موقف الإمام الباقر وبقية الأئمة (عليه السلام)   في أمر الخلافة

وقد تقدم في جواب السؤال الأول عند التعرض لحديث أهل بدر، وموقف الجمهور من الصحابة، ولافتعال الأحاديث، كلام للإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر(صلوات الله عليه) ذكره ابن أبي الحديد يتضمن التأكيد على حق أهل البيت (عليهم السلام)  في الخلافة،والشكوى مما حصل. فلاحظه.

وكلامه وكلام بقية الأئمة صلوات الله عليهم وإن كان كثيراً جداً وقد رواه شيعتهم عنهم ـ كما سبق ـ إلا إنا نحاول هنا أن نقتصر على ما رواه الجمهور عنهم (عليهم السلام)  أو روي بوجه مشهور لا يسهل تجاهله.    

 

موقف محمد ابن الحنفية في أمر الخلاف

ولما خطب عبد الله بن الزبير، فنال من أمير المؤمنين (عليه السلام)  بلغ ذلك محمد ابن الحنفية، فجاء إليه وهو يخطب، فوضع له كرسي، فقطع عليه خطبته. وقال: ((يا معشر العرب، شاهت الوجوه. أينتقص علي وأنتم حضور؟! إن علياً يد الله على أعداء الله، وصاعقة من أمره، أرسله على الكافرين والجاحدين لحقه، فقتلهم بكفرهم، فشنؤه وأبغضوه، وأضمروا له الشنف والحسد، وابن عمه (صلى الله عليه وسلم)  حي بعد لم يمت، فلما نقله الله إلى جواره، وأحب له ما عنده، أظهرت له رجال أحقادها، وشفت ضغانها، فمنهم من ابتزه حقه، ومنهم من أئتمر به ليقتله، ومنهم من شتمه وقذفه بالأباطيل...))(1).

 فانظر له كيف طعن بمن تقدم على أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأظهر تنمره منهم، وسخطه عليهم، بنحو لا يناسب إقرار ما حصل والرضا به، بحيث يكسبه الشرعية الرافعة للمسؤولية.

 

موقف العباس بن عبد المطلب في أمر الخلافة

ولما عرض أبو بكر على العباس بن عبد المطلب أن يجعل له ولمن بعده من عقبه نصيباً في الخلافة، ليقطعوهم بذلك عن نصر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، رد العباس عليه، فقال في جملة ما قال: ((فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت. وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم... فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين، وما أبعد قولك: إنهم طعنوا، من قولك: إنهم مالوا إليك. وأما ما بذلت لنا فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك، وإن يكن حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه، وإن يكن حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض... وأما قولك إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  منا ومنكم، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  من شجرة نحن أغصانها، وأنتم جيرانها...))(2).

 

موقف الفضل بن العباس في أمر الخلافة

ومن احتجاج الفضل بن العباس على قريش في أمر الخلافة أن قال: ((يامعشر قريش ـ وخصوصاً يابني تيم ـ إنكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة. ونحن أهلها دونكم. ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله، لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا، حسداً منهم لنا، وحقداً علينا. وإنا لنعلم أن عند صاحبنا عهداً هو ينتهي إليه))(3). 

 

موقف عبد الله بن عباس في أمر الخلافة

أما عبد الله بن عباس فقد كثر منه الحديث في ذلك، خصوصاً مع عمر بن الخطاب.

1 ـ فقد روى الطبري عن ابن عباس عن عمر، أنه قال: ((يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منهم ((منكم.صح)) بعد محمد؟

فكرهت أن أجيبه. فقلت: إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني.

فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة، فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها، فأصابت، ووفقت...

فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها، فأصابت ووفقت، فلو أن قريش اختارت لأنفسها حيث اختار الله عزوجل لها لكان الصواب بيدها، غير مردود ولا محسود.

وأما قولك: إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله عزوجل وصف قوماً بالكراهية، فقال: ((ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم))...

فقال عمر: بلغني أنك تقول: إنما صرفوها عنا حسداً وظلماً.

فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين ظلماً فقد تبين للجاهل والحليم. وأما قولك حسداً، فإن إبليس حسد آدم فنحن ولده المحسودون...))(4).

2 ـ وروى ابن أبي الحديد عن عبدالله بن عمر، حديث عمر مع ابن عباس بنحو من ذلك باختلاف يسير، وزاد: ((فقال عمر: على رسلك يا ابن عباس. أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش لا يزول، وحقداً عليها لا يحول.

