س5 ـ يقول البعض أن الأمة الإسلامية في عصرنا الحاضر المؤلم من يوم هدم الخلافة الإسلامية إلى يومنا هذا ـ سنة وشيعة ـ يتوجب عليهم تنصيب رجل يقوم بأعباء الأمة وحاجاتها وفق ما تقتضيه الشريعة الإسلامية السمحة. خصوصاً أن أهل السنة اليوم لا يتمثلهم خليفة. وكذلك أنتم في زمن الغيبة، حيث أن الشيعة من زمن الغيبة لا يـختلفون عن أهل السنة في احتياجهم إلى شخص يقوم بأعباء الأمة، فما رأيكم في ذلك.
ج: لا ريب في أن وضع المسلمين اليوم مدعاة للحسرة والألم، بحدّ يبلغ المأساة والفجيعة. إلا أن وجوب نصب رجل عليهم يقوم بأعباء الأمة وحاجاتها وفق ما تقتضيه الشريعة الإسلامية ـ كما تضمنه السؤال ـ يتوقف على أمرين..
لابد من تحديد من له أهلية المنصب شرعاً
(الأول): تحديد من هو أهل لهذا المنصب العظيم بمقتضى الشريعة الإسلامية، وإلا فالاختيار الكيفي من دون تقيد بالميزان الشرعي..
(أولاً): لا يتأدى به الواجب، والخروج عن العهدة مع الله تعالى. بل يتحمل الذين يزاولونه مسؤولية التسليط غير المشروع على دماء المسلمين، وأموالهم، وأعراضهم، ومصالحهم، ويتحملون تبعة الأخطاء التي تنجم عن ذلك، لتسبيبهم إليها بذلك التسليط.
)وثانياً): لا يكتسب به الشخص الذي يختار للمنصب القدسية والولاء الديني الذي يحمل أفراد المسلمين على طاعته، التي يتوقف عليها قيامه بمهمته، وأداؤه لوظيفته.
ومن هنا لابد من بحث المسألة فقهياً في مذاهب المسلمين المختلفة، التي ارتضوها لأنفسهم. فإن أمكن الخروج برأي موحد، يتم العمل عليه منهم جميعاً، فذاك. وإلا كان على كل منهم أن يعمل بوظيفته التي أدى إليه اجتهاده ويرى العمل عليها مبرئاً للذمة، ورافعاً للمسؤولية بينه وبين الله عز وجل.
وهو أمر لا مجال للحديث فيه هنا في هذه العجالة، وبهذه البساطة. بل لابد من إيكاله لأهل الاختصاص، ليبحثوه فقهياً بعمق وتثبت، يناسب أهمية الموضوع، وخطورته، وتعقده.
لابد من ملاءمة الظروف الحاضرة لتنفيذ هذا المشروع
)الثاني): إحراز إمكان تطبيق ذلك بالنظر لأوضاع المسلمين القائمة، وظروفهم الحاضرة، وما يحيط بهم من ملابسات، بما في ذلك الأوضاع العالمية المعاصرة. فإن الإقدام على مثل هذا الأمر الخطير في غير وقته قد ينجم عنه مضاعفات وسلبيات تزيد في تدهور المسلمين وسوء حالهم. فلابد من مزيد من التروي والتثبت، ومراعاة مقتضيات الحكمة. والحذر ثم الحذر من الاندفاع العاطفي غير المدروس في مثل هذا الأمر الخطير.
وظيفة المسلمين الحاضرة عند تعذر تنفيذ هذا المشروع
وإذا لم يتسن لنا في الأوضاع القائمة والظروف الحاضرة تنفيذ ذلك، فلا أقل من أن نتوجه إلى أمرين مهمين يتعلقان به، ويتيسر لكل أحد أن يؤدي وظيفته فيهما، ويخرج عن المسؤولية إزاءهما:
)أحدهما): أن من أعظم مصائب المسلمين، وأعقد العقبات التي تقف دون تنفيذ هذا الأمر، هو تشرذم المسلمين، واختلافهم، وانشقاقهم على أنفسهم، إما بسبب الاختلاف المذهبي، أو بسبب الاختلاف السياسي، نتيجة انتماء كل بقعة إسلامية إلى حكومة تسيطر عليها، ويكون مصير شعبها منوطاً باختياراتها، وخاضعاً لحساباتها.
وإن هذا التشرذم والاختلاف من أهم الأهداف التي يحاول أعداء الإسلام استغلالها وتغذيتها، من أجل إضعاف المسلمين، وتفريق كلماتهم، وتشتيت جماعتهم. فهم دائماً يحاولون زرع الفتن فيهم، وتأجيج نار العداوة والبغضاء بينهم، مستغلين بذلك مرضى القلوب، وضعاف النفوس، والمشبوهين، والسذج، والهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق.