لا تلازم بين أهلية الشخص لإمامة الصلاة وتأهله للإمامة العامة

(ثانيهما): أن يكون أمر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)  بصلاة أبي بكر ـ لو فرض صدوره ـ عفوياً، لا يحمل أكثر من مدلوله الحقيقي. لما هو المعلوم من عدم التلازم بين تأهيل الشخص لإمامة الصلاة وصلاحيته للإمامة العامة.

كما صلى عبد الرحمن بن عوف بالناس حينما طعن عمر بن الخطاب(1)، وكما أمر عمر صهيباً بالصلاة بالناس بعده في الأيام الثلاثة التي عينها لأهل الشورى، من أجل أن يختاروا الخليفة منهم(2)، وكما قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ حينما ضربه ابن ملجم على رأسه في مسجد الكوفة ـ جعدة بن هبيرة ليصلي بالناس صلاة الفجر(3)... إلى غير ذلك.

ولا ينافي ذلك ما روي من تشبث عمر بها لتقديم أبي بكر وبيعته. فإن ذلك ـ لو صح ـ (أولاً): قد لا يبتني على دعوى إشارة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)  بالحادثة المذكورة للخلافة، وتأهيل أبي بكر لها. بل لا يزيد عن كونه فضيلة لأبي بكر تناسب تقديمه بنظر عمر، نظير قوله: ((لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح، ثم وليته، ثم قدمت على ربي، فقال لي: لٍمً استخلفته على أمة محمد؟ قلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: لكل أمة أمين، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح))(4).

وقوله: ((ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً استخلفته، فإن سألني ربي. قلت: سمعت نبيك يقول: إن سالماً شديد الحب لله))(5).

وقـوله: ((لو أدركت معاذ بن جبل فاستخلفته، فلقيت ربي، فسألني عن ذلك، لقلت: سمعت نبيك يقول: إذا حضرت العلماء ربهم يوم القيامة، كان معاذ بن جبل بين أيديهم بقذفة حجر))(6).

(وثانياً): قد يبتني على استغلال عمر للحادثة المذكورة، وتفسيرها بالوجه الذي يخدم هدفه، في الوقت الحرج واللحظات الحاسمة، من أجل إنجاز مشروعه، في عملية ارتجالية مفاجئة. ولم يدع مجالاً للأخذ والرد، ليتضح نظر غيره في هذه الحادثة، وتحديد مدلولها الحقيقي.

وما أكثر ما يتشبث ذوو الأهداف في سبيل الوصول لأهدافهم وتنفيذ مخططاتهم بالحجج الواهية والخطابيات التي هي ((كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ))(7).

ولا سيما وأن عمر ومن اتجه وجهته لم يحترموا أوامر النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)   وتوجيهاته في مرضه، ففي يوم الخميس حينما أمر النبي  (صلى الله عليه و سلم) أن يؤتى له بدواة وكتف، ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، ردوا عليه، وقالوا:إنه يهجر، أو: قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله. كما تقدم التعرض لذلك في جواب السؤال الثاني من الأسئلة السابقة.

مع أن حادثة الصلاة قد حصلت بعد ذلك. بل في بعض النصوص أنها كانت يوم الأثنين يوم وفاة النبي  (صلى الله عليه و آله و سلم)  نفسه.

 

عدم تركيز عمر على حادثة الصلاة في أحاديثه عن الخلافة

ويؤيد ما ذكرنا أن عمر قد تعرض بعد حادثة السقيفة لبيعة أبي بكر، وحاول بيان مبرراتها في أحاديث له متعددة له مع ابن عباس وغيره، ولم يشر فيها لحادثة الصلاة كحجة أو مبرر، في الوقت الذي تعرض فيه لمبررات هي أوهى من بيت العنكبوت، كصغر سن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وحبه لبني عبد المطلب، وكراهة قريش أن تجتمع النبوة والخلافة في بني هاشم. بل صرح هو وغيره بأن البيعة كانت فلتة، وقد سبق أن أهون ما قيل في معنى فلتة أنها كانت مباغتة من دون مشورة. وربما ذكروا أنهم أسرعوا بها خوف الفتنة(8). ولو كانت حادثة الصلاة بالنحو الذي يحاول بعضهم الاحتجاج به لكانت أولى بأن تذكر من جميع ما سبق.

فإنه يظهر من ذلك كله أن التشبث بها يوم السقيفة لو كان فإنما هو أمر اقتضته طبيعة الارتجال في تحقيق الهدف وتمريره على الخصوم، بغض النظر عن المدلول الحقيقي للحادثة، كما ذكرنا.

(الأمر الثالث): ليس من المنطقي أن يتشبث المدعي لدعواه بمثل هذه الإشارة المدعاة إلا بعد مقارنتها بما يتشبث به الخصم، واستيضاح أنها أقوى دلالة مما يملكه الخصم من الإشارات والدلالات، فضلاً عن الحجج والبينات. ولا يسعنا في هذه العجالة استيعاب ما تملكه الشيعة من ذلك، غير أنا نستطرد بذكر جملة منها من أجل مقارنتها بحادثة الصلاة.

ــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري ج:3 ص:1354 كتاب فضائل الصحابة: باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان (رضي الله عنه) . صحيح ابن حبان ج:14 ص:193 كتاب إخباره (صلى الله عليه و سلم) عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم بذكر أسمائهم (رضي الله عنهم أجمعين): ذكر رضا المصطفى (صلى الله عليه و سلم) عن عثمان بن عفان (رضي الله عنه) عند خروجه من الدنيا. المستدرك على الصحيحين ج:3 ص:97 كتاب معرفة الصحابة: ومن مناقب أمير المؤمنين عمربن الخطاب (رضي الله عنه) مما لم يخرجاه : مقتل عمر (رضي الله عنه) على الاختصار. السنن الكبرى للبيهقي ج:3 ص:113 كتاب الصلاة: جماع أبواب موقف الإمام والمأموم: باب الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر. المصنف لابن أبي شيبة ج:1 ص:406 كتاب الصلاة: التخفيف في الصلاة من كان يخففها. مسند أبي يعلى ج:5 ص:116. حلية الأولياء ج:4 ص:151 عند الحديث عن عمرو بن ميمون الأودي. كتاب الآثارص:47. الثقات ج:2 ص:238 في استخلاف عمر بن الخطاب. الطبقات الكبرى ج:3 ص:337 في ترجمة عمر بن الخطاب: ذكر استخلاف عمر (رحمه الله) . نيل الأوطار ج:6 ص:158 كتاب الوصايا: باب وصية من لا يعيش مثله. موارد الظمآن ص:537 باب فضل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) . مجمع الزوائد ج:9 ص:76 كتاب المناقب: باب وفاة عمر (رضي الله عنه) . مسند الحارث ج:2 ص:622 كتاب الإمارة: باب ما جاء في الخلفاء. وغيرها من المصادر الكثيرة.

(2) صحيح ابن حبان ج:15 ص:333 كتاب إخباره (صلى الله عليه و سلم) عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم بذكر أسمائهم (رضي الله عنهم أجمعين): ذكر رضا المصطفى (صلى الله عليه و سلم) عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في صحبته إياه. المصنف لابن أبي شيبة ج:7 ص:437 كتاب المغازي: ماجاء في خلافة عمر بن الخطاب. مجمع الزوائد ج:5 ص:195 كتاب الخلافة: باب الخلافة في قريش والناس تبع لهم. الطبقات الكبرى ج:3 ص:61 في ترجمة عثمان بن عفان: ذكر الشورى وما كان أمرهم، ج:3 ص:341 في ترجمة عمر بن الخطاب: ذكر استخلاف عمر (رحمه الله) . فتح الباري ج:7 ص:68. سير أعلام النبلاء ج:2 ص:26 في ترجمة صهيب بن سنان. وغيرها من المصادر.

(3) الاستيعاب ج:3 ص:1125 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) . مجمع الزوائد ج:9 ص:141 باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)  كتاب المناقب: في باب بعد باب وفاته (رضي الله عنه) . المعجم الكبير ج:1 ص:99 نسبة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) : سن علي بن أبي طالب ووفاته (رضي الله عنه) . نظم درر السمطين ص:141. المناقب للخوارزمي ص:383. المنتظم ج:5 ص:173 أحداث سنة تسع وثلاثين: عند الحديث عن مقتل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) . الكامل في التاريخ ج:3 ص:256 أحداث سنة أربعين: ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) . ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ج:1 ص:114 باب في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : ذكر قاتله وما حمله على القتل وكيفية قتله وأين دفن.

(4) مسند الشاشي ج:2 ص:93 من مناقب أبي عبيدة بن الجراح وغيره، واللفظ له. مسند أحمد ج:1 ص:18 في مسند عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) . فتح الباري ج:13 ص:119. تحفة الأحوذي ج:6 ص:399. فيض القدير ج:3 ص:190. سير أعلام النبلاء ج:1 ص:372 في ترجمة خالد بن الوليد. صفوة الصفوة ج:1 ص:367. تاريخ الطبري ج:2 ص:580 قصة الشورى. تاريخ دمشق ج:58 ص405 في ترجمة معاذ بن جبل. وغيرها من المصادر. وقريب منه في المستدرك على الصحيحين ج:3ص:300 كتاب معرفة الصحابة: ذكر مناقب أبي عبيدة بن الجراح، والطبقات الكبرى ج:3 ص:413 في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح، وفضائل الصحابة لابن حنبل ج:2 ص:742، وتاريخ دمشق ج:25ص:461 في ترجمة عامر بن عبدالله بن الجراح، وغيرها من المصادر.

(5) تقدمت مصادره في جواب السؤال الرابع في ص: 209.

(6) تقدمت مصادره في جواب السؤال الرابع في ص: 209.

(7) سورة النور الآية: 39.

(8) الرياض النضرة ج:2 ص:206 القسم الثاني في مناقب الأفراد: الباب الأول في مناقب خليفة رسول الله أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) : الفصل الثالث عشر في ذكر خلافته وما يتعلق بها من الصحابة: ذكر بيعة السقيفة وماجرى فيها.