وجود الصحابة المكثف في خاصة أمير المؤمنين (عليه السلام) وقياداته وولاته

وقد كان منهم جماعة من قواد جيشه، وولاته على الأمصار، وعيون أصحابه، كعمار بن ياسر، وأبي أيوب الأنصاري، وحذيفة ابن اليمان، وابن التيهان، وذي الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وهاشم بن عتبة المرقال، وعدي ابن حاتم الطائي، وعبد الله ومحمد ابني بديل بن ورقاء الخزاعي، وسهل وعثمان ابني حنيف، وجابر بن عبد الله، وغيرهم كثير.

 

تلهف أمير المؤمنين (عليه السلام) على خاصته من الصحابة

وقد تلهف أمير المؤمنين (عليه السلام) على بعضهم في خطبة له حث فيها الناس على الجهاد، فقال: ((أين إخواني الذين ركبوا الطريق، ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية، وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة؟)).

قال الراوي: ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة الكريمة فأطال البكاء، ثم قال (عليه السلام) : ((أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه،أحيوا السنة، وأماتوا البدعة، دعوا للجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه...))(1).

وقد بقي من بقي منهم مع الإمام أبي محمد الحسن (عليه السلام) حين ولي الأمر، حتى صالـح معاوية، وبقوا بعد ذلك يوالونه ويوالون أهل بيته.

 

تعرض الصحابة لانتقام معاوية

وقد تعرض كثير منهم للقتل والتشريد والنقمة والتنكيل من معاوية، انتقاماً منهم لموقفهم مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ومع رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) من قبله، ولمجافاتهم لمعاوية بعده، حتى شرِّد الصحابي الجليل عمرو ابن الحمق الخزاعي ولما قتل أو مات قطعوا رأسه وحملوه إلى معاوية، ووضع رأسه في حجر زوجته التي كانت في سجن معاوية، ففزعت، وقالت: غيبتموه عني طويلاً، ثم أهديتموه إلي قتيلاً...(2).

 

مقتل حجر بن عدي وأصحابه واستياء المسلمين من ذلك

كما قتل الصحابي العظيم حجر بن عدي الكندي وجماعته في مرج عذراء، في حادثة مشهورة، لأنهم أنكروا على زياد عامل معاوية على الكوفة، وامتنعوا بعد ذلك من البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام) .

وقد كان لمقتلهم ضجة استنكار من المسلمين. فهذه عائشة قد أكثرت في ذلك، فقالت مرة لمعاوية لما دخل عليها: ((يا معاوية أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه...))(3).

وفي رواية أخرى: ((أما والله لو علم معاوية أن عند أهل الكوفة منعة ما اجترأ على أن يأخذ حجراً وأصحابه من بينهم حتى يقتلهم بالشام، ولكن ابن آكلة الأكباد علم أنه قد ذهب الناس. أما والله إن كانوا...))(4).

وفي كلام آخر لها مع معاوية: ((ما حملك على ما صنعت من قتل أهل عذراء حجر وأصحابه...))(5). ولها كلام أيضاً غير هذا(6).

ولما بلغ عبد الله بن عمر قتل حجر وهو في السوق أطلق

حبوته، وقام وقد غلب عليه النحيب(7).

ولما بلغ الربيع بن زياد ـ عامل معاوية ـ مقتله قال: ((اللهم إن كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك)) (8).

وقال الحسن البصري: ((أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة، انتزاؤه على هذه الأمة... وقتله حجر. ويلاً له من حجر مرتين))(9).

وهناك كلمات استنكار أخرى صدرت من المسلمين عند مقتله(رضوان الله عليه)(10). ونكتفي بالذي ذكرناه.

وفيهم ورد قول النبي (صلى الله عليه و سلم)  : ((يقتل بعذراء سبعة نفر يغضب الله وأهل السماء من قتلهم...))(11).

وقد نكل بالكثير من الصحابة من أجل أن هواهم مع أهل البيت (صلوات الله عليهم)، كما لا يخفى على من نظر في تاريخ تلك الفترة السوداء.

ولما قدم معاوية المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري، وورد في الحديث عن ذلك: ((فقال له معاوية: يا أبا قتادة تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار. ما منعكم؟ قال: لم يكن معنا دواب. قال معاوية: فأين النواضح؟ قال أبو قتادة: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر. قال: نعم يا أبا قتادة. قال أبو قتادة: إن رسول الله (صلى الله عليه و سلم) قال لنا: إنا نرى بعده أثرة. قال معاوية: فما أمركم عند ذلك؟ قال: أمرنا بالصبر. قال: فاصبروا حتى تلقوه)) (12).

وقال ابن أبي الحديد: ((قدم عبد الله بن الزبير على معاوية وافداً، فرحب به وأدناه، حتى أجلسه على سريره، ثم قال: حاجتك أبا خبيب. فسأله أشياء. ثم قال له: سل غير ما سألت. قال: نعم المهاجرون والأنصار، ترد عليهم فيئهم، وتحفظ وصية نبي الله فيهم، تقبل من محسنهم، وتتجاوز عن مسيئهم. فقال معاوية: هيهات هيهات، لا والله ما تأمن النعجة الذئب وقد أكل أليتها))(13).

ــــــــــ

(1) نهج البلاغة ج:2 ص:109.

(2) أسد الغابة ج:4 ص:101 في ترجمة عمرو بن الحمق. البداية والنهاية ج:8 ص:48 في أحداث سنة خمسين. تاريخ دمشق ج:69 ص:40 في ترجمة آمنة بنت الشريد.

(3) تاريخ الطبري ج:3 ص:232 أحداث سنة إحدى وخمسين: في مقتل حجر بن عدي.

(4) الاستيعاب ج:4 ص:126 في ترجمة حجر بن عدي.

(5) البيان والتعريف ج:2 ص:72. فيض القدير ج:4 ص:126.

(6) راجع تاريخ الطبري ج:3 ص:232 أحداث سنة إحدى وخمسين: في مقتل حجر بن عدي، وتاريخ دمشق ج:12 ص:226، 229، 230 في ترجمة حجر بن عدي.

(7) الاستيعاب ج:1 ص:330 في ترجمة حجر بن عدي، واللفظ له. تاريخ دمشق ج:12 ص:227،228،229 في ترجمة حجر بن عدي. البداية والنهاية ج:8 ص:55 في أحداث إحدى وخمسين:مقتل حجر بن عدي.

(8) الاستيعاب ج:1 ص:330 في ترجمة حجر بن عدي، واللفظ له. تهذيب التهذيب ج : 3   ص:211 في ترجمة الربيع بين زياد. تهذيب الكمال ج:9 ص:79 في ترجمة الربيع  بن زياد.

(9) تاريخ الطبري ج:3 ص:232 أحداث سنة إحدى وخمسين: في مقتل حجر بن عدي. الاستيعاب ج:1 ص:331 في ترجمة حجر بن عدي. الكامل في التاريخ ج:3 ص:337 في أحداث سنة إحدى وخمسين: ذكر مقتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وأصحابهما. ينابيع المودة ج:2 ص:27. شرح نهج البلاغة ج:2 ص:262.

(10) تاريخ الطبري ج:3 ص:232،233 أحداث سنة إحدى وخمسين: في مقتل حجر بن عدي. تاريخ دمشق ج:12 ص:219،232،233 في ترجمة حجر بن عدي. البداية والنهاية ج:8 ص:54 ، 55 في أحداث سنة إحدى وخمسين : مقتل حجر بن عدي.

(11) أنساب الأشراف ج:5 ص:274 في أمر حجر بن عدي الكندي ومقتله، واللفظ له. تاريخ دمشق ج:12 ص:226 في ترجمة حجر بن عدي الأدبر. الجامع الصغير ج:2 ص:61

حديث:4765. البداية والنهاية ج:6 ص:226 ما روي في إخباره عن مقتل حجر بن عدي وأصحابه، ج:8 ص:55 في أحداث سنة إحدى وخمسين: مقتل حجر بن عدي. كنز العمال ج:11 ص:126 حديث:30887، ج:13 ص:587 حديث:37509، ص:588 حديث:37510. تاريخ اليعقوبي ج:2 ص:231 في أيام معاوية بن أبي سفيان بعد وفاة الحسن (عليه السلام) . النصائح الكافية ص:83. فيض القدير ج:4 ص:126. ومثله في الإصابة ج:2 ص:38 في ترجمة حجر بن عدي.

(12) الاستيعاب ج:3 ص:1421 في ترجمة معاوية بن أبي سفيان، واللفظ له. سير أعلام النبلاء ج:2 ص:453ـ454 في ترجمة أبي قتادة الأنصاري السلمي. شعب الإيمان ج:6 ص:56 ـ57 التاسع والأربعون من شعب الإيمان وهو باب في طاعة أولي الأمر بفصولها: فصل في ذكر ما ورد من التشديد في الظلم. الجامع لمعمر بن راشد ج:11 ص:60ـ61 باب في فضائل الأنصار. تاريخ دمشق ج:34 ص:295 ـ 296 في ترجمة عبد الرحمن بن حسان، ج:67 ص:151 في ترجمة أبي قتادة الأنصاري. تاريخ الخلفاء ج:1 ص:201 معاوية بن أبي سفيان: فصل في نبذ من أخباره.

(13) شرح نهج البلاغة ج:20 ص:141.