فقال ابن عباس: مهلاً يا أمير المؤمنين! لا تنسب هاشماً إلى الغش، فإن قلوبهم من قلب رسول الله الذي طهره الله وزكاه. وهم أهل البيت الذين قال الله تعالى لهم: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)). وأما قولك: حقداً. فكيف لا يحقد من غصب شيئه، ويراه في يد غيره؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

فقال عمر: أما أنت يا ابن عباس فقد بلغني عنك كلام... بلغني أنك لا تزال تقول: أخذ هذا الأمر منك حسداً وظلماً.

قال: أما قولك يا أمير المؤمنين: حسداً، فقد حسد إبليس آدم، فأخرجه من الجنة، فنحن بنو آدم المحسود، وأما قولك: ظلماً، فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو...))(5).

3 ـ وفي حديث آخر لابن عباس مع عمر، نقله ابن أبي الحديد عن أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب، قال: ((دخلت على عمر يوماً، فقال: يا ابن العباس، لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة، حتى نحلته رياء، قلت: من هو؟ فقال: هذا ابن عمك. يعني علياً. قلت: وما يقصد بالرياء يا أمير المؤمنين؟ قال: يرشح نفسه بين الناس للخلافة.

قلت: وما يصنع بالترشيح؟ قد رشحه لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فصرفت عنه.

قال: إنه كان شاباً حدثاً، فاستصغرت العرب سنه، وقد كمل الآن. ألم تعلم أن الله تعالى لم يبعث نبياً إلا بعد الأربعين.

قلت: يا أمير المؤمنين أما أهل الحجى والنهى فإنهم ما زالوا يعدونه كاملاً منذ رفع الله منار الإسلام، ولكنهم يعدونه محروماً مجدوداً...))(6).

ولابن عباس أحاديث أخر مع عمر يأتي ذكرها عند التعرض لرأي عمر في الخلافة.

4 ـ وفي حديث العتبي عن أبيه أنه قال: ((لما سار الحسين إلى الكوفة اجتمع ابن عباس وابن الزبير بمكة، فضرب ابن عباس على جيب ابن الزبير، وتمثل:

يا لك من قنبرة بمعمر                            خلا لك الجو فبيضي واصفري

                       ونقري ما شئت أن تنقري

خلا لك والله يا ابن الزبير الحجاز، وذهب الحسين. فقال ابن الزبير: والله ما ترون إلا أنكم أحق بهذا الأمر من سائر الناس. فقال: إنما يرى من كان في شك، ونحن فعلى يقين))(7).

5 ـ وقد روي عنه أنه قال في التعقيب على الخطبة الشقشقية: ((فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين (عليه السلام)  بلغ منه حيث أراد))(8).

مع ما هو المعلوم من أن الخطبة الشقشقية قد بلغت الغاية في التشكي من الأولين.

ــــــــــــــــــــ

(1) شرح نهج البلاغة ج:4 ص:62، واللفظ له. مروج الذهب ج:3 ص:90 ذكر أيام معاوية بن يزيد بن معاوية ومروان بن الحكم والمختار بن أبي عبيد وعبد الله بن الزبير ولمع من أخبارهم وسيرهم وبعض ماكان في أيامهم: بين عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما)  وعبد الله بن الزبير (رضي الله عنهما) .

(2) شرح نهج البلاغة ج:1 ص:221، واللفظ له. الإمامة والسياسة ج:1 ص:18 كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه). تاريخ اليعقوبي ج:2 ص:125 ـ 126 خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر.

(3) شرح نهج البلاغة ج:6 ص:21.

(4) تاريخ الطبري ج:3 ص:289 من ندب عمر ورثاه (رضي الله عنه) : ذكر بعض ما رثي به، نشر مؤسسة الأعلمي بيروت، وهناك حذف في تاريخ الطبري في الطبعة الموجودة في برنامج الألفية الإصدار 1.5.

(5) شرح نهج البلاغة ج:12 ص: 54.

(6) شرح نهج البلاغة ج:12 ص:80.

(7) سير أعلام النبلاء ج:3 ص:354 في ترجمة عبد الله بن عباس البحر. شرح نهج البلاغة ج:20 ص:134.

(8) نهج البلاغة ج:1 ص:37.