موالاة من ثبت على الحق من الصحابة من فرائض الدين

بل قد عدّ الأئمة (صلوات الله عليهم) موالاة من ثبت على الحق من الصحابة من فرائض الدين، وشرايع الإسلام، التي يجب القيام بها.

ففي حديث الأعمش عن الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق(صلوات الله عليه) في بيان شرائع الدين، قال (عليه السلام) : ((وحب أولياء الله والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة، ومن الذين ظلموا آل محمد(عليهم السلام) ، وهتكوا حجابه... وأسسوا الظلم وغيروا سنة رسول الله... والبراءة من الأنصاب والأزلام، أئمة الضلال، وقادة الجور كلهم أولهم وآخرهم، واجبة... والبراءة من جميع قتلة أهل البيت (عليهم السلام) واجبة. والولاية للمؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا بعد نبيهم (صلى الله عليه و آله و سلم) واجبة. مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود الكندي، وعمار بن ياسر، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وأبي أيوب الأنصاري، وعبدالله بن الصامت، وعبادة بن الصامت، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، ومن نحا نحوهم، وفعل مثل فعلهم. والولاية لأتباعهم والمقتدين بهم وبهداهم واجبة))(1).

وقد سأل المأمون العباسي الإمام أبا الحسن علي بن موسى الرضا (صلوات الله عليه) أن يكتب له محض الإسلام على سبيل الإيجاز والاختصار، فكتب (عليه السلام) له: ((إن محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله...))، ثم كتب أصول الإسلام وفروعه، وجاء في جملة ذلك في بيان الواجبات في شريعة الإسلام: ((والبراءة من الذين ظلموا آل محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) ،وهموا بإخراجهم، وسنوا ظلمهم، وغيروا سنة نبيهم (صلى الله عليه و آله و سلم) ...  والولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) ،والذين مضوا على منهاج نبيهم (صلى الله عليه و آله و سلم) ،ولم يغيروا ولم يبدلوا. مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة اليماني، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وعبادة بن الصامت، وأبي أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري، وأمثالهم (رضي الله عنهم، ورحمة الله عليهم)، والولاية لأتباعهم وأشياعهم، والمهتدين بهداهم، والسالكين منهاجهم (رضوان الله عليهم)))(2).

وقد عرف لهم شيعة أهل البيت ذلك، فوالوهم كما قال أئمتهم (صلوات الله عليهم)، أداء لحقهم، وبخوعاً لأمر الله تعالى وأمر رسول الله وأوصيائه (صلوات الله عليهم) فيهم.

فقد قال عز من قائل: ((وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ))(3).

وقد تقدم عن الأئمة (عليهم السلام) ما يكفي في ذلك.

كما قد تقدم في أواخر الجواب عن السؤال الثاني من الأسئلة السابقة أن من تمام الدين الحب في الله تعالى والبغض في الله، وموالاة أولياء الله، والبراءة من أعداء الله ومعاداتهم، وأن الأحاديث في ذلك كثيرة جداً، ذكرنا هناك بعضاً منها.

 

خلاصة ما سبق

وبذلك كله ظهر جلياً ما سبق من أن النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) لو كان موجوداً ـ كما تقول الشيعة ـ فالذين ردوه جماعة قليلة من المهاجرين والأنصار قادت الانقلاب على أمير المؤمنين (عليه السلام) ،وتبعهم كثير من ضعاف الدين من مسلمة الفتح ونحوهم ممن دخل الإسلام رهبة أو رغبة في الدنيا. أما باقي المهاجرين والأنصار فلا يتضح منهم ذلك. بل الذي يظهر من كثير منهم الإذعان بالنص.

وهم وإن فرطوا في نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في أول الأمر ـ عدا القليل منهم ـ إلا أنهم قد رجعوا إليه بعد ذلك، ولزموا جانبه، وقاتلوا معه، وشدوا أزره. فشكر الله تعالى سعيهم، وغفر ذنبهم، وأجزل ثوابهم، إنه قابل التوبة، شكور غفور.

 

إذعان الصحابة للنص شرف لهم

وفي ختام حديثنا هذا نود التنبيه على أمر قد يغفل عنه. وهو أنه قد يحسب الناظر في حديثنا هذا بدواً أنا نحاول تأييد النص والدفاع عنه من طريق بيان إذعان كثير من الصحابة به وعدم تجاهلهم له، وبيان فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) ورفيع مقامه من طريق بيان ولاء الصحابة المذكورين له، ولزومهم جانبه، وحروبهم معه.

لكن وضوح النص وجلاءه، وبداهة رفعة مقام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، وكونه علماً للحق، وفارقاً بينه وبين الباطل، كل ذلك يجعلهما في غنى عن التأييد والاستظهار بغيرهما. كما قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): ((لا يزيدني كثرة الناس حولي عزة ولا تفرقهم عني وحشة))(4). بل يبقى (صلوات الله عليه) وسام شرف لمن ائتم به، وأذعن بالنص عليه، وشايعه، وجاهد في سبيل دعوته.

ومن ثم يكون حديثنا السابق في حقيقته بياناً لفضل الصحابة المذكورين، ودفاعاً عنهم، وتنزيهاً لهم عما قد يوصمون به ـ نتيجة الإعلام المضاد ـ من النكوص على الأعقاب والزيغ عن الحق وأهله.

هذا هو التفسير الصحيح لما حصل. وعليه جرى السلف الصالـح لشيعة أهل البيت (عليهم السلام)، ففي حديث عبد الرحمن بن الحجاج، قال: ((كنا في مجلس أبان بن تغلب، فجاءه شاب، فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) من أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ؟

قال:فقال له أبان:كأنك تريد أن تعرف فضل عليّ بمن تبعه من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه و آله و سلم) ؟

قال: فقال الرجل: هو ذلك. فقال: والله ما عرفنا فضلهم إلا باتباعهم إياه...))(5).

ويشبهه في ذلك حديث عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: ((كنت بين يدي أبي جالساً ذات يوم، فجاءت طائفة من الكرخيين، فذكروا خلافة أبي بكر، وخلافة عمر بن الخطاب، وخلافة عثمان بن عفان، فأكثروا، وذكروا خلافة علي بن أبي طالب، وزادوا فأطالوا.

فرفع أبي رأسه إليهم، فقال: يا هؤلاء، قد أكثرتم في علي والخلافة، والخلافة وعلي. إن الخلافة لم تزين علياً، بل علي زينها))(6).

ــــــــــــــــــــ

(1) الخصال ص:607 ـ 608 باب الواحد إلى المائة: خصال من شرائع الدين.

(2) عيون أخبار الرضا ج:1ص:129ـ 134 باب ماكتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدين.

(3) سورة الحشر الآية: 10.

(4) نهج البلاغة ج:3 ص:62. الإمامة والسياسة ج:1 ص:51 خروج علي من المدينة. الأغاني ج:16 ص:290 رسائل بين علي وأخيه عقيل.

(5) معجم رجال الحديث ج:1 ص:133 في ترجمة أبان بن تغلب.

(6) تاريخ دمشق ج:42ص:446 في ترجمة علي بن أبي طالب. تاريخ بغداد ج:1ص:135 في ترجمة علي بن أبي طالب. المنتظم ج:5 ص:62 أحداث سنة خمس وثلاثين: ومن الحوادث في هذه السنة أعني سنة خمس وثلاثين من الهجرة خلافة علي (عليه السلام) .