تحاشي النبي (صلى الله عليه و سلم)  وأمير المؤمنين (عليه السلام) الاصطدام بالمنافقين

(الثاني): ما ظهر لهم من النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)  وأمير المؤمنين  (عليه السلام) من تحاشيهما الاصطدام بالمنافقين والطلقاء والصرامة معهم، والتنكيل بهم، حذراً من الفتنة والانشقاق، والتقولات والتهريج غير المسؤول، بنحو يشوه صورة الإسلام المبدئية، وقدسية النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)  وأهل البيت (عليهم السلام) ،ويضر بالدعوة ـ عاجلاً أو آجلاً ـ ضرراً لا يتدارك.

كما يناسبه قوله(صلى الله عليه و آله و سلم)عندما طلب منه بعض أصحابه أن يقتل من تآمر على إلقائه من العقبة:((لا، أكره أن تتحدث العرب بينها أن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم...))(1).

وقوله(صلى الله عليه و آله و سلم) لما طلب منه قتل عبد الله بن أبي: ((لايتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه))(2).

وكثير من مواقفه (صلى الله عليه و آله و سلم)  ومواقف أمير المؤمنين(عليه السلام)  المبنية على المرونة، وغض النظر، والتي يأتي بعض الشواهد عليها.

كل ذلك أشعر الأنصار بمحاولة قريش وأتباعهم انتهاز الفرصة، واستلاب الحكم من أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فحاولوا المبادرة بأخذ الحكم، ليسدوا الطريق على قريش، ويفشلوا مخططهم، لأنهم يتوقعون أن موازين الخلافة لو انفرطت، فسوف يتحكم فيها المنافقون والطلقاء، وينتقمون من الأنصار ويجزونهم شر الجزاء عما فعلوه بهم في نصرتهم للنبي (صلى الله عليه و آله و سلم) . وهو الأمر الذي حصل فعلاً.

ولو علم الأنصار أن الأمر يسلم لأمير المؤمنين(عليه السلام)   فمن القريب جداً رضاهم به، وإحجامهم عن مغالبته واستلابه منه، وعن تجاهل النص الوارد فيه. ويشير إلى ذلك بعض ما ذكره أهل الحديث والمؤرخون عند عرض أحداث السقيفة.

 

أحاديث الأنصار ومواقفهم

فقد ذكر ابن أبي الحديد عن الجوهري في كتاب السقيفة أن

أبا بكر لما خاطب الأنصار في السقيفة، واحتج عليهم لأولوية المهاجرين من قريش بالحكم منهم، وحذرهم من حسدهم لهم، أجابه الأنصار فقالوا: ((والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم، ولا أحد أحب إلينا، ولا أرضى عندنا منكم. ولكنا نشفق فيما بعد هذا اليوم، ونحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا ولا منكم...))(3).

وفي رواية أخرى: ((فقام حباب بن المنذر ـ وكان بدرياً ـ فقال: منا أمير ومنكم أمير، فإنا والله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط. ولكنا نخاف أن يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوانهم. قال: فقال عمر: إذا كان ذاك قمت إن استطعت))(4).

وفي رواية ثالثة: ((فقال الحباب ما نحسدك ولا أصحابك، ولكنا نخشى أن يكون الأمر في أيدي قوم قتلناهم، فحقدوا علينا))(5).

وفي حديث حباب الآخر مع الأنصار: ((أتسكنوني وقد فعلتم ما فعلتم؟! أما والله وكأني بأبنائكم وقد وقفوا على أبوابهم يسألون الناس الماء فلا يسقون. قال: فقال أبو بكر (رضي الله عنه) : ومتى تخاف ذلك يا خباب (كذا في المصدر)؟ فقال: إني لست أخاف منك، ولكن أخاف من يأتي من بعدك.

قال: فقال أبو بكر (رضي الله عنه) : فإذا كان ذلك، ورأيت ما لا تحب، فالأمر في ذلك الوقت إليك. فقال الخباب (كذا في المصدر): هيهات يا أبا بكر من أين يكون ذلك إذا مضيت أنا وأنت، وجاءنا قوم من بعد يسومون أبناءنا سوء العذاب والله المستعان؟!))(6).

ــــــــــ

(1) تفسير ابن كثير ج:2 ص:373، واللفظ له. سبل الهدى والرشاد ج:5 ص:467 ذكر

إرادة بعض المنافقين الفتك برسول الله (صلى الله عليه و سلم)  ليلة العقبة التي بين تبوك والمدينة واطلع الله تعالى نبيه (صلى الله عليه و سلم)  على ذلك. الدر المنثور ج:4 ص:244. روح المعاني ج:10 ص:139.

(2) تاريخ المدينة ج:1 ص:366. ومثله بتغيير يسير في ص:360.

(3) شرح نهج البلاغة ج:6 ص:7 ـ 8.

(4) أنساب الأشراف ج:2 ص:260 أمر السقيفة، واللفظ له. الطبقات الكبرى ج:3 ص:182 ذكر بيعة أبي بكر. تاريخ دمشق ج:30 ص:275 في ترجمة أبي بكر تحت عنوان عبدالله ويقال عتيق بن قحافة. شرح نهج البلاغة ج:2 ص:53. كنز العمال ج:5 ص:606 حديث:14072.

(5) أنساب الأشراف ج:2 ص:263 أمر السقيفة.

(6) الفتوح لابن أعثم المجلد الأول ص:10 ـ 11 ذكر ابتداء سقيفة بني ساعدة وما كان من المهاجرين والأنصار.