أمد رفعة الإسلام وتكامله

وبالمناسبة قال ابن أبي الحديد: ((وروى أبو جعفر الطبري في تاريخه، قال: كان عمر قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلا بإذن وأجل. فشكوه، فبلغه. فقام فخطب فقال: ألا إني قد سننت الإسلام سن البعير، يبدأ فيكون جذعاً، ثم ثنياً، ثم يكون رباعياً، ثم سديساً، ثم بازلاً. ألا فهل ينتظر بالبازل إلا النقصان؟. ألا وإن الإسلام قد صار بازلاً وإن قريشاً يريدون أن يتخذوا مال الله معونات على ما في أنفسهم. ألا إن في قريش من يضمر الفرقة، ويروم خلع الربقة، أما وابن الخطاب حي فلا، إني قائم دون شعب الحرة، آخذ بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار))(1).

فانظر إليه كيف يقيم وضع الإسلام ويراه قد صار بازلاً ينتظر به النقصان. ومن القريب أن يكون قد قال ذلك حدود سنة عشرين من الهجرة النبوية التي هي مبدأ نشاط الإسلام. فلو سلمنا له تكامل الإسلام في ذلك الوقت، وغضضنا النظر عن السلبيات التي مني بها في تلك المدة القصيرة، فهل من الإنصاف أن يكون أمد تكامله عشرين سنة. ثم ينتظر بعدها نقصانه، وهو دين الله العظيم الذي ختم به الأديان، والذي يفترض فيه البقاء إلى يوم القيامة، لتهتدي به البشرية، وتنهل من معينه، وتنعم بخيراته.

وهل من المعقول أن يكون الله عزوجل حينما رضي هذا الدين للبشرية في عصورها الطويلة، وأكمل تشريعاته القويمة، قد شرعه بنحو يكون تكامله عشرين سنة، ثم يبدأ بالنقصان والنزول؟!

أليس من أهم محن الإسلام أمر الخلافة والسلطان؟ كما أشار إليه عمر في خطبته المتقدمة، ويشهد به واقع الإسلام الذي حصل.

 

فشل نظرية عدم النص دليل على وجوده والإنصاف أنه لو لم يكن

من دليل على وجود النص إلا فشل نظرية عدم النص عملياً، وما جرت على الإسلام والمسلمين من مآس وويلات، لكفى حجة من الله تعالى على المسلمين، لايقف أمامها استبعاد تجاهل عموم الصحابة للنص، وخروجهم عليه، مهما أحيطوا به من هالةالتعظيم والتقديس ((قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ))(2).

(الوجه الثاني): أن من الغريب جداً أن تستكثر على عموم الصحابة إغفال النص الشرعي وتجاهله..

 

مخالفة الصحابة للنص في حياة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)

(أولاً): بعد حادثة صلـح الحديبية،حيث تظافرت الأحاديث بأن جمهور الصحابة الذين كانوا مع النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) فيها قد ثارت ثائرتهم ضد الصلـح الذي أقره (صلى الله عليه و آله و سلم) مع قريش. وحينما أمرهم رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)  بالنحر والحلق، وكرر ذلك، لم يستجيبوا له.

وكذا في حجة الوداع حينما أمرهم (صلى الله عليه و آله و سلم) بالإحلال من الإحرام وجعلها عمرة، وبذلك شرعت عمرة التمتع وحجه. حيث لم يستجيبوا له، وأنكروا عليه.

فراجع تفصيل الحادثتين في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة، وفي بقية كتب الحديث والتاريخ، تجدهم قد خالفوا رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ، وتصاموا عن أمره، مع أنه (صلى الله عليه و آله و سلم) قد كان بين أظهرهم، يحاول حملهم على تنفيذ حكمه، والعمل بقوله، حتى غضب من ذلك. ولم يكن لهم من مصالـح شخصية في ردهم عليه، إلا رأي رأوه.

كما خالفه كثير منهم، ولم يرعوا حرمته وكرامته (صلى الله عليه و آله و سلم)  ، في كثير من الموارد، تقدم هناك التعرض لبعضها. خصوصاً تقاعسهم عن تنفيذ بعث أسامة الذي شدد (صلى الله عليه و آله و سلم) فيه، ومنعهم له (صلى الله عليه و آله و سلم) من كتابة الكتاب الذي يعصم أمته في جميع العصور من الضلال في رزية الخميس المشهورة، وقد تقدمت الإشارة إليهما هناك.

فكيف يستبعد بعد ذلك تجاهلهم للنص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد رحيل النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) وخلو الجو لهم؟! وهم بين منتفع بذلك أعظم المنافع الدنيوية، وطالب للعافية لا يهون عليه التضحية في سبيل تنفيذ النص.

ــــــــــــــــــــ

 (1) شرح نهج البلاغة ج:11 ص:12. والموجود في تاريخ الطبري ج:2 ص:679 في ذكر بعض من سير عثمان بن عفان (رضي الله عنه) مع تغيير بسيط، إلا أنه قد حذفت منه : ((إن في قريش من يضمر الفرقة، ويروم خلع الربقة)). ويوجد في تاريخ دمشق ج:39 ص:302 في ترجمة عثمان بن عفان، والفتنة ووقعة الجمل ص:75، وكنز العمال ج:14 ص:75 حديث: 37977.

  (2) سورة الأنعام الآية: 149.