حديث إسماعيل الحنبلي عن موقف أمير المؤمنين (عليه السلام)  من الأولين  

ومن الطريف في ذلك ما ذكره ابن أبي الحديد في تعقيب كلامه السابق حول شكوى أمير المؤمنين في أمر الخلافة.

قال: ((وحدثني يحيى ابن سعيد بن علي الحنبلي المعروف بابن عالية من ساكني قَطُفْتا بالجانب الغربي من بغداد، وأحد الشهود المعدلين بها، قال: كنت حاضراً الفخر إسماعيل بن علي الحنبلي الفقيه المعروف بغلام ابن المنى. وكان الفخر إسماعيل بن علي هذا مقدم الحنابلة ببغداد في الفقه والخلاف، ويشتغل بشيء من علم المنطق، وكان حلو العبارة، وقد رأيته أنا، وحضرت عنده، وسمعت كلامه، وتوفى سنة عشر وستمائة.

قال ابن عالية: ونحن عنده نتحدث إذ دخل شخص من الحنابلة، قد كان له دين على بعض أهل الكوفة، فانحدر إليه يطالبه به، واتفق أن حضرت زيارة يوم الغدير، والحنبلي المذكور بالكوفة. وهذه الزيارة هي اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، ويجتمع بمشهد أمير المؤمنين (عليه السلام)  من الخلائق جموع عظيمة، تتجاوز حدّ الإحصاء.

قال ابن عالية: فجعل الشيخ الفخر يسأل ذلك الشخص: ما فعلت؟ ما رأيت؟ هل وصل مالك إليك؟ هل بقي لك منه بقية عند غريمك؟ وذلك يجاوبه. حتى قال له: يا سيدي لو شاهدت يوم الزيارة يوم الغدير، وما يجري عند قبر علي بن أبي طالب من الفضائح والأقوال الشنيعة، وسبّ الصحابة جهاراً بأصوات مرتفعة، من غير مراقبة ولا خيفة!. فقال إسماعيل: أي ذنب لهم؟!. والله ما جرأهم على ذلك، ولا فتح لهم هذا الباب، إلا صاحب ذلك القبر. فقال ذلك الشخص: ومن صاحب القبر؟ قال: علي بن أبي طالب. قال: يا سيدي، هو الذي سن لهم ذلك، وعلمهم إياه، وطرّقهم إليه؟ قال: نعم والله. قال: يا سيدي، فإن كان محقاً فما لنا أن نتولى فلاناً وفلاناً؟! وإن كان مبطلاً فما لنا نتولاه؟!. ينبغي أن نبرأ إما منه، أو منهما.

قال ابن عالية: فقام إسماعيل مسرعاً، فلبس نعليه، وقال: لعن الله إسماعيل الفاعل إن كان يعرف جواب هذه المسألة. ودخل دار حرمه، وقمنا نحن، وانصرفنا))(1).

وبذلك ظهر أن الشيعة لم يخرجوا بذلك عن رأي أئمتهم (صلوات الله عليهم)، بل تابعوهم فيه، كما تابعوا الأدلة التي وردت في الكتاب المجيد والسنة الشريفة التي تفيض بمرجعية أهل البيت (صلوات الله عليهم) للأمة وإمامتهم عليها، والتي يأتي التعرض لبعضها في حوارنا هذا إن شاء الله تعالى.

 

دعوى إقرار الأئمة (عليهم السلام)  الرضا  بما حصل هي التي تحتاج للدليل.

بقي شيء له أهميته. وهو أنه بعد كون الخلافة حقاً لأمير المؤمنين وأهل بيته (عليهم السلام)  ـ كما تقول الشيعة، وهو المفروض في السؤال ـ فدعوى تنازل الأئمة (عليهم السلام)  عن حقهم وإقرارهم لما حصل مخالفة للأصل. ومن أجل ذلك فهي التي تحتاج إلى دليل قاطع رافع للعذر.

وحينئذٍ يحق لنا أن نسأل من يدعي إقرار أئمة أهل البيت (عليهم السلام)  لذلك: هل اطلع على دليل معتمد، يتعين لأجله رفع اليد عما سبق، ورده، أو الإعراض عنه، عملاً بأقوى الحجتين؟ وإذا كان قد أطلع على ذلك فنحن على استعداد للنظر فيه.

وعلى كل حال فمما سبق يظهر أن موقف الشيعة من الأولين لا يبتني على التعصب والعناد، ولا على النصب لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)  وبغضهم،بل على ماعرفت من الأدلة، التي إن أصابوا فيها فهم الفائزون، وإن فرض جدلاً أنهم أخطأوا فيها ـ لوجود أدلة أقوى منها جهلوها ـ فهم معذورون إن شاء الله تعالى. خصوصاً على مباني الجمهور من فتح باب الاجتهاد في مثل هذه الأمور على مصراعيه،حتى لمثل معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة. والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.

ــــــــــــــــــــ

(1) شرح نهج البلاغة ج:9 ص:307 ـ 308.