موقف الصحابة من أهل البيت  (عليهم السلام) بعد هلاك معاوية

ونعود إلى موقف الصحابة من أهل البيت(صلوات الله عليهم) بعد هلاك معاوية، فنرى جماعة منهم قد خرجوا مع الإمام أبي عبد الله الحسين  (عليه السلام) إلى العراق، واستشهدوا بين يديه. وفيهم نفر من الأنصار، ومنهم أنس بن مالك الكاهلي، الذي شهد مع النبي  (صلى الله عليه و آله و سلم) بدراً وحنيناً. وقد حدث عن النبي  (صلى الله عليه و آله و سلم) أنه قال: ((إن ابني هذا (يعني: الحسين) يقتل بأرض كربلاء. فمن شهد ذلك منكم فلينصره))(1).

وكان حين الواقعة شيخاً كبيراً، وقد برز شاداً وسطه بالعمامة رافعاً حاجبيه بالعصابة. ولما نظر إليه الحسين  (عليه السلام) بهذه الهيئة بكى، وقال: ((شكر الله لك يا شيخ)). وقتل على كبره ثمانية عشر، وقتل(رضوان الله عليه)(2).

إلى غير ذلك من مواقف الصحابة في ولاء أهل البيت  (عليهم السلام) ودعمهم لهم، ومباينتهم لأعدائهم ومضادتهم.

 

جهود الصحابة في رواية النص ومناقب أهل البيت (عليهم السلام)

كما أن لكثير من الصحابة اليد الطولى في رواية النص على أمير المؤمنين(عليه أفضل الصلاة والسلام)، وفي إظهاره ونشره بين المسلمين، وفي رواية مناقبه ومناقب أهل البيت(صلوات الله عليهم)، وتنبيه الأمة لذلك كله، وإلفات نظرها إليه.

وقد تقدم في جواب السؤال السابع من الأسئلة السابقة عند الكلام في واقعة الغدير أن نفراً من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري سلموا على أمير المؤمنين بالولاية، تنبيهاً لحديث الغدير الذي يرى الشيعة أنه نص في إمامة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه). ولعل ذلك هو السبب لمناشدة أمير المؤمنين  (عليه السلام) من شهد واقعة الغدير ـ ممن حضره حينئذٍ ـ أن يقوم فيشهد بما رأى وسمع، فاستجاب له من حضره من الصحابة، فقاموا وشهدوا إلا نفر قليل. وربما كان نتيجة ذلك انتشار حديث الغدير وتناقله والإكثار من رواية الصحابة له، كما تقدم.

 

جمع الإمام الحسين الصحابة لتثبيت حق أهل البيت (عليهم السلام)

كما روى سليم بن قيس الهلالي (رضوان الله تعالى عليه) أن الإمام الحسين حج في أواخر عهد معاوية بن أبي سفيان، فجمع وجوه من بقي من المهاجرين والأنصار، وجماعة ممن يعرف بالصلاح والنسك من التابعين المنتشرين في أقطار الأرض، ثم قام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

))أما بعد، فإن هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن شيء، فإن صدقت فصدقوني، وإن كذبت فكذبوني. أسألكم بحق الله عليكم، وحق رسول الله، وحق قرابتي من نبيكم، لما سيرتم مقامي هذا، ووصفتم مقالتي، ودعوتم أجمعين في أنصاركم من قبائلكم من أمنتم من الناس ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا، فإني أتخوف أن يدرَس هذا الأمر، ويذهب الحق ويُغلب. والله متمّ نوره ولو كره الكافرون)).

ثم ما ترك (صلوات الله عليه) شيئاً مما أنزل الله تعالى فيهم في القرآن إلا تلاه وفسره، ولا شيئاً مما قاله رسول الله  (صلى الله عليه و آله و سلم) في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته (صلوات الله عليهم) إلا رواه.

وفي كل ذلك يقول من شهد الحديث من الصحابة: ((اللهم نعم، وقد سمعنا وشهدنا))، ويقول التابعي : ((اللهم قد حدثني به من أصدقه وأءتمنه من الصحابة)).

فقال (عليه السلام) : ((أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به وبدينه)). ثم تفرقوا على ذلك(3).

وروى جابر بن عبد الله الأنصاري حديث اللوح الذي أنزله الله تعالى على النبي   (صلى الله عليه و آله و سلم) بأسماء الأئمة الاثني عشر من آله (صلوات الله عليهم)(4).

بل لولا الصحابة لما وصل كثير من النصوص الدالة على إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده، وكثير من فضائله ومناقبه، وفضائل أهل البيت (صلوات الله عليهم) ومناقبهم، وكثير من مثالب أعدائهم وفضائحهم. فإنهم حدثوا بجميع ذلك، خصوصاً بعد ارتفاع الحجر عن السنة النبوية، الذي أشرنا إليه في جواب السؤال السابع من الأسئلة السابقة.

ــــــــــــــــــــ

(1) الإصابة ج:1 ص:121 في ترجمة أنس بن الحارث بن نبيه. تاريخ دمشق ج:14 ص:224 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) . البداية والنهاية ج:8 ص:199 في أحداث سنة إحدى وستين: في صفة مقتله. ينابيع المودة ج:3 ص:8. 

(2) مقتل الحسين للمقرم ص:313.

(3) كتاب سليم بن قيس الهلالي ص:320 ـ 323.

(4) بحار الأنوار ج36 ص201 ـ 202.