اهتمام الأئمة (عليهم السلام)  بهداية الأمة وتثقيفها

أما الأئمة (صلوات الله عليهم) فهم ورثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  وحملة علومه. ويرون وظيفتهم هداية الأمة من بعده، وتثقيفها الثقافة الصحيحة الرشيدة، فكان من اهتماماتهم بث علومهم ومعارفهم في المسلمين.

وقد اشتهر عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنه كان يقول: ((سلوني قبل أن تفقدوني))(1).

وقال كميل بن زياد في حديثه المشهور: ((أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)  فأخرجني إلى الجبان، فلما أصحر تنفس الصعداء، ثم قال: يا كميل إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة. فعالم رباني. ومتعلم على سبيل نجاة. وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق...)).

ثم أطال (عليه السلام)  في بيان فضيلة العلم وفرضه، ثم قال: ((ها إن ههنا لعلماً جماً ـ وأشار إلى صدره ـ لو أصبت له حملة...))(2).

 وعن عمرو بن أبي المقدام أنه قال: ((كنت إذا نظرت إلى جعفر ابن محمد علمت أنه من سلالة النبيين. قد رأيته واقفاً عند الجمرة يقول: سلوني سلوني))(3).

وعن صالـح بن أبي الأسود: ((سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي))(4). وقد ورد عنهم (صلوات الله عليهم) الكثير من ذلك.

 

اهتمام الأئمة (عليهم السلام)  بشيعتهم بعد أن أعرض الجمهور عنهم

وقد رأى الأئمة (صلوات الله عليهم) انحراف جمهور الناس عنهم، وعدم قبولهم منهم. ولقد عزّ عليهم ذلك، حتى روي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)  أنه قال: ((ما ندري كيف نصنع بالناس إن حدثناهم بما سمعنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  ضحكوا، وإن سكتنا لم يسعنا...))(5).

وعن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام)  أنه قال: ((بلية الناس علينا عظيمة، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا))(6).

وروي نحوه عن ولده الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) (7).

فاضطروا إلى مداراة الجمهور ومجاراتهم بالتقية والكتمان. وتوجهوا لشيعتهم، واختصوا بهم، واستراحوا إليهم، وأفضوا إليهم بسرهم، وثقفوهم بثقافتهم، وأفاضوا عليهم من علومهم، في العقيدة، والفقه، والأخلاق، والسلوك، وسائر المعارف الإلهية التي اختصوا بها، وراثة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

وبذلك فاز شيعتهم بأفضل نصيب، وأعظم مغنم، وأصفى مورد ومشرب. وتميزوا بذلك وشرفوا به، واستغنوا عمن عدا الأئمة (عليهم السلام) ، بل زهدوا فيهم، وأعرضوا عنهم.

 

فرض مقام أئمة أهل البيت (عليهم السلام)  في الواقع الإسلامي

نعم اقتضت عناية الله تعالى ـ تأكيداً للحجة ـ فرض أئمة أهل البيت(عليهم السلام)  في الواقع الإسلامي، بعلمهم، وجهادهم، وتقواهم، وحكمتهم، وجميل سيرتهم، وبما ورد فيهم ـ كتاباً وسنة ـ من تعظيم وتبجيل، وبجهود شيعتهم، وتضحياتهم وإصرارهم. بل ارتفعوا بذلك عن مرتبة التكريم والتعديل، إلى مقام التعظيم والتقديس.

وحين أدرك بعض أعلام الجمهور ذلك، ورأوا فيه نقطة ضعف عليهم، وعلى عقائدهم، حاولوا إنكار ما تسالمت عليه الشيعة في تحديد موقف أهل البيت (صلوات الله عليهم) في أمر الخلافة والإمامة، وما يتعلق بذلك، وادعوا عدم خروج أئمة أهل البيت (عليهم السلام)  عما عليه الجمهور، ورضاهم بخلافة الأولين، تشبثاً ببعض الأحاديث النادرة، والتصرفات الصادرة عنهم (عليهم السلام) ، التي هي قاصرة دلالة، أو مكذوبة عليهم (عليهم السلام) ، أو ضعيفة سنداً، أو صادرة لتقية أو نحوها، من دون أن تصلـح لمعارضة ما سبق، مما يجعل اعتقاد الأئمة (صلوات الله عليهم) باختصاص الإمامة والخلافة بهم، واغتصابها منهم،وتظلمهم (عليهم السلام)  من ذلك، وإنكارهم على من قام به، حقيقة قائمة واضحة جلية، لا يعترضها شك، ولا يعتريها ريب.

وإلا فما من حقيقة مهما اتضحت إلا وتوجد بعض الشبهات أمامها، يثيرها من يحاول التعتيم على تلك الحقيقة، أو المكابرة فيها. خصوصاً مثل هذه الحقيقة التي صعبت على ذوي العدد والعدة، وضادت السلطان الغالب، ووقفت منه موقف المنكر الفاضح. لكن ذلك لا ينهض دليلاً على كذبها، ولا حجة على إنكارها، ولا سبباً للتشكيك فيها يمنع الركون إليها والإذعان بها، بعد وضوحها وجلائها للمتدبر المنصف.

ويؤكد ذلك أمران:

ــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك على الصحيحين ج:2 ص:383 كتاب التفسير: تفسير سورة إبراهيم. السنن الواردة في الفتن ج:4 ص:838 باب من الأشراط والدلائل والعلامات، ج:6 ص:1196 باب من قال إن صافي بن صياد هو الدجال. ومثله في تفسير الطبري ج:13 ص:221، والمستدرك على الصحيحين ج:2 ص:506 كتاب التفسير: تفسير سورة الذاريات، ومعتصر المختصر ج:2 ص:302 في مناقب علي، ولكن بدل (تفقدوني) (لاتسألوني). وورد بألفاظ أخرى مختلفة في كل من الأحاديث المختارة ج:2 ص:61 فيما رواه خالد بن عرعرة عن علي (عليه السلام) ، ومجمع الزوائد ج:4 ص:269 كتاب النكاح: باب فيما يحرم من النساء وغير ذلك، والمصنف لابن أبي شيبة ج:3 ص:530 كتاب النكاح: ما جاء في إتيان النساء في أدبارهن وما جاء فيه من الكراهة، وج:5 ص:312 كتاب الأدب: من كان يستحب أن يسأل ويقول سلوني، وج:7 ص:528 كتاب الفتن: ما ذكر في عثمان، ومسند الشاشي ج:2 ص:96، ومسند البزار ج:2 ص:304، ومسند أبي يعلى ج:1 ص:311 في مسند علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، وأمالي المحاملي ص:192، والفتن لنعيم بن حماد ج:1 ص:40، وفتح الباري ج:11 ص:291، وتحفة الأحوذي ج:7 ص:27، وفيض القدير ج:4 ص:357، وحلية الأولياء ج:4 ص:366 في ترجمة أبي صالـح الحنفي، وتهذيب التهذيب ج:7 ص:297 في ترجمة علي بن أبي طالب، وتهذيب الكمال ج:20 ص:487 في ترجمة علي بن أبي طالب، والطبقات الكبرى ج:2 ص:338 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، والإصابة ج:4 ص:568 في ترجمة علي بن أبي طالب، وتهذيب الأسماء ص:317، وتالي تلخيص المتشابه ج:1 ص:62، وأخبار مكة ج:3 ص:228 ذكر أوائل الأشياء التي حدثت بمكة في قديم الدهر إلى يومنا هذا. 

(2) نهج البلاغة ج:4 ص:36، واللفظ له. نزهة الناظر وتنبيه الخاطر ص:57. كنز العمال ج:10 ص:263 حديث: 29391. تاريخ بغداد ج:6 ص:376 في ترجمة إسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان. تاريخ دمشق ج:50 ص:252 في ترجمة كميل بن زياد. تهذيب الكمال ج:24 ص:220 في ترجمة كميل بن زياد. تذكرة الحفاظ ج:1 ص:11 في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. حلية الأولياء ج:1 ص:80 في ترجمة علي بن أبي طالب. التدوين في أخبار قزوين ج:3 ص:209. صفوة الصفوة ج:1ص:329 ـ330.

(3) سير أعلام النبلاء ج:6 ص:257 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. الكامل في ضعفاء الرجال ج:2 ص:132 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. تهذيب الكمال ج:5 ص:79 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق.

(4) تذكرة الحفاظ ج:1 ص:166 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. سير أعلام النبلاء ج:6 ص:257 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق. تهذيب الكمال ج:5 ص:79 في ترجمة جعفر بن محمد الصادق.

(5) الكافي ج:3 ص:234 باب: إن الميت يمثل له ماله وولده وعمله قبل موته حديث:4.

(6) الإرشاد ج:2 ص:167 ـ 168. إعلام الورى بأعلام الهدى ج:1 ص:508. الخرائج والجرائح ج:2 ص:893. مناقب آل أبي طالب ج:3 ص:336. كشف الغمة ج:2 ص:339 ـ340. بحار الأنوار ج:26 ص:253، ج:46 ص:288.

(7) الأمالي للصدوق ص:707. خاتمة مستدرك وسائل الشيعة ج:21 ص:142. بحار الأنوار ج:23 ص:99.