأنهم أناس لا يعرفون من الحق والدين شيئاً، وإنما بني دينهم ـ عقيدة، وسلوكاً ـ على الافتراء، والضلال، والبدع، والخرافات.

 

رد الدعوى المذكورة، وذكر الشواهد على صدق الشيعة

لكن ذلك ـ في الحقيقة ـ ناشئ عن قوة حجة الشيعة، وأخذهم بأكظام خصومهم وسدّهم الطرق عليهم، حيث يضطر الخصم حينئذٍ للمكابرة والبهتان، من أجل التنفير عن الشيعة، لئلا تسمع دعواهم، وينظر في حججهم.

ولو أنصف الباحث وتجرد عن التراكمات والمسلمات، ولاحظ الشواهد والملابسات، لم يشك في صدق الشيعة في نسبتهم ذلك لأئمتهم (عليهم السلام)  بعد اختصاصهم بأئمتهم (صلوات الله عليهم) وموالاتهم لهم، وتفاعلهم معهم، وأخذهم عنهم...

 

لا داعي لافتراء الشيعة ذلك مع أنه جر عليهم البلاء

(أولاً): لأنه لو لم يكن ذلك صادراً عن الأئمة (عليهم السلام)  فليس هناك ما يدعو شيعتهم لأن يفتروه على أئمتهم (عليهم السلام) ، ويتبنوه ويتدينوا به. ولاسيما وأنه قد كلفهم شططاً، وعرضهم لضروب البلاء والمحن والمآسي والفجائع.

والخطأ في العقائد والتعاليم المأخوذة عن الغير ـ كالأنبياء (عليهم السلام)  وذوي المقالات ـ وإن كان شايعاً، إلا أنه ينشأ من البعد عن أصحاب الدعوة والمبشرين بها، وتحوير النقلة والمفسرين لها.

ولا مجال لذلك في الشيعة مع أئمتهم (عليهم السلام)  في هذا الأمر. لأن

هذه العقيدة عرفت عن الشيعة من عصر أمير المؤمنين (عليه السلام) كما يأتي ـ، وتجلت بوضوح بعد قتل الحسين (عليه السلام) ، حين أعرض أئمة أهل البيت (عليهم السلام)  عن المطالبة بالسلطة ـ لليأس منها في القريب المنظور ـ واتجهوا لتثقيف شيعتهم بثقافتهم، وبثّ علومهم ومعارفهم المختلفة فيهم، حيث قام للشيعة الإمامية كيان ظاهر، وتجلت معالم عقيدتهم. وهم يعاشرون الأئمة (عليهم السلام)  ويختصون بهم واحداً بعد واحد إلى مائتي عام، يضاف إليها ما يقرب من سبعين عاماً عصر الغيبة الصغرى، التي كان الاتصال فيها بالإمام (عجل الله فرجه) ميسوراً بواسطة سفرائه الأربعة (رضي الله عنهم) . إذ يمتنع عادة مع كل ذلك خفاء رأي الأئمة (عليهم السلام)  عن شيعتهم، واختلافهم معهم.

 

لو كان الشيعة مفترين لوجب على الأئمة (عليهم السلام) مباينتهم

(وثانياً): لأن ذلك لو لم يكن من مذهب الأئمة (عليهم السلام) ، وكان مفتعلاً عليهم، لوجب على الأئمة (عليهم السلام)  الإنكار على الشيعة، فإن أصروا على فريتهم وخلافهم رفضوهم وطردوهم، وباينوهم ولم يخالطوهم، كما رفض أمير المؤمنين (عليه السلام)  من غلا فيه، ورفض الإمام الصادق (عليه السلام)  أبا الخطاب وجماعته، ورفض من بعده من الأئمة (عليهم السلام) من شذّ عن طريقتهم، وخرج عن تعاليمهم.

مع أن ذلك لم يحصل. بل كان لهم (صلوات الله عليهم) كيانهم القائم بشيعتهم، كفرقة ملتحمة بهم، متميزة بموالاتهم، تتجه وجهتهم، وتفرح لفرحهم، وتحزن لحزنهم، وتتحرى مناسباتهم ومايتعلق بهم، وتعمل على فقههم وأحاديثهم وتعاليمهم، وتحفظها عنهم في كتبها ومؤلفاتها، وتحدث بها في مجالسها وأماليها، وتتبناها وتعتز بها، وتشيد بشأنها.

وإذا كان رأي أئمة المذاهب يعرف من طريق أصحابهم المختصين بهم، فلم لايعرف مذهب أئمة أهل البيت (عليهم السلام)  من طريق شيعتهم؟! مع أن اختصاص شيعتهم بهم (عليهم السلام) ، ومخالطتهم لهم، وتفاعلهم معهم، أطول مدة بكثير، وأظهر، من اختصاص أولئك برؤسائهم، ومخالطتهم لهم، وتفاعلهم معهم